تحريك لليسارإيقافتحريك لليمين
نافذة من السماء، العدد السادس والعشرون.
مجلة هدى القرآن العدد الثاني والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد السادس والتسعون
نافذة من السماء، العدد الخامس والعشرون
مجلة هدى القرآن العدد الواحد والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد الخامس والتسعون
مجلة هدى القرآن العدد التاسع عشر
مجلة أريج القرآن، العدد الواحد والتسعون
مجلة أريج القرآن، العدد التسعون
 
التصنيفات
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة
مجلة هدى القرآن العدد الرابع عشر

العدد الرابع عشر ـ السنة الخامسة ـ لشهر محرّم إلى ربيع الثاني 1436 هجري ، تشرين (1) 2014 ميلادي
مجلة داخلية تصدر عن جمعية القرآن الكريم، تُعنى بالثقافة القرآنية

 

 


- الافتتاحية : كلمة الشهادة في المصطلح القرآني ترجمها الإمام الحسين (عليه السلام) .

- القرآن والقادة : التطبيق من الآداب المهمة لقراءة القرآن.

- بمناسبة ولادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام الصادق (عليه السلام) .

- الحرب النفسيَّة وسبل المواجهة على ضوء القرآن.

- التفسير والبيان : بين الإسلام والإيمان.

- مفردات قرآنية : سُورَةُ إِبْرَاهِيم (عليه السلام) .

- الأمثال في القرآن : خَلْق عيسى (عليه السلام) يشبه خَلْقْ آدم (عليه السلام) .

- مناهج التفسير : التفسير حسب تأويلات الباطنية.

- علوم قرآنيَّة : أسباب ظهور اختلاف القراءات.

- استفتاءات قرآنية : لسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله) .

- قصص قرآنيَّة : قصَّة لقمان (عليه السلام) في القرآن ونبذ من حكمه.

- القرآن في نهج البلاغة : اَلْقُرْآنِ رَبِيعُ اَلْقَلْبِ وَيَنَابِيعُ اَلْعِلْمِ.

- الأخلاق في القرآن : علاقة الأخلاق بالتّغذية.

- حفظ القرآن : التحذير من الوقوع في أخطاء أثناء قراءة وحفظ القرآن الكريم (3) .

- المرأة في القرآن : تعليمُ المرأة وتعلُّمها على ضوء القرآن الكريم.

- تجويد القرآن : الوقف والابتداء.

- حوارات قرآنية : دعاء عدنان البيروتي حافظة لكامل القرآن الكريم.

- أشهر القرّاء المبدعين : القارىء الشيخ سيد النقشبندي (من جمهورية مصر العربيَّة) .

- مقابلة العدد : مع فضيلة الشيخ حاتم برو (مسؤول جمعية القرآن في بعلبك) .

- كلام أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن.

- العقيدة في القرآن : التوحيد في القرآن الكريم.

- نباتات ذكرت في القرآن.

- حيوانات ذكرت في القرآن.

- أنشطة الجمعية.

- مسابقة العدد.

 

    كلمة العدد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
صدق الله العلي العظيم


إنّ الرحمة إلالهية في الواقع هي الصفة البارزة لهذا الكتاب السماوي العظيم، التي تتجسّد من خلال آياته العطرة التي تفوح بشذاها ونورها القلوب فتضيء جوانب الحياة، وتسلك بالإنسان مسالك النجاة والرضوان.
القرآن الكريم أشرف وأفضل الكتب على الإطلاق، إنه كتاب الله، وخاتم الرسالات السماوية، وقد جعله الله تفصيلاً لكل شيء، ولم يخصصه لجماعة دون غيرها، بل جعله كتاب الجميع، ميسراً لهم ذكره.
ومن عظمة القرآن أنه لم يكن كتاب علم خاص، أو موضوع محدد، بل هو كتاب الإنسان والمجتمع والحضارة، وهو كتاب التشريع والحكم، وهو كتاب الاقتصاد والسياسة، وهو كتاب العقائد والاخلاق.. وبكلمة واحدة أنه كتاب الحياة.
إن آياته البينات هي كالشمس فإنها تشرق كل يوم لتلبس الكون حلة جديدة من أشعتها الذهبية. فكذلك القرآن كل مرة تقرأه تلمس فيه معاني جديدة، وتكتشف آفاقاً لم تكن قد خطرت على بالك من قبل.
إنه كتاب حي لا يجرء الموت الاقتراب منه، لأنه كتاب الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
من هنا يتأكد علينا أن نعي قيمة القرآن الكريم، ونعظم قدره في واقعنا، ونهتم به ونستفيد منه في صياغة شخصياتنا وبناء أمتنا على غرار مناهجه وتوصياته.
ويجدر بنا وبالبشرية جمعاء أن لا نتوانى في هذا الطريق، لأنه يضمن لنا الحياة الطيبة في الدنيا والنجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة.
 

جمعية القرآن الكريم
للتوجيه والإرشاد

 

    الافتتاحية

كلمة الشهادة في المصطلح القرآني
ترجمها الإمام الحسين (عليه السلام)



السَّلامُ عَلَى وليِّ الله وحَبيبهِ السَّلامُ عَلَى خليل الله ونجِيبه السَّلامُ عَلَى صفيِّ الله وابن صفيِّه السَّلامُ عَلَى الحُسين المَظلوم الشَّهيد السَّلامُ عَلَى أسير الكُرُباتِ وقَتيلِ العَبراتِ . يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ (1) .

ماذا تعني الشهادة؟ وما هي منزلة الشهيد في سبيل الله عزَّ وجل؟.
الشّهادة تعني الحضور، والشهود، والقتل في سبيل الله. هكذا وردت كلمة الشهادة في المصطلح القرآني بمعنى القتل في سبيل الله عزَّ وجل، ترجمها الإمام الحسين(عليه السلام) .
وقد قرر الإسلام مسألة الشهادة وبيّن منزلتها العظيمة في الآية أعلاه وآيات اُخرى مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ … (2) وغيرها. لتكون عاملاً فعّالاً هامّاً على ساحة المواجهة بين الحق والباطل. وهذا العامل أمضى من أي سلاح وأقوى من كل المؤثرات، وهو قادر على أن يجابه أخطر الأسلحة وأفتكها في عصرنا الراهن، وتجربة المقاومة الإسلامية في لبنان والثورة الإسلامية في إيران أثبتت ذلك بوضوح. وقد شاهدنا بأم أعيننا انتصار المندفعين نحو الشهادة بالرغم من ضعف إمكاناتهم المادية على أعتى القوى المتجبّرة.

ولو ألقينا نظرة على تاريخ الإسلام، والملاحم التي سطرها المسلمون في جهادهم الدّامي، والتضحيات التي قدمها المجاهدون على طريق الرسالة، لألفينا أن الدافع الأساس لكل هذه التضيحات هو درس الشهادة الذي لقنه الإسلام لأبنائه، وبموجبه آمنوا أن الشهادة على طريق الله جلَّ جلاله وطريق الحق والعدالة لا تعني الفناء، بل السعادة والحياة الخالدة.
المقاتلون الذين تلقوا مثل هذا الدرس في مثل هذه المدرسة الكبرى ، لا يقاسون بالمقاتلين العاديين الذين يفكّرون في صيانة أرواحهم, أولئك يحاربون من أجل الرسالة ويندفعون بشوق عظيم نحو كسب وسام الشهادة.

فهذا الفداء والتضحية بالنفس في سبيل الله والدين، غاية فلاح المؤمن, ومن يضحي بنفسه في سبيل الدين ينال الفوز والخلود في الآخرة، وتكون شهادته مثالاً وأسوة يحتذي بها الآخرون. كانت سمية أمُّ عمار أوّل شهيدة في الإسلام قُتلت برمح أبي جهل تحت طائلة التعذيب, واستشهد من بعدها مسلمون آخرون منهم من قتل تحت التعذيب ومنهم من قتل أثناء المعارك ضد المشركين، ومنهم من قتل دفاعا عن الحق عند مواجهة حكام الجور، وكانوا بأجمعهم أسوة يقتدي بهم الأحرار على مدى الأيام.

أما سبب تسمية مثل هذه الميتة بالشهادة فقد قيل: «لأن ملائكة الرحمة تشهده فهو شهيد بمعنى مشهود؛ وقيل: لأن الله وملائكته شهود له في الجنة؛ وقيل: لأنه ممن يشهد يوم القيامة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأمم الخالية؛ وقيل لأنه لم يمت كأنه شاهد أي حاضر (3) ، استناداً إلى الآية الشريفة: ﴿ .. أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (4) .

إن لفيض الشهادة قيمة كبيرة حتى أن أولياء الدين طالما يسألون ربّهم أن يجعلها من نصيبهم، ونحن كثيراً ما نسأل الله في أدعيتنا أن يكتب لنا الشهادة، وقد وردت روايات كثيرة في فضل الشهادة ومكانة الشهيد، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فوق كل ذي بِرّ بِرّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بِرّ» (5) .

وجاء في الأحاديث أن الشهادة أفضل الموت، وقطرة دم الشهيد من أفضل القطرات، والشهادة تمحو الذنوب، والشهيد في أمان من سؤال القبر، وضغطة القبر، وهو في الجنّة مع الحور العين، وللشهيد حق الشفاعة، والشهداء أول من يدخلون الجنة، والجميع يغبط الشهيد على مكانته ، فعن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: بينما أمير المؤمنين يخطب ويحضهم على الجهاد إذ قام إليه شاب فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله فقال: كنت رديف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ناقته العضباء ونحن منقلبون عن غزوة ذات السلاسل فسألته عمّا سألتني عنه فقال: الغزاة إذا هموا بالغزو كتب الله لهم براءة من النار، فإذا تجهزوا لغزوهم باهى الله بهم الملائكة، فإذا ودعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان والبيوت، ويخرجون من الذنوب... ويكتب له (أي لكلّ شهيد وغاز) كلّ يوم عبادة ألف رجل يعبدون الله... وإذا صاروا بحضرة عدوهم انقطع علم أهل الدنيا عن ثواب الله إياهم، فإذا برزوا لعدوهم وأشرعت الأسنة وفوقت السهام، وتقدّم الرجل إلى الرجل حفتهم الملائكة بأجنحتها يدعون الله بالنصرة والتثبيت فينادي مناد: «الجنة تحت ظلال السيوف» فتكون الطعنة والضربة على الشهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصائف، وإذا زال الشهيد من فرسه بطعنة أو ضربة لم يصل إلى الأرض حتّى يبعث الله إليه زوجته من الحور العين فتبشره بما أعد الله له من الكرامة، فإذا وصل إلى الأرض تقول له الأرض: مرحباً بالروح الطيب الذي خرج من البدن الطيب، إبشر فإن لك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويقول الله: أنا خليفته في أهله من أرضاهم فقد أرضاني ومن أسخطهم فقد أسخطني (6) .

اعتبر الشيخ المفيد الشهادة مقاماً رفيعاً، ومن يصبر ويقاوم في سبيل الله حتى يراق دمه يصبح يوم القيامة من أمناء الله ذوي المرتبة السامية (7) .
الشهادة في مدرسة الوحي مطلوبة ومحبوبة، وقضى جميع الأئمة المعصومين عليهم السلام بين قتيل أو مسموم، وكان موتهم الشهادة، ومع أن نفوس الأئمة وأولياء الله وعباده المخلصين عزيزة، لكن دين الله تعالى أعز وأغلى، وعلى هذا يجب التضحية بالنفس في سبيل الله، ليسود الحق وهذا هو «سبيل الله».

توافرت ظروف في عهد سيد الشهداء جعلت من غير الممكن إيقاظ الأمة إلا بالتضحية والشهادة، ولم يكن من اليسير أن تنمو شجرة الدين إلا بدماء أعز الناس، وهذا ما جعل الإمام وأصحابه الشهداء يواجهون السيوف والرماح بوعي واندفاع لكي يبقى الإسلام بموتهم الدامي طرياً يانعاً، وظلت هذه السنة قائمة على مدى التاريخ، وأصبحت الشهادة درساً كبيراً وخالداً لكل الأجيال والعصور.

ومن يتمكن بلوغ هذه المرتبة بحيث يقطع جميع العلائق الدنيوية، تدفعه محبة الحياة الخالدة إلى اختيار الشهادة، ومن البديهي أن اجتياز هذه الموانع والوصول إلى مرحلة التحرر من جميع القيود الدنيوية يتطلب درجة عالية من الإيمان، ولهذا السبب فإن الشهادة هي أقرب الطرق وأوسطها للوصول إلى الله وإلى الجنة.

ذكرت الروايات والأحاديث أشخاصاً يعتبرون في عداد الشهداء، فمن قتل في ساحة الحرب، ومن تحمل العذاب والمشاق، وضحى بنفسه في هذا السبيل، لهذا ومن قتل دفاعاً عن ماله وعن نفسه وعن شرفه ولنيل حقه، أو من يموت وهو مهاجر في سبيل الله، أو من يموت على الإيمان وعلى محبة أهل البيت عليهم السلام وهو ينتظر الفرج لكي يحكم العدل، ومن يموت في سبيل طلب العلم أو في دار الغربة، والمرأة إذا ماتت في حالة الولادة، أو من يقتل وهو يؤدي واجبة في الأمر بالمعروف والنهي، فهو في جميع هذه الحالات شهيد.

ونحن نعيش أيام محرم ذكرى شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه نتوجه إليهم بالتحية والسّلام فنقول: السَّلام عليكَ يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك عليك منِّي سلامُ الله أبداً ما بقيتُ وبقيَ اللّيلُ والنهارُ ولا جعلهُ الله آخرَ العهدِ منِّي لزيارتكم السَّلام على الحُسين وعلى عليٍّ بن الحُسين وعلى أولاد الحُسين وعلى أصحاب الحُسين.

رئيس التحرير


(1) - سورة البقرة ، الآية : 154 .
(2) - سورة التوبة ، الآية : 111 .
(3) - مجمع البحرين : كلمة “شهد” .
(4) - سورة آل عمران ، الآية : 169.
(5) - الكافي: ج2 ، ص348 ، ح4 .
(6) - مجمع البيان : عند تفسير الآيات (1171) ، من سورة آل عمران .
(7) - أوائل المقالات للشيخ المفيد: 114.

 

    القرآن والقادة

كلام الإمام الخميني (قدس سره)

التطبيق من الآداب المهمة لقراءة القرآن



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.
لقد تحدث الإمام الخميني (قده) عن الآداب المهمة لقراءة القرآن في كتابه (الآداب المعنوية للصلاة) حيث قال:
من الآداب المهمة لقراءة القرآن التي تنيل الإنسان نتائج كثيرة والاستفادات غير المعدودة هو التطبيق.
وكيفيّتة أنه حينما يتفكر في كل آية من الآيات الشريفة يطبق مفادها في حاله ويرفع نقصانه بواسطة هذا التطبيق ويشفي أمراضه به، مثلا في قصة آدم(عليه السلام) الشريفة يتفكر أن مطرودية الشيطان عن جناب القدس مع تلك السجدات والعبادات الطويلة لماذا؟ فيطهّر نفسه منه لأن مقام القرب الإلهي مقام المطهّرين، فمع الأوصاف والأخلاق الشيطانية لا يمكن القدوم إلى ذلك الجناب الرفيع .

ويستفاد من الآيات الشريفة أن مبدأ عدم سجود إبليس هو رؤية النفس العجب فطبّل فـ ﴿ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (1) .. فهذا العجب صار سبباً لحب النفس والاستكبار، وصار سبباً للاستقلال والاستكبار وعصيان الأمر، فصار مطروداً عن الجناب ونحن خطبنا الشيطان من أوّل عمرنا ملعونا ومطروداً واتصفنا باوصافه الخبيثة ولم نتفكر في أنَّ ما هو سبب المطرودية عن جناب القدس اذا كان موجوداً في أي شخص، فهو مطرود وليس للشيطان خصوصية، فما كان سبباً لطرده عن جناب القدس يكون مانعاً من أن نتطّرق إليه، وأنا أخاف من أن نكون شركاء إبليس في اللعن الذي نلعنه.

ونتفكر أيضاً في هذه القضية الشريفة ونرى ما هو السبب لمزيّة آدم وأفضليته على الملائكة, فنتصف نحن أيضاً بمقدار الطاقة بذاك السبب فنرى أن سبب التفضيل هو تعليم الأسماء (2) كما قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا (3) والمرتبة العالية من تعليم الاسماء هو التحقق بمقام اسماء الله. كما أن المرتبة العالية من الإحصاء الذي هو في الرواية الشريفة أن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة, هو التحقق بحقيقتها التي تنقل الإنسان إلى جنة الاسماء.

الإنسان يستطيع أن يكون مظهراً لاسماء الله, والآية الكبرى الإلهية بالارتياضات القلبية ويكون وجوده وجوداً ربّانياً ويكون المتصرّف في مملكته يدا الجمال والجلال الإلهي, وفي الحديث وما يقرب من هذا المعنى من أن «روح المؤمن أشدّ اتصالاً بالله تعالى من اتصال شعاع الشمس بها أو بنورها».

وفي الحديث الصحيح: «لا يزال يتقرّب إليّ عبدي بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يأخذ بها». وفي الحديث «علي عين الله ويد الله» إلى غير ذلك.. وفي الحديث: «نحن أسماؤه الحسنى», والشواهد العقلية والنقلية في هذا بخصوصه كثيرة.

وبالجملة، من أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر والنصيب الكافي فلا بد له أن يطبّق كل آية شريفة من الآيات على حالات نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة, مثلاً يقول الله تعالى في سورة الأنفال في الآية الشريفة: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (4) . فلا بد للسالك من أن يلاحظ هل هذه الأوصاف الثلاثة منطبقة عليه, وهل قلبه يجِل إذا ذكر الله ويخاف؟ وإذا تليت عليه الآيات الشريفة الإلهية يزداد نور الإيمان في قلبه؟ وهل اعتماده وتوكله على الحق تعالى؟ أو أنه في كل من هذه المراحل راجل ومن كل هذه الخواص محروم؟ فإذا أراد أن يفهم أنه من الحق تعالى خائف وقلبه من خوفه وجل فلينظر إلى أعماله.

الإنسان الخائف لا يتجاسر في محضر الكبرياء إلى مقامه المقدس ولا يهتك الحرمات الإلهية في حضور الحق, وإذا قوي الإيمان بتلاوة الآيات الإلهية يسري نور الإيمان إلى المملكة الظاهرية أيضاً, فغير ممكن أن يكون القلب نورانياً ولا يكون اللسان والكلام والعين والنظر والسمع والاستماع نورانياً, فالبشر النوارني هو الذي تكون جميع قواه الملكية (5) والملكوتية (6) منيرة, فمضافاً إلى هداية نفسه إلى السعادة والطريق المستقيم يكون مضيئاً لسائر الخلق أيضاً ويهديهم إلى طريق الإنسانية كما أنه إذا توكل أحد على الله تعالى واعتمد عليه فيقطع الطمع عمّا في أيدي سائر الخلق ويحط رحل حاجته وفقره إلى باب الغنى المطلق ولا يرى سائر الذين هم مثله فقراء ومساكين حلاّلين لمشاكله, فوظيفة السالك إلى الله هي أن يعرض نفسه على القرآن الشريف, فكما أن الميزان في صحة الحديث وعدم صحته واعتباره وعدم اعتباره أن يعرض على كتاب الله فما خالف كتاب الله فهو باطل وزخرف, كذلك الميزان في الاستقامة والاعوجاج والشقاوة والسعادة هو أن يكون مستقيماً وصحيحاً في ميزان كتاب الله تعالى, وكما أن خلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القرآن فاللازم له أن يجعل خُلقه موافقاً للقرآن حتى يكون مطابقاً لخُلق الولي الكامل أيضاً, والخلق الذي يكون مخالفاً لكتاب الله فهو زخرف وباطل.

وكذلك جميع المعارف وأحوال قلبه وأعمال الباطن والظاهر له لا بد أن يطبّقها على كتاب الله ويعرضها عليه حتى يتحقق بحقيقة القرآن ويكون القرآن له صورة باطنية.
وأنت الكتاب المبين الذي ... بأحرفه يظهر المضمر
وفي هذا المقام آداب أخر قد ذكرنا بعضها في أول هذه الرسالة في آداب مطلق العبادات وبعضها مندرج في هذه الآداب, وذكر بعضها ينجرّ إلى التطويل, فلهذه الجملة صرفنا النظر عنه والله العالم (7) .


(1) - سورة ص ، الآية : 76 .
(2) - الأسماء: عالم الأسماء هو عالم الحقائق التي تلازم واجب الوجود, فالمقصود من الأسماء ليس هو لفظ العالم والقادر بل المسمى بالعالم والقادر, وأما الألفاظ هذه هي أسماء الأسماء.
(3) - سورة البقرة, الآية : 31.
(4) - سورة الانفال, الآية : 2.
(5) - قد مر ذكره في عدد سابق.
(6) - قد مر ذكره في عدد سابق.
(7) - الآداب المعنوية للصلاة ـ صفحة 353.

 

   القرآن والقادة

بمناسبة ولادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)
وولادة الإمام الصادق(عليه السلام)

تحدث الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله)
في مدراء الدولة ومسؤوليها


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


أبارك عيد ولادة منقذ البشرية والهدية الإلهية لتاريخ الإنسانية، نبي الإسلام الكريم سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكذلك ولادة الإمام الصادق (عليه السلام) لكل الأمة الإسلامية الكبرى، ولشعبنا الإيراني العزيز، ولكم أيّها الحضور المحترمون، وخصوصاً الضيوف المكرمون الحاضرون هنا من مختلف البلدان الإسلامية، وكذلك سفراء البلدان الإسلامية الحاضرون هنا.

كانت هذه الولادة طليعة الرحمة الإلهية لتاريخ البشرية ، عبّر القرآن الكريم عن وجود الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه: ﴿ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (1) ، وهذه الرحمة غير محدودة، إنما تشمل تاريخ التربية والتزكية والتعليم وهداية البشر للصراط المستقيم وتقدم البشر في مجالات الحياة المادية والمعنوية، ولا تختص بأهل ذلك الزمان، بل هي لكل التاريخ وعلى امتداده: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ (2) . سبيل الوصول إلى ذلك الهدف هو العمل بالمعارف والقوانين الإسلامية المرسومة للبشر.

لقد واجهت الأمة الإسلامية الكبرى طوال القرون المتمادية تحدّيات وانحرافات كثيرة. لقد ابتعدنا عن الإسلام وشغلنا أنفسنا بأشياء حذّرنا الإسلام منها ، على امتداد هذا التاريخ الطويل انشغلنا بحروب داخلية على يد القوى الطاغوتية، وكانت النتيجة أنَّ الأمة الإسلامية الكبرى لم تستطع على امتداد قرون طويلة وبعد القرون الإسلامية الأولى أن تصل إلى الهدف والغاية التي رسمها لها رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) والدين الإسلامي العزيز، مع أن الله تعالى أودع الكثير من الثروات المادية في البلدان الإسلامية، وكان بمقدور هذه الثروات أن تكون وسيلة لتقدمنا، لكننا من حيث العلم والصناعة والكثير من مؤشرات التقدّم صرنا من المناطق المتخلفة في العالم، لم يكن هذا هو ما قرّره لنا الإسلام ، إنما كان بسبب أعمالنا السيئة وسلوكياتنا وغفلتنا نحن المسلمين: ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (3) ، نحن الذين أصبنا بالغفلة طوال قرون فابتلينا بهذا الوضع.

وقد اختلفت الأوضاع في العالم الإسلامي حالياً، والصحوة الإسلامية محسوسة مشهودة في كل العالم الإسلامي، وتلاحظ حركة ونهضة عظيمة في مراحل وأطوار مختلفة في كل العالم الإسلامي، هناك ميول للعودة إلى الأصول والأسس الإسلامية الباعثة على العزة والتقدم والرّقي، على المثقفين والعلماء والشخصيات السياسية في العالم الإسلامي أن تعزّز هذه الحركة.
من الخطأ أن يتصوّر البعض في العالم الإسلامي أن حركة الصحوة الإسلامية بين الشباب تنتهي بضرر الحكومات الإسلامية، لا تستطيع الحكومات الإسلامية بفضل الصحوة الإسلامية أن تستعيد العزة التي سلبتها منها القوى الاستكبارية، ومن النماذج على ذلك بلدنا وثورتنا وإمامنا الخميني (قده)، بعد أن ابتلينا لقرون طويلة بالاستبداد، ولقرنين كاملين بهيمنة الأجانب، صحونا على أنفسنا واستطاع الإمام الخميني (قده) الجليل إعادة العزة لشعبنا. لقد ساد البريطانيون والروس والأمريكان تباعاً في هذا البلد، وتحكموا فيه تحكماً حقيقياً، صحيح أنهم لم يكونوا على رأس الحكم في الظاهر، لكن الأمور كانت في أيديهم، وكل ما في البلد كان في أيديهم وتحت تصرفهم، وكان شعبنا محروماً من حقوقه ومصادره وعزته والطعم الحقيقي لدينه.

واستطاع إمامنا الخميني (قده) الجليل قطع الهيمنة الاستبدادية والاستعمارية الطويلة على بلادنا، وذلك بالعودة للإسلام والتمسّك به، وإعادة العزة لنا، استطاع منح شعبنا الشعور بالهوية الإسلامية ليشعر أنه قادر على الوقوف على قدميه، وأن بوسعه اتخاذ القرارات والانتخاب بنفسه، وإطلاق «لا» و«نعم» في القضايا المصيرية، لم يكن شعبنا قد تذوّق هذا الشيء منذ قرون ، وهذا ما منحه له الإسلام، في أي منطقة من مناطق العالم إذا تعزّزت حركة الصحوة الإسلامية وقامت، وشعر الناس والشباب في ذلك البلد أنهم يقتربون من الإسلام، فإن ذلك سوف يجدد هويتهم وعزتهم.

وبالطبع فإن أعداء الإسلام لا يريدون هذا ، يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً (4) . وأمريكا اليوم على رأس أعداء الإسلام، وهي الشرّ والشيطان المتجسّد. الاستكبار العالمي اليوم هو العدو الأصلي للعالم الإسلامي، وأمريكا تقف على رأس هذا الاستكبار العالمي ، هذه من المعارف الشائعة لثورتنا ونظامنا، منذ أربعة وعشرين عاماً والثورة الإسلامية تنادي بهذا، لكن العالم والمجتمعات الإسلامية شعرت اليوم بهذا ولمسته. قضايا فلسطين وأحداثها والفجائع التي تقع كل يوم وليلة في فلسطين بدعم أمريكا، ماثلة أمام أنظار الناس. كيف يمكن للأمة الإسلامية أن تغمض عينيها ولا ترى هذه الفجائع؟ ما يحدث في العراق ماثل أمام أنظار الناس في العالم، إنه اختبار تاريخي وسياسي قائم أمام أنظار الناس في العالم، وخصوصاً الأمة الإسلامية. هاجم الأمريكان نظام صدام باسم الديمقراطية والحرية، لكنهم اليوم لا يسمحون للشعب العراقي بتقرير مصيره، ويقولون يجب أن يكون الزمام بأيدينا!
يحرمون شعباً وبلداً إسلامياً من كل حقوقه الدارجة والشائعة المقبولة عالمياً بذريعة إنكم لا تستطيعون ، ويجب أن نتولى نحن الأمور.. نحن الذين يجب أن نمنحكم الديمقراطية! أية ديمقراطية؟! هل هذه ديمقراطية وحقوق إنسان؟ وبعد المذابح الهائلة التي ارتكبت ضد الشعب العراقي؟!

قالوا إننا أردنا تدمير أسلحة الدمار الشامل. والسؤال المطروح من قبل الأمة الإسلامية هو: من الذي منح الأسلحة الكيمياوية وأسلحة الدمار الشامل ووسائل الإجرام لصدام؟ هل منحها أحد لصدام غيرهم؟ هم الذين جهّزوا صداماً وأمدّوه لتوجيه ضرباته للإسلام والثورة. طالما كان فيه أمل في التعاون والمساعدة جهّزوه وأمدّوه ما استطاعوا، وبعد أن فقد مفعوله ورأوا أنه لا ينفع لمواجهة الثورة الإسلامية وحركة الصحوة الإسلامية ، أطلقوا تلك المشاهد!

الأمة الإسلامية تشاهد هذه الأمور وهذا الاختبار، كيف يمكن للأمة الإسلامية أن تغمض عيونها؟ هذه تجارب..
ما من سبيل أمام العالم الإسلامي اليوم لاستعادة عزته وكيانه وهويته سوى العودة للإسلام، والإسلام هنا بالطبع الإسلام الحقيقي، وليس الإسلام المتحجّر الممتزج بالخرافات التي يروّج لها أعداء الإسلام ويقولون هذا هو الإسلام - فمثل هذا الإسلام غير كفوء وغير مجد - ولا الإسلام المتطابق مع الأصول الأمريكية والغربية، فهذا أيضاً ليس بإسلام. كلا هذا إسلام أمريكي، وقد طرح إمامنا الخميني الجليل تقابلاً وتضاداً فقال: «الإسلام الأمريكي» و«الإسلام المحمدي الأصيل». الإسلام الأصيل الخالص، وإسلام التوحيد والوحدة بين الأمة الإسلامية، وإسلام: ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (5) ، وإسلام «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه» (6) ، والإسلام القائل: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ  (7) .. العودة إلى مثل هذا الإسلام هو السبيل الوحيد والوصفة الوحيدة لعلاج أوجاع الأمة الإسلامية.. وهذا أمر ممكن. السير نحو هذا الإسلام قد عمّ اليوم كل الأرجاء، من شرق العالم الإسلامي إلى غربه، وهذا ما يبث الاضطراب والتخبّط في أعداء الإسلام.

لا تنظروا للضجيج الإعلامي للاستكبار وصخبه وتظاهره بالقوة. لقد خافوا من الإسلام، وبثت الحركة الإسلامية العظيمة الرعب في نفوسهم، لذا فهم مضطرون لاستخدام وسائل القهر والإكراه، ووسائل القهر بدورها لا تنفعهم ولا تعالج مشكلاتهم. وسائل القهر بإمكانها إزالة الحكومات والأنظمة، لكنها لا تستطيع القضاء على المسيرة الإسلامية الشعبية العظيمة، الأمة الإسلامية آخذة بالاستيقاظ والنهوض، وقد أدركوا هم هذه الحقيقة، مستقبل الأمة الإسلامية هو المستقبل الذي رسمه الإسلام. إننا بوصفنا مثقفين، أو علماء دين، أو مأمورين حكوميين، أو مسؤولين سياسيين، من واجبنا رسم هذا المستقبل، والعمل على تسريع هذا التقدّم وتسهيله.
نتمنى أن يكون هذا العيد الشريف بركة للأمة الإسلامية وعامل يقظة لنا جميعاً، وأن ينزّل الله تعالى توفيقاته علينا ويشملنا برعاية سيدنا بقية الله الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (8) .


(1) - سورة الأنبياء، الآية: 107 .
(2) - سورة الجمعة، الآية: 34 .
(3) - سورة النساء، الآية: 79 .
(4) - سورة فاطر، الآية: 6 .
(5) - سورة النساء، الآية: 141 .
(6) - جواهر الكلام، ج 38، ص 194.
(7) - سورة الأعراف، الآية: 96.
(8) - كلمته في مدراء الدولة و مسؤوليها بمناسبة ولادة الرسول الأعظم (ص) 19/05/2003 م

 

 

  القرآن والقادة

الــحــرب الـنـفســيَّة
وسبل المواجهة على ضوء القرآن

لسماحة حجة الإسلام والمسلمين
السيّد حسن نصر الله (حفظه المولى)


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته

كيف نواجه الحرب النفسية التي يشنّها العدو علينا، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى بثِّ الرعب في الفريق الآخر وإخافته ما يؤدِّي إلى استسلامه أو انسحابه؟‏
نحن في لبنان وفلسطين وفي أمَّتنا عموماً نحتاج إلى مواجهة الحرب النفسية التي يشنّها العدو علينا كما نواجه الحرب العسكرية، أن نواجه الحرب النفسية بأدوات ووسائل وأساليب مشابهة ومبتكرة وأحياناً تكون منسجمة مع قيمنا وثقافتنا وأخلاقنا وضوابطنا الشرعية.‏

الحرب النفسية المضادة:

في مواجهة الحرب النفسية هدفنا الأول هو تثبيت إرادة وقوة وقدرة شعوبنا وأهلنا من خلال منع الحرب النفسية التي يشنها العدو من تحقيق أهدافها، وفي المقابل نتولَّى الحرب النفسية المضادة على العدو ومؤسساته الأمنية والعسكرية وعلى كيانه ومجتمعه أيضاً لنقلب فيها السحر على الساحر؛ وهذا أمر طبيعي، فالله سبحـانه وتعالى يأمر المؤمنين بـأن يعـــدّوا العـدّة: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (1) ، وكما يعمل هذا العدو على إخافتنا وإرعابنا يجب أن نعمل في المقابل على إخافته وإرعابه وإقناع مجتمعه بضعفه وعلى إيجاد الشك والترديد تجاه جيشه وقيادته.‏

في حرب تموز عام 2006م وخلال 33 يوماً هجر المستعمرات والمستوطنات والمدن في شمال فلسطين المحتلة وبعض الوسط أكثر من مليوني إسرائيلي وعاشوا في الملاجئ أو خارج بيوتهم ومنازلهم. وهذا لا سابقة له في تاريخ الحروب الإسرائيلية-العربية. خلال ثلاثة وثلاثين يوماً شاهد الإسرائيليون بأمِّ العين الدبابات المدمَّرة والجنود المقتولين، والعائدين في مظهر محزن ومبكٍ، في نهاية المطاف تراجعت ثقة الشعب الإسرائيلي بقيادته السياسية، بمؤسَّسته العسكرية وبجيشه وتعرَّضت لانتكاسة كبيرة جداً.‏


المدرسة الإلهية‏:

إنَّ الحرب النفسية اليوم باتت علماً واختصاصاً يدرّس في الكليات والجامعات, لكن المقاومة لم تدرسها خلال كلِّ السنوات الماضية في أي جامعة أو كلية، بل كانت تشنُّ حربها النفسية الإعلامية ببركة التعليم والتسديد الإلهي. فالله وعد المجاهدين بأن يعلّمهم ويسدّدهم وأن يهديهم سبله, وكان ذلك أيضاً نتيجة العودة إلى إيماننا، وإلى قرآننا، وإلى معتقداتنا التي تعلّمنا منها الكثير الكثير والتي نستطيع أن نواجه بها أعتى الحروب النفسية طوال التاريخ.‏

ما يدرّس في الجامعات وفي الكليات هو غالباً يعتمد على مدرسة الماديين الذين يتحدَّثون عن وسائل وأدوات في مواجهة الحرب النفسية من سنخ الحرب التي يشنها العدو, وهذا الذي كان سائداً بين أكبر معسكرين في العالم في الآونة الأخيرة, المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقاً.‏
التجربة الإسلامية، وتجربة الثورة الإسلامية في إيران بقيادة سماحة الإمام الخميني (قده)، والصحوة الإسلامية والحركات الإسلامية في المنطقة أعادت إحياء نوع آخر من الحرب النفسية لا يستند إلى المدرسة المادية وإنَّما يستند إلى المدرسة الإلهية, إلى المدرسة القرآنية، هذه التجربة كانت هي الأنفع والأقوى والأجدى، انطلاقاً من هذا الفهم وبناء على هذه الخلفية، هناك مجموعة من العناوين نركز على ثلاثة منها:‏


1 - الإيمان بالله والتوكل عليه:‏

نحن نؤمن بأنَّ الله سبحانه وتعالى موجود وقادر وبيده ملكوت السماوات والأرض، وهو على كلِّ شيء قدير وبأنَّه سبحانه وتعالى ليس حيادياً بل نعتقد أنَّ كلَّ ما يجري في هذا الوجود حتى أبسط الأمور وأصغر الأشياء إنَّما هو خاضع ومتحقِّق بمشيئة الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ (2) , وأنَّ الله سبحانه وتعالى فعّال رزّاق هو الذي يميت ويحيي وهو الذي يحفظ هذا الوجود: السماوات والأرض لو تركها الله سبحانه وتعالى لانعدمت وانهارت... لذا فنحن نستعين ونستغيث حتى يثبتنا ويقوينا.‏


2 - البصيرة‏:

وهذا العنوان أشار إليه سماحة السيد القائد (دام ظله) ، ويقصد به أنَّ على النخب والخواص, الناس والشعوب والمثقفين، والمجاهدين الكبار والصغار, أن يكونوا أهل بصيرة. البصر ما يراه الإنسان بالعين، والبصيرة هي قدرة العقل والقلب والروح على الرؤية ومعرفة الحقيقة, ومن جملة عناوين البصيرة أن يكون لدينا معرفة بزماننا وعصرنا، المعرفة بالعدو والصديق حتى لا يشتبه علينا العدو ولا الصديق, فلا نقاتل الصديق ولا نتجاهل العدو بل نستعين بالصديق في مواجهة العدو, فهذا من البصيرة, ومنها أيضاً أن نعرف نقاط ضعفنا وقوتنا, فنعمل على إبراز نقاط قوتنا لشعوبنا ولعدونا, لشعوبنا حتَى تثق، ولعدونا حتى ييأس من النيل منا، ومعرفة نقاط ضعفنا لنعالجها وننتهي منها. أيضاً أن نعرف ما نريد وكيف نصل إلى ما نريد، وأيضاً أن نعرف أهداف عدوّنا لنعطّل مخطّطاته ومؤامراته، فهذا أيضاً من البصيرة, ولذلك أهم شيء أن يكون، لدى أي شعب من الشعوب وخصوصاً لدى الشعوب المؤمنة، أن يكون لديها بصيرة, ليس فقط على مستوى القيادات, بل القيادات والعلماء والنخب وعامة الناس أيضاً. الإسرائيلي كان يقول إنه «يخوض حرب كيّ الوعي لدى العرب والمسلمين». في المقابل المقاومة جاءت لتخوض حرب كي الوعي لدى مجتمع العدو وقادة العدو وجيش العدو. إذن من كانت بصيرته معه وكان إيمانه ويقينه معه لا يتزلزل, وهو أمر مغاير لموضوع التثبيت الإلهي والعون الإلهي. عندما يوجد أناس لديهم إيمان ووعي ومعرفة وبصيرة فليقل الأعداء ما يريدون وليكذِّبوا ما يشاؤون فهم لن يستطيعوا أن يمسّوا إرادة وعزيمة أهل البصائر والمعرفة والوعي.‏


3- التثبُّت:

هو من الاحتياطات التي أتى بها الإسلام. فبالإضافة إلى اللجوء إلى الله وإلى أن نكون من أهل البصيرة دعانا أيضاً إلى أن نكون من أهل التثبّت. فبعدما تكلمنا عن موضوع إيجاد الشك والارتباك والترديد , جاء نوع من الحصانة، الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُواْ (3) . الفاسق ليس فقط الإنسان الذي ينقل خبراً, بل هناك أيضاً وسيلة إعلام غير موثوقة ومعادية, فهذه أيضاً تأتينا بنبأ, وهذه الأنباء التي تأتينا بها وسائل الإعلام لتخيفنا، تكبّر لنا العدو لكي تجعلنا نيأس أو لتمسّ رموزنا وقياداتنا وأفكارنا وثقافتنا وخياراتنا, كما تجرى محاولات التشويه الكثيرة لحركات المقاومة ولكثير من القيادات والرموز والعلماء والمراجع والجهات والقيادات السياسية في هذه الأمة من خلال ترويج شائعات وأكاذيب واتهامات. الله سبحانه وتعالى يقول تبيّنوا وتثبّتوا إن كان ما يقولونه صحيحاً أو لا, بالحد الأدنى أن نواجه كل ما يقال ويستهدفنا بالشك فيما يقال لا بالشكّ فيما نؤمن وفيما نعتقد وفيما نعرف.‏


4- تجربة تموز.. الامتحان العملي :

في حرب تموز, عشنا كلّ ما تكلمنا عنه في التجربة وليس فقط في النظريات. في تجربة لبنان خاض الإسرائيلي حرباً نفسية لمدة سبعة وعشرين عاماً ضد هذه المقاومة ومجتمعها وأهلها وشعبها، لم يترك شيئاً للنيل من إرادتهم وعزمهم وإيمانهم وثقتهم، وكل ما يمكن القيام به في إطار الحرب النفسية طبّقوه في حرب تموز، لكن في المقابل ماذا كان المشهد؟ هل وجدنا وشهدنا هروباً للمجاهدين من ساحات المعركة؟ أبداً فقد قال الإسرائيليون أنفسهم إنهم في بنت جبيل حاصروا المدينة وفتحوا باباً لكي يهرب المقاتلون منه فتحوّل هذا الباب إلى مدد للمقاتلين. هناك بعض القراءات العسكرية تقول إنَّ حجم استخدام سلاح الجو والقصف الجوي والنيران التي ألقاها سلاح الجو خلال 33 يوماً على هذه البقعة الصغيرة من لبنان يفوق ما استخدمه سلاح الجو من طائرات ومن نار في بعض الحروب الكبيرة, لكن المؤمنين والمجاهدين لم يخافوا، ولم يتزعزعوا وبقوا في الأرض يقاتلون ليس في القرى الخلفية, بل في القرى الحدودية. هذا كان حال المجاهدين في الجنوب والبقاع وفي كل المناطق التي تعرضت للقصف وللمواجهة والإنزالات, أما بالنسبة للناس, فكم مرة جاءت وسائل الإعلام لتأخذ من الناس المهجّرين موقفاً أو كلمة تثبّط العزائم أو تمسّ معنويات المقاومين ولم يتمكنّوا؟ خلال 33 يوماً كان الناس المهجَّرون يشاهدون على التلفاز أن بيوتهم تهدّم، وهم لا يعرفون إذا ما رجعوا إلى قراهم هل ستكون بيوتهم موجودة أم مهدومة, وهل أن أبناءهم أحياء أم شهداء ومع ذلك لم يتكلموا بكلمة تمس بمعنويات المقاومة, أليس شيئاً عظيماً, هذا الثبات والطمأنينة والسكينة؟‏
خلال ثلاثة وثلاثين يوماً كان المجاهدون ينامون تحت النار، كان الله ينزل عليهم النعاس أمنة. في حرب تموز كما في كل المواجهات التي سبقت عملنا بالبند الأول, لجأنا إلى الله, استغثنا به تعالى فثبّت قلوبنا وأنزل علينا النعاس والسكينة والطمأنينة وفي المقابل ألقى الرعب في قلوب أعدائنا. أربعون ألف ضابط وجندي يمشون في أرضنا وهم يتعثرون مع دباباتهم ومروحياتهم وطائرات استطلاعهم, ولم يقدروا على أن يحققوا أي انجاز, وكنا نشهد الرعب في وجوههم والارتباك لدى ضباطهم وقياداتهم, من الذي فعل ذلك؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي فعل ذلك, ولذلك عندما نذهب إلى ما يهددوننا به في مستقبل الأيام أو السنين القادمة، نقول إننا من خلال هذه التجربة, من خلال هذا الإيمان وهذه المعرفة وهذا الاعتقاد الإلهي النبوي والقرآني, سنواجه كل أشكال الحروب النفسية التي واجهناها في السابق وانتصرنا فيها وهكذا سيكون حالنا إن شاء الله كأصحاب الحسين, الذين لم يُخِفهم عشرات الآلاف من الذين كانوا يحيطون بهم, فلم ينهزموا ولم يترددوا ولم ينسحبوا ولم يهربوا.‏


(1) - سورة الأنفال، الآية: 60 .
(2) - سورة الإنسان، الآية: 30.
(3) - سورة الحجرات، الآية: 6.

 

   التفسير والبيان

بين الإسلام والإيمان

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1)
 



نقاط وتأمُّلات‏:

إنّ المقصود من» الأعراب «هم سكان البادية، الذين كان بعضهم مؤمنين، كما نعرف تكريمهم في سورة التوبة: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ(2) .
ولكن بعض هؤلاء كان يرى نفسه أعلى من الآخرين، ويدّعي الإيمان في حين لم يكن سوى مسلم عادي.


دروسٌ وبصائر:

1- يجب أن لا نصغي لأي إدّعاء أو شعار أو نصدقه: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ﴾ .
2 - يجب لجم الإدّعاءات الباطلة والتصدّي لها: ﴿
قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ﴾ .
3- على كل أحد أن يلزم حدّه ولا يصف نفسه بأكثر وأعلى ممَّا هو: ﴿
وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا ﴾ .
4 - الإسلام مرحلة ظاهرية، ولكن الإيمان يرتبط بالقلب: ﴿
فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ .
5 - يجب أن نتحدّث مع الذين يدّعون الكمال بنحو لا يؤدي إلى يأسهم من الوصول إلى الكمال: ﴿
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ .
6 - طريق الوصول إلى الكمال مفتوحة: ﴿
وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .. ﴾ .
7 - لقد جاءت إطاعة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جانب إطاعة الله تعالى، وهذه علامة على عصمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إذاً تجب طاعته من دون تردّد: ﴿
وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ .
8 - إن الله عادل فلا يظلم أحداً حقّه، وأجره مثقال ذرّة (وصاحب الإدارة والتدبير هو الذي لا يبخس أحداً حقّه ولا ينقص منه مثقال ذرّة): ﴿
لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً ﴾ .


الفرق بين الإسلام والإيمان‏

1- التفاوت في العمق :

إنَّ الإسلام صبغة ظاهرية، ولكن الإيمان تمسّك قلبي، وقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) في قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً (3) أنه قال: «الصبغة: الإسلام ، وقال في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى(4) : هي الإيمان بالله وحده لا شريك له» (5) .

2 - التفاوت والفرق في الدوافع:‏

قد يكون الدافع إلى الإسلام هو المحافظة على المنافع المادية أو الوصول إليها، ولكن الدافع إلى الإيمان هو حتميّ معنويّ.
قال الإمام الصادق(عليه السلام) في هذا المجال: «الإسلام به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح، والإيمان ما وقر في القلوب» (6) ويكون عليه الأجر الأخروي «والثواب على الإيمان» (7) .

3 - التفاوت والفرق في العمل:

إنَّ الإسلام بدون العمل أمر ممكن ولكن الإيمان يجب أن يكون مقروناً بالعمل كما جاء في الحديث: «الإيمان إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل» (8) .
وعلى هذا الأساس الإسلام موجود في الإيمان، ولكن لا يوجد الإيمان في الإسلام: «الإسلام يشرك الإيمان والإيمان لا يشرك الإسلام» (9) .
وفي حديث آخر شبه الإسلام بالمسجد الحرام، وشبه الإيمان بالكعبة، لأجل أن الكعبة في وسط المسجد الحرام، وليس المسجد الحرام في الكعبة (10) .

4 - التفاوت والفرق في القضايا السياسية والاجتماعية:

سُئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن الفرق بين الإسلام والإيمان فأجاب (عليه السلام) قائلاً: «الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان، فهذا الإسلام، والإيمان هذا الأمر (أي الإمامة) مع هذا» (11) .

5 - التفاوت في الرتبة:

نقرأ في حديث: «الإيمان فوق الإسلام بدرجة، والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة وما قسم في الناس شي‏ء أقلّ من اليقين» (12) (13) .


سبب النّزول:

ذكر كثير من المفسّرين شأناً لنزول الآية السابقة واللاحقة وخلاصته ما يلي ...
ورد المدينة جماعة من «بني أسد» في بعض سنين الجدب والقحط وأظهروا الشهادتين على ألسنتهم أملاً في الحصول على المساعدة من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا للرسول أنّ قبائل العرب ركبت الخيول وحاربتكم إلاّ أنّنا جئناك بأطفالنا ونسائنا دون أن نحاربك، وأرادوا أن يمنّوا على النّبي عن هذا الطريق!
فنزلت الآيتان آنفتا الذكر وكشفتا أنّ إسلامهم ظاهري ولم يتغلغل الإيمان في أعماق قلوبهم، ثمّ إذا كانوا مؤمنين فما ينبغي عليهم أن يمنّوا على الرّسول بالإيمان بل الله يمنّ عليهم أن هداهم للإيمان (14) .
ولكنّ وجود شأن النّزول هذا لا يمنع من عمومية مفهوم الآية (15) .


(1) - سورة الحجرات، الآية: 14.
(2) - سورة التوبة، الآية: 99.
(3) - سورة البقرة، الآية: 138.
(4) - سورة البقرة، الآية: 256.
(5) - الكافي: ج‏2، ص‏14.
(6) - الكافي: ج‏2، ص‏25.
(7) - الكافي: ج‏2، ص‏24.
(8) - الكافي: ج‏2، ص‏25.
(9) - الكافي: ج‏2، ص‏26.
(10) - الكافي: ج‏2، ص‏26.
(11) - الكافي: ج‏2، ص‏24.
(12) - الكافي: ج‏2، ص‏51.
(13) - تفسير سورة الحجرات: لسماحة الشيخ قراءتي ، ص188 (مع بعض التصرف) .
(14) - تفسير الميزان: ذيل الآيات محل البحث.
(15) - الأمثل: ذيل الآية محل البحث.

 

   مفردات قرآنية

 

سورة إبراهيم (عليه السلام) مكية وَعَدَدُ آياتِهَا اثنان وخمسون آية


فضيلة السورة:

روي عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من قرأ سورة إبراهيم (عليه السلام) والحجر اُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وبعدد من لم يعبدها»، وروى عيينة بن مصعب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قرأ سورة إبراهيم والحجر في ركعتين جميعاً في كل جمعة لم يصبه فقر ولا جنون ولا بلوى» (1) .

إنّ ما ورد من الثواب حول قراءة السور القرآنية يلازمه التفكّر ومن ثمّ العمل، ولمّا كانت هذه السورة وسورة الحجر تبحثان موضوع التوحيد والشرك واُصولهما وفروعهما، فإنّ من البديهي أنّ العمل بمضمونهما له نفس الفضيلة، أي إنّهما تصيغان الإنسان بصياغتهما حتّى توصلاه إلى مثل هذا الثواب.


الآيات من (1 إلى 6):
﴿ الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ .


اللغة والبيان:

﴿ الر ﴾ قد ذكرنا معاني الحروف المقطعة في أعداد سابقة، والنقطة التي يجب ملاحظتها هنا أنّ من بين 29 مورداً لسور القرآن التي ابتدأت بالحروف المقطّعة هناك 24 مورداً ذكر بعدها مباشرةً القرآن الكريم، والتي تُبيّن أنّ هناك علاقة بين الاثنين، أي بين الحروف المقطّعة والقرآن، ولعلّ هذه العلاقة هي نفسها التي أشرنا إليها سابقاً في الحديث عن سورة البقرة، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يوضّح من خلال هذا البيان أنّ هذا الكتاب السّماوي العظيم المتعّهد لقيادة الإنسانيّة يتكوّن من مواد بسيطة تسمّى بحروف الألفباء، وهذه تشير إلى أهميّة هذا الإعجاز، حيث يوجد أصدق بيان من أبسط بيان.

﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾ يعني القرآن الكريم نزل به جبرئيل (عليه السلام) من عند الله تعالى أي هذا كتاب منزل إليك يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بسحر ولا بشعر ﴿ لِتُخْرِجَ النَّاسَ ﴾ أي جميع الخلق ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ أي من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى ومن ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ أي بإطلاق الله ذلك وأمره به وفي هذا دلالة على أنه سبحانه يريد الإيمان من جميع المكلفين لأن اللام لام الغرض ولا يجوز أن يكون لام العاقبة لأنه لو كان ذلك لكان الناس كلهم مؤمنين والمعلوم خلافه ثم بين سبحانه ما النور فقال ﴿ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ أي يخرجهم من ظلمات الكفر إلى طريق الله المؤدي إلى معرفة الله المنيع في سلطانه المحمود في فعاله ونعمه التي أنعم بها على عباده ﴿ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ أي له التصرف فيهما على وجه لا اعتراض عليه  ﴿ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ أخبر أن الويل للكافرين الذين يجحدون نعم الله ولا يعترفون بوحدانيته من عذاب تتضاعف آلامه ثم وصف الكافرين بقوله ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ﴾ أي يختارون المقام في هذه الدنيا العاجلة على الكون في الآخرة وإنما دخلت على لهذا المعنى وذمهم سبحانه بذلك لأن الدنيا دار انتقال وفناء والآخرة دار مقام وبقاء ﴿ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي يمنعون غيرهم من اتباع الطريق المؤدي إلى معرفة الله ويجوز أن يريد أنهم يعرضون بنفوسهم عن اتباعها ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾ أي يطلبون للطريق عوجاً أي عدولا عن الاستقامة والسبيل يذكر ويؤنث وقيل معناه يلتمسون الدنيا من غير وجهها لأن نعمة الله لا تستمد إلا بطاعته دون معصيته ﴿ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ أي في عدول عن الحق بعيد عن الاستقامة والصواب.

ثم بين سبحانه أنه إنما يرسل الرسل إلى قومهم بلغتهم ليكون أقرب إلى الفهم وأقطع للعذر فقال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ أي لم يرسل فيما مضى من الأزمان رسولا إلا بلغة قومه حتى إذا بين لهم فهموا عنه ولا يحتاجون إلى من يترجمه عنه وقد أرسل الله تعالى نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الخلق كافة بلسان قومه وهم العرب بدلالة قوله ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ قال الحسن: امتن الله على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لم يبعث رسولاً إلا إلى قومه وبعثه خاصة إلى جميع الخلق. وبه قال مجاهد؛ وقيل: إن معناه أنا كما أرسلناك إلى العرب بلغتهم لتبين لهم الدين ثم أنهم يبينونه للناس كذلك أرسلنا كل رسول بلغة قومه ليظهر لهم الدين ثم استأنف فقال: ﴿ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ ﴾ عن طريق الجنة إذا كانوا مستحقين للعقاب ﴿ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ﴾ إلى طريق الجنة وقيل يلطف لمن يشاء ممن له لطف ويضل عن ذلك من لا لطف له فمن تفكر وتدبر اهتدى وثبته الله ومن أعرض عنه خذله الله ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ الذي يضع الأشياء مواضعها، ثم ذكر سبحانه إرساله موسى (عليه السلام) فقال: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا ﴾ أي بالمعجزات والدلالات ﴿ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ ﴾ أي بأن أخرج قومك ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ مر معناه أي أمرناه بذلك وإنما أضاف الإخراج إليه لأنهم بسبب دعائه خرجوا من الكفر إلى الإيمان ﴿ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾ أن معناه وأمرناه بأن يذكّر قومه وقائع الله في الأمم الخالية وإهلاك من أهلك منهم ليحذروا ذلك، وأنه يريد بأيام الله سننه وأفعاله في عباده من إنعام وانتقام وكنى بالأيام عنهما لأنها ظرف لهما جامعة لكل منهما ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ التذكير ﴿ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ أي دلالات لكل من كان عادته الصبر على بلاء الله والشكر على نعمائه وإنما جمع بينهما لأن حال المؤمن لا يخلو من نعمة يجب شكرها أو محنة يجب الصبر عليها فالشكر والصبر من خصال المؤمنين فكأنه قال لكل مؤمن ولأن التكليف لا يخلو من الصبر والشكر ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾ والتقدير واذكر يا محمد إذ قال موسى لهم ﴿ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم ﴾ أي في الوقت الذي أنجاكم ﴿ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ ﴾ أي يذيقونكم ﴿ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ أي العذاب السيئ حيث كان يكلفهم بالأعمال الشاقة ﴿ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ﴾ أي يستبقونهن أحياء للاسترقاق وللاستخدام (2) ﴿ وَفِي ذَلِكُم ﴾ أي وفي سومكم العذاب وذبح الأبناء ﴿ بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ أي لما خلى بينكم وبينه حتى فعل بكم هذه الأفاعيل وقيل في نجاتكم من فرعون وقومه نعمة عظيمة من الله عليكم.


السبب في قتل الأبناء:

السبب هو، أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فهاله ذلك ودعا السحرة والكهنة والقافة فسألهم عن رؤياه فقالوا أنه يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك وتبديل دينك فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل وجمع القوابل من أهل مملكته فقال لهن لا يسقط على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل ولا جارية إلا تركت ووكل بهن فكن يفعلن ذلك وأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون فقالوا له: أن الموت قد وقع في بني إسرائيل فتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها فترك وولد موسى في السنة التي يذبحون فيها (3) .


نظرة إلى السورة:

المعلوم من اسم السورة أنّ قسماً منها نازل بشأن بطل التوحيد ومحطّم الأصنام سيّدنا إبراهيم (عليه السلام) (قسمٌ من أدعيته) . والقسم الآخر من هذه السورة يشير إلى تاريخ الأنبياء السابقين أمثال نوح وموسى (عليهم السلام)، وقوم عاد وثمود، وما تحتوي من دروس وعبر فيها، وتكمل هذه المجموعة من البحوث في السورة آيات الموعظة والنصيحة والبشارة والإنذار. كما نقرأ في أغلب السور المكّية أنّ قسماً كبيراً منها أيضاً يبحث مواضيع «المبدأ» و«المعاد» والتي تعمّق الإيمان في قلب الإنسان وفي روحه ونفسه ثمّ في قوله وفعله، فيظهر له نور آخر في مسيرة الحقّ والدعوة إلى الله.
وخلاصة هذه السورة أنّها تبيّن عقائد ونصائح ومواعظ سيرة الأقوام الماضية، والهدف من رسالة الأنبياء ونزول الكتب السّماوية.


(1) - مجمع البيان، ونور الثقلين، في بداية السورة.
(2) - مجمع البيان: ج6، ص47.
(3) - مجمع البيان: ج1، ص187 .

 

  الأمثال في القرآن

خَلْق عيسى (عليه السلام)
يشبه خَلْقْ آدم (عليه السلام)

 



ذكر سبحانه كيفية ولادة المسيح من أُمّه «مريم العذراء» وذكر أنَّ مثله (عليه السلام) كمثل آدم (عليه السلام) ، يقول الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (1) .

وبذلك أثبت انّ المسيح مخلوق لله سبحانه مولود من أُمّه العذراء دون أن يمسّها بشر وأنّه (عليه السلام) آية من آيات الله سبحانه، ولما كانت النصارى تتبنّى ألوهية المسيح وأنّه يؤلف أحد أضلاع مثلث الألوهية الرب والابن وروح القدس، وكانت تؤمن أنّه ابن الرب، لأنّه ولد من مريم بلا أب.

ولما احتجوا بهذا الدليل أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وافاه الوحي مجيباً على استدلالهم بأنّ كيفية خلق المسيح يضاهي كيفية خلق آدم. حيث إنّ آدم خلق من تراب بلا أب وأُمّ، فإذا كان هذا أمراً ممكناً، فمثله المسيح حيث ولد من أُمّ بلا أب فهو أهون بالإمكان.

إذاً: رد الله تعالى على النصارى قولهم في المسيح أنه ابن الله فقال: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ﴾ أي مثل عيسى في خلق الله إياه من غير أب كمثل آدم في خلق الله إياه من غير أب ولا أم فليس هو بأبدع ولا أعجب من ذلك فكيف أنكروا هذا وأقروا بذلك (2) .

على هذه الآية، فإنَّ ولادة عيسى (عليه السلام) دون أب لا يدل على الوهيته . ولا يمكن أن تكون دليلاً على أنّه ابن الله أو أنّه الله بعينه، لأنّ هذه الولادة قد جرت لآدم بصورة أعجب فهو قد ولد من غير أب ولا أُم. وعليه، فكما أنّ خلق آدم من تراب لا يستدعي التعجّب، لأنّ الله قادر على كلّ شيء، ولأن «فعله» و«إرادته» متناسقان فإذا أراد شيئاً يقول له: كن فيكون، كذلك ولادة عيسى من أُمّ وبغير أب، ليست مستحيلة.

وأساساً، فإنَّ الميسور والمعسور يتحقّقان بالنسبة لمن كانت قدرته محدودة كما في المخلوقات، أمّا من كانت قدرته مطلقة فلا مفهوم للصعب والسهل بالنسبة له. فخلق ورقة واحدة تتساوى بالنسبة له مع خلق غابة من آلاف الكيلومترات، وخلق ذرة واحدة كخلق المنظومة الشمسية لديه (3) .

وبتعبير آخر ؛ يقول الله في هذه الآية: إنَّ خَلْق عيسى (عليه السلام) يشبه خَلْقْ آدم (عليه السلام) في أنَّه خلق من تراب دون دخالة أب وأم في ذلك، بل وجد بمجرد أن قال له الله تعالى: كُن. وقد تحدث القرآن المجيد في سورة آل عمران عن عيسى بن مريم (عليه السلام) وحكى مراحل حياته المختلفة من قبيل كيفية الولادة والتربية ونموه وبعثته ورسالته وكراماته ومعاجزه وعروجه إلى السماء حيث قال عزَّ وجل: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِىءُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (4) ، وقد سعى القرآن خلال هذه الآيات أنْ يرفع الشبهة المثارة حوله.

سؤال: كيف يمكن أنْ يولد انسان من أم فقط دون أب؟ أو كيف يمكن أو يولد إنسان من دون تركيب بين الأسبرم والبويضة؟
هل الآية في صدد الإجابة على هذه الشبهة، بحيث تقول: ألم نخلق آدم (عليه السلام) دون دخالة أب؟ أي كأنها تريد القول بأنَّ خلق آدم (عليه السلام) أصعب من خلق عيسى (عليه السلام) ، لأنَّ في خلق عيسى (عليه السلام) توسطت الأم، أمّا في خلق آدم (عليه السلام) فلا واسطة، من قبيل أُم أو أب، فكان أصعب خلقاً من عيسى (عليه السلام) .
إنَّ أفعالا من هذا القبيل ليست صعبة بالنسبة لله، فإنَّ الله ما إن قال لشيء ﴿ كُن فَيَكُونُ ﴾ إنَّ الخلق عند الله لا يفرق فيه بين الصغير والكبير والصعب والسهل.
إنَّ الله سبحانه إذا أراد أنْ يَخلق عالماً كعالمنا الحالي بمجراته ونجومه - الذي كشفت الاحصائيات والاكتشافات العلمية عن سعته وعظمته - فإنَّه سينخلق بمجرد أنْ يأمر بقوله كن فيكون(5) .

وعلى كلّ تقدير فالقرآن الكريم يستدل على إبطال إلوهية المسيح بوجوه مختلفة، منها هو تشبيه ولادة المسيح بآدم. والتمثيل المذكور يتكفّل بيان هذا الأمر أيضاً، وفي الحقيقة الآية منحلّة إلى حجتين تفي كلّ واحدة منهما بنفي الألوهية عن المسيح.
إحداهما: أنَّ عيسى مخلوق لله ـ على ما يعلمه الله لا يضل في علمه ـ خلقة بشر وإن فقد الأب ومن كان كذلك كان عبداً لا رباً.
وثانيهما: أنَّ خلقته لا تزيد على خلقة آدم (عليه السلام) ، فلو اقتضى سنخ خلقه أن يقال بإلوهيته بوجه لاقتضى خلق آدم ذلك مع أنّهم لا يقولون بها فيه فوجب أن لا يقولوا بها في عيسى (عليه السلام) أيضاً لمكان المماثلة.
ويظهر من الآية انّ خلقة عيسى (عليه السلام) كخلقة آدم خلقة طبيعية كونية وإن كانت خارقة للسنّة الجارية في النسل وهي حاجة الولد في تكوّنه إلى والد (6) .


(1) - سورة آل عمران، الآية: 59.
(2) - مجمع البيان: موضع التفسير.
(3) - الأمثل: موضع التفسير.
(4) - سورة آل عمران، الآيات: 45-50.
(5) - الأمثال في القرأن / مكارم الشيرازي - مع التصرف.
(6) - الميزان: ج3، ص212.

 

  مناهج التفسير

التفسير
حسب تأويلات الباطنية



تطلق الباطنية ويراد بها الإسماعيلية الذين قالوا بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام) بعد رحيل أبيه، وعرفوا بالباطنية لأخذهم باطن القرآن دون ظاهره.
أما إسماعيل بن جعفر (عليه السلام) فهو بريء من هذه الوصمة، وإنّما هي أفكار موروثة من محمد بن مقلاص المعروف بأبي الخطاب الأسدي وزملائه، نظراء: المغيرة بن سعيد، وبشار الشعيري، وعبد الله بن ميمون القداح، إلى غير ذلك من رؤساء الباطنية، وقد تبرّأ الإمام الصادق (عليه السلام) والأئمّة المعصومون من هذه الفرقة في بلاغات وخطابات خاصة إلى أتباعهم، ولعنوا الخطابية، ولم نعثر لهم على كتاب تفسيري يفسر القرآن برمته، وإنّما حاولوا تفسير الموضوعات الواردة في القرآن والأحاديث وأسموها بباطن القرآن.

إنّ الباطنية وضعوا لتفسير المفاهيم الإسلامية ضابطة ما دلّ عليها من الشرع شيء وهو أنّ للقرآن ظاهراً وباطناً، والمراد منه باطنه دون ظاهره المعلوم من اللغة، ونسبة الباطن إلى الظاهر كنسبة اللب إلى القشر، وإنّ باطنه يؤدي إلى ترك العمل بظاهره، واستدلّوا على ذلك بقوله سبحانه:
﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ .
وعلى ضوء ذلك فقد أوّلوا المفاهيم الإسلامية بالنحو التالي:

1- الوضوء عبارة عن موالاة الإمام.

2- التيمم هو الأخذ المأذون عند غيبة الإمام الذي هو الحجة.

3- والصلاة عبارة عن الناطق الذي هو الرسول بدليل قوله تعالى في الآية من سورة العنكبوت: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ﴾ .

4- والغسل تجديد العهد فمن أفشى سراً من أسرارهم من غير قصد، وإفشاء السر عندهم على هذا النحو هو معنى الاحتلام.

5- والزكاة هي تزكية النفس بمعرفة ما هم عليه من الدين.

6- والكعبة النبي.

7- والباب علي.

8- والصفا هو النبي.

9- والمروة علي.

10- والميقات الإيناس.
11- والتلبية إجابة الدعوة.

12- والطواف بالبيت سبعاً موالاة الأئمة السبعة.

13- والجنة راحة الأبدان من التكاليف.

14- والنار مشقّتها بمزاولة التكاليف (1) .

هذا ما ذكر في كتاب «المواقف»، وإن كنا في شك ممّا ذكره فنحن ننقل شيئاً من تأويلاتهم من كتاب «تأويل الدعائم» للقاضي النعمان الذي كان قاضي قضاة الخليفة الفاطمي المعز لدين الله منشئ القاهرة وجامعة الأزهر، وهذا الكتاب يضم في طياته تأويل الأحكام الشرعية بدأً بالطهارة والصلاة وانتهاءً بكتاب الجهاد، فقد أوّل كلّ ما جاء في هذه الأبواب من العناوين والأحكام، وطبع الكتاب في مطبعة دار المعارف في مصر، وإليك نزراً من هذه التأويلات.

جاء في كتاب «تأويل الدعائم»: عن الباقر (عليه السلام): «بني الإسلام على سبع دعائم (2) : الولاية: وهي أفضل وبها وبالوليّ يُنتهى إلى معرفتها، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد»، فهذه كما قال (عليه السلام): دعائم الإسلام قواعده، وأُصوله التي افترضها الله على عباده.

ولها في التأويل الباطن أمثال، فالولاية مَثلُها مَثلُ آدم (عليه السلام) لأنّه أوّل من افترض الله عزّ وجلّ ولايته، وأمر الملائكة بالسجود له، والسجود: الطاعة، وهي الولاية، ولم يكلّفهم غير ذلك فسجدوا إلاّ إبليس، كما أخبر تعالى، فكانت المحنةُ بآدم (عليه السلام) الولاية، وكان آدمُ مثلَها، ولابدَّ لجميع الخلق من اعتقاد ولايته، ومن لم يتولّه، لم تنفعْهُ ولاية من تولاّه من بَعده، إذا لم يُدِن بولايته ويعترف بحقّه، وبأنّه أصل مَنْ أوجب الله ولايتَه من رسله وأنبيائه وأئمّة دينه، وهو أوّلهم وأبوهم. والطهارة: مَثَلُها مَثَلُ نوح (عليه السلام) ، وهو أوّل مبعوث ومرسل من قبل الله ـ لتطهير العباد من المعاصي والذنوب التي اقترفوها، ووقعوا فيها من بعد آدم (عليه السلام) ، وهو أوّل ناطق من بعده، وأوّلُ أُولي العزم من الرسل، أصحاب الشرائع، وجعلَ الله آياته التي جاء بها، الماء، الذي جعله للطهارة وسمّاه طهوراً.

والصلاة: مَثَلُها مَثَلُ إبراهيم (عليه السلام) وهو الذي بَنى البيتَ الحرام، ونصبَ المقام، فجعل الله البيت قبلة، والمقامَ مصلّى.
والزكاة: مثلها مثل موسى، وهو أوّل من دعا إليها، وأُرسل بها، قال تعالى: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (3) .
والصوم: مَثَلُه مثل عيسى (عليه السلام) وهو (4) أوّل ما خاطب به أُمّه، أن تقولَ لِمَنْ رأته من البشر، وهو قوله الذي حكاه تعالى عنه لها: ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (5) . وكان هو كذلك يصوم دهره، ولم يكن يأتي النساء، كما لا يَجوز للصائم أن يأتيهنّ في حال صومه.
والحج: مَثَلُه مَثَلُ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو أوّل من أقام مناسك الحج، وسنَّ سنته، وكانت العرب وغيرها من الأُمم، تحجّ البيت في الجاهليّة ولا تقيم شيئاً من مناسكه، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً (6) .

وكانوا يطوفون به عُراة، فكان أوّلُ شيء نهاهم عنه ذلك فقال، في العُمرة التي اعتمرها، قبل فتح مكة، بعد أن وادعَ أهلَها، وهم مشركون: «لا يطوفنّ بعد هذا بالبيت عريان، ولا عريانة»، وكانوا قد نصبوا حول البيت أصناماً لهم يعبدونها، فلمّا فتح الله مكّة كسّرها، وأزالها، وسنَّ لهم سُنن الحجّ، ومناسكه، وأقام لهم بأمر الله معالمه. وافترض فرائضه. وكان الحجّ خاتمة الأعمال المفروضة، وكان هو (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم النبيين، فلم يبق بعدَ الحجّ من دعائم الإسلام غير الجهاد، وهو مثل سابع الأئمّة، الذي يكون سابع أسبوعهم الأخير، الذي هو صاحب القيامة (7) .

مع الشهرستاني في كتابه «مفاتيح الأسرار».
الرأي السائد في مذهب الشهرستاني (467-548 هـ) هو أنَّه أشعري... يأخذ بظواهر القرآن وفي الوقت نفسه يطلب له تأويلاً تنسجم مع الفكر الإسماعيلي.
يقول في مقدّمته: لقد كانت الصحابة (رضي الله عنهم) متّفقين على أنّ علم القرآن مخصوص بأهل البيت (عليهم السلام)، إذ كانوا يسألون علي بن أبي طالب (عليه السلام) هل خصصتم أهل البيت دوننا بشيء سوى القرآن؟ وكان يقول: «لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلاّ بما في قراب سيفي هذا».

فاستثناء القرآن بالتخصيص دليل على إجماعهم بأنّ القرآن وعلمه، تنزيله، وتأويله مخصوص بهم، ولقد كان حبر الأُمّة عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) مصدر تفسير جميع المفسرين، وقد دعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن قال: «اللهمّ فقّهه في الدين، وعلّمه التأويل» فتلمّذ لعلي (عليه السلام) حتى فقّهه في الدين وعلَّمه التأويل.
ولقد كنت على حداثة سنّي أسمع تفسير القرآن من مشايخي سماعاً مجرداً حتى وُفقْتُ، فعلّقته على أُستاذي ناصر السنّة أبي القاسم سلمان بن ناصر الأنصاري (رضي الله عنهما) تلقفاً (كذا) .
ثمّ أطلعتني مطالعات كلمات شريفة عن أهل البيت وأوليائهم (رضي الله عنهم) على أسرار دفينة وأُصول متينة في علم القرآن، وناداني من هو في شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة الطيبة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (8) .

فطلبت الصادقين طلبَ العاشقين، فوجدت عبداً من عباد الله الصالحين كما طلب موسى (عليه السلام) مع فتاه ﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً (9) فتعلّمت منه مناهج الخلق والأمر، ومدارج التضاد والترتيب، ووجهي العموم والخصوص، وحكمي المفروغ والمستأنف، فشبعت من هذا المِعَاء الواحد، دون الأمعاء التي هي مآكل الضُّلاّل ومداخل الجُهّال، وارتويت من شرب التسليم بكأس، كان مزاجه من تسنيم فاهتديت إلى لسان القرآن: نظمه، وترتيبه، وبلاغته وجزالته، وفصاحته، وبراعته.

ثمّ إنّه بعد ما يشير إلى أنّ القرآن بحر لا يدرك غوره، ولا يدرك ساحله، والسباحة في هذا البحر كان مقروناً بالخطر، يقول: فوجدت الحبر العالم فاتّبعته على أن يعلِّمني ممّا عُلّم رُشداً، وآنست ناراً، فوجدت على النار هدى فنقلت القراءة والنحو واللغة، والتفسير، والمعاني من أصحابها على ما أوردوه في الكتب نقلاً صحيحاً، من غير تصرّف فيها بزيادة أو نقصان، سوى تفسير مجمل، أو تقصير مطوّل، وعقّبتُ كل آية بما سمعت فيها من الأسرار، وتوسمتها من إشارات الأبرار، ولقد مرّ على الخوض فيها فصول في علم القرآن هي مفاتيح العرفان، وقد بلغت اثنا عشر فصلاً، قد خلت عنها سائر التفاسير وسمّيت التفسير بـ‍ «مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار» وأستعيذ بالله السميع العليم من القول فيها برأي واستبداد دون رواية وإسناد، والخوض في أسرارها ومعانيها جزافاً وإسرافاً دون العرض على ميزان الحقّ والباطل، وإقامة الوزن بالقسط وتقرير الحقّ وتزييف الرأي المقابل له (10) .
ثمّ إنّه ذكر في الفصل الثامن معنى التفسير والتأويل وبما أنَّ لأكثر كلامه مسحة من الحق نأتي به.

يقول: ثمّ التأويل المذكور في القرآن على أقسام:
منها: تأويل الرؤيا بمعنى التعبير: ﴿ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ (11) .
ومنها: تأويل الأحاديث: ﴿ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ (12) .
ومنها: تأويل الأفعال: ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً (13) .
ومنها: الرد إلى العاقبة والمال: ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ (14) .
ومنها: الرد إلى الله والرسول: ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (15) .
ومنها: تأويل المتشابهات: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ (16) .
وفي القرآن أحكام المفروغ، وأحكام المستأنف، وأحكام متقابلات على التضاد، وأحكام متفاصلات على الترتب، فرؤية المستأنف هو الظاهر والتنزيل والتفسير، ورؤية حكم المفروغ هو الباطن والتأويل والمعنى والحقيقة: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ (17) (18) .

فهذا المقطع من كلامه يبيّن موقفه من تأويل القرآن، فالأسرار التي يودعها في تفسيره إن كان مستنداً إلى نص معتبر فهو مقبول، وإلاّ فيرجع إلى التفسير بالرأي. ومن أراد أن يقف على منهج تفسيره وتأويله، فلينظر إلى تفسير قوله سبحانه ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لِآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) فلاحظ ص117-121 من التفسير المذكور (20) .


(1) - المواقف: 8/390.
(2) - المروى عن طرقنا: بني الإسلام على خمس.
(3) - سورة النازعات، الآيات: 15-18.
(4) - الظاهر أنّ ضمير الفاعل يرجع إلى روح الأمين.
(5) - سورة مريم، الآية: 26.
(6) - سورة الأنفال، الآية: 35.
(7) - تأويل الدعائم: 1/51-52.
(8) - سورة التوبة، الآية: 119.
(9) - سورة الكهف، الآية: 65.
(10) - مفاتيح الأسرار: 1/2 .
(11) - سورة يوسف، الآية: 100.
(12) - سورة يوسف، الآية: 6.
(13) - سورة الكهف، الآية: 82.
(14) - سورة الأعراف، الآية: 53.
(15) - سورة النساء، الآية: 59.
(16) - سورة آل عمران، الآية: 7.
(17) - سورة آل عمران، الآية: 7.
(18) - مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار: 1/ 19.
(19) - سورة البقرة، الآية: 34.
(20) - دروس في مناهج التفسير (جمعية القرآن الكريم)

 

 

   معجم المفسرين

تفسير مُقتنيات الدُرَر وملتقطاتُ الثمر

 

 

العنوان المعروف: تفسير جوامع الجامع.

المؤلف: أمين الإسلام، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (قدّس سرّه) .

تاريخ التأليف: 543هـ.

عدد المجلدات: 4 مجلدات.

طبعات الكتاب: طبع عدَّة طبعات الطبعة الأولى: طهران، سنة 1321هـ؛ والثانية في طهران، سنة 1409هـ؛ أما الطبعة الأولى في بيروت فكانت سنة 1405هـ - 1985م.

المؤلف: هو أمين الإسلام، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي مؤلف تفسير مجمع البيان الذي تقدمت ترجمته في عدد سابق عندما تحدثنا عن «تفسير مجمع البيان» ولد في سنة 468هـ - 1076م؛ وتوفي سنة 548هـ - 1154م.

مميزات تفسيره:
تميز هذا التفسير بالنسبة إلى سائر تفاسيره:
1- الاختصار وحذف الزوائد، وايجاز العبارات.
2- نقل الأخبار من طرق أهل البيت عليهم السَّلام.
3- تبين موضع الخلاف مع ما ذهب إليه صاحب الكشاف.

أهم آثاره ومؤلفاته:
1- مجمع البيان في تفسير القرآن.
2- الكافي الشافي في تلخيص الكشَّاف.
3- جوامع الجامع، وهو تفسير وسيط للمؤلف وإن ألفه بعد الوجيز المسمى بـ «الكافي الشافي».

منهجه في التفسير:
فكان يشرع في بيان اسم السورة مكّيها ومدنيّها ومعناها وعدد آياتها وفضلها، ثم يدخل في قراءتها ولغتها ونحوها وصرفها واشتقاقها، وغيرها من علوم العربية، ثم يدخل في الشرح والبيان والتفسير، ونقل الأقوال من دون تقسيم وتنظيم، بل كانت طريقتهم نفس طريقة صاحب الكشّاف، بأن يذكر عدداً من الآيات ثم يفسر قسماً منها، ثم يفسر بعد ذلك القسم الآخر منها.

الخلاصة:
يعتبر جوامع الجامع من أحسن التفاسير الوجيزة للطلاب، الحاوي على النكات الأدبية والبلاغية والتفسيرية، مع الاجتناب عن كل ما هو زائد عنده في تفسير بياني مختصر، وهو مختصر تفسير «مجمع البيان».

 

   علوم قرآنية

ظهور القراءات


أسباب ظهور اختلاف القراءات

تقدم الحديث عن مراحل ظهور وكتابة القراءات، والآن نلقي نظرة على أسباب ظهور هذه القراءات، فهنالك سؤال يخطر على بال كل شخص، وهو لماذا ابتُلِيَ المسلمون مرّة أُخرى - بعد توحيد المصاحف في زمن الخليفة الثالث، وهو العمل الذي جاء من أجل توحيد كل القراءات - باختلاف قراءات القرآن؟ الجواب بايجاز هو مجموعة من الأسباب التي كان لها تأثير في هذا المجال وهي:

أ- خلو المصاحف العثمانيّة من النقاط والحركات:

كان من أهم أسباب بروز الاختلاف في القراءات، مزايا الخط العثماني، فعدم وجود النقاط والحركات في المصاحف العثمانية، أو بسبب بدائيّة (1) الخط والكتابة في ذلك الزمان، أو لأنَّ السبب يعود إلى أمر عثمان بأن تكون المصاحف خالية من النقاط والحركات، لكي تتحمل قراءاتها الوجوه السبعة التي يرى البعض أنَّ القرآن نزل عليها، ففي كل مصحف كان خط المصاحف العثمانيّة بشكل تتعذر قراءته إلا بالاعتماد على الحفظ، فكانت الكثير من كلمات القرآن قابلة للقراءة على صورٍ مختلفة، نورد فيما يلي أمثلة من اختلافات القراءات الناتجة عن هذا السبب:

1- قرأ الكسائي: إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتثبّتوا، بينما قرأ الآخرون: فتبيّنوا.
2- ابن عامر والكوفيون: ننشزها والآخرون: ننشرها (2) .
3- ابن عامر وحفص: ويكفّرعنكم، الآخرون: نكفّر (3) .
4- قرّاء الكوفة ما عدا عاصم: لنثوينّهم، الآخرون: لنبوئنّهم (4) .
5- ابن سميقع: فاليوم ننحّيك ببدنك الاخرون: ننجّيك (5) .
أما في مجال الاختلافات الناتجة عن عدم وجود الحركات، فهو ما تعبّر عنه الامثلة التالية:
1- قرأ حمزة والكسائي كلمة «اعلم» بصيغة الأمر: ﴿ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) . بينما قرأها غيرهما بصيغة المتكلم المفرد «أَعْلَمُ».
2- قرأ نافع: ﴿ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (7) بصيغة النهي، بينما قرأها الآخرون بصيغة المبني للمجهول «لا تُسْأَل».


ب- عدم وجود حرف الألف في وسط الكلمات:

أدّى هذا السبب إلى بروز حالات كثيرة من اختلاف القراءات:
1- قرأ بعضهم في الآية: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ مالِكِ، وبعضهم قرأها مَلِكِ (8) .
2- قرأوا كلمة غشوة (9) على وجوه مثل عُشاوةٌ، غَشاوَةٌ، غِشاوَةٌ، غَشْوَةٌ، غَشْوَةً، وغير ذلك (10) .
3- قرأوا كلمة يخدعون (11) على وجوه مثل: يُخادِعوُنَ، يُخادَعُونَ، يُخْدَعُونَ، يُخدَّعون وغير ذلك (12) .
4- قرأوا كلمة قصاص (13) ، قصص (14) .
5- قرأوا كلمة مسكين (15) ، مساكين (16) .
هذا اضافة إلى عشرات الأمثلة الأخرى من هذا القبيل، وهو ما يمكن الاطلاع عليه عند مراجعة كتاب معجم القراءات.


ج- اختلاف اللهجات:

نزل القرآن بلهجة قريش، التي كانت أفضل وأفصح لهجات العرب، إلّا أنَّ قُرّاء القرآن الذين كانت لهم لهجات متنوّعة، كثيراً ما كانوا يقرأون الكلمات بلهجاتهم، وهذا ما أدّى إلى اختلاف القراءات تدريجيّاً.
1- كلمة نعبد (17) كانت تلفظ في بعض اللهجات العربيّة بصيغة نِعبُدُ (18) .
2- كلمة نَستعين (19) كانت تلفظ في بعض اللهجات العربيّة بصيغة نِستَعين (20) .
3- كان اختلاف اللهجة يؤدّي أحياناً إلى حصول تقديم وتأخير في تلفظ حروف الكلمة الواحدة نذكر مثلاً أنَّ بني تميم كانوا يقولون بدلاً من صاعقة وصواعق ، صاقعة وصواقع(21) .
4- كانت قبيلة هذيل تُبدل الواو المكسورة بهمزة مثلاً كانوا يلفظون كلمة وعاء، إعاء (22) .
5- اختلافات القراءات التي كانت تحمل نتيجة للإظهار والإدغام والإشمام والمد والقصر والإمالة وما شابه ذلك، كانت غالباً ما تحصل بسبب تأثير اللهجات، وميل كل لهجة إلى نوع من اداء الحروف، نذكر مثلاً أنَّ ابن محيص كان يقرأ كلمة «لميّتون» في الآية الخامسة عشرة من سورة (المؤمنون) «لمائتون» (23) .


د- آراء واجتهادات القرّاء:
أحد الاسباب المهمة في ظهور اختلاف القراءات يعود إلى آراء القرّاء واجتهاداتهم الشخصية، فقراءة القرآن التي تتوقف صحّتها على السماع والنقل، ابتعدت في بعض الحالات عن هذه القاعدة الضروريّة وبعد توحيد المصاحف وإرسال القرّاء إلى الولايات، ربّما كان القارىء يتردد في قراءة آية في مصحف خالٍ من الإعجام والحركات، ففي كل هذه الحالات كان يختار ما يراه مناسباً، ويعمل على أساس الحدس والظن، وحتى أنَّه كان يستدل على هذا الرأي، نشير إلى أنَّ هناك كتباً كثيرة دوّنت على هذا الأساس مثل: الحجّة للقرّاء السبعة، أو الكشف عن وجوه القراءات السبع، وكان الغرض منها توجيه القراءات المختلفة للقرّاء، والإتيان بقواعد أدبيّة ونحويّة لإثبات صحّتها (24) . ما سبق ذكره هو أربعة أسباب مهمة في اختلاف القراءات، ومن الطبيعي أنَّ هناك أسباب مهمة في اختلاف القراءات، قرّاءً تغلب على قراءتهم القراءات الشاذّة والمخالفة للقراءات المشهورة، يبدو من العجيب للوهلة الأولى كيف يختلف القارىء في أكثر قراءته مع الآخرين، ولكن ينبغي الإذعان بأنَّ سوق القراءة عندما راج في القرنين الثاني والثالث وبرز عدد من القرّاء وذاع صيتهم في الآفاق، فمن الطبيعي أن يكون هناك من يطلبون الشهرة والكسب من خلال إتباع القراءات النادرة التي ينفردون بها عن سواهم، فمثل هؤلاء الافراد يجعلون همّهم قراءة القرآن بشكل لا يقرأه غيرهم، ونظراً إلى مرونة القواعد الأدبيّة فهم يأتون بالأدلة التي يثبتون بها صحّة قراءتهم (25) .


(1) - تاريخ قراءات القرآن الكريم: ص1126 .
(2) - سورة البقرة، الآية: 259.
(3) - سورة البقرة، الآية: 271.
(4) - سورة العنكبوت، الآية: 58.
(5) - سورة يونس، الآية: 92.
(6) - سورة البقرة، الآية: 259.
(7) - سورة البقرة، الآية: 119.
(8) - معجم القراءات القرآنيّة: ج1، ص7.
(9) - سورة البقرة، الآية: 7.
(10) - معجم القراءات القرآنيّة: ج1، ص24.
(11) - سورة البقرة، الآية: 9.
(12) - معجم القراءات القرآنيّة: ج1، ص25.
(13) - سورة البقرة، الآية: 179.
(14) - معجم القراءات القرآنيّة: ج1، ص140.
(15) - سورة البقرة، الآية: 184.
(16) - معجم القراءات القرآنيّة: ج1، ص142.
(17) - سورة الحمد، الآية: 5.
(18) - المصدر السابق، الآية: 5.
(19) - المصدر السابق، الآية: 5.
(20) - المصدر السابق، الآية: 5.
(21) - التمهيد في علوم القرآن: ج2، ص22.
(22) - المصدر السابق: ص25.
(23) - المصدر السابق: ص30.
(24) - المصدر السابق: ص34.
(25) - دروس في علوم القرآن: (إصدار: جمعية القرآن الكريم) .

 

استفتاءات قرآنية
لسماحة المرجع آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي
(دام ظله)

 

 


سؤال: كراهة قراءة القرآن للجنب والحائض هل هي بمعنى أقليّة الثواب كون قراءة القرآن من العبادات، وبالتالي لا مبغوضيّة في ذلك؟
الجواب: النهي في العبادات مطلقاً يكون بمعنى أقل ثواباً. والله العالم.
سؤال: من كان فاقداً للماء، أو كان استعمال الماء مضرّاً به، إذا تيمّم بدلاً عن الغسل - غسل الجنابة - فهل يجوز له الدخول الى المسجد والصلاة جماعة؟ وما هو حكم قراءته للقرآن الكريم؟
الجواب: طالما أنّ العذر المجوّز للتيمم لم يرتفع، وتيمّمه لم يبطل، يجوز له الإتيان بكلّ الأعمال المشروطة بالطهارة.

سؤال: إذا اشترى الإنسان لنفسه كفناً، وفي أوقات الصلوات الواجبة أو المستحبّة، أو عند قراءة القرآن الكريم يقوم دائماً بافتراشه وأداء الصلاة وقراءة القرآن الكريم عليه، وعند الممات يتّخذه كفناً، فهل هذا جائز؟ وهل يصحّ من وجهة نظر الاسلام أن يشتري الانسان لنفسه كفناً ويكتب عليه الآيات القرآنيّة، ولا يستفيد منه إلاّ عند التكفين؟
الجواب: لا مانع في شيء ممّا ذكر.

سؤال: من المتعارف في منطقتنا أنّ مراسم لطم الصدور أو الضرب بالسلاسل بالنحو التقليدي لا تقام إلاّ في عزاء الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، والشهداء، وسادة الدين العظام، فهل يجوز إقامة تلك المراسم في وفاة بعض الأشخاص الذين كانوا من قوّات التعبئة، أو من الأشخاص الذين كانوا يقدّمون الخدمات بنحو ما لهذه الحكومة الإسلاميّة ولهذا الشعب المسلم؟
الجواب: لا إشكال في ذلك - في نفسه - في الفرض المذكور، ولكن هذا العمل لا يعود بخير على ذلك الميّت، والأفضل إقامة مجالس الفاتحة وقراءة القرآن الكريم له.

سؤال: لو حكم على مسلم بالإعدام طبقاً للقانون وبتأييد من السلطة القضائيّة بتهمة حمل المخدرات وقد نفّذ حكم الاعدام فيه:
1- فهل يُصلّى عليه صلاة الميت؟
2- ما هو حكم الاشتراك في مراسم العزاء، وقراءة القرآن الكريم، ومصائب أهل البيت(عليهم السلام) التي تقام لهذا الشخص؟

الجواب: المسلم الذي نفّذ فيه حكم الاعدام حكمه حكم سائر المسلمين وتجري عليه جميع الأحكام ، والآداب الاسلاميّة التي تجري على الأموات.

سؤال: نظراً لإستخدام أقلام الريش في الرسم والتخطيط، والأنواع الجيّدة والمرغوبة منها هي الأنواع المستوردة من بلاد غير إسلاميّة والتي تُصنّع في غالب الأحيان من شعر الخنزير، وهي موجودة في متناول الجميع، ولا سيّما المراكز الاعلاميّة والثقافيّة، فما هو الحكم الشرعي لإستخدام هذا النوع من الريش؟ وثانياً ما هو حكم كتابة الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة بها؟
الجواب: شعر الخنزير نجس ولا يجوز الاستفادة منه في الأمور التي تعتبر فيها الطهارة شرعاً، وأمّا استخدامها في الأمور غير المشروطة بالطهارة فلا إشكال فيه، والريشة إذا لم يكن معلوماً أنهّا صنعت من شعر الخنزير أم لا، فاستخدامها حتّى في الأمور المشروطة بالطهارة لا إشكال فيه.

سؤال: يعيش عدد كبير من الناس في (خوزستان) يسمّون أنفسهم بالصابئة ويقولون إنّنا أتباع النبي يحيى (عليه السلام) وكتابه موجود عندنا، وقد ثبت لدى علماء الأديان أنّ هؤلاء هم الصابئون الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، فنرجو التفضّل ببيان هل هؤلاء من أهل الكتاب أم لا؟
الجواب: الطائفة المذكورة لها حكم أهل الكتاب.

سؤال: شخص كافر يطلب نسخة من القرآن الكريم لغرض التعرّف على القرآن، فهل يجوز دفعها إليه مع تعهّده أنّه سيحافظ عليها جداً؟
الجواب: إذا كان لغرض هدايته فلا إشكال، مع الأمن من هتكه وتنجيسه. والله العالم (1) .


(1) - استفتاءات قرآنيَّة: اصدار جمعية القرآن الكريم، ص 39 .

 

 

  قصص قرآنية

 

يقول سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الْأَلْبَابِ ﴾ .


يقول سبحانه:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (1) .


وهنا أمور :

1- من هو لقمان؟

لقد ورد اسم «لقمان» في آيتين من القرآن في سورة لقمان، ولا يوجد في القرآن دليل صريح على أنّه كان نبيّاً أم لا، كما أنّ اُسلوب القرآن في شأن لقمان يوحي بأنّه لم يكن نبيّاً، لأنّه يلاحظ في القرآن أنّ الكلام في شأن الأنبياء عادةً يدور حول الرسالة والدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك وإنحرافات البيئة، وعدم المطالبة بالأجر والمكافأة، وكذلك بشارة الاُمم وإنذارها، في حين أنّ أيّاً من هذه الاُمور لم يذكر في شأن لقمان، والذي ورد هو مجموعة مواعظ خاصّة مع ولده (رغم شموليتها وعموميتها) ، وهذا دليل على أنّه كان رجلا حكيماً وحسب.
وفي حديثه عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «حقّاً أقول: لم يكن لقمان نبيّاً، ولكن كان عبداً كثير التفكّر، حسن اليقين، أحبّ الله فأحبّه ومنّ عليه بالحكمة».
وجاء في بعض التواريخ: أنّ لقمان كان عبداً أسود من سودان مصر، ولكنّه إلى جانب وجهه الأسود كان له قلب مضيء وروح صافية، وكان يصدق في القول من البداية، ولا يمزج الأمانة بالخيانة، ولم يكن يتدخّل فيما لا يعنيه (2) .

واحتمل بعض المفسّرين نبوّته، لكن ـ كما قلنا ـ لا يوجد دليل على ذلك، بل لدينا شواهد واضحة على نقيض ذلك.
وجاء في بعض الرّوايات: أنّ شخصاً سأل لقمان: ألم تكون ترعى معنا؟ قال: نعم. قال الرجل: فمن أين أتاك كلّ هذا العلم والحكمة؟ قال: قدر الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، والصمت عمّا لا يعنيني (3) .

وورد كذلك في ذيل الحديث الذي نقلناه عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «كان لقمان نائماً نصف النهار، إذ جاءه نداء: يالقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحقّ؟ فأجاب الصوت: إن خيّرني ربّي قبلت العافية، ولم أقبل البلاء، وإن عزم عليّ فسمعاً وطاعة، فإنّي أعلم أنّه إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني. فقالت الملائكة: دون أن يراهم: لِمَ يالقمان؟ قال: لأنّ الحكم أشدّ المنازل وآكدها، يغشاه الظلم من كلّ مكان، إن وقي فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة، ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي الآخرة شريفاً خير من أن يكون في الدنيا شريفاً وفي الآخرة ذليلا، ومن يختر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة. فتعجّبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فاُعطي الحكمة، فانتبه يتكلّم بها» (4) (5) .

2- قد وردت في قصته وحكمه روايات كثيرة مختلفة ونحن نورد بعض ما كان منها أقرب إلى الاعتبار.
ففي الكافي، عن بعض أصحابنا رفعه إلى هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): يا هشام إن الله قال: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ قال: الفهم والعقل (6) .
وفي المجمع، روى نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: حقاً أقول لم يكن لقمان نبياً ولكن كان عبداً كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه ومنَّ عليه بالحكمة. كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء: يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت إن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء وإن هو عزم علي فسمعاً وطاعة فإني أعلم أنه إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني. فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحكم أشد المنازل وآكدها يغشاه الظلم من كل مكان إن وفى فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي الآخرة شريفاً خير من أن يكون في الدنيا شريفاً وفي الآخرة ذليلاً ومن تخير الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها ثم كان يوازر داود بحكمته فقال له داود: طوبى لك يا لقمان أعطيت الحكمة وصرفت عنك البلوى (7) .
وفي رواية: قال فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتدرون ما كان لقمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: كان حبشيا (8) .


3- قصّة لقمان (عليه السلام) في الروايات:

وفي تفسير القمي، بإسناده عن حماد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عزَّ وجل، فقال: أما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال. ولكنه كان رجلاً قوياً في أمر الله متورعاً في الله ساكتاً مستكيناً عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستغن بالعبر لم ينم نهاراً قط ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره وعموق نظره وتحفظه في أمره، ولم يضحك من شيء قط مخافة الإثم ولم يغضب قط، ولم يمازح إنساناً قط، ولم يفرح بشيء أتاه من أمر الدنيا ولا حزن منها على شيء قط وقد (تزوج) من النساء وولد له من الأولاد الكثير وقدم أكثرهم أفراطاً فما بكى على موت أحد منهم. ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما ولم يمض عنهما حتى تحابا، ولم يسمع قولاً قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء، وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين فيرثي للقضاة مما ابتلوا به، ويرحم الملوك والسلاطين لغرتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك، ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان يداوي قلبه بالفكر ويداوي نفسه بالعبر، وكان لا يظعن إلا فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة. وإن الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: إن أمرني الله بذلك فالسمع والطاعة لأنه إن فعل ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني وإن هو خيرني قبلت العافية. فقالت الملائكة: يا لقمان لم؟ قال: لأن الحكم بين الناس بأشد المنازل وأكثر فتنا وبلاء يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان وصاحبه فيه بين أمرين إن أصاب فيه الحق فبالحري أن يسلم وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا ضعيفاً كان أهون عليه في المعاد من أن يكون حكماً سرياً شريفاً، ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه ولا تدرك تلك. قال: فتعجب الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه فلما أمسى وأخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاء فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه، وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويبثها فيها. قال: فلما أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر الله عزَّ وجل الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله عزَّ وجل الخلافة في الأرض وابتلي بها غير مرة كل ذلك يهوي في الخطأ يقيله الله ويغفر له، وكان لقمان يكثر زيارة داود (عليه السلام) ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه، وكان داود يقول له: طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية وأعطي داود الخلافة وابتلي بالحكم والفتنة. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزَّ وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ قال: فوعظ لقمان ابنه باثار حتى تفطر وانشق. وكان فيما وعظه به يا حماد أن قال: يا بني إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد. يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك، وخذ من الدنيا بلاغاً ولا ترفضها فتكون عيالاً على الناس، ولا تدخل فيها دخولاً يضر بآخرتك، وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياماً يمنعك من الصلاة فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام. يا بني: إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإيمان واجعل شراعها التوكل، واجعل زادك فيها تقوى الله فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك. يا بني: إن تأدبت صغيراً انتفعت به كبيراً ومن عنى بالأدب اهتم به، ومن اهتم به تكلف علمه ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ومن اشتد له طلبه أدرك منفعته فاتخذه عادة فإنك تخلف في سلفك وينتفع به من خلفك ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك راهب، وإياك والكسل عنه بالطلب لغيره فإن غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك نصيبا في طلب العلم فإنك لن تجد له تضييعا أشد من تركه ولا تمارين فيه لجوجا ولا تجادلن فقيها ولا تعادين سلطانا، ولا تماشين ظلوماً ولا تصادقنه ولا تؤاخين فاسقاً ولا تصاحبن متهما واخزن علمك كما تخزن ورقك. يا بني: خف الله عزَّ وجل خوفا لو أتيت القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك وارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر الله لك. فقال له ابنه: يا أبت كيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان: يا بني: لو استخرج قلب المؤمن يوجد فيه نوران نور للخوف ونور للرجاء لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرة فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله عزَّ وجل ومن يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله، ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله فإن هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض. فمن يؤمن بالله إيماناً صادقاً يعمل لله خالصاً ناصحاً ومن يعمل لله خالصاً ناصحاً فقد آمن بالله صادقاً ومن أطاع الله خافه، ومن خافه فقد أحبه، ومن أحبه فقد اتبع أمره ومن اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته، ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه نعوذ بالله من سخط الله. يا بني: لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقاً هو أهون عليه منها ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثواب المطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين (9) .

وفي قرب الإسناد: هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): قيل للقمان: ما الذي أجمعت عليه من حكمتك؟ قال: لا أتكلف ما قد كفيته ولا أضيع ما وليته (10) .

- وفي البحار، عن قصص الأنبياء بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال: يا بني: إن تك في شك من الموت فارفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك وإن كنت في شك من البعث فارفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك فإنك إذا فكرت في هذا علمت أن نفسك بيد غيرك وإنما النوم بمنزلة الموت وإنما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت، وقال: قال لقمان لابنه: يا بني لا تقترب فيكون أبعد لك ولا تبعد فتهان، كل دابة تحب مثلها وابن آدم لا يحب مثله. لا تنشر بزك إلا عند باغيه، وكما ليس بين الكبش والذئب خلة، كذلك ليس بين البار والفاجر خلة، من يقترب من الزفت تعلق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلم من طرفه، من يحب المراء يشتم، ومن يدخل مدخل السوء يتهم، ومن يقارن قرين السوء لا يسلم، ومن لا يملك لسانه يندم. وقال يا بني صاحب مائة ولا تعاد واحداً، يا بني إنما هو خلاقك وخلقك فخلاقك دينك وخلقك بينك وبين الناس فلا تبغضن إليهم وتعلم محاسن الأخلاق. يا بني كن عبداً للأخيار ولا تكن ولداً للأشرار. يا بني أد الأمانة تسلم دنياك وآخرتك وكن أميناً فإن الله لا يحب الخائنين. يا بني لا تر الناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر (11) .

وفي الكافي، بإسناده عن يحيى بن عقبة الأزدي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان فيما وعظ به لقمان لابنه يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجراً فأوف عملك واستوف أجرك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها فتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر أخربها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها. واعلم أنك ستسأل غداً إذا وقفت بين يدي الله عزَّ وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته، وعمرك فيما أفنيته، ومالك مما اكتسبته وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا ولا تأس على ما فاتك من الدنيا فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه وكثيرها لا يؤمن بلاؤه فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك، وتعرض لمعروف ربك، وجدد التوبة في قلبك، واكمش في فراقك قبل أن يقصد قصدك، ويقضى قضاؤك، ويحال بينك وبين ما تريد (12) .

وفي البحار، عن القصص بإسناده عن حماد عن الصادق (عليه السلام) قال: قال لقمان: يا بني إياك والضجر وسوء الخلق وقلة الصبر فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب، وألزم نفسك التؤدة في أمورك وصبر على مئونات الإخوان نفسك، وحسن مع جميع الناس خلقك. يا بني إن عدمك ما تصل به قرابتك وتتفضل به على إخوانك فلا يعدمنك حسن الخلق وبسط البشر فإن من أحسن خلقه أحبه الأخيار وجانبه الفجار، واقنع بقسم الله ليصفو عيشك فإن أردت أن تجمع عزّ الدنيا فاقطع طمعك مما في أيدي الناس فإنما بلغ الأنبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم (13) .
أقول: والأخبار في مواعظه كثيرة اكتفينا منها بما أوردناه إيثاراً للاختصار (14) .


4- دروس للأهل من وصايا لقمان (عليه السلام) لابنه:

الأول: أنَّ لقمان الحكيم أوصى ولده أن لا تشرك بالله قال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ .
الثاني: الوصية بالإحسان للوالدين قال سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ .
الثالث: أن يعلم أن الله مُطلع على جميع أمورك قال عزَّ وجل: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ .
الرابع: الحرص على إقامة الصلاة قال جلَّ وعلا: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ .
الخامس: أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قال عزَّ شأنه: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ .  
السادس: الصبر على المصائب قال تبارك وتعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ .
السابع: التواضع وعدم الكبر قال سبجانه: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ .
الثامن: إخفاض الصوت في الحديث قال عزَّ وجل: ﴿ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ﴾ .
هذا بعض ما أوصى به لقمان الحكيم (عليه السلام) ، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا للعمل بهذه الوصايا، إنه سميع مجيب.


(1) - سورة لقمان، الآيات: 19.
(2) - قصص القرآن. شرح أحوال لقمان.
(3) - مجمع البيان: ذيل الآيات مورد البحث.
(4) - مجمع البيان: ج8، ص316. ذيل الآية مورد البحث.
(5) - الأمثل: ج13، ص41.
(6) - الكافي: ج1، ص16.
(7) - مجمع البيان: ج8، صص315.
(8) - الدر المنسور: ج5، ص16.
(9) - تفسير القمّي: ج2، ص1164.
(10) - قرب الإسناد: ص73.
(11) - بحار الأنوار: ج13، ص417، ح11.
(12) - الكافي: ج2، ص4، ح20.
(13) - بحار الأنوار: ج13 ، ص419، ح14.
(14) - الميزان: ج16، ص3338.



 

   القرآن في نهج البلاغة

رَبِيعُ اَلْقَلْبِ وَيَنَابِيعُ اَلْعِلْمِ



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين من خطبة له (عليه السلام) يقول الإمام (عليه السلام):
«وَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا اَلْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَبْلُ الله اَلْمَتِينُ وَسَبَبُهُ اَلْأَمِينُ وَفِيهِ رَبِيعُ اَلْقَلْبِ وَيَنَابِيعُ اَلْعِلْمِ وَمَا لِلْقَلْبِ جِلاَءٌ غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ اَلْمُتَذَكِّرُونَ وَبَقِيَ اَلنَّاسُونَ أَوِ اَلْمُتَنَاسُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كَانَ يَقُولُ يَا اِبْنَ آدَمَ اِعْمَلِ اَلْخَيْرَ وَدَعِ اَلشَّرَّ فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ» (1) .

«وَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا اَلْقُرْآنِ» لأنّ الغرض من جميع المواعظ المتضمّنة للوعد والوعيد والترغيب والتهديد هو الجذب إلى طرف الحقّ والإرشاد إلى حظيرة القدس، والقرآن أبلغ منها كلّها في إفادة ذلك الغرض وأكمل في تحصيل ذلك المقصود، قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (2) .

«فَإِنَّهُ حَبْلُ الله اَلْمَتِينُ» من تمسّك به نجا ومن تركه فقد هوى، ووصفه بالمتانة والاحكام لأنه حبل ممدود من الأرض إلى السماء من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، روى أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (3) .

وروى الثعلبي في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً .. (4) عن أبي سعيد عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: أيها الناس قد تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض... الخبر.

«وَسَبَبُهُ اَلْأَمِينُ» أي: واسطته، وصفه بالأمانة لأنه لا يخون المتوصّل به في إيصاله إلى حظاير القدس ومجالس الأنس وقرب الحقّ.
«وَفِيهِ رَبِيعُ اَلْقَلْبِ» لأنّ القلوب تلتذّ وتنشط وترتاح بتلاوة آياته وتدبّر ما فيها من المحاسن والمزايا وتفكّر ما تضمّنته تلك الآيات من النكات البديعة واللطايف العجيبة، كما أنّ النفوس تلتذّ بأزهار الربيع وأنواره، قال سبحانه: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (5) .

«وَ» فيه «يَنَابِيعُ اَلْعِلْمِ» استعارة بالكناية حيث شبّه العلم بالماء إذ به حياة الأرواح كما أنّ بالمآء حياة الأبدان، وذكر الينابيع تخييل، وفي بعض النسخ بدل ينابيع العلم: ينابيع العلوم والمقصود واحد، وإنما كان ينابيع العلوم إذ جميع العلوم خارجة منه لتضمّنه علم ما كان وما هو كائن وما يكون كما قال عزّ من قائل: ﴿ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6) ، وقال تعالى: ﴿ ... مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ... (7) ، وقال عزَّ وجل: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ (8) .

«وَمَا لِلْقَلْبِ جِلاَءٌ غَيْرُهُ» إذ فيه منار الهدى ومصابيح الدّجى والتفكّر فيه يجلو القلوب من رين الشكوكات ويرتفع به عنها صدا الشبهات كما يجلو الصيقل المرآت، ولما كان القرآن ينابيع جميع العلوم فيؤل حصول الجلاء بها إلى الجلاء به في الحقيقة.
«مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ اَلْمُتَذَكِّرُونَ» بالقرآن المتدبّرون في معانيه المستضيئون بضيائه المقتبسون من أنواره، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (9) .
«وَبَقِيَ اَلنَّاسُونَ» له حقيقة «أَوِ اَلْمُتَنَاسُونَ» المظهرون للنسيان لأغراض دنيويّة قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ (10) .

وارتباط هذا الكلام بما سبق أنه لما ذكر ممادح القرآن وأنه أبلغ المواعظ وأجلى للقلوب، وكان الغرض منه حثّ المخاطبين وتحريضهم على اتّباعه والتذكّر به أتبعه بذلك أسفاً على الماضين وتقريعاً على الباقين بأنّهم لا يتذكّرون به ولا يتّبعونه ولا يتّعظون بمواعظه. ومحصّله إظهار اليأس من قبولهم للموعظة واستبعاد ذلك لما تفرّس منهم من فساد النيات ومتابعة الهوى والشهوات.

ويحتمل أن يكون توطئة وتمهيداً لما كان يريده من أمرهم باعانة الخير وتجنّب الشرّ، يعني مع أنّ المتذكّرين وأولي البصاير قد مضوا ولم يبق إلاّ الغافلون الجاهلون وتأثير الموعظة فيهم صعب جداً، مع ذلك أعظكم واذكّركم وإن لم تنفع الذكرى بقولي «فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ» لفظ الخير والشرّ وإن كان مطلقاً شاملاً باطلاقه لكلّ خير وشرّ، إلاّ أنّ الأشبه أن يكون نظره فيهما إلى الخير والشرّ المخصوصين.

بأن يكون مراده من الخير الخير الّذي كان يريده في حقّهم وإن كان مكروها وكانوا لهم متنفرّين عنه بطبعهم من التسوية في العطاء والحمل على جادّة الوسطى ومرّ الحقّ، ويكون المراد باعانتهم عليه تسليمهم له في كلّ ما يأمر وينهى ورضاهم بكلّ ما يفعل ويريد، وسعيهم في مقاصده ومآربه.
وأن يكون مراده من الشرّ ما تفرّس منهم بل شاهده من قصدهم لنكث البيعة وثوران الفتنة، ويكون المراد بالذّهاب عنه الاعراض عنه والترك له.
وإنّما نقول: إنّ الأشبه ذلك لما حكي عن بعض الشراح من أنّ هذه الخطبة خطب بها في أوائل البيعة فقرينة الحال والمقام تشعر بما تقدم.

وكيف كان فلما أمر (عليه السلام) بما أمر أكّده بالحديث النبويّ صلّى الله عليه وآله فقال «فَإِنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كَانَ يَقُولُ يَا اِبْنَ آدَمَ اِعْمَلِ اَلْخَيْرَ وَدَعِ اَلشَّرَّ» أي اتركه «فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ» يحتمل أن يكون المراد بالقاصد الراشد الغير المجاوز عن الحدّ في سيره بأن لا يكون سريع السّير فيتعب بسرعته، ولا بطيء السّير فيفوت الغرض ببطئه، وأن يكون المراد به السائر في قصد السّبيل أي غير الخارج عن الجادّة الوسطى، وتشبيه عامل الخير وتارك الشرّ به على الأوّل من أجل اتّصافه بالعدل في أموره وبرائته من الافراط والتفريط، وعلى الثاني من أجل كون سلوكه على الجادّة الوسطى والصراط المستقيم الموصل به إلى نضرة النّعيم والفوز العظيم (11) .
نسأل الله سبحانه أن يوفّقنا لخدمة القرآن الكريم، وللسير على هديه إنّه حميد مجيد، وسلام الله على نبينا محمد وآله المعصومين وعباده الصالحين، والحمد لله ربّ العالمين (12) .


(1) - الخطبة: 171.
(2) - سورة الحشر، الآية: 21.
(3) - مسند الامام أحمد بن حنبل: ج3، ص14، دار صادر بيروت.
(4) - سورة آل عمران، الآية: 103.
(5) - سورة الزمر، الآية: 23.
(6) - سورة الأنعام، الآية: 59.
(7) - سورة الأنعام، الآية: 38.
(8) - سورة النحل، الآية: 89.
(9) - سورة القمر، الآية: 17.
(10) - سورة الحشر، الآية: 19.
(11) - أهم المصادر: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.
(12) - إعداد: الشيخ فادي الفيتروني.

 

 

   الأخلاق في القرآن

علاقة التّغذية بالأخلاق

 


ربّما سيتعجب بعضهم من هذا العنوان، وما هي علاقة الأخلاق والروحيّات والملكات النّفسية بالغذاء، فالأولى للرّوح والثّانية للجسم، ولكن بالنّظر للعلاقة الوثيقة، بين الجسم والروح في حركة الحياة والواقع، فلن يبقى مجالاً للتعجب، فكثيراً ما تسبّب الأزمات الرّوحية في الإصابة بأمراض جسديّة، تضعف جسم الإنسان وتشل عناصر القوّة فيه، فيبيض الشّعر، وتظلم العين، وتخور القوى عند الإنسان والعكس صحيح أيضاً، فإنّ الفرح وحالات الرّاحة التي يمرّ بها الإنسان، تنمي جسمه وتقوّي فكره، وقديماً توجّه العلماء لتأثير الغذاء على روحيّة الإنسان وسلوكه المعنوي، وتغلغَلت هذه المسألة في ثقافات الناس، على مستوى الموروث الفكري والوعي الاجتماعي، فمثلاً شِرب الدّم يبعث على قساوة القلب، والعقيدة السّائدة هي أنّ العقل السّليم في الجسم السّليم.

ولدينا آياتٌ وروايات تشير إلى هذا المعنى، ومنها الآية (41) من سورة المائدة، فقد أشارت إلى فئة من اليهود الذين مارسوا أنواعاً كثيرةً من الجرائم بحقّ الإسلام والمسلمين من قبيل التّجسس وتحريف الحقائق الواردة في الكتب السّماويّة، فقال الباري تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ .

ويعقّب مباشرةً قائلاً: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ .
وهذا التعبير يبيّن أنّ عدم طهارة قلوبهم، إنّما كان نتيجة لأعمالهم، الّتي منها تكذيب الرّسول والآيات الإلهيّة، وأكلهم للحرام بصورة دائمة، ومن البعيد في خطّ البّلاغة والفصاحة، أن يأتي بأوصاف لا علاقة لها بجملة: ﴿ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ .

ومنها يعلم أنّ أكل السّحت يسوّد القلب ويُميته، ويكون سبباً لنفوذ عناصر الرّذيلة، والزيغ ، والإبتعاد عن الخير والفضائل.
وفي الآية (91) من سورة المائدة، ورد الحديث عن شرب الخمر ولعب القمار، فقال عزّ من قائل: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ .
ولا شك فإنّ العداوة والبغضاء، هي من الحالات الباطنيّة، التي ترتبط برابطة وثيقة مع شرب الخمر ولعب القمار، كما ورد في الآية الشريفة، وهو دليل على أنّ أكل السّحت والشّراب الحرام يساعد على بروز الرذائل الأخلاقية، وتكريس حالات العداء والخصومة بين الأفراد، في خط الشيطان.
ونقرأ في الآية (51) من سورة (المؤمنون) ، قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً ﴾ .

ويعتقد بعض المفسّرين أنّ تقارن ذكر هذين الأمرين: وهما «أكل الطّيبات والعمل الصالح»، هو خير دليل على وثاقة العلاقة بينهما، وهي إشارةٌ إلى أنّ إختلاف وتنوّع الأكلات والأطعمة، له معطيات أخلاقية مختلفة ومتنوّعة أيضاً، فأكل الطيّبات، يطيّب الرّوح ويصلح العمل، وبالعكس فإنّ الأكل الحرام يُظلم الرّوح، ويخبّث العمل (1) .
وقد إستدلّ في تفسير «روح البيان»، وبعد إشارته لعلاقة العمل الصّالح بأكل الطيّبات، بالأشعار التالية:
وأشار في تفسير: «الاثني عشري»، في ذيل هذه الآية، إلى علاقة نورانيّة القلب وصفائه، والأعمال الصّالحة بأكل الحلال (2) .

علاقة التّغذية بالأخلاق في الرّوايات الإسلاميّة:

هذه العلاقة لم ترد في الآيات القرآنية بصورة واضحة، ولا يوجد لها سوى إشاراتٌ خفيفةٌ، ولكن هذا الأمر: «علاقة التّغذية بالأخلاق»، له صدى واسع في الرّوايات، ونورد منها:

1 ـ نقرأ في الرّوايات الواردة، أنّ من شروط إستجابة الدّعاء هو الإمتناع عن أكل الحرام، حيث جاء شخص إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقال له: اُحِبُّ أنْ يُستَجاب دُعائِي، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «طَهِّرْ مَأَكَلَكَ وَلا تَدْخُلْ بَطْنَكَ الحَرامَ» (3) .
وجاء في حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنّه قال: «مَنْ أَحَبَّ أنْ يُستَجابَ دُعاءهُ فَليُطَيِّبْ مَطْعَمَهُ وَمَكْسَبَهُ» (4) .
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، أنّه قال: «أَنَّ الله لا يَسْتَجِيبُ دُعاءً بِظَهْرِ قَلب قاس» (5) .
ويستنتج من ذلك، أنّ الأكل الحرام يُقسّي القلب، ولأجله لا يستجاب دعاء آكلي الحرام، وتتوضح العلاقة الوثيقة بين خبث الباطن وأكل الحرام، في ما ورد عن الإمام الحسين(عليه السلام) ، في حديثه المعروف في يوم عاشوراء، ذلك الحديث المليء بالمعاني البليغة، أمام اُولئك القوم المعاندين للحقّ من أهل الكوفة، فعندما آيس من تحولهم إلى دائرة الحقّ والإيمان، وإستيقن أنّهم لن يستجيبوا له في خط الرسالة قال لهم: إنّكم لا تسمعون إلى الحق لأنّه قد: «مُلِئَتْ بُطُونُكُم مِنَ الحَرامِ فَطبَعَ الله عَلَى قُلُوبِكُم» (6) .

2 ـ ويبيّن حديث آخر، علاقة الأكل الحرام بعدم قبول الصّلاة والصّيام والعبادة، ومنها ما ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ أَكَلَ لُقْمَةَ حَرام لَنْ تُقْبَلَ لَهُ صلاةُ أَربَعِينَ لَيلَةً، وَلَمْ تُسْتَجَبْ لَهُ دَعوَةُ أَربَعِينَ صَباحاً، وَكُلُّ لَحْم يُنٌبِتُهُ الحَرامُ فَالنَّارُ أَولَى بِهِ، وَإنَّ اللُّقْمَةَ الواحِدَةَ تُنْبِتُ اللَّحْمَ» (7) .
ومن الطبيعي فإنّ قبول الصّلاة له شروطٌ عديدةٌ، ومنها: حضور القلب وطهارته من الدّرن والغفلة، والحرام يسلب منه تلك الطّهارة والصّفاء، ويخرجه من أجواء النّور والإيمان.

3 ـ نقل عن الرسول الأكرام (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والأئمّة (عليهم السلام) ، أنّ: «مَنْ تَرَكَ اللَّحْمَ أَربَعِينَ صَباحاً ساءَ خُلُقُهُ» (8) .
وهذا الحديث يبيّن نصيحة طِبيّةً مهمّةً، وهي أنّ الإنسان إذا ترك أكل اللّحم، لمدّة طويلة، فسيورثه سوء الخلق والإنقباض في النّفس، في دائرة التّفاعل مع الآخرين، وورد في مقابله العكس أيضاً، وهو ذمّ الإفراط في تناول اللّحم والإكثار منه، فإنّ من شأنه أن يورثه نفس الأعراض والأمراض الخُلقية.

4 ـ وقد ورد في كتاب: «الأطعمة والأشربة»، روايات ذكرت العلاقة بين الأطعمة والأخلاق الحسنة والسيئة ومنها: ما ورد عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «عَلَيكُم بِالزَّيتِ فإنّهُ يَكْشِفُ المُرَّةَ... وَيُحْسِّنُ الخُلُقَ» (9) .

5 ـ في حديث آخر عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يَقِلَّ غَيْظَهُ فَلْيَأكُلْ لَحمَ الدُّراجِ» (10) .
وهذا الحديث يبيّن بصورة جيدة علاقة الغذاء بالغضب والصّبر.

6 ـ في رواية مفصّلة وردت في تفسير العياشي، نقلها عن الإمام الصّادق (عليه السلام) ، حيث سئل عن علّة تحريم الدم، فقال(عليه السلام): «وَأَمَّا الدَّمُ فَإَنَّهُ يُورِثُ الكَلَبَ وَقَسْوَةَ القَلبِ وَقِلَّةَ الرَّأفَةِ وَالرَّحمَةِ لا يُؤمِنُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَدَهُ وَوالِدَهُ».
وفي القسم الآخر من نفس الرواية، قال(عليه السلام): «وَأَمَّا الخَمْرُ فإنَّه حَرَّمَها لِفِعْلِها وَفَسادِها وَقَالَ إِنَّ مُدْمِنَ الخَمْرِ كَعابِدِ الوَثَنِ، وَيُورِثُ إِرتِعاشَاً وَيُذْهِبَ بِنُورِهِ وَيَهْدِمَ مُرُوَّتَهُ» (11) .

7 ـ ونقل في الكافي روايات متعددة، عن العنب وعلاقته بإزالة الغم، ومنها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، أنّه قال: «شَكى نَبِيٌّ مِنَ الأنبِياءِ إِلى الله عَزَّوَجَلَّ الغَمَّ فَأَمَرَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ بِأَكْلِ العِنَبِ» (12) .
فنلاحظ تأكيداً أشدّ على علاقة التغذية بالمسائل الأخلاقية، التي تعكس الحالة النفسية للفرد.

8 ـ الأحاديث التي وردت في أكل الرمان كثيرة، وأنّها تنوّر القلب وتدفع وساوس الشيطان، فجاء عن الإمام الصّادق (عليه السلام): «مَنْ أَكَلَ رُمّانَةً عَلَى الرِّيقِ أَنارَتْ قَلْبَهُ أَربَعِينَ يَوماً»(13) .

9 ـ وَردت روايات متعددة في باب «الأكل»، نرى فيها العلاقة المطّردة بين التغذية والمسائل الأخلاقيّة، في دائرة الصّفات والحالات النفسية، ومنها الحديث الوارد عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، في وصيته لجعفر بن أبي طالب(رضي الله عنه) ، فقال له: «يا جَعْفِرُ كُلِ السَّفَرجَلَ فَإِنّهُ يُقَوي القَلْبَ وَيُشْجِعُ الجَبَانَ» (14) .

10 ـ ونقل عن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) ، حديث يروي علاقة فضول الطعام بقساوة القلب، فنقل عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب «أعلام الدّين»: «إِيَّاكُم وَفُضُولَ المَطْعَمِ فَإِنّهُ يَسِمُ القَلْبَ بِالقَسوَةِ وَيُبْطِيء بِالجَوارحِ عَنِ الطّاعَةِ وَيَصُمُّ الهِمَمَ عَنْ سِماعِ المَوعِظَةِ».
«فضول الطعام»: يمكن أن تكون إشارةً لإدخال الطعام على الطعام، والأكل الزّائد عن الحاجة، أو أنّها تدل على تناول الطّعام المتبقي من الوجبات السّابقة، أي بقايا الطعام الفاسد، وعلى أيّة حال، فإنّ الحديث يدل على علاقة التّغذية بالمسائل الأخلاقية، التي تُؤطّر سلوك الإنسان في حركة الحياة.
وورد هذا المعنى أيضاً في بحار الأنوار الذي نقل الحديث عن رواة أهل السنة، ونقلوه أيضاً عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) (15) .
ويستفاد من هذا الحديث ثلاثة اُمور:
1 ـ إنّ الأكل الزائد يُقسّي القلب.
2 ـ ويقعد الإنسان عن العبادة في دائرة الكسل والإسترخاء.
3 ـ يُصمّ آذانه في مقابل الوعظ، فلا تؤثر فيه النّصيحة والموعظة في خطّ التربية، وهذا الأمر ملموس فعلاً، فإنّ الإنسان يثقل عند الأكل الكثير، ولا يكاد أن يؤدّي عبادته من موقع الشّوق والرّغبة، ولا يبقى لديه نشاط في خطّ العِبادة، وبالعكس في حالة ما إذا تناول طَعاماً خفيفاً، فسيكون دائماً على نشاط في حركة الإيمان، ويؤدّي عباداته ووظائفه في وقتها المعين لها.
وكذلك بالنّسبة للصّيام، فهو يرقّق القلب ويهيىء الإنسان لقبول المواعظ، وبالعكس عندما يكون الإنسان مليء البطن، فإنّه لا يكاد يفكر في شيء من عوالم الغيب، ولا يعيش في أجواء المَلكوت.

11 ـ وقد بيّنت الأحاديث الشريفة أيضاً، علاقة العسل بصفاء القلب، فنقل عن أمير المؤمنين(عليه السلام) ، أنّه قال: «العَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ داء وَلا داءَ فِيهِ يُقِلُّ البَلْغِمَ وَيُجَلِّي القَلْبَ» (16) .

النّتيجة:

تبيّن ممّا ذكر آنفاً، العلاقة الوثيقة بين الغذاء والروحيّات والأخلاق، ونحن لا ندّعي أبداً أنّ الأكل والغذاء هو العلّة التّامة لبلورة الأخلاق، ولكنّه يمثل عاملاً مُساعداً في ذلك، بحلاله وحَرامه، وأنواعه.

ويقول علماء العصر الحاضر، أنّ السّلوكيات الأخلاقية عند الإنسان، تنطلق من خلال ترشّح بعض الهرمونات من الغدد الموجودة في جسم الإنسان، والغُدد بدورها، تتأثر مباشرةً بما يأكله الإنسان، وعلى هذا الأساس، فإنّ لحومَ، الحيوانات تحمل نفس الصّفات النفسيّة الموجودة في الحيوان، فالضّواري تفعّل فِعْلَ عناصر التّوحش في الإنسان، والخنزير يذهب بالغيرة عند الإنسان، وهكذا فإنّ لحم أيّ حيوان، يخلف بصماته على روح آكله مباشرةً، وينقل إليه صفاته.
هذا من الناحية الماديّة الطبيعيّة، وأمّا من الناحيّة المعنويّة، فإنّ أكل الحرام يُظلم الروح والقلب، ويُضعف الفضائل الأخلاقيّة كما تقدم.

وأخيراً نختم هذا البحث، بنقل قصّة تاريخية نقلها المسعودي في مروجه، فقال: نقل عن الفضل بن الرّبيع أنّ «شريك بن عبدالله»، دخل يوماً على «المهدي»، الخليفة العبّاسي في وقتها فقال له المهدي العباسي: «أي شريك»، أعرض عليك ثلاثة اُمور، عليك أن تختار إحداها، فقال ما هي؟، فقال له: إمّا أن تقبل منصب القضاء، أو أن تعلّم إبني، أو تأكل معنا على مائدتنا، ففكّر شريك قليلاً، وقال إنّ الأخيرة أسهلها، فحجزه المهدي، وقال لطبّاخه، حضّر له أنواعاً من أطباق أمخاخ الحيوانات، المخلوطة بالسّكر والعسل . فعندما أكلَ شريك من ذلك الطعام اللّذيذ، «وطبعاً الحرام»، قال الطبّاخ للمهدي: إنّ هذا الشّيخ لن يُفلح أبداً بعد هذا الطّعام، فقال الرّبيع: وفعلاً قد صدقت نبوءة الطبّاخ، فإنّ شريك بعدها قبل منصب القضاء، وعلّم أبناء المهدي أيضاً(17) (18) .


(1) - يرجى الرجوع إلى تفسير الأمثل، ذيل الآية 51، من سورة المؤمنون.
(2) - تفسير الإثني عشري: ج9، ص145.
(3) - بحار الأنوار: ج90، ص373.
(4) - المصدر السابق: ص372.
(5) - المصدر السابق: ص305.
(6) - نقلاً عن كتاب «سخنان علي (عليه السلام) از مدينة تا كربلا»، ص232.
(7) - سفينة البحار: ج1، مادة الأكل.
(8) - وسائل الشيعة: ج17، ص25، الباب 12.
(9) - المصدر السابق: ص12.
(10) - فروع الكافي: ج6، ص312.
(11) - تفسير البرهان: ج1، ذيل الآية 3، سورة المائدة؛ ومستدرك الوسائل، ج16، ص163.
(12) - الكافي: ج6، ص351، ح4.
(13) - المصدر السابق: ص354، ح11.
(14) - المصدر السابق: ص357، ص4.
(15) - بحار الأنوار: ج74، ص182.
(16) - بحار الأنوار: ج63، ص394.
(17) - سفينة البحار: مادة «شريك»، ومروج الذهب، ج3، ص310.
(18) - الأخلاق في القرآن: 184 - 187 .

 

  حفظ القرآن

التحذير من الوقوع في أخطاء
أثناء قراءة وحفظ القرآن الكريم (3)



الألفاظ المتشابهة في القرآن الكريم:

قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (1) .
هذه الآية تستعرض بعض الخصائص الكبيرة للقرآن الكريم حيث تقول في البداية ﴿ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ﴾ .
المقصود من (متشابه) هنا هو الكلام المتناسق الذي لا تناقض فيه ويشبه بعضه بعضاً، فلا تعارض فيه ولا تضاد، وكل أية فيه أفضل من الأخرى.

وهذا بالضبط على عكس العبارات التي يصوغها الإنسان، والتي مهما اعتنى بصياغتها فإنها لن تخلو من الأخطاء والاختلافات والتناقضات، خصوصاً عندما يتسع مجالها وتأخذ أبعاداً أوسع، إذ نلاحظ أن بعضها في قمة البلاغة، وبعضها الآخر عادي وطبيعي، وإن دراسة آثار الكتّاب الكبار المعروفين في مجالي النثر والشعر لهي خير دليل على هذا الموضوع.
أما كلام الله المجيد فليس كذلك، إذ ترى فيه انسجاماً خارقاً، وتناسقاً لا نظير له في المفاهيم والفصاحة والبلاغة، وهذا بحد ذاته يجعل آيات القرآن حاكماً يقضي بأنه لا يمكن أن يكون هذا الكلام من صياغة الإنسان وتأليفه.

أما الخاصية لآخر (مثاني) وهذه تشير إلى تكرار بحوثه المختلفة وقصصه ومواعظه، التكرار الذي لا يملّ منه الإنسان، وإنما على العكس من ذلك، إذ يتشوق لتلاوته أكثر، وهذه إحدى أسس الفصاحة، إذ يعمد الإنسان أحياناً إلى التكرار وبصور مختلفة وأساليب متنوعة، وذلك إذا أراد التأكيد على أمر ما وجلب الإنتباه إليه والتأثر به، كي لا يمل السامع أو يضجر منه.
إضافة إلى أن مواضيع القرآن المكررة تفسر إحداها الأخرى، وتحل الكثير من ألغازه عن هذا الطريق.

وهذا كله رأيناه في آياته، فنرى الآية ترددت وتكررت في غير موضع من القرآن العظيم، وهذا يدفع بالحفاظ إلى الإتقان في الحفظ ليسهل عليه التفرقة بيت تلك الآيات المتشابهة في التلاوة، وقد قصدنا - ههنا - إلى استنتاج علامات وإشارات تعين الحافظ والقارئ على فصل المتشابهات، وتجنب الخطأ والخلط عند التلاوة فيما تشابه من ألفاظ، وبادئ ذي بدء نسأل إخواننا:

كيف تفرق عند التلاوة عن ظهر قلب - أو غيب - بين قوله تعالى: ﴿ ... وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ ... (2) . وبين قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا ... (3) . وتضع كل آية في سورتها بلا شك ولا تردد ولا إبدال؟
وأيضاً كيف تفرق بين قوله تعالى: ﴿ ... كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً ... (4) . وقوله: ﴿ ... وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ... (5) . وقوله تعالى: ﴿ ... كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ... (6) .
وكذلك الآيات التي ذكرت أن الحياة الدنيا (لعب ولهو) أو (لهو ولعب) بل وكيف تعرف بيقين أن (الصيحة) وكذلك (الرجفة) في (دارهم) أو في (ديارهم)؟

وهنا سنستعرض بعضاً من الآيات المتشابهات في الألفاظ ليضع الحافظ نفسه على العلامات التي تجنب نفسه الخطأ، أو الخلط أو الإبدال في كلمة مكان أخرى، ومن ثم وضع كل كلمة في آيتها، وكل آية في سورتها مما يقع فيه التشابه ونورد هنا بعض الأمثلة:

1- قال جلَّ شأنه: ﴿ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (7) . وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (8) ، فلاحظ الفرق بين الآيتين في الآية الأولى ﴿ نَسْلُكُهُ ﴾ وفي الثانية ﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾ .

2- قال سبحانه: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (9) ، وقال تعالى : ﴿ ... صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (10) ، فلاحظ الفرق بين الآيتين في الآية الأولى ﴿ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ وفي الثانية ﴿ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ .

3- قال عزَّ وجل: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لِآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (11) ، وقال جــــــلَّ وعــــــلا: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لِآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (12) ، وقال تعالى:﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لِآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (13) .

4- قال جلَّ شأنه: ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (14) ، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (15) .

5- قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ .. (16) ، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً (17) ، وقال جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ... (18) .

6- قال عزَّ وجل: ﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ (19) ، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً (20) .
7- قال سبحانه: ﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (21) ، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (22) .

8- قال سبحانه: ﴿ ... وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (23) ، وقال جلَّ وعلا: ﴿ ... وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (24) ، وقال تعالى: ﴿ .. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (25) ، بمعرفة علامة تحدد آيات البقرة دون خلط تُعرف آية الرعد على حدةٍ.

9- قال تعالى: ﴿ ... أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) ، وقال سبحانه: ﴿ ... وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (27) .
10- قال عزَّ وجل: ﴿ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾، وقال جلَّ وعلا: ﴿ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (28) ، وقال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾، وقال تبارك وتعالى: ﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (29) .

فائدة: تشابه تام بين آيتي سورتي الحجر، وص. ولاحظ التناسق بين الهمزة في ﴿ أَنظِرْنِي ﴾ وبينها في ﴿ إِنَّكَ ﴾ وكذلك باقي الآيات.
11- قال جلَّ شأنه: ﴿ ... وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (30) ، وقال سبحانه: ﴿ ... لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (31) ، وقال تبارك وتعالى: ﴿ ... فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (32) .

فائدة: كلما ظهر حرف الفاء في لفظ (فإذا) لم يظهر في لفظ (لا يستأخرون) والعكس.


(1) - سورة الزمر، الآية: 23.
(2) - سورة النحل، الآية: 66.
(3) - سورة المؤمنون، الآية: 21.
(4) - سورة غافر، الآية: 82.
(5) - سورة فاطر، الآية: 44.
(6) - سورة الروم، الآية: 9.
(7) - سورة الحجر، الآية: 12.
(8) - سورة الشعراء، الآية: 200.
(9) - سورة البقرة، الآية: 18.
(10) - سورة البقرة، الآية: 171.
(11) - سورة البقرة، الآية: 34.
(12) - سورة الكهف، الآية: 50.
(13) - سورة الإسراء، الآية: 61 .
(14) - سورة البقرة، الآية: 48.
(15) - سورة البقرة، الآية: 123.
(16) - سورة البقرة، الآية: 62.
(17) - سورة المائدة، الآية 69.
(18) - سورة الحج، الآية: 17.
(19) - سورة البقرة، الآية: 88.
(20) - سورة النساء، الآية: 155.
(21) - سورة البقرة، الآية: 95.
(22) - سورة الجمعة، الآية: 7.
(23) - سورة البقرة، الآية: 120.
(24) - سورة البقرة، الآية: 145.
(25) - سورة الرعد، الآية: 37.
(26) - سورة البقرة، الآية : 125.
(27) - سورة الحج، الآية: 26.
(28) - سورة الأعراف، الآيتان: 14 - 15.
(29) - سورة الحجر، الآيتان: 36 - 37.
(30) - سورة الأعراف، الآية: 34.
(31) - سورة يونس، الآية: 49.
(32) - سورة النحل، الآية: 61.

 

   المرأة في القرآن

تعليمُ المرأة وتعلُّمها

على ضوء القرآن الكريم



الإسلام منهج شامل للحياة، ونهجه سارٍ إلى يوم القيامة، وقد تناولت تعاليم الإسلام حياة الإنسان في جميع أحواله، فوضعت له أسمى المبادئ وأشرف القيم، وأقوم القواعد التي تحقّق سعادة الفرد والجماعة، وكان ظهور الإسلام مولداً جديداً للمرأة باعثاً لها حياة جديدة شاهدت فيها العزّة والكرامة بعد القهر والإهانة التي عاشت في ظلماتها فترة من الزمن، وقد اهتمّ الإسلام بتعليم المرأة وتربيتها، لأنّها المدرسة الأصلية والمنتجة التي تربّي الأجيال ....

ولأنّها الركن الأساس من أركان المجتمع السليم في حاضره ومستقبله، ولأنها الأداة الرئيسة لإعادة إنتاج القيم والمبادئ للأمة بأسرها.
بَيْدَ أن التعليم المعاصر للمرأة أخذ مسارات تختلف عنها في الإسلام، شكلاً ومضموناً، وواجه عديداً من التحديات التي أسهمت في تخلف المرأة عن بناء نفسها والإسهام في النهضة الإسلامية وكل ذلك بهدف تضليل وتضييع الهدف الأساس لحياة هذه العظيمة التي أراد لها الخالق عزَّ وجل أشرف حياة وأجلّها.. «فالجنّة تحت أقدام الأمهات» الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

بيان مقاصد تعليم المرأة: على ضوء القرآن الكريم:

لم يكن القرآن مجموعة قوانين وأحكام فحسب، دون ظلال توجيهيّة، فكما تضمن القرآن قوانين وأحكام، تَضمَّن أيضاً تاريخاً، وعظةً وتفسيراً للتكوين، والعديد الوافر من الأفكار الأخرى، فالقرآن الكريم تناول تشريع وتحديد السلوك العملي في موارد، كما أماط اللثام عن تفسير سر الخلق والوجود والهدف من الخلق والرقي بالمخلوق نحو الكمال المرجو لا سيما ديدن المجتمع والمرأة.

وهناك آيات كثيرة تبين هذا الموضوع: كالآية 195 من سورة آل عمران: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ﴾، فإذا تعلمت المرأة وصلت للأهداف المرجوة التي أرادها لها الخالق سبحانه من خلال الشواهد القرآنية والنماذج الصالحة أو الهالكة.
وكل هذه الإشارات والإضاءات ترسم الطريق الحق للمرأة حتى تجعل منها صانعة للرجال.

الأسوة الحسنة من القرآن:
القصص هي الطريقة الأمثل للإضاءة على النماذج الرفيعة للمرأة التي وصلت إلى أعلى مستوى وحققت أمالاً للبشر وصنعت رجالاً وربت أنبياء وغيرّت تاريخاً وأظهرت حقاً وأزهقت باطلاً..

شواهد من القرآن الكريم:

هل تستطيع المرأة تحقيق الهدف الإلهي والسير نحو الكمال: القرآن الكريم صَرَّحَ في آياتٍ كثيرة: أَنَّ الثواب الأخروي، وبلوغ القرب الإلهي لا ينحصر بجنس خاص، وإنما هو رهن الإيمان والعمل وهذا يلزمه علم ووعي ومسار صحيح لا نستطيع أخذه إلاّ بالقول القطعي الصادر عن الباري عزَّ وجل وعن الرسل والأئمة (عليهم السلام). فقد قرن ذكر الرجال العظام بذكر النساء الشامخات.

مثلاً:
قد وقف بإجلال لامرأة آدم وإبراهيم (عليهما السلام) . وأم موسى (عليها السلام) وعيسى (عليه السلام) ... وزوجة فرعون آسيا..

نماذج لنساء سلكن طرق الضياع:

أشار القرآن إلى عدم لياقة امرأة نوح ولوط عليهما السّلام بالنسبة لزوجيهما..
فلم يغفل عن مقارنتهن بزوجة فرعون التي سلكت بنفسها طريق الصلاح وانتهجت نهج الأنبياء واستشهدت مسلمة لدعوة موسى (عليه السلام) .
وكأنَّ القرآن الكريم أراد أن يحفظ التوازن في قصصه ولا يقتصر أبطالها على الرّجال.
﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ (1) .
- أي بعبادتك وعلمكِ بلغتِ مقاماً عليَّاَ.

تعليم المرأة ونهضتها في ظل الإسلام:

تعليم المرأة في ظل القرآن الكريم وتحت رعاية الإسلام كان له النهضة المشرِّفة والمشرقة على جميع الأصعدة.. ففي ضوء القرآن تم تنسيق وتنظيم حياة كل من المرأة والرجل (كاحترام البنات لآبائهنَّ، واحترام الزوجات لأزواجهّن) ،كما صان الإسلام نظام الأسرة ونظم فيها كل الأُطر والحقوق ورسم الحدود.
وبعد كل ما استعرضناه من شواهد وضروريات حول تعليم المرأة يبقى العلم النافع على ضوء الشريعة والولاية وعلى النهج القرآني هو الأساس وأمامنا المثل والقدوة السيدة الزهراء O والسيدة زينب (عليها السلام) والسيدة خديجة (عليها السلام) ....

- فنقول إن تعليم المرأة ضرورة بل واجباً لكن أن يكون هذا العلم نافعاً وموصلاً وهادفاً ويساهمُ في بناء المرأة والأسرة والمجتمع. وبالأخصّ التربية والرعاية ببناء جيل يكون بحق جيل صاحب العصر والزمان (عج) .
فتعليمُها على ضوء الحق والشعاع القرآني الهادف يُعدُّ من أعظم القيم المعرفيّة التي تسهم في بناء الأمة الإسلامية، وتسهم في إعداد المرأة لأداء دورها في التنمية والنهضة.
فمقاصد تعليم المرأة وتعلُمِها على ضوء القرآن الكريم، شملت مقاصد إنسانية، ومقاصد شرعية، ومقاصد اجتماعية، ومقاصد تنموية، فالتعليم يعدُّ من أشرف الوسائل لتحقيق إنسانية المرأة وتمكينها من أداء التكاليف الشرعية الموكلة إليها، وإعدادها لأداء دورها الاجتماعي والتنموي في خدمة الأمة الإسلامية والخط المقدس..

والشواهد التاريخية والقرآنية والميدانية أثبتت تفوّق العديد من النساء الفاضلات في الميدان العلمي والإنساني والعقائدي على مر عصور التاريخ الإسلامي ومراحله..
فالرسالة المحمدية حثت على طلب العلم فظهرت نساء عالمات في مختلف مجالات المعرفة وفروعها من نظرية وعملية، إذ جلست المرأة كمحدثة وفقيهة كما كانت أديبة وشاعرة وطبيبة ومداوية وقائدة كالعقلية زينب (عليها السلام) التي رَوَتْ بعلمها وذكائها تاريخ كربلاء وكانت تالي المعصوم في كل مواقفها العلمية والعمليّة والإنسانية (2) (3) .


(1) - سورة آل عمران، الآية: 42.
(1) - الحاجة ميادة العريبي درويش مرشدة تربوية - مبلغة حوزيّة وباحثة دينية وتربوية - منطقة البقاع (زحلة - الكرك) .
(1) - المصادر: حقوق المرأة في النظام الإسلامي (للشهيد مرتضى المطهري) ببعض التصرف؛ مكانة المرأة ودورها (الإمام الخميني قدس سره) أخذ أفكار؛ دراسة عامة لبعض الصفحات الالكترونية والمواقع (لأخذ آراء) .

 

   تجويد القرآن

الوقف في القرآن الكريم


 

يعتبر الوقف والابتداء من أهم أبواب علم التجويد التي ينبغي للقارىء أن يهتم بها ويتعرف إليها. فقد ورد أن الإمام علي (عليه السلام)  عندما سئل عن قوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ فقال (عليه السلام) : «الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف»، فالوقف حلية التلاوة، وزينة القارىء، وبلاغ التالي وفهم المستمع وفخر العالم وبه يعرف الفرق بين المعنيَيْن المختلفَيْن.

يُروى أنَّ أحدهم خطب أمام رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما» ووقف، فقال له رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم): «إجلس بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى» فعلى المتكلم أو القارئ أن يختار مواضع ومقاطع يقف عندها ليظهر المعنى المقصود للسامع، والخطأ فيه مكروه ومستقبح في الكلام الجاري بين الناس، وأشد كراهة وقبحاً في كلام الله سبحانه وتعالى ولهذا كانت معرفة الوقف شطر تعريف الترتيل عند أمير المؤمنين (عليه السلام)  والوقف على مقاطع الكلام نوعان، نوع يجوز الوقف عليه وهو ما يؤدي معنًى صحيحاً، ونوع لا يجوز الوقف عليه وهو ما لا يؤدي معنًى صحيحاً.
فالوقف والابتداء هو عِلمٌ بقواعد يعرف بها محال الوقف ومحال الابتداء وما يصح منها وما لا يصح.
أمّا فائدته فهي صون النص القرآني من أن تنسب فيه كلمة إلى غير جملتها.


أنواع الوقف

في سياق دروس التجويد التي نقدمها للقرّاء الأعزاء. وبعد شروعنا في باب علم الوقف والابتداء وتعرفنا إلى:

النوع الأوّل من أنواع الوقف وهو:
أ- الوقف التام: نتحدث الآن عن الأنواع الباقية من الوقف، علّنا نساهم في إيصال ما يحتاجه القرّاء وأهل هذا الفن.

النوع الثاني من أنواع الوقف:
ب- الوقف الكافي: هو الوقف على كلمة قرآنية بينها وبين ما بعدها تعلق معنوي لا لفظي حكمه يصح الوقف عليه والابتداء بما بعده ويكون عند فواصل الآيات وأواسطها.

ومن علامات الوقف الكافي:
1- أن يكون ما بعده مبتدأ نحو: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(85) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ ... (1) .
2- أن يكون ما بعده فعلا مستأنفا نحو: ﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ... (2) .
3- أن يكون ما بعده إن المكسورة نحو: ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (3) .
4- أن يكون ما بعده مفعولا لفعل محذوف نحو: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (4) .
5- أن يكون ما بعده حرف بل نحو: ﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ ... (5) .
6- أن يكون ما بعده سين أو سوف المستقبلية نحو: ﴿ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (6) .

النوع الثالث من أنواع الوقف:
ج- الوقف الحسن: هو الوقف على كلمة قرآنية بينها وبين ما بعدها تعلق لفظي ومعنوي إلا أن الوقف عليها يعطي معنىً صحيحاً. حكمه: يوقف عليه ولا يبدأ بما بعده إلا إذا كان رأس آية لكونه إما موصوفا والآخر صفة له، أو مبدلا منه والثاني بدلا أو مستثنى منه والآخر مستثنى ونحو ذلك من كلام تعلق بما بعده لفظا ومعنى كالوقف على: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ ثم يبتدىء: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ فهذا وإن كان كلاما أفهم معنى، لكنه تعلق بما بعده لفظا ومعنى، إذ الصفة والموصوف كالشيء الواحد لا يفرق بينهما، وكالوقف على: ﴿ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ (7) ، فالوقف على «الرسول» حسن لأنها جملة مفيدة وكلام يحسن الوقف عنده، ولكن الابتداء بما بعده لا يحسن، بل هو من الابتداء القبيح لأنه يفسد المعنى.

النوع الرابع من أنواع الوقف:
د- الوقف القبيح: وهو الوقف على كلمة قرآنية بينها وبين ما بعدها تعلق لفظي ومعنوي إلا أن الوقف عليها يعطي معنىً ناقصاً أو مرفوضاً أو فاسداً. حكمه: لا يوقف عليه ويبدأ بما بعده، فإن وقف مضطرّاً أعاد. وهو الوقف على كل كلام لا يفهم منه معنى، لتعلقه بما بعده لفظا ومعنى مع عدم الفائدة، أو أفاد معنى غير مقصود أو أوهم فساد المعنى، مثل الوقف على «بسم» وعلى «الحمد» وعلى «رب» وعلى «مالك» وعلى «صراط الذين»، فكل هذا لا يتم عليه كلام ولا يفهم منه معنى. وقد يكون بعضه أقبح من بعض كالوقف على ما يفسد المعنى المراد نحو: ﴿ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَِبَوَيْهِ (8) فإن المعنى يفسد بهذا الوقف، لأن المعنى على ذلك أن البنت مشتركة في النصف مع أبويها، وإنما المعنى أن النصف للبنت دون الأبوين، ثم استأنف الأبوين بما يجب لهما مع الولد. وأقبح من هذا ما يحيل المعنى ويؤدي إلى ما لا يليق والعياذ بالله تعالى نحو الوقف على: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي ... (9) وعلى: ﴿ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ ... (10) : ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ (11): ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي (12): ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى (13) وغيرها من الوقف التي تؤدي إلى تغيّر المعنى وفساده (14) .
والحمد لله رب العالمين.


(1) - سورة البقرة، الآيتان: 85 - 86.
(2) - سورة المائدة، الآية: 95.
(3) - سورة الأنعام، الآية: 81.
(4) - سورة النساء، الآية: 162.
(5) - سورة البقرة، الآية: 88.
(6) - سورة مريم، الآية: 59.
(7) - سورة الممتحنة، الآية: 1.
(8) - سورة النساء، الآية: 11.
(9) - سورة البقرة، الآية: 26.
(10) - سورة النحل، الآية: 38.
(11) - سورة البقرة، الآية: 258.
(12) - سورة المائدة، الآية: 67.
(13) - سورة الأنعام، الآية: 36.
(14) - مدير التعليم المركزي الحاج عادل خليل.

 

   حوارات قرآنية

حفظة القرآن الجامعيين

 

الاسم: دعاء عدنان البيروتي - منطقة بيروت.
نبذة مختصرة: دعاء حافظة لكامل القرآن الكريم وطالبة جامعية وقد وفقت بالمشاركة والنجاح في المسابقة السنوية لجائزة السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) لحفظة القرآن الكريم الجامعيين لعام 2014م.
العمل: معلمة في تحفيظ القرآن الكريم في جمعية القرآن الكريم في بيروت.
المستوى الدراسي: في السنة الجامعية الثالثة.


س 1: ماذا تفهمين من قوله عزَّ وجلَّ:
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ .
ج: أي إنَّه يجب علينا التمسك بحبل الله أي القيم القرآنية الدينية الجهادية التي تمنع طريق الشيطان من تزعزع أو اختلال هذا التمسك الروحي.

س 2: ماذا تفهمين من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنَّ أهل القرآن (1) في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النّبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإنَّ لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً علياً»؟
ج: نفهم أنّ أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته ، وندعو الله تعالى لأن يوصلنا إلى هذه الدرجة بالفعل والقول ، فالأنبياء والمرسلون هم وحفظة القرآن في عليّين .

س 3: مروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّ : «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة (2) الكرام البررة (3)»، هل هذا الحديث يشعرك بالمعنويات والتواضع لله سبحانه وللناس؟ ولماذا؟
ج: نعم، فالتواضع هو واجب علينا وقدوتنا في ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام).

س 4: كيف تقيِّمين مشروع جائزة سيِّد شهداء المقاومة الإسلامية التي قدمتها جمعية القرآن الكريم بالتعاون مع حزب الله؟
ج: مشروع ناجح وبارع يعطي المعنويات العالية في مختلف المجالات لاسيما في المجال القرآني والثقافي.

س 5: ماذا تقولين لطلاب الجامعات لحثهم على حفظ القرآن الكريم والاستفادة منه؟ وبماذا تنصحينهم؟
ج: أقول لهم بأنّ للقرآن بركة حيّة ما دام الإنسان حيّاً فهو الهبة الدنيوية والأخروية وأقول لهم إنَّ كل ما يحتاجونه موجود في القرآن.

س 6: ما هي الكلمة التي توجهينها لسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله (حفظه الله) الداعم لهذا المشروع؟
ج: بارك الله بسماحته ورعاه وحفظه من الأعداء وأسأل منه الدعاء لقضاء حوائجي وحوائج المؤمنين والمؤمنات جميعاً، وأن يديمه الله علينا ذخراً للأمة الإسلامية وفخراً لها.


(1) - أهل القرآن: هم حفظته وحملته والتالين لآياته والعاملين بما فيه.
(2) - السفرة: الملائكة .
(3) - البررة: جمع بار وهو المطيع لله المنزّه عن النقائص.

 

   أشهر القراء المبدعين

القارىء:  الشيخ سيد النقشبندي
(من جمهورية مصر العربية)

 

عاش السيد محمد النقشبندي 56 عاماً منذ خروجه للحياة ببلدة دميرة بمحافظة الغربية عام 1920م، وحتى رحيله على إثر إصابته بأزمة قلبية في العام 1976م وما بين مولده ورحيله نشأ في بيئة دينية، وهام في عشق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل البيت (عليهم السلام) حيث كانت نشأته الحقيقية في سوهاج قبل أن يستقر المقام بأسرته في طنطا، وفي منتصف الخمسينيات جاء الرجل إلى العاصمة يبحث عن فرصته في الالتحاق بالإذاعة، وعندما وجدها عام 1967م أثناء إحياء الليلة الختامية لمولد سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) دفعته موهبته الخلاقة عبر الآفاق حيث قدّم حوالي ألف قصيدة وموشح على امتداد مسيرته الإذاعية في الإذاعة المصرية والإذاعات العربية والإسلامية وحظي بتقدير الدول والحكام بقدر ما حظي بتقدير الملايين من المستمعين في العالم الإسلامي.

خرجت روحه الى بارئها في مبنى التلفزيون العربي بكورنيش النيل بالقاهرة عام 1976م في أعقاب تسجيل بعض ابتهالاته لتذاع في شهر رمضان المبارك.
لكن ماذا عن موقعه في دولة التلاوة..؟
الشيخ النقشبندي صاحب اسلوب متوحد في التلاوة لم يسبقه إليه أحد ، حيث كان يؤدي بطريقة تعبيرية ثم ينتقل مباشرة للجواب مع عدم الالتزام بالطبقة الموسيقية مستنداً إلى صوته العريض المكون من ثماني طبقات موسيقية فكان يقول الجواب وجواب الجواب وجواب جواب الجواب، والمؤكد أنه كمنشد ومبتهل يتفوق كثيراً على منافسيه بالقياس إلى تلاوة القرآن الكريم.

والشيخ النقشبندي لا شك مدرسة متفردة في أداء التواشيح والابتهالات، عجّلت «السيجارة» برحيله حيث كان يدخن أكثر من مئة سيجارة يوميا إضافة إلى عشقه للسهر في سبيل الله ومدح آل البيت (عليهم السلام).

 

   مقابلة العدد

القرآن هو خير جليس للإنسان


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله وصلى الله على حبيبه المصطفى وآله الطاهرين وبعد...
لقد توجهت - جمعية القرآن الكريم إلى عامل من عمَّال الله فضيلة الشيخ حاتم برّو مسؤول منطقة بعلبك في الجمعية - بمجموعة من الأسئلة القرآنيَّة وكانت الإجابة على الشكل التالي:

س 1 ـ ما هو الباعث أو المشجّع الأساسيّ لانضمامك إلى مسيرة القرآن المباركة؟
ج1- ﴿ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ﴾ لم تكن أبواب الهداية موصدة أمام البشر في يوم من الأيام فهي كالرزق مهداة من الباري تعالى لكل من أراد ومن خلال المحطات الإلهية التي ترافق البشرية في كل عصر وفي عصرنا تمثلت بانبعاث نور الإسلام على يدي الإمام الخميني (رض) وبالطريقة العقلانية التي قرب بها الإسلام وطرحه لنظرية إنقاذ البشرية لتسمو وترتقي كنت ممن شملهم المولى تعالى بتلك الأفضال وكانت جمعية القرآن الكريم إحداها فوجدت أنها المكان الذي يلوذ به الطالبون ويطمح إليه الراغبون ووجدت عالمي ونفسي وخلاصي بكتاب الله تعالى وكنت كلما أردت خطوة دعتني التالية فأحببت أن أعرف ما حولي ولم أجد ذلك إلا في القرآن: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ وأي دار أفضل من هذه الدار فأردت السلام الذي أراده الله تعالى لنا.

س2 ـ ما هي التّخصّصات الّتي حصلت عليها خلال رحلتك مع القرآن الكريم؟
ج2- «وَمِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَيْنا جَرَيانُ ذِكْرِكَ عَلى أَلْسِنَتِنَا» جرت عادة الناس أن ينظروا أولاً إلى البركات المادية لأي مجال من مجالات الحياة وعلينا أن لا ننسى النعم المعنوية أيضاً فلا بد أن النور الذي يحصل عليه صاحب القرآن: ﴿ ... إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ﴾ من خير وأفضل هذه الهبات وعلى كل حال فقد أنعم علينا ببعض ما ورد في طي السؤال المعرفة بأساليب تحفيظ القرآن الكريم، الاطلاع بمهمة التدريس والمحاضرة في جملة من فنونه التجويد والمفاهيم والأخلاق القرآنية.

س3 ـ ما هي أهمّ النّشاطات القرآنيّة الّتي تقوم بها خلال الأسبوع؟
ج3- من أهم هذه النشاطات مراجعة وتثبيت جزئين من القرآن في اليوم وببعض الأيام أربعة أجزاء كما أن هناك جهداً آمل من الله تعالى أن يحقق فيه أملي أن أحفظ كتاب نهج البلاغة وكل همي أن أتعرف على أخلاق أمير المؤمنين (عليه السلام) فأقتدي بها.

س4 ـ هل شاركت في مسابقات قرآنيّة محلّيّة أو دوليّة، وما هي النّتائج الّتي حقّقتها فيها؟
ج4- المشاركات في المسابقات هي كالشمس التي تشرق على الأرض بعد ليلها فتكون محل انبعاث من جديد ومن خلالها يتبين للإنسان موقعه في المجال الذي ينافس فيه والحمد لله فقد وفقت للمشاركة في مسابقات محلية ودولية في الحفظ والتفسير وكانت الحصائل بحمده تعالى إيجابية معنوية ومادية.

س5 ـ ما هو مقدار حفظكم للقرآن الكريم؟
ج5- في القرآن جاذبية لا توجد في أي كتاب آخر فكلما خضت غمار آياته وسوره دعتك أخريات إليها وهكذا حتى تشعر وأن القرآن كله «شراب سائغ شرابه» وأنى لك بعد ذلك أن تتوانى أو تقبل باليسير وعليه فقد وفقت لحفظ كامل القرآن الكريم والحمد لله ورجائي به تعالى أن يوفقني للعمل به.

س6 ـ ما هي الطّريقة الّتي اتّبعتها في حفظ كتاب الله عزّ وجلّ؟
ج6- ﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ﴾ إن التؤدة في جملة من الأمور لمن الكيفيات المحمودة وحفظ القرآن الكريم أحدها فكانت الخطة بالحفظ التدريجي اليومي والاستمرارية طرقاً للوصول إلى الغاية بحمده تعالى.

س7 ـ برأيك ما هي مواصفات الحافظ النّموذجيّ؟
ج7- بعد أن يوفق الإنسان لحفظ القرآن الكريم لا يمكنه أن يتعاطى مع ما حوله كما كان قبل الحفظ فالقرآن يجري في العروق وإنعكاساته تجلت في ساحة الحافظ من هنا كان الحافظ النموذجي قرآناً بين الآخرين وكل ما حوله: ﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ .... ﴾ فلا يمكنه - الحافظ - أن يجهل ولا أن يخمد وقوده ولا أن يخوض مع الخائضين وهكذا هو في كل أمر ناظر بنور الله تعالى عاكساً القرآنية في كل تصرفاته.

س8 ـ ما هي تجربتك الخاصّة في حفظ أو تعليم أو تلاوة القرآن الكريم وهل وتعتقد أنّها مفيدة للآخرين؟ لو سمحت بشرحها لنا وللقرّاء الأعزّاء.
ج8- إيمان المرء بأنه خليفة الله تعالى في الأرض يحتم عليه أن يجعل تجربته في الحياة مقرونة بالنظر في أحوال من سبقه وإلا فالتجربة الخالية من ذلك تجعل منه محلاً لطوارق الحدثان وكما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «من استقبل وجوه الآراء عرف مواضع الخطأ» فالتبصر والفهم واستعراض تجارب الغير لتنور السبيل أمام السالك وتجعله أمام تجربة فريدة خالية من السلبيات نسبياً وعن خصوصية تجربتي في معرض سؤالكم أني كنت أشعر بالقوة بالأمل بالأفق المنير وبالنظرة الواقعية للأمور التي تستبطنها الآيات والسور القرآنية لكل الواقع الذي نعيش.

س9 ـ من هو القارئ المفضّل لديك والّذي تستمتع باستماع أو تقليد تلاوته؟ ولماذا؟
ج9- في الواقع لم أكن أعدل في بداياتي بالمرحوم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أحداً وبعد ذلك قربني الخطاب الإلهي وحببني من كل قارىء قد حصل على فنون القراءة وشرائطها.

س10 ـ برأيك ما هي المميّزات الّتي يجب أن يتحلّى بها معلّم أو مدرّس القرآن؟
ج10- من جملة ما تميز به الإنسان أنه محل للتأثر والتأثير ومفطور على ذلك وحال معلم القرآن الكريم أنه حاك عن القرآن في التفسير والمفهوم وشتى علومه فيجب عليه أن يكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ ... وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ فغير لائق بعد دخوله دار السلام أن يصدر منه الحرب ولا أن يصدر منه الجهالة بعد وروده الماء المعين ومن هنا عليه أن يروي عطش الطالبين ويبلغ بأمن وأمانة رسالة رب العالمين جلَّ وعلا.

س11 ـ ما هي الأساليب التي يجب إتّباعها مع الأطفال لتنشئتهم تنشئة قرآنيّة؟
ج11- لا ينبغي معاملة الأطفال وتحت أي عذر أو ظرف أنهم يعيشون في ظرف الأهل فلكل يوم رؤيته وتجربته الخاصة من هنا كان أسلوب اليوم بما يحمله من رؤى جديدة وتطلعات هي الأولى بالإتباع ولا نعني بذلك أن نغير على المبادىء والأعراف المؤيدة عقلاً وشرعاً فنهدمها بل أن نواكب تطور الطرق والوسائل التي توصل إليها الفكر الإنساني لتحقيق الإفادة والاستفادة وخيرها وأفضلها السلوك القرآني للأهل والمعهد والمدرسة والمعلم واعتماد أسلوب المناقشة والحوار وجعل الخلق والقصة القرآنية ميزاناً لتطلعاتهم وتنمية آفاقهم.

س12 ـ كيف يساعد التّدبّر في القرآن الكريم على تزكية النّفس الإنسانيّة؟
ج12- المعرفة الواعية للكتاب العزيز تفتح البصيرة على حقائقه وأخلاقياته ومن خلالها يتلمس المرء النظرة الثاقبة لكل ما حولنا «فيه حكم ما بينكم ونبأ ما قبلكم» وهذا الواقع الذي يصف حال الإنسان الزكي والإنسان الردي وكيف تكون حياة التجربتين كل هذا يجعل من المتتبع مختاراً للطريقة الإلهية على كل الطرق الأخرى والتي تكون نتيجتها تناغم الطريقة الأولى مع الفطرة التي فطر الناس عليها وهي مطلوبية الفوز بالسعادة ولا يمكن أن تحصل إلا بالتزكية والأخذ بالجادة الوسطى إذ أن «اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة».

س13 ـ من خلال عملكم القرآنيّ وتجربتكم كيف نفهم قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»؟
ج13- نفهم من هذا القول المبارك لحضرة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) أولاً: أن الخير فيمن توجه لهذا المقام هذا وثانياً: أن الحائز على مرتبة تعلم القرآن وتعليمه غير جائز له بعد ذلك إلا أن يكون خيركم وثالثاً: أنه يجب على من تعلم القرآن وعلمه أن يصير كذلك خيركم ، وفلسفة ذلك أنه وبعد الإطلاع والمعرفة ورصد أخلاقيات الأولين وسيرهم فلا ينبغي العدول من النور إلى الظلمات.

س14 ـ كيف نستفيد من البرامج القرآنيّة لتقوية الوحدة الإسلاميّة بين المسلمين؟
ج14- من المسلمات في المسارات المباركة للآيات القرآنيَّة الوحدة الإنسانية فضلاً عن الوحدة بين المسلمين فإذا كان الناس بنظر القرآن مخلوقين من ذكر وأنثى فوحدة الأب والأم تحوطهم بالتراحم والتوادد وأن أصلهم واحد فكيف بمن هم كذلك وهم على قاعدة واحدة من الإيمان والإسلام لذلك على البرامج القرآنية وفي كل المضامير أن تأخذ بالحسبان هذا النظر القرآني لتقوية الوحدة بين المسلمين التي هي مطلب قرآني ونبذ الفرقة والتي هي من مبادىء الشيطان: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ ﴾ .

س15 ـ ما هو واجب ودور النّاشطين القرآنيّين في مواجهة ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلاميّ؟
ج15- علينا أن نبين أن الإرهاب لتقوية سلطان أو إرغام على التزام عقيدة أو فكرة معينة أو ثقافة ما من الأمور التي مورست قديماً وحديثاً ولم يحرم مجتمع من ممارسته وكل ذلك بسبب الإغماض عن معرفة حقيقة هذا الإنسان، ولكون الناشط القرآني منفتحاً على رسالة السماء بأبعادها من الدعوة لإحترام المخلوقات والرواح في خدمتهم وتقديم البر إليهم: ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ على النشطاء القرآنيين الأعزاء واجب البروز بعلمهم والإفصاح عن تعاليم الإسلام والقرآن قولاً وعملاً والمثابرة في فتح المعاهد والمراكز لتعليم الآخرين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وعدم الإنسحاب من أي معترك وذلك لجعل كلمة الله هي العليا: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ السَّلَامِ ... ﴾ .

س16 ـ ما هي نصيحتكم لحفّاظ وقرّاء القرآن الكريم ولمن لديه رغبة في حفظه وتلاوته؟
ج16- نصيحتي لهؤلاء الأحبة أن لا يألوا جهداً في التخلق بالقرآن والاستزادة من علومه ومعارفه وتبليغه وتعليمه لأنه من علم وعمل عد في الملكوت عظيماً ومن طَبع حفظ القرآن وتلاوته التأثر بتعاليمه ومنها العمل: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ... ﴾ فعليكم أن تسمعوا من خلال القرآن وأن تتكلموا من خلال القرآن وأن تنهضوا من خلال القرآن وأذكركم بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ فلا تسمعوا ولا تتكلموا ولا تنهضوا إلا بالتي هي أقوم، ونصيحتي لمن يرغب بحفظه وتلاوته أن أقدموا فينتظركم الخير الوفير قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ فهنيئاً لمن تقدم فسعد وأسعد.

س17 ـ نطلب منكم نصيحة للشّباب والمجتمع في لبنان ليصبحوا مجتمعًا عاملاً بالقرآن؟
ج17- أقول للشباب والمجتمع اللبناني قد صحبتم ثقافات مختلفة واتبعتم طرائق متفاوتة وعلمتم إلى أين وصلتم فهلا صادقتم القرآن لفترة فهو كتاب حكاية السماء للأرض كتاب الرؤية الموضوعية للخلق فتوجهوا لهذا الكتاب فهو حبل الله الممدود وعروته الوثقى كتاب ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعده أبداً: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ .

س18- حبّذا لو تحدّثنا عن نشاط وأعمال جمعية القرآن الكريم في منطقتكم ، وما هودوركم فيها ؟
ج18- وجود جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد من النعم الالهية التي يجب شكرها آناء الليل وأطراف النهار كيف لا وكنا قبل ذلك مجتمعاً لا نسمع قرآناً إلا في مناسبات الموت والعزاء فكانت هذه الجمعية المباركة التي إضطلعت بدور كبير لرفع الحرمان والهجران عن القرآن الكريم حاملة لواءه سالكة كل سبيل لتبليغه لمجتمع هو بأمس الحاجة إلى علومه ومعارفه وأخلاقياته فمجتمع المقاومة الشريفة مطلوب أن يكون قرآنياً وهو أولى من كل مجتمع بذلك وهذا هو دور الجمعية المباركة أن تخط الطريق وتحفذ وتعلم لترقى بالمجتمع إلى درجة اللياقة للخلافة الإلهية الكبرى.

س19- هل من كلمة حرة أخيرة؟
ج19- الكلمة الأخيرة التي أحب أن أوجهها إلى كل العالم ولا سيما المؤمن منه أن لا تسمحوا لذكر الله تعالى أن يغيب عن قلبكم أو فكركم لأنه في ذلك تتولد الشرور والطغيان وذلك خروج من المحبة والرحمة إلى الكراهية والبغضاء وبذلك يكون دمار الفرد والمجتمع قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ أعاذنا الله تعالى من كل ذلك وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

   أهل البيت (عليهم السلام)

القرآن في كلام أهل البيت (عليهم السلام)
 

علاقة الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن الكريم

 

مع أن أهل البيت (عليه السلام) هم حقيقة القرآن المتجسدة في الأفعال، ومع ذلك فإنهم لم يتركوا هذا الكتاب السماوي أبداً، بل كانوا على تواصل دائم معه قراءة وتفسيراً وتوجيهاً وتعليما، باعتبار أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، وهل هناك أعظم وأفضل من أن يتحدث العبد مع ربه، لا بكلام يخترعه العبد من عند نفسه، بل يحدث الله تعالى ويتكلم معه بكلامه جل وعلا، وإذا استشعر المرء حقيقة هذا المعنى فإنه لا شك أنه يأنس أنساً لا حدود له، وهذا ما نراه في الإمام الحسين (عليه السلام) (والذي شهادته في العاشر من محرم) يعلّمنا في كربلاء كيف نحافظ على هذا الكتاب المقدس، حتى في أصعب اللحظات، يعلّمنا كيف نتمسك به ولو كنّا في آخر لحظات حياتنا، وذلك حينما قال لأخيه العباس: «ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار» (1) .

فتأمل كلمة الحسين بشأن القرآن، يريد أن يؤخر القتال لليلة رغبة في تلاوة كتاب الله التي كان يحبها ويعشقها واعتاد عليها ، نعم اعتاد الحسين (عليه السلام) أن يناجي ربه بكلامه تعالى، وهذا درس لكل المسلمين كي يعودوا إلى إسلامهم وإلى رشدهم، ليعودوا إلى هذا القرآن الذي هجروا روحه ومضمونه وإن كانوا أحيوا شكله ومظهره ونمقوا حروفه وغلافه، يريد الحسين أن يعلمنا كيف ننسج علاقة حب مع كلام الله سبحانه، كيف نوطن أنفسنا على الإرتباط بالله من خلال كتابه، يعلّمنا كيف نستغل الساعات والدقائق في طاعة الله حتى وإن كانت قليلة، لأن المرء لا يعرف متى يحين أجله فليلتمس دائماً أماكن طاعة الله تعالى إذ لعل المنية توافيه فيكون قد مات على طاعته سبحانه وما أعظمها من نعمة. نعم لقد بلغ عشق الحسين (عليه السلام) لكتاب الله تعالى مرحلة رفيعة جداً من الإخلاص وهذا درس آخر من كلمته (عليه السلام) ، أن يكون الهدف من أعمالنا هو القرب منه تعالى، وما أشرفها من منزلة، وسنذكر بعض أقواله (عليه السلام) وأقوال أهل البيت (عليهم السلام) ممن ذكراه في(محرم وصفر وربيع الأوّل والثاني) .

الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ:
عن الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، قال: «ما مِنْ شيعَتِنا إِلاّ صِدّيقٌ شَهيدٌ. قال: قلت: جعلت فداك، أنّى يكون ذلك وعامّتهم يموتون على فراشهم؟ فقال: أَما تَتْلُو كِتابَ الله في الْحَديدِ: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ . قال: فقلت: فكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله تعالى قطّ» (2) .
ثواب قراءة القرآن:
وعنه (عليه السلام) قال: «مَنْ قَرَأ آيَةً مِنْ كِتابِ الله عَزَّ وَجَلَّ في صَلاتِهِ قائِماً يُكْتَبُ لَهُ بِكُلِّ حَرْف مِائَةُ حَسَنَة، فَإِذا قَرَأَها في غَيْرِ صَلاة كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ حَرْف عَشْرَ حَسَنات، وَإِنِ اسْتَمَعَ الْقُرْآنَ كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ حَرْف حَسَنَةً، وَإِنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ لَيْلاً صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ حَتّى يُصْبِحَ، وَإِنْ خَتَمَهُ نَهاراً صَلَّتْ عَلَيْهِ الْحَفَظَةُ حَتّى يُمْسِيَ، وَكانَتْ لَهُ دَعْوَةٌ مُجابَةٌ، وَكانَ خَيْراً لَهُ مِمّا بَيْنَ السَّماءِ إِلىَ الأَْرْضِ. قلت: هذا لمن قرأ القرآن، فمن لم يقرأ؟ قال (عليه السلام): يا أَخا بَني أَسَد! إِنَّ الله جَوادٌ ماجِدٌ كَريمٌ، إِذا قَرَأَ ما مَعَهُ أَعْطاهُ الله ذلِكَ (3) .

خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى:

من خطب الإمام الحسين (عليه السلام) غداة اليوم الذي استشهد فيه قال: «عِبادَ الله! اتَّقُوا الله وَكُونُوا مِنَ الدُّنْيا عَلى حَذَر، فَإِنَّ الدُّنْيا لَوْ بَقِيَتْ لأِحَد أَوْ بَقي عَلَيْها أَحَدٌ، كانَتِ الاَْنْبِياءُ أَحَقَّ بِالْبَقاءِ، وَأَوْلى بِالرِّضى، وَأَرْضى بِالْقَضاءِ، غَيْرَ أَنَّ الله تَعالى خَلَقَ الدُّنْيا لِلْبَلاءِ، وَخَلَقَ أَهْلَها لِلْفَناءِ، فَجَديدُها بال، وَنَعيمُها مُضْمَحِلٌّ، وَسُرُورُها مُكْفَهِرٌّ، وَالْمَنْزِلُ بُلْغَةٌ، وَالدّارُ قُلْعَةٌ، فَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى، فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (4) .

الدعوة المجابة:

قال الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) (والذي شهادته في 7 صفر): «مَن قرأ القرآن كانت له دعوة مجابة: إما مُعجّلة وإما مُؤجّلة» (5) .

مصابيح النور:

وقال أيضاً (عليه السلام): «إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فليجل جالٍ بضوئه، وليلجم الصفة قلبه، فإنّ التفكير حياة القلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور» (6) .

العمل بالقرآن:

وقال (عليه السلام): «ما بقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن، فاتّخذوه إماماً يدلّكم على هداكم. وإنّ أحقّ الناس من عمل به وإن لم يحفظه، وأبعدهم من لم يعمل به وإن كان يقرأه» (7) .

القائد السائق:
وقال (عليه السلام): «إنّ هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائداً وسائقاً، يقود قوماً إلى الجنة أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه، ويسوق قوماً إلى النار ضيّعوا حدوده وأحكامه واستحلّوا محارمه» (8) .

التوكل على الله تعالى:

وقال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) (والذي شهادته في 17 صفر): «الإيمان أربعة أركان: التوكل: على الله، والرضا: بقضاء الله، والتسليم: لأمر الله، والتفويض: إلى الله، وقال العبد الصالح ـ مؤمن آل فرعون ـ: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ... فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ ﴾ » (9) (10) .

كف الأذى عن الرحم:

وقال (عليه السلام): «صل رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها، وقال: في كتاب الله: ﴿ لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾» (11) (12) .
وقال (عليه السلام): في قول الله تعالى: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (13) قال: «عفو بغير عتاب» (14) .

علامات المؤمن خمس:
قال الإمام العسكري (عليه السلام) (والذي شهادته في 8 من ربيع الأول ومولده في 10 ربيع الآخر): «علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين - أي الفرائض اليوميّة وهي سبع عشرة ركعة والنوافل اليومية وهي أربع وثلاثون ركعة -، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين وتعفير الجبين - بالسجود -، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» (15) .


(1) - معالم المدرستين: ج 3 - ص 89.
(2) - موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام): ص 924.
(3) - المصدر السابق.
(4) - كفاية الطالب: 282.
(5) - ميزان الحكمة: ج2، ص884.
(6) - مستدرك سفينة البحار: ج8، ص449.
(7) - إرشاد القلوب:81.
(8) - إرشاد القلوب:81.
(9) - سورة غافر، الآية: 44.
(10) - مسند الإمام الرضا(عليه السلام): ص284.
(11) - سورة البقرة، الآية: 264.
(12) - مسند الإمام الرضا (عليه السلام): ص267.
(13) - سورة الحجر، الآية: 85.
(14) - مسند الإمام الرضا(عليه السلام): ص304.
(15) - بحار الأنوار: ج82، ص75.

 

   العقيدة في القرآن الكريم



 

التـوحـيـد في القرآن الكريم

 

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ



يقول الله عزَّ وجل: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ...(1) .
لقد بُعث نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة والرسالة من قبل الله (سبحانه) فكانت أول خطوة، وأهم عملٍ قام به، هو مكافحته للشرك والوثنية، لقد قال للناس في بداية دعوته ليرسم لهم طريق السعادة: «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا».

يعني آمنوا بالله تعالى وحده ولا تعبدوا أحداً سواه لتنالوا الفلاح وقد عنى بذلك: أن اتركوا الأصنام العمياء والصمّاء وهذه الآلهة المصطنعة المزعومة وانبذوها، وأطيعوا خالق الكون واعبدوه دون سواه... اخرجوا من ولاية الظلمة الجبّارين، واقبلوا بولاية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وقيادته حتى تتحرروا وتسعدوا وتصيروا سادة أعزاء ، كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لهم: أيها الناس إن خالق هذا العالم ومدبّره هو الله سبحانه دون سواه.. إنّه أقام في العالم القوانين والسنن وهو الذي يدير الكون ويدبره. فبتدبيره وتنظيمه وإرادته يأتي الليل والنهار ثم يذهبان وينزل الماء والثلج من السماء إلى الأرض، وتثمر الأشجار والنباتات، وتتفتح الأزاهير والورود وتحصل الحيوانات والبشر على أقواتها.. وسنبين آيات تدل على وجود الخالق المدبّر الحكيم.

مفهوم التوحيد:

هو الإيمان بالله وحده لا شريك له، والله الواحد الأحد: ذو الوحدانية والتوحّد والأحد من صفات الله تعالى، معناه أنه لا ثاني له، ويجوز أن يُنعت الشيء بأنه واحد، فأما أحد فلا يُنعت به غير الله تعالى لِخلوص هذا الإسم الشريف له جلّ ثناؤه: وتقول: أحّدتُ الله تعالى ووحّدته وهو الواحد الأحد، علة العلل وموجد الممكنات المحسوسة وغيرها.

الأمر بالتوحيد في القرآن الكريم:

سبيل من سبل معرفة التوحيد سورة الاخلاص، التي تختصر بصائر الوحي في معرفة الباري جلَّ جلاله ببضع كلمات: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) ﴾ .
بالرغم من أن كلمة «أحد» مشتقة من «واحد» كما قالوا، إلا أنها أبلغ دلالة على معنى الوحدانية، وأنه سبحانه لا نظير له ولا شريك، ولا أعضاء فيه ولا أجزاء، لا في الواقع ولا في العقل والوهم سبحانه، وليس معنى الأحد والواحد أنه واحد من اثنين، أو أنه نوع من الأنواع، كلا.. إنه الواحد بلا عدد، الأحد بلا مثل ولا شبه.
وتتجلّى أحديّة الله في معرفة هيمنته الشاملة على كل شيء، وأنه الفعّال لما يريد، وأن له العبادة، وأن ما يُعبد من دونه ليس بشيء.

ومن مظاهر أحدية الله أنه «الصمد» وتشير الصمدية إلى حقائق شتى تجمعها بصيرة واحدة، هي أن الله بلا أعضاء وأجزاء، ولا حالات تطرأ عليه سبحانه.
وصفة الصمدية تتجلى أيضاً في أنه لم يلد ولم يولد، إذ الولادة دليل إضافة جزء إليه لم يكن فيه أو انفصال جزء منه كان فيه، والصمد الذي لا أجزاء له لا يتصور فيه زيادة (بالتولد) ولا نقيصة (بالإيلاد) .

وإذا اهتدينا إلى أن الله صمدٌ لا جزء له، ولا تطور، ولا ولادة، فقد ارتفع الحجاب الأكبر الذي بيننا وبين الله، حجاب التشبيه الذي ينشأ من جهل الإنسان ونقص مداركه وبصيرته ومعرفته. فلأن الإنسان لا يرى إلاّ نفسه والمخلوقات، يقيس خالقه بنفسه طوراً، وبالكائنات أطواراً، غافلاً عن أن هذا القياس يتنافى والإعتقاد بالخالق أصلاً، إذ نقرأ في ختام سورة الاخلاص: ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ .

كمال التوحيد:

الله سبحانه عبر عن كمال التوحيد بقوله: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (2) .
لا يكتمل إيمان العبد بربه الأحد إلاّ إذا تبرأ من كل ما هو دون الله، فنبذ عبادة ما سوى الله، ورفض الخضوع لكل من يكفر بالله. فالتوحيد يكتمل بالكفر بالجبت والطاغوت... فقد كان النبي إبراهيم (عليه السلام) يتيماً يحتاج الى الحماية الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه لم يخضع لعمه آزر الذي كان يعبد الأصنام، طمعاً في توفير تلك الحماية، بل مضى قدماً على نهجه الحنيف في التمسك بالتوحيد ورفض ما سوى الله سبحانه. فلم يَتَحَدَّ الكفار اعتماداً على عمه ولا على قومه، بل تحدى قومه بدءاً من عمه، وتحدى كل الشرك بدءاً من قومه، فأصبح أسوة المؤمنين في تكميل ايمانهم بالله وتوحيدهم له برفض كل ما سواه.

أكبر شهادة: بينها الله سبحانه بقوله: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لَّا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (3) .
تتلاحق الأحداث، وتترى الظواهر، وتجري سفينة الحياة في بحر عالي الموج، عاصف الريح، ولكن وراء تلك الظواهر أنظمة حكيمة تمسكها، والله من وراء تلك الأنظمة يمسك زمامها ويوجهها؛ فالله هو غيب الكون - الذي لا يخلو منه مكان - وهو شاهدٌ على كل شيء، وحاضرٌ عند كل شيء، وكل شيء آية له، لأنه منه ومعه وإليه. فالله إذاً أكبر شهادة من أي شيء. إنه يدل على ذاته بذاته، ويدل على كل شيء؛ إنه يعطيك السمع والبصر والبصيرة، ويتجلى بآياته في مهرجان الحياة، حتى تعيش معه في كل لحظة ومع كل شيء. يبقى أنت الذي قد تغيب عن ربك (دون أن يغيب عنك)؛ إنه قريب المسافة، بينك وبينه لحظة الالتفات والتوجه. ولكي لا تغيب عنه، ولكي تتكامل ذاتك الى مستوى العيش مع ربك، أرسل الله الأنبياء وزودهم بالكتاب لينذرك، لأن الانذار أقرب الطرق الى قلب البشر.

إِلَهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ:

قال الله سبحانه: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) .
إن هذه الآيات تدعونا إلى التوجة إلى الله وحده، ونبذ الأنداد من دونه. وهذه الدعوة تتصل بفطرة الإنسان الراسخة في حب من أحسن إليه، ومن أعظم إحساناً علينا من الله عزَّ وجل؟
ولكي يكرس القرآن الكريم هذه الفكرة، يوجهنا إلى فطرتنا، ويأمرنا بالنظر إلى آيات الله في السماء والأرض، خصوصاً تلك التي تعكس رحمة الله الواسعة والمستمرة، من اختلاف الليل والنهار، وجريان الفلك في البحر، ونزول الماء من السماء، وإحياء الأرض بعد موتها، وبث الدواب فيها، وتصريف الرياح، وتسخير السحاب و.. و.. إن هذه الآيات ومئات غيرها تدل بوضوح على وحدانية الله عزَّ وجل.

إله واحد: قال الله جلَّ جلاله: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُواْ إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (5) .
الكافر يخضع لما هو خاضع لله؛ يخضع للشمس والقمر والنجوم، يخضع للأنوار والأشجار والأحجار، يخضع للثروة والقوة والدعاية. كلا، لماذا يَرهب الإنسان جانب الطبيعة حتى يعبدها من دون الله، ولماذا يرهب الطاغوت حتى يستسلم له؟
إن أكثر ما تتم العبادة من جانب البشر للأشياء، إنما تتم بسبب الهيبة والرهبة، ألا فلتسقط هيبة الطبيعة، ألا فلنرهب ربها وخالقها فقط.
وإذا تجاوزنا الخشية من الطبيعة، وتحررنا من رهبتها، أسلمنا الوجوه لرب العالمين، وخضعنا لحاكميته وسيادته القانونية وحده، وبالتالي لدينه الخالص.

آيات تدل على الخالق المدبّر:

اعلم أن في الآفاق والأنفس وما خلق الله عزَّ وجل من شيء لآيات مبينات، ودلائل واضحات على وجوده سبحانه ووحدانيته والهيته وسائر صفاته من وجوه مختلفة وطرق شتى وأشير إلى بعض هذه الآيات القرآنية المجيدة للتنبيه والإرشاد إلى ذلك.. قال الله عزَّ وجل حكاية عن الرسل صلوات الله عليهم: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (6) .
القرآن الكريم هنا - كما في أغلب الموارد الأخرى - يستند لاثبات وجود الخالق وصفاته إلى نظام الوجود وخلق السماوات والأرض ونحن نعلم أنه ليس هناك أوضح من هذا الدليل لمعرفة الله، لأن هذا النظام العجيب مليء بالأسرار في كل زواياه وينادي بلسان حاله: ليس هناك من له القدرة على هذه الهندسة إلا القادر الحكيم والعالم المطلق، ولهذا السبب فكلما تقدمت العلوم ظهرت أسرار تدل على الخالق أكثر من السابق وتقربنا من الله كل لحظة.
وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(7) .
هذه الآية تقدم الدليل على وجود الله تعالى ووحدانيته.
اعلم أنه حيثما كان «النظم والانسجام» فهو دليل على وجود العلم والمعرفة، وأينما كان «التنسيق» فهو دليل على الوحدة، من هنا، حينما نشاهد ظاهر النظم والانسجام في الكون من جهة والتنسيق ووحدة العمل فيه من جهة أخرى، نفهم وجود مبدأ واحد للعالم والقدرة صدرت منه، بل كل هذه المظاهر، وحينما نمعن النظر في الأغشية الستة للعين ألباصرة ونرى جهازها البديع نفهم أن الطبيعة العمياء الصماء لا يمكن إطلاقاً أن تكون مبدأ مثل هذا الأثر البديع، ثم حينما ندقق في التعاون والتنسيق بين هذه الأغشية والتنسيق بين العين بكل أجزائها وبين جسم الإنسان والتنسيق الفطري الموجود بين الإنسان وبين سائر البشر والتنسيق بين بني البشر وبين كل مجموعة نظام الكون، نعلم بأن كل ذلك صادر من مبدأ واحد ، وكل ذلك من آثار قدرة ذات مقدسة واحدة.

فطرة الله التي فطر الناس عليها:

إن التصديق بوجوده تعالى أمر فطري ولذا ترى الناس عند الوقوع في الأهوال وصعاب الأحوال يتوكلون بحسب الجبِّلة على الله سبحانه ويتوجهون توجهاً غريزياً إلى مسبّب الأسباب ومسهّل الأمور الصعاب، وإن لم يتفطّنوا ذلك ويشهد لهذا قول الله عزَّ وجل: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (8) .
وقال سبحانه: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (9) .
وقد سُئِل أحد الأولياء عن الله فقال للسائل يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلى قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: بلى، قال: فهل تعلق قلبك هناك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال بلى قال: فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حين لا منجي وعلى الإغاثة حين لا مغيث. وفي الحديث المشهور: «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصرانه أويمجسانه». وقد سئل إعرابي بم عرفت ربك فقال: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام تدل على المسير أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، أما تدلان على اللطيف الخبير؟

قصة موحد يبهت ملحداً:

روى أحد العلماء حكاية بعض الموحدين وواحداً من الملاحدة في مجلس حسن بن سهل الوزير قال دخل عالم إلى مجلس الحسن بن سهل وإلى جانبه ملحد قد أعظم الناس حوله فقال له لقد رأيت عجباً، قال وما هو؟ قال رأيت سفينة تنقل الناس من جانب إلى جانب بغير ملاح ولا ناصر، قال فقال له الملحد: إن هذا اصلحك الله لمجنون، قال كيف؟ قال لأنه يذكر سفينة من خشب جماد لا حيلة ولا قوة ولا حياة فيه ولا عقل إنه يعبر الناس ويفعل فعل الإنسان كيف يصح هذا، فقال له العالم: فأيهما أعجب هذا او هذا الماء الذي على وجه الأرض يمنة ويسرة بلا روح ولا حيلة ولا قوة وهذا النبات الذي يخرج من الأرض والمطر الذي ينزل من السماء كيف يصح ما تزعمه من أن لا مدبر له كله وأنت تنكر أن تكون سفينة تتحرك بلا مدبر، وتعبر الناس بلا ملّاح ، قال فبهت الملحد.
نسأل الله عزَّ وجل أن يعيننا على توحيده وتنزيهه وطاعته، إنه سميع مجيب (10) .


(1) - سورة فصلت، الآية: 53.
(2) - سورة الممتحنة، الآية: 4.
(3) - سورة الأنعام، الآية: 19.
(4) - سورة البقرة، الآيتان: 163 - 164.
(5) - سورة النحل، الآيتان: 51 - 52.
(6) - سورة إبراهيم، الآية: 10.
(7) - سورة البقرة، الآية: 164.
(8) - سورة لقمان، الآية: 25 .
(9) - سورة الأنعام، الآيتان: 40 - 41.
(10) - المصدر: مفاهيم قرآنية: ص7 - 11؛ وأريج القرآن: العدد 81 - 83 (إعداد: جمعية القرآن الكريم) .

 

 

   نباتات ذكرت في القرآن الكريم

السنبلة في القرآن الكريم



القمح والشعير .. أقدم النباتات على الأرض لم يرد اسمهما صراحة في القرآن ولكن من التعابير التي عبر بها عنهما بالسنبلة حيث قال في عدد من الآيات هي:
1- ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (1) .
2- ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (2) .
3- ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (3) .
4- ﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (4) .

ما هي السنبلة؟

السنبلة هي عبارة عن مجموعة من الأزهار تجمعت بطريقة معينة ، وبترتيب معين على محور يسمى محور السنبلة، ويسمى هذا التجمع بالنورة.
والسنبلة نوع من النورات غير محددة النمو لأن طرف المحور لا ينتهي بزهرة توقف نموه, ولذلك يزداد المحور في الطول، وتزداد عدد الأزهار التي يحملها بزيادة طوله، وتحمل سنبلة القمح النّموذجية من 30 إلى 50 حبة ، يبلغ طول حبة القمح عادة من 3 إلى 9ملم.

أنواع السنبلات:

وينتمي القمح، والشعير، والذرة الشامية، والذرة العويجة، والأرز، إلى العائلة النجيلية... وهي أصل الغذاء في الأرض.

سنبلة القمح:

تتركب سنبلة القمح (أو نورة القمح) من عدد من السنيبلات، تتكون كل سنبلة من عدد الأزهار الجالسة (بدون عنق) على محور قصير مفصلي.
الحبوب تحاط من خارجها بالأغلفة التالية: - القنابع . - العصيفة العليا.- العصيفة السفلى. أثبتت الدراسات التي أجريت على التركيب التحليلي للقمح وعشبة القمح أنهما يحتويان على العناصر الوفيرة مثل الكالسيوم والفسفور والكبريت البوتاسيوم والكلور والصوديوم والمغنيسيوم، وليس هذا فقط ، بل أنه يحتويانها بنسب مقاربة جدا لما هي موجودة عليه في جسم الإنسان، كما أنه يحتوي على كل العناصر النادرة في التربة، بكميات نادرة أيضا، وبنسب مقاربة جدا لما هي موجودة عليه في جسم الإنسان، وأمثلتها الحديد والفلور والزنك، والنحاس، واليود والكروم والكوبالت، والسيليكون، والفاناديوم والسيلينيوم والمنجنيز والنيكل والموليبدنيوم وغيرها. وإضافة إلى ذلك فحبوب القمح تحتوي على الكربوهيدرات التي تعتبر المصدر الأول للطاقة.

معلومات عامة عن القمح:

القمح نبات ينتج حبوباً مركبة على شكل سنابل حيث تعتبر هذه الحبوب الغذاء الرئيسي لكثير من شعوب العالم, لا ينافسها في هذا المجال إلا الذرة والأرز, حيث تتقاسم هذه الحبوب غذاء البشر على وجه الأرض ، يزرع القمح في أكثر بلاد العالم مرة واحدة في السنة وفي بعض البلدان يزرع مرتان، والقمح له أنواع متعددة جدا, فمنها ما يصلح لعمل الخبز ومنه ما يصلح لعمل المعجنات أو المعكرونة.

ولا يختلف اثنان على أن القمح هو العمود الفقري لحياة شعوب الأرض، فهو المصدر الرئيسي لصنع الخبز في كل أنحاء الدنيا، لذا فقد شغل الإنسان قديماً وحديثاً بأمر زراعته بإجادتها والتوسع فيها، وأجود أنواع القمح هو القمح الذهبي اللون الكبير الحبة يليه الأبيض، وأردأ أنواعه ذو الحبة السوداء والقمح غذاء جيد للإنسان يجدد الدماء في الجسم ويعطيه ما يحتاجه من سعرات حرارية وفيتامينات ومعادن.

كيفية تخزين البذور:

يعد مفهوم تخزين البذور في السنابل نظاما أساسيا للحفاظ على الإنتاج في ظروف بيئية قاسية. وهذا ما يجمع بين الزراعة وتقنيات التخزين والحفاظ على المنتج.

فذروه في سنبله:

أجري بحث تجريبي حول بذور قمح تركت في سنابلها لمدة تصل إلى سنتين مقارنة مع بذور مجردة من سنابلها، وأظهرت النتائج الأولية أن السنابل لم يطرأ عليها أي تغيير صحي وبقيت حالتها 100%. مع العلم أن مكان التخزين كان عاديا ولم يراع فيه أي شروط للحرارة أو الرطوبة أو غير ذلك. وفي هذا الإطار تبين أن البذور التي تركت في سنابلها فقدت كمية مهمة من الماء وأصبحت جافة مع مرور الوقت بالمقارنة مع البذور المعزولة من سنابلها، وهذا يعني أن نسبة 20.3% من وزن القمح المجرد من سنبله مكون من الماء مما يؤثر سلباً على مقدرة هذه البذور من ناحية زرعها ونموها ومن ناحية قدرتها الغذائية لأن وجود الماء يسهل من تعفنه وترديه صحيا.

ثم قام الباحثون بمقارنة مميزات النمو (طول الجذور وطول الجذوع) بين بذور بقيت في سنبلها وأخرى مجردة منها لمدة تصل إلى سنتين فتبين أن البذور في السنابل هي أحسن نمواً بنسبة 20% بالنسبة لطول الجذور و32% بالنسبة لطول الجذوع.
ثم قام الباحثون بتقدير البروتينات والسكريات العامة التي تبقى بدون تغيير أو نقصان ففي البذور التي عزلت من السنابل انخفضت كميتها بنسبة 32% من البروتينات بعد سنتين وبنسبة 20% بعد سنة واحدة ، بينما لم تتغير هذه المركبات في البذور المحفوظة في سنابلها.

كيف يزرع القمح:

ينمو القمح في ظروف مناخية وتربة تختلف اختلافًا واسعًا، إلا أن المحصول الجيد منه يتطلب ظروفًا جوية مناسبة، وتربة ملائمة للحصول على أعلى محصول. ولا بد لمزارعي القمح من استخدام التقاوي العالية الجودة والخالية من المرض، وأن يزرعوا ويحصدوا القمح في الوقت المناسب تمامًا. وبالإضافة إلى ذلك، فعليهم حماية المحصول النامي من التلف الناتج عن الأمراض والآفات. تُعتبر الخطوات الأساسية لزراعة القمح واحدة تقريبًا في جميع أنحاء العالم.
الظروف المناخية: الظروف المناخية الجافة بعض الشيء، والمعتدلة، هي الأكثر ملاءمة لزراعة القمح.
ظروف التربة: ينمو القمح بصورة جيدة في أنواع التربة التي يطلق عليها الطفالية الطينية والطفالية الغرينية.ويجب أن تحتوي التربة على نسبة عالية من المادة العضوية المتحللة كي توفر الغذاء لنباتات القمح.

تجهيز التربة: يجهز مزارعو القمح حقولهم للمحصول التالي بالحرث الذي يبدأونه في أسرع وقت بعد الحصاد. ويعمل الحرث على تهوية سطح التربة ويسمح للرطوبة أن تُمتص إلى داخل الأرض، حيث تختزن للمحصول التالي.
الزراعة: يستعمل المزارعون في عملية بذر تقاوي القمح آلة يسحبها جرار تسمى البذارة. وهي تحفر خطوطاً في الأرض بعمق يكفي لزراعة الحبوب، وفي الوقت نفسه تُسقط الآلة الحبوب، واحدة تلو الأخرى، داخل الخطوط وتغطيها بالتربة. وتقوم بعض البذارات أيضًا بإسقاط كمية من السماد مع الحبة.
الرعاية أثناء النمو: يتعرض نبات القمح للتَّلف نتيجة للإصابة بالأمراض والآفات الحشرية والحشائش الضارة. ويستخدم مزارعو القمح عدة طرق لمنع حدوث مثل هذا التلف ، من خلال مكافحة الأمراض، ومقاومة الآفات الحشرية.

الشعير:

(الشعير) لم يرد اسمه صراحة في القرآن، وهو نبات عشبي حولي من الفصيلة النجيلية، ويزرع منه أنواع كثيرة منها الشعير الأجرد أو السلت وهو يشبه القمح. ويعتبر الشعير أقدم مادة استعملها الإنسان في غذائه، فهو المادة الرئيسية لكل الوجبات تقريباً ومنها خبز الشعير وهو مكون أساسي لوجبة الهريسة كما أن منقوع حبوب الشعير مفيد جداً للجسم خاصة إذا تم نقعه مع أعشاب أخرى مثل الشيح والزعتر كما تستعمل أوراق الشعير الأخضر والجاف وحبوبه أيضاً كعلف للحيوانات، تخزن حبوب الشعير في القشور وتبقى لفترات طويلة دون أن تتأثر بعوامل الطبيعة.
المواد الفعالة في الشعير: نشا، وبروتين، وأملاح معدنية منها الحديد والفوسفور والكالسيوم والبوتاسيوم.

الخصائص الطبية لحبوب الشعير:

ـ الشعير ملين ومقو للأعصاب ومنشط للكبد.
ماء الشعير معروف لعلاج السعال وتخفيض درجة الحرارة.
يستعمل مغلي نخالة الشعير في غسل الجروح المتقيحة.
يستعمل الهوردنين المستخرج من الشعير حقناً تحت الجلد أو شراباً لعلاج الإسهال والدسنتاريا والتهاب الأمعاء.
- تقليل مستويات الكولسترول في الدم وتعالج القلب.
- عنصري البوتاسيوم والماغنسيوم فيه يصلح لعلاج الاكتئاب.
- مضادات الأكسدة مثل (فيتامين E وA) ، يصلح لعلاج السرطان وتأخر الشيخوخة.
- الألياف فيه تقدم وقاية لمنع تفاقم داء السكري وعنصر البوتاسيوم يقي من الإصابة من ارتفاع ضغط الدم، والشعير له خاصية إدرار البول، لعلاج مرضى ارتفاع ضغط الدم.
- إن ماء الشعير المغلي قال عنه القدماء أنه نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدر للبول، جلاء لما في المعدة، قاطع للعطش، مطفىء للحرارة.
- ومن فوائد الشعير الأخرى أنه مقو عام للاعصاب، وملين، وملطف، ومرطب، ومنشط للكبد، ويوصف الشعير لأمراض الصدر، وأمراض الضعف العام وبطء النمو لدى الأطفال، وضعف المعدة، والامعاء، وضعف الكبد، وضعف افراز الصفراء، كما يوصف لإلتهاب الأمعاء، وكذلك أمراض التيفود، وأمراض التهاب المجاري البولية، والحميات، وارتفاع ضغط الدم.

في الروايات :

في مواعظ الصّادق (عليه السلام) قال: أكرموا الخبز فإن الله أنزل له كرامة، قيل: وما كرامته قال: أن لا يقطع، ولا يوطأ، وإذا حضر لم ينتظر به غيره (5) .
وعنه (عليه السلام) قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله): أكرموا الخبز. فإنّه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض وما فيها من كثير من خلقه. ثمّ قال لمن حوله: ألا اُحدّثكم؟ قالوا: بلى يارسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الخبر، ثمّ ذكر حديث دانيال ودعاءه بقوله: اللهمّ أكرم الخبز. وذلك حين رمى رجل بالرغيف وأهان به، فبلغ من أمرهم من القحط والجوع أن أكل بعضهم بعضاً، وتبانت امرأتان على أكلهما ولديهما (6) .
«اللهمّ بارك لنا فى الخبز فانّه لولا الخبز (الذي قوّيتنا به) ما صلّينا ولا صمنا ولا أدّينا فرايض ربّنا».


(1) - سورة البقرة، الآية: 261.
(2) - سورة يوسف، الآية: 43.
(3) - سورة يوسف، الآية: 46.
(4) - سورة يوسف، الآية: 47.
(5) - بحار الأنوار: ج75، ص206.
(6) - مستدرك سفينة البحار: ج3، ص17، ب12.

 

 

   حيوانات ذكرت في القرآن الكريم

ذكر الكلب في القرآن



ورد الكلب في خمسة مواضع بالقرآن الكريم، وفي العديد من الأحاديث النبوية، أما القرآن الكريم، فورد ذكر الكلب في أربعة مواضع من سورة الكهف، وفي موضع واحد من المائدة، وفي موضع واحد من سورة الأعراف. قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (1) .
ضرب الله مثل التارك لآياته والعادل عنها بأخس مثل في أخس احواله، فشبهه بالكلب، لأنَّ كل شيء يلهث فإنما يلهث في حال الاعياء والكلال إلا الكلب فإنه يلهث في حال الراحة والتعب، وحال الصحة وحال المرض، وحال الري وحال العطش وجميع الاحوال، فقال تعالى: إن وعظته فهو ضال وإن لم تعظه فهو ضال كالكلب إن طردته وزجرته فإنه يلهث، وإن تركته يلهث، وهو مثل قوله: ﴿ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (2) وقوله تعالى: ﴿ ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾ يعني هذا المثل الذي ضربه بالكلب هو مثل الذين كذبوا بآيات الله.
أمّا الآيات الأخرى فهي، قوله سبحانه: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (3) .
وقال تبارك وتعالى : ﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (4) .
وقال عزَّ شأنه: ﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً (5)  .

الكلب: هو حيوان من الثدييات، من فصيلة الكلبيات من اللواحم، دجن هذا الحيوان وأستأنس قبل 14000 إلى 150000 سنة، عادة ما يتم وصف هذا الحيوان بالوفاء، ويطلق عليه لقب «أفضل صديق للإنسان» ذلك لمقدرته العالية على تذكر صاحبه ولو بعد انقطاع طويل عنه. توجد منه سلالات كثيرةٌ مختلفة الطباع والمهمات، منها: كلب الصيد، كلب الحقول، كلب الرعاة، كلب الحراسة، الكلب البوليسي، كلب مرافقة المكفوفين، كلب الزلاقات؛ أي الكلب الذي يستعمل لجر العربات على الجليد.
وكانت الكلاب تستخدم في الحراسة والصيد وجر العربات، وأيضاً أستخدمت في الحرب للحراسة وحمل الرسائل، وهناك الكلاب المدربة التي تقود العميان والصم في الشوارع والعمل المنزلي كتنبيه الصم لجرس التليفون أو الباب أو قيادة الأعمى للتجول داخل البيت أو عبور الشارع، وبعض أنواع الكلاب تتسم بحاسة شم قوية، ولهذا تدرب على مهام أخرى كالكشف عن المخدرات والمفرقعات والديناميت والنمل الفارسي والغرقى بالماء بالأعماق، يمكن البحث عن المفقودين في الزلازل والحرائق وبعض الكلاب يمكنها التنصت على الأصوات التي لا يسمعها الإنسان بأذنيه، حتى إنَّ الكلب يقدر على سماع دقات الساعة على بعد 40 قدما.

لغة الكلاب:

وتوجد بين الكلاب لغة تخاطب من بينها لغة الجسم وتعابير الوجه ورفع الذيل ووقوف وفرد الأذنين، ووقوف الشعر فوق الظهر يدل على الخوف أو الإنزعاج أو العدوان أو الخنوع، وهذه الإشارات لها أهميتها ،كما أن في حالة الحدة والعداء الشديد يكشر الكلب عن أنيابه ويرخي أذنيه وينتصب ذيله وتتصلب أرجله وينتصب شعر ظهره ويزوم أو ينبح، ولو رأى الشخص هذا يضع يديه بجانبه، وينسحب بهدوء للخلف مبتعداً، والكلاب تحدد حدود مناطقها ببولها، فرائحته لغة تخاطب لتحذير بقية الحيوانات ولاسيما بين الكلاب الأخر، ويدافع عن هذه الحدود بالنباح أو الزمجرة أو التعبير بلغة عامة، والكلاب الأليفة تميل للتدريب للتعبير عن ولائها لصاحبها ولنيل إعجابه، والكلب يعيش من 8 - 12 سنة حسب البيئة الذي يعيش فيها والعناية به، وقبل اقتناء كلب يجب أن يكشف عليه الطبيب البيطري بعناية لعلاج أمراض المصاب بها، أو تطعيمه ضد مرض الكلب (السعار) .

وتتراوح مدة الحمل في الكلاب من 56 إلى 72 يوماً، بمتوسط 62 يوماً. يرجع سبب الاختلاف والتراوح في المدة إلى عدة عوامل كالمناخ والتغذية والنوع.
تولد الجراء عمياء وتكون غير قادرة على الوقوف، وتقضي 90% من وقتها نائمة. وبقية الوقت ترضع فيه ، ولا يمكن للجراء مقاومة البرودة العالية، بسبب عدم نضج دورتها الدموية، لهذا تلتصق الجراء بأمها للحصول على التدفئة، وتنظف الأم الجراء وتقوم برعايتهم كغيرها من إناث الثدييات، بينما لا يقوم الأب بأي دور في تلك المهمة.

ما الذي يحتاجه الكلب؟

الصحبة، مثل باقي الحيوانات أو الأشخاص المهم عدم تركه لفترة طويلة من الزمن بمفرده؛ غذاء متوازن؛ ماء نظيف؛ فراش وبطانية ؛ حديقة واسعة محاطة بسياج من الحديد لممارسة الحركة؛ تمشيطه بالفرشاة يومياً وخاصة إذا كان لديه شعر طويل؛ تنظيف الأسنان، مع الزيارة المنتظمة للطبيب البيطري؛ حقنه المستمر بالأمصال لتجنب الأمراض الخطيرة والديدان؛ تدريبه بشكل صحيح، مع تمشيته يومياً وسط الحيوانات الأخرى أو بالقرب من أماكن المرور؛ عدم تركه في السيارة وخاصة إذا كان الجو حاراً وحتى وإن كانت النوافذ مفتوحة؛ يتم تخصية الكلاب عند سن معينة.

وفاء الكلب:

وفي قصة أهل الكهف في قوله تعالى: ﴿ َكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ... ﴾ . فيها دلالة على أن الكلب, هذا الحيوان الأليف, كان ملازماً وقائماً على حراسة أصحابه ، فهذه من أعظم دلالات الوفاء لهذا الحيوان.
قصة عجيبة عن وفائه لأخذ الحكمة صحّت أو لم تصح: روي؛ أنَّ أحدهم ماتت امرأته، وخلفت صبياً، وكان له كلب قد رباه، فترك يوماً ولده في الدار مع الكلب، وخرج لبعض الحوائج وعاد بعد ساعة، فرأى الكلب في الدهليز وهو ملوث بالدم وجهه وبوزه كله، فظن الرجل أنه قد قتل ابنه وأكله، فعمد إلى الكلب فقتله قبل أن يدخل الدار، ثم دخل الدار، فوجد الصبي نائماً في مهده، وإلى جانبه بقية أفعى قد قتلها الكلب وأكل بعضها، فندم الرجل على قتله أشد ندامة، ودفن الكلب.
فلا غرابة إذن أن تضرب العرب الأمثال بوفاء كلابها فتقول: «أوفى من كلب، وأشكر من كلب، وآلف من كلب»!..

ضرب الأمثال والحكم به:

روي: أنَّ نوحاً (عليه السلام) مر على كلب كريه المنظر فقال نوح: ما أقبح هذا الكلب! فجثا الكلب وقال بلسان طلق ذلق: إن كنت لا ترضى بخلق الله فحولني يا نبي الله، فتحير نوح (عليه السلام) وأقبل يلوم نفسه بذلك، وناح على نفسه أربعين سنة حتى ناداه الله تعالى: إلى متى تنوح يا نوح فقد تبت عليك.
فالنبي بكى على الزلة المغفورة، على نفسه المعصومة، وأنت يا غافل لا تبكي على الكبيرة وعلى نفسك العاصية!

النظرة الإيجابية من النبي عيسى (عليه السلام):

قال عزَّ من قائل: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾ فالحكمة هي النظرة الايجابية المتفتّحة إلى الحياة، وفي هذا المجال روي أنّ النبي عيسى (عليه السلام) مرّ مع الحوّاريين على جيفة، فقال الحواريّون: ما أنتن ريح هذا الكلب! فقال عيسى (عليه السلام): «ما أشدّ بياض أسنانه»!.(6) فعيسى (عليه السلام) قد بحث هنا عن الجانب الإيجابي في هذا الحيوان، لا على نجاسته، وعلى كونه جثّة هامدة، معلّماً إيّانا درساً في محاولة التركيز على الجوانب الإيجابية من الحياة.

حلية الصيد بالكلب المعلم:

(مسألة1) لا يحل من صيد الحيوان ومقتوله إلا ما كان بالكلب المعلم، سوأ كان سلوقيا أو غيره، أسود أو غيره، فلا يحل صيد بقية جوارح السباع كالفهد والنمر وغيرهما، وجوارح الطير كالبازي والعقاب والباشق وغيرها، وإن كانت معلمة. فما يأخذه الكلب المعلم ويقتله بالعقر أو بالجرح مذكى حلال أكله من غير ذبح، فيكون عض الكلب وجرحه لأي موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه.

(مسألة2) يعتبر في حلية صيد الكلب أن يكون معلماً للاصطياد، ويعرف أنه معلم بأن يسترسل إذا أرسله وينزجر إذا زجره، بل لا يبعد كفاية الانزجار قبل الارسال في علامة كونه معلماً، فلا يضر عدم انزجاره بعده.

(مسألة3) يشترط في حلية صيد الكلب أمور: الأوّل: أن يكون ذلك بارساله للاصطياد، فلو استرسل بنفسه من دون ارسال لم يحل مقتوله. وكذا على الاحوط لو اغراه صاحبه بعد استرساله ولو أثر اغراؤه، بأن زاد في عدوه بسببه. وكذا لو أرسله لأمر آخر من دفع عدو أو طرد سبع أو غير ذلك فصادف غزالا مثلا وصاده. والمعتبر قصد الجنس لا الشخص، فلو أرسله قاصداً صيد غزال فصادف غزالا آخر واخذه وقتله كفى في حله، وكذا لو أرسله إلى صيد فصاده وغيره، حلا معاً. الثاني: أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه كالصبى الملحق به إن كان مميزاً، فلا يحل لو أرسله غير المميز، وكذا يشترط أن يكون عاقلاً فلا يحل لو أرسله المجنون. ولا يحل صيده إذا أرسله الكافر بجميع أنواعه، أو من كان بحكمه كالنواصب. الثالث: أن يذكر اسم الله عند ارساله، فلو ترك التسمية عمدا لم يحل صيده، وإذا نسى حين الارسال ولم يتذكر أو تذكر قبل الاصابة وسمى، فالاقوى حليته، وأما إذا ترك التسمية عند الارسال عمداً ثم سمى قبل الاصابة، فالاكتفأ بها مشكل فلا يترك الاحتياط. الرابع: أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرحه وعقره، فلو كان بسبب صدمه أو خنقه أو إتعابه في العدو أو لشدة خوفه، لم يحل.

الخامس: أن لا يدرك صاحب الكلب الصيد حياً ويتمكن من تذكيته، فإن لحق به بعدما أخذه وعقره وسلبه القدرة على الفرار، فإن أدركه ميتاً كان ذكياً وحل أكله، وكذا إن وجده حياً ولم يتسع الوقت لذبحه فمات، أما إن اتسع لذبحه فلا يحل إلا بالذبح. وأدنى ما تدرك به ذكاته أن يجده يطرف بعينه أو يركض برجله أو يحرك ذنبه أو يده ويتسع الوقت لذبحه فلو تركه حتى مات كان ميتة. ويلحق بعدم اتساع الوقت ما إذا اتسع ولكن كان عدم الذبح بسبب غير تقصيره، كما إذا لم يمكنه الحيوان من ذبحه حتى مات ونحو ذلك، ولا يلحق بعدم اتساع الوقت ما لو لم يكن عنده سكين على الاحوط، إن لم يكن أقوى، وكذا لو كان عنده ولم يمكنه استعماله لمانع كبرودة الهوأ ونحوه بحيث لو لم يكن ذلك المانع لأدرك تذكيته بالنحو المتعارف.

(مسألة4) الظاهر أنه لا يجب على مرسل الكلب المسارعة إلى الصيد من حين الارسال أو من حين اصابة الكلب الصيد ما دام على امتناعه وإن كان أحوط، بل تجب المسارعة من حين ايقاف الكلب الصيد، فإذا أحس بايقافه إياه وعدم امتناعه وجبت عليه حينئذ المسارعة العرفية حتى إذا أدركه حياً ذبحه، فلو لم يسرع ثم أدركه ميتاً لم يحل أكله. أما إذا لم يحتمل ترتب أثر على مسارعته لعلمه بعدم إدراكه حياً فلا تجب المسارعة ويحل أكله، نعم إذا كان عدم ترتب الأثر لعدم وجود ما يذبح به فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه، وكذا لو توقف احراز كون موته بسبب عقر الكلب لا بسبب آخر على المسارعة إليه لزمت لأجل ذلك.

(مسألة5) لا يعتبر في حلية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب، فلو أرسل جماعة كلباً واحداً ، أو أرسل واحد أو جماعة كلاباً متعددة فقتلت صيداً، حل أكله، ما دام الاصطياد واجداً للشروط المعتبرة شرعاً، فلو كان المرسل اثنين أحدهما مسلم والآخر كافر، أو سمى أحدهما دون الآخر، أو أرسل كلبان أحدهما معلم والآخر غير معلم، لم يحل (7) .

الرفق والرحمة بالحيوان في الإسلام:

لم يكن لطف رسول الإسلام العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) ورحمته تشمل الأشقياء الذين كانوا قد اتّخذوا معه أسلوباً بعيداً عن الإنسانية أولئك فحسب، بل كانت تعلّم المسلمين عمليّاً أصول الخير والإحسان. فقد حدّث يوماً جمعاً من أصحابه المتشرفين بحضوره حديثاً قال فيه (ما فحواه): أصيب شخص في الصحراء بالعطش، ووجد بئراً فنزل فيها وارتوى منها، ورأى كلباً قد سقط عاجزاً من شدة العطش يمسح فاه في التراب، فعلم الرجل أن الكلب عطشان فهو في عذاب وألم من شدة العطش، فأشفق قلبه عليه، وعزم على أن يرويّ الكلب بكمية من الماء، فرجع مرة أخرى إلى البئر وملأ خُفّه ورجع به إلى الكلب فوضعه أمامه وقد أشرفت روحه على الهلاك، فعفى الله عن الرجل ثواباً لعمله هذا. فقال صحابته: فهل لنا أن نكتسب ثواباً من البرّ بالحيوان؟. فقال رسول الله: نعم، إنّكم تثابون على إغاثة كل كبد حرّى» (8) .
فَتَبَارَكَ الله أَحَسَنُ الخَالِقِينَ


(1) - سورة الأعراف، الآية: 176.
(2) - سورة الأعراف، الآية: 193.
(3) - سورة المائدة، الآية: 4.
(4) - سورة الكهف، الآية: 18.
(5) - سورة الكهف، الآية: 22.
(6) - بحار الأنوار: ج14، ص327 .
(7) - تحرير الوسيلة: ج2، ص161 - 162.
(8) - رسالة الأخلاق: تحت عنوان المحبة.

 

    أنشطة الجمعية

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطاهرين.
وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة في «التعليم» و«التعلم» و«نشر العلم», وذكركل تلك الآيات لا يسعه مختصر المختصر ولذا سنشير هنا إلى آية فقط: يقول سبحانه: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ﴾ . تشير هذه الآية إلى الهدف من بعثة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) (الذي ذكرى وفاته في 28 من صفر، وولادته في 17 من ربيع الأول) , وتعتبر الآية أنَّ الهدف هوالتعليم والتربية في ظل تلاوة آيات الله تعالى, حيث لم يحصر الهدف من البعثة في تعليم الكتاب والحكمة, بل تعليم الأمور التي لم يكن بالإمكان التعرف عليها إلا بنزول الوحي, ولذا يقول: ﴿ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ﴾ . وبهذا يكون الهدف من الخلقة تطوير المعرفة, والهدف من البعثة كذلك هو توسعة ونشر العلم والحكمة وتهذيب وتربية النفوس، بالتخلق بأخلاق القرآن، والعمل بمكارم الأخلاق التي دعا إليها وبخاصة التواضع والصدق وترك العجب بالنفس وغيرها، والاشتغال بتعليم القرآن للأهل والأصحاب والتلاميذ فهو مما يساعد على الارتباط بالقرآن، والعمل بما علمنا من القرآن، فإن كان أمراً امتثلناه وإن كان نهياً ابتعدنا عنه. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «معلّم القرآن ومتعلّمه يستغفر له كل شيء حتّى الحوت في البحر»(1) . فنسأل الله سبحانه كما سأل أنبياء الله ومنهم موسى (عليه السلام) بالرغم من أنه من أولي العزم وبالرغم من انشراح صدره بمقتضى الآية: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾، وبمقتضى الآية ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾، وبالرغم من هذا المقام العلمي الرفيع، كان مطالباً بأن يخضع أمام «الخضر» ويتعلم منه كالتلميذ . فـ(خياركم من تعلّم القرآن وعلّمه) كما عبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن في جمعية القرآن نشير باختصار إلى ما نقوم به من نشاطات:
 


(1) - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: ج 4، ص 235.

 

 1- نشاط القسم التعليمي وبرامجه:

- في رحاب شهري شوال وذي القعدة، أقام القسم التعليم المركزي في جمعية القرآن الكريم سلسلة من الدورات التخصصية والتأهيلية في المجالات التالية: أساليب حفظ القرآن - الصوت والنغم القرآني - فن التجويد - الوقف والابتداء في القرآن - أساليب التحكيم وذلك بحضور وإشراف مدرّسين من الجمهورية الاسلامية الايرانية ولبنان.
- ويستمر القسم التعليمي في برامجه التعليمية ودوراته في لبنان خلال الأشهر الأربعة (محرم، صفر، ربيع أوّل، ربيع الآخر) وفق رؤية البرنامج السنوي الذي يتضمن العناوين التالية:
1 - الحلقات القرآنية في المساجد والحسينيات.
2 - التلاوة والتجويد للمرحلة المتوسطة والتخصصية.
3 - الصوت والنغم للمرحلة المتوسطة والتخصصية.
4 - مجمع قرَّاء القرآن والقارئات.
5 - مناهج التفسير وتفسير الجزء السادس من القرآن الكريم.
6 - تفسير سورة النور.
7 - العلوم القرآنيَّة.
8 - علم الوقف والإبتداء.
9 - أساليب تحكيم المسابقات القرآنيَّة.
10 - أساليب تدريس التجويد وحفظ القرآن.
11 - الورش التعليميَّة.

 

2- نشاط قسم التحفيظ للقرآن الكريم:

شهدت الفترة الصيفية الممتدة ما بين تموز إلى أيلول حركة ناشطة على صعيد دورات حفظ القرآن الصيفية في كل المناطق لمدة 8 أسابيع وعليه فقد تمّ اقامة 47 دورة بلغ عدد المشاركين فيها 600 طالب وطالبة وقد نال 370 طالباً درجة النجاح من جيد إلى جيد جداً إلى ممتاز.
- بعد شهر محرم ستبدأ جمعية القرآن الكريم بإقامة المسابقة السادسة لجائزة سيد شهداء المقاومة الإسلاميَّة السيد عباس الموسوي (قده) لحفظ القرآن الكريم للطلبة الجامعيين والثانويين إن شاء الله تعالى، فعلى الراغب بالمشاركة الإتصال بمراكز الجمعية في المناطق كافة.

 

3- نشاط قسم النشاطات القرآنية:



- أقامت جمعية القرآن الكريم وجمعية المعارف الاسلامية الثقافية سلسلة من الحفلات والأمسيات القرآنية في كافة المناطق اللبنانية، حضرها وشارك فيها نخبة من كبار مشاهير قرّاء وحفّاظ القرآن الكريم في العالميْن العربي والاسلامي (جمهورية مصر العربية - والجمهورية الاسلامية الايرانية - وجمهورية الفلبين - ولبنان) ، وقد بلغ المجموع العام للحفلات القرآنية 126 حفلاً وأمسية، حيث لاقت مشاركةً واستقبالاً واسعاً وكبيراً من قبل عاشقي ومحبي كتاب الله سبحانه وتعالى.
- يعمل قسم الأنشطة المركزيَّة في الجمعية على إجراء المسابقة السنوية السابعة عشرة في حفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره للإخوة والأخوات وفي رفع الأذان (للإخوة) .
فئات الحفظ: 5 - 10 - 15 - 20 - 25 - 30 جزءاً.
فئات التلاوة: ترتيل للإخوة والأخوات - والتحقيق: للإخوة والأخوات.
فئة التفسير: للإخوة والأخوات - في تفسير سورتي العنكبوت والفرقان.
فئة رفع الأذان: للإخوة.
حيث ستجري التصفيات النهائية في 28 و30 / 11 / 2014م في بيروت.
- كما ويقوم قسم الأنشطة بالاعداد لاحياء أيام وليال ذكرى ولادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكرى أسبوع الوحدة الإسلامية من 12/ 17 ربيع الأوّل لعام 1436هـ - حيث ستقيم الجمعية سلسلة حفلات وأمسيات قرآنيّة خلال هذه الذكرى الطيبة إن شاء الله تعالى.
- كذلك تقوم الجمعية بالاعداد لإجراء مسابقة المفاهيم القرآنيّة على ضوء الصحيفة السجاديَّة حيث ستجرى هذه المسابقة خلال شهر كانون الثاني 2015م إن شاء الله تعالى.

 

 4- نشاط قسم الدراسات القرآنية:

تمكنت جمعية القرآن خلال الأشهر الماضية من طباعة الإصدارات التالية:
- طباعة مجلة هدى القرآن العدد (14) .
- مجلة نافذة من السماء العدد (16) .
- أريج القرآن العدد (84) .
- الوعد والوعيد في القرآن المجيد.
- وهناك كتب تحت الطباعة.

 

 

   مسابقة العدد

 


1 - ما هو المقصود ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ؟
أ - من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى.
ب - من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
ج - كلاهما صحيح.

2 - الإسماعيلية لماذا عرفوا بالباطنية؟
أ - لأخذهم باطن القرآن وظاهره.
ب - لأخذهم باطن القرآن دون ظاهره.
ج - لأخذهم بظاهر القرآن دون باطنه.

3 - من أهم أسباب بروز الاختلاف في القراءات؟
أ - مزايا الخط العثماني.
ب - عدم وجود النقاط والحركات في المصاحف.
ج- كلاهما صحيح.

4- أكمل الحديث عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «حقّاً أقول: .........، ولكن كان عبداً كثير التفكّر؟
أ - لم يكن لقمان نبيّاً.
ب - كان لقمان نبيّاً.
ج - كلاهما صحيح.

5 - كراهة قراءة القرآن للجنب بأي معنى هي؟
أ - النهي في العبادات مطلقاً يكون بمعنى أقل ثواباً.
ب - النهي في العبادات مطلقاً يكون بمعنى عدم الثواب.
ج - كلاهما صحيح.

6 - أكمل الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنّه قال: «مَنْ أَحَبَّ أنْ يُستَجابَ دُعاءهُ.........».
أ - فَليُطَيِّبْ مَكْسَبَهُ وَمَطْعَمَهُ.
ب - فَليُطَيِّبْ مَطْعَمَهُ وَمَكْسَبَهُ.
ج - كلاهما صحيح.

7 - قال تعالى: ﴿ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا ما المقصود من (متشابه) هنا؟
أ - الكلام المتناسق الذي لا تناقض فيه.
ب - يشبه بعضه البعض، فلا تعارض فيه ولا تضاد.
ج - كلاهما صحيح.

8 - الوقف الحسن: هو الوقف على كلمة قرآنية بينها وبين ما بعدها:
أ - تعلق لفظي لا معنوي.
ب - تعلق لفظي ومعنوي.
ج - تعلق معنوي لا لفظي.

9 - من القائل: «من أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر والنصيب الكافي فلا بد له أن يطبّق كل آية»؟
أ - الامام الخميني
(قده).
ب - الامام الخامنئي
(دام ظله).
ج - سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) .

10 - من القائل: «عبّر القرآن الكريم عن وجود الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه: ﴿ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ »؟
أ - الامام الخميني
(قده) .
ب - الامام الخامنئي
(دام ظله).
ج - سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) .


تسلية وفائدة قرآنية
 

أفقيَّاً:

1 - اسم وصفة من صفات واسماء يوم القيامة.
2 - قوم فضلوا نبات الأرض على مائدة السماء.
3 - موحدون سكنوا الكهوف.
4 - سورة تسمى بسورة المرأة.
5 - سورة باسم أصل من أصول الدين.
6 - سورة سميت باسم من اسماء الله.
7 - سورة بدأت بـ(حم) أخرها تاء مربوطة.
8 - نبي ترك زوجته وولده في وادٍ غير ذي زرع عند بيت الله الحرام.
9 - اسم آخر للنبي عيسى (عليه السلام) .
10 - اسم من اسماء فاتحة الكتاب.
عاموديَّاً
1 - معنى كلمة: ﴿ فَارْهَبُونِ ﴾ .
2 - معنى كلمة: ﴿ بَارِئِكُمْ ﴾ .

 

 


قسيمة مسابقة هدى القرآن العدد«14»


 


الفائزون: الأول: علي مرتضى بليطة.
الثانية: هدى علي مناع.
الثالثة: فاطمة يوسف نور الدين.

يمكنكم مراجعة مراكز الجمعية في المناطق لاستلام الجائزة.


الأجوبة الصحيحة لمسابقة هدى القرآن العدد (13)



ج1 - الأصول التي نستفيدها من الآية: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ هي:
أ - أصل التقوى.
 ب - أصل التعارف والمساواة.

ج2 - تأويل ﴿ قَارِعَةٌ ﴾ هو:
أ - نازلة وداهية تقرعهم.
ب - مصيبة شديدة من الحرب والجدب والقتل والأسر عليهم.

ج3- ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾، اعتبر أن شهادة الأيدي والأرجل أفضل من البينات المشهورة ، الجواب أنه فسّر الآية:
أ - فسرها بما أثبته العقل.
 ب - فسرها بما أثبته العلم.

ج4 - بين بشارة إبراهيم بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق (عليهما السلام):
ب - كان بين البشارتين خمس سنين.

ج5 - يفعل تكرار الأعمال الحسنة:
أ - يصبح ملكةً بالتدريج عند الإنسان.
ب - يبدّله إلى أخلاق فاضلة.

ج6 - عن أبي عبدالله (عليه السلام): «إنّ القرآن زاجر وآمر يأمر بالجنّة ويزجر عن النّار وفيه محكم ومتشابه ، فأمّا المحكم ......» تكملته هي:
ب - فيؤمن به ويعمل به ويدين به.

ج7 - الأعمال التي تحرم على الجنب هي:
أ - مسّ خطّ القرآن والأسماء والصفات الخاصّة بالباري تبارك وتعالى.
ب - وضع شيء في المسجد.

ج8 - عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إنّ الحج المبرُور لا يعدلُه شيءٌ، ولا جزاء له......»:
ب - إلاّ الجنة.

ج9 - القائل: «لا بد للإنسان أن يطلب من القرآن المجيد الشريف سبل السلامة ومعدن النور المطلق والطريق المستقيمة» هو:
أ - الامام الخميني قدِّس سرُّه.

ج10 - القائل: «و أردنا الانتفاع من القرآن بالمعنى الحقيقي للكلمة فيجب علينا التعرف على معارف القرآن ومفاهيمه» هو:
ج - الامام الخامنئي دام ظلُّه.


أجوبة تسلية وفائدة قرآنية للعدد(13) :


أفقياً:

1 - اسم وعدد قطع الصوت بمقدار حركتين بنيَّة استئناف القراءة، هي: أربع سكتات.
2 - سورة يستحب قراءتها في يوم الجمعة غير سورة الجمعة، هي: المنافقون.
3 - اسم سورة بدأت بـ(الم) وهي اسم لحشرة، هي: العنكبوت.
4 - تكملة لقوله تعالى: ﴿ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى ... ﴾، هي: الْقَاعِدِينَ.
5 - تكملة لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ ... ﴾، هي: الشَّيَاطِينِ.
6 - إسم السورة التي ذكرت فيها الآية : ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾: الرحمن.
7 - إسم والد النبي اسحاق (عليه السلام) ، هو: إبراهيم (عليه السلام) .
8 - سورة تنتهي بقوله تعالى فسبّح باسم ربك العظيم، غير الحاقة، هي: الواقعة.
9 - سورة اشتهرت بسيدة القرآن، هي: البقرة.
10 - معنى كلمة شقاق من قوله تعالى: ﴿ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾، هي: معاداة.
عاموديَّاً
1 - أماكن عبادة اليهود كلمة ذكرت في القرآن، هي: الصوامع.
2 - اسم السورة التي ورد فيها قوله تعالى: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾: الصافات.
3 - المقصود بقوله تعالى: ﴿ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾، هو: يحيى (عليه السلام) .

 

 

 

 

ملاحظة: إلى القرّاء الكرام:

تحية طيبة إليكم من إدارة المجلة، ونحن نرحب بأي اقتراح من قبلكم لتطوير المجلة ويمكن لكم مراسلتنا من خلال مراكز جمعية القرآن الكريم من كافة المناطق.
 

عناوين جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد
الإدارة العامة: بيروت - لبنان - حارة حريك - أوتوستراد المطار - سنتر صولي ط2 هاتف: 274721 /01 - تلفاكس: 545723/ 01
بيروت: 278845/01 - النويري: 663914/01 - كيفون: 270158/05
الجنوب : النبطيــة: 764749/07 - مشغــرة - القطراني: 651915/08 - الغسانية: 958404/70
صور - شحـور: 675170/03- جويـا: 411355/07 ـ الشعيتية - بنت جبيل: 349292/07
بـعـلبـك - ـ قصرنبا: 373786/08 ـ النبي شيت: 335013/08 - شمسطار: 373786/08
الهرمــل - العين - القصر: 200235/08

 

www.qurankarim.org    E-mail: info@qurankarim.org

31-10-2014 | 09-22 د | 8732 قراءة


الصفحة الرئيسة
جمعية القرآن الكريم
المكتبة الصوتية والمرئية
معرض الصور
مكتبة الكتب
سؤال وجواب
صفحة البحــــث
القائمة البريـدية
سجـــــــل الزوار
خدمــــــــة RSS
تواصل معنا
 
فلاشات إخبارية
جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - لبنان

2749910 زيارة منذ 18- تموز- 2008

آخر تحديث: 2023-12-07 الساعة: 12:56 بتوقيت بيروت