تحريك لليسارإيقافتحريك لليمين
نافذة من السماء، العدد السادس والعشرون.
مجلة هدى القرآن العدد الثاني والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد السادس والتسعون
نافذة من السماء، العدد الخامس والعشرون
مجلة هدى القرآن العدد الواحد والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد الخامس والتسعون
مجلة هدى القرآن العدد التاسع عشر
مجلة أريج القرآن، العدد الواحد والتسعون
مجلة أريج القرآن، العدد التسعون
 
التصنيفات
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة
مجلة هدى القرآن العدد الثاني والعشرون

العدد الثاني والعشرون ـ السنة الثامنة

 

العدد الثاني والعشرون ـ السنة الثامنة ـ جمادي الآخرة 1439هـ ، شباط 2018 م

مجلة داخلية تصدر عن جمعية القرآن الكريم، تُعنى بالثقافة القرآنية

 

 

- الافتتاحية: التّعاليم الصحّيّة في القرآن الكريم

- القرآن والقادة: بحث الإمام الخميني (قدس سره)

- القرآن والقادة: كلمة الإمام الخامنئي} خلال مشاركته في جلسة تلاوة القرآن الكريم

- القرآن والقادة: كلمة لسماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)

- التفسير والبيان: الخاطىء والعاصي مسؤول عن فعله

- معجم المفسرين: الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة

- مفردات قرآنية: سورة الحجّ مدنيّة وعددُ آياتِها ثمان وسَبعُونَ آيةً (78)

- التمثيل في القرآن: التمثيل بالمنافقين الذين في ظلمة مخيفة لا ضياء فيها

- استفتاءات قرآنية: لسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله)

- علوم قرآنيَّة: الإعجاز والتحدّي في القرآن

- مناهج التفسير: التفسير والتأويل

- قصص قرآنية: قصّة النبي أيّوب (عليه السلام) في القرآن والسنة

- القرآن في نهج البلاغة: الْكِتَابِ الْمَسْطُورِ بقَلَمِ النُّور

- الأخلاق في القرآن: مراقبة النّفس

- الجهاد في القرآن: الأمر بالجهاد ووجوب الحيطة والحذر

- مفاهيم قرآنية: العبادة في القرآن الكريم

- دروس في علم التجويد: قراءة عاصم بن أبي النَّجُود الكوفي

- مقابلة العدد: مع القاريء كامل أحمد سليمان شعيل (من جمهورية مصر العربية)

- حوارات قرآنية: مع ملاك حسين حمود حافظة لكامل القرآن الكريم

- أشهر القراء المبدعين: القارىء الحاج حميد رضا أحمدي وفا

- حفظ القرآن الكريم: مسائل يحتاجها عشاق حفظ القرآن الكريم

- المرأة في القرآن: المرأة في العصر الجاهلي مسلوبة الحقوق

- كلام أهل البيت في القرآن: أهل البيت (عليهم السلام) وقراءة القرآن

- حيوانات ذكرت في القرآن: الجوارح من الطيور في القرآن الكريم

- - عطور ذكرت في القرآن: ذكر المسك في القرآن الكريم

- - أنشطة الجمعية

 

    كلمة العدد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 

يقول سبحانه: ﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴾ . صدق الله العلي العظيم
 

إنَّ أهمية وعظمة القرآن المجيد وآثاره العميقة هي في هداية وإِرشاد وتربية البشرية، فهو النور الذي يهدي به الله كل من يبتغي كسب مرضاته إِلى سبل السلام وينقذهم من أنواع الظلمات ويهديهم إِلى نور التوحيد والعلم والاتحاد، وإضافة إِلى ذلك كلّه يرشدهم إِلى الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج ولا انحراف في جانبيه العقائدي والعملي أبداً، عظمة القرآن أنه لم يكن كتاب علم خاص، أو موضوع محدد، بل هو كتاب التشريع والحكم، وهو كتاب العقائد والأخلاق.. وهو كتاب المجتمع والحضارة وبناء الإنسان، وبكلمة إنه كتاب الحياة، كتاب سماوي حي لا يَجْرُؤُ الموت الاقتراب منه، لأنه كتاب الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. من هنا يتأكد علينا أن نعي قيمة القرآن الكريم، ونعظم قدره في واقعنا، ونهتم به ونستفيد منه في صياغة شخصياتنا وبناء أمتنا على غرار مناهجه وتوصياته. ويجدر بنا أن لا نتوانى في هذا الطريق، لأنه يضمن لنا الحياة الطيبة في الدنيا والنجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة. إن هذا الكتاب العظيم بكل معارفه في مجالات المبدأ الأول والمعاد وتصوراته عن الإنسان والأخلاق والقانون والقصص والعبر والمواعظ، وبكل جماله وفصاحته، هذا الكتاب جرى على لسان رجل أمي لم يدخل أي جامعة ولم يقابل أي عالم من علماء العالم ولم يقرأ حتى كتاباً بسيطاً من كتب عصره. قد أثبتت هذه المعجزة وهذا الكتاب قدرته المعنوية الخارقة عبر العصور، فلا يبليه الزمان، لقد جذب الملايين من القلوب، وهو يجذب المهتدين إليه في كل حين، نشكر الله تعالى أن جعلنا في خدمة القرآن الكريم نساعد في نشر تعاليمه القيّمة.
 

جمعية القرآن الكريم
للتوجيه والإرشاد

 

    الافتتاحية

التّعاليم الصحّيّة في القرآن الكريم
 


اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالِميْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّد وآلِهِ الطَّيِبيْنَ الطّاهِرِيْنَ.

يقول سبحانه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ﴾ (1) .
 

إِنَّ الأمراض الجسمية للإِنسان لها شبه كبير بالأمراض الروحية والأخلاقية، فالاثنان يقتلان، والاثنان يحتاجان إِلى طبيب وعلاج ووقاية، والاثنان قد يسريان للآخرين، ويجب في كل منهما معرفة الأسباب الرئيسة ثمّ معالجتها.

فقد وضع الإسلام سلسلة من التّعاليم الصحّية للأبدان من شأنها أن تصون الأبدان من الأمراض، وتقيها من العلل والأسقام لو روعيت حقّ الرعاية وطبقت حقّ التطبيق وقد جاءت طائفة من هذه التعاليم في القرآن الكريم، وتكفّلت السنّة المطهّرة ببيان البقيّة.
 

لقد حرم القرآن أُموراً ونهى عن أُمورٍ وكَرَّه أشياء وأباح أُخرى، وما حرّم ولا نهى، وما كرَّه أو أباح إلاّ لحكمة ظاهرة وأثر سيّء أو حسن على سلامة البدن وصحّته، فحرّم أكل المَيْتة، والدم، ولحم الخنزير بقوله: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (2) .
 

وإنّما حرّم «الميتة» من الحيوان لأنّ الموت إن كان عن مرض، أضرّ بالإنسان حتّى إذا عقّم لحمها من الجراثيم فهي تسبّب المغص في المعدة، وتسبب النزلات المعويّة، وعشرات المضاعفات الأُخرى. وحرّم «الدم» لأنّه أفضل مرتع للجراثيم والميكروبات المسبّبة للأمراض الخطيرة. وحرّم «لحم الخنزير» لما يحدثه من أمراض خطيرة لما يحمله من دودة خاصّة تنتقل بالأكل إلى بدن الإنسان وتحدث لديه أمراضاً كثيرة قد تؤدّي إلى الموت. وحرّم ـ أيضاً ـ ما يشبه الميتة كالمنخنقة، والموقوذة، والمترديّة، والنطيحة فقال سبحانه: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ  ﴾ (3) . لأنّ الاختناق يجعل لحم الحيوان المخنوق أسرع إلى التعفّن والفساد.
 

وبالجملة فهذه الحالات تجعل بدن الحيوان مرتعاً خصباً لنموّ الجراثيم والميكروبات، ومعرضاً لسرعة التعفّن والفساد.

ولم يقتصر تحريم الإسلام على هذه الأُمور بل حرّم مطلق الخبائث، إذ قال اللّه سبحانه: ﴿
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ (4) . هذا مضافاً إلى أنّه حرّم تناول الخمور (5) .

وفعل ذلك وقاية للإنسان من كثير من الأمراض والمضاعفات الناجمة عن المسكرات وتخلّصاً من الآثار والعواقب السيئة التي تتركها الخمرة على الجسم والعقل، بل وعلى النسل والذريّة. كما نهى القرآن الكريم عن الشراهة في الأكل، والإسراف في المطعم والمشرب فقال: ﴿
وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ (6) .
 

ومن المعلوم أنّ هذه الآية تنطوي على أهمّ قانون من قوانين الوقاية الصحيّة، والحفاظ على سلامة البدن، فالإنسان إذا أكثر من الأكل أُصيب بعسر الهضم الذي يستوجب أمراضاً عديدة للمعدة مذكورة في محلّها. وفي هذا السياق نجد الإسلام يفرض الصوم على المسلمين (7) . لما في الصوم من فوائد عظيمة على البدن عرفها العلم الحديث أخيراً، وأخذ به لعلاج الكثير من الأمراض. ولم ينته الأمر إلى هذا الحدّ، بل كشف القرآن للناس عمّا ينفعهم أو يشفيهم من بعض الأسقام فأشار إلى العسل فوصفه بأنّ فيه شفاء للأسقام (8) . كما حثّ على أُمور من شأنها أن توفّر الأجواء الصالحة المناسبة لسلامة البدن في الجانب الفرديّ والاجتماعيّ كالتطهّر والنظافة، فحثّ على التزام التنظّف وتعاهده حتّى إنّ أوّل تعليم تلقّاه النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ (9) . وقال مادحاً الذين يتطهّرون: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ (10) . والطهارة المذكورة أعمّ من طهارة النفس والجسد، وتنظيف الباطن والظاهر.
 

وينبّه القرآن الكريم إلى دور الماء في النظافة والطهارة فيقول: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾ (11) . ومن أجل هذا فرض الإسلام الوضوء فدعى إلى التوضّؤ قبل كلّ صلاة، أي في اليوم خمس مرّات (12).
 

ودعا إلى الاغتسال والاستحمام عند الجنابة، أو التيمّم بالتّراب الطاهر بدلاً عن الغسل أو الوضوء إذا تعذّر الماء، أو تعسّر استعماله (13). وذلك لأنّ التراب الطاهر يصون الجسم من الميكروبات، مضافاً إلى أنّ التيمّم بالتراب يتضمّن الخضوع للّه سبحانه وهو بنفسه عبادة.
 

وقد فرض الإسلام هذه الأنواع من الطهارات لأنّها طريق إلى نظافة الجسم وهي بدورها طريق إلى الحفاظ على سلامته. ولذلك قال القرآن معقّباً على الأمر بالوضوء أو الاغتسال أو التيمّم: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ (14) . وهي إشارة واضحة إلى الهدف من هذه الطهارات. ومن هذا الباب نهى الإسلام عن مقاربة النساء (الأزواج) وهنّ في حالة (المحيض) وقاية عن الأمراض الجسمية والمعنويّة الناجمة عن ذلك (15) .
 

وهو أمر أكّده الطبّ الحديث، وكشف عن أضراره بالنسبة إلى الزوج والزوجة معاً، فإنّ الدم الفاسد الذي تفرزه المرأة أثناء العادة الشهريّة يحتوي على ميكروبات عديدة وجراثيم متنوّعة لا تلبث أن تصيب الرجل فتحدث له الالتهابات، كمّا أنّه في زمن المحيض تحتقن أغشية المرأة الداخليّة، وفي المقاربة الجنسيّة قد يحدث لها التمزّق فتنتشر العدوى من الميكروبات، وتؤثّر في صحّة المرأة، وتضّر بها، وقد تسبّب لها السرطان، بسبب التمزّق كما يقول العلم الحديث.
 

كما نهى الإسلام عن (الزنا) وقاية من كثير من الأمراض الجنسيّة إذ يقول سبحانه: ﴿ وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ (16) .

فالزنا ـ مضافاً إلى أنّها توجّه ضربة كبيرة إلى العلاقات الاجتماعيّة السليمة، والقيم الأخلاقيّة الرفيعة، تسبّب أمراضاً جنسيّة خطيرة كالزهريّ والقرحة والسيلان للرجل والمرأة كليهما.

هذه هي أهمّ التعاليم الصحيّة التي يشير إليها القرآن الكريم، وهي توافق في نتائجها، وفلسفتها، وعللها، أحدث ما توصّل إليه العلم الحديث.
 

رئيس التحرير


(1) - سورة الإسراء، الآية: 82.
(2) - سورة البقرة، الآية:173.
(3) - سورة المائدة، الآية: 3.
(4) - سورة الأعراف، الآية: 157.
(5) - سورة المائدة، الآية: 90.
(6) - سورة الأعراف، الآية: 31.
(7) - سورة البقرة، الآية: 183.
(8) - سورة النحل، الآيتان: 68ـ 69.
(9) - سورة المدثر، الآية: 4.
(10) - سورة البقرة، الآية:222.
(11) - سورة الفرقان، الآية: 48.
(12) - سورة المائدة، الآية: 6.
(13) - سورة المائدة، الآية: 6.
(14) - سورة المائدة، الآية: 6.
(15) - سورة البقرة، الآية: 222.
(16) - سورة الإسراء، الآية: 32.

 

    القرآن والقادة

 

بحث الإمام الخميني (قدس سره)

حول وجود المبدأ المتعالي جلَّ وعلا
وأنه من الأمور الفطرية


وهذا يتضح بعد التنبيه إلى مقدمة واحدة هي: أن من الأمور الفطرية التي جبلت عليها سلسلة بني البشر بأكملها، بحيث إنك لن تجد فرداً واحداً في كل المجموعة البشرية يخالفها، ولن تستطيع العادات والأخلاق والمذاهب والمسالك وغيرها أن تبدلها ولا أن تحدث فيها خللاً، إنّها «الفطرة التي تعشق الكمال». فأنت إن تجولت في جميع الأدوار التي مرّ بها الإنسان، واستنطقت كل فرد من الأفراد، وكل طائفة من الطوائف، وكل ملّة من الملل، تجد هذا العشق والحب قد جبل في طينته، فتجد قلبه متوجهاً نحو الكمال. بل إن ما يحدّد الإنسان ويدفعه في سكناته وتحركاته، وكل العناء والجهود المضنية التي يبذلها كل فرد في مجال عمله وتخصصه، إنما هو نابع من حب الكمال، على الرغم من وجود منتهى الخلاف بين الناس فيما يرونه من الكمال؟ وبأي شيء يتحقق الكمال ويشاهد الحبيب والمعشوق؟
 

فكلٌّ يجد معشوقه في شيء، ظاناً أن ذلك هو الكمال وكعبة الامال، فيتخيله في أمر معيّن، فيتوجه إليه، ويتفانى في سبيله تفاني العاشق. إن أهل الدنيا وزخارفها يحسبون الكمال في الثروة، ويجدون معشوقهم فيها، فيبذلون من كل وجودهم الجهد والخدمة الخالصة في سبيل تحصيلها فكل شخص، مهما يكن نوع عمله، ومهما يكن موضع حبه وتعشقه، فإنه لاعتقاده بأن ذلك هو الكمال يتوجه نحوه. وهكذا حال أهل العلوم والصنايع، كلٌّ يرى الكمال في شيء ويعتقد أنه معشوقه، بينما يرى أهل الآخرة والذكر والفكر غير ذلك... وعليه، فجميعهم يسعون نحو الكمال. فإذا ما تصوّروه في شيءٍ موجود أو موهوم تعلّقوا به وعشقوه. ولكن لا بُدَّ أن نعرف أنه على الرغم من هذا الذي قيل، فإن حب هؤلاء وعشقهم ليس في الحقيقة لهذا الذي ظنوه بأنه معشوقهم، وإن ما توهّموه وتخيّلوه ويبحثون عنه ليس هو كعبة آمالهم. إذ لو أن كل واحد منهم رجع إلى فطرته لوجد أن قلبه في الوقت الذي يظهر العشق لشيءٍ ما فإنه يتحوّل عن هذا المعشوق إلى غيره إذا وجد الثاني أكمل من الأول، ثم إذا عثر على أكمل من الثاني، ترك الثاني وانتقل بحبه إلى الأكمل منه، بل أن نيران عشقه لتزداد اشتعالاً حتى لا يعود قلبه يلقي برحاله في أية درجة من الدرجات ولا يرضى بأي حد من الحدود.
 

مثلاً، إذا كنتَ تحب جمال القدود ونضارة الوجوه، وعثرت على ذلك عند من تراها كذلك، توجّه قلبك نحوها. فإذا لاح لك جمالٌ أجمل، لا شك في أنك سوف تتوجه إلى الجميل الأجمل، أو أنك على الأقل تطلب الاثنين معاً، ومع ذلك لا تخمد نار الاشتياق عندك، ولسان حال فطرتك يقول: كيف السبيل إليهما معاً؟ ولكن الواقع هو أنك تطلب كل جميل تراه أجمل، بل قد تزداد اشتياقاً بالتخيل، فقد تتخيل أن هناك جميلاً أجمل من كل ما تراه بعينك، في مكان ما، فيحلق قلبك طائراً إلى بلد الحبيب، ولسان حالك يقول: أنا بين الجمع وقلبي في مكان آخر. وقد تعشق ما تتمنى. فأنت إن سمعت بأوصاف الجنة وما فيها من الوجوه الساحرة حتى وإن لم تكن تؤمن بالجنة لا سمح الله قالت فطرتك: ليت هذه الجنة موجودة وليتهن كُنَّ من نصيبي؟
 

وهكذا الذين يرون الكمال في السلطان والنفوذ واتساع الملك، يتّجه حبهم واشتياقهم الى ذلك. فهم إذا بسطوا سلطانهم على دولة واحدة، توجّهت أنظارهم الى دولة أخرى، فإذا دخلت تلك الدولة أيضاً تحت سيطرتهم، تطلعت أعينهم إلى أكثر من ذلك. فهم كلما استولوا على قطر، اتجه حبهم إلى الاستيلاء على أقطار أخرى، بل تزداد نار تطلعاتهم لهيباً، وإذا بسطوا سلطانهم على الأرض كلها، وتخيلوا إمكان بسط سلطتهم على الكواكب الأخرى، تمنّت قلوبهم لو كان بالإمكان أن يطيروا إلى تلك العوالم كي يخضعوها لسيطرتهم.
 

وقِس على ذلك أصحاب الصناعات ورجال العلم، وغيرهم، وكل أفراد الجنس البشري، مهما تكن مهنتهم وحِرَفهم، فهم كلما تقدموا فيها مرحلة متقدمة، رغبوا في بلوغ مرحلة أكمل من سابقتها، ولهذا يشتدّ شوقهم وتطلّعهم.

إذاً، فنور الفطرة قد هدانا إلى أن نعرف أن قلوب جميع أبناء البشر، من أهالي أقصى المعمورة وسكان البوادي والغابات إلى شعوب الدول المتحضرة في العالم، ابتداءً بالطبيعيين والماديين وانتهاء بأهل الملل والنِحل، تتوجه قلوبهم بالفطرة إلى الكمال الذي لا نقص فيه. فيعشقون الكمال الذي لا عيب فيه ولا كمال بعده، والعلم الذي لا جهل فيه، والقدرة التي لا تعجز عن شيء، والحياة التي لا موت فيها، أي أن «الكمال المطلق» هو معشوق الجميع. إن جميع الكائنات والعائلة البشرية، يقولون بلسان فصيح واحد وبقلب واحد: إننا نعشق الكمال المطلق، إننا نحب الجمال والجلال المطلق، إننا نطلب القدرة المطلقة، والعلم المطلق. فهل هناك في جميع سلسلة الكائنات، أو في عالم التصور والخيال، وفي كل التجويزات العقلية والاعتبارية، كائن مطلق الكمال ومطلق الجمال، سوى الله تقدست أسماؤه، مبدأ العالم جلّت عظمته؟ وهل الجميل على الإطلاق الذي لا نقص فيه إلاّ ذلك المحبوب المطلق؟
 

فيا أيها الهائمون في وادي الحسرات والضائعون في صحاري الضلالات. بل أيتها الفراشات الهائمة حول شمعة جمال الجميل المطلق، ويا عشّاق الحبيب الخالي من العيوب والدائم الأزلي، عودوا قليلاً إلى كتاب الفطرة وتصفحوا كتاب ذاتكم لتروا أن قلم قدرة الفطرة الإلهية قد كتب فيه: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ (1) ، فهل أن: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ هي فطرة التوجه نحو المحبوب المطلق؟ وهل أن الفطرة التي لا تتبدل: ﴿ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ هي فطرة المعرفة؟ فإلى متى توجه هذه الفطرة التي وهبك الله إياها نحو الخيالات الباطلة، نحو هذا وذاك من المخلوقات لله؟ إذا كان محبوبك هو هذا الكمال الناقص والكمال المحدودة، فلماذا عندما تصل إليها يبقى اشتياقك ملتهباً لا يخمد، بل يزداد ويشتد؟.
 

تيقّظ من نوم الغفلة واستبشر فرحاً بأن لك محبوباً لا يزول، ومعشوقاً لا نقص فيه، ومطلوباً من دون عيب، وأن لك مقصوداً يكون نور طلعته هو النور: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (2) ، وأن محبوبك ذو إحاطة واسعة «لو دُلّيتُمْ بِحَبْلٍ إلى الأرضين السُّفلى لَهَبَطْتُمْ على الله». إذن يستجوب عشقك الحقيقي معشوقاً حقيقياً، ولا يمكن أن يكون شيئاً متوهماً متخيلاً، إذ إن كل موهوم ناقص، والفطرة إنّما تتوجه إلى الكمال. فالعاشق الحقيقي والعشق الحقيقي لا يكون من دون معشوق، ولا يكون غير الله الكامل، معشوقاً تتجه إليه الفطرة، فلازم عشق الكمال المطلق وجود الكمال المطلق. وقد سبق أن عرفنا أن أحكام الفطرة ولوازمها أوضح من جميع البديهيات: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (3) .

في بيان أن توحيد الحق تعالى شأنه واستجماع ذاته لكل الكمالات من الأمور الفطرية، وبالانتباه إلى ما جاء في المقام الأول يتضح ذلك أيضاً. إلاّ أننا سنبرهن على ذلك ببيان آخر هنا أيضاً.
 

اِعلم أن من الأمور الفطرية التي: ﴿ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ هو النفور من النقص، ولذلك فإن الإنسان ينفر من كل ناقص، قد وجد نقصاً وعيباً. إذاً، فالفطرة تنفر من النقص والعيب كما أنها تنجذب إلى الكمال. فالفطرة لا بد وأن تتوجه إلى الواحد الأحد، لأن كل كثير ومركب ناقص، ولا تكون كثرة من دون محدودية مع أن المحدودية نقص. وكل ناقص مرغوب عنه من جانب الفطرة وليس بمرغوب فيه. إذاً. أمكن من هاتين الفطرتين: «فطرة حب الكمال» و«فطرة النفور من النقص» إثبات التوحيد. بل إن استجماع الله لجميع الكمالات، وخلو ذاته المقدسة من كل نقص، قد ثبت بالفطرة أيضاً. وسورة التوحيد المباركة التي تبيّن نسب الحق المتعالي، وبحسب رأي شيخنا الجليل (روحي فداه) إن الهوية المطلقة، التي تتوجه إليها الفطرة، والتي أشير إليها في صدر سورة التوحيد المباركة بكلمة «هو» المباركة، تعد برهاناً على الصفات الستّ المذكورة بعد ذلك. إذ لمّا كانت ذات الله المقدسة هوية مطلقة، والهوية المطلقة يجب أن تكون كاملة مطلقة، وإلاّ لكانت محدودة، ولم تكن مطلقة، فهو مستجمع لجميع الكمالات، فهو (اللَّهُ). وفي الوقت الذي يكون مستجمعاً لجميع الكمالات يكون بسيطاً، وإلاّ فالهوية لا تكون مطلقة، إذاً فهو «أحد» ولازم الأحدية هو الواحدية ولما كانت الهوية المطلقة المستجمعة لجميع الكمالات منزهة عن جميع النقائص التي تعود بأجمعها إلى الماهية، إذاً فتلك الذات المقدسة هي «الصّمدُ» وليست جوفاء. ولما كانت الهوية مطلقة، فلن يتولد منها شيء ولا ينفصل عنها شيء، ولا ينفصل هو عن شيء: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ وإنما هو مبدأ كل شيء ومرجع جميع الموجودات، بدون الانفصال الذي يوجب النقصان. والهوية المطلقة أيضاً ليس لها كفوء. إذ لا يمكن تصور التكرار في الكمال الصرف. إذاً فالسورة المباركة (الإخلاص) من أحكام الفطرة ولبيان نسب الحق المتعال (4).


(1) - سورة الأنعام، الآية: 79.
(2) - سورة النور، الآية: 35.
(3) - سورة ابراهيم، الآية: 10.
(4) - التوحيد والفطرة: للإمام الخميني (قدس سره).

 

   القرآن والقادة

 

كلمة الإمام الخامنئي (دام ظله)

خلال مشاركته في جلسة تلاوة القرآن الكريم


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

نتقدم بجزيل الشكر للإخوة الأعزاء. الحقيقة أنّنا استفدنا اليوم؛ إنّها جلسة جيّدة جدًا ومتنوّعة ورائعة وجميلة وجذّابة الشكل وعميقة المضمون؛ الحمد لله. يُسعدني كثيرًا ولله الحمد أن أرى في كل عام مؤشّرات التقدّم في أمر التلاوة، تبدو مشهودة وملموسة بين شبابنا وأبناء شعبنا، وأشكر الله على ذلك.
 

لقد كانت جلستنا اليوم أيضًا والحمد لله بفضل هذه التلاوات الرائعة جلسة مفعمة بالعمق والمعنى وتسودها الروح المعنوية، سيما بعد أن أشار مقدّم البرنامج صاحب الذوق الرفيع والبيان البليغ إلى إهداء ثواب هذه التلاوات وسائر البرامج التي أُجريت في هذه الجلسة إلى الأرواح الطيّبة للشهداء... (1) .
 

إنّ تلاوة القرآن بالصوت الجميل واللحن الجيّد، إلى جانب مراعاة آداب وأعراف التلاوة، إنّما هي مقدمة لنفوذ مفاهيم القرآن إلى القلوب. ولو انتزعنا هذه الثمرة من تلاوة القرآن واقتصرت نظرتنا إليها على الصوت الحسن والقراءة بالألحان، لسقطت من تلك المنزلة الرفيعة لا محالة. إنّ كلّ التأكيد على تلاوة القرآن بالصوت الحسن وبالآداب والألحان المطلوبة هو من أجل أن تترك المفاهيم القرآنية أثرها في القلوب، وأن نأنس بالقرآن ونتلوّن بلون القرآن ونتخلّق بخلقه ونتشكّل بشاكلته.
 

إذا كان هذا هو الهدف المنشود، فإنّ له شروطًا وآداباً: الأدب الأول هو أن يقوم قارئ القرآن وتاليه بتلاوته مقرّاً مذعنًا للقرآن ومعتقدًا مؤمنًا بمفاهيم القرآن ومفاهيم الآيات التي يتلوها. فلو جهلنا ما نتلو، ولم ندرك مفاهيمه، ولم تؤثّر في أعماق وجودنا، فلن تترك تلاوتنا ذلك الأثر البليغ في نفوسنا ونفوس الآخرين؛ هذا هو الشرط الأول.
 

رجائي من القارئين المحترمين والأساتذة وتالي القرآن أن يلتفتوا إلى هذه المسألة، وهي أن يستعرضوا الآيات التي يريدون تلاوتها في أذهانهم، أن يتدبّروا فيها ويثبّتوا أعماق هذه المفاهيم في قلوبهم ومعتقداتهم بشكل صحيح، وأن يعمدوا إلى التلاوة بهذه الروح وهذه الأرضية وهذا الاستعداد، وعندها ستترك هذه التلاوة أثرها في أعماق نفوس السامعين. بالتأكيد لقد حقّقتم حتى اليوم تقدّمًا باهرًا، فإنّني ولسنوات مديدة أشاهد مسار الحركة القرآنيّة في بلدنا، لقد تقدّم شبابنا في الوقت الحاضر بشكل ممتاز، والحق يقال إنّ قرّاءنا وأساتذتنا ذوو مستوىً عالٍ جدًّا، لكنّ المجال لا يزال واسعًا للتأثير بشكل أكبر.
 

لقد دوّنت بعض النقاط؛ الأولى هي أنّكم تريدون، من خلال تلاوتكم، إلقاء المفاهيم القرآنية في قلوب السامعين. صحيح أنّ غالبيّة المستمعين إليكم لا يجيدون اللغة العربية ولغة القرآن، غير أنّ معجزة القرآن تكمن في أنّكم إذا ما تلوتم آياته في هذه الحالة أيضًا -في حال عدم معرفتهم بها- من أعماق وجودكم ومع مراعاة شروطها، لانتقلت مفاهيمها إلى أذهانهم ولو بصورة إجمالية، وهذا ما يتطلّب بعض الشروط بطبيعة الحال.
 

إنّني أستمع إلى التلاوات التي تُبثّ في إذاعة التلاوة -والتي وفّرت فرصة حسنة وإمكانيّة جيّدة للاستماع إلى التلاوات- وإلى ما يتلوه أساتذتنا وقرّاؤنا الجيّدون. فإنّ قرّاءنا يتميّزون حقًا بأصواتهم الرائعة، وهذا ما أقرّ به القراء الأجانب ويؤكّدونه، حيث سمعنا أنّهم يمدحون الأصوات الإيرانية ويثنون عليها. إنّ بعضكم يتمتّع حقًا بصوت رائع أصيل يحمل كل ما ينطوي عليه الصوت المتميز من مواصفات، وهذا ما يجب إرفاقه بشروط التلاوة: إنّ واحدة من شروط التلاوة هي التأكيد على النقاط المهمة في الآية التي تتلونها، كما تؤكّدون في الحالة الطبيعية على النقاط التي تريدون تبيينها. ولو أردت تشبيه ذلك لقارنته بالسادة المداحين الذين يقرأون الأشعار...، حيث تلاحظون أنّهم يقرأون تلك النقطة المطلوبة المودعة في جملة أو كلمة أو فقرة بطريقة تؤدّي إلى رسوخ وتعميق ذلك المفهوم في ذهن السامع. وكذلك الحال في الكلام الطبيعي، فإنّكم عندما تتحدّثون بشكل عادي، ستنطقون بتلك الكلمات البارزة في نظركم - التي تحمل تلك المفاهيم - بتأكيد خاص. وهذا ما يجب عليكم انتهاجه في قراءة القرآن من التأكيد على الكلمات الخاصة، وأداء الجمل والفقرات بطريقة تؤدّي إلى نفوذ مضمونها ومفهومها في ذهن السامع؛ أي البيان الجيّد والأداء الحسن. وأحيانًا يتطلّب الأمر تكرار الجملة من أجل أن يستقرّ الموضوع في ذهن السامع، فقوموا بهذا وكرّروا تلك الجملة.
 

قبل بضع سنواتٍ تقريبًا وفي مثل هذه الجلسة، اعترضتُ على الذين يكرّرون الآيات كثيرًا. وأريد القول إنّ التكرار يكون ضروريًّا وحتميًّا في بعض الموارد، فإنّ القراءة لمرة واحدة قد لا تعكس المعنى، ولا بد من تكرارها مرتين أو ثلاث. وقد يتطلّب الأمر تكرار آية واحدة، أو تكرار آيتين أو ثلاث آيات. ولا أقصد الإفراط في هذا المجال، فقد شاهدنا بعض القراء المصريّين يبالغون في هذه المسألة، ولذلك تأثير سلبي. فإنّني لم أقصد الإفراط، وليس بالأمر المرغوب تكرار الشيء عشر أو ثماني مرات. ولربّما يعدّ هذا العمل متداولًا في الأناشيد العربيّة، ولكنّه لا يعتبر مطلوبًا في تلاوة القرآن. وأما التكرار بالمقدار الذي يؤدّي إلى نفوذ المفهوم في ذهن السامع، فهو مطلوب. إذ قد يشعر المرء أحيانًا أنّ القارئ وكأنّه قد حمل كتابًا بيده وهو يسترسل في قراءة عباراته ويتابع التلاوة هكذا! هذا ليس بالعمل الجيّد والمطلوب، بل يجب عليكم أن تقوموا بنقل المفاهيم وترسيخها في ذهن السامع، وهذا يتم تارةً بالتكرار، وأخرى بالتأكيد إمّا على جملة أو على كلمة، فلا بد من القيام بهذا العمل.
 

هناك نقطة أخرى ينبغي الاهتمام بها هي مراعاة قواعد اللحن. علمًا أنّ الألحان العربيّة تعتبر لأبناء شعبنا وقرّائنا أجنبيّة غير مأنوسة. ولذا تلاحظون أنّ الأشعار... تُقرَأ بالألحان التي تناسبها، ولو أراد هذا الشخص نفسه أن يقرأ شعرًا أو نثرًا عربيًا، قد لا يستطيع اختيار اللحن المناسب له. لأنّ هذه الألحان تعتبر بالنسبة لنا ألحانًا أجنبيّة غير معروفة ومأنوسة... لكنّ الألحان القرآنيّة وبسبب تكرارها بين أهل القرآن وأرباب التلاوة أصبحت مأنوسة شيئًا فشيئًا، وبدأ الناس يتعرّفون عليها، فلا بد من أداء هذه الألحان بشكلٍ صحيح. أحيانًا أستمع إلى قارئ يتلو الآيات القرآنيّة بصوت جميل رائع يتمتّع بالأصالة والقوة والمدّ والتحرير الجيّد ولكنّه يقرأ آية ولا يراعي اللحن فيها. والمراد من مراعاة اللحن في الكلام هو تلك النغمة المتناسقة التي تقوم تلاوتكم على أساسها. وهذا لازم. فإنّكم لا تقرأون القرآن بصورة طبيعية، وإنّما تتلونه بالتلحين. ولربما تقوم جميع الأديان - بحسب ما شاهدته بنفسي من بعض الأديان التوحيدية بل وحتى غير التوحيدية - بقراءة النصوص المقدسة باللحن، وهذا ما شاهدناه عن قرب. فيجب عليكم إذن تلاوة القرآن باللحن، وأداء هذا اللحن بشكل صحيح وبمراعاة قواعده، وإلّا فإنّها بالتأكيد سوف لا تترك ذلك الأثر المطلوب، بل قد تترك أثرًا سلبيًا.
 

هناك نقطة أخرى أودّ أن أطرحها عليكم أنتم الحاضرون في هذا المحفل وكلّكم تقريبًا من القراء، وهي أنّ من الأمور الرائجة بين القرّاء العرب -بما فيهم المصريين وغيرهم- وتسرّبت منهم إلى داخل بلدنا، هي الاهتمام بالنَفَس الطويل. ولا أعرف ما هو الداعي لهذا الأمر؟ فلا توجد أي ضرورة تقتضي أن نقوم بوصل الكلمات أو الآيات أحيانًا بعضها بالآخر من أجل أن نمدّ في نَفَسِنا. وباعتقادي لا حاجة لهذا الأمر. ففي بعض الأحيان يتطلّب الأمر ذلك ويتوقّف أداء مفهوم الآية على تلاوتها بنَفَس واحد، فلا بأس بالقيام بذلك. وإلا فجمال التلاوة وتأثيرها لا يرتبط بالنفس الطويل إطلاقًا. ورغم هذا نجد بعض القرّاء المصريّين المعروفين يلخّصون كل فنّهم وإبداعهم في القراءة بنفس طويل، والمستمعون عن جهل يزيدون من تشجيعهم لمثل هذا القارئ، ويُتبعون تلاوته بقولهم: «الله الله». وأظن أن عمل القارئ والمستمع كليهما خاطئ. فإنّ لدينا مِن بين المقرئين المصريّين المجيدين والبارزين مَن لا يتمتّع بنفس طويل، ورغم ذلك نجد تلاوته رائعة وتأثيره جيّد. ومنهم عبد الفتاح الشعشاعي. فإنّكم تعلمون أن نَفَسه قصير، ولكن في الوقت ذاته تعتبر تلاوته من أروع التلاوات وأكثرها تأثيرًا. نسأل الله تعالى أن يتغمّده وجميع قرّاء القرآن برحمته ومغفرته. ولذا أطلب من السادة أن لا يشقّوا على أنفسهم في قضيّة النَفَس، فلا توجد أي ضرورة لإضافة وتكرار الكلمات والآيات واحدة تلو الأخرى.
 

وبما أنّ الوقت قد أدركنا وحلّ موعد الآذان على ما يبدو، أحببت في الختام أن أطلب منكم مراعاة الحدود في التشجيع وتكرار قول «الله الله»... فإنّ بعضهم وبمجرّد أن يشرع القارئ بالتلاوة يترنّم بعده بقول «الله»؛ وكأنّ من مستلزمات التلاوة أن يقول الإنسان بعدها «الله»! ولكن لا داعي لذلك. ففي بعض الأحيان تتأثّر بالتلاوة أو تسمع منه تلاوة جميلة ومؤثّرة للغاية، فتقوم لا إراديًا بتشجيعه. وتكرار قول «الله الله» في التشجيع القرآني أيضًا أمرٌ متداولٌ بين العرب. وهذا لا يختص عندهم بالقرآن، وإنّما يشمل حتى الأناشيد والأنغام العادية. ولا إشكال في ذلك. وأما أن تتعالى أصواتنا بقول «الله الله» بمجرّد أن يبدأ القارئ بتلاوته، فهذا لا ضرورة له.
 

إني أطلب منكم في الجلسات التي تشاركون فيها كأساتذة أن توصوا السامعين بعدم الإفراط في تكرار قول «الله الله». فإنّ التشجيع يرد في المواطن التي تكون تلاوة القارئ جميلة ورائعة جدًا. لا أن يبدأ التشجيع بمجرّد البدء بالتلاوة، بحيث يتوقّع الإنسان قول «الله أكبر» فور الابتداء بـ«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وهذا أمر غير صحيح.
 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشركم جميعًا مع القرآن وأن يعمر دنياكم وآخرتكم ببركة القرآن.

والسلام عليكم ورحمة الله وبرکاته (2)


(1) -الشهداء الغواصون الـ 175: تقول الإحصاءات ان هناك المئات وربما الآلاف من الشهداء الإيرانيين الذين أُسروا ثمّ قتلوا أو دفنوا أحياءً أو ألقي بهم في الأنهر والمستنقعات المائية على يد النظام البعثي أثناء الحرب المفروضة وبقوا في عداد مفقودي الأثر، وبين وقت وآخر يتم العثور على عدد منهم؛ وتمّ العثور على رفاة 175 شهيد في مقبرة جماعية خلال عمليّة البحث التي تقوم بها السلطات الإيرانيّة باستمرار. أقيم لهم تشييع مهيب في طهران يوم الثلاثاء 16-6-2015، حضر فيه الآلاف، وقد أطلق الإمام الخامنئي نداءً بهذه المناسبة، وصّف الحدث بأنّه من أروع أحداث الثورة، كما سلّم على أرواح الشهداء وحيّا الشعب الإيراني الذي تفاعل بشكل كبير وكان حاضرًا بحماسة لافتة.
(2) - أقيمت هذه الجلسة في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك عصر يوم الخميس المصادف 18/06/2015، في حسينية الإمام الخميني (قدس سره) و لمدة أكثر من ثلاثة ساعات، وقبل كلمة الإمام الخامنئي (دام ظله)، زينت مجموعة من القراء الايرانيين بتلاواتهم العطرة أجواء المجلس واستقطبت المدح والثناء.

 

  القرآن والقادة

 

كلمة لسماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)

حول عبودية الإنسان لله عزّ وجلّ
 


الموضوع الذي سنتناوله يرتكز على أصل كبير من الأصول المعنوية والإيمانية الحاكمة في مسيرتنا وفي حركة الحياة، سواء في جانب السلوك الشخصي أم في جانب السلوك العام أم في أيّ ساحة من ساحات الحياة.

الأصل هو ألوهية الله سبحانه وتعالى وعبودية الإنسان لله عز وجل. ولعلّنا كمؤمنين، ومن ناحية معنوية ونفسية وفكرية، بحاجةٍ للعودة إلى هذا البحث.
 

حقيقة واحدة
 

هناك حقيقةٌ واحدة هي: (الله)، الوجود الحقيقي والمطلق، وما سواه آثار وجوده ومظاهرُ لهذا الوجود، ولذاته وصفاته. وما في الوجود من رحمةٍ وقوّة إنما هو مظهر لرحمة الله وقوة الله. وما في الوجود من علمٍ إنما هو مظهرٌ لعلم الله سبحانه وتعالى. والإنسان في مقابل الله عز وجل هو عبدٌ محض. والمشكلة التي يُعاني منها الإنسان في الحياة هي فهم العبودية لله عزّ وجل، كيف أكون عبداً لله فكرياً، ومعنوياً ونفسياً؟ كيف يمكن أن لا أتحوّل إلى إله؟
 

كيف أكون عبداً لله؟

هذا يمكن أن يحصل لأي إنسان. قد يعيش الإنسان في ظاهر سلوكه حركة العبد ولكنه في باطن روحه وقلبه ونمط تفكيره ومشاعره يعيش روحية ﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾. وهذا الأمر يمكن أن نجد له الكثير من النماذج حتى في أصحاب الأنبياء وفي أصحاب الأئمة (عليهم السلام). والسؤال المهم هو كيف أمارس عبوديتي لله عزَّ وجل؟ وكيف أكون عبداً لله في كل شيء.
 

للإجابة عن هذا السؤال يجب معرفة أمرين اثنين:

أولاً: يجب أن أحسم، على مستوى العقيدة والحالة النفسية، ألوهية الله، قدرته المطلقة، حكمته البالغة، رحمته الواسعة وبالتالي أن أؤمن عقائدياً وأشعر نفسياً أن مصدر القوة والقدرة والعظمة والجبروت هو الله سبحانه وتعالى، أن أعيش شعور أن الله: ﴿
بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.

كيف يمكنُ أن تحملَ هذا الإيمان ويملأ كل كيانك وكل وجودك؟ المشكلة تكمن في الحياة التي تُمتحن فيها (بالفقر) وتشعر فيها بضعفك، أن تحمل هذه المشاعر في محيطك الذي فيه ما فيه من جبابرة وقوة عظمى، هذا هو الصراع، وهنا المسألة الأساس.
 

الغفلة عن الله:

إن هذا الأمر يحتاج إلى توجّه نفسي وقلبي وتوجّه عقلي وروحي باتجاه الله للتعرّف إليه أكثر، ولنقترب منه أكثر حتى نزداد إيماناً وقوةً وعزيمة. وهذا له طُرُق كثيرة ومن أهمّ هذه الطرق التفكّر في خلق الله سبحانه وتعالى. وأهم مشكلة هي الغفلة، فنحن غافلون عن الله وعن آثاره، مع العلم أن الله سبحانه وتعالى ملأ الوجود بالآيات المشيرة إليه، مظاهر وآيات الطبيعة وكل مظاهر الوجود هي مظاهرُ لوجوده وصفاته وذاته. هذه المظاهر عندما يذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: «ما رَأَيتُ شَيئاً إلاّ وَرَأَيْتُ اللهَ قبْلَهُ، وبَعْدَهُ ومَعَهُ». عندما لا يغفل الإنسان يمتلئ قلبه إيماناً وشعوراً بهذه الألوهية، حينئذ يتحوّل إلى إنسانٍ آخر. والمشكلة هي النسيان والذكر. فالذاكر ليس من يحمل مسبحة أو يقضي ساعات يقرأ ويتلو كتاب الله وهو في قلبه غافلٌ عنه سبحانه وتعالى وليس الذي يقف في الصلاة وهو ليس متوجهاً إلى الله. هذا ليس ذكراً لله، وإنما الذكر لله في تذكّره، والتفكّر فيه، والإحساس به وحضور القلب بين يديه سبحانه وتعالى.
 

الشعور بمعاني العبوديّة:

ثانياً: أن تكون عبداً لله يعني أن تشعر بضعفك أمامه، بجهلك وبفقرك أمامه... هذا التخضّع والتذلّل والتخشّع لله سبحانه وتعالى هو المطلوب. عندما نقرأ في أدعية الأئمة (عليهم السلام) نرى فيها: الخاضع، الذليل، الحقير، المسكين، المستكين، الضعيف، العاجز والفقير بين يدي الله سبحانه وتعالى. قد تشعر أمام الآخرين بعلمك في مقابل جهلهم، بقوتك في مقابل ضعفهم. هذا أمرٌ نسبي نسبةً للآخرين. أما بين يدي الله سبحانه وتعالى فيجب أن يعيش الإنسان كلّ معاني العبودية لله حتى لا تتحرّك النفس باتجاه مشاعر الألوهية التي قد يشعر بها الآخرون. فالله سبحانه أعطانا الحياة والعلم ومنّ علينا وأكمل علينا نعمته وأرسل لنا أنبياءه وأكمل لنا دينه بولاية أوصيائه. في مقابل نِعم الله يجب أن نشعر دائماً بإحساس العبودية أمامه والحاجة إليه.
 

ممارسة الألوهية:

من هذه النقطة نبدأ لنقول إن من لديه إمكانيّات مالية كبيرة جداً يحمل شيئاً من مشاعر الألوهية والربوبية: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾ (1) استغنى: تعني الاستغناء عن الآخرين مالياً وعلمياً من حيث القوّة والسلطان والجاه. هل وجدتم في تاريخ الشعوب ضعيفاً يدّعي الألوهية؟ عبر التاريخ نمرود ادعى الألوهية وفرعون أيضاً وأمثال هذين النموذجين. ليس شرط الألوهية أن يقف الإنسان ويقول للناس: ﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ (2) الألوهية أن يمارس الإنسان على الناس حقيقة ﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾. مثلاً: عندما يصير شخص ما مسؤولاً عن مجموعة ويشعر أن تحت إمرته عدداً من الناس يأتمرون بأوامره تبدأ عنده حالة من الشعور بالقوة. نفس الأمر نجده في الجيوش النظاميّة. مثلاً: هناك فرق بين روحية الرقيب والنقيب والمقدّم والعقيد والعميد إذ يزداد الشعور بالعجرفة والجبروت والكبرياء والطغيان كلّما تدرجنا صعوداً. وحتى في مجالات العمل الإسلامي والحركة الجهادية يُبتلى المجاهدون بأشخاصٍ تتحوّل القضية عندهم كيف يكون هو المحور والآمر والناهي، حتى لو أدّى ذلك إلى إرباك مجمل الصراع.
 

هذا شكلٌ من أشكال الألوهية وشكلٌ من أشكال الخروج من العبودية لله سبحانه وتعالى. في هذا الإطار هناك نماذج كثيرة موجودة في تاريخ المسيرة الإسلامية وفي تاريخنا المعاصر. الجميع مؤهلون للانزلاق والسقوط في هذه الحبائل الشيطانية التي تضلّ الإنسان، وتبعده عن العبودية لله سبحانه وتعالى. هذا البلاء هو بلاءٌ عظيم يجب الانتباه له.
 

الإرادة الإلهية قسمان:

من جهة أخرى، عندما أسلّم لله سبحانه وتعالى بالعبودية يجب أن تستسلم إرادتي لإرادته ومشيئتي لمشيئته. وهنا لله تعالى إرادتان ومشيئتان:
 

الأولى: التكوينية حيث تستسلم كل الموجودات للإرادة الإلهية التكوينية. مثلاً: موضوع (الأجل) يدخل في المشيئة الإلهية التكوينية: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ (3) هذا أمرٌ جبريٌ قهريٌّ لا فضل لنا فيه.
 

الثانية: الإرادة والمشيئة الإلهية التشريعية، فالاستسلام لهذه المشيئة يعني الاستسلام للأحكام والتكاليف الإلهية.
 

لقد أعطى الله الإنسان في دائرةٍ معيّنة ساحة واسعة من الإرادة والحرية والمشيئة، فللإنسان أن يريد وأن يختار. والله تعالى في ساحة الاختيار لم يدعه وحيداً وإنما هداه ودلّه على الطريق. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (4) ، ﴿ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ (5) . وللإنسان أن يختار شكل الحياة التي يشاء، يختار أن يصلّي أو لا يصلّي، أن يُقيم العدل في الأرض أو أن يملأ الأرض فساداً، أن يكون عبداً صالحاً أو أن يكون عبداً ظلوماً كفوراً. ترك الله له العنان وأجّله إلى يوم القيامة ولكن نبّهه أيضاً إلى أن الأفعال الدنيوية في دائرة الاختيار لها نتائج على مستوى السنن الحاكمة في المجتمع، وفي التاريخ وفي الروح. حيث يجب أن تستسلم إرادتنا واختيارنا لاختيار الله سبحانه وتعالى وأن نرضى بقضاء الله وقدره وأمره، وتستسلم مشيئتنا أمام مشيئة الله، وهذا هو الشكل العملي من أشكال العبودية.
 

اختيار الطاعة لله تعالى:

فممارسة العبودية لله سبحانه وتعالى يجب أن تترجم في دائرة الاختيار إلى الطاعة المطلقة لله والاستسلام له بمعزل عن الآخرة. إذ يجب أن يمارس الإنسان حالة العبودية أمام الله سبحانه وتعالى. هذا المعنى بحاجة إلى مستوى من التوجه الروحي والمعنوي. وهنا نفهم ماذا يقصده الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) عندما يقول: «اِلهى ما عَبَدتُّكَ خَوْفَا مِنْ نارِكَ وَلا طَمَعا فى جَنَتِّكَ بَلْ وَجْدتُكَ اَهْلا للِعبادَة فَعَبدتُّكَ». «إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلتُّجَّارِ وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأَحْرَارِ». نحن، حتى الآن، ما زالت علاقتنا بالله علاقة لا نفصل بينها وبين العلاقة بالآخرة وبين الجنة والنار. وهذا أمر مشروع. ولكن هناك مستوى أعلى، فنحن نحترم القويّ ونعظّم العالِم. تخشع قلوبنا لصاحب الهيبة. هذه حالات نفسية نعيشها. ولو تأملنا في الله سبحانه وتعالى في جماله وعظمته وقدرته وغناه وجبروته وقوته وكبريائه لشعرنا بانشدادٍ قويّ إليه بمعزلٍ عن جنته وبمعزلٍ عن ناره (6) .


(1) - سورة العلق، الآيتان: 6-7.
(2) - سورة النازعات: 24.
(3) - سورة الأعراف، الآية: 34.
(4) - سورة العنكبوت، الآية: 69.
(5) - سورة محمد، الآية: 7.
(6) - بقية الله مع بعض التصرف: العدد 261.

 

   التفسير والبيان


يقول تعالى في سورة العنكبوت:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (13)
 

نقاط وتأملات:

سؤال: في الآية السابقة تم التأكيد على أنه لا يمكن لأحد أن يحمل خطايا غيره: ﴿ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ ﴾. أما في الآية مورد البحث فيقول، إنهم يحملون أثقالهم ويحملون فوقها أثقالاً أخرى، فما هي هذه الأثقال الاضافية.

الجواب: في الآية السابقة جواب للكفار الذين يدّعون أن باستطاعتهم حمل خطايا غيرهم إذا اتبعوهم، فيقول المولى تعالى للكفار ليس الأمر كما تدعون، فكل امرئ رهين عمله ومسؤول عنه وعن نتاجه ولا يمكن التنصل منه، صحيح أن شخصاً آخر حثه على الإجرام وارتكاب المعاصي، فهو شريكه، إلا أن هذا الاشتراك في الجرم لا يخفف عنه المسؤولية، لذلك يقول القرآن صراحة: ﴿
إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾. أما الآية الحالية فتقول إن الشخص الخاطىء والعاصي مسؤول عن فعله، أما الشخص العاصي والذي يدعو الآخرين إلى المعصية فهو ضال ومضل، لذلك فهو أولاً مسؤول عن أفعاله وفي ذات الوقت يشارك الآخرين ممن أضلهم في أفعالهم، من دون أن ينقص من مسؤوليتهم شيء، فالثقل هنا هو ثقل ذنب الإغراء والإغواء وحث الآخرين على الذنب، وهو في الحقيقة ثقل السّنة السيئة التي سنها، كما يعبر عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء» (1) .

في حديث منقول عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أن سائلاً جاء والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في طائفة من صحابته فطلب العون فلم يجبه أحد، ثم قام إليه رجل وناوله شيئاً فقام الآخرون ورغبوا في إعانته فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من سنّ خيراً فاستن به كان له أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئاً، ومن سنّ شراً فاستن به كان عليه وزره ومن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئاً». وقد ورد نظير هذا الحديث بعبارات مختلفة في مصادر الحديث عند الشيعة والسنة وهو حديث مشهور.
 

دروس وبصائر:

1- الضال والمضل في آن، يحمل وزراً مضاعفاً إضافة الى وزر عمله بسبب ضلال الآخرين وحرفهم: ﴿ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾.
2- الحمل ثقيل: ﴿
أَثْقَالِهِمْ ﴾.
3- الكذب والافتراء من خصال الكفار وأساليبهم: ﴿
كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾.
4- ادعاء تحمل أثقال الآخرين وعبء ذنوبهم ادعاء كاذب ومفترى: ﴿
عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾.

﴿
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (15)
 

نقاط وتأملات:

· قرأنا في بداية السورة أن الله تعالى يقول إن الذين يدعون الايمان لا يمكن أن يتركوا، بل يجب أن يمتحنوا ويمحصوا ليميز المؤمن الحقيقي من المدّعي والمنافق، وفي هذه الآية يقع الكلام على الامتحانات الشديدة للأنبياء، وكيف تعرضوا لضغط أعدائهم وأذيتهم، وكيف صبروا فكانت عاقبة صبرهم النصر، وهذا الكلام فيه تسلية لقلوب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين كانوا تحت وطأة التعذيب الشديد من قبل الأعداء، وفيه أيضاً تهديد للأعداء لينتظروا عاقبة أمرهم السيئة.

· النبي الوحيد الذي ذكر القرآن مدة رسالته هو نوح (عليه السلام)، حيث بلغت ثمانمئة وخمسون، واستمرت حتى موعد الطوفان، أما مدة حياته بعد الطوفان فلم تذكر.

· ظاهر الآية الآنفة أن هذا المقدار لم يكن هو عمر نوح (عليه السلام) بتمامه (وإن ذكر ذلك في التوراة الحديثة، في سفر التكوين الفصل التاسع) بل عاش بعد الطوفان فترة أخرى، وطبقاً لما قاله بعض المفسرين فقد كانت الفترة هذه ثلاثمئة سنة! طبعاً... هذا العمل الطويل بالقياس الى أعمار زماننا كثير جداً ولا يعد طبيعياً أبداً، ويمكن أن يكون ميزان العمر في ذلك العصر متفاوتاً مع عصرنا هذا.. وبناء على المصادر التي وصلت الى أيدينا فإن قوم نوح كانوا معمرين، وعمر نوح بينهم أيضاً كان أكثر من المعتاد، ويشير هذا الأمر ضمناً الى هيئة تركيب أجسامهم بحيث كانت تمكنهم من أن يعمروا طويلاً. إن دراسات العلماء في العصر الحاضر تدل على أن عمر الانسان ليس له حد ثابت، وما يقوله بعضهم بأنه محدود بمئة وعشرين سنة، وأكثر وأقل، فلا أساس له... بل يمكن أن يتغير بحسب اختلاف الظروف (2) .
 

· الواقع أن العمر الطويل للانسان بإرادة الله تعالى ليس مستحيلاً، كما أنا نعتقد ان الامام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قد حفظه الله تعالى وأطال عمره الشريف ليقيم دولة العدالة والحق في آخر الزمان، وهي دولة عالمية تشمل جميع بقاع الأرض.

· صحيح أن جميع البشر يولدون ثم يهرمون ويموتون، لكن الإمام المهدي وبإرادة الله عز وجل يظهر وهيأته في عمر الأربعين- كما يذكر جميع العلماء الكبار- وهذا ليس عجيباً ولا غريباً، لأنا إذا نظرنا إلى الإنسان نفسه نجد أن شعر الحاجب والعين ثابت لعشرات السنين تقريباً وينمو نمواً قد لا يذكر، في حين إن شعر الرأس واللحية في نمو دائم وتغير مستمر، مع أن غذاء جميع الشعر وبيئته ومائه وطقسه ومسكنه واحد، وهذا دليل على أن الله سبحانه يستطيع أن يغير إنساناً ويجعله في حالة نمو وهرم، ويثبت إنساناً آخَرَ فلا يتغير ولا يهرم لمدة طويلة من السنين.
 

دروس وبصائر:

1- من اللائق في التبليغ ذكر الكليات أولاً، ثم الانتقال إلى التفصيل، ذكر الأمثلة والنماذج. في الآيات السابقة قرأنا: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾، وهنا ينتقل الى بيان التفصيل: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً ﴾.
2- القرآن اهتم ببيان تاريخ الأنبياء والأمم السالفة للتعريف بتاريخهم وماضيهم، ولتسلية قلب النبي والمؤمنين من أصحابه: ﴿
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً ﴾.
3- الأنبياء كانوا بين الناس منهم وفيهم: ﴿
فَلَبِثَ فِيهِمْ ﴾. فإذا تعامل النبي مع قومه بقهر يؤدبه المولى تعالى، كما حصل ليونس (عليه السلام): ﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ﴾ (3) ، لقد ترك قومه ونأى عنهم وركب السفينة يريد السفر والابتعاد عنهم فابتلعه الحوت.
4- القرآن يجد أن طول العمر للانسان ممكن ويؤيد ذلك بالشواهد، وهذا أمر له سابقة: ﴿
أَلْفَ سَنَةٍ ...... ﴾.
5- إذا لم يكن لدى الناس القابلية والاستعداد للقبول، فإن آلاف السنين من التبليغ لن يكون لها أثر: ﴿
أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً ﴾.
6- التربية والتبليغ يتطلبان الصبر والثبات: ﴿
أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً ﴾. وهذا يدل على صبر نبي الله نوح (عليه السلام) وثباته في الدعوة وعناد الناس في زمانه.
7- في مسألة العدد يجب الدقة: ﴿
أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً ﴾.
8- إن عدم قبول دعوة الأنبياء، وعدم التوجه إليهم يعد ظلماً، والظلم سبب مباشر للقهر والعذاب الالهي: ﴿
فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾.
9- الأنبياء وأتباعهم في مأمن من العذاب الالهي: ﴿
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ﴾.
10- إن العون الإلهي والمدد السماوي لا يعني ترك السعي والعمل، فنوح (عليه السلام) وأصحابه عملوا بجهد لصنع السفينة من أجل النجاة بأرواحهم، من هنا يتوجب بذل الجهد والعمل من جهة، والأمل باللطف والمدد الإلهي من جهة أخرى: ﴿
السَّفِينَةِ ﴾.
11- بعض الحوادث والأشخاص هم فوق المكان والزمان، ولكل جيل وعصر: ﴿
آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ (4) .


(1) - تفسير الأمثل: ج 12، ص 349.
(2) - تفسير الأمثل: ج 12، ص 354.
(3) - سورة الصافات، الآية: 142.
(4) - نفسير سورة العنكبوت: لسماحة الشيخ قراءتي .

 

  معجم المفسرين

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة

 

المؤلف: الشيخ محمد صادقي الطهراني.

عدد المجلدات: 3 مجلدات.

طبعات الكتاب: بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1405هـ - 1985م، طهران، سنة 1407 هـ.

حياة المؤلف:

ولد في سنة 1346هـ في طهران، وتربى في بيت من بيوت العلم عند والده الذي كان أحد خطباء إيران، ودرس القرآن الكريم عند والدته العالمة المؤمنة. دخل الحوزة العلمية، واستفاد من كبار الأساتذة، منهم العلامة المفسر الطباطبائي صاحب تفسير الميزان، والسيد البروجردي الفقيه المعروف... هاجر إلى العراق بعد ما حكم عليه نظام الشاه بالإعدام غيابياً، ورجع إلى ايران بعد سقوط الشاه، وقام بتدريس التفسير طيلة حياته العلمية، فهو من العلماء والمدرسين البارزين في الحوزة الدينية ببلدة قم.
 

أهم آثاره ومؤلفاته:

1- الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن.
2- حوار بين الالهيين والماديين.
3- المقارنة العلمية والكتابية بين الكتب السماوية.
4- تبصرة الفقهاء.
5- تاريخ الفكر والحضارة.
6- أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة وغيرها من المؤلفات.
 

تعريف عام:

لقد ابتدأ بالتفسير بالجزء الثلاثين حتى أكمل الأجزاء الأخرى، التي ألقاها على طلاب العلوم الدينية في حوزتي قم والنجف، بزيادات وتنقيحات لفظية ومعنوية. وهذا تفسير كامل شامل للقرآن، اتخذ صاحبه منهج تفسير القرآن بالقرآن، مع إضافة الحديث الذي يوافق القرآن إليه.
 

منهجه في التفسير:

كان منهجه في التفسير، تفسير القرآن بالقرآن بشكل تحليلي اجتماعي تربوي، مع ذكر الأحاديث التي رآها صحيحة وموافقة وملائمة للقرآن، ولذا احترز من الأخبار الضعاف والإسرائيليات احترازاً شديداً، ويقع باللوم على من اتخذ هذه الروايات سبيلاً في التفسير.
 

الخلاصة:

كان تفسير الصادقي من التفاسير المبسوطة الشاملة في القرن الخامس عشر، قد نهج تفسير القرآن بالقرآن، مع التدبر والتأمل والاجتهاد، حسبما تقتضيه قواعد اللغة والنحو، المستفسر والمستنطق آياتها للحصول على معناها من الآيات المتناظرة لها.

 

   مفردات قرآنية

سورة الحجّ
 

مدنيّة وعددُ آياتِها ثمان وسَبعُونَ آيةً (78)
 

فضل تلاوة سورة الحجّ:
 

جاء في حديث للرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) «من قرأ سورة الحجّ اُعطي من الأجر كحجّة حجّها، وعمرة اعتمرها، بعدد من حجّ واعتمر فيما مضى وفيما بقي»!. وقال أبو عبد الله (عليه السلام) من قرأها في كل ثلاثة أيام لم يخرج من سنته حتى يخرج إلى بيت الله الحرام وإن مات في سفره دخل الجنة» (1) !.
 

الآيات من (1) إلى (5):

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾.
 

اللغة والبيان:

خاطب الله سبحانه جميع المكلفين فقال ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ ﴾ معناه يا أيها العقلاء المكلفون اتقوا عذاب ربكم واخشوا معصيته ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ ﴾ أي زلزلة الأرض فإنها تقارن يوم القيامة فهي من أشراط ظهورها وآيات مجيئها ﴿ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ أي أمر عظيم هائل لا يطاق ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا ﴾ معناه يوم ترون الزلزلة أو الساعة ﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ﴾ أي تشغل كل مرضعة عن ولدها وتسلو عنه وتنساه، من الذهول والدهشة ﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾ جنينها، أي تسقط من شدة الخوف ما في بطنها ﴿ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ﴾ كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم لأنهم يضطربون اضطراب السكران من شدة الخوف والفزع ﴿ وَمَا هُم بِسُكَارَى ﴾ من الشراب ثم علل سبحانه ذلك فقال ﴿ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ فمن شدته يصيبهم ما يصيبهم ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ هذا إخبار عن المشركين الذين يخاصمون في توحيد الله سبحانه ونفي الشرك عنه بغير علم منهم بل للجهل المحض وقيل إن المراد به النضر بن الحرث فإنه كان كثير الجدال وكان يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وينكر البعث ﴿ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ﴾ يغويه عن الهدى ويدعوه إلى الضلال ﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ﴾ كتب الله على ذلك الشيطان في اللوح المحفوظ أنه يضل من تولاه فكيف يتبع مثله ويعدل بقوله عمن دعاه إلى الرحمة وقيل معناه كتب على المجادل بالباطل إن من اتبعه وولاه يضله عن الدين ﴿ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ ثم ذكر سبحانه الحجة في البعث لأن أكثر الجدال كان فيه فقال ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ ﴾ أي في شك ﴿ مِّنَ الْبَعْثِ ﴾ والنشور والريب أقبح الشك ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ﴾ فمن قدر على أن يصيّر التراب بشراً سوياً حياً في الابتداء قدر على أن يحيي العظام ويعيد الأموات ﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ معناه ثم خلقنا أولاد آدم ونسله من نطفة وهي الماء القليل يكون من الذكر والأنثى ﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ بأن تصير النطفة علقة وهي القطعة من الدم الجامد ﴿ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ ﴾ أي لحمة مقدار ما يمضغ ﴿ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ أي تامة الخلق وغير تامة وقيل مصورة وغير مصورة وهي ما كان سقطاً لا تخطيط فيه ولا تصوير ﴿ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ معناه لندلكم على مقدورنا بتصريفكم في ضروب الخلق ونبين لكم قدرتنا على الإعادة ونزيل ريبكم ﴿ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمّىً ﴾ معناه ونبقي في أرحام الأمهات ما نشاء إلى وقت تمامه وحلول أجله الذي يوضع فيه ﴿ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾ أي نخرجكم من بطون أمهاتكم وأنتم أطفال ﴿ ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ ﴾ وهو حال اجتماع العقل والقوة وتمام الخلق ﴿ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى ﴾ أي قبل بلوغ الأشد أي يقبض روحه فيموت في حال صغره أو شبابه ﴿ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ أي أسوأ العمر وأخبثه عند أهله أردأه وأحقره وأهونه وهو الهرم والخرف ﴿ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ﴾ أي لكيلا يستفيد علما وينسى ما كان به عالما ولكي يصير إلى حال ينعدم عقله أو يذهب عنه علومه لهرمه فلا يعلم شيئا مما كان علمه ذكر أنه من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة واحتج بقوله ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ أي قرؤوا القرآن ثم ذكر سبحانه دلالة أخرى على البعث فقال ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً ﴾ يعني هالكة يابسةً ميتةً دارسة من أثر النبات ﴿ فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ ﴾ وهو المطر ﴿ اهْتَزَّتْ ﴾ أي تحركت بالنبات والاهتزاز شدة الحركة في الجهات ﴿ وَرَبَتْ ﴾ أي زادت أي أضعفت نباتها وانتفخت لظهور نباتها ﴿ وَأَنبَتَتْ ﴾ يعني الأرض ﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾ أي من كل صنف ﴿ بَهِيجٍ ﴾ ذو رونق مؤنق للعين حسن الصورة واللون، فالقادر على إحياء الإنسان والأرض قادر على المعاد (2) .
 

أسباب النزول:

قال عمران بن الحصين وأبو سعيد الخدري نزلت الآيتان من أول السورة ليلا في غزاة بني المصطلق وهم حي من خزاعة والناس يسيرون فنادى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحثوا المطي حتى كانوا حول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرأها عليهم فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السرج عن الدواب ولم يضربوا الخيام والناس من بين باك أو جالس حزين متفكر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتدرون أي يوم ذاك قالوا الله ورسوله أعلم قال ذاك يوم يقول الله تعالى لآدم أبعث بعث النار من ولدك فيقول آدم من كم وكم فيقول الله عزَّ وجل من كل ألف تسعمئة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة فكبر ذلك على المسلمين وبكوا وقالوا فمن ينجو يا رسول الله فقال أبشروا فإن معكم خليقتين يأجوج ومأجوج ما كانتا في شيء إلا كثرتاه ما أنتم في الناس إلا كشعرة بيضاء في الثور الأسود أو كرقم في ذراع البكر أو كشأمة في جنب البعير ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة وإن أهل الجنة مئة وعشرون صفا ثمانون منها أمتي ثم قال ويدخل من أمتي سبعون ألفا الجنة بغير حساب.. (3) .
 

مواضيعها:

تضمنّت سورة الحج موضوع «المعاد» وإنذار الغافلين عن يوم القيامة، وجهاد الشرك والمشركين، والإعتبار بمصير الأقوام البائدة، كقوم نوح (عليه السلام)، وعاد وثمود، وقوم إبراهيم ولوط، وقوم شعيب وموسى (عليهم السلام). وتناولت مسألة الحجّ وتاريخه منذ عهد إبراهيم (عليه السلام)، ومسألة القربان والطواف وأمثالها، ومقاومة الظالمين والتصدّي لأعداء الإسلام المحاربين، ونصائح وتشجيع على أعمال الصلاة والزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتوكّل والتوجّه إلى الله تعالى، وقد سمّيت هذه السورة بـ «سورة الحجّ» لأنّ جزءاً من آياتها تحدّث عن الحجّ (4) .


(1) - مجمع البيان: بداية سورة الحجّ.
(2) - مجمع البيان: بداية سورة الحجّ.
(3) - مجمع البيان: بداية سورة الحجّ.
(4) - المصادر الأساسية مجمع البيان والأمثل وتفسير النور الثقلين.

 

  التمثيل  في القرآن


قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ (1).
 

اللغة:

الوقود ـ بفتح الواو ـ الحطب، استوقد ناراً، أو أوقد ناراً، كما يقال: استجاب بمعنى أجاب.
افتتح كلامه سبحانه في سورة البقرة بشرح حال طوائف ثلاث:

الأولى: المؤمنون، واقتصر فيهم على آيتين.
الثانية: الكافرون، واقتصر فيهم على آية واحدة.
الثالثة: المنافقون، وذكر أحوالهم وسماتهم ضمن اثنتى عشرة آية.

وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على أنّ النفاق بؤرة الخطر، وانّهم يشكلون خطورة جسيمة على المجتمع الاِسلامي، وقد مثل بمثلين يوقفنا على طبيعة نواياهم الخبيثة وما يبطنون من الكفر.
 

بيان وجه التمثيل:

بدأ كلامه سبحانه في حقهم بأنّ المنافقين هم الذين يبطنون الكفر ويتظاهرون بالإيمان: ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ ﴾.

ثمّ إنّه سبحانه يردّ عليهم، بقوله: ﴿
اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ والمراد أنّه سبحانه يجازيهم على استهزائهم.
ثمّ وصفهم بقوله ﴿
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾، أي أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، واستبدلوا الكفر بالإيمان، فلم يكونوا رابحين في هذه التجارة والاستبدال، ثمّ وصفهم بالتمثيل الآتي:

نفترض أنّ أحداً، ضلّ في البيداء وسط ظلام دامس وأراد أن يقطع طريقه دون أن يتخبّط فيه، ولا يمكن أن يهتدي ـ والحال هذه ـ إلاّ بإيقاد النار ليمشي على ضوئها ونورها ويتجنب المزالق الخطيرة، وما أن أوقد النار حتى باغتته ريح عاصفة أطفأت ما أوقده، فعاد إلى حيرته الأُولى.

فحال المنافقين كحال هذا الرجل حيث إنّهم آمنوا باديَ الأمر واستناروا بنور الإيمان ومشوا في ضوئه، لكنّهم استبدلوا الإيمان بالكفر فعمَّهم ظلام الكفر لا يهتدون سبيلاً.

هذا على القول بأنّ المنافقين كانوا مؤمنين ثمّ عدلوا إلى الكفر، وأمّا على لقول بعدم إيمانهم منذ البداية، فالنار التي استوقدوها ترجع إلى نور الفطرة الذي كان يهديهم إلى طريق الحق، ولكنّهم أخمدوا نورها بكفرهم بآيات الله تبارك وتعالى.

والحاصل: أنّ حال هؤلاء المنافقين لمّا أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر كحال من ضلَّ في طريقه وسط الظلام في مكان حافل بالأخطار فأوقد ناراً لاِنارة طريقه فإذا بريح عاصفة أطفأت النار وتركته في ظلمات لا يهتدي إلى سبيل.
 

وهذا التمثيل الذي برع القرآن الكريم في تصويره يعكس حال المنافقين في عصر الرسالة، ومقتضى التمثيل أن يهتدي المنافقون بنور الهداية فترة من الزمن ثمّ ينطفئ نورها بإذن الله سبحانه، وبالتالي يكونوا صمّاً بكماً عمياً لا يهتدون، فالنار التي اهتدى بها المنافقون عبارة عن نور القرآن، وسنّة الرسول، حيث كانوا يتشرّفون بحضرة الرسول ويستمعون إلى كلامه وحججه في بيانه ودلائله في إرشاده وتلاوته لكتاب الله، فهم بذلك كمن استوقد ناراً للهداية، فلمّـا أضاءت لهم مناهج الرشد ومعالم الحقّ تمرّدوا على الله بنفاقهم، فخرجوا عن كونهم أهلاً للتوفيق والتسديد، فأوكلهم الله سبحانه إلى أنفسهم الأمّارة وأهوائهم الخبيثة، وعمّتهم ظلمات الضلال بسوء اختيارهم.

وعلى هذا ابتدأ سبحانه بذكر المثل بقوله: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ﴾ وتمّ المثل إلى هنا.

ثمّ ابتدأ بذكر الممثل بقوله: ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ ﴾.

فإن قلت: فعلى هذا فما هو جواب ( لمّا ) في قوله: ﴿ فَلَمَّا أَضَاءَتْ ﴾ فلمّا؟ في ثوب المثل. فلننتقل إلى التمثيل السابع في سورة البقرة.
قلت: الجواب محذوف، لأجل الوجازة، وهو قوله (خمدت).

فإن قلت: فعلى هذا فبم يتعلّق قوله: ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾؟
قلت: هو كلام مستأنف راجع إلى بيان حال الممثل، وتقدير الكلام هكذا: فلَمّا أضاءَت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام متحيرين متحسّرين على فوات الضوء، خائبين بعد الكدح من إيقاد النار.

فحال المنافقين كحال هؤلاء، أشعلوا ناراً ليستضيئوا بنورها لكن: ﴿
ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ ﴾.

وبكلمة موجزة: ما ذكرنا من الجمل هو المفهوم من الآية، والاِيجاز بلا تعقيد من شؤون البلاغة (2) .

فقوله سبحانه: ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ بمعنى أنّ ذلك كان نتيجة نفاقهم وتمرّدهم وبالتالي تبدّد قابليتهم للاهتداء بنور الحقّ ﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ ﴾ أي في أهوائهم وسوء اختيارهم يتخبّطون في ظلمات الضلال، لا يبصرون طريق الحقّ والرشاد.

ترى أنّ التمثيل يحتوي على معاني عالية وكثيرة بعبارات موجزة، ولو حاول القرآن أن يبيّن تلك المعاني عن غير طريق التمثيل يلزم عليه بسط الكلام كما بسطناه، وهذا من فوائد المثل، حيث يؤدي معاني كثيرة بعبارات موجزة.

ثمّ إنّه سبحانه يصفهم بأنّهم لما عطّلوا آذانهم فهم صمّ، وعطّلوا ألسنتهم فهم بكم، وعطّلوا عيونهم فهم عمي، قال: ﴿
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾.

والمراد من التعطيل أنّهم لم يكونوا ينتفعون بهذه الأدوات التي بها تعرف الحقائق، فما كانوا يسمعون آيات الله بجدٍّ، ولا ينظرون إلى الدلائل الساطعة للنبوة إلاّ من خلال الشك (3) .

إلى هنا تمّ استعراض حال المنافقين بحال من أوقد ناراً للاستضاءة، ولكن باءت مساعيه بالفشل.

وممّا يدل على أنّ المنافقين آمنوا بالله ورسوله في بدء الأمر ثمّ طغى عليهم وصف النفاق، قوله سبحانه: ﴿ بِأَنَّهُمْ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ (4) .
وممّا يدل على أنّ الإسلام نور ينوّر القلوب والأنفس قوله سبحانه: ﴿
أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ (5).
أمّا الظلمة التي تحيط بهم بعد النفاق وتجعلهم صمـّاً بكماً عمياً، فالمراد ظلمات الضلال التي لا يبصرون فيها طريق الهدى والرشاد، يقول سبحانه: ﴿
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ (6) .
وبذلك ظهر أنّ تفسير الظلمة التي يستعقبها إطفاء النور بظلمة القبر وحياة البرزخ ومابعدها من مواقف الحساب والجزاء غير سديد، وإن كان هناك ظلمة للمنافق لكنّها من نتائج الظلمة الدنيوية.

فاستشهاد صاحب المنار على كون المراد هو ظلمة القبر والبرزخ بقوله سبحانه: ﴿
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُوراً ... ﴾ (7) ليس بأمر صحيح، والآية ناظرة إلى حياتهم الدنيوية التي يكتنفها الإيمان والنور، ثمّ تحيط بهم الظلمة والضلالة، ولا نظر للآية لما بعد الموت.
 

سؤال وإجابة:

إنّ مقتضى البلاغة هو الاِتيان بصيغة الجمع حفظاً للتطابق بين المشبّه والمشبّه به، مع أنّه سبحانه أفرد المشبّه به ﴿ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ﴾ وجمع المشبّه أعني قوله: ﴿ مَثَلُهُم ﴾ ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾، فما هو الوجه؟

أجاب عنه صاحب المنار بقوله: إنّ العرب تستعمل لفظ (الذي) في الجمع كلفظي ( ما ) و ( مَن ) ومنه قوله تعالى: ﴿ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ ﴾ (8) وإن شاع في ( الذي) الافراد، لأنّ له جمعاً، وقد روعي في قوله ﴿ اسْتَوْقَدَ ﴾ لفظه، وفي قوله ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ معناه، والفصيح فيه مراعاة التلفظ أوّلاً، ومراعاة المعنى آخرَ، والتفنّن في إرجاع الضمائر ضرب من استعمال البلغاء (9) .
 

ولنا مع هذا الكلام وقفة، وهي أنّ ما ذكره مبني على أنّ قوله سبحانه: ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ ﴾ في تتمة المثل، وأجزاء المشبه به، ولكنّك قد عرفت خلافه، وانّ المثل تمّ في قوله: ﴿ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ﴾، وذلك بحذف جواب (لمّـا)، لكونه معلوماً في الجملة التالية،وهو عبارة عن إخماد ناره فبقى في الظلام خائفاً متحيّراً.
 

وإلاّ فلو كان قوله ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ من أجزاء المشبّه به، وراجعاً إلى مَن استوقد ناراً، يلزم أن تكون الجملة التالية أعني قوله: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾ كذلك، أي من أوصاف المستوقد، مع أنّها من أوصاف المنافق دون أدنى ريب، ولو أردنا أن نصيغ المشبه والمشبه به بعبارة مفصّلة، فنقول: لمشبه به: الذي استوقد ناراً فلمّا أضاءت ما حوله أطفأت ناره، والمشبه: المنافقون الذين استضاؤوا بنور الإسلام فترة ثمّ: ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾.
 

وأمّا وجه الافراد، فهو أنّه إذا كان التشبيه بين الأعيان فيلزم المطابقة، لأنّ عين كلّ واحد منهم غير أعيان الآخر، ولذلك إنّما يكون التشبيه بين الأعيان إذا روعي التطابق في الجمع والإفراد، يقول سبحانه: ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ (10) ، وقوله: ﴿ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ (11) . أمّا إذا كان التشبيه بين الأفعال فلا يشترطون التطابق لوحدة الفعل من حيث الماهية والخصوصيات، يقال في المثل: ما أفعالكم كفعل الكلب. أي ما أفعالكم إلاّ كفعل الكلب.
 

وربما يقال: إنّ الموصول (الذي) بمعنى الجمع، قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ (12) (13) .


(1) - لاحظ الكشاف: ج1، ص153.
(2) - انظر مجمع البيان: ج1، ص54، آلاء الرحمن: ج1، ص73.
(3) - سورة المنافقون، الآية: 3.
(4) - سورة الزمر، الآية: 22.
(5) - سورة البقرة، الآية: 257.
(6) - سورة الحديد، الآية: 13.
(7) - سورة التوبة، الآية: 69.
(8) - تفسير المنار: ج1، ص169.
(9) - سورة المنافقون، الآية: 4.
(10) - سورة الحاقة، الآية: 7.
(11) - سورة الزمر، الآية: 33.
(12) - انظر التبيان في تفسير القرآن: ج1 ص86.
(13) - سورة البقرة، الآيات: 14 – 18.

 


 

سؤال: ما هو حكم الحمد أو التسبيحات الأربع في الركعتين الأخيرتين؟
الجواب: يجب قراءة الحمد أو التسبيحات إخفاتاً سواء الرجل والمرأة، ولكن يجوز الجهر بالبسملة لو قرأ فيها الحمد في صلاة الفرادى وإن كان الأحوط استحباباً الإخفات بها، وهذا الاِحتياط واجب في صلاة الجماعة.

سؤال: هل يجب على الرجال قراءة الحمد والسورة جهراً في أوليي الصبح والمغرب والعشاء؟
الجواب: يجب على الرجال قراءة الحمد والسورة جهراً في أوليي الصبح والمغرب والعشاء، ويجب عليهم الإخفات بهما في الأوليين من الظهر والعصر، وأمّا النساء فيجب عليهنَّ الإخفات بالحمد والسورة في الظهر والعصر، وأمّا في الصبح والمغرب والعشاء فيتخيّرن بين الجهر والإخفات مع عدم الأجنبي، وأمّا مع وجود الأجنبي الذي يسمع صوتهن فالأفضل لهنّ الإخفات.

سؤال: هل يجب على الرجال والنساء في الأخيرتين من الصلاة الإخفات بالحمد أو التسبيحات؟
الجواب: يجب على الرجال والنساء في الأخيرتين من الصلاة الإخفات بالحمد أو التسبيحات، نعم لو قرأ الحمد جاز له في الصلاة الفرادى الجهر بالبسملة وإن كان الاحوط استحباباً الاخفات بها وهذا الاحتياط واجب في الصلاة جماعة.

سؤال: متى يجب الجهر؟ ومتى يجب الاخفات؟
الجواب: وجوب الجهر في صلاة الصبح والمغرب والعشاء، ووجوب الاخفات في صلاتي الظهر والعصر، إنّما هو في خصوص قراءة الحمد والسورة، كما أنّ وجوب الإخفات فيما سوى الأوليين من ركعات صلاتي المغرب والعشاء إنّما هو في خصوص قراءة الحمد أو التسبيحات في الأخيرتين، وأمّا في ذكر الركوع والسجود وكذا التشهّد والتسليم وسائر الأذكار الواجبة في الصلوات الخمس فالمكلّف مخيّر فيها بين الجهر والإخفات.

سؤال: هل هناك فرق في وجوب الجهر والإخفات في الصلوات الواجبة بين صلاتي الأداء والقضاء؟
الجواب: لا فرق في وجوب الجهر والإخفات في الصلوات الواجبة بين صلاة الأداء وصلاة القضاء، حتّى وإن كانت احتياطية.

سؤال: ما هو الميزان في الاخفات؟
الجواب: ليس الميزان في الإخفات هو ترك جوهر الصوت، بل الملاك هو عدم إظهار جوهر الصوت في مقابل الجهر الذي هو إظهار جوهر صوت (1) .


(1) - استفتاءات قرآنيَّة: إصدار جمعية القرآن الكريم.

 

  علوم قرآنية

الإعجاز والتحدّي في القرآن

 

يشغل الإعجاز والتحدّي في القرآن الكريم الباحثين والعلماء في الدراسات الإسلامية، قديماً وفي هذه الأيام، أكثر من أي وقت مضى، فلا بدّ من تسليط الضوء على ذلك.
 

تعريف الإعجاز لغة:

ذكروا لهذه الكلمة ثلاثة معانٍ في اللغة هي: الفوت، والعجز، والتعجيز.

جاء في القاموس: أعْجَزَ الشيءُ: فاته وفلاناً: وجَدَه عاجزاً وصيّره عاجزاً.

أعْجَزَ في الكلام: أدّى معانيه بأبلغ الأساليب.

قال الراغب في المفردات: العجز أصله التأخير عن الشيء وحصوله عند عجز الأمر، أي: مؤخرته، كما ذُكِر في الدُبُر، وصار من التعارف أسماء للقصور عن فعل الشيء، وهو ضدّه القدرة.

ومراده من هذا البيان أنَّ معنى العجز هو التأخّر، ولكن بما أنَّ الضعفاء وغير القادرين يتأخّرون عادة عن الآخرين ويأتون وراءهم، لهذا صارت هذه الكلمة تستخدم كمرادف للضعف.
 

الإعجاز والمعجزة إصطلاحاً:

المعجزة: الأمر الخارق للعادة، المطابق للدعوى المقرون بالتحدّي (1) .

هذا البيان الذي يقدّمه الطُريحي هو التعريف الاصطلاحي للإعجاز والمعجزة.

قال آية الله السيد الخوئي (قدس سره) في تعريف الإعجاز: وهو في الاصطلاح أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهية بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره، شاهداً على صدق دعواه (2).
 

أفضل المعجزات (فلسفة تنوّع المعجزات):

جاءت في كتاب الأصول من الكافي في رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أنّه سُئِل عن سبب اختلاف المعجزات بين الأنبياء مثل النبي موسى (عليه السلام)، والنبي عيسى (عليه السلام)، والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: إنَّ سبب هذا الاختلاف يعود إلى تغلّب الأنبياء على الفنون الشائعة في عصرهم (3).

في عصر ظهور الاسلام كانت فنون الأدب بلغت ذروتها بين العرب وكانوا يختارون الأكثر فصاحة وبلاغة من خطبائهم وأدبائهم ويكرمونهم ويسمّون أحدهم سيد البيان، ويقيمون الأسواق لعرض البديع من أشعارهم، ويبلغ بهم التقدير مرحلة أنهم يكتبون بماء الذهب أفضل سبعة قصائد من أشعارهم ويعلّقونها على الكعبة، وبرز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المنازلة بسلاح حيّر سادة البيان، فهو يعرض لهم شيئاً بذات الصيغة والبناء الذي كانوا يعتبرون أنفسهم قد فاقوا الدهر فيه.

نعم إنَّ أعظم معجزة جاء بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الكتاب.

كانت معجزات الأنبياء والمعجزات الأخرى لنبيّنا –عدا القرآن– تأتي في إطار زمان ومكان خاص ولهذا لم تكن ملموسة في زمان ومكان آخر، إلّا أنَّ القرآن الذي هو نوع من البيان، وهو بيان العزيز الحكيم –الذي جاء لهداية وتربية الإنسان– يتميّز بخصائص الخلود والبقاء إضافة إلى صفة الإعجاز.
 

التحدّي:

نزل القرآن بصفته سنداً لنبوّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمصدر الأساسي لهداية الأمّة، وكان نزوله في برهة من الزمان، وفي بقعة من العالم بلغت فيها الفصاحة كمالها بين العرب، وكانت الحجاز مهداً لظهور أشهر الأدباء والشعراء والخطباء وأرباب الفصاحة والأدب العربي، في بداية الأمر كان جماعة من منكري القرآن يتوهّمون بأنَّه ليس إلّا مجموعة أساطير، ويظنون أنهم لو شاؤوا لاستطاعوا الإتيان بمثله، كما عبر القرآن: ﴿ لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ (4) . أو أنهم كانوا يقولون: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ (5) أو: ﴿ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ﴾ (6) . في مثل ذلك الزمان والمكان تحدّاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن.
 

لم يأت ذلك التحدّي انطلاقاً من موضع انفعالي، بل جاء بحزم وصلابة لا مثيل لهما، وبما أنَّه استهدف أبرز ميزة ومفخرة عند العرب (أي فصاحتهم وبلاغتهم) فقد كان مثيراً ومحفّزاً للغاية؛ لأنَّ عدم استجابتهم للتحدي القرآني، أو الاستجابة الفاشلة، لم تكن لتؤدّي سوى إلى فقدان أبّهتهم ومكانتهم المتميّزة، والأعجب من ذلك أنَّ ذلك التحدّي لم يكن موجّهاً إلى أهالي شبه الجزيرة العربيَّة والعرب وحدهم، بل جاء التحدي الأوّل كما يلي: ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ (7) .
 

آيات التحدّي في القرآن:

جاءت آيات التحدّي في القرآن على نحوين:

أ- التحدّي بشكل عام وكلّي.
ب- التحدّي بشكل خاص وجزئي.

التحدي من النوع الأوّل: نورد فيما يلي الآيات حسب ترتيب نزولها:

1- ﴿
قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ (8) .
2- ﴿
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ (9) .
3- ﴿
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ (10) .
4- ﴿
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ ﴾ (11) .
5- ﴿
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾(12) (13) .

وسيأتي باقي الكلام حول آيات التحدي في عدد آخر إن شاء الله تعالى.


(1) - مجمع البحرين، مادة عجز.
(2) - البيان: ص 33.
(3) - مصطفى الخميني (قدس سره)، تفسير القرآن الكريم: ج4، ص94.
(4) - سورة الأنفال، الآية: 31.
(5) - سورة المدّثر، الآية: 25.
(6) - سورة الأنعام، الآية: 91.
(7) - سورة الإسراء، الآية: 88.
(8) - سورة الإسراء، الآية: 88.
(9) - سورة يونس، الآية: 38.
(10) - سورة هود، الآية: 13.
(11) - سورة الطور، الآيتان: 33 – 34.
(12) - سورة البقرة، الآيتان: 23– 24.
(13) - دروس في علوم القرآن الكريم: (إصدارات جمعية القرآن الكريم).

 

  مناهج التفسير

التفسير والتأويل
 

التفسير لغة واصطلاحا:

أ- لغة: التفسير من فَسَرَ، بمعنى أبان وكشف. ويقال «فسّر» للدلالة على التكثير، تنزيلاً لما يعانيه المفسّر من كدّ الفكر لتحصيل المعاني الدقيقة.
ب-اصطلاحاً: هو: إزاحة الإبهام عن اللفظ القرآني المشكل، أي المشكل في إفادة المعنى المقصود، أو الكشف عن الإبهام في الجُمل والكلمات القرآنية، وتوضيح مقاصدها وأهدافها.
 

ما هي الحاجة إلى علم التفسير؟

لقد أوضح القرآن الكريم بأنه جاء إلى الناس ليكون بنفسه أحسن تفسيراً: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾ (1) ، وأنزل من أجل هداية الناس: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ ﴾ (2) ، ونوراً وموعظة لهم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ﴾ (3) ، ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ (4) ، وتبياناً لكلّ شيء ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾ (5) .
 

وللإجابة عن السؤال الذي تقدم نشير إلى ما يلي:

1- عندما نقرأ كلام الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزلت عليه الصلاة ولم يُسمَّ لهم ثلاثاً، ولا أربعاً، حتّى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الّذي فسّر لهم ذلك»(6). يعني ذلك أنّ القرآن الكريم جاء تشريعاً للأصول والمباني، وأَجْمَلَ في البيان إيكالاً إلى تبيين النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تفاصيل ما نُزّل إليهم. كما أنَّ القرآن الكريم يحتوي على معانٍ دقيقة ومفاهيم رقيقة، مثل أسرار الخليقة والوجود وصفاته تعالى، وهي فوق مستوى البشرية آنذاك، فكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم بتبيينها وشرحها وبيان تفاصيلها.

2- القرآن الكريم يشتمل على بيان حوادث غابرة وأمم خالية، جاء ذكرها لأجل العظة والاعتبار إلى جنب عادات جاهلية كانت معاصرة، عارضها وشدّد النكير عليها، مثل نهيه عن دخول البيوت من ظهورها (7) ، ومسألة النسيء (8) ... فقطعها من جذورها. وكل هذه الأمور جاءت مجملة بحاجة إلى شرح وبيان لا تتمّ إلّا من خلال التفسير بالمأثور.

3- القرآن الكريم جاء فيه كلمات عربية فصيحة وبليغة ولكنها غريبة صعبة الفهم على عامة الناس، فكانت بحاجة إلى شرح وبيان وتفسير. ومن هنا قال الراغب في المفردات: فالتفسير إمّا أن يستعمل في غريب الألفاظ نحو: «البحيرة» و«السائبة» و«الوصيلة» أو في وجيز كلام يبيّن ويشرح، لقوله: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ (9) أو في كلام مضمّن بقصّة لا يمكن تصوّره إلّا بمعرفتها، نحو قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ﴾ (10) وقوله: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ﴾ (11) .

التأويل:

المحقّقون والمفسّرون اهتموا كثيراً في توضيح معنى التأويل منذ عهد بعيد، وقيل فيه كلام كثير. وجاءت لفظة التأويل سبع عشرة مرّة في القرآن، إحداها عند تقسيم آيات القرآن إلى مُحْكم ومتشَابَه؛ أي في الآية السابعة من سورة آل عمران، يقول الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ ﴾ (12) ففي هذه الآية يُبيّن الله تعالى أنّ من في قلوبهم زيغ يتّبعون الآيات المتشابهة طلباً للفتنة ورغبة في تأويل المتشابه.

وهنا نبين فوائد مهمّة، وهي:

أ- معنى التأويل:

في اللغة: التأويل من الأَوْل، وهو الرجوع إلى حيث المبدأ؛ فتأويل الشيء إرجاعه إلى أصله وحقيقته، فكان تأويل المتشابه توجيه ظاهره إلى حيث مستقرّ واقعه الأصيل.

والتشابه قد يكون في كلام إذا أوجب ظاهر تعبيره شبهةً في نفس السامع، أو كان مثاراً للشبهة. وقد يكون التشابه في عمل كان ظاهره مريباً، كما في أعمال قام بها صاحب النبيّ موسى (عليه السلام)، بحيث لم يستطع النبيّ موسى (عليه السلام) الصبر عليها دون استجوابه، والسؤال عن تصرّفاته تلك المريبة!

ب- استخدامات التأويل في القرآن الكريم:

جاء استخدام لفظ «التأويل» في القرآن على أربعة وجوه:

1-تأويل المتشابه: يعني توجيهه حيث يصحّ ويقبله العقل والنقل، إمّا في متشابه القول، كما في قوله تعالى: ﴿
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ (13) أو في متشابه الفعل، كما في قوله: ﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ (14)، ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ (15).
2- مآل الأمر وعاقبته: يعني ما ينتهي إليه الأمر في نهاية المطاف، قال تعالى: ﴿
وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ (16)، أي أحسن عاقبة وأَعوَد نفعاً.
3- تعبير الرؤيا: وقد جاء -في سورة يوسف في سبعة مواضع - متكرّراً. قال تعالى: ﴿
وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ (17) .
4- المراد الواقعي والحقيقي من الآية: وهو ما يعبّر عنه ببطن القرآن، ولا يعتمد التأويل على ظاهر اللفظ ولا على القرائن اللفظية، ومن هنا كان خطاب النبي يوسف (عليه السلام): ﴿
هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ﴾ (18) فإن تفسير الرؤيا أنّه رأى أحد عشر كوكباً ورأى الشمس والقمر كل ذلك رآه ساجداً له، ولكن بعد مرور الزمن والابتلاءات تمّ تأويل هذه الرؤيا بما لا يظهر من الألفاظ المستعملة في آية الرؤيا، سئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن الحديث المتواتر عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من آية إلا ولها ظهر وبطن»، فقال: «ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما قد مضى ومنه ما لم يجئ، يجري كما تجري الشمس والقمر، كلما جاء شيء منه وقع» (19). وقال: «ظهر القرآن: الذين نزل فيهم، وبطنه: الذين عملوا بمثل اعمالهم» (20)، واضاف (عليه السلام): «ولو أن الآية اذا نزلت في قوم، ثم مات أولئك القوم، ماتت الآية، لما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض، ولكل قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شر» (21).

الفرق بين التفسير والتأويل:

كان التأويل في استعمال السلف -(كأبي جعفر الطبري في «جامع البيان») - مترادفاً مع التفسير. لكنّه في مصطلح المتأخّرين جاء متغايراً مع التفسير، فالتفسير هو: رفع الإبهام عن اللفظ المشكل، فمورده: إبهام المعنى بسبب تعقيد حاصل في اللفظ. وأمّا التأويل: فهو دفع الشبهة عن المتشابه من الأقوال والأفعال، فمورده حصول شبهة في قول أو عمل، أوجبت خفاء الحقيقة (الهدف الأقصى أو المعنى المراد) فالتأويل إزاحة هذا الخفاء.

فالتأويل هو: بيان المراد الحقيقي للآية التي لا تفهم من خلال الألفاظ، والتي تكون بعيدة عن القرائن اللفظية الظاهرة، والتفسير: يكون برفع الخفاء بالاعتماد على الظاهر من اللفظ والقرائن، بينما التأويل يكون بيان المعنى الحقيقي والواقعي من دون ذلك الاعتماد.

التأويل عند العلامة الطباطبائي (قدس سره):

قال العلّامة الطباطبائي (قدس سره): «فسّر قوم من المفسّرين التأويل بالتفسير وهو المراد من الكلام... وقالت طائفة أخرى أنّ المراد بالتأويل هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ... وهذا المعنى هو الشائع عند المتأخّرين كما أنّ المعنى الأوّل هو الّذي كان شائعاً بين قدماء المفسّرين...»(22) واستنتج العلّامة بعد ذكره وتفنيده لكلِّ الآراء، ما يلي:

«إنّ الحقّ في تفسير التأويل أنّه الحقيقة الواقعية الّتي تستند إليها البيانات القرآنية من حكم أو موعظة أو حكمة، وأنّه موجود لجميع الآيات القرآنية محكمها ومتشابهها، وأنّه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ، بل هي من الأمور العينيّة المتعالية من أن يُحيط بها شبكات الألفاظ، وإنّما قيّدها الله تعالى بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب فهي كالأمثال تُضرب ليقرب بها المقاصد وتوضح بحسب ما يناسب فهم السامع...، ولم يستعمل القرآن لفظ التأويل... إلّا في المعنى الّذي ذكرناه»(23). ومن الشواهد على هذا الاستخدام لكلمة التأويل ما ورد في قصّتي «موسى والخضر» و»يوسف» وما شابه ذلك.

ففي قصّة النبيّ يوسف (عليه السلام): ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ (24). وبعد مضي سنوات طويلة وحوادث كثيرة، جاء تأويل هذه الرؤيا في السورة بالشكل التالي: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ﴾ (25). فما رآه النبيّ يوسف (عليه السلام) في الرؤيا يعود إلى سجود أبيه وأمّه وإخوته، وهذا التأويل والرجوع من قبيل رجوع المثال إلى الممثّل والواقع الخارجي.

هل يعلم التأويل غير اللّه؟

يثار السؤال المذكور في ضوء ما ورد في الآية السابعة من سورة آل عمران: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ ﴾ . فقد وقع خلاف مهمّ حتّى في قراءة الآية وتلاوتها، وهو حسب قول بعضهم أهمّ اختلاف في القراءات وأعمقه معنى في القرآن كلّه. ويدور الاختلاف حول الوقف أو عدمه بعد كلمة «الله» في الآية الشريفة: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾. فالقول بالوقف يعني أنّ علم التأويل عند الله وحده، وأما القول بالعطف فمعناه أنّ علم التأويل ليس لله وحده، وإنّما الراسخون في العلم لديهم علم بالتأويل أيضاً. يعتقد العلّامة الطباطبائي (قدس سره) أنّ العلم بالتأويل لا يختصّ بالله تعالى وذلك استناداً إلى أدلّة من الآيات والروايات.
 

فمن الآيات القرآنيّة:

﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ (26) ولا شبهة في ظهور الآية في أنّ المطّهرين من عباد الله يمسّون القرآن الكريم، وهم آل البيت (عليهم السلام): ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ (27) .

ومن الروايات:

عن بريد بن معاوية قال: «قلت للباقر (عليه السلام): قول الله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ قال: يعني تأويل القرآن كلّه إلّا الله والراسخون في العلم، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد علّمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله منزلاً عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه، فقال الذين لا يعلمون: ما نقول إذا لم نعلم تأويله؟ فأجابهم الله: ﴿ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾ (28) .

وعن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: « ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ نحن نعلمه» (29) .
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «نحن الراسخون في العلم، فنحن نعلم تأويله» (30) .
 

خلاصة الكلام:

التأويل في اللغة: الأوْل، وهو الرجوع إلى حيث المبدأ. والتشابه قد يكون في الكلام وقد يكون في العمل.
-التأويل في القرآن الكريم على أربعة وجوه: تأويل المتشابه، تعبير الرؤيا، مآل الأمر وعاقبته، والمعنى الرابع المفهوم العام المأخوذ من الآية الواردة بشأن خاص.
-الفرق بين التفسير والتأويل: كان التأويل في استعمال السلف مترادفاً مع التفسير، ولكنّه عند المتأخّرين يعني المعنى المخالِف لظاهر اللفظ.
-عند العلّامة الطباطبائي التأويل ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ بل هي من الأمور المتعالية من أن يحيط بها الألفاظ، فهي كالأمثال تُضرب ليقرب بها المقاصد.
-اختلف المفسِّرون في أنّه هل يعلم التأويل غير الله تعالى، من حيث اختلافهم في علامة الوقف على كلمة الله في قوله تعالى: ﴿
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾، ولكن العلّامة الطباطبائي (قدس سره) استدلّ من غير هذه الآية بغضّ النظر عن الخلاف في علامة الوقف بآيات أخرى وروايات، على إمكانية أن يعلم غير الله التأويل، بالإضافة إلى أنّ هناك دليلاً عقليّاً.


(1) - سورة الفرقان، الآية: 33.
(2) - سورة الجاثية، الآية: 20.
(3) - سورة النساء، الآية 174.
(4) - سورة آل عمران، الآية 138.
(5) - سورة النحل، الآية: 89.
(6) - الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني، تحقيق: علي أكبر الغفّاري: ج 1، ص 286، دار الكتب الإسلامية، 1986م.
(7) - سورة البقرة، الآية: 189.
(8) - سورة التوبة، الآية: 37.
(9) - سورة المائدة، الآية: 103، والبحيرة هي الناقة إذا ولدت عشرة أبطن، شقّوا أذُنها وتركوها، فلا تُركب ولا يُحمل عليها، والسائبة: إذا ولدت خمسة أبطن، تسيّب في المرعى، فلا تردّ عن حوض ولا كلاء، والوصيلة: إذا ولدت الشاة توأمين ذكراً وأنثى، فلا يُذبح الذكر، ويقال وصلت أخاها فيتركونها لأجلها.
(10) - سورة التوبة، الآية: 37.
(11) - سورة البقرة، الآية: 189.
(12) - المحكم هو ما لا يحتمل إلّا معنى واحد، والمتشابه ما يحتمل وجوهاً متعدّدة، وعرّف الشيخ الطوسي المحكم بأنه: ما أنبأ لفظه عن معناه من غير اعتبار أمر ينضمّ إليه.. والمتشابه: ما كان المراد به لا يُعرف بظاهره بل يحتاج إلى دليل، وذلك ما كان محتملاً لأمور كثيرة أو أمرين، ولا يجوز أن يكون الجميع مراداً فإنّه من باب المتشابه، وإنّما سمّي متشابهاً لاشتباه المراد منه بما ليس بمراد. التبيان، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 9.
(13) - سورة آل عمران، الآية: 7.
(14) - سورة الكهف، الآية: 78.
(15) - سورة الكهف، الآية: 82.
(16) - سورة الإسراء، الآية: 35.
(17) - سورة يوسف، الآية: 6.
(18) - سورة يوسف، الآية: 100.
(19) - بحار الأنوار: ج89 ط بيروت، ص 94، رقم 47 و 46.
(20) - المصدر نفسه،ص 97،رقم 64.
(21) - تفسير العياشي: ج1، ص 10 رقم 7.
(22) - تفسير الميزان: العلّامة الطباطبائي، ج 3، ص 44 و49، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، ط 2، 1391هـ.
(23) - م.ن، ج 3، ص 49.
(24) - سورة يوسف، الآية: 4.
(25) - سورة يوسف، الآية: 100.
(26) - سورة الواقعة، الآيات: 77ـ 79.
(27) - سورة الأحزاب، الآية: 33. انظر: تفسير الميزان، العلّامة الطباطبائي، ج 3، ص 55.
(28) - تفسير العياشي: مصدر سابق، ج1، ص293، الحديث رقم: 646.
(29) - م.ن، الحديث: 647.
(30) - م.ن، الحديث 648.

 

   قصص قرآنية

قصّة النبي أيّوب (عليه السلام)
في القرآن والسنة


1 - قصته في القرآن: لم يذكر من قصته في القرآن إلا ابتلاؤه بالضر في نفسه وأولاده، ثم تفريجه تعالى بمعافاته وإيتائه أهله ومثلهم معهم رحمة منه وذكرى للعابدين قال سبحانه: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ (1). وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ (2).
 

2 - جميل ثنائه: ذكره تعالى في زمرة الأنبياء من ذرية إبراهيم (عليهم السلام) في سورة الأنعام وأثنى عليهم بكل ثناء جميل قال تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ (3) وذكره في سورة ص فعده صابرا ونعم العبد وأوابا (4).
 

3 - قصته في الروايات: في تفسير القمي: حدثني أبي عن ابن فضال عن عبد الله بن بحر عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت؟ قال: لنعمة أنعم الله عزَّوجل عليه بها في الدنيا وأدى شكرها، وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس دون العرش فلما صعد ورأى شكر نعمة أيوب حسده إبليس، فقال: يارب ! إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا، ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا، فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لم يؤد إليه شكر نعمة أبدا، فقيل له: قد سلطتك على ماله وولده. قال: فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا إلا أعطبه، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا، وقال: فسلطني على زرعه يا رب، قال: قد فعلت، فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا، فقال: يارب سلطني على غنمه فأهلكها، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا، فقال: يا رب سلطني على بدنه، فسلطه على بدنه ماخلا عقله وعينيه، فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه. فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمدالله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود، فكانت تخرج من بدنه فيردها فيقول لها: ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه، ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية. وكانت امرأته رحمة بنت أفراييم بن يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام) وعليها يتصدق من الناس وتأتيه بما تجده. قال: فلما طال عليه البلاء ورأى إبليس صبره أتى أصحابا لأيوب كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم: مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته، فركبوا بغالا شهبا وجاؤوا، فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه، فنظر بعضهم إلى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن، فقعدوا إليه فقالوا: يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله يهلكنا إذا سألناه، وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره. فقال أيوب: وعزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاما إلا ويتيم أو ضعيف يأكل معي، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة الله إلا أخذت بأشدهما على بدني، فقال الشاب: سوءة لكم عيرتم نبي الله حتى أظهر من عبادة ربه ماكان يسترها. فقال أيوب: يارب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي، فبعث الله إليه غمامة فقال: يا أيوب أدل بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم، وها أنا ذا قريب ولم أزل. فقال: يا رب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي، ألم أحمدك؟ ! ألم أشكرك؟ ! ألم اسبحك؟ !. قال: فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان: يا أيوب من صيرك تعبدالله والناس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون؟ أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك؟ قال: فأخذ التراب ووضعه في فيه ثم قال: لك العتبى يا رب، أنت فعلت ذلك بي. فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرأ، وأنبت الله عليه روضة خضراء، ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه، وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه. فأقبلت امرأته معها الكسرة (5) فلما انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغير وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت: يا أيوب ما دهاك؟ فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمه سجدت لله شكرا، فرأى ذؤابتها مقطوعة وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام - وكانت حسنة الذوائب - فقالوا لها: تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك؟ فقطعتها ودفعتها إليهم وأخذت منهم طعاما لأيوب، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مائة، فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت، فاغتم أيوب من ذلك فأوحى الله عزوجل إليه: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ﴾، فأخذ عذقا مشتملا على مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه. أقول: وروي عن ابن عباس ما يقرب منه، وعن وهب أن امرأته كانت بنت ميشا بن يوسف، والرواية - كما ترى - تذكر ابتلاءه بما تتنفر عنه الطباع، وهناك من الروايات ما يؤيد ذلك، لكن بعض الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ينفي ذلك وينكره أشد الإنكار كما يأتي. وعن الخصال: القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن جعفربن محمد عن أبيه (عليهم السلام) قال: إن أيوب (عليه السلام) ابتلي سبع سنين من غير ذنب، وإن الأنبياء لايذنبون لأنهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً. وقال: إن أيوب من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة، ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا تدود شيء من جسده، وهكذا يصنع الله عزَّ وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه. وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. وإنما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه، وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله على ضربين: استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه، وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء وسعادة لمن شاء، وهو عزَّوجل في جميع ذلك عدل في قضائه، وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة لهم إلا به. وفي تفسير القمي - في قوله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ...﴾ الآية - قال: فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء، ورد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء، كلهم أحياهم الله له فعاشوا معه. وسئل أيوب بعد ما عافاه الله: أي شيء كان أشد عليك مما مر؟ فقال: شماتة الأعداء. وفي المجمع - في قوله تعالى: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ ... ﴾ الآية -: قيل: إنه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس، فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم، فكان أيوب يتأذى بذلك ويتألم به، ولم يشك الألم الذي كان من أمر الله سبحانه. قال قتادة: دام ذلك سبع سنين، وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6) .

دروس وعبر:

1- نستفيد منها أن الابتلاء سنة الله في أوليائه المؤمنين: علينا أن نعلم أنَّ البلاء ليس علامة على هوان العبد على ربه بل البلايا والمحن للمؤمن تطهير وتزكية، ومنح وعطية وليست العافية مِن البلاء علامة على الكرامة، يقول تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ إن معدن الإنسان العظيم يتجلى لدى الشدائد والملمات وتواتر الفتن والضغوط التي تخلقها ظروف الحياة.. تماماً كما الذهب الذي يتجلى نقاؤه وخلوصه بتعريضه للنار، بينما تتلاشى المعادن الواطئة وتتبدل وتفقد ما كان يعتبر خواص ذاتية لها في السابق.

2- نستفيد موعظة وقدوة في الصبر والرضا بقضاء الله: صبر النبي أيوب (عليه السلام) على البلاء كان طلبًا للدرجات العلى وهو أعظم عطية، فالصابرون هم أهل ذكر الله في الملأ الأعلى وأهل رحمته وهدايته: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ . والصابرون أهل محبة الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾. ولهم أجر غير ممنون: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾. وهم الفائزون: ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُواْ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ .

3- نتعرّف على أهمية وفضل الدعاء: فالنبي أيوب (عليه السلام) كان يدعو ربه صابرًا متذللا مفتقرا: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ (الأنبياء:83)، والله سبحانه سميع مجيب يجيب الصادقين: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ﴾.

4- مما نستفيده الجزاء بالصبر والتوكل على الله: النبي أيوب (عليه السلام) رمزٌ للصبر: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾. وكذلك امرأة أيوب (عليه السلام) لما أحسنت؛ جعل الله لها مِن أمرها مخرجًا: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾، هذه من الدروس التي نتعلمها من هذه القصة.


(1) - سورة الأنبياء، الآيتان: 83 – 84.
(2) - سورة ص، الآيات: 41 – 44.
(3) - سورة الأنعام، الآيات: 84 – 90.
(4) - سورة ص، الآية: 44.
(5) - الكسرة القطعة من الخبز.
(6) - الميزان: ج17، ص212.

 

   القرآن في نهج البلاغة

الْكِتَابِ الْمَسْطُورِ
بقَلَمِ النُّور

 

«وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاَصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الْإِيمَانِ وَفَاتِحَةُ الْإِحْسَانِ وَمَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ وَالنُّورِ السَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اللاَّمِعِ وَالْأَمْرِ الصَّادِعِ إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ وَاحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ وَتَحْذِيراً بِالْآيَاتِ وَتَخْوِيفاً بِالْمَثُلاَتِ...».
 

«وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ» هذه الكلمة أشرف كلمة نطق بها في التّوحيد، وقد ورد لهذه الكلمة الطيبة فضائل كثيرة في أخبار أهل العصمة (عليهم السلام)، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، لأنّ اللّه عزّ وجل لا يعد له شيء ولا يشركه في الأمر أحد (1).
 

«شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاَصُهَا» أي مختبرا كونها مخلصا، يعني أنّه (عليه السلام) اختبر قلبه في إخلاص هذه الشّهادة فوجده عريا عن شبهة الباطل وخالصا عن شوائب الشّرك، عن الإمام الصّادق (عليه السلام): من قال: «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» مخلصا دخل الجنّة، وإخلاصه بها أن يحجزه (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) عمّا حرّم اللّه (2).

«
مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا» أى خالصها، يعني أنّ هذه الشّهادة صادرة عن صميم القلب، والقلب مطابق فيها للّسان ومذعن بخلوصها، إخلاصا يتفق فيه السر مع الإعلان، والقلب مع اللسان، وبالجملة ففي توصيف الشّهادة بهذين الوصفين إشارة إلى كونها في مرتبة الكمال وأنّها خالصة مخلّصة، وهذه المرتبة هي المطلوبة في باب التّوحيد، وإلاّ فالشّهادة الصّادرة عن محض اللّسان إنّما تطهر جلد الانسان ولا يترتّب عليها ثمرة في الآخرة وأمّا الصّادرة بالإخلاص فهي الشّهادة في الحقيقة. ولذلك قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه في التّوحيد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): رأيت أشهد أن لا إله إلاّ اللّه كلمة عظيمة كريمة على اللّه عزّ وجلّ، من قالها مخلصا استوجب الجنّة ومن قالها كاذبا عصمت ماله ودمه وكان مصيره إلى النّار. وقد شهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام) بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي» (3) . وأنبأ به (عليه السلام) عن نفسه في قوله: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» (4) .

«
نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا» لكونها عروة وثقى لا انفصام لها، ولا يعرف التاريخ ولا الإنسانية أحدا بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) استمسك بلا إله إلا اللّه كما استمسك بها علي والحسن والحسين وأبناؤه المعصومين (عليهم السلام)، فقد كانت منهم العقل والقلب، واللحم والدم، والمال والأهل، وما عداها ورقة في فم جرادة، والشاهد الذبح والنحر من أجل لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه.

«
وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا» لأنّها أنس للمؤمن في حياته وفي مماتة وحين يبعث، فهي أعظم ذخيرة لأهوال الآخرة وشدايدها، وسبيل للنجاة من عذاب يوم القيامة، وفي خبر سلسلة الذهب عن الرضا (عليه السلام) قال اللّه عزّ وجلّ: من جاء منكم بشهادة (ألاّ إله إلاّ اللّه) بالإخلاص دخل في حصني، ومن دخل في حصني أمن من عذابي (5).

«
فَإِنَّهَا» أي: الشهادة عن الإخلاص.

«
عَزِيمَةُ اَلْإِيمَانِ» أي عقيدتها وممّا يجب للمؤمن أن يعقد قلبه عليها، ولا رخصة لأحد في تركها، قال تعالى: ﴿ ... لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ... ﴾ (6).

«
وَفَاتِحَةُ الْإِحْسَانِ» المراد بالإحسان هو التّوحيد وأصول الشريعة وفاتحة إحسان العبد شهادته الخالصة بواحدانية ربّه، ويدلّ على صحّة إطلاقه بذلك ما روي عن عليّ (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ قال: عليّ (عليه السلام): ما جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلاّ الجنّة، هذا ويحتمل أن يكون الفاتحة وصفا من الفتح ضدّ الغلق فالإضافة لاميّة، وهذا هو الأظهر والمعنى أنّ الشّهادة باعثة لفتح أبواب الإحسان والإنعام وأنّها مفتاح لها، إذ بها يستحقّ العبد للفيوضات الأبدية والنّعم السرمديّة.
 

«وَمَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ» وذلك واضح لأنّها محصّلة لمرضاته تعالى ورضائه ورضوانه ومعدّة للخلد في جنانه. وفي الحديث القدسي: طوبى لمن قال من أمّتك: «لا إله إلاّ اللّه وحده» مخلصا (7) .
 

«وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ» أي: مطردته ومبعدته. وذلك أيضا واضح لأنّ مقصود اللّعين هو الإضلال والإغواء والكفر، والشّهادة بالإخلاص زاجرة له وكاسرة «قاصمة» لظهره ورافعة لكيده ومكره، ولذلك أنّ اللّعين بعد ما قال: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾. عقّبه بالاستثناء بقوله: ﴿ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾. وقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): على كلّ قلب جاثم من الشّيطان، فإذا ذكر اسم اللّه خنس الشّيطان وذاب وإذا ترك الذاكر التقمه فجذبه وأغواه واستزلّه وأطغاه (8) .

«
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» عقّب (عليه السلام) الشّهادة بالتّوحيد بالشّهادة بالرّسالة أمّا أوّلا فلأنّ مرتبة الرّسالة تالية لمرتبة التّوحيد. وأمّا ثانيا فلانّ المطلوب من الخلق هو العرفان وإخلاص التّوحيد والسّلوك إلى اللّه ولا بدّ للسالك من دليل يدلّ عليه وهاد يستهدى به ومبلّغ يصدّق بقوله ويقرّ برسالته، فلا بدّ من اقتران التّصديق بالرّسالة بالتّصديق بالوحدانيّة كي يتوصل به إليه ويسلك به مسالكه، إذ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) موصل إليه وباب له وفاتح لمغلقات مراتب التّوحيد، وبوجوده (صلى الله عليه وآله وسلم) يحصل المعرفة التّامّة ويكمل الإخلاص التّام. وأمّا ثالثا فلأنّه سبحانه قد قارن بين كلمتي التّوحيد والرّسالة وكتب لا إله إلاّ اللّه ومحمّد رسول اللّه بخطوط النّور على ساق العرش وطبقات السّماوات وأقطار الأرضين وصفحتي الشّمس والقمر، كما يستفاد من الأخبار، فينبغي المقارنة في شهادتيهما اقتفاء لما قد جرى عليه القلم الرّباني وسطور النّور، وأمّا فضل الجمع بينهما فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: من قال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله كتب اللّه له ألف حسنة.

«
أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ» أي: الواضح بين الأمم الماضية والقرون الخالية والظاهر على الدين كله ولو كره المشركون، وهذا تعظيم للرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولما جاء به من الشرع ودين الحق.

«
وَالْعَلَمِ اَلْمَأْثُورِ» توكيد للفقرة الأولى وأشار به إلى كون ذلك الدين علما يهتدى به إلى حظيرة القدس التي يطلب السّلوك إليها، وكونه مأثوراً إشارة إلى كون ذلك الدين مختاراً على سائر الأديان، أو أنّه مأثور منقول من قرن إلى قرن ويهتدى به قوم بعد قوم.

«
وَاَلْكِتَابِ الْمَسْطُورِ» والمراد به القرآن، الذي سطر وكتب، بقلم النّور على اللّوح المحفوظ قبل وجود الأنفس والآفاق، والمكتوب على الأوراق والصّفحات بعد تلبّسه بلباس الحروف وجلباب الأصوات، قال تعالى: ﴿ وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ ﴾ (9) .
 

«وَالنُّورِ اَلسَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اَللاَّمِعِ» أي: المرتفع والمشرق، يحتمل أن يكون المراد بهما الكتاب فيكون العطف للتوكيد قال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ فهو نور عقلي ينكشف به أحوال المبدأ والمعاد ويتراءى منه حقائق الأشياء وضياء يهتدى به في ظلمات برّ الأجسام وبحر النّفوس، ويظهر به للسّالكين إلى الدّار الأخرى طريق الجنّة والنّور، ويحتمل أن يكون المراد علم النّبوة فإنّه نور مقتبس من الوحي الإلهي يتنوّر به في ظلمات الجهالة، وضياء يستضاء به في مفاوز الضّلالة، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (10) .

«
وَالْأَمْرِ الصَّادِعِ» أي الظاهر أو الفارق بين الحقّ والباطل أو الحاكم بالحقّ وفيه تلميح إلى قوله تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ (11) ثمّ أشار (عليه السلام) إلى دواعي البعثة وما هو المقصود بالرّسالة فقال (عليه السلام):

«
إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ» أي أرسله (صلى الله عليه وآله وسلم) إزالة للشبهات الباطلة والشكوكات الفاسدة، قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... ﴾ (12).
 

«وَاحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ» أي بالمعجزات القاهرة والبراهين السّاطعة، قال تعالى: ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ (13) ، وقال عزّ وجلّ: ﴿ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ...﴾ (14)، وقال جلّ وعلا: ﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ (15).
 

«وَتَحْذِيراً بِالْآيَاتِ» أي إنذاراً بالآيات القرآنية والخطابات الشّرعية ويحتمل أن يكون المراد بالآيات العقوبات النّازلة بالعصاة التى هي علامة القهر والقدرة وفيها عبرة للمعتبرين كما قال تعالى:

﴿
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ وقال: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ وعلى هذا الاحتمال فيكون عطف قوله:
 

«وَتَخْوِيفاً بِالْمَثُلاَتِ» المثلات بالفتح ثم الضم جمع مَثُلة بضم الثاء، وهي العقوبات التي حلت بالأمم السابقة التي صارت مثلاً للناس يذكرونها ويخافون منها، أي أن الرسول يخوِّف ويحذر الناس من غضب اللّه وعذابه بأنّهم إن لم يؤمنوا عوقبوا كما عوقبت الأمم السابقة المنحرفة، وفي الكافي بإسناده عن إسحاق بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّ اللّه يقول في كتابه: ﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ﴾ ما هذا الإسراف الذي نهى اللّه عنه؟ قال: نهى أن يقتل غير القاتل أو يمثّل بالقاتل الحديث. في (تفسير القمّي): كان الوليد بن المغيرة شيخاً كبيراً مجرّباً من دهاة العرب، وكان من المستهزئين بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان النبيّ يقعد في الحجرة، ويقرأ القرآن، فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة، فقالوا: يا أبا عبد شمس ما هذا الّذي يقول محمّد؟ أشعر هو أم كهانة أم خطب؟ فقال: دعوني أسمع كلامه. فدنا من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمّد أنشدني من شعرك. قال: ما هو شعر، ولكنّه كلام اللّه الّذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه. فقال: اتل عليّ منه شيئاً. فقرأ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (حم السجدة) فلمّا بلغ قوله: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ (16) . قال فاقشعرّ الوليد وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته، ومرّ إلى بيته ولم يرجع إلى قريش... (17) (18).


(1) - وسائل الشيعة: ج7، ص201، ح1.
(2) - بحار الأنوار: ج90، ص197.
(3) - أخرجه الخوارزمي في المناقب: 75.
(4) - أخرجه الخوارزمي في المناقب: 271.
(5) - التوحيد: 24 ح 22.
(6) - سورة البينة، الآية: 5.
(7) - أخرجه الصدوق في التوحيد: 21 ح 11.
(8) - بحار الأنوار: ج67، ص61.
(9) - سورة الطور، الآيات: 1- 3.
(10) - سورة الأعراف، الآية: 157.
(11) - سورة الحجر، الآية: 94.
(12) - سورة البقرة، الآية: 256.
(13) - سورة الإسراء، الآية: 88.
(14) - سورة هود، الآية: 13.
(15) - سورة يونس، الآية: 38.
(16) - سورة فصلت، الآية: 13.
(17) - تفسير القمي: ج2، ص393.
(18) - بقلم الشيخ فادي الفيتروني.

 

   الأخلاق في القرآن

مراقبة النّفس


الخطوة الثّالثة: المراقبة.
 

«المُراقبة» من مادة: «الرَقَبَة»، وبما أنّ الإنسان يحني رقبته عند مراقبة الأشياء والأوضاع، فأُطلِقَت على كلّ أمر يُحتاج فيه إلى المواظبة والتّحقيق.
 

وهذا المُصطلح عند علماء الأَخلاق، يُطلق على «مراقبة النّفس»، وهي مرحلةٌ تاليةٌ لمرحلة المُشارطة، يعني أنّه يتوجّب على الإنسان، وبعد مُعاهدته ومُشارطته لنفسه بالطّاعة للأوامر الإلهيّة، والاجتناب عن الذّنوب، عليه المُراقبة والمُواظبة على طهارته المعنوية، لأنّه في أدنى غفلة، فإنّ النّفس ستَنقُض كلَّ العُهود والمواثيق، وتَسلُك به في خطّ المعصية مرّةً اُخرى.

وطبعاً يجب أن لا ننسى، أنّ الإنسان وقبل مراقبته لِنفسه، فإنّ الملائكة تراقب أعماله، فيقول القرآن الكريم: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾ (1) .

فالحافظون هنا هم الذين يتولون عملية المراقبة لأعمال الإنسان، وذلك بقرينة الآيات التي تردُ بعدها، فتقول: ﴿ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ (2) .

وفي الآية (18) من سورة (ق) يقول تعالى: ﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ . وفوق هذا وذاك، فإنّ الله تعالى مِن ورائهم محيط بكلّ شيء، وفي الآية (1) من سورة النساء، نقرأ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾.

وكذلك في سورة الأحزاب، الآية (52): ﴿
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً ﴾.

وفي الآية (14) من سورة العلق: ﴿
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾.

والآية (21) من سورة سَبأ: ﴿
وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾.

ولكن المحلّقين في أجواء التّقوى وتهذيب النّفس، يراقبون أفعالهم وسلوكياتهم، قبل مراقبة الله تعالى لهم، ويعيشون الوَجَلَ والخَوف من أعمالهم وفعالهم، وفي مُراقبة دائمة، لِئَلاّ يصدر منهم ما يسلب تلك النّعمة، والحالة العرفانيّة التي يعيشونها مع الله تعالى شأنه، أو بعبارة أُخرى: الرّقيب الباطني يعيش معهم وعلى يقظة دائماً، بالإضافة إلى الرّقابة الخارجيّة، وخوف الله تعالى.

وفي الحقيقة، فإنّ الإنسان في هذه الدنيا، حاله حالَ الذي يمتلك جوهرةً ثمينةً، يريد أن يقايضها بمتاع له ولعيالِه، ومن حَوالَيهِ السرّاق وقطاعُ الطّريق، ويخاف عليها من السّرقة أو البيع بِثَمن بَخْس، وإن غفل عنها لِلَحظة فسيُضَيّعها، وتذهب نفسه عليها حَسرات.

والسّائر في خطّ التّوبة والمراقبة، يعيش الحالة هذه أيضاً، فإنّ الشّياطين من الجِنّ والإنس مُترصّدون لِغوايته، هذا بالإضافة إلى النّفس الأمّارة، وهوى النّفس، فإذا لم يُراقب نفسه وأعماله، فلا يأمن معها، مِنْ أن تسرق جوهرة الإيمان والتّقوى، وينتقل من هذه الدنيا، خالي الوفاض وصفرَ اليدين، وفي الآيات والرّوايات إشاراتٌ كثيرةٌ، وتلميحاتٌ متنوعةٌ حول هذه المرحلة، ومنها:

1 ـ الآية (14) من سورة العَلَق: ﴿ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾.

فهي إشارةٌ إلى مراقبة الله تعالى لَه، وعليه مُراقبة أعماله أيضاً.

وَوَجَّه في آيَة اُخرى الخطاب لِلمؤمنين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ (3) . فَجُملة: ﴿ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ... ﴾، تبيّن لنا في الحقيقة مفهوم المراقبة للنفس، على مستوى السّلوك والعمل. وَوَرَد نفس المعنى، ولكن بشكل مُقتضب، في سورة عَبَس، الآية (24): ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾، (من الحلال والحرام) (4).

2 ـ ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في تفسير الإحسان في الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾، فقال: «الإحسانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَراهُ فَإِنْ لَم تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَراكَ» (5) . ومن الطّبيعي فإنّ المُعايشة مع هذه الحقيقة، وهي أنّ البّاري تعالى معنا أينما كُنّا، والرّقيب علينا، من شأنه أن يخلق فينا روح الرّقابة، ونكون معها دائبين على الانسجام، مع خطّ الرّسالة من موقع الإلتزام.

3 ـ ورد حديثٌ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنّه قال: «يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُهَيمِناً عَلى نَفْسِهِ مُراقِبَاً قَلْبَهُ، حافِظاً لِسانَهُ» (6) .

4 ـ جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَنْ رعى قَلْبَهُ عَنِ الغَفلَةِ وَنَفْسَهُ عَنِ الشّهْوَةِ وَعَقْلَهُ عَنِ الجَهْلِ، فَقَدْ دَخَلَ في دِيوانِ المتَنَبِّهينَ ثُمَّ مَنْ رعى عَمَلَهُ عَنِ الهوى، وَدِيْنَهُ عَنِ البِدعَةِ وَمالَهُ عَنِ الحَرامِ; فَهُوَ مِنْ جُملَةِ الصَّالِحِينَ» (7) .

5 ـ ما ورد في الحديث القُدسي: «بُؤساً لِلقانِطِينَ مِنْ رَحْمَتِي وَيا بُؤساً لَمَنْ عصاني وَلمْ يُراقِبُني» (8) .

6 ـ جاء في إحدى خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنّه قال: «فَرَحِمَ اللهُ امرَءاً رَاقَبَ رَبَّهُ وَتَنكَّبَ ذَنْبَهُ، وَكابَرَ هَواهُ، وَكَذَّبَ مُناهُ» (9) .

7 ـ وقد ورد في نهج البلاغة أيضاً: «فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرَ قَلْبَهُ... وَرَاقَبَ فِي يَومِهِ غَدَهُ» (10) .

نعم فإنّ «الرقابة» على النفس أو المُراقبة لله تعالى، أو ليوم القيامة، كلّها تعكس حقيقةً واحدةً، ألا وهي النّظارة والرّقابة الفاحصة الدّقيقة الشّديدة للإنسان على أعماله، في كلّ حال وزمان ومكان.

وخلاصة القول: إنّ السّائر إلى الله تعالى، وبعد «المشارطة» مع نفسه وربّه، وبعد تهذيب النفس وتربيتها على طاعة الله وعبوديّته، عليه المراقبة والمداومة على العهد الذي قطعه على نفسه في خطّ التوبة، كالّدائن الذي يطلب من مدينه وفاء ديونه، فأيّ غفلة عن مخاطر المسير، ستعود عليه بالضّرر الفاحش، وتؤخره عن الرّكب كثيراً (11) .

الخطوة الرّابعة: المحاسبة ستأتي إن شاء الله تعالى في العدد القادم.


(1) - سورة الانفطار، الآية: 10.
(2) - سورة الانفطار، الآية: 12.
(3) - سورة الحشر، الآية: 18.
(4) - هذا على ما جاء في بعض التّفاسير، وقد جاء في تفاسير أُخرى، أنّ المقصود هو النّظر والاعتبار بخلقة الله تعالى، لانكشاف الآيات والملاحظات التّوحيدية عند الإنسان، ولا تنافي بين التّفسيرين.
(5) - بحار الأنوار: ج25، ص204.
(6) - غُرر الحِكَم.
(7) - بحار الأنوار: ج97، ص68.
(8) - المصدر السابق: ج74، ص349.
(9) - اُصول الكافي: ج2، ص67.
(10) - نهج البلاغة: الخطبة 83، «الخطبة الغرّاء».
(11) - الأخلاق في القرآن.

 

   الجهاد في القرآن الكريم

الأمر بالجهاد
ووجوب الحيطة والحذر

 

الأمر بالجهاد وإِعداد المؤمنين له (لمواجهة العدو):

ومن الآيات الدالة على لزوم الجهاد قوله تعالى: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾ (1).

اللغة:

يَشْرُونَ: قال شريت بمعنى بعت واشتريت بمعنى ابتعت ويشرون يبيعون.

الأمر بالجهاد:

لمّا أمر المسلمين كافّة بالجهاد في سبيله، أخبر هنا بأنَّ الأمر في الحقيقة إنّما يتوجّه إلى السعداء المخلصين، وهم الذين يبيعون الحياة الدنيا بالحياة الآخرة، أي: يستبدلون تلك بهذه، رضىً وإيثاراً، كما يرضى البائع بالثمن عوضاً عن سلعته.

ثمَّ إنّه تعالى حثَّ على الجهاد حثّاً عظيماً، بأنّ المجاهد لابدَّ له من الفوز بإحدى الحسنيين، أمّا الأُخروية، فلازمة حتماً، فإنّها تابعة لقصده ونيّته، سواء غَلب أم غُلب، وأمّا الدنيويّة فإنّها حاصلة مع الظفر قطعاً، ومع عدمه يتخلّص من اللائمة والمذمّة، ويحصل على المدح والثناء (2) .

إِعداد المؤمنين للجهاد:

توضح الآية في بدايتها أنّ أعباء الجهاد يجب أن تكون على عاتق أُولئك النفر الذين باعوا حياتهم الدنيوية المادية الزائلة، مقابل فوزهم بالحياة الأُخروية الخالدة: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ... ﴾ أي أن المجاهدون الحقيقيون هم وحدهم المستعدون للدخول في هذه الصفقة، بعد أن انكشفت لهم دناءة الحياة المادية (وهو ما يفهم من لفظ الدنيا)، فهؤلاء أدركوا أن هذه الحياة لا قيمة لها تجاه الحياة الأبدية الخالدة، أمّا الذين يرون الأصالة في الحياة المادية الدنيئة، ويعتبرونها أرفع وأكبر من الأهداف الإِلهية المقدسة والأهداف الإِنسانية السامية، فلا يمكن أن يكونوا أبداً مجاهدين صالحين.

وتستمر الآية مبينة أنّ مصير المجاهدين الحقيقيين الذين باعوا الحياة الدنيا بالآخرة واضح لا يخرج عن حالتين: إمّا النصر على الأعداء، أو الشهادة في سبيل الله، وهم في كلتا الحالتين ينالون الأجر والثواب العظيم من الله تعالى: ﴿
... وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾ وبديهي أن جنوداً كهؤلاء لا يفهمون معنى الهزيمة، فهم يرون النصر إِلى جانبهم في الحالتين: سواء تغلّبوا على العدو، أم نالوا الشهادة في سبيل الله، ومثل هذه المعنويات كفيلة بأن تمهد الطريق للانتصار على العدو، ويعتبر التاريخ خير شاهد على أنّ هذه المعنويات هي العامل في انتصار المسلمين على أعداء فاقوهم عدداً وعُدّة.

ويؤكّد هذا الأمر حتى المفكرون من غير المسلمين ممن كتبوا عن انتصارات المسلمين السريعة التي حققوها في عصر الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وفي العصور التالية، فهؤلاء المفكرون يرون أن منطق الفوز بإِحدى الحسنيين أحد العوامل الحاسمة في تقدم المسلمين. يقول مؤرخ غربي مشهور في كتاب له في هذا المجال: إِنّ المسلمين لم يكونوا ليخافوا الموت في سبيل دينهم الجديد، لما وعدوا به من هبات إِلهية في الآخرة، وإنّهم لم يعتقدوا بأصالة خلود هذه الحياة الدنيا، ولذلك فهم قد تنازلوا عن هذه الحياة في سبيل العقيدة والهدف (3) .

والجدير ذكره هنا هو أنّ هذه الآية ـ وآيات أُخرى من القرآن الكريم ـ اعتبرت الجهاد أمراً مقدساً إِذا كان في سبيل الله، ومن أجل إِنقاذ البشر، وإِحياء مبادىء الحق والعدالة والطهارة والتقوى، على عكس الحروب التي تشن بهدف التوسع وبدافع من التعصب والتوحش والإِستعمار والإِستغلال.
 

وجوب الحيطة والحذر:

ومن الآيات التي تدل على وجوب الجهاد والحيطة قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً ﴾ (4).
 

اللغة:

* فَانْفِرُوا: النفر الخروج للحرب.
* ثُبَاتٍ: الثبات وهي الجماعة المنفردة.
 

الحذر الدّائم:

حِذْرَكُمْ: «الحذر» يعني اليقظة والتأهب والترقب لخطر محتمل، كما يعني أحياناً الوسيلة التي يستعان بها لدفع الخطر. أمّا كلمة «ثُبات» فتفيد معنى المجموعات المتفرقة، ومفردها «ثبة» من مادة «ثبي» أي جمع.
والقرآن يخاطب عامّة المسلمين في الآية المذكورة أعلاه، ويقدم لهم اثنتين من التعاليم اللازمة لصيانة وجود المسلمين والمجتمع الإِسلامي تجاه كل خطر يهدد هذا الوجود.

ففي البداية تأمر الآية المؤمنين بالتمسك باليقظة والبقاء في حالة التأهب من أجل مواجهة العدو، وتحذرهم من الغفلة عن هذا الامر: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ...﴾. ثمّ تأمر الآية بالاستفادة من الأساليب والتكتيكات المختلفة في مواجهة العدو، من ذلك الزحف على شكل مجموعات إن تطلّب الأمر مثل هذا الأسلوب، أو على شكل جيش موحّد مترابط إِن استدعت المواجهة هجوماً شاملا منسجماً، وفي كلتا الحالتين لابدّ من المواجهة الجماعية: ﴿ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً ﴾.

ذهب بعض المفسّرين إِلى أن معنى «الحذر» في الآية هو «السلاح» لا غير، بينما للحذر معنى واسع لا يقتصر على السلاح، ثمّ إن الآية (102) من هذه السورة تدل بوضوح على أنّ الحذر غير السلاح حيث يقول تعالى: ﴿ ... أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ ... ﴾ وجواز وضع السلاح (في الصلاة) مع أخذ الحذر يدل على أنّ الحذر لا يعني السلاح بالذات.

الآية الكريمة هذه تشتمل على أمر عام مطلق لجميع المسلمين في كلّ العصور والأزمنة، ويدعو هذا الأمر المسلمين إِلى الاِلتزام باليقظة والاستعداد الدائم لمواجهة أي طارىء من جانب الأعداء ولحماية أمن الأُمّة، وذلك عن طريق التحلّي بالاستعداد المادي والمعنوي الدائمين.

وكلمة «الحذر» أيضاً تستوعب بمعانيها الواسعة ـ كل أنواع الوسائل المادية والمعنوية الدفاعية التي يتحتم على المسلمين اتباعها، من ذلك التعرف على قدرة العدو من حيث العدّة والعدد، وأساليبه الحربية، والاستراتيجية، ومدى فاعلية أسلحته، وكيفية مواجهتها والاحتماء من خطرها وخطر العدوّ نفسه، وبذلك يكون المسلمون قد أوفوا من حيث العمل بما يتطلبه منهم أمر «الحذر» من الإِستعداد والتأهب واليقظة لمواجهة أي خطر طارىء.

ويشتمل أمر «الحذر» أيضاً على الاستعداد النفسي والثقافي والاقتصادي، لتعبئة كافة الامكانيات البشرية، والاستفادة من أقوى أنواع الأسلحة وأكثرها تطوراً في الوقت المطلوب، وكذلك الإِلمام بصور استخدام هذا السلاح وأساليبه، فإِذا كان المسلمون يلتزمون بهذا الأمر ويطبقونه على حياتهم لاستطاعوا أن يجنّبوا أنفسهم وأُمّتهم الفشل والتقهقر والهزيمة على مدى تاريخهم المليء بالأحداث.

والشيء الآخر الذي يفهم من هذه الآية الكريمة، هو اختلاف أساليب مواجهة العدو بحسب ما تقتضيه الضرورة، ويعينه الظرف، ويحدد موقع العدو ـ فلو كان هذا الموقع يتطلب مقابلة العدو بجماعات منفصلة، لوجب استخدام هذا الأسلوب مع كل ما يحتاج إِليه من عدد وعدّة وغير ذلك، وقد يكون موقع العدو بصورة تقتضي مواجهة العدو في هجوم عام ضمن مجموعة واحدة متماسكة، وعند هذا يجب أن يعدّ المسلمون العدّة اللازمة والعدد الكافي لمثل هذا الهجوم الشامل. ومن هنا يتّضح أنّ إصرار بعضهم على أن يكون للمسلمين أُسلوب كفاحي واحد دون اختلاف في التكتيك لا يقوم على منطق ولا تدعمه التجارب، إِضافة إِلى أنّه يتنافى مع روح التعاليم الإِسلامية.

لعل الآية ـ أعلاه ـ تشير أيضاً إِلى أنّ المسألة المهمَّة هي تحقيق الأهداف الواقعية سواء تطلب الأمر أن يسلك الجميع أُسلوباً واحداً، أم أن ينهجوا أساليب متنوعة. ويفهم من كلمة «جميعاً» أنّها تعني أنّ المسلمين كافّة مكلّفون بالمشاركة في أمر مواجهة العدو، ولا يختص هذا الحكم بطائفة معينة (5) .


(1) - سورة النساء، الآية: 74.
(2) - كنز العرفان: ص511.
(3) - راجع غوستاف لوبون، تاريخ الحضارة الإِسلامية والعربية.
(4) - سورة النساء، الآية: 71.
(5) - المصادر الأساسية: الأمثل، مجمع البيان، كنز العرفان.

 

 

  مفاهيم قرآنية

العبادة في القرآن الكريم

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ (1)

إذا راجعنا القرآن الكريم نجد مجموعة كبيرة من الأوامر العبادية سواء الاعتقادية كتوحيد الله سبحانه أم البدنية كالصلاة والصيام والحج والجهاد وغير ذلك من الأعمال التي تعد من العبادات.. ويكون القيام بها عبادة أيضاً.

ولا بد أن تكون هذه العبادة خالصة لله سبحانه وحده لأنه هو المالك الحقيقي للموجودات ومنها العباد فهي تحت تصرفه ومحتاجة إليه سبحانه ومرتبطة به في جميع شؤونها الوجودية.

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ (2) .

على ضوء ذلك يكون الإنسان بل وجميع الموجودات في عالم الخلق وحتى الكفار والمشركون عبيداً لله تعالى واقعاً وحقيقة وهي مسلمة وخاضعة أمام إرادة الله وقوانينه الحاكمة على الكون، يقول سبحانه:

﴿ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ﴾ (3) . ومن هنا نفهم ويتوضح لنا عبودية الانسان التكوينية لله سبحانه..

ومن هذا الطريق يمكننا الوصول إلى معنى العبادة التشريعية ووجوب الطاعة لله سبحانه باعتبار أنه مالك لنا فله الحق في إصدار القوانين والتشريعات وعلى العباد أن يظهروا لله سبحانه غاية الخضوع ونهاية التذلل والعبودية، وأن يسلموا لأوامره ودساتيره تسليماً مطلقاً وخالصاً.

ومن هنا أن العبادة والخضوع والتذلل وإظهار العبودية لغير الله لا يجوز على الإطلاق كان من كان ذلك الغير وكان ما كان الشيء المعبود وبناءً على ذلك لا يليق غير الله سبحانه للعبادة والمعبودية ولا يستحقها سواه ولهذا كان جميع الأنبياء يدعون الناس إلى عبادة الله عزّ وجلّ الواحد وينهون عن عبادة غيره يقول الله سبحانه في هذا المجال: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ (4) .

إذاً فالعبادة من خلال الصلاة والحج وغير ذلك لو أتى بها لغير الله سبحانه كان شركاً أو حراماً وسنوضح ذلك من خلال الآيات القرآنية إن شاء الله تعالى.

مفهوم العبادة:

العبادة: الطاعة وهي غاية الخضوع والتذلل. ولذلك لا تحسن إلا لله تعالى الذي هو مولى أعظم النعم فهو لائق بغاية الشكر.

قال الحكماء: عبادة الله ثلاثة أنواع:

الأول: ما يجب على النفوس كالاعتقادات الصحيحة من العلم بتوحيد الله سبحانه وما يستحقه من الثناء والتمجيد والفكر فيما أفاضه الله سبحانه على العالم من جوده وحكمته ثم الاتساع في هذه المعارف..
الثاني: ما يجب على الأبدان كالصلاة والصيام والسعي في المواقف الشريفة لمناجاته جل ذكره.
الثالث: ما يجب عند مشاركات الناس في المدن وهي المعاملات والمزارعات وتأدية الأمانات ونصح البعض للبعض بضروب المعاونات وجهاد الأعداء والذب عن الحريم.

والعبد الذي هو أيضاً مشتق من هذه المادة يطلق على من يكون مملوكاً للغير ينفذ أوامره ويبدي له غاية التسليم ويعطيه الحق في أن يتدخل في جميع شؤونه ويخضع أمامه غاية الخضوع ويتذلل له نهاية التذلل. ولهذه المناسبة يُطلق وصف العبد على الإنسان ويعتبر الجميع عبيد لله تعالى لأنهم جميعاً مملوكون لله سبحانه.
 

دعوة الأنبياء الى عبادة الله سبحانه:

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ﴾ (5) .
يعني بعثنا في كل جماعة وقرن رسولاً كما بعثناك يا محمد رسولاً إلى أمتك لتقول لهم اعبدوا الله سبحانه واجتنبوا عبادة الطاغوت أي الشيطان ويقول الله سبحانه في هذا السياق: ﴿
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ﴾ (6) .
وقال سبحانه: ﴿
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ﴾ (7) .
وقال عز وجل: ﴿
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ ﴾ (8) .
وقال تبارك وتعالى: ﴿
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ (9) .
وقال عزَّ وجل: ﴿
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ﴾ (10) .
 

العبادة غاية الخلق:

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ (11) . يعني لم أخلق الجن والانس إلا لعبادتي فإذا عبدوني استحقوا الثواب. فالله سبحانه لا تنفعه طاعة من اطاعه ولا تضره معصية من عصاه وإنما المستفيد والمتضرر هو المكلف.

دعوة أهل الكتاب الى عبادة الله سبحانه:

يقول الله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ (12) .

يقول المفسرون في ذيل تفسير هذه الآية إن ( عدي بن حاتم ) الذي كان نصرانياً ثم أسلم عندما سمع هذه الآية فهم من كلمة «أرباب» أن القرآن يقول إن أهل الكتاب يعبدون بعض علمائهم، فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أما كانوا يحلّون لكم ويحترمون فتأخذون بقولهم؟ فقال نعم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هو ذاك.

العبادة على حرف:

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾ (13) . يعني على ضعف في العبادة كضعف القائم على حرف أي طرف حبل..ذكر أن الآية نزلت في جماعة كانوا يقدمون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة فكان أمرهم إذا صح جسمه ونتجت فرسه وولدت امرأته غلاماً وكثرت ماشيته رضي به واطمأن إليه وإن أصابه وجع في المدينة وولدت امرأته جارية قال ما أصبت في هذا الدين إلا شراً عن ابن عباس.

ضرورة استمرارية العبادة لله سبحانه:

يقول الله سبحانه: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾(14) . يعني إلى أن يأتيك الموت.. فقد أمر بالإقامة على العبادة أبداً ما دام حياً فإذا لقي الله سبحانه لقيه عابداً له لا لغيره.

الصلاة من أفضل العبادات:

يقول الله سبحانه: ﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾ (15) . إن الإنسان المسلم يفرّغ نفسه كل يوم عدة مرات من الأعمال الدنيوية اليومية.. ويتوجه إلى ربه الكريم ويستمد منه العون والمدد فيتوضأ ويشتغل بالصلاة ويقيم اتصالاً مباشراً مع خالق الأرض والسماء ويكلمه ويتحدث اليه... ويقف في كمال الخضوع والتواضع بين يدي رب العالمين.

ويتوجه إليه بقلبه، ويظهر له العبودية، وينير فؤاده بذكر الله ويجليه من صدأ الغفلة والغفوة. وهناك آيات كثيرة تشير إلى أهمية وقيمة هذه العبادة الكبرى..

الصوم من العبادات الكبرى:

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (16) .

إن الصوم يحظى من بين العبادات الإسلامية بمكانة متميزة جداً وقد وردت حوله روايات عديدة منها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الصائم في عبادة الله وإن كان نائماً على فراشه ما لم يغتب مسلماً، هذه العبادة تتحقق بأن يمسك الإنسان عن الأكل والشرب وغيرها من المفطرات.. من طلوع الفجر إلى المغرب بقصد الصوم.

الحج أيضاً من العبادات الكبرى:

يقول الله سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ (17) . فالحج من الفرائض والواجبات الالهية التي عدّت من أركان الاسلام..

الإنفاق في سبيل الله سبحانه:

يقول الله عزَّ وجل: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (18) . لقد حث القرآن وأكد وبالغ في الدعوة إلى الإنفاق في سبيل الله عزَّ وجل وقد تكرر الطلب لذلك في أكثر من آية.

الزكاة:

يقول الله سبحانه: ﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾ (19) . الله سبحانه يأمر الغني بدفع الزكاة لينتفع الفقير باليسير من ماله عن طيب خاطره أداءً لواجبه ورغبة بطلب المثوبة من ربه، والفقير يأخذها من غير مهانة ولا ذلة لأنه أخذ الحق الواجب من مالكه وخالقه، وفي ذلك غرس بذور المحبة بين الفقير والغني.

الإخلاص في العبادة:

يقول الله سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (20)

يقول الله سبحانه للنبي قل للناس إنني جعلت صلاتي ومطلق عبادتي ومحياي ومماتي.. جعلتها كلها لله رب العالمين من غير أن أشرك به فيها أحداً. يستفاد من هذه الآية الشريفة عدة أمور من ضمنها وجوب الإخلاص في عبادة الله سبحانه.
 

عبادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

يقول الله عز وجل: ﴿ طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ (21) . يعني ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب ولكن لتستعد به ولتنال الكرامة به في الدنيا والآخرة.. قال قتادة كان يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم فأمره الله سبحانه بأن يخفف على نفسه.

وعن علي (عليه السلام) لما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ (22) ، قام الليل كله حتى تورمت قدماه، فجعل يرفع رجلاً ويضع رجلاً فهبط عليه جبريل وقال: ﴿ طه ﴾ الأرض بقدميك يا محمد: ﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ وأنزل ﴿ فَاقْرَؤُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾. وروي أنه: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند عائشة ليلتها فقالت: يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة ألا أكون عبداً شكوراً.

التشريع للعبادة:

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ﴾ (23) . إن مصاديق العبادة وكيفيتها لا يعينها إلا الله عزَّ وجل والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يحق لأحد أن يشرّع أو يخترع من لدن نفسه عبادة، فكيف ومن أين يستطيع الانسان أن يعرف أي عمل يوجب التقرب الى الله سبحانه ويورث كمال النفس ويستوجب السعادة الأخروية؟ إنه لا طريق إلى مثل هذا الأمر إلا الاستفادة من هدايات الله تعالى وإرشادات النبي ولهذه الجهة يعتبر تشريع العبادة من غير هذا الطريق بدعة وحراماً.

والبدعة في الدين بمعنى جعل عبادة أو حكم من دون الاستناد إلى القرآن والسنة النبوية الشريفة ونسبته إلى الإسلام من المحرمات والمعاصي الكبيرة التي نهى عنها نهياً شديداً وقاطعاً قال (صلى الله عليه وآله وسلم): كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

قصة الاعتدال في العبادة:

قال المفسرون جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فذكر الناس ووصف القيامة فَرَقَّ الناس، وبكوا واجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمعي... واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ولا يقربوا النساء، والطيب، ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا وهمّ بعضهم أن يجب مذاكره، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتى دار عثمان فلم يصادفه فقال لامرأته أم حكيم بنت أبي أمية: أحق ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكرهت أن تبدي على زوجها فقالت: يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك، فانصرف رسول الله فلما دخل عثمان أخبرته بذلك، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو وأصحابه فقال لهم: ألم أنبئكم أنكم أتفقتم على كذا وكذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، وما أردنا إلا الخير، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني لم أومر بذلك، ثم قال: إن لأنفسكم عليكم حقاً، فصوموا وافطروا وقوموا، وناموا فإني أقوم، وأنام، وأصوم، وأفطر وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني، ثم جمع الناس وخطبهم وقال: ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم، وشهوات الدنيا، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً فإنه ليس في ديني ترك اللحم، ولا النساء، ولا اتخاذ الصوامع وأن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد، اعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع فأنزل الله تعالى الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ (24).

عبادة الأحرار:

العبادة ثلاثة كما ورد وأفضلها هي عبادة الأحرار فعن علي (عليه السلام) قال: «إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ»(25).

اللهم وفقنا لعبادتك والالتزام بطاعتك وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين آمني رب العالمين (26) .


(1) - سورة الإسراء، الآية: 23.
(2) - سورة فاطر، الآية: 15.
(3) - سورة مريم، الآية:93.
(4) - سورة هود، الآية: 1 – 2.
(5) - سورة النحل، الآية: 36.
(6) - سورة الأعراف، الآية: 65.
(7) - سورة الأعراف، الآية: 73.
(8) - سورة الأعراف، الآية: 85.
(9) - سورة الأعراف، الآية: 59.
(10) - سورة العنكبوت، الآية: 16.
(11) - سورة الذاريات، الآية: 56.
(12) - سورة آل عمران، الآية: 64.
(13) - سورة الحج، الآية: 11.
(14) - سورة الحجر، الآية: 99.
(15) - سورة إبراهيم، الآية: 31.
(16) - سورة البقرة، الآية: 183.
(17) - سورة آل عمران، الآية: 97.
(18) - سورة البقرة، الآية: 261.
(19) - سورة البقرة، الآية: 43.
(20) - سورة الأنعام، الآيتان:162 – 163.
(21) - سورة طه، الآية: 1 -2.
(22) - سورة المزمل، الآية: 1 – 2.
(23) - سورة الأحزاب، الآية: 36.
(24) - سورة المائدة، الآيتان: 87 – 88.
(25) - نهج البلاغة: الحكمة:229.
(26) - مفاهيم قرآنيّة: (إعداد جمعية القرآن الكريم).

 

  دروس في علم التجويد

قراءة عاصم بن أبي النَّجُود الكوفي
 

تحدثنا في اللقاء السابق عن بعض الطرق والواجبات الني يجب اتباعها لرواية حفص عن عاصم عن طريق الشاطبية وطريق طيبة النشر، والآن سنتطرق إلى موضوعات جديدة، ترتبط بالقراءات القرآنية ورواياتها والتعريف باصحابها ومنهج كل رواية في القراءة وأصولها.علنا نساهم في إلقاء الضوء على جانب هام من جوانب تلاوة القرآن ونُعين القارىء والمجتمع على الاستفادة منه. وسنبدأ بالتعريف بالقراءة الأكثر شهرة في العالم هي قراءة الإمام عاصم بن أبي النَّجُود الكوفي.

عاصم الكوفيّ:

هو عاصم بن بهدلة أبي النَّجُود أبو بكر الأسديّ شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القرّاء السّبعة، وهو الإمام الّذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة. جمع بين الفصاحة، والإتقان، والتّحرير، والتّجويد وكان أحسنَ النّاس صوتًا بالقرآن الكريم، وكان ثقة ضابطًا صدوقًا.

وإسناده في القراءة ينتهي إلى عبد الله بن مسعود، والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام). أخذ القراءة عرضًا على أبي عبد الرحمن السلمي عن الإمام علي (عليه السلام) عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى زرّ بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). روى عنه عطاء بن أبي رباح، وأبو عمرو بن العلاء، وحمزة بن حبيب الزّيّات، وهما من القرّاء السّبعة. توفي آخر سنة سبع وعشرين ومئة، ودفن بالسّماوة في اتجاه الشّام.

حفص بن سليمان:

هو حفص بن سليمان بن المغيرة، أبو عمر بن أبي داود الأسدي، ولد سنة 90 للهجرة. صاحب عاصم، وكان ربيبه ابن زوجته، أخذ عنه القراءة وأتقنها فشهدوا له العلماء بالإمامة فيها، وقدّموه على أبي بكر بن عياش (شعبة) وهو الراوي الآخر لعاصم. فقد كان حفصٌ أكثر الناس حفظاً وإتقاناً، ولذلك اشتهرت روايته وتلقاها الأئمة بالقبول، وكان ثقة في الإقراء، ثبتاً، ضابطاً، وبروايته يقرأ أهل المشرق اليوم، وعموم المسلمين في العالم. وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام). نزل بغداد فأقرأ فيها وجاور مكة فأقرأ بها أيضاً، وروى القراءة عنه خلق كثير. توفي سنة 180 للهجرة.

أما سبب شهرة رواية حفص على غيرها من الروايات فيعود إلى عدة أمور أهمها:

1 ـ كونها تمثل قراءة عامة المسلمين قديماً وحديثاً.
2 ـ إسنادها الذهبي أي السند المتصل . «حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السُلَمي، عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن جبريل (عليه السلام)، عن اللوح المحفوظ، عن ربّ العزّة والكمال» جلَّ جلاله.
3 ـ اليُسر والسهولة. كونها تمثّل أيسر القراءات وأسهلها على عامة الناس.
4 ـ الإتقان والتجويد.
5 ـ بناؤها على أصل قراءة اللغة العربية (لغة الأم).
6 ـ اعتمادها من قبل الدولة الإسلامية آنذاك.

ونشير في هذا السياق إلى أهم العوامل التي أدّت إلى نشوء الاختلاف بين القراءات وهي:

1 ـ بداءة الخط عند العرب (القراءة والكتابة).

2 ـ الخط الكوفي: وفيه:
أ ـ تشابه الخط، نحو: (يقص الحق، يقض الحق).
ب ـ خلو المصاحف من النقاط والإعجام نحو: (ننشرها، ننشزها).
ج ـ تجريد الحروف عن الحركات والعلامات، نحو: قال أعلمُ، قالَ اعلَمْ.
د ـ إسقاط الألفات، نحو: (للكتاب، للكتب).

3 ـ تأثير اللهجات العربية.

4ـ تحكيم الرأي والاجتهاد وهو أكبر العوامل في التأثير على القراء. فالكسائي وأبو عمرو البصري هما من القرّاء السبعة وأيضاً أساتذة في علم النحو والصرف.

أما عدد القراءات المشهورة فهي سبع، ويعود الفضل في ذلك إلى ابن مجاهد في جعلها سبع قراءات.
 

أسماء القرّاء السبعة هي كالتالي:

1 ـ نافع المدني وله راويان: ورش وقالون.
2 ـ ابن كثير المكي وله راويان: البزي وقنبل.
3 ـ أبو عمرو البصري وله راويان: السوسي والدوري.
4 ـ ابن عامر الشامي وله راويان: هشام وابن ذكوان.
5 ـ حمزة الكوفي وله راويان: خلف وخلاد.
6 ـ عاصم الكوفي وله راويان: حفص وشعبة.
7 ـ الكسائي الكوفي وله راويان: الدوري وليث.

وأهم الكتب والمصادر التي يستفاد منها في هذا الباب، كتاب التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني، الذي يُعتبر من أهم أركان علم القراءات. وكتاب حرز الأماني ووجه التهاني للإمام الشاطبي، الذي وُضِع في أبيات شعرية في أكثر من ألف بيت شعر ويحتوي على القراءات السبع.

وبرز في القرن العاشر كتاب النشر في القراءات العشر لابن الجزري وكان له الفضل في جمع القراءات إلى عشر، والقرّاء الثلاثة الباقون هم:

8 ـ أبو جعفر المدني وله راويان: ابن وردان وابن جمَّاز.
9 ـ يعقوب الحضرمي وله راويان: رَوْح ورُوَيْس.
10 ـ خلف البزَّار وله راويان: إسحاق وإدريس.

أما الفرق بين علم التجويد وعلم القراءات فهو أنَّ علم التجويد يرتبط بثلاثة أمور:

1 ـ معرفة مخارج الحروف.
2 ـ معرفة صفاته الذاتية (كالهمس والجهر والاستعلاء والقلقلة...).
3 ـ معرفة صفاته العارضة (أحكام التجويد، كالإدغام والمدّ وغيرهما).


وأما علم القراءات فهو علم بكيفية أداء الكلمات القرآنية واختلافها راجعاً لناقله ولها ركنان:

1 ـ أصول القراءة (أحكام مُطَّرِدة مثل: المدود، الإمالة، وياءات الإضافة...).
2 ـ فرش الحروف (أحكام خاصة بكلمة معينة مثل: ملك ومالك، يعملون تعملون).

وسنتعرف في العدد القادم بإذن الله على منهج حفص عن عاصم، ومنهج شعبة عن عاصم في القراءة (1).


(١) - الأستاذ الحاج عادل خليل مدير قسم التعليم المركزي في جمعية القرآن الكريم.

 

  مقابلة العدد

مقابلة مع المدرس والقارئ كامل أحمد سليمان شعيل

 

كامل أحمد سليمان شعيل من محافظة الشرقيّة من بلدة قصاص الشرق بجمهورية مصر العربية، جاء بدعوة من جمعية القرآن الكريم للمشاركة في الأمسيات القرآنيّة وقد أجريت معه هذه المقابلة.

س 1 ـ بداية حدّثنا عن علاقتك ومسيرتك واستئناسك بالقرآن الكريم؟ (المؤسّسة والمدينة، المدرّس).
ج - بداية بدأت حفظ القرآن وأنا من سن السابعة في الكُتّاب الموجود بالبلدة وقمت بتكملة حفظه على يد والدي (رحمه الله) لأنه كان حافظاً لكتاب الله وقمت بتجويده عند شيخي الشيخ محمد مختار الزين (رحمه الله) وقمت أيضاً بدراسة رواية ورش عن نافع وقراءة حمزة عن خلف من خلال مشايخنا بالمنطقة وهي الشرقية.

س 2 ـ ما هو الباعث أو المشجّع الأساسيّ لانضمامك إلى مسيرة القرآن المباركة؟
الباعث والمشجع لانضمامي إلى مسيرة القرآن لأنه هو دستور الأمة التي نحيا ونعيش على تعاليمه والباعث أيضاً والأهم وجود الموهبة عندي فشجعوني على حفظه ودراسته.

س 3 ـ ما هي التّخصّصات الّتي حصلت عليها خلال رحلتك مع القرآن الكريم؟
أنا حاصل على شهادة تجويد القرآن بالروايات الآتية: رواية حفص عن عاصم ورواية ورش عن نافع ودرست قرآن حمزة عن طريق الدرة.

س 4 ـ ما هي أهمّ النّشاطات القرآنيّة الّتي تقوم بها خلال الأسبوع؟
النشاط الذي أقوم به أولاً أراجع القرآن يومياً وكل يوم أراجع جزئين وبعد ذلك أقوم بالذهاب إلى القراءات التي تطلب مني بفضل الله.

س 5 ـ هل شاركت في مسابقات قرآنيّة محلّيّة أو دوليّة، وما هي النّتائج الّتي حقّقتها فيها؟
شاركت ومنها في الإذاعة المصرية.

س 6 ـ ما هو مقدار حفظكم للقرآن الكريم؟
أحفظ القرآن كاملاً بالروايات حفص عن عاصم وورش عن نافع وقراءة حمزة.

س 7 ـ ما هي الطّريقة الّتي اتّبعتها في حفظ كتاب الله عزّ وجلّ؟
حفظ القرآن في الكتاب يختلف عن حفظ الإنسان لنفسه يتم الحفظ عن طريق الكتابة على اللوح ويتم حفظ اللوح وبعد ذلك يتم تسميعه وهكذا.

س 8 ـ برأيك ما هي مواصفات الحافظ النّموذجيّ؟
مواصفات الحافظ النموذجي أن يكون له حضور وأن يتقي الله فيما يحفظ الذي إذا رأيته يقرأ القرآن حسبته يخشى الله عزَّ وجل.

س 9 ـ ما هي تجربتك الخاصّة في حفظ أو تعليم أو تلاوة القرآن الكريم وتعتقد أنّها مفيدة للآخرين؟ لو سمحت بشرحها لنا وللقرّاء الأعزّاء.
تجربتي كنت أقوم بحفظ اللوح وأقوم بكتابته أكثر من مرة وأقوم بتسميعه للشيخ ولا أخرج منه إلا إذا حفظته تماماً وهكذا وأقوم بمراجعة القديم بتسميعه قبل أن أسمع الجديد وطريقة الحفظ للقرآن الكريم تتم أو تختلف من شخص لأخر.

س 10 ـ ما هو دور المسابقات القرآنيّة في إيجاد روح التّنافس لدى الشّباب في تلاوة القرآن؟
أولاً المسابقات القرآنية هو نشاط عظيم لمن يقوم به اللهم اجعله في ميزان حسناتهم وهو يساعد على إقامة روح التنافس ومعرفة الثقافات بين الدول والشعوب والقرّاء الموجودين من كل أنحاء العالم.

س 11 ـ برأيك ما هي الأمور الّتي يجب أن يتبّعها القرّاء للوصول إلى القمّة في التّلاوة؟
أن يعي ما يقرأون يحافظ على أحكام التلاوة وأن يتقي الله وألا يتنفس من القرآن الكريم وإلا تكون الموسيقى هو الشغل الشاغل لأن القرآن لم ينزل لأجل أن تلحنه حتى يأتي ذلك على حساب القرآن وأحكامه.

س 12 ـ من هو القارئ المفضّل لديك والّذي تستمتع باستماع أو تقليد تلاوته؟ ولماذا؟
القارىء الذي أحبه ليس واحداً وهم ثلاثة: الشيخ مصطفى إسماعيل، الشيخ أبو العينين الشعيشع، وراغب مصطفى علوش وأستمع اليهم وأقدّمهم.

س 13 ـ برأيك ما هي المميّزات الّتي يجب أن يتحلّى بها معلّم أو مدرّس القرآن؟
أولاً الالتزام الديني والخلقي، وأن يكون باله طويل حتى يستوعب الذي أمامه.

س 14 ـ ما هي الأساليب التي يجب إتّباعها مع الأطفال لتنشئتهم تنشئة قرآنيّة؟
لا تفرض عليهم حفظ القرآن بالقوّة حتى لا يملوا منه ولكن خدهم باللين والهدوء حتى تحببهم في حفظه.

س 15 ـ كيف يساعد التّدبّر في القرآن الكريم على تزكية النّفس الإنسانيّة؟
التدبر من القرآن هو الشغل الشاغل للشخص الذي يريد أن يصل إلى رضوان الله عزّ وجل فمن يريد القرآن سوف يعي ما فيه.

س 16 ـ ما هي الآية القرآنيّة الشّريفة الّتي كان لها تأثير عليك واستفدت منها عمليًّا في حياتك؟
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ ﴾.

س 17 ـ من خلال عملكم القرآنيّ وتجربتكم كيف نفهم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»؟
إن القرآن الكريم هو خير الأشياء والذي يتم تعليمها وتعلمها وخير الأشياء الذي يؤخذ عليه الأجر هو القرآن الكريم، الأجر الدنيوي والأجر الأخروي.

س 18 ـ ما هي الإرشادات لمجاميع القرّاء والمسابقات القرآنيّة الدّوليّة والمحلّيّة؟
أن يتحلوا بالحيادية في التحكيم.

س 19 ـ ما هي البلدان الّتي زرتها للمشاركة في الأمسيات أو الحفلات القرآنيّة؟
أنا زرت تركيا ولبنان.

س 20 ـ تزورون لبنان بدعوة من جمعيّة القرآن الكريم للمشاركة في الأمسيات القرآنيّة، فحبّذا لو تحدّثنا عن تقييمك لآثار هذه الأمسيات لدى الشّباب والمجتمع الّذي يواجه العدوّ الصّهيونيّ وكيانه؟
هذا الأمسيات القرآنية تثبت روح المعاونة والمواجهة والقوة والاهتمام بالمقاومة ضد هذا العدو الصهيوني الذي نسأل الله عزَّ وجل أن يجعل كيده في نحره.

س 21 ـ ما هو تأثير القرآن الكريم على العلاقات بين الدّول الإسلاميّة؟ وما هو رأيك بالنّشاطات وما هو رأيك بالنشاطات في لبنان ومدى انعكاسها الدولي؟
في لبنان الآن أصبح من الدول المشهورة في جلب القرّاء المشهورين والذين يقومون بإحياء الليالي القرآنية فيها وهذا له تأثير على انتشار الثقافات الدينية ومقاربة الود بين الشعوب الإسلامية.

س 22 ـ ما هو دور وسائل الإعلام في العالم الإسلاميّ لتغطية ونشر النّشاطات والثّقافة القرآنيّة؟
إنَّ وسائل الاعلام تقصر تقصيراً كليَّاً في نشر النشاطات القرآنية والثقافات القرآنية ولا يقومون بنقل الحفلات حتى تكون سنداً للشباب والصغار في حبهم لكتاب الله عزّ وجل لماذا هناك تقصير منهم.

س 23 ـ كيف يمكن للبرامج القرآنية أن تساعد على تقديم الصّورة الحقيقيّة للإسلام أمام العالم؟
بنشر الوعي الثقافي الوسطي الذي يبعد الإنسان عن الطائفية ولا اختلاف في أساسيات الدين وكل له حرية العبادات والاختلاف لا يفسد للود قضية.

س 24 ـ ما هو واجب ودور النّاشطين القرآنيّين في مواجهة ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلاميّ؟
قراءة الآيات القرآنية التي تساعد الإنسان على حب المقاومة في الأماكن التي تعاني من الإرهاب.

س 25 ـ ما هي نصيحتكم لحفّاظ وقرّاء القرآن الكريم ولمن لديه رغبة في حفظه وتلاوته؟
احفظوا القرآن فهو لدنياكم وآخرتكم والتزامكم به يحقق لكم حياة سعيدة (1).


(١) - أعدّها مسؤول العلاقات الحاج عباس عساف.

 

  حوارات قرآنية

حفظة القرآن الجامعيين

 

حوار قرآني أجرته جمعية القرآن الكريم مع حافظة لكامل القرآن الأخت: ملاك حسين حمود.

نبذة مختصرة: ملاك حسين حمود من سكان النبطيه وهي طالبة جامعية وفقها الله لحفظ كامل كتابه المجيد والمشاركة في المسابقة السنوية لجائزة السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) لحفظة القرآن الكريم الجامعيين لعام 2017م.

س 1: ماذا تفهمين من قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ ﴾.
ج: إنَّ الله سبحانه في هذه الآية يدعو إلى الألفة بين جميع المسلمين وإلى الاجتماع حول دين الله، فإن فيها النصر والرقي للأمّة الإسلامية، فإذا أجمعت الأمّة على أمرٍ ما فإنها تنمو وترقى على سائر الأمم. إذاً، فالدعوة لذلك يصبّ في صلاح الأمّة ضدّ أي عدوٍ يتربص فيها شرّاً.
 

س 2: ماذا تفهمين من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنَّ أهل القرآن (1) في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النّبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإنَّ لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً علياً؟
ج: إنَّ الله سبحانه كرّم أهل القرآن إذ جعل لهم مكاناً عليّاً ومرموقاً لديه، وهذا المقام هو أعلى درجة يمكن أن يصل إليها بني آدم في الجنّة والتي تلي مقام الأنبياء والمرسلين، وهنا أيضاً يدعو الله سبحانه أن لا أحد سيضعف أو سيسلب أهل القرآن حقوقهم أو يظلمهم لأن مكانتهم العالية عند الله طبعاً تخولهم أن يكونوا من الناس التي تستجاب دعوتهم ولا تردّ وخاصة في موضوع الظلم.
 

س 3: مروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّ: «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة (2) الكرام البررة (3) »، هل هذا الحديث يشعرك بالمعنويات والتواضع لله سبحانه وللناس؟ ولماذا؟
ج:إنَّ الحافظ للقرآن يستدعي منه ليس فقط الحفظ وترتيل القرآن إنما يتوجب عليه أن يعمل فيه بقدر ما يمكن حتى ينال درجة السفرة الكرام البررة، وأي إنسان عامل بالقرآن يجب أن يتحلى بالأخلاق الحميدة بين الناس وأهله ومن جملتها التواضع، فحافظ القرآن يجب عليه أن يحافظ على عمله ومكانته من خلال خفض الجانح أمام الناس وطبعاً أمام الله سبحانه وتعالى حتى يوفق وينال مرتبة عظيمة بإذن الله تعالى.

س 4: كيف تقيِّمين مشروع جائزة سيِّد شهداء المقاومة الإسلامية التي قدمتها جمعية القرآن الكريم بالتعاون مع حزب الله؟
ج: هذا المشروع هو عبارة عن مشروع تشجيع ودعم للطلاب الجامعيين بحيث يشجعهم على المحافظة والاهتمام بحفظ القرآن في ظل تزاحم الأشغال واهتمام الطلاب بالدرس عامة وفي معظم الأوقات، وطبعاً من الشيء المعنوي الذي لا يمكن أن يقاس، بحيث نجاحهم أو حصولهم على هذه الجائزة تعطيهم دفع معنوي ليكونوا ناجحين في الدرس أيضاً والاهتمام أو القدرة على الاهتمام بكل شيء في الوقت نفسه.
 

س 5: ماذا تقولين لطلاب الجامعات لحثهم على حفظ القرآن الكريم والاستفادة منه؟ وبماذا تنصحينهم؟
ج: إنَّ حفظ القرآن ليس فقط معنوي، بل هو مادي أيضاً، ففي الوقت الذي تفوز في الآخرة فإنك أيضاً تستطيع أن تفوز في الدنيا، الكثير من ترك حفظ القرآن لأجل الدراسة والنجاح ظناً منهم أنه يأخذ من أوقاتهم أو يرهقهم لكن مع العكس، فإنَّ حفظ القرآن يساعدهم في التركيز أكثر على دراستهم والاهتمام بها ويساعدهم على الوصول لأعلى مراتب النجاح في الحياة.
 

س 6: ما هي الكلمة التي توجهينها لسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله (حفظه الله) الداعم لهذا المشروع؟
ج: إنَّا نحن حفظ القرآن نتاج دعواتك الصادقة والمخلصة ونتاج أياديك الطاهرة الممتدة لنا بالدعم في كل مشروع يهدف إلى نشر وتوعية الناس على القرآن وتشجيعهم على حفظه والمحافظة عليه فأنت الحجَّة علينا يوم يسأل الله سبحانه من كان له الاهتمام الخاص في حفظكم ورعايتكم؟ ونسأل الله أن يزيد في عمركم وفي قوّتكم فأنتم لخير أمّة أخرجت للناس.


(1) - أهل القرآن: هم حفظته وحملته والتالين لآياته والعاملين بما فيه.
(2) - السفرة: الملائكة.
(3) - البررة: جمع بار وهو المطيع لله المنزّه عن النقائص.

 

 أشهر القراء المبدعين

القارىء الحاج حميد رضا أحمدي وفا

(من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران)


ولد الحاج حميد رضا أحمدي وفا سنة 1981م في مشهد المقدّسة بالجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. منذ سنة 1991م بدأ بتلاوة القرآن الكريم وكان يبلغ حينها عشر سنوات، وبعد التّدرُّب والسّعي لاكتساب مهارة التّلاوة وبحول الله وقوّته وبدعاء والده ووالدته في سنة 2004م نال الدّرجة الأولى في المسابقة الدّوليّة لتلاوة القرآن الكريم في إيران. وهو معلّم للقرآن الكريم ويحفظ عدّة أجزاء منه بصورة متفرّقة. زار عدّة دول منها: السّعوديّة لأداء فريضة الحجّ 5 مرّات، العراق، أفريقيا الجنوبيّة، جمهوريّة أذربيجان، باكستان، بنغلادش، تنزانيا، تركيّا، قبرص وغيرها. شارك في الأمسيات القرآنيّة في لبنان وحمد الله أنها كانت مؤثّرة وجيّدة جدًّا، والّلافت فيها بالنّسبة له أنها تمثّلت بالحضور الكبير للجمهور، وكونه لأوّل مرّة يزور فيها لبنان وبما أنّه ممثّلاً للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران شكر الإخوة الأعزّاء في جمعيّة القرآن الكريم وقدّر جهودهم، وسأل الله أن ينالوا منه خير الجزاء.

قدم النّصائح للإخوة القرّاء، وقال لهم: عليهم أن يحترموا ويحسنوا لوالدَيْهم ولمعلّميهم، وأن يأخذوا بآرائهم لأنّها مهمّة في تقدّمهم وتوفيقهم.

وأمَّا لحفّاظ القرآن الكريم، وللنّاس بشكل عام قال لهم: في المرحلة الأولى على الحفّاظ أن يتعلّموا التّلاوة الصّحيحة وهذا أمر مهمٌّ جدًّا حتّى تقوى تلاوتهم منذ البداية، وثانيًا من الضّروريّ بالنّسبة لهم أن يتلوا القرآن بنغم عربيّ ولحن فصيح وأن يتمرّنوا على تكرار الآيات ومراجعتها بشكل يوميّ. وقد سأل الله أن نكون جميعًا من أهل القرآن ومن العاملين بالكلام الصّافي لِوَحْيِ الله تعالى.

وفي برنامج تلفزيوني لمسابقة دولية لتلاوة القرآن الكريم على شاشة قناة الكوثر الفضائية وبحضور كبار الأساتذة والمحكمين للمسابقات الدولية لتلاوة القرآن الكريم وبمشاركة عدد كبير من القرّاء من مختلف أرجاء العالم كانت للحاج حميد رضا أحمدي وفا تلاوة فخرية في الدورة الثامنة للمسابقة القرآنية: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ﴾.

 

  حفظ القرآن

مسائل يحتاجها عشاق حفظ القرآن الكريم

 

كنا في عدد سابق قد ذكرنا بعض المسائل التي يحتاجها طلبة حفظ القرآن الكريم وهنا نشير إلى أمور جديدة في هذا الجانب وهي:

10-التسلط على القراءة الصحيحة:

يجب على كل من يريد الحصول على بركة حفظ نور الأنوار القرآن الكريم أن يعرف القراءة الصحيحة، وبتعبير آخر، يجب أن يكون مسلطاً على القراءة السليمة والصحيحة وبشكل سلس مع مراعاة الحروف والحركات، لكي لا يخطىء في التلاوة والحفظ، يقول الإمام الكاظم (عليه السلام): «من مات من شيعتنا ولم يحسن القرآن عُلم في قبره ليرفع الله به من درجته» (1) .

11-معرفة التجويد:

تعد قواعد التجويد زينة التلاوة وجاذبيتها، كذلك فإن رعاية أصول الوقف والابتداء بصورة صحيحة، واللفظ الصحيح والكامل للحروف العربية يوضح المعاني والمفاهيم للآيات المباركة وبالتالي يوجب معرفة أهدافها ومفاهيمها. لذلك تعد معرفة الحافظ لقواعد التجويد «الأولية»- قبل الحفظ وتكميلها أثناء الحفظ مترافقة مع برنامج الحفظ- ضرورية، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إن القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلاً» (2).

12-الاحاطة بقواعد اللغة:

إن معرفة قواعد اللغة العربية، يسهل فهم المعاني والمفاهيم القرآنية وفي النتيجة يسهل حفظ الآيات، بالإضافة إلى ذلك، فإن الإحاطة بقواعد اللغة، يجنب الحافظ الكثير من الاشكالات الاعرابية أثناء الحفظ والمرور على الآيات، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «تعلموا العربية فإنها كلام الله الذي يكلم به خلقه»(3).

13-التفسير:

مطالعة التفسير ومعرفة المسائل والأمور المتعلقة بالآيات وفهمها العميق له تأثير عظيم في ارتقاء التبصر والتدبر عند الحافظ، ويوجب الاستفادة من الجواهر الثمينة لكلام الوحي، والشعور بلذة أكبر في الحفظ. يقول الإمام علي (عليه السلام): «إياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء»(4).

14-المشاركة في جلسات الحفظ:

الحضور المستمر في جلسات حفظ القرآن والاستفادة من المربين ذوي الخبرة والذين يتمتعون بتجربة جيدة وعميقة في حفظ القرآن- وهم عادة (حفظة قرآن)- يحمل في طياته الكثير من التوفيقات العلمية والعملية والتي تزداد يوماً بعد يوم، وهذا الأمر أيضاً يؤمّن أرضية مناسبة لتقدم الحافظين ودفعهم إلى الأمام. إن إقامة جلسات القرآن مع الحافظ الكامل والاحاطة بالمفاهيم ومعرفة مباني التدريس وأساليبه يعد من عوامل تقدم الحافظ. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله عزَّ وجل إلاّ حفّت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله في من عنده» (5).

15-المكان:

يعد المكان المناسب من المسائل البالغة الضرورة لجهة الارتقاء في كيفية الحفظ، ويجب على الحافظ أن يستفيد- ما أمكن- من مكان ثابت ومناسب في الحفظ، وأن يتجنب الحفظ وتكرار الآيات في الأماكن التي يجتمع فيها الناس، والتي تثار فيها الضوضاء والضجيج، وهذا يؤثر كثيراً في تركيز الحواس. يقول أبو عبد الله (عليه السلام): «قارىء القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء، قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خالٍ» (6).

16-الزمان:

من المسائل المهمة في الحفظ اختيار الزمان المناسب، وهذا الأمر له تأثير كبير في كيفية حفظ المحفوظات، في البداية يمكن اختيار وقت الصباح لأن الذهن يكون حينئذٍ أكثر صفاء واستعداداً، ويعد هذا الوقت أفضل فرصة لحفظ الآيات الجديدة. يجب الالتفات إلى اختيار أفضل ساعات اليوم للحفظ والتكرار واجتناب الأوقات التي يكون فيها الذهن والجسم في حالة تعب وإرهاق. يقول الإمام علي (عليه السلام): «الفرصة تمر مرالسحاب فانتهزوا فرص الخير» (7) .

17-الآيات المتشابهة:

يتوجب على الحافظ الالتفات المضاعف والتوجه العميق في مسائل الآيات والمواضيع المتشابهة، وكذلك مضاعفة التكرار حتى يصل الى النتيجة المطلوبة وتقليل الأخطاء والاشتباهات، كذلك فإن تطبيق المتشابهات، وكتابة المسائل المتشابهة وموارد التطابق والاختلاف ووضع رموز للآيات المتشابهة له تأثير كبير في ارتقاء كيفية الحفظ واجتناب الوقوع في الخطأ. يقول صادق أهل البيت (عليه السلام): «والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضاً» (8) .

18-المباحثة:

إن اختيار رفيق لاستظهار المحفوظات والمباحثة من أجل تقوية المحفوظات وتثبيتها في الذهن- على أن يكون الزميل نفسه حافظاً- يبعث على الجدية والحماس أكثر في الحفظ. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أكثر مدارسة العلم لم ينس ما علم، واستفاد ما لم يعلم» (9).

يجب الالتفات في المباحثة إلى المسائل المهمة التالية:

أ- تعيين مقدار الآيات والمرور عليها قبل المباحثة.
ب- أن يكون مقدار الحفظ عند الحافظين متساوياً أو قريباً من بعضه ما أمكن.
ج- تلاوة الآيات عن ظهر قلب عند المباحثة.
د- أن تتم المباحثة بشكل كامل، أي قراءة كل الآيات المحددة واستظهارها عن ظهر قلب من قبل الشخصين.
هـ - عند تلاوة الآيات من قبل فرد منهما، يتوجب على الآخر ان يتابع نفس الآيات في القرآن الكريم، وأن يرفع جميع الأخطاء والإشكالات التي قد يقع فيها الأول.

19-الاستماع إلى أشرطة الترتيل:
يساعد الاستماع إلى أشرطة الترتيل أثناء الحفظ في صحة القراءة ورفع الاشكالات والأخطاء المحتملة، اضافة إلى تقوية التجويد والصوت واللحن. قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا من اشتاق إلى الله فليستمع كلام الله» (10).

20 -السؤال:
إن السؤال حول المحفوظات يؤثر كثيراً في التسلط على الآيات، وطرح السؤال حول برنامج الحفظ في التكرار وإجابة الحافظ عليها توجب تثبيت الكلمات والآيات وحفظها في الذهن أكثر، وتوجد الثقة بالنفس في وجود الشخص، ومن الأفضل أن تكون أولوية السؤال حول المحفوظات الجديدة والآيات المتشابهة والمشكل. عن الإمام الباقر (عليه السلام): «ألا إن مفتاح العلم السؤال» (11).


(1) - أصول الكافي: ج 6، ص 406.
(2) - اصول الكافي: ج6، ص 436.
(3) - سفينة البحار: ج6، ص 192.
(4) - بحار الأنوار: ج 89، ص 107.
(5) - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: ج 12، ص131.
(6) - بحار الأنوار: ج82، ص43.
(7) - نهج البلاغة: حكمة 20.
(8) - تفسير العياشي: ج1، ص 10.
(9) - غرر الحكم: 7422، 10552، 8916.
(10) - كنز العمال، ج1، ص 550.
(11) - مستدرك سفينة البحار: ج4، ص405.

 

   المرأة في القرآن

المرأة في العصر الجاهلي مسلوبة الحقوق

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين.

إن من الجوانب المهمة التي اهتم بها الإسلام وأعطاها الأولوية في الرعاية والاهتمام؛ هو الدور الذي تقوم به المرأة وذلك من الجهة الإنسانية والإسلامية، مع أنه لم تعط المرأة هذا الدور الخطير والمكانة السامية أية شريعة من الشرائع الأخرى.

فالشريعة الإسلامية هي الوحيدة التي تراعي مبدأ التكامل الإنساني، هذا المبدأ الذي يرسم للإنسان سواء كان رجلاً أم امرأة هدفاً واحداً يسعى إلى تحقيقه كل منهما، باعتبار أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل الرجل والمرأة نفساً واحداً كما قال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ (1).

وجعل هدفهما الوصول إلى أعلى درجات القرب إليه سبحانه. ومع وجود الفوارق في بعض الخصوصيات التي يمتلكها كل من الرجل والمرأة، إلّا أنَّ الإسلام قد نظر نظرة شمولية إلى جميع جوانب المرأة، فحفظ لها كيانها وأبرز شخصيتها وجعل دورها دوراً مكملاً لدور الرجل بما تمتلكه من مؤهلات منسجمة مع طبيعتها وتكوينها.

وبالنظر لكون الإسلام دينا قويما ومنهج صلاح، شرّعه الباري تعالى ليصلح به جميع جوانب الحياة الإنسانية في الدنيا والآخرة؛ فقد أولى الشخصية الإنسانية ـ سواء كانت رجلاً أم امرأة ـ اهتماماً يعرب عن النظرة الشمولية العادلة لكلا الجنسين كلاً حسب الخصوصيات والمؤهلات التي يمتلكها. وجعل كل ذلك يصب في رافد واحد يفوز به من سبق إليه وأغناه، وهو جانب التمسك بالتقوى والتنافس في طاعة الله سبحانه، كما يتبين ذلك من قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ (2).

فالمجتمع الإسلامي يتيح الفرصة للمرأة كما يتيحها للرجل لممارسة دورها في شتى الميادين، من أجل أن تحتل مكانتها السامية التي أرادها الله تعالى، من خلال القيام بما يؤهلها من استعادة مكانتها الإنسانية في المجتمع لذا جعل التمايز بين الناس بالتقوى.

إن الدفاع عن حقوق المرأة لا يعني أن يفسح المجال لأن تجعل المرأة ألعُوبة بأيدي المنحرفين، ولا أن تصبح مثاراً لشهوة الشباب الفاسدين أو تكون محطاً لمطاردة أنظارهم؛ لأن الإسلام لا يريد أن يجعل من المرأة ألعوبة، بل يريد أن يصنع منها إنسانا كاملاً يرقى إلى أعلى درجات السمو والاعتزاز.

ومن هنا جاءت آيات القرآن الكريم لترسم الصورة الكاملة في ما يتعلق بشؤون المرأة وبيان مكانتها اللائقة التي تحقق لها حقوقها وتستعيد كرامتها.

وعندما نرجع لدراسة تأريخ المرأة يكشف لنا المعاناة التي مرت بها شريحة من شرائح المجتمع، والتي كانت متمثلة بالمرأة التي سلب حقها وانتهكت حرمتها، بوازع من الأنانية والتسلط اللذان كان يحكمان المجتمع البشري، وبالخصوص المجتمع الجاهلي قبل الإسلام.

ونحن عندما نطلق مصطلح المجتمع الجاهلي، لا نعني بذلك المجتمع الجاهلي العربي منفردا، بل جميع المجتمعات الأخرى التي كانت تمارس العادات والتقاليد الجاهلية، سواء كانت هذه المجتمعات عربية أم غربية، حيث جاء الإسلام الحنيف من أجل أن يرفع جهلها ويخرجها من ضلالتها وظلاماتها وظلمها، باعتبار أن الإسلام هو دين لا يختص بالعرب فقط، بل يشمل جميع الشعوب ويتطلع للإنسانية جمعاء.

إلا أنه بدى غير خافياً على من تعرف على المجتمع الجاهلي العربي، ما كانت تعانيه المرأة من معاملة سيئة، إلى الدرجة التي كان يعدها المجتمع آنذاك عاراً وعيباً وزلة.

ومن خلال ذلك فقد جاءت الآيات القرآنية المباركة تصور معاملة ذلك المجتمع البدوي للمرأة، حيث يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ (3).

فقد كانت المرأة في الجزيرة العربية على أسوأ حال عما يذكر أو يوصف، فحقوقها مهدورة وكرامتها ضائعة والمجتمع لا يعترف بإنسانيتها، مما أدى إلى استياء الأب العربي إذا بشر بانثى، بل ويقتلها، وإن أوضح مصداق لهذه الظاهرة السيئة ما جاء به القرآن الكريم عندما يقول الباري عزَّ وجل: ﴿ وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً ﴾ (4) .

فإن الآيات المتقدمة تصور مدى استياء الرجل آنذاك من الأنثى، بحيث أصبحت تمثل له وصمة عار يشعر بالإهانة بسببها بين قومه وعشيرته، فكان يتردد الوالد بين أن يقتلها أو يتحمل عارها وبالتالي رجح قتلها!!. إلا أنه لم يكتفِ بذلك بل أخذ يتفنن في قتلها، حيث كان من إحدى الطرق في ذلك دفنها وهي حية، وهذا ما أثار غضب الله سبحانه فانـزل في ذلك قرآناً وهو قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾ (5) .

نعم، كان المجتمع العربي قبل الإسلام تعمُّه الفوضى في العلاقات الجنسية ونظام الأسرة، وكان ينظر إلى المرأة المسكينة نظرة احتقار واستصغار، ويعتبرها اداة للمتعة، وإشباعا للغريزة، وينظر إليها من ناحية الإنسانية نظرة ساقطة هابطة إلى الدرجة التي كان فيها قيام الابن بالزواج من نساء أبيه، كما تحدث القرآن الكريم عن ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ (6) .

وما كان من المحتمل أن تسمو كرامة المرأة، وترتفع عن المستوى الذي كانت عليه في البيئة الجاهلية أبداً، لولا أن منَّ الله على البشرية عامة وعلى المرأة خاصة، بإنزال شريعة الإسلام وإفاضة مناهج الرحمان، التي جعلت كرامة البشرية جمعاء ـ الرجل والمرأة ـ على حد سواء أمام الله سبحانه، فرفعت المرأة كالرجل إلى المكان اللائق بها بعد أن جعلها الله تعالى كائناً يحمل نفحة من روحه.


(1) - سورة الأنعام، الآية: 98.
(2) - سورة الحجرات، الآية: 13.
(3) - سورة النحل، الآيتان: 58 – 59.
(4) - سورة الإسراء، الآية: 31.
(5) - سورة التكوير، الآيتان: 8 – 9.
(6) - سورة النساء، الآية: 22.

 

    كلام أهل البيت (عليهم السلام)

كلام أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.


حب أهل البيت في القران

قال تعالى: ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾.

1-عن الاِمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أنّه قال: «لا يحفظ مودتنا إلاّ كل مؤمن» ثم قرأ: ﴿
قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾(1). وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾.

2-عن جابر بن عبدالله قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): «يا علي قُل: ربِّ اقذف لي المودة في قلوب المؤمنين، رب اجعل لي عندك عهداً، رب اجعل لي عندك وداً»، فأنزل الله تعالى: ﴿
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾ فلا تلقى مؤمناً ولامؤمنة إلاّ وفي قلبه ود لأَهل البيت (عليه السلام)» (2) .
 

أهل البيت (عليهم السلام) وقراءة القرآن

1-قال أبو عبدالله الصادق (عليه السلام): «اقرأ» قلت: من أيّ شيء أقرأ؟ قال: «اقرأ من السورة السابعة» قال: فجعلت ألتمسها، فقال: «اقرأ سورة يونس» فقرأت حتى انتهيت إلى: ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾ ثمّ قال: «حسبك، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّي لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن» (3) .
2-عن محمّد بن علي الحلبي، قال: سمعته ـ يعني أبا عبدالله (عليه السلام) ـ ما لا أُحصي وأنا أُصلّي خلفه، يقرأ: ﴿
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ (4) .
3-عن أبي عبدالله (عليه السلام)، في حديث قال: ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ وجعل يبكي ويقول: «ذهبت والله الأماني عند هذه الآية» (5).
4-عن الزهري ـ في حديث ـ قال: كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) إذا قرأ ﴿
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ يكرّرها حتّى يكاد أن يموت (6) .
5-ابن بابويه في كتاب الفقيه: قال: حكى من صحب الرضا (عليه السلام) إلى خراسان أنّه كان يقرأ في الصلوات في اليوم والليلة في الركعة الاُولى ﴿
الْحَمْدُ ﴾ و ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ﴾، وفي الثانية ﴿ الْحَمْدُ ﴾ و ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ (7)، الحديث.
6-عن عمران بن حصين: أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سريّة واستعمل عليها عليّاً (عليه السلام)، فلمّا رجعوا سألهم فقالوا: كلُّ خير غير أنّه قرأ بنا في كلِّ الصلاة ب‍ ﴿
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فقال: «يا عليُّ لم فعلت هذا؟ فقال: لحبّي لـ‍ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فقال النّبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أحببتها حتّى أحبّك الله عزَّوجل» (8) .
7-عن علي (عليه السلام): «أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى بالناس الظهر، فلمّا انصرف قال: أيّكم كان ينازعني سورتي التي كنت أقرأها؟ فقام رجل فقال: يا رسول الله أنا كنت أقرأ خلفك: ﴿
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هي سورتي التي كنت أقرؤها» (9) .
8-عن ابن أبي عمير، قال: كان أبو عبدالله (عليه السلام) يقرأ في الركعتين بعد العتمة: ﴿
الْوَاقِعَةُ ﴾ و ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ (10) .
9-عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام)، قال: «كان أبي (عليه السلام) يقول: ﴿
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ تَعدِل ثُلث القرآن، وكان يُحِبّ أن يجمَعها في الوتر ليكون القُرآن كلّه» (11) .
10-عن علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: «لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت، لو كان القرآن معي». وكان إذا قرأ من القرآن: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ كرّرها وكاد أن يموت ممّا دخل عليه من الخوف (12) .

11-عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «كان أبي يقرأ في الشفع والوتر بالتوحيد» (13) .
12-قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابن مسعود: «اقرأ عليّ» قال: ففتحت سورة النساء؟ فلمّا بلغت: ﴿
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً ﴾ رأيت عينيه تذرفان من الدمع، فقال لي: «حسبك الآن» (14) .
13-ورواه الشيخ أبو الفتوح في تفسيره: مع زيادة، قال: فلمّا بلغت هذه الآية بكى وقال: «اقرأها من أولها» فقرأتها ثانياً، فلمّا بلغت الآية بكى أكثر ممّا بكى في المرّة الأُولى، ثمّ قال: «حسبي»(15) .
14-عن الإمام علي (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبُّ هذه السورة ﴿
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ (16) .
15-عن البرّاء بن عازب، قال: سمعت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، يقرأ في المغرب: ﴿
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ فما رأيت إنساناً أحسن قراءة منه (17) .

16-عن مصباح الانوار: بسنده عن زرّ بن حبيش قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره في المسجد الجامع بالكوفة على أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ إلى أن قال ـ فلمّا بلغت رأس العشرين من حم عسق: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَ

اتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ بكى أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى علا نحيبه (18). الخبر.
17-عن جابر قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينام حتى يقرأ (تبارك، وألم التنزيل ) (19).
 

كيفيّة قراءة القرآن كما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام)


1-قال أبو عبدالله الصادق (عليه السلام): «يكره أن تقرأ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ بنفس واحد» (20).
2-عن الإمام علي (عليه السلام) أنّه سئل عن قول الله عزّوجلّ: ﴿
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ قال: «بيّنه تبيانا ولا تن

ثره نثر الدقل (21) ولا تهذَّه هذَّ الشعر، ولا تنثره نثر الرّمل، ولكن أقرع به القلوب القاسية، ولا يكوننّ همُّ أحدكم آخر السّورة»(22) .

3- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، وسيجيء قوم من بعدي يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم، وقلوب الذين يعجبهم شأنهم» (23) .4- عن البرّاء بن عازب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «زيّنوا القرآن بأصواتكم، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً» (24) .
5- عن علقمة بن قيس، قال: كنت حسن الصوت بالقرآن، وكان عبدالله بن مسعود يرسل إليّ فأقرأ عليه، فإذا فرغت من قراءتي، قال: زدنا من هذا ـ فداك أبي واُمي ـ فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إنّ حسن الصوت زينة القرآن» (25) .


(1) - تفسير مجمع البيان: ج5، ص29.
(2) - شواهد التنزيل: ج1ص464 | 489.
(3) - تفسير العياشي: ج2، ص119، ح1.
(4) - تفسير العياشي: ج1، ص24، ح26.
(5) - تفسير القمّي: ج2، ص146.
(6) - الكافي ج2، ص602، ح13.
(7) - الفقيه: ج1، ص201 / 922.
(8) - مجمع البيان: ج5، ص567.
(9) - الجعفريات: ص38.
(10) - التهذيب ج2، ص 116 / 433.
(11) - التهذيب ج2، ص127 / 482.
(12) - مشكاة الأنوار: ص120.
(13) - الجنّة الواقية: 52 حاشية مصباح الكفعمي.
(14) - أسرار الصلاة: ص 139.
(15) - تفسير أبي الفتوح ج1، ص768.
(16) - مجمع البيان: ج5، ص472.
(17) - مجمع البيان: ج5، ص510.
(18) - البحار: ج92، ص206، ح2.
(19) - درر اللئالي: ج1، ص35.
(20) - الكافي: ج2، ص616، ح12.
(21) - الدقل: هو رديء التمر ويابسه، وما ليس له اسم خاص، فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً. لسان العرب 11: 246 ـ دقل.
(22) - دعائم الاسلام: ج1، ص161.
(23) - البحار: ج92، ص190، ح1.
(24) - البحار: ج92، ص190، ح2.
(25) - البحار: ج92، ص190.

 

   عطور ذكرت في القرآن الكريم

المسك في القرآن الكريم
 

وقد ورد ذكر المسك في القرآن الكريم في وصف الأبرار اذ يقول عزَّ وجل:
﴿
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾(1) .

أسرار المسك وفؤائده:

يعتبر المسك ملك الأطياب والمسك كلمة أعجميَّة مُعَرَّبة من أصل فارسيّ والرديف العربي لها هو كلمة المشموم، لكنَّ استعمال كلمة المِسْك طغى لرقتها فَعَرَّبها، وتم هجر المرادف العربي لثقله ولعموم معناه. وشاعت في الاستعمال اللغويّ والمسك هي اسم لطيب «عطر» من الأطياب القليلة التي مصادرها حيوانية.

(المِسْك) بالفارسية: مشک هو طيب وعطر من مصدر حيواني . يتكون المسك في غدة كيسية في بطن نوع من الظباء يسمى غزال المسك وتوجد هذه الغدة في الذكر ولا توجد غدة المسك في الإناث.

عرف عرب الجزيرة مهنة تركيب العطور وتجارتها منذ ما قبل الإسلام وقد حظيت باهتمام تجار قريش فكانت العطور من السلع التجارية التي تحملها قوافلهــم. وكان المسك من بين العطور المـــــتداولــة والـمشـهــــــورة عنــد العــــرب إلى جانــب العنبر والعود والصندل. واشتهر عندهم نوع من المسك يجلب من مدينة دارين في بلاد البحرين التاريخية، وهو مسك هندي يجلبه التجار إلى ميناء هذه المدينة ويحمل منها إلى أنحاء مختلفة من الجزيرة العربية. كما اشتهر المسك الذي يجلب إلى بلاد العرب من الصين التبّت والهند. ويعد المسك الذي يجلب من التبّت أفضل هذه الأنواع لأن مراعي الظبي فيها أطيب من غيرها.

مصادر المسك:

يتكون المسك الطيب في غدة كيسية يبلغ حجمها حجم البرتقالة في بطن نوع من الظباء يسمى غزال المسك وتوجد هذه الغدة بقرب الفتحة القلفية للذكر ولا يوجد المسك في الاناث وفي هذه الأكياس يفرز الغزال مسكه.

كيف يحصلون على المسك من غزال المسك؟

يقوم الصيادون بقتل غزال المسك الذكر أولا ثم يفصل هذا الكيس الذي فيه المسك أو الغدة، فصلا كاملا ثم يتم تجفيفها في الشمس أو على الصخور أو تغطس في زيت ساخن جدا. ويمكن الحصول عليه دون صيد غزال المسك وقتله حيث يقوم الغزال عند نضج الكيس الذي يحتوي على المسك بحكه على صخور خشنة لأن الغزال يشعر بحكة شديدة في الكيس عند امتلائه فيقوم بحك الكيس على الصخور فينقشع الكيس بما فيه من مسك ويلصق بالصخور ويقوم خبراء المسك بجمعه من على الصخور ويسمى الكيس الجلدي بما فيه من مسك «فأرة المسك» ولون المسك داخل هذا الكيس أسود والذي قل أن يوجد في الوقت الحاضر وهو غال جدا واذا وجد يقوم تجار العطور بادخال بعض المواد عليه وخلطه بها
 

والمسك أنواع:

أحسن أنواع المسك هو الوارد من الصين أو التبت ويليه الوارد من أسام أو نيبال واقلها الوارد من سيبريا. والمسك الجيد مادة جافة، قاتمة اللون، ارجوانية، ملساء مرة المذاق.

وأشرفها وأطيبها وهو الذي تضرب به الأمثال ويشبه به غيره ولا يشبه بغيره, وهو كثبان الجنة يسر النفس ويقويها وعليه فانه يستخدم في تثبيت أغلى العطور لتبقى رائحتها فواحة سنين طويلة ولذلك يستخدم كمثبت للروائح اما فيما يتعلق باستعمالاته الدوائية يعتبر مادة علاجية قادرة على شفاء الناس مثلا:
1- يعتبر المسك مقويا للقلب نافعا للخفقان والأرياح الغليظة في الأمعاء وسمومها.
2- يستعمل في الأدوية المقوية للعين ويجلو بياضها الرقيق وينشف رطوبتها ويزيل من الرياح.
3 - منشط للباءة وينفع من العلل الباردة في الرأس.
4 - ينفع للزكام.
5 - من أفضل الترياقات لنهش الأفاعي...
 

المحتويات الكيميائية للمسك:
يحتوي المسك على حوالي 1.4% زيت طيار ذي لون أسود إلى بني والمركب الرئيسي الذي تعزى إليه الرائحة الجميلة والمنعشة المعروفة للمسك هو مسكون (Muskone) كما يحتوي على هرمونات استيروليه أهمها مسكوبايريدين (Muskcoypyidine) وكذلك قلويدات وانزيمات.

إيجابياته وسلبياته:
المسك الطبيعي إذا أخذ بكميات قليلة لا تزيد على 100 مللتر فإن له تأثيرا منبهاً للجهاز العصبي مثله مثل الكافين الموجود في القهوة والشاي، ولكن زيادة الكمية لها تأثيرات عكسية حيث يسبب الهبوط العام والخمول، مع ملاحظة أن المسك الصناعي ليس له ذلك التأثير الإيجابي أو السلبي.

النبات المسكي:
يوجد مسك مكسيكي له رائحة المسك تماماً يعرف علمياً باسم Mimulus Cardinilis وهو نبات له أزهار برتقالية جذابة بها بقع حمراء. ويسمى بالمسك الأمريكي.

المسك في الروايات:
عن الصّادق عن أبيه (علیهما السلام) قال: «إنّ رسول الله(ص) كان يتطيّب بالمسك حتّى يُرى وَبِيصُه (2) في مَفرقه» (3) .
كان لمولانا السجّاد (عليه السلام) قارورة مسك يتمسّح به عند الصلاة (4).
في الكافي: أنّ الرّضا (عليه السلام) أمر فعملت له دهناً فيه مسك وعنبر ويكتب به آية الكرسي وأُمّ الكتاب والمعوّذتين وقوارع من القرآن (5) .

فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ


(1) - سورة المطففين ، الآيات : 24 – 26 .
(2) - الوَبِيصُ: البَريق. وقد وَبَص الشَّي ءُ يَبِصُ وبِيصاً (النهاية).
(3) - مستدرك سفينة البحار : ج9 ، ص390 .
(4) - المصدر السابق .
(5) - المصدر السابق .

 

   طيور ذكرت في القرآن الكريم

الجوارح من الطيور

في القرآن الكريم
 


يقول الله عزَّ وجل: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ (1) .

سبب النزول:

ذكر المفسرون أسباباً عديدة لنزول هذه الآية، وأكثر هذه الأسباب ملائمة مع فحوى الآية هو: أنّ «زيد الخير» و«عدي بن حاتم» اللذين كانا من الصحابة المقّربين، قدما على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبراه بأنّ قومهما يصيدون بواسطة كلاب وصقور الصيد، وإِنّ هذه الكلاب تصيد لهم الحيوانات الوحشية من ذوات اللحم الحلال، وتأتي بالحيوان المصيد حياً في بعض الأحيان فيذبح، وأحياناً أُخرى تأتي به وقد قتلته قبل وصولها إِلى أصحابها دون أن يتاح لهم ذبحه، وسألا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حكم الصيد والمقتول بواسطة كلاب الصيد وهل يعتبر ميتة وحراماً أم لا؟... فنزلت الآية هذه وأجابت على سؤالهما. (2)

ثمّ تبيّن الآية أنواع الصيد الحلال، فتشير إِلى الصيد الذي تجلبه أو تصيده الحيوانات المدربة على الصيد، فتؤكد بأنّه حلال.

الجوارح لغة:

وعبارة جوارح مشتقة من المصدر «جرح» الذي يعني أحياناً «الكسب» وتارة يعني «الجرح» الذي يصاب به البدن، ولذلك يطلق على الحيوانات المدرّبة على الصيد، سواء كانت من الطيور أم من غيرها، اسم «جارحة» وجمعها «جوارح» أي الحيوان الذي يجرح صيده، أو بالمعنى الآخر الحيوان الذي يكسب لصاحبه، وأمّا إِطلاق لفظة «الجوارح» على أعضاء الجسم فلأن الإِنسان يستطيع بواسطتها إِنجاز الأعمال أو الاكتساب.

الجوارح : وهي رتبة من الطيور تضم معظم الطيور التي تتغذى على الفرائس بشكل يومي مثل: الباز والعقاب والنسر وغيرها، مشكلة 225 نوعا ينضم تحت هذه الرتبة.

وجملة: ﴿ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ ﴾ تشمل كل الحيوانات المدرّبة على الصيد، ولكن كلمة «مكلبين» التي تعني تدريب الكلاب للقيام بأعمال الصيد، والمشتقة من مادة «كَلَب» أي الكلب، تقيد هذه الجملة وتخصصها بكلاب الصيد، ولذلك فإِنها لا تشمل الصيد بحيوانات غير هذه الكلاب مثل الصقور المدرّبة على الصيد. ولذلك ذهب فقهاء الشيعة إِلى تخصيص الصيد الحلال بما يصاد من قبل كلاب الصيد، وبديهي أنّ الصيد الذي تجلبه حيوانات مدرّبة أُخرى، يعتبر حلا في حالة جلبه حيّاً وذبحه وفق الطريقة الشرعية.

الجوارح، وتسمى أيضاً الكواسر، طيور تتغذى بفرائس حية أو ميتة تصطادها بفضل تكيفها الجيد للاصطياد ومطاردة الفرائس، لذلك تسمى أيضاً سباع الطير، التي تضم النسور، والصقور أو البزاة، والعقبان، والحِدَاء (مفردها حِدَأة) وغيرها، وهي نهارية النشاط، لهذا تسمى أيضاً الجوارح النهارية تمييزاً لها مما يسمى الجوارح الليلية التي تضم أنواع البوم التي تُشَكِّل رتبة بوميات الشكل . من بين الــ 8700 نوع من الطيور المنتشرة في جميع أنحاء العالم، هناك 287 نوعاً من الجوارح النهارية، بينما تحوي الجوارح الليلية 134 نوعاً.

وهي حيوانات متينة البنية، تتمتع بنظر ثاقب تفوق حدته باقي الحيوانات، لذلك ضرب بها العرب المثل فقالوا أبصر من عقاب. كما أنها تتمتع بقدرة شم شديدة، قد تكون أجنحتها عريضة أو ضيقة، إلا أنها دوماً طويلة تساعدها على الطيران المديد، أرجلها قصيرة وقوية ذات أربع أصابع، ثلاث منها متجهة للأمام والرابعة للخلف، ماعدا العقاب النُساري الذي يستطيع عكس إحدى أصابعه لتصبح له إصبعان متجهتان للأمام واثنتان للخلف. تنتهي كل رجل لها بمخلب منحن قوي.

الصفات المميزة:

هو امتلاكها لمناقير حادة ومعكوفة، إضافة إلى وجود جزء أمامي مميز ناعم يضم المنخر، أما أجنحتها فطويلة وعريضة، وملائمة للطيران المرتفع. وتمتلك الجوارح أقداما وسيقانا قوية ومخالب للصيد والافتراس ومخلبا خلفيا للإمساك بالفرائس، ومعظم الجوارح من اللواحم، إذ تصطاد مستخدمة بصرها الحاد خلال النهار والغسق، والجوارح من الحيوانات التي تعيش طويلا نسبيا، وهي قليلة الإنجاب والتناسل. تفترس عادة الفقاريات ذات الدم الحار وتتغذى بها، مع أن بعضها يصطاد الأسماك والضفادع والزواحف، وأحياناً الحشرات، وبعضها يتغذى بالجيف الميتة، وتُلقَطُ الفريسة عادة بالمخالب وتقتلع رياشها أو فراؤها ثم يُقضى عليها. وتجدر الإشارة إلى أن الوجبة الغذائية للطائر الجارح ليست كبيرة، فهي لا تتجاوز الـ250 غراماً يومياً للنسر الملكي الذي يزن بين 3 و6كغ. يغطي جسم الجوارح ريش قاس يصدر صوتاً مميزاً عند الطيران، وهو يغطي أيضاً رسغ الأرجل، بينما تبقى الأصابع عارية. تعيش الجوارح منفردة أو في أزواج، إلا حين هجرتها. كلها أحادية الزيجة ، ويتم التزاوج في الربيع يسبقه قتال وعروض يبدو أن الأنثى تراقبها باستمتاع. بيوضها قليلة العدد، وبعضها يبيض بيضة واحدة فقط، تحضنها الأنثى وحدها بينما يقوم الذكر بإطعامها في أثناء حضنها. تبني أعشاشها في المناطق العالية حيث يصعب الوصول إليها، وهو احتياط ضروري لأن صغارها تحتاج إلى رعاية أطول من غيرها من الطيور.

أنواع الطيور الجارحة:

تتعدد أنواع الطيور الجارحة وتتنوع في الطبيعة، من هذه الأنواع: النسور تعتبر النسور أكبر أنواع الطيور والجوارح من حيث الحجم، حيث يتراوح متوسط أطوالها ما بين (40-100) سنتمتر، كما تتراوح أوزانها ما بين 700 غرام و 7 كيلوغراماً، وتختلف في حجمها وسلوكها وشكلها، فمنها ما هو سريع وصغير مثل: النسور الهندية، ومنها السريعة جداً مثل: النسر الطيار. تتكوّن النسور من زوجين، تبني عشها أعلى الجبال والأشجار والمنحدرات، وأغلب أنواع النسور تبيض بيضتين، وعندما تفقس البيوض يترك الأبوان الصغار يتعاركان حتى يقتل واحد منهم الآخر لتربيته، النسر الطماع: يعيش في المناطق المدارية، وهو من أخطر أنواع النسور حتى على البشر، ويبلغ طوله (120) سنتمتر، وبوزن (14) كيلوغراماً، ويتميّز بسرعته في الانقضاض على فريسته.

تربية الصقور:

تعود تربية الصقور إلى عدة قرون، ولتربية الصقور قواعدها وطقوسها، حيث يحجز الصقر في الأسر ويُجَوَّع ويحافظ عليه بحالة غير مستقرة لإضعافه وجعله سهل الانقياد. ويغطى رأسه في أثناء تدريبه بقلنسوة كي لا يستثار أو يذعر بمنظر الكلاب أو الأحصنة أو الإنسان. بعد مدة لابأس بها من العناية يعتاد على مدربه ويقبع هادئاً على ذراعه.
 

الجوارح في الروايات:

في صحيحة الحلبي: «في كتاب عليّ (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ﴾ قال: هي الكلاب» (3) .
ورواية عبد الله بن سليمان: عن رجل أرسل كلبه وصقره، فقال: «أمّا الصقر فلا تأكل من صيده حتى تدرك ذكاته، وأمّا الكلب فكل منه إذا ذكرت اسم الله عليه، أكل الكلب منه أو لم يأكل» (4) .
وصحيحة الحضرمي: عن صيد البزاة والصقور والكلب والفهد، فقال: «لا تأكل صيد شيء من هذه إلاّ ما ذكّيتموه إلاّ الكلب المكلّب» قلت: فإن قتله؟ قال: «كل، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿
وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ ﴾ (الآية) » (5).

فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ


(1) - سورة المائدة، الآية: 4.
(2) - الكافي: ج6، ص202.
(3) - الكافي: ج6، ص207.
(4) - الوسائل: ج23،ص 348 أبواب الصيد، ب9، ح1

 

    أنشطة الجمعية

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ .

علينا أن نقرأ القرآن الكريم بقلب حاضر، وأن نتدبر ما نقرأه ونتفهّم معانيه، ويتخشَّع عند ذلك قلبنا، ونستحضر في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا بأننا نخاطب الله تعالى في هذا القرآن؛ لأن القرآن كلام الله عزَّ وجل. وكما قال الله تعالى في الأمر والحث على التدبر في الآية الآنفة الذكر، وعلينا أن نجعل فكرنا مع القرآن، ونمنعه من الشرود والضياع، وعلينا أن نعرف أنَّ المتأثر بالقرآن: يفرح إذا تلا آيات الترغيب، ويبكي ويحزن عند تلاوة آيات العذاب والإنذار، ويقف؛ ليعرف ما المراد مما يقرأ، وعلينا أن نطهِّر أدوات التلاوة مما عَلِقَ بها من الذنوب بالتوبة: وهي اللسان والبصر، والسمع، والقلب من الشهوات المحرمة، ولا ننسى الشبهات كذلك، كما علينا أن نتقن فن القرأة من خلال المجالس القرآنيّة التي تقيمها الجمعيات المتخصصة ومنها جمعية القرآن الكريم التي تقوم بنشر الثقافة القرآنيّة ضمن برامجها التالية.

1- نشاط القسم التعليمي وبرامجه:

- ويستمر القسم التعليمي في برامجه التعليمية ودوراته في لبنان وفق رؤية البرنامج السنوي الذي يتضمن العناوين التالية:

1- الحلقات القرآنية في المساجد والحسينيات.
2- التلاوة والتجويد للمرحلة المتوسطة والتخصصية.
3- الصوت والنغم للمرحلة المتوسطة والتخصصية.
4- مجمع قرَّاء القرآن والقارئات.
5- مناهج التفسير وتفسير الجزء الثامن من القرآن الكريم.
6- تفسير بعض السور القرآنية.
7- العلوم القرآنيَّة.
- علم الوقف والإبتداء.
9- أساليب تحكيم المسابقات القرآنيَّة.
10- أساليب تدريس التجويد وحفظ القرآن.
11- الورش التعليميَّة.
12- الدورات المركزيَّة المغلقة في العناوين التالية:

أ- تأهيل القرَّاء والقارئات.
ب- تأهيل معلمي التجويد والوقف والابتداء.
ج- تأهيل الحكّام في المسابقات القرآنيَّة.
د- أساليب تدريس حفظ القرآن.
هـ- أساليب تدريس التفسير والعلوم القرآنيَّة.

2- نشاط قسم النشاطات القرآنية:

- أقامت جمعية القرآن الكريم المسابقة السنوية العشرين في الحفظ والتلاوة وعلوم القرآن الكريم (للإخوة والأخوات) لعام 1439هـ - الموافق لعام : 2017 – 2018م طبقا للفئات التالية.

أ- فئة الحفظ : 5 أجزاء - 10 أجزاء - 15 جزءاً - 20 جزءاً - و30 جزءاً .

ب- فئة التلاوة : - ترتيل (للإخوة والأخوات). - تجويد (للإخوة والأخوات).
وقد أجريت تصفيات أولية ونهائية لهاتين الفئتين .

ج- فئة العلوم القرآنية في كتاب: علوم القرآن عند العلامة الطباطبائي (قدس سره) يطلب الكتاب من كافة مراكز الجمعية في بيروت والمناطق . حيث يقام لاحقاً احتفال توزع فيه الجوائز والشهادات على الفائزين لكافة الفئات وهناك جوائز قيمة بانتظار الفائزين بقيمة : 8000000 ل ل - 15 ليرة ذهبية - 5 مصاحف الكترونية - وزيارات للعتبات المقدسة في العراق وإيران.

 

3- نشاط قسم تحفيظ القرآن الكريم:

- أقامت جمعية القرآن الكريم بإشراف قسم التحفيظ دوراتها الصيفية لعام 2017م في كل المناطق اللبنانية وقد بلغ عدد الدورات 141 دورة شارك فيها 2195 طالباً وطالبة وقد تمَّ حفظ ما بين جزء وجزأين في هذه الفترة الصيفية.

- أمَّا بالنسبة لتأهيل حفَّاظ كامل القرآن الكريم فقد تمَّ الاختبار والتسميع لهم ما بين شهري نيسان وأيار والهدف هو التثبيت لما حفظوه خلال السنوات الماضية والمحافظة على انجازاتهم من خلال المتابعة لهم.
 

4- نشاط قسم الدراسات القرآنية:

تمكنت جمعية القرآن خلال الأشهر الماضية من طباعة الإصدارات التالية:

- طباعة مجلة هدى القرآن العدد (22).
- مجلة نافذة من السماء العدد (25).
- أريج القرآن العدد (96).

 

   مسابقة العدد


1-«المُراقبة» اُطلِقَت على كلّ أمر يُحتاج فيه :
أ - إلى المواظبة .
ب-إلى التّحقيق.
ج-كلاهما صحيح .

2-ما معنى «الحذر» من ﴿ حِذْرَكُمْ ﴾ ؟.
أ - يعني اليقظة والتأهب والترقب لخطر محتمل.
ب- يعني أحياناً الوسيلة التي يستعان بها لدفع الخطر.
ج-كلاهما صحيح.

3- لمن هذا التعريف الاصطلاحي للاعجاز والمعجزة: وهو أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهية بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره، شاهداً على صدق دعواه؟
أ-للسيد الخوئي (قدس سره).
ب-للطُريحي (قدس سره).
ج- للعلامة السيد الطباطبائي (قدس سره).

4- ما هو معنى التفسير اصطلاحاً؟
أ - إزاحة الإبهام عن اللفظ القرآني المشكل.
ب - الكشف عن الإبهام في الجُمل والكلمات القرآنية.
ج- كلاهما صحيح.

5-على ما تدل البلايا والمحن للمؤمن؟
أ - على هوان العبد على ربه.
ب- على تطهير وتزكية ومنح وعطية.
ج- كلاهما خطأ.

6-أكمل الحديث عن أمير المؤمنين(ع): «يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُهَيمِناً عَلى نَفْسِهِ ......، حافِظاً لِسانَهُ».
أ-مُراقِبَاً رَبَّهُ.
ب-مُراقِبَاً قَلْبَهُ.
ج - مُراقِبَاً هَوَاهُ.

7-الملاك والميزان في الاخفات؟
أ - ترك جوهر الصوت.
ب- عدم إظهار جوهر الصوت.
ج - كلاهما صحيح.

8-من المسائل التي يحتاجها عشّاق حفظ القرآن الكريم هي :
أ - المشاركة في جلسات الحفظ.
ب - الإحاطة بقواعد اللغة.
ج - كلاهما صحيح.

9-من القائل: «مراعاة آداب وأعراف التلاوة، إنّما هي مقدمة لنفوذ مفاهيم القرآن إلى القلوب»؟
أ - الإمام الخميني (قدس سره).
ب - الإمام الخامنئي (دام ظله).
ج - سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).

10-من القائل : «إنما الذكر لله في تذكّره، والتفكّر فيه، والإحساس به وحضور القلب بين يديه سبحانه وتعالى»؟
أ - الإمام الخميني (قدس سره).
ب - الإمام الخامنئي (دام ظله).
ج - سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).


 
 


أفقيَّاً

1- أطول سورة فى القرآن الكريم
2- أقصر سورة فى القرآن الكريم
3- السورة التى اختتمت باسم نبيين
4- أسم السورة التى سميت باسم جميع بنات حواء
5- أعظم آية فى القرآن الكريم (غير البسملة)
6- السورة التى بدأت بلفظ سورة
7-السورة التى لم تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم
8- السورة التى سميت باسم الفاكهة
9- السور التى سميت باسم كوكب
10- السورة التى سميت باسم من اركان الإسلام

عاموديَّاً

1- معدن ـ غير الحديد ـ ورد إسمه في القرآن مرة واحدة
 



الأولى: زينب محمد زعيتر.
الثانية: سكينة يوسف درويش.
الثالث: وسام جميل فرحات.

يمكنكم مراجعة مراكز الجمعية في المناطق لاستلام الجائزة.


الأجوبة الصحيحة لمسابقة هدى القرآن العدد (21)

1- ما الذي يدخل الإنسان في زمرة الصالحين ؟
ب- العمل الصالح النابع من الإيمان بالله تعالى.

2 – هل المراد من الجهاد في هذه الآية ﴿ وَجَاهِدُواْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ هو.
أ - جهاد الأعداء والظلمة.
ب- تشمل كلّ نوع من الجهاد في سبيل الله بما في ذلك الجهاد مع النفس.

3-(التخبّط) والخبط من قوله: ﴿ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ ﴾ هل هو بمعنى واحد.
أ- المشي على غير استواء.

4- ما هو تعريف المنهج التفسيري؟
أ - هو تبيين طريقة كل مفسر في تفسير القرآن الكريم.

5- ما هو اسم ذي القرنين كما ورد في الرواية؟
أ - عبد الله بن ضحاك بن معد.

6- أكمل الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنْ لَمْ يَتَعاهَدْ النَّقْصَ مِنْ نَفْسِهِ غَلَبَ عَلَيهِ.... ، وَمَنْ كانَ في نَقْص فَالمَوتُ خَيرٌ لَهُ».
ب- الهَوى.

7- هل يكفي قراءة التسبيحات الأربع في الركعتين الأخيرتين ؟.
أ- مرّة واحدة.
ب- الأحوط استحباباً التكرار ثلاث مرات.

8 – من المسائل التي يحتاجها عشّاق حفظ القرآن الكريم هي:
أ - الالتفات الى الأمور المعنوية.
ب - الداعي والمحفز والإرادة.

9- القائل: «الابعاد السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، العسكرية، الثقافية، والحرب والصلح في القرآن»؟
أ - الإمام الخميني (قدس سره).

10- القائل: «إنّني أشعر أنَّ من حفظ القرآن وأنس به كان به أقرب إلى فهم المعارف الإسلامية ممن لم يأنس به»؟
ب - الإمام الخامنئي (دام ظله).


أجوبة تسلية وفائدة قرآنية للعدد (21):

أفقيَّاً

1 - اسم اوّل من ترجم القرآن إلى اللاتينية: روبرت كنوني.
2- كلمة وردت في القرآن الكريم معناها. قرى قوم لوط: المؤتفكات.
3- عدد المرات التي وردت كلمة الصيام في القرآن الكريم: ثلاث مرات
4- عدد مرة ورد اسم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن الكريم: أربع مرات.
5- عدد المرات التي ورد اسم (رمضان): مرة واحدة.
6- اسم من أسماء يوم القيامة في القرآن الكريم أخره نون: يوم الدين.
7- نبات فيه يائين ورد ذكره في القرآن الكريم: اليَقطين.
8- جمع حيوان برمائي ورد ذكره في القرآن الكريم. الضفادع.
9- معدن يدخل في كثير من الصناعات ـ غير الحديد ـ ورد إسمه في القرآن مرة واحدة: النحاس.
10- النبي الذي قال في القرآن الكريم: «
هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي». سليمان (عليه السلام).
 

عاموديَّاً

1- من أي مذهب القائل: يا آل بَيتِ رَسولِ اللّه‏ِ حُبُكُم فَرضٌ مِنَ اللّه‏ في القرآنِ أنزَلُه؟ الشافعي.
2- اذا حزفنا حرفا من كلمة مدينة أصبح اسم مدينة وردت في القرآن: مدين.
3- الحروف المقطعة في سورة النمل: طس.

 

 

 

 

ملاحظة: إلى القرّاء الكرام: 

تحية طيبة إليكم من إدارة المجلة، ونحن نرحب بأي اقتراح من قبلكم لتطوير المجلة ويمكن لكم مراسلتنا من خلال مراكز جمعية القرآن الكريم من كافة المناطق. 


أرقام هواتف جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد:

الإدارة العامة: بيروت - لبنان - حارة حريك - أوتستراد المطار - سنتر صولي - 274721/01 تلفاكس: 545723/01
بـيــروت: 278845/01 - النويري: 653914/01 - خلدة: 806587/05
النبـطيـة: 764749/07 - بريقع: 542403/07 - الغازية: 225121/07 - مشغرة - القطراني: 651915/08
صـــــور: 349292/07 - شحور: 675170/03 - جويا: 411355/07 - الشعيتية: 086049/03 - بنت جبيل: 452116/07
بـعلـبـك: 373786/08 - قصرنبا: 910410/08 - النبي شيث: 335013/08 - شمسطار 330209/08
الهــرمل: 200235/08 - العين: 430717/71 - القصر: 468090/03
 

 

www.qurankarim.org    E-mail: info@qurankarim.org

06-04-2018 | 11-40 د | 15570 قراءة


الصفحة الرئيسة
جمعية القرآن الكريم
المكتبة الصوتية والمرئية
معرض الصور
مكتبة الكتب
سؤال وجواب
صفحة البحــــث
القائمة البريـدية
سجـــــــل الزوار
خدمــــــــة RSS
تواصل معنا
 
فلاشات إخبارية
جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - لبنان

2543952 زيارة منذ 18- تموز- 2008

آخر تحديث: 2023-12-07 الساعة: 12:56 بتوقيت بيروت