تحريك لليسارإيقافتحريك لليمين
نافذة من السماء، العدد السادس والعشرون.
مجلة هدى القرآن العدد الثاني والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد السادس والتسعون
نافذة من السماء، العدد الخامس والعشرون
مجلة هدى القرآن العدد الواحد والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد الخامس والتسعون
مجلة هدى القرآن العدد التاسع عشر
مجلة أريج القرآن، العدد الواحد والتسعون
مجلة أريج القرآن، العدد التسعون
 
التصنيفات
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة
مجلة هدى القرآن العدد الثالث

العدد الثالث، شهر رجب / 1433 هجري، حزيران 2012 ميلادي

مجلة داخلية تصدر عن جمعية القرآن الكريم، تُعنى بالثقافة القرآنية

لسحب العدد (ص)PDF اضغط هنا

 

 

  كلمة العدد

القرآن الكريم منهاج متكامل للحياة والسعادة

  عظمة القرآن

  القرآن كتاب الحكمة والعلم والحياة

  القرآن شفاء الصدور وربيع القلوب

  نقاط وتأملات

  مفردات قرآنية

  القرآن قطعي الدلالة

  نزول القرآن الكريم

  قصة أصحاب الجنة

  القرآن في نهج البلاغة

  الأخلاق القرآنية

  المرأة بعد فجر الإسلام

  نصائح وإرشادات لحفظ القرآن الكريم وتجويده (مخارج الحروف)

  أشهر القراء المبدعين

  حوارات قرآنية

  كلام أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن

  استفتاءات قرآنية لسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله)

  مقابلة مع نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم (حفظه الله)

  الجمل والزيتون في القرآن الكريم

  أنشطة الجمعية

  مسابقة العدد

 

   كلمة العدد

 ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ سورة الفرقان -1

صدق الله العلي العظيم

عظمت بركات القرآن الكريم وكثرت، وقد نزَّله سبحانه على رسوله الأكرم محمَّد (ص) ليفرق به بين الحق و الباطل، والثواب والخطأ في أمور الدين بما فيه من الحث على أفعال الخير، والزجر عن القبائح والشر، وليكون لجميع المكلفين من الإنس والجن مخوِّفاً بالعقاب و داعياً لهم إلى الرشاد، وهدىً ورحمة لمن يرغب في إحراز اليقين والبصيرة والفهم والعلم والعمل والقرب من المعنويات والشهود والحقيقة، فيكون لمن يقرأه فرقاناً يميِّز له الحقَّ عن الباطل، والصحَّ عن الخطأ، والخير عن الشر، وما ينفع عمَّا يضر... فيكون بذلك فوق الآخرين، لأنَّه ملكُ الميزان، فأصبح دليلاً لغيره على الطريق الصحيح، وهذه بغية الإنسان المتطلع إلى النور دوماً.

ونحن في
جمعيَّة القرآن الكريم، نضع بين أيديكم العدد الثالث من مجلة (هدى القرآن) لنفس الهدف الذي تقدَّم، سائلين المولى تعالى التوفيق لذلك، بحق محمَّد وآله الطاهرين .

جمعية القرآن الكريم

للتوجيه والإرشاد
 

 

   الافتتاحية

  القرآن الكريم منهاج متكامل للحياة والسعادة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسَّلام على أشرف خلق الله محمَّد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
يقول سبحانه:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا(1).
أتوجه إلى المجتمع والأمة بالسؤال: أين نحن من القرآن الكريم الذي نعيش ربيعه في شهر رمضان المبارك الذي أصبح على الابواب؟ إنَّ بيننا وبين كتاب الله عزَّ وجل مسافة، ولابُدَّ أن نطويها حتى نصل إليه. فما هي هذه المسافة؟ وكيف نطويها؟
إن الإجابة عن ذلك تتلخص ببساطة بالغة، وهي أنَّ واقعنا هوغير الواقع الذي يدعونا القرآن إليه. فواقعنا هو واقع التجزئة والتخلُّف، فيما يدعونا القرآن إلى الوحدة والتقدم:
﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (2)، وواقعنا هو واقع الفساد الإداري والاقتصادي والسياسي، بينما القرآن الكريم يدعونا إلى الإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(3).
إن نفوسنا - وللأسف الشديد - تختلف عما أراده القرآن، فهي مليئة، بل وطافحة بالحمية والأنانية، ولكن القرآن يدعونا إلى كلمة التقوى والهدى والحبّ، قال سبحانه:
﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا... (4).
ولكن العصبيات، والحميات، والأحقاد، والفوارق المصطنعة، وسائر الجاهليات المتمكنة منّا، تحجزنا عن بعضنا، فهل هذا هو ما أراده القرآن الكريم؟
أبد، لقد أحاط بنا الجهل والهوى في وقت أمرنا القرآن الكريم بالسعي إلى حيازة العلم وتحصيل الهدى، ولكي نكون أناساً متعلمين عقلاء، فلا نتحرك وفق الحساسيات والعواطف والشهوات.
أين الهدى؟ بل أين نحن من هدى القرآن؟ فإذا لم نعرف مكان الهدى، ولم نأخذ موقعنا من هذا الهدى، نكون قد حكمنا على أنفسنا بالانفصال عن القرآن.
فعلينا أن نستفيد من كلِّ الفرص المناسبة في إطار قطع المسافة المشار إليها، بل وحذفها حذفاً كلياً، وذلك بوسيلة تلاوة الكتاب المجيد والتأمل والتدبر في آياته المباركة، فلا نمرّ على آية قرآنية إلاّ ونتوقف عندها، فنتدبر فيها وفيما تقول من أجل العمل بها.
وهكذا يتوجّب علينا أن نقف عند كل آية تحدثنا عن المفاهيم والقوانين التي تنتهي بنا إلى سعادة الدنيا والآخرة، ففي القرآن الكريم منهاج متكامل للحياة والسعادة.
فتعالوا إلى الاستفادة من هذا المنهاج العظيم، فنتعظ به وبأدلته التي وضعها الله سبحانه لنا فننظر فيها ونتفكر في مقتضاها ولا نقع عليها صماً كأننا لم نسمعها ولا عمياناً كأننا لم نرها، ولكن نسمعها ونبصرها وننتفع بها ونتدبر لها لنصل إلى جنَّته ورضوانه، نسأله عزَّ شأنه أن يوفقنا لذلك، إنَّه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

رئيس التحرير

 


(1) - سورة الفرقان، الآية: 73.
(2) - سورة آل عمران، الآية: 103.
(3) - سورة آل عمران، الآية: 104.
(4) - سورة الفتح، الآية: 26.

 

   القرآن والقادة

 كلام الإمام الخميني (قدس سره)


 عظمة القرآن


اعلم أيُّها العزيز أنَّ عظمة كلّ كلام وكلّ كتاب إمَّا بعظمة متكلمه وكاتبه، وإمَّا بعظمة مطالبه ومقاصده، وإمَّا بعظمة نتائجه وثمراته، وإمَّا بعظمة الرسول والواسطة، وإمَّا بعظمة المرسل إليه وحامله، وإمَّا بعظمة حافظه وحارسه، وإمَّا بعظمة شارحه ومبيِّنه، وإمَّا بعظمة وقت إرساله وكيفية إرساله، وبعض هذه الأمور دخيل في العظمة ذاتاً وجوهراً
(1)، وبعضها عرضاً بالواسطة، وبعضها كاشف عن العظمة، وجميع هذه الأمور التي ذكرناها موجودة في هذه الصحيفة النورانية بالوجه الأعلى والأوفى، بل هي من مختصَّاته بحيث أنَّ أيَّ كتاب آخر إمَّا ألاّ يشترك معه في شيء منها أصل، أولا يشترك معه في جميع المراتب.
أمَّا عظمة متكلمه ومنشئه وصاحبه، فهوالعظيم المطلق
(2) الذي جميع أنواع العظمة المتصورة في الملك والملكوت (3)، وجميع أنواع القدرة النازلة في الغيب (4) والشهادة (5) رشحة من تجليات عظمة فعل تلك الذات المقدَّسة، ولا يمكن أن يتجلَّى الحق تعالى بالعظمة لأحد وإنَّما من وراء آلاف الحجب والسرادقات، كما في الحديث «إنَّ لله تبارك وتعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، لوكشفت لأحرقت سبحات وجهه دونه» (6).
وعند أهل المعرفة قد صدر هذا الكتاب الشريف من الحق تعالى بمبدئية جميع الشؤون الذاتية والصفاتية والفعلية، وبجميع التجليات الجمالية
(7) والجلالية، وليست لسائر الكتب السماوية هذه المرتبة والمنزلة، وأمَّا عظمته بواسطة محتوياته ومقاصده ومطالبه فيستدعي ذلك عقد فصل على حدة، بل فصول وأبواب، ورسالة مستقلة، وكتاب مستقل حتى يسلك نبذة منها في سلك البيان والتحرير، ونحن نشير بطريق الإجمال بفصل مستقل إلى كليَّاته، وفي ذلك الفصل نشير إلى عظمته من حيث النتائج والثمرات إن شاء الله.
وأمَّا عظمة رسول الوحي وواسطة الإيصال فهو جبرائيل الأمين والروح الأعظم الذي يتصل الرسول الأكرم (ص) بعد خروجه عن الجلباب البشري، وتوجيه شطر قلبه إلى حضرة الجبروت
(8) بذلك الروح الأعظم، وهو أحد أركان دار التحقق الأربعة بل هوأعظم أركانها وأشرف أنواعه، لأنَّ تلك الذرات النوارنية ملك موكل للعلم والحكمة وصاحب الأرزاق المعنوية والأطعمة الروحانية، ويستفاد من كتاب الله والأحاديث الشريفة تعظيم جبرائيل وتقدُّمه على سائر الملائكة.
وأمَّا عظمة المرسل إليه ومتحمِّله، فهوالقلب التقي النقي الأحمدي الأحدي
(9) الجمعي (10) المحمدي الذي تجلى له الحق تعالى بجميع الشؤون الذاتية (11) والصفاتية (12) والأسمائية والأفعالية، وهو صاحب النبوة الختمية، والولاية المطلقة، وهو أكرم البرية، وأعظم الخليقة وخلاصة الكون، وجوهرة الوجود، وعصارة دار التحقق، واللبنة الأخيرة، وصاحب البرزخية الكبرى، والخلافة العظمى.
وأمَّا حافظه وحارسه فهو ذات الحق جلَّ جلاله، كما قال في الآية الكريمة المباركة:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (13)، وأمَّا شارحه ومبيِّنه فالذوات المطهرة المعصومون من رسول الله(ص) إلى حجَّة العصر عجَّل الله فرجه والذين هم مفاتيح الوجود، ومخازن الكبرياء ومعادن الحكمة والوحي، وأصول المعارف والعوارف، وأصحاب مقام الجمع (14) والتفصيل.
وأمَّا وقت الوحي فليلة القدر أعظم الليالي و ﴿خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ وأنور الأزمنة، وهي في الحقيقة وقت وصول الوليّ المطلق والرسول الخاتم (ص).


 

(1) - الجوهر: هوالوجود المستقل الذي لا يفتقر إلى محل ولا أنَّه تابع لشيء آخر.
(2) - المطلق: أي الوجود المطلق، يراد منه الله سبحانه الذي لا يحد بحد ويقابله الوجود المقيَّد، مثل وجود الجماد والنبات والمعادن والعقول والنفوس و...
(3) - الملك: إن الملك هوالشيء المادي العنصري المحسوس، ويقال عالم الملك لعالم الشهادة الذي هوالعالم الطبيعي المشهود الجسماني.
(4) - الغيب: ما يقابل عالم الشهود وهومقام الجمع لدى العرفاء.
(5) - الشهادة: أي عالم الشهادة المحسوسة المادية.
(6) - الحجاب: يقصد العرفاء من الحجاب العوائق التي تتوسط بين العاشق والمعشوق.
(7) - التجلي الجمالي: وهوالتجلي بالرحمانية والرحيمية حيث يوجب الرعاية حيث يوجب الرعاية واللطف والرحمة، وان كل ما هوتجلي جمالي يستلزم التجلي الجلالي لأن التجلي هوتجلي الحق على حقيقة لذاته عز اسمه وهذا معناه احتجاب الحق سبحانه بحجاب العز والكبرياء عن غيره هذا هوالتجلي بالجلال، كما أن كل تجلي بالجلال يستلزم التجلي بالجمال.
(8) - الجبروت: يطلق عالم الجبروت على عالم العقول المجردة وقال صدر المتألهين: إن عالم الجبروت هوعالم العقول الكلية كما يطلق لدى بعض الفلاسفة على عالم البرزخ.
(9) - الأحد: هوكل شيء لا يكون له مثيل من جنسه.
(10) - الجمع: هو مشاهدة الحق دون انتباه إلى الخلق حيث لا يكون الخلق حجاباً للعارف وهذه مرتبة الفناء.
(11) - التجلي الذاتي: هوانكشاف الحقائق الغيبية من وراء الحجب.
(12) - التجلي الصفاتي: هوتجلي الصفات والأسماء والحجب النوارنية.
(13) - سورة الحجر، الآية: 9.
(14) - مقام الجمع: هوالغيب لدى العرفاء.

 

   القرآن والقادة

 كلام سماحة الإمام القائد الخامنئي (دام ظله)

 القرآن كتاب الحكمة والعلم والحياة

 

 الحضور: جمعٌ كبيرٌ من المتفوقين وحفاظ القرآن الكريم.


الشكر الجزيل للإخوة الأعزاء الذين تلَوا علينا بألحانهم العذبة الآيات الكريمة، فصدحت تلاوتهم في هذه الأجواء، ونوَّروا قلوبنا بنور تلاوة الآيات الكريمة للكتاب الإلهي. أملنا أن يُعرِّف الله تعالى شعبنا وخصوصاً شبابنا على القرآن أكثر.



الطريق هوالقرآن:
إنَّ الأنس بالقرآن سوف يجعل قلوبنا أكثر أُلفةً بمعارف القرآن، فكلُّ نقصٍ يعاني منه العالم الإسلامي هو بسبب الابتعاد عن المعارف الإلهية والمعارف القرآنيَّة، فالقرآن كتاب الحكمة والعلم والحياة، إنَّ حياة الأمم والشعوب إنَّما تكون في ظلِّ التعرُّف على المعارف القرآنيَّة، والعمل بمقتضى هذه المعارف وتطبيق الأحكام القرآنيَّة لو كان النَّاس طالبين للعدالة ورافضين للظلم فعليهم أن يتعلَّموا أسلوب مواجهة الظلم من القران. لو كان النَّاس طلَّاب علمٍ وأرادوا بواسطة المعرفة والوعي والعلم أن يحسِّنوا حياتهم ويؤمِّنوا راحتهم ورفاهيتهم فإنَّ الطريق سيُعرف بواسطة القرآن الكريم. إذا كان النَّاس بصدد معرفة الله تعالى وتحصيل الصفاء المعنوي والروحي والأنس بمقام القرب الإلهي فإنَّ الطريق هوالقرآن.

بُعد الأمة الإسلامية عن القرآن:
إنَّ ضعفنا نحن الأمة الإسلامية وتخلُّفنا وضلالاتنا وإضطراباتنا في القضايا الأخلاقية والحياتية كلُّ ذلك ناشىء من البعد عن القرآن. فالشعوب الإسلامية وبسبب حكومات الطَّواغيت امتُصَّت دماؤها – حيث أنَّ القرآن الكريم قد حذر مخاطبيه من كلِّ هؤلاء الطَّواغيت – لا دماؤهاالاقتصاديَّة أو ثرواتها الحيويَّة ومناجمها وثرواتها الباطنية ونفطها وأمثال ذلك فحسب، بل روحيَّة مقاومتها وصمودها وطلبها للعلو والعزَّة في الدنيا أيضاً. لقد أدارت الشعوب الإسلامية ظهرها لثقافتها وتقبَّلت الثقافة المادِّية.مع أنَّنا بالظاهر كنَّا نقول كلمة:
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وكنَّا طيلة الزمان مسلمين، لكن ثقافة الغرب وعلومه قد أثَّرت في قلوبنا وأبعدتنا عن الحقائق. حينها لم نفقد اقتصادنا وعزَّتنا الدنيوية فحسب، بل أخلاقنا ومعالمنا الأخلاقية. إذا كنَّا ابتلينا بالكسل والضعف والهوان، وإذا كنَّا قد خسرنا أُلفة القلوب فيما بيننا وحلَّ بيننا سوء الظَّنِّ فكلُّ ذلك بسبب الثقافة المعادية للإسلام والمخالفة للإسلام والَّتي تمَّ حشوها فينا وفرضها علينا.

القرآن يمنح العلو المادي والمعنوي:
إنَّ دور القرآن هو أن يمنحنا العلو من الناحية المادية والمعنويَّة، وهذا ما يفعله القرآن. أولئك الذين طالعوا التاريخ شاهدوا نماذج من ذلك فيه، ونحن أهل هذا الزمان نشاهد في زماننا نماذج لذلك، وأحد نماذجه هو أنتم شعب إيران العزيز، فلا تظنُّوا أنَّ شعب إيران كان يتمتع في أزمنة وعهود الأنظمة الطاغوتيَّة – سواء النظام البهلوي أو ما قبله النظام القاجاري – بأي ذرَّة من الاعتبار أو الحيثيَّة في المحيط الدولي، فهذا الاستبعاد الفوَّار والمتراكم الموجود في شعبنا كان كثروة ٍ منسيَّة أو كنز مدفون في الخربات، إلاّ إذا صادف أن يقوم فردٌ لإظهار نفسه وهو ما لم يكن يحدث، فكلُّ هؤلاء الشباب الفعَّالين والنشطين والمُبدعين والعاشقين لتطوُّر بلدهم الذي تشاهدونهم اليوم يصنعون المفاخر في مختلف الميادين ويحقِّقون العزَّة تلو العزَّة ويحقِّقون لشعبهم سمعة ً جيِّدةً، حسناً كان هناك شابٌ في ذلك الزمان ولكن بسبب غلبة الطواغيت لم تكن مثل هذه الأمور.

أثر التحرك نحو القرآن:
وبمقدار هذه الخطوة الواحدة الَّتي قُمنا بها تجاه القرآن، وخطونا باتِّجاه المعارف القرآنية – حيث إنَّ حركتنا وتوجهنا نحوالقرآن الكريم لم تكن في الواقع أكثر من خطوة واحدة – أعطانا الله العزَّة ومنحنا الحياة ومنَّ علينا بالبصيرة والوعي ومنحنا القدرة والقوَّة. إنَّ شعبنا اليوم هو من أكثر شعوب العالم حيويَّة (حياة) وقوَّة، فالاستعدادات المتراكمة والفوَّارة والجهوزيَّة والرؤية المستمرة للتطوُّر في الميادين المختلفة هي حال بلدنا اليوم، وها هي الشعوب الأخرى معجبةٌ بشعبنا. فاليوم ولحسن الحظ، أضحت الشعارات الإسلامية مشهودة لدى الأمَّة الإسلامية وهي أساس تحرُّك الشعوب في عدَّة دول، وأنتم تشاهدون وتسمعون أخبارها، فهذه التحركات تكتسب المزيد من الرونق والنضارة، في ذلك المحلِّ الذي تكون فاعليتها ونفوذها أكثر، وهناك حيث يكون التأثُّر بالأعداء والمنافقين والمعاندين والمزوّرين أقل، تكون الشعارات الإسلامية والدعوة الإسلامية والإرادة الإسلاميَّة، هذه هي خاصيَّة المعارف القرآنيَّة، فيجب التعرُّف على القرآن.
بالطبع، يومنا هذا لا يمكن قياسه بالماضي، ففي الماضي، لم يكن كلُّ هؤلاء التالين للقرآن والحفظة وكلّ هذه المعرفة للنص القرآني وهذا العشق والحب لتلاوة القرآن، في حين أنَّه كان البلد هوالبلد والشعب هوالشعب.
إنَّني أذكر أنَّ أحد القرَّاء المصريين البارزين – المرحوم أبوالعينين شعيشع – جاء يوماً إلى مشهد وقرأ القرآن في مسجد كوهرشاد وكان يقرأ بصورة رائعة، ولأنَّ اللقاء كان لوزارة الأوقاف في ذلك الزمان وكانت هذه الوزارة بخلاف حالها اليوم – الَّتي هي ولله الحمد مؤسسة مشرِّفة – كانت آنذاك منظَّمة ذات سمعة سيِّئة، فإنَّني أنا العبد رغم شدَّة اشتياقي للاستماع إلى تلاوة ذلك القارىء لم أشأ الذهاب والمشاركة في ذلك المجلس، فكنت أنظر من بُعد وأستمع، وجميع الذين شاركوا في ذلك المجلس في أغلب الظن لم يتجاوزوا الخمسين أو الستين، فبعضهم كانوا من موظفي الحكومة، وبعضهم كانوا من نفس القرَّاء المشهديين المعروفين عندنا.
اليوم، إنَّ هذا الاشتياق إلى القرآن الموجود في جميع الأرجاء يجب أن يزداد يوماً بعد يوم، فهذه التلاوة الجيِّدة والأصوات الحسنة والتنظيم الجيد للمجلس – والذي أرى بحمد الله أنَّ قرَّاءنا أصبحوا ماهرين وبارعين في تنظيم المجالس القرآنيَّة – هي أشياء مهمَّة، فائدتها أنَّنا نزداد قرباً من القرآن والمعارف والمعاني القرآنيَّة.

أهميَّة حفظ القرآن:
إنَّ من الأشياء الَّتي يمكن أن تمنحنا التدبُّر في القرآن، هوحفظ القرآن، لدينا القليل من حفظة القرآن، لقد قلت سابقاً إنَّه في بلدنا يجب أن يكون عدد حفظة القرآن بالحد الأدنى مليوناً – وهذا الرقم أصبح الآن قليلاً بالنسبة لعدد سكاننا – ولكن الآن الإخوة ولله الحمد قد أعدُّوا وهيَّأوا المقدمات اللازمة، وهم مشغولون بأعمال شتى وإعداد البرامج من أجل أن تسير برامج الحفظ قُدُماً إن شاء الله، وأملي أنا أيضاً أن يصبح أكثر، وبدل أن يكون مليوناً نقول إن شاء الله يجب أن يكون عدد حفظة القرآن الكريم عشرة ملايين.
بالطبع، إلتفتوا إلى أنَّ حفظ القرآن هو الخطوة الأولى، فيجب الثبات على الحفظ أولاً، لهذا فإنَّ حافظ القرآن يجب أن يكون تالياً دائماً للقرآن، فيتلوه باستمرار، وإلاَّ سيفقد ما حفظه، وبعدها يجب أن يصبح هذا الحفظ معيناً للتدبُّر، وهوكذلك، إنَّ الحفظ في الحقيقة معين على التدبُّر، وحيثما كرَّرتم القرآن وأصبحتم حفظة وقرأتموه دوماً، فإنَّ فرصة التدبُّر والتعمُّق في آيات القرآن تسنح لكم.
بالطبع، إنَّ الأُنس بالتفاسير الَّتي تبيِّن المراد من الآية هو أمرٌ مطلوبٌ جداً، فعندما يتحقَّق الحفظ ويكون الأُنس بالتفسير موجوداً ويكون هناك تدبُّر فإنَّ هذا الشيء الذي نتوقَّعه في مجتمعنا سوف يتحقَّق وهو الازدهار القرآني، تصوَّروا أنَّ في بلدنا عشرة ملايين أو خمسة عشر مليوناً من الرجال والنساء الذين حقَّقوا تلك الرابطة القرآنيَّة بمعارف القرآن فكم ستكون عظمة هذا. إنَّ التعاليم القرآنيَّة والدروس القرآنيَّة والنصائح القرآنيَّة والإنذارات القرآنيَّة والبشارات القرآنيَّة ستحفر في الأذهان وتسري وتُتلى على مسامع القلوب، عندها سنصنع شعباً فولاذيَّاً. ولحسن الحظ إنَّ الأرضيَّة لهذا الأمر متوفِّرة. فإنَّ عزم وإرادة شعبنا اليوم فولاذيَّة، لكنَّ ذلك البناء القرآني للمجتمع سيتحقَّق عندها، ونحن نأمل بإذن الله أن يتحقَّق.
أنتم أيُّها الشباب الذين تأنسون بالقرآن وأنتم أهله وأهل التلاوة، وتطلبون تلاوة القرآن من أصحاب التلاوة الرائعة أوأنَّكم منهم، اعلموا قدر شأنكم. وإن شاء الله تعالى سيمنحكم الأجر. فأنتم في الحقيقة الصفوف الأماميَّة لهذه الحركة العامَّة للمجتمع. من الممكن أن تزداد صعوبته ولكن أجره وثوابه عند الله تعالى سيكون أكثر إن شاء الله.
اللهمَّ احشرنا طيلة عمرنا مع القرآن.
اللهمَّ لا تفصلنا عن القرآن في الدنيا والآخرة.
اللهمَّ اجعلنا يوم القيامة تحت ظلِّ القرآن.
اللهمَّ امنحنا الحياة القرآنيَّة والحياة الإلهيَّة والإسلاميَّة والَّتي يريدها الإسلام.
اللّهمَّ بمحمَّد وآل محمَّد ارض عنَّا قلب وليِّ العصر المقدَّس وسُرَّه بنا، لاتفصلنا عن القرآن وأهل البيت (عليهم السلام).
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 

 

   القرآن والقادة

كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله
حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصرالله
القرآن شفاء الصدور وربيع القلوب
في الأمسية القرآنية
في مسجد الإمام الرضا (عليه السلام) خلال افتتاح برنامج الأمسيات القرآنية لشهر رمضان المبارك والتي أقامتها في لبنان جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد
 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم


والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبيِّنا شفيع ذنوبنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الشهداء والمجاهدين في سبيل الله منذ آدم إلى قيام يوم الدين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
أريد تلاوة الآيات التي تلاها فضيلة الشيخ لمزيد من التبرك والاستئناس والفائدة: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوعَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(1) صدق الله العلي العظيم.

في افتتاح هذه الأمسيات القرآنية المباركة، نتوجَّه في البداية إليكم وإلى جميع المسلمين في العالم بالتهنئة والتبريك بمناسبة حلول شهر الله، شهر ضيافة الله، شهر الصيام والقيام والجهاد والقرآن والدعاء والعبادة والإنابة والتوبة، شهر رمضان المبارك. وفي نفس الوقت اتوجه إلى جميع اللبنانيين من مسلمين ومسيحيين بالتهنئة والتبريك لمناسبة حلول العام الجديد، ونحن بعد ساعات قليلة ننهي عاماً ميلادياً لندخل في عام ميلادي آخر.
وقبل أن أعود إلى الآيات الكريمة، ومن وحي هذه المناسبات الكريمة والجليلة، أودُّ أن أذكِّر وأؤكِّد على عدَّة أمور:

الأمر الأوَّل: إنَّنا ندعوالناس في هذه الليلة بالتحديد أن يعودوا إلى ربِّهم وإلى عقلهم وإلى قيمهم، وأن يغادروا بعض العادات السيِّئة التي اعتدنا عليها في هذا البلد، فيما يسمى بحفلات وتقاليد وعادات ليلة رأس السنة، حتى وصل الأمر بثقافة بعض النَّاس أن يعتبروا أنَّهم في مثل هذه الليلة في حِلٍ من حلال الله وحرامه، وكأنَّه رُفِعَ التكليف عن النَّاس في هذه الساعات، فلهم أن يفعلوا فيها ما يشاؤون.
أيَّها الإخوة والأخوات: يجب أن نبدأ ساعات عامنا الجديد بالطاعة وبالدعاء وبالتوجه إلى الله سبحانه وتعالى حتى يوفقنا في عامنا الجديد لكلِّ خير، وحتى يُنَزِّل علينا كلَّ بركة، وحتى يدفع عنَّا السُّوء والشَّر والفساد، ويُحِلَّ في ديارنا العدالة والسعادة والنَّصر المؤزَّر، لا أن نبدأ عامنا الجديد بالمعاصي وارتكاب الآثام واقتراف الذنوب من أشكالها وأنواعها المختلفة كما اعتاد عليه النَّاس في هذا البلد.
إنَّ عاماً جديداً نبدأه مع الله سبحانه بمعصيته وتجاوز حدوده وحرماته لهو عام لا يبشر إلا بنتاج أيدينا وثمرات أنفسنا الأمارة بالسُّوء. أودُّ هنا أن أؤكِّد وأدعو وأناشد الجميع، أن يتأملوا في هذا الأمر وأن يبتعدوا أيضاً حتى عن بعض العادات التي يتوهَّمون حلِّيتها ولو تأمَّلوا أكثر لاكتشفوا أنَّها إن لم تكن من المحرمات فهي من موارد الشبهات. إنَّ عادة إطلاق الرصاص الغزير في مثل هذه الليلة إسرافٌ ليس كمثله اسراف، وايذاءٌ للنَّاس ليس كمثله ايذاء، إنَّ مَن كان يملك هذه الطلقات وقد ضاقت بها مخازنه أو زاوية بيته، فليتبرع بها في مثل هذه الليلة لمجاهدي المقاومة الاسلامية، حتى يرموا هذه الرصاصات في صدر العدوالجاثم على أرضنا والذي يذلُّنا ويعتدي علينا في كلِّ يوم.
وأقول أيضاً لمشتري المفرقعات: وإن كان هذا الكلام لا يناسب تجَّار المفرقعات وليس لمصلحتهم. إنَّ الكثير من هذه المفرقعات هي إسراف أيضاً لا طائل منه، وإنَّ الكثير مما ينفق في مثل هذه الليلة إسراف، وإسراف في بلد يعيش غالبيته تحت خطِّ الفقر ويعانون من الدَّيْن ومن الأزمات المعيشية، ثمَّ نجد أنَّ في هذه الليلة يفقد بعض النَّاس عقولهم، فلا يدرون ما يفعلون ولا يتحسَّسون حتى بآلام الفقراء والمساكين والأيتام الذين يعجُّ بهم هذا البلد في كلِّ مدنه وفي كلِّ قراه. دعوة للعودة إلى الدين إن كنَّا من أهل الدين والعقل، إن كان لدينا عقل، وللقيم الانسانية والفطرة الانسانية، إن كان لدينا قيم وفطرة من هذا النوع، أن نبتعد في مثل هذه الليلة، وهي في بدايات شهر الله وفي الساعات الأولى من عامنا الجديد، عن كلِّ ما يغضب الله ويسخطه علينا، بل إضافة إلى ذلك، علينا أن ننفق في مثل هذه الليلة على الأيتام والفقراء والمساكين ونتصدق ونواسي من حولنا ومن يعيش معنا في بلدنا، وأن نبدأ ساعات عامنا الجديد بالخير وبالعبادة وبالعمل الصالح حتى يكون لنا عام مختلف عن الأعوام التي مررنا بها.

الأمر الثاني: من عادة الناس في مثل هذه الأيام، ومع نهاية العام أن يُصفُّوا حساباتهم المالية ويغلقوا دفاترهم، كما يقولون، يدرسون أرباحهم وخسائرهم، ويقررون أعمالهم وخياراتهم للعام المقبل، هذا أمر طبيعي وعقلي، ومن حق الناس أن يفعلوا ذلك، ولكن أليس من واجب الناس أيضاً في مثل هذه الليلة بالتحديد، أن يخلوا بأنفسهم قليلاً لدقائق أولساعة ويحاسبوا أنفسهم، ويتفكروا في أنفسهم وفي أعمالهم، ماذا قدموا لأنفسهم خلال عام، ماذا عملوا من عمل صالح وماذا اقترفوا من إثم وذنب؟.
نحن أيُّها الإخوة والأخوات مدعوّون لجلسة محاسبة مع النفس، حتى نستزيد من العمل الصالح، ونستغفر الله في شهر المغفرة من ذنوبنا وآثامنا التي ارتكبناها على مدى عام.

الأمر الثالث: دعوة الناس جميعاً في لبنان، واللبنانيين جميعاً، وسكان هذا البلد جميعاً وكلّ من يسمعنا الآن إلى حفظ حرمة هذا الشهر المبارك، وإلى حفظ حرمة الإسلام وحرمة المسلمين، سواء كان المخاطب الآن مسلماً أولم يكن مسلماً، فإنَّ من حقِّ الناس بعضهم على البعض أن يحترموا حرمات وكرامات بعضهم البعض، حتى أولئك الذين يجدون لأنفسهم عذراً في إفطار أيام هذا الشهر أوبعض أيامه،كما لو كانوا مرضى أو على سفر، فإنَّ عليهم أن لا يرتكبوا حراماً وهو المجاهرة بالإفطار، لأنَّ في ذلك معصية لله سبحانه وهتك لحرمة هذا الشهر المبارك.
إنَّ المسلمين بالدرجة الأولى مدعوُّون إلى حفظ حرمة هذا الشهر وكرامته وهيبته ومعنويته، وهذه مسؤولية أخرى تضاف إلى واجب الصيام الذي أوجبه الله علينا، وكتبه في هذا الشهر المبارك، وفي مقدمة حفظ حرمة هذا الشهر، أن لا نُحَوِّل نحن ولا غيرنا أيَّامه ولياليه إلى فرصة زمنية تُشْغَل باللهو والطرب والرقص والفساد والغناء، وما يسمى زوراً وبهتاناً بالخيم الرمضانية التي لا تمت إلى شهر رمضان بصلة، هذا فيه هتك لحرمة هذا الشهر، أن لا نحوِّل شهر العبادة والطاعة والإنابة والتوبة والإستغفار إلى شهر للذنوب والمعاصي والآثام وتجاوز حدود المولى عزَّ وجلّ، وهذه مسؤولية الجميع. إنَّ علينا أن نستنفد شهرنا هذا، أيامه ولياليه، ساعاته ودقائقه وثوانيه، حتى آخر لحظة من لحظاته، فيما يقربنا إلى الله عزَّ وجل وفيما فيه خيرنا، خير دنيانا وخير آخرتنا وخير شعبنا وخير أمتنا.
أمَّا لو عدنا إلى الآيات الكريمة، فالآيات تؤكّد لنا أنَّ هذا الشهر كما هو شهر الصيام، لأنَّ هذه الآيات جاءت في سياق الأمر الإلهي والآيات الإلهية التي تتحدث عن وجوب الصوم
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ... (2)، وتستمر الآيات هذه لتؤكِّد أنَّ هذا الشهر أيضاً، هو شهر القرآن وشهر الدعاء، هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، طبعاً كيف أُنزل بعضه، كلّه؟ الفرق والنقاش حول هذا الموضوع بحث طويل لا نريد أن نتعرض له الآن، ولكن بالمجمل، هناك تأكيد قرآني على أنَّ القرآن أنزل في هذا الشهر: ﴿... هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...﴾، وأنَّ القرآن أنزل في ليلة من ليالي هذا الشهر: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (3)، إذا كان هذا الشهر هو شهر القرآن، فعلينا أيضاً أن نؤدِّي للقرآن حقَّه، وأن نعرف أولاً حقَّ القرآن، وأن نعترف في نفس الوقت بأنَّ كتاب الله هذا كتاب مظلوم بيننا ومِنَّا وفينا، وبأنَّ قرآننا هذا سيشكونا إلى ربِّنا يوم القيامة لأنَّنا هجرناه وتركناه وابتعدنا عنه.

أيُّها الإخوة والأخوات: يجب أن يكون هذا الشهر من هذه السنة بالنسبة إلينا جميعاً - وهذه دعوة أكيدة لكلِّ المؤمنين والمؤمنات، أن يكون هذا الشهر - مناسبة عظيمة وفرصة حقيقية، للتعرف على كتاب الله عزَّ وجل والأنس به وتلاوته والتدبُّر بآياته وفهمه، كمقدمة للعمل بكلِّ ما جاء فيه إن شاء الله تعالى، هذا القرآن هو الكتاب الإلهي الخالد، هذا القرآن المصدِّق لما بين يديه من كتب السماء وصحف الأنبياء، هذا القرآن الهدى والنور المبين والتبيان لكلِّ شيء، وبينات الهدى وفرقان الحقّ والباطل، هذا القرآن شفاء الصدور وربيع القلوب، كتاب الهداية والصراط المستقيم.
حالنا مع هذا القرآن، أيُّها الإخوة والأخوات، كحال المرضى الذين يسكنون في جوار طبيب وفي بيوتهم الدواء، ولكنّهم هجروا الطبيب وهجروا الدواء وأصرُّوا بجهلهم وبغفلتهم وبسوء حالهم أن يبقوا في المرض، مرض العقول والأرواح والأنفس الأمَّارة بالسُّوء. القرآن هذا علاج كلّ أمراضنا، كلّ ما يمكن أن نتصوره من سوء فينا، وكلّ ما يمكن أن نتصوره من حاجة ومن سؤال، فهذا القرآن الإلهي فيه تبيان كلّ شيء، وهو الكتاب الخالد الأبدي الذي سيرد الحوض مع عترة رسول الله (ص) يوم القيامة.
ابتداءً من هذه الليلة المباركة، وأنا لا أريد أن أطيل عليكم، لنستفيد من محضر أساتذة كبار وقرَّاء كبار، وليبق المنبر لكلمات الحبيب وآياته ولكلِّ ما فيه من نور وهدى وعظمة وحكمة، أوَدُّ أن أؤكِّد في نهاية الكلمة على ما يلي:

أيُّها الإخوة والأخوات: ليكن شهرنا هذا من عامنا هذا الأولوية الأكيدة في أعمالنا العباديَّة للقرآن، وأنا هنا لا أقصد أن نُغْفِل الأمور الأخرى، ولكن لنعط للقرآن أولويته الكبيرة، لنتلوَه ونقرأ آياته ونتأمل فيها ونتدبر، وعندما نتلوه لا يكون همُّنا آخر السورة لتنته السورة، ولا آخر الكتاب لنسجل في مفكرتنا أنَّنا ختمنا القرآن في هذا الشهر مرَّة أوأكثر من مرَّة. أنتم تعرفون ماذا ورد في الأحاديث الشريفة من أجر وثواب مضاعف لمن يتلو آيات الله في هذا الشهر المبارك، فلنستغل هذه الفرصة، إنَّ تلاوة آية من آياته أوسورة من سوره أوكلّ هذه السور في هذا الشهر يختلف عن أي تلاوة في أيِّ زمن آخر، فليكن هناك كما قلت أولوية لدينا من هذا النوع، ولكن أؤكِّد على التلاوة المتأملة والمتدبرة والهادئة والمتعظة والمعتبرة والمستفيدة، كما أكَّد القرآن نفسه ورسول الله الأعظم «صلَّى الله عليه وآله وسلَّم» ولتكن الأولوية في أعمالنا الثقافية في هذا الشهر - وكما بدأ الاخوة فعلاً - لتكن الأولوية في أعمالنا الثقافية هي التركيز على القرآن، للتعريف به في الجلسات والدروس واللقاءات والمحاضرات والندوات والخطب والمواعظ، للتعريف به وتعليم تجويده وتفسير كلماته وتركيز مفاهيمه، هذا يجب أيضاً أن يؤكَّد كأولويَّة.
وفي هذه الأمسيات التي ستُحيا في هذا المسجد المبارك، الإخوة والأخوات مدعوُّون جميعاً إلى أقصى حد من الاستفادة، وعندما نستمع إلى القرآن من حناجر القرَّاء بالصوت الجميل الحسن، والله تعالى يحب أن تتلى آياته بصوت جميل وحسن، وأن يُدعى بصوت جميل وحسن، عندما نستمع إلى الآيات والكلمات، أن نتوجه بكلِّ عقولنا وقلوبنا لهذا الصوت ولما ينطق به هذا الصوت، لتستفيد القلوب وتزهر الروح ويعتبر العقل، فليكن استماعنا استماع المتدبرين المـتأملين المتفكرين، وفي نفس الوقت استماع المتلذذين بكلام الحبيب، المستأنسين بآياته التي ترنم على آذاننا بأصوات جميلة وحسنة.
أختم بكلمة لرسول الله (ص) دون شرحها مع الدعوة إلى التأمل بهذه الكلمة والاعتبار منها، يقول رسول الله (ص)، ونحن في كلِّ عصر وفي كلِّ مرحلة مبتلون بالفتن الملتبسة التي يضيع فيها الحقُّ ويشتبه فيها على كثير من النَّاس: «فإذا التبست عليكم الفتن كقطع اللَّيل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنَّه شافع مشفَّع، وماحِلٌ مصدَّق، من جعله امامه قاده إلى الجنَّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهوالدليل يدل على خير سبيل، وهوكتاب تفصيل وبيان وتحصيل، وهوالفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن، فظاهره حكمة وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه ولا تَبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة»
(4) إلى أن يقول: «فإنَّ التفكُّر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور»، يعني من يحمل الضوء أو أي شيء فيه إنارة ويمشي في داخل الظلمات هذا المستنير يمشي في الظلمات بالنور، المتفكّر يمشي بالقرآن، هو النور الذي يمشي به في ظلمات الحياة، ولكن الذي يتفكر بالقرآن، لا يكفي أن نتلوه دون أن نعمل به، وأيضاً لا يكفي أن نعمل به دون أن نتلوه يعني (ممكن في أناس يتصورون انَّهم خُلّص وعُبَّاد ومجاهدون وزاهدون ومضحون لا يحتاجون لأن يقرؤوا القرآن ويجودوه ويرتلوه ويسمعوه)، لا نحن بحاجة إلى كلا هذين الأمرين إلى أن يقول: «فإنَّ التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنُّور يحسن التخلُّص ويقل التربُّص».
نسأل الله سبحانه تعالى أن يوفقنا في هذا الشهر لقيامه وصيامه وللاستفادة من كتابه وأن يعتق رقابنا من النَّار وأن يوفقنا للتزوُّد منه إلى أقصى حد، وللإستفادة من أيامه ولياليه وذكرياته ومناسباته العظيمة والجليلة والتي سيكون لنا معها موقف وكلام ولقاء في أكثر من ليلة وأكثر من يوم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 


 (1) - سورة البقرة، الآيتان: 185 – 186.

 (2) - سورة البقرة، الآية: 183.

 (3) - سورة القدر، الآية: 1.

 (4) - نوادر الراوندي: 21، 22.

 

   التفسير والبيان

  نقاط وتأمُّلات


 

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ سورة الحجرات/ الآية 3

لفظة «غَضَّ» تعني الخفض والنزول من فوق إلى تحت، وغضّ صوته أي خفض صوته ولم يرفعه، وهوعلامة الأدب وآية التواضع، والوقار، والهدوء، والرحمة والحُبّ.
يقول القرآن الكريم في هذه الآية: إن الله سبحانه يختبر قلوب الأشخاص المؤدّبين، ومن المعلوم أن الاختبار والامتحان الإلهي ليس من أجل العلم بالأمر لأن الله تعالى يعرف كل شيء ويحيط بكل شيء علماً، بل الهدف من الاختبار هذا هو أن يظهر الإنسان قابلياته واستعداداته عند مواجهة المشاكل، وفي خضم المحن، ليصبح أهلاً لتلقي الأجر الإلهي وصالحاً للاستفادة من مواهب الله تعالى العليا، وذلك لأن الثواب والعقاب الإلهييّن لا يكونان على أساس علم الله سبحانه، بل يكونان على أساس عمل الإنسان، ونوعية ممارساته، يعني إذا كان الله يعلم بأن فلاناً سيرتكب مستقبلاً جريمة معيّنة فإنه لا يعاقبه، إنما يعاقبه بعد أن يرتكبها.
والجدير بالذكر أن الإنسان نفسه لا يعطي لأحد أجراً على أساس معلوماته عنه، بمعنى أنّه إذا علمنا أن هذا الخيّاط سيخيط لنا ثوباً فإننا لا نعطيه أجراً، بل يجب أن يخيط لنا ثوباً لنعطي له أجراً.
وعلى هذا فإن المراد من الامتحان الإلهي في الآيات والأحاديث هو صدور أفعال من الإنسان ليستحقّ بعد ذلك ثواباً أوعقاباً.
ومن البديهي أن الامتحان هنا في هذه الآية يرتبط بالقلب، إذ ما أكثر الأشخاص الذين يظهرون الأدب والتواضع، وهم متكبّرون في باطنهم وفي قرارة أنفسهم.
إنَّ المثوبات الإلهيّة وصفت دائماً ولدى ذكرها بصفات «الكريم» و«العظيم» و«الكبير» و«غير الممنون » و«نعم الأجر » وهذا هو من أجل أن المثوبات الإلهية أساساً من رحمة الله ولطفه المطلق.


دروسٌ وبصائر:
1- أن نثيب المحسن ونعاقب المسيء دون فرق، وذلك حسب ما جاء في الآية السابقة، حيث أقدم البعض على رفع صوتهم فوق صوت النبي (ص) فتم توبيحهم، والتنديد بهم.
وفي هذه الآية والآيات اللاحقة نجد الثناء على المؤدّبين
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ... لَهُم مَّغْفِرَةٌ... أجل الثواب والعقاب معاً، جنباً إلى جنب.
2- الأدب الظاهرّي هوعلامة حالة التقوى الباطنية ﴿
الَّذِينَ يَغُضُّونَ... امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ يعني: أنّ الذين يخفضون أصواتهم يمتلكون في الحقيقة قلوباً متقيّة.
3 - مع أننا لسنا اليوم في محضر رسول الله (ص)، ولكن مسألة وجوب رعاية الأدب لدى زيادة مرقده المبارك، وكذا خلفائه الشرعيين، باقية على حالها.
4- إنّ رعاية الأدب بصورة غير دائمة، بل وبصورة مؤقتة وعابرة تنم عن عدم التحلّي بالتقوى.
ويفهم هذا من قوله تعالى في الآية بصيغة المضارع
﴿الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ فإنَّ الفعل المضارع يعبر عن الاستمرارية والعمق.
5- في جميع الموارد التي وردت لفظة المغفرة والأجر في القرآن الكريم، جاء الحديث عن المغفرة أولاً، وذلك لأننا ما لم نتطهّر من الذنوب لا يمكن أن نصبحَ أهلاً لتلقّي الألطاف الإلهية:
﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ.


أدب الحوار:
وحيث إن الحديث في هذه الآية يدور حول أدب الحوار، والتحدث مع رسول الله (ص) يجدر بنا أن نشير نحن أيضاً إلى تعاليم الإسلام في هذا المجال.
1- إن الكلام لا بدّ أن يقترن بالعمل وإلا استحق الذم:
﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(1).
2- إن الكلام يجب أن يكون عن تثبيت وتحقيق، قال الهدهد لما أتى بخبر إلى النبيّ سليمان (ع): ﴿
وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(2).
3- يجب أن يكون الكلام طيباً محبّباً: ﴿
الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ (3).
4- يجب أن يكون الكلام غير خشن: ﴿
قَوْلاً لَّيِّناً(4).
5- يجب أن يكون الكلام كلاماً كريماً: ﴿
قَوْلاً كَرِيماً(5).
6- يجب أن يكون كلاماً قابلاً للتنفيذ: ﴿
قَوْلاً مَّيْسُوراً(6).
7- أن يكون كلامنا مع جميع الناس لا بعض الناس أومع فرق معينة، كلاماً حسناً ﴿
وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً(7).
8- أن نختار في الكلام أفضل المواضيع والأساليب: ﴿
يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(8).
9- أن يخلوالكلام من أي لغو وباطل ﴿
وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ(9). و﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْو مُعْرِضُونَ(10).


نماذج:
حيث إن هذه الآية تثني على الأشخاص الذين تأدبوا مع رسول الله(ص)، فخفضوا أصواتهم عند التحدث معه، ووعدتهم بالمغفرة والأجر العظيم، نشير فيما يلي إلى نموذجين من التعامل مع الأدب، وبما يخالف الأدب مما جاء في القرآن الكريم:
1- عندما أكل آدم وزوجته حواء من الشجرة الممنوعة رغم النهي، وتعرضا للعتاب والتوبيخ، خجلا من فعلهما، واعتذرا وتابا إلى الله سبحانه فقبل الله تعالى توبتهما، وقد كان هذا الاعتذار في حقيقته نوعاً من التأدب الذي كانت وراء قبول نداء آدم (ع) وزوجته حواء.
2- لم يسجد إبليس لآدم (ع)، فتعرّض للقدح واللّوم، ولكن الشيطان بدل أن يعتذر ويتوب أساء الأدب وقال: لم يكن عليّ أن أسجد، فآدم من التراب، وأنا من النار، والنار أعلى وأفضل من التراب.
لقد اعتبر الشيطان أمر الله سبحانه بالسجود أمراً غير مبرّر، وفي غير محلّه، ولأجل هذا استحق إبليس اللعنة الأبديّة.


ما يمتاز به الثَّواب الإلهي:
إن المثوبات البشرية قصيرة الأمد صغيرة وسطحية ومقرونة غالباً بالمنِّ والأذى وغيرها من الآفات والمكدرات، وهذا بغض النظر عن أن غير الله كالزوج والولد، والشريك والصديق، والحكومة، وغيرهم، كثيراً ما لا علم لهم بما نقوم به بصورة كاملة، لكي يعطونا أجراً مناسباً، بل وربما كانوا يحسدوننا، وتحت وطأة هذا الحسد يتجاهلون ما نقوم به، ويبخلون بإعطاء ما نستحق من الثواب والأجر.
وقد لا يمكنهم إعطاء الثواب والأجر لفقدانهم ما يعطونه أساساً.
إنّ غير الله كائناً من كان لا يقبل من الآخرين عملهم إذا كان ناقصاً معيباً، هذا بغض النظر عن أن الثواب والأجر الذي يعطيه البشر ربما يتلخّص في مجرد تصفيق أو إطلاق صفير، أورفع شعار الصلوات... لا غير.
أما الله تعالى فهو يقبل العمل ولو كان قليلاً: ﴿
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ كما أنه يقبل المعيب من العمل كما جاء ذلك في تعقيبات الصلوات اليومية: «إلهي إن كان فيها (أي في صلاتي) خلل أو نقص من ركوعها أوسجودها فلا تؤاخذني وتفضل عليّ بالقبول والغفران ».
إنّ الله تعالى يستر العيوب ويظهر ما هو جميل «يا من أظهر الجميل، وستر القبيح».
أخيراً، فإنّ الله يشتري أعمالنا ويجعل ثمنه الجنّة الخالدة، أما الآخرون فربما يكتفون بأن يبادلوننا بالأحاسيس والمشاعر العابرة (11).
 


(1) - سورة الصف، الآية: 2.
(2) - سورة النمل، الآية : 22.
(3) - سورة الحج، الآية: 24.
(4) - سورة طه، الآية: 44.
(5) - سورة الإسراء، الآية: 23.
(6) - سورة الإسراء، الآية: 28.
(7) - سورة البقرة، الآية: 83.
(8) - سورة الإسراء، الآية: 53.
(9) - سورة الحج، الآية: 30.
(10) - سورة المؤمنون، الآية: 3.
(11) - تفسير سورة الحجرات لسماحة الشيخ قراءتي.

 

   التفسير والبيان

  مفردات قرآنية
  سورة آل عمران  مدنية وآياتها مِئتا آية.


بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿
الم (1) اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوالْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَيْهِ وأَنزَلَ التَّوْرَاةَ والإنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شدِيدٌ واللهُ عَزِيزٌ ذُوانتِقَام (4) إِنَّ اللهَ لا يخْفَى عَلَيْهِ شيْءٌ فى الأَرْضِ ولا فى السمَاءِ (5)﴾.


فضلها:
روي عن رسول الله (ص) أنَّه قال: «من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية منها أماناً على جسر جهنَّم». وقال (ص) أيضاً: «تعلَّموا سورةَ البقرة وسورةَ آل عمران فإنَّهما الزهراوان وأنَّهما تظلان صاحبهما يوم القيامة كأنَّهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف » (1).

اللغة والبيان:
افتتح سبحانه السورة بالتوحيد والإيمان :
فقال ﴿
الم﴾ وقد ذكرنا معنى الأحرف المقطَّعة في العدد السابق.
﴿
اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوالْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ أي لا أحد تحق له العبادة ويستحق الإلهية غيره تعالى وهوالقائم بتدبير خلقه من إنشائهم ابتداء وإيصال أرزاقهم إليهم، روي عن ابن عباس أنه قال: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ اسم الله الأعظم وهوالذي دعا به آصف بن برخيا صاحب سليمان (ع) في حمل عرش بلقيس من سبإ إلى سليمان (ع) قبل أن يرتد إليه طرفه. ﴿نَزَّلَ عَلَيْك﴾ يا محمَّد ﴿الْكِتَاب﴾ يعني القرآن ﴿بِالْحَقِّ ﴾ بالصدق وبما توجبه الحكمة من الإرسال ﴿مُصدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَيْهِ﴾ أي لما قبله من كتاب ورسول ﴿وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ﴾ على موسى (ع) ﴿وَالإنجِيلَ﴾ على عيسى (ع) ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي من قبل إنزال القرآن ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ أي دلالةً وبياناً وهادياً للناس ﴿وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ يعني به القرآن الذي يفرق بين الحق والباطل ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ﴾ أي بحججه ودلالاته ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شدِيدٌ﴾ وعيد لمن خالف حججه الدالة على توحيده وصدق أنبيائه ولمن جحدها ليتكامل به التكليف ﴿وَاللهُ عَزِيزٌ﴾ أي قادر لا يتمكن أحد أن يمنعه من عذاب من يريد عذابه ﴿ذُو انتِقَام﴾ أي ذو قدرة على الانتقام من الكفَّار ﴿إِنَّ اللهَ لا يخْفَى عَلَيْهِ شيْءٌ فى الأَرْضِ ولا فى السمَاءِ﴾ يذكر سبحانه أنَّه لا يخفى عليه شيء فيكون في ذلك تحذير من الاغترار بالاستمرار بمعصيته سبحانه.

سبب النزول:
نزلت أوائل السورة إلى نيف وثمانين آية في وفد نجران وكانوا ستين راكباً قدموا على رسول الله (ص) وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم وفي الأربعة عشر، ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم، العاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه، واسمه عبد المسيح، والسيد...صاحب رحلهم، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم، وكانت ملوك الروم قد شرَّفوه وموَّلوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده، فقدموا على رسول الله (ص) المدينة ودخلوا مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال الحرث بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله (ص): ما رأينا وفداً مثلهم وقد حانت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالنَّاقوس، وقاموا فصلُّوا في مسجد رسول الله(ص) فقالت الصحابة: يا رسول الله هذا في مسجدك، فقال رسول الله (ص): دعوهم فصلُّوا إلى المشرق، فكلَّم السيد والعاقب رسول الله (ص)، فقال لهما رسول الله (ص): أسلما قالا قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتم، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير، قالا: إن لم يكن ولد الله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعاً في عيسى، فقال لهما النبي (ص): ألستم تعلمون أنَّه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنَّ ربَّنا حي لا يموت وأنَّ عيسى (ع) يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنَّ ربَّنا قيِّم على كلِّ شيءٍ ويحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى، قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟ قالوا ل، قال: ألستم تعلمون أنَّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا: بلى، قال: فهل يعلم عيسى من ذلك إلا ما علم؟ قالوا: ل، قال: فإنَّ ربَّنا صوَّر عيسى في الرحم كيف شاء وربَّنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث، قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنَّ عيسى حملته أمُّه كما تحمل المرأة ثمَّ وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبي، ثمَّ كان يطعم ويشرب ويحدث؟ قالوا: بلى، قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتو، فأنزل الله فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية (2).


(1) - مجمع البيان: ج2، ص206.
(2) - مجمع البيان: ج2، ص 209. 25

 

   التفسير والبيان

  القرآن قطعي الدلالة (1)

قسَّم الأُصوليون دلالة الكلام على معناه إلى: دلالة قطعية، ودلالة ظنية، فوصفوا دلالة النصوص على معانيها بالدلالة القطعية الَّتي لا يحتمل خلافها، ودلالة الظواهر دلالة ظنِّيَّة تقابل الأُولى.
هذا من جانب، ومن جانب آخر أنَّ نصوص القرآن بالنسبة إلى الظواهر أقل، وبذلك أصبحت دلالة القرآن على مضامينها دلالة ظنِّيَّة لا قطعية.
ولأجل وصف دلالة الظواهر على مقاصدها بالظنِّيَّة، سَهُل التصرف في القرآن الكريم بحجج عقلية أوعلميَّة بحجَّة أنَّ دلالة القرآن ظنِّيَّة لا تقاوم الحجج الفعلية والبراهين العلمية.
ولكن وصف دلالة الآيات بالظنِّيَّة يوجب كون القرآن حجَّة ظنِّيَّة ومعجزة غير قطعيَّة مع أنَّ الإعجاز يقوم على أساس من القطع واليقين.
فالإعجاز البياني قائم على جمال اللفظ وأناقة الظاهر من جانب، وجمال العرض وسمو المعنى وعلو المضمون من جانب آخر، فلو كانت دلالة القرآن على الجانب الآخر أي المعنى دلالة ظنِّيَّة يُصبح القرآن معجزة ظنِّيَّة تبعاً لأخسِّ المقدِّمتين، وهذا من النتائج السلبية لتقسيم دلالة القرآن إلى القطعي والظنِّيِّ ولا يلتزم به أحد إذا أمعن، ومع ذلك فنحن نعتقد غير هذا بأنَّ دلالة الظواهر كالنصوص على معانيها دلالة قطعيَّة لا ظنِّيَّة، وذلك بالبيان التالي:

إنَّ أساس المحاورة بين الناس هو القطع بالمراد من ظواهر الكلام لا الظَّن به، وإلاّ لما قام صَرْح الحياة.
كيف لا يكون كذلك فانَّ ما يتفوَّه به الطبيب يتلقَّاه المريض مفهوماً واضحاً لا تردد فيه، وما يتلقَّاه السائل من الجواب من خبير يسكن إليه السائل بلا تردد.
ومع ذلك فكيف يُدَّعى أنَّ ظواهر الكتاب والسنَّة أو ما دار بين النبي والسائل هي ظواهر ظنِّيَّة؟!
إنَّ القضاء الحاسم في أنَّ كشف الظواهر عن مراد المتكلِّم هل هو كشف قطعي أوظنِّي؟ يتوقَّف على بيان المهمَّة الملقاة على عاتق الظواهر وما هي رسالتها في إطار المحاورة، فلو تبيَّن ذلك لسهل القضاء بأنَّ الكشف قطعي أوظنِّي.

فنقول: إنَّ للمتكلِّم إرادتين:
1. إرادة استعمالية، وهي استعمال اللفظ في معناه، أوإحضار المعاني في ذهن المخاطب، سواء أكان المتكلِّم جادَّاً أو هازلاً أو مورِّياً أو غير ذلك، سواء أكان المعنى حقيقيَّاً أومجازياً.
2. إرادة جديَّة، وهي أنَّ ما استعمل فيه اللفظ مراد له جدَّاً، وما هذا إلاّ لأنَّه ربَّما يفارق المراد الاستعمالي، المراد الجدِّي، كما في الهازل والمورِّي والمقنِّن الذي يُرتِّب الحكم على العام والمطلق مع أنَّ المراد الجدي هو الخاص والمقيد، ففي هذه الموارد تغاير الإرادةُ الجدِّية الإرادةَ الاستعماليَّة، إمَّا تغايراً كليَّاً كما في الهازل والمورِّي واللاغي، أوتغايراً جزئيَّاً كما في العام الذي أُريد منه الخاص، أوالمطلق الذي أُريد منه المقيد بالإرادة الجدِّية.
وعلى ضوء ذلك فيجب علينا أن نحلِّل أمرين:
الأوَّل: ما هي الرسالة الموضوعة على عاتق الظواهر؟
الثاني: ما هوالسبب لتسميتها ظنوناً؟

أمّا الأوَّل: فالوظيفة الملقاة على عاتق الظواهر عبارة عن إحضار المعاني الَّتي تعلَّقت بها الإرادة الاستعماليَّة، في ذهن المخاطب سواء أكانت المعاني حقائق أم مجازات، فلو قال: رأيت أسداً، فرسالته إحضار أنَّ المتكلِّم رأى الحيوان المفترس، وإذا قال: رأيت أسداً في الحمام، فرسالته إحضار أنَّ المتكلِّم رأى رجلاً شجاعاً فيه، فكشف الجملة في كلا الموردين عن المراد الاستعمالي كشف قطعيّ وليس كشفاً ظنِّيَّاً، وقد أدَّى اللفظ رسالته بأحسن وجه. وعلى ذلك لا تصحُّ تسميته كشفاً ظنِّيَّاً، اللهمَّ إلاّ إذا كان الكلام مجملاً أو متشابهاً، فالكلام عندئذ قاصر عن إحضار المعنى الاستعمالي بوجه متعيِّن، لكنَّهما خارجان عن محطِّ البحث والكلام في الظواهر لا في المجملات.

وأمَّا الثاني: أي السبب الذي يوجب تسمية ذلك الكشف ظنِّيَّاً، فانَّه يتلخَّص في الأُمور التالية:
1 - لعلَّ المتكلِّم لم يستعمل اللفظ في أيِّ معنى.
2 - أواستعمل في المعنى المجازي ولم ينصب قرينة.
3 - أو كان هازلاً في كلامه.
4 - أو مورِّياً في خطابه.
5 - أو لاغياً فيما يلقيه.
6 - أو أطلق العام وأراد الخاص.
7 - أو أطلق المطلق وأراد المقيَّد.
إلى غير ذلك من المحتملات الَّتي توجب الاضطِّراب في كشف المراد الاستعمالي عن المراد الجدِّي على وجه القطع.
ولكن أُلفت نظر القارئ إلى أُمورٍ ثلاثة لها دور في المقام:
1 - إنَّ علاج هذه الاحتمالات ليس من وظائف الظواهر حتى يوصف كشف الظواهر عن المراد الجدِّي لأجلها بالظنِّيَّة، وذلك لما عرفت من أنَّ المطلوب من الظواهر ليس إلاّ شيء واحد، وهو إحضار المعاني في ذهن المخاطب، وأمَّا الاحتمالات المذكورة وكيفية دفعها فليس لها صلة بالظواهر حتى يوصف كشفها لأجلها، بأنَّ دلالتها ظنِّيَّة.
2 - إنَّ بعض هذه الاحتمالات موجود في النصوص، فاحتمال كون المتكلِّم لاغياً، أو هازلاً، أو مورِّياً أو متَّقياً، أو غير ذلك من الاحتمالات موجود فيها، ومع ذلك نرى أنَّهم يعدُّونها من القطعيات.
3 - إنَّ القوم عالجوا هذه الاحتمالات بادِّعاء وجود أُصول عقلائيَّة دافعة لها، ككون الأصل، هو كون المتكلِّم في مقام الإفادة، لا الهزل ولا التمرين، بدافع نفسي، لا بدافع خارجي كالخوف وغيره.
وقد عرفت أنَّ الحياة الاجتماعيَّة مبنيَّّة على المفاهمة بالظواهر، ففي مجال المفاهمة والتفاهم بين الأُستاذ والتلميذ والبائع والمشتري والسائس والمسوس، يعتبر المخاطبُ دلالة كلام المتكلِّم على المراد الاستعمالي والجدِّي دلالة قطعيَّة لا ظنِّيَّة، لأجل عدم الالتفات إلى تلك الاحتمالات وانسحابها عن الأذهان.
نعم إذا كان هناك إبهام أو إجمال، أو جرت العادة على فصل الخاص والقيد عن الكلام، يكون الكلام إمَّا غير ظاهر في شيء أويكون حجِّية الظهور
معلَّقاً على عدم ورود دليل على الخلاف كما في مورد العام والمطلق.
وبذلك خرجنا بأنَّ كشف الظواهر عن المراد الاستعمالي، بل المراد الجدِّي، على ما عرفت أخيراً في مجال المفاهمة، كشف قطعي ولا يُعرَّج إلى تلك الشكوك (2).


(1) - موضوع البحث هو النصوص والظواهر دون المجملات، فهي خارجة عن محطّ البحث.
(2) - المناهج التفسيريَّة في علوم القرآن: للعلامة الشيخ جعفر السبحاني.

 

   التفسير والبيان

  معجم المفسرين
  التفسير: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل.



المؤلف:
الشيخ آية الله العظمی ناصر مكارم الشيرازي (دام ظله).

ولادته:
ولد في شيراز سنة 1347هـ - 1926م.

تاريخ التأليف: 1410 هـ – 1989 م.

عدد المجلدات: 20 مجلداً.

طبعات الكتاب: طبع باللغتين العربية والفارسية.

حياة المؤلف: تتلمذ سماحته على أساتذة كبار منهم آية الله البروجردي﴾، والعلامة الطباطبائي﴾ صاحب تفسير «الميزان» وغيرهما، وهو من العلماء والمدرسين والباحثين النشيطين في الحوزة العلمية بقم المقدسة.
أما منهجه في التفسير: بداية كان عملاً جماعياً من قبل علماء كبار، وكانت طريقتهم في التفسير، أن يبدأوا بذكر اسم السورة وخصائصها، وجوّها العام، وسياقها، وما يرتبط من الأهداف العامة بها، وبيان أهميتها وما تحويه من الموضوعات والبحوث المهمة، والتعليل لبيان اسم السورة.
الخلاصة: هو من التفاسير التربوية، سهل الفهم لقرَّائه بين طبقات المثقفين والمشتاقين لفهم القرآن الكريم.

 

   علوم قرآنية

  نزول القرآن الكريم  


يقول سبحانه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (1).
ويقول تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ(2).
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(3).
يفهم من هذه الآيات الثلاثة بكلِّ جلاء أنَّ القرآن نزل في شهر رمضان، في ليلة القدر المباركة. ولكن كيف التوفيق بين هذه الحقيقة وبين القول بأنَّ القرآن نزل على الرَّسول (ص) على مدى 23 سنة؟
هنالك احتمال بأن تكون للقرآن صُوَراً متعددة من النزول، لأنَّ الكثير من الروايات لدى الشيعة وأهل السنَّة تؤيِّد هذا المعنى.

قال جلال الدين السيُّوطي:
اختلف في كيفيَّة إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو الأصح والأشهر: أنَّه نزل إلى السَّماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثمَّ نزل بعد ذلك منجَّماً في عشرين سنة، أوثلاث وعشرين، أوخمس وعشرين، على حسب الخلاف في مدَّة إقامته (ص) بمكة بعد البعثة.
جاء عن ابن عباس أنَّه قال: أُنزل القرآن جملة واحدة حتَّى وضع في بيت العزَّة في السَّماء الدنيا، ونزله جبرائيل على محمَّد (ص) بجواب كلام العباد وأعمالهم.
القول الثاني: أنَّه نزل إلى السَّماء الدنيا في عشرين ليلة قدر، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، في كلِّ ليلة ما يقدِّر الله إنزاله في كلِّ السَّنة. ثمَّ نزل بعد ذلك منجَّماً في أوقات مختلفة من سائر الأوقات (4). تحدَّثت بعض الروايات عن نزول القرآن إلى البيت المعمور، وقال بعضها إنَّ البيت المعمور في السَّماء الرابعة (5).
ولكن من غير الواضح لدينا ما حقيقة السَّماء الدنيا أو السَّماء الرابعة، وما حقيقة بيت العزَّة أوالبيت المعمور. والشيء الوحيد الذي نفهمه من هذه الروايات هو أنَّ هنالك موضع اسمه السَّماء الدنيا أو السَّماء الرابعة والبيت المعمور، وقد نزل فيها القرآن ليلة القدر.
للعلامة السيِّد محمَّد حسن الطباطبائي (قده) رأي آخر في هذا الموضوع، خلاصته كما يلي: والذي يعطيه التدبر في آيات الكتاب أمر آخر فإنَّ الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه، إنَّما عبَّرت عن ذلك بلفظ الإنزال الدال على الدَّفعة دون التنزيل كقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ(6)، وقوله تعالى: ﴿حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ(7)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(8)، واعتبار الدفعة إمَّا بلحاظ اعتبار المجموع في الكتاب أو البعض النازل منه كقوله تعالى: ﴿كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ(9)، فإنَّ المطر إنَّما ينزل تدريجاً لكن النظر هاهنا معطوف إلى أخذه مجموعاً واحداً، ولذلك عبَّر عنه بالإنزال دون التنزيل، وكقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ(10)، وإمَّا لكون الكتاب ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضى فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج هوالمصحح لكونه واحداً غير تدريجي ونازلاً بالإنزال دون التنزيل... وهذا الاحتمال الثاني هواللائح من الآيات الكريمة كقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ(11)، فإنَّ هذا الإحكام مقابل التفصيل، والتفصيل هو جعله فصلاً فصلاً وقطعةً قطعةً فالإحكام كونه بحيث لا يتفصل فيه جزء من جزء ولا يتميز بعض من بعض لرجوعه إلى معنى واحد لا أجزاء ولا فصول فيه، والآية ناطقة بأنَّ هذا التفصيل المشاهد في القرآن إنَّما طرأ عليه بعد كونه محكماً غير مفصل.
وأوضح منه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ(12)، وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ - إلى أن قال: - ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ(13)، فإنَّ الآيات الشريفة وخاصة ما في سورة يونس ظاهرة الدلالة على أنَّ التفصيل أمر طار على الكتاب فنفس الكتاب شيء والتفصيل الذي يعرضه شيء آخر، وأنَّهم إنَّما كذبوا بالتفصيل من الكتاب لكونهم ناسين لشيء يؤول إليه هذا التفصيل وغافلين عنه، وسيظهر لهم يوم القيامة ويضطرون إلى علمه فلا ينفعهم الندم ولات حين مناص وفيها إشعار بأنَّ أصل الكتاب تأويل تفصيل الكتاب.
وأوضح منه قوله تعالى: ﴿حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ(14)، فإنَّه ظاهر في أنَّ هناك كتاباً مبيناً عرض عليه جعله مقروءاً عربياً، وإنَّما ألبس لباس القراءة والعربية ليعقله الناس وإلا فإنَّه - وهوفي أم الكتاب - عند الله، عليّ لا يصعد إليه العقول، حكيم لا يوجد فيه فصل وفصل.
وفي الآية تعريف للكتاب المبين وأنَّه أصل القرآن العربي المبين، وفي هذا المساق أيضاً قوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوتَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(15)، فإنَّه ظاهر في أنَّ للقرآن موقعاً هو في الكتاب المكنون لا يمسه هناك أحد إلا المطهَّرون من عباد الله وأنَّ التنزيل بعده، وأما قبل التنزيل فله موقع في كتاب مكنون عن الأغيار وهو الذي عبر عنه في آيات الزخرف، بأم الكتاب، وفي سورة البروج، باللوح المحفوظ، حيث قال تعالى: ﴿بَلْ هُوقُرْآنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ(16)-(17)
ويرى العلامة (قده) أيضاً أنَّ الآية: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ(18)، وقوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾  (19)، ظاهرة المعنى في أنَّ رسول الله (ص) كان له علم بما سينزل عليه فنُهي عن الاستعجال بالقراءة قبل قضاء الوحي (20).

النزول التدريجي:
ما ذكرناه حتى الآن يتعلَّق بنزول القرآن جملة واحدة في شهر رمضان.
أما فيما يتعلَّق بنزوله التدريجي، فبغض النظر عن كونه امراً بديهيَّاً وقطعيَّاً من النَّاحية التاريحيَّة، حيث نزلت الآيات في مجالات ومناسبات مختلفة، هناك آيات قرآنيَّة تبيِّن أيضاً النزول التدريجي للقرآن:
﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (21)، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (22).
الذي يتضح من هذه الآيات أنَّ القرآن لم ينزل دفعة واحدة، وهذا مما أثار اعتراض الكفَّار.
وعند المقارنة بين الطائفتين من الآيات: أي الآيات الَّتي تتحدث عن نزول القرآن جملة في شهر رمضان، والآيات الَّتي تتحدث عن نزوله تدريجيَّاً، يتَّضح عدم وجود أيِّ تعارض بينهما، بل تتحدَّث كلُّ طائفة منهما عن نوع من نزول القرآن.
وحسب مقتضيات الشؤون اليوميَّة الاقتصاديَّة منها أو الاجتماعيَّة أو الأحداث والوقائع كقضايا الحرب والصُّلح، كان حكم كلّ حادثة ينزل مع نزول القرآن تدريجيَّاً، ولم يكن ثمَّة معنىً لنزول القرآن دفعة واحدة. وعندما تكون حقيقة القرآن موضع بحث، يتجلَّى عند ذاك أنَّه نزل دفعة واحدة.
بعض أسرار النزول التدريجي هي:
(أ)- تثبيت وتقوية عزيمة الرسول(ص) والمسلمين.
(ب)- التَّدرج في تشريع القوانين والأحكام.
(ج)- عدم تحريف القرآن.
(د)- سهولة تعلُّم الأحكام وحفظ القرآن الكريم.
(هـ)- مماشاة وقائع عصر الرسول الأكرم (ص).

خلاصة الكلام:
1 - نزول القرآن الكريم كان على صورتين: الأولى: جملة واحدة. والثانية: تدريجيَّاً. والآيات الَّتي تشير إلى نزوله في شهر رمضان المبارك تبيِّن أنَّه نزل جملة واحدة.
2 - نصت بعض الأحاديث على أنَّ نزول القرآن جملة واحدة كان إلى بيت العزَّة والسَّماء الدنيا، أوإلى البيت المعمور والسَّماء الرابعة.
3 - أمَّا موقف العلامة الطباطبائي (قده) هو أنَّه يعتقد أنَّ نزول القرآن جملة واحدة كان على قلب الرسول الأعظم (ص) وهذا ما دلَّت عليه الآيتان وهما قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ  (23)، وقوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (24). فتشيران إلى أنَّ الرسول (ص) كان أثناء النزول التدريجي على معرفة بما ينزل عليه. هذا ما أردنا توضيحه، والحمد لله ربّ العالمين (25).
 

 


(1) - سورة البقرة، الآية: 185.
(2) - سورة الدخَّان، الآية: 3.
(3) - سورة القدر، الآية: 1.
(4) - الاتقان في علوم القرآن: ج1، ص 129 – 131.
(5) - الاصول من الكافي: ج2، ص 629، الميزان: ج2، ص16 -18.
(6) - سورة البقرة، الآية: 185.
(7) - سورة الدخان، الآية: 3.
(8) - سورة القدر، الآية: 1.
(9) - سورة يونس، الآية: 24.
(10) - سورة ص، الآية: 29.
(11) - سورة هود، الآية: 1.
(12) - سورة الأعراف، الآية: 53.
(13) - سورة يونس، الآية: 39.
(14) - سورة الزخرف، الآية: 4.
(15) - سورة الواقعة، الآية: 80.
(16) - سورة البروج، الآية: 22.
(17) - الميزان: ج2، ص 16 – 18.
(18) - سورة طه، الآية: 114.
(19) - سورة القيامة، الآية: 19.
(20) - الميزان: ج2، ص18.
(21) - سورة الإسراء، الآية: 106.
(22) - سورة الفرقان، الآية: 32.
(23) - سورة طه، الآية:114.
(24) - سورة القيامة، الآية:19.
(25) - دروس في علوم القرآن الكريم لحسين جوان آراسته (مع بعض التصرف).

 

   قصص قرآنية

  قصة أصحاب الجنة

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
سورة يوسف، الآية: 111

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَّهُ عِوَجَا، والصلاة والسلام على نبيّه الذي أنار الطريق للخلق بهديه من الظُلمات وعلى آله الميامين الطاهرين.

 

يدور محور بحثنا حول قصةٍ معبّرةٍ ذكرها القرآن الكريم في سورة القلم ألا وهي قصة أصحاب الجنّة، والتي تسلّط الأضواء على رجلٍ كان من أهل الخير والخيرات قد سنَّ سُنةً حسنةً مصداقاً لقوله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ(1)، وذلك عبر إعطاء زكاة فاضل مؤونته من بستانه الذي كان يملكه إلى فقراء بلده، ومن ثمَّ توفي ذلك الرجل وحاول أولاده طمعاً حرمان فاضل ذلك البستان، فكان العزيز الجبّار لهم بالمرصاد حيث حرمهم من خير ذلك البستان الذي كان مصدر خيرٍ لهم وللفقراء.
وقبل الدخول في تفاصيل هذه القصة المعبّرة لابد من أن نعرّج على مقدمةٍ لبحثنا ألا وهي التعرّف على معنى السُنَّة، من كتب اللغة والكتاب الكريم والسُنَّة النبويّة الشريفة.
فأقول مستعيناً بالله تعالى

أولاً: معاني السُنَّة في اللغة
«السُنَّة» بالضم والتشديد والجمع «سُـنَن»، و«السَّـنَن» بالفتح تُطلق في لغة العرب على معنيين:
المعنى الأول: الطريقة والسيرة، قال لبيد:
مِن معشرٍ سنت لهـم آباؤهم
ولكل قومٍ سنةٌ وإمامهـا
وقال الفرزدق:
فجاء بسنة العُمْرين فيـها
شفـاء للصدور من السقام
المعنى الثاني: العناية بالشئ، والرعاية له، يقال: «سنَّ الإبل، يسنُّها، سنّاً» إذا أحسن رِعْيتَهَا حتى كأنه صَقَلَها
(2).

ثانياً: السُنَّة في القرآن الكريم
تقسم السُنَّة إلى قسمين:
السُنَّة الحسنة:
كقوله تعالى: ﴿
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً(3)
والسُنَّة السيئة:
كقوله تعالى: ﴿
اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلا(4).

ثالثاً: السُنَّة في الأحاديث الشريفة
وردت ثلة من الأحاديث عن المعصومين (عليهم السلام): تحث على السُنَّة الحسنة وتنهى عن السُنَّة السيئة، – وقبل سرد الأحاديث لابد من الإشارة إلى معنى السُنَّة في الاصطلاح والشرع وهي: ما أضيف إلى النبي (ص) والمعصوم (ع) من قولٍ أوفعلٍ أوتقرير. وقد يراد بالسُنَّة عند الفقهاء ما يقابل الواجب وتسمى بالمستحب أوالمندوب أوالنفل أوالمرغوب فيه – أما ما ورد من الأحاديث روايتان وهما:
ومن كتاب لأمير المؤمنين (ع) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصروأعمالها: «... ولا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الأمَّةِ واجْتَمَعَتْ بِهَا الألْفَةُ وصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ ولا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الأجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا والْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا...»
(5).
الإمام الصادق (ع): «ما من مؤمنٍ سنَّ على نفسه سُنَّة حسنة أوشيئاً من الخير، ثم حال بينهُ وبين ذلك حائل، إلا كتب اللهُ لهُ ما أجرى على نفسِه أيام الدنيا»
(6).

آيات قصة أصحاب الجنة
من آية 17 إلى 33 من سورة القلم
﴿
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلاَ يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ (21) أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لاَ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوكَانُوا يَعْلَمُونَ (33)﴾.

القصّة:
في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله: ﴿
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾، إنَّ أهل مكة ابتلوا بالجوع كما ابتلي أصحاب الجنة وهي كانت في الدنيا وكانت باليمن يقال له الرضوان على تسعةِ أميال من صنعاء.
وفيه بإسناده إلى ابن عباس أنه قيل له: إن قوماً من هذه الأمة يزعمون أن العبد يذنب فيحرم به الرزق، فقال ابن عباس: فوالله الذي لا إله إلا هو هذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية ذكره الله في سورة : ﴿
ن وَالْقَلَمِ﴾ أنَّه كان شيخ وكان له جَنَّة وكان لا يُدخِلُ إلى بيته ثمرةً منها ولا إلى منزله حتى يُعطي كل ذي حقٍ حقّه، فلما قُبض الشيخ ورثه بنوه وكان له خمس من البنين فحملت جنتهم في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملاً لم يكن حملته قبل ذلك فراحَ الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر فأشرفوا على ثمرةٍ ورزقٍ فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم. فلما نظروا إلى الفضل طغَوا وبغَوا وقال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخاً كبيراً قد ذهب عقله وخرف فهلموا نتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحداً من فقراء المسلمين في عامنا شيئاً حتى نستغني ويكثر أموالنا ثمَّ نستأنف الصنيعة فيما استقبل من السنين المقبلة، فرضي بذلك منهم أربعة وسخط الخامس وهوالذي قال الله: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ﴾. فقال الرجل: يا ابن عباس كان أوسطهم في السن؟ فقال: لا، بل كان أصغرهم سناً وأكبرهم عقلاً وأوسط القوم خير القوم، والدليل عليه...: إنَّكم يا أمة محمد، أصغر الأمم، وخير الأمم، قوله عزَّ وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾. قال لهم أوسطهم: اتقوا وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا فبطشوا به وضربوه ضرباً مبرِّحاً فلما أيقن الأخ منهم أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارهاً لأمرهم غير طائع. فراحوا إلى منازلهم ثمَّ حلفوا بالله ليصرمن إذا أصبحوا ولم يقولوا إن شاء الله ! فابتلاهم الله بذلك الذنب وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه فأخبر عنهم في الكتاب فقال: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَلاَ يَسْتَثْنُونَ، فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾، قال: كالمحترق. فقال الرجل: يا ابن عباس ما الصريم؟ قال: الليل المظلم، ثمَّ قال: لا ضوء له ولا نور. فلمَّا أصبح القوم ﴿فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ، أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾، قال: ﴿فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾، قال الرجل: وما التخافت يا ابن عباس؟ قال: يتشاورون فيشاور بعضهم بعضاً لكيلا يسمع أحد غيرهم فقالوا: ﴿لاَ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ، وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ في أنفسهم أن يصرموها ولا يعلمون ما قد حلَّ بهم من سطوات الله ونقمته. ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَ﴾ وما قد حل بهم ﴿قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾، فحرّمهم الله ذلك الرزق بذنبٍ كان منهم ولم يظلمهم شيئاً. ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ، قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ، فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ﴾، قال: يلومون أنفسهم فيما عزموا عليه ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ، عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾، فقال الله: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوكَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
يقول السيد الطباطبائي (قده): وقد ورد ما يقرب من مضمون هذا الحديث والذي قبله في رواياتٍ أخر وفي بعض الروايات أن الجنة كانت لرجل من بني إسرائيل ثم مات وورثه بنوه فكان من أمرهم ما كان
(7).
ولعلنا نستوحي من عموم القصة أن بعضاً من المُكذِّبين والمترفين الذين كانوا في محيط الرسول (ص) آنذاك ترجى لهم التوبة والهداية كأصحاب الجنَّة. وكذلك يضع القرآن أمامنا أعظم المواعظ والعبر وهي: ضرورة أن يتخذ الإنسان حوادث الدنيا وأحداثها علامةً وآيةً هادية لما في الآخرة
(8).


(1) - سورة الأنعام، الآية: 141.
(2) - انظر: «لسان العرب» 13/220-229، «الصحاح» 5/1721-1723، «النهاية في غريب الحديث» 2/409-413، «المفردات في غريب القرآن» ص45 للراغب الأصفهاني.
(3) - سورة الإسراء، الآية: 77.
(4) - سورة فاطر، الآية: 43.
(5) - نهج البلاغة.
(6) - ميزان الحكمة: ح 8941.
(7) - الميزان: ج19، ص 38.
(8) - إعداد السيد علي الحسيني

 

   القرآن ونهج البلاغة

  القرآن في نهج البلاغة


بسم الله الرحمن الرحيم
من خطبة لأمير المؤمنين علي (ع) في أركان الدين
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطاهرين.

ذكرَ في بدايةِ الخطبة له (ع) بعضَ أهمِّ أركانِ الإسلام وهي: اَلْإِيمَانُ باَاللهِ سبحانه وبِرَسُولِهِ (ص)، واَلْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَكَلِمَةُ اَلْإِخْلاَصِ، وَإِقَامُ اَلصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ اَلزَّكَاةِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحَجُّ اَلْبَيْتِ واِعْتِمَارُهُ، وَصِلَةُ اَلرَّحِمِ، وَصَدَقَةُ اَلسِّرِّ، وَصَدَقَةُ اَلْعَلاَنِيَةِ، وصَنَائِعُ اَلْمَعْرُوفِ، ثمَّ حثَّ على ذِكْرِ اَاللهِ عزَّ وجلَّ، ورغَّبَ فِيمَا وعِدَ اَلْمُتَّقِونَ، ودعَا للإقتداءِ بنبيِّ الرحمَةِ، والإستِنَانِ بِسُنَّتِهِ، ثمَّ بعدَ ذلك كلّه قالَ(ع): «وتَعَلَّمُوا اَلْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ اَلْحَدِيثِ، وَتَفَقَّهُوا فِيهِ، فَإِنَّهُ رَبِيعُ اَلْقُلُوبِ، وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ، فَإِنَّهُ شِفَاءُ اَلصُّدُورِ، وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ، فَإِنَّهُ أَنْفَعُ اَلْقَصَصِ، وَإِنَّ اَلْعَالِمَ اَلْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالْجَاهِلِ اَلْحَائِرِ اَلَّذِي لاَ يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ، بَلِ اَلْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، وَاَلْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ، وَهُوعِنْدَ اَاللهِ أَلْوَمُ»
(1).

الشــــــرح
(وَتَعَلَّمُوا اَلْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ اَلْحَدِيثِ) في هذا القول الشريف أمرٌ أكيد بتعلُّمِ القرآن، لجلالةِ وعظمةِ قدره، وعلو مقامه، وسمو مكانته، وأهميَّة تعاليمه، وعذوبة ألفاظه ومعانيه، وحسن نظمه، ودقَّة مغزاه، وبعد غوره، فهو لاشتماله على ما لم يشتمل عليه غيره من كلام المخلوقين كان أفضل وأحسن الكلام وأعظم الحديث، أمر (ع) بتعلُّمه لذلك الاعتبار مضافاً إلى ما يترتب على تعلُّمه من زيادة العوايد، وكثير عظيم الفوائد، الجامع لخير الدنيا، وسعادة الآخرة.
(وَتَفَقَّهُوا فِيهِ) أي فكِّروا فيه، وتدبَّروه، وافهموا معانيه وتعاليمه وأسراره بالإطِّلاع على تفسيره وتأويله، مقدِّمة للعمل به (فَإِنَّهُ رَبِيعُ اَلْقُلُوبِ) استخدم (ع) استعارة جميلة باعتبار أنَّ الربيع جامع لأنواع الورود والأزهار والرياحين التي هي محط الأنظار، ولذَّة الأبصار، ومجمل المعنى أنَّه يجب عليكم فهم وإدراك معاني القرآن كيلا تحرموا من فوائده ولا تغفلوا عن منافعه، فإنَّه بمنزلة الربيع المملوء بالفوائد الكثيرة والمنافع العظيمة في الدنيا والآخرة...
(وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ) أي اطلبوا الشفاء من ظلمة الجهل بنور القرآن الموجب لمعرفة الحقائق الكونيَّة والشرعيَّة، فعن الإمام الصادق (ع)، أنَّه قال: «إنَّ هذا القرآن فيه منار الهدى، ومصابيح الدجى، فليجل جال بصره، ويفتح للضياء نظره، فإنَّ التفكّر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور»
(2).
(فَإِنَّهُ شِفَاءُ اَلصُّدُورِ) من ظلمة الجهل لأنَّه من أشدِّ الأمراض، فهو أيضاً شفاء لكل الأمراض والأسقام الظاهرة، والباطنة، والحسية والعقلية والروحية، يدل عليه ما ورد عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «شكا رجل إلى النبي (ص) وجعا في صدره، فقال: استشفِ بالقرآن، لأنَّ الله يقول: ﴿وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ﴾»
(3).
(وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ، فَإِنَّهُ أَنْفَعُ اَلْقَصَصِ) يقول سبحانه: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ
(4)، وما دام القرآن هكذا حيث القصص الحقَّة، والنافعة فيه، والموجبة للهداية والتبصر، فلا ريب في بذل الجهد واعطاء التلاوة حقها بحسن التدبر والتفكر لادراك منافع هذه القصص ونيل ما فيها من الفوائد الجمّة والعظيمة.
وقد سئل أبوعبدالله (ع)عن قول الله عزَّوجلّ: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا
(5) قال (ع): قال أمير المؤمنين (ع) : «بيّنه تبياناً ولا تهزُّه هزَّ الشعر، ولا تنثره نثر الرَّمل، ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة » (6).
ولمَّا أمر (ع) بتعلُّم القرآن، وعقَّبه بأمور مثل: التفقُّه فيه، والاستشفاء بنوره، وحسن تلاوته، علّل ذلك بقوله: (وَإِنَّ اَلْعَالِمَ اَلْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالْجَاهِلِ اَلْحَائِرِ اَلَّذِي لاَ يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ) كمن علم بوجوب الصلاة والزكاة والحج والجهاد وحسن الصدقة والتلاوة، لكنَّه لا يعمل بما يعلم، فهوالمتحير في وجه الخير وطريق السعادة وبالتالي فهو لا يستطيع الخلاص من جهله، فإنَّ العلم إنَّما هو للعمل، فإن لم يرافق العلم العمل فهو والجاهل سواء.
(بَلِ اَلْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ) إلا أنَّ عدم العمل بالعلم الذي حصَّله هو حجَّة عليه وإدانة له، لعدم استفادته من علمه، وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله لحفص بن غياث أحد اصحابه: «إنَّهُ يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْبَاً قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ »
(7).
وسئل الإمام الصّادق(ع) عن قوله سبحانه: ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ فقال: إنَّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة، عبدي أكنت عالما؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت، وإن قال: كنت جاهلا، قال له: أفلا تعلَّمت حتى تعمل فيخصمه، فتلك الحجة البالغة
(8).
(وَاَلْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ) أي والحسرة في فوات الثواب والخيرات عنه، ستكون به أكثر لزوماً من الحسرة على الجاهل.
(وَهُو عِنْدَ اَاللهِ أَلْوَمُ) العالم والجاهل كلاهما يشتركان في اللوم من الله سبحانه، إلا أنَّ اللائمة على العالم أشد وأمرُّ، لعدم قيامه بوظائف علمه واتباعه هواه، فبهذا يستحق من العقاب واللوم والخزي والعذاب ما لا يستحقه غيره، فهو بذلك يكون عند الله اشد لوماً وأعظم نكالاً.نسأله سبحانه أن يملأ قلوبنا بالعلم والعمل، إنَّه سميع مجيب
(9).


(1) - نهج البلاغة: الخطبة، 110.
(2) - أصول الكافي: ج2، ص 808.
(3) - البرهان في تفسير القرآن: ج7، ص 35.
(4) - سورة يوسف (ع)، الآية: 3.
(5) - سورة المزّمل، الآية: 4.
(6) - أصول الكافي: ج2، ص 614.
(7) - ميزان الحكمة: ج3، ص 421.
(8) - الأمالي للطوسي: ج1، ص 10.
(9) - بقلم الشيخ فادي الفيتروني.

 

   أبحاث اخلاقية

  عباد الرحمن في القرآن

 

 

يقول تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْومَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)﴾ (1).
تبيِّن هذه الآيات اثنتي عشرة صفة من صفات عباد الرحمن الخاصة، بحيث ترتبط هذه الصفات بجوانب اعتقاديَّة وأخلاقيَّة واجتماعيَّة، ويتعلق بعض منها بالفرد وبالجماعة، وهي مجموعة من أعلى القيم الانسانيَّة وأسماها.


الصفة الأولى: التواضع ونفي الكبر والغرور والتعالي الذي يبدو في جميع أعمال الإنسان وفي حركاته وسلوكه وحتى في طريقة مشيه، لأنَّ الملكات الأخلاقية تظهر من خلال الأعمال والسلوكيات الظاهرة من أقوال وحركات. بحيث يمكن تشخيص قسم من أخلاق الانسان من أسلوب مشيته.
فعباد الرحمن أشخاص متواضعون والتواضع مفتاح الإيمان، في حين أنَّ التَّكبر والغرور مفتاح الكفر.
لقد أمر الله عزَّ وجل نبيه، بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا
(2).

الصفة الثانية: الحلم والصبر، فإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً. وهذا الجواب علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة وليس الناشيء عن الضعف، فهو سلام الوداع لأقوالهم الواهية النابعة من الجهل، وليس سلام التحيَّة الذي هو علامة المحبة والصداقة.
إذن هو سلام تتمظهر فيه علامة الحلم والصبر والعظمة، عظمة عباد الرحمن الروحيَّة، وهوالتحمل وسعة الصدر الذي يستطيع المؤمن معهما أن يطوي طريق عبودية الله تعالى.

الصفة الثالثة: العبادة الخالصة لله سبحانه: ﴿يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾، فهؤلاء العباد نهضوا في عتمة الليل حيث الناس نيام يبتغون الراحة، وحيث لا مجال للتظاهر والرياء، قاموا بقلوب عامرة وروح مبتهجة ليذكروا الله ويتعبدونه بالسجود والقيام، ويناجون المحبوب الأزلي.

الصفة الرابعة: الخوف من الله تعالى، الخوف من عذابه: ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾، الشديد الدائم.
إنَّ قلوب عباد الرحمن الخلَّص مملوءة بالخوف من المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، الباعث على القوَّة في الحركة لأداء التكاليف الدينيَّة والعمليَّة بأفضل صورة، لأنَّ هذا الخوف يوجه الانسان من داخله نحو إنجاز الأوامر والتكاليف الإلهية فيصبح محركاً باطنياً ومحفزاً داخلياً، فيرى مع ذلك نفسه دائماً مقصِّرة أمام خالقها سبحانه وتعالى.

الصفة الخامسة: الاعتدال والتوازن والابتعاد عن الافراط والتفريط، قولاً وعملاً، خصوصاً في الإنفاق، فلا إسراف ولا تقتير: ﴿إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾.
إنَّ الإنفاق أحد الأعمال الضرورية لكلِّ انسان، لكن الكلام في كيفية الإنفاق، إنَّ إنفاقهم إنفاق عادل ومتوازن بعيد عن الإسراف والبخل.

الصفة السادسة: هي التوحيد الخالص البعيد عن كلِّ أنواع الشرك والتعدديَّة في العبادة: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ﴾. إن التوحيد قد أنار قلوبهم وطهَّر أرواحهم وجلى أفكارهم من كلِّ شائبة وشرك فسمت نفوسهم.

الصفة السابعة: الطهارة من التلوث بدماء الأبرياء: ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، إنَّ جميع الأنفس البشريَّة محترمة في الأصل، ولا يجوز إراقة الدماء إلاّ بالحق مع وجود الأسباب والعلل التي ترفع هذا الاحترام. فعباد الرحمن لا يعتدون ولا يريقون الدماء البريئة ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله تعالى.

الصفة الثامنة: العفاف وعدم التلوث بالفحشاء: ﴿وَلَا يَزْنُونَ﴾، لقد اختاروا طريق الطهر والنقاء والعفاف، فحفظوا فروجهم إلا ما أحل لهم.

الصفة التاسعة: احترام حقوق الغير وحفظها، فهم لا يشهدون بالباطل مطلقاً: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾، ولا يميلون إلى الانحراف والكذب والظلم لأنَّها من مصاديق: ﴿الزُّورَ﴾، كذلك لا يحضرون مجالس اللغو والغناء والباطل، لأنَّ من معاني الشهود «الحضور»، وهذا يعني أنَّ عباد الرحمن لا يتواجدون في مجالس الباطل، لأنَّ هذه المجالس ليس فيها سوى اللعب واللهو وشرب الخمور والكذب والغيبة وأمثالها، ولا يستبعد اجتماع التفسيرين في الآية.

الصفة العاشرة: الجدِّية وامتلاك الهدف الإيجابي في الحياة، فهذه الصفة تجعلهم بعيدين عن اللاّمبالاة والعبث واللهو، فهم لا يحضرون مجالس الباطل ولا يلوثون أنفسهم باللغو: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْومَرُّوا كِرَامًا﴾، أنفسهم كبيرة، وقلوبهم عامرة، وأرواحهم طاهرة، إذا اعترضهم عمل أوقول باطل، مروا بمحاذاته مرور اللاّمبالي، وهذا يدل على عدم الرضا الداخلي على هذا العمل وهذا القول، فهم عظماء لا تؤثر عليهم أجواء اللهو والفساد والباطل.

الصفة الحادية عشر: امتلاك العين الباصرة والأذن السَّامعة، بحيث يستعملون هذه الحواس في التأمل والتذكر والتدبر في خدمة طاعة الله سبحانه وعبوديته: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾.
إنَّ عباد الرحمن يملكون عيوناً باصرة ناظرة في الباطن، متعمقة في الأشياء، وأذناً مرهفة عارفة بلطائف الخالق وحكمه، فهم عرفوا ما يريد الله منهم وعملوا من أجل مرضاته، ولولا ذلك لكانوا همجاً رعاعاً، لا يبصرون ولا يسمعون، فتشتبه عليهم الأمور كما اشتبهت على غيرهم ممن انحرفوا وضلُّوا وأصبحوا أداة في يد الشياطين وأعداء الدين.

الصفة الثانية عشر: الاهتمام بالأسرة الصالحة والتوجه الخاص بتنزيه ابنائهم، فهم مؤمنون أنَّهم مسؤولون عن أسرهم وأولادهم في مقابل المولى عزَّ وجل، وهذه مسؤولية عظيمة يترتب عليها مستقبل المجتمع في الدنيا، وسعادتهم في الدار الآخرة: ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾، والدعاء هنا يدل على ميولهم الداخليَّة الحقيقيَّة لهذا الأمر، وكذلك إشارة واضحة إلى صفاء سرائرهم وطيب نفوسهم، ورمز واضح لجدهم واجتهادهم، إنَّ هكذا أفراد لا يقصرون في تربية ابنائهم، وبذل كلّ طاقة وجهد في هذا الطريق. لأنَّ مسألة تربية الأبناء وإرشاد الزوجات تعد الركن الأساس في بناء المجتمعات فإن صلح الأبناء والزوجات صلح المجتمع، والعكس صحيح على أنَّ عباد الرحمن لا يقفون عند هذا الحد، بل يريدون أن يكونوا أئمة للنَّاس، ونماذج جيِّدة لهم: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾، والحقيقة أنَّّ من تجتمع فيه هذه الصفات يليق أن يكون قدوة ونموذجاً حسناً.

الخاتمة الحسنة:
بعد اكتمال هذه الصفات والفضائل في عباد الرحمن، يبين المولى تعالى ما أعد لهم من الجزاء والثواب العظيم: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا﴾، لذلك فإنَّ عباد الرحمن بامتلاكهم هذه السجايا الرفيعة استحقوا أن يكونوا في الصف الأوَّل من المؤمنين، وينالوا الدرجات العليا. ومنازل الجنَّة الرفيعة، وهذا الجزاء في الحقيقة هوثمن الصبر والاستقامة في طريق الله الصَّعبة،فهم صبروا وتحمّلوا الصعاب وواجهوا المشكلات الجمَّة في طريق الحق، وجاهدوا أنفسهم وأعداءهم. فاستحقوا كلَّ هذا المقام العظيم والدرجة الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى
(3)-(4).
 


(1) - سورة الفرقان، الآيات: 64 إلى 76.
(2) - سورة الإسراء، الآية: 37.
(3) - المراجع: القرآن الكريم، تفسير الأمثل، مجمع البيان.
(4) - إعداد الأستاذ أحمد عودة.

 

   المرأة

  المرأة بعد فجرالإسلام

 

قبل الإسلام كان التخبط والتأرجح في تقييم المرأة عبر العصور القديمة والحديثة، دون أن تهتدي الأمم إلى القصد والإعتدال، مما أساء إلى المرأة والمجتمع الذي تعيش فيه إساءة بالغة.
فلمَّا انبثق فجر الإسلام وأطلَّ على الدنيا بنوره الوضَّاء، أسقط تلك التقاليد الجاهلية وأعرافها البالية، وأشاد للانسانية دستوراً خالداً يلائم العقول النيِّرة والفطرة السليمة ويواكب البشريَّة عبر الحياة.
فكان من إصلاحاته أنَّه صحح قيم المرأة وأعاد إليها اعتبارها، ومنحها حقوقها الماديَّة والأدبيَّة بأسلوب قاصد حكيم، لا إفراط فيه ولا تفريط، فتبوَّأت المرأة المسلمة في عهده الزاهر منزلة رفيعة لم تبلغها نساء العالم.
لقد أوضح الإسلام واقع المرأة، ومساواتها بالرجل في المفاهيم الانسانية، واتحادها معه في المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأخروي على الأعمال، ليُسقط المزاعم الجاهلية إزاء تخلف المرأة عن الرجل في هذه المجالات.
﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ(1).
﴿
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوأُنْثَى وَهُومُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(2).
وكان بعض الأعراب يئد البنات ويقتلهنَّ ظلماً وعدواناً، فجاء الإسلام ناهياً ومهدِّداً على تلك الجريمة النكراء، ومنح البنت شرف الكرامة وحق الحياة.
﴿
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(3).
﴿
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا(4).
وقضت الأعراف الجاهليَّة أن تسوم المرأة ألوان التحكُّم، فتارة: تقهرها على التزويج ممن لا ترغب فيه، أو تعضلها من الزواج، وأخرى: تُورث كما يورث المتاع، يتحكم بها الوارث كيف يشاء، فله أن يزوجها ويبتز مهرها، أو يعضلها حتى تفتدي نفسها منه أو تموت، فيرثها كُرهاً واغتصاباً. وقد حررها الإسلام من ذلك الأسر الخانق والعبودية المقيتة، ومنحها حريَّة اختيار الزوج الكفؤ، فلا يصح تزويجها إلا برضاها، وحرم كذلك استيراثها قسراً وإكراهاً.
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ(5).
وكانت التقاليد الجاهليَّة، وحتى الغربية منها، إلى عهد قريب تمنع المرأة حقوق الملكية، كما حرمتها الجاهلية العربية حقوق الإرث، لأنَّ الإرث في عرفهم لا يستحقه إلا رجال القبيلة وحماتها المدافعون عنها بالسَّيف. وقد اسقط الإسلام تلك التقاليد الزائفة، ومنح المرأة حقوقها الملكيَّة والإرثيَّة، وقرر نصيبها من الإرث... أُمَّاً كانت أوبنتاً أوأختاً أوزوجة.
﴿
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ(6).
﴿
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوكَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7).
كما أولت الشريعة الاسلامية الزوجة عناية كبرى ومنحتها حقوقها المادِّية والأدبيَّة، إزاء حقوق الزوج عليها. مشرعة ذلك على أساس الحكمة والعدل، ورعاية مصلحة الزوجين، وخيرهما معاً وهي أمور:

1 - النفقة: وهي حقٌّ محتَّم على الزوج، يجب إداؤه إليها، وتوفير حاجاتها المعاشية من الملبس والمطعم والمسكن، ونحو ذلك من مستلزمات الحياة حسب شأنها وعاداتها.
والنفقة حق معلوم للزوجة، تتقاضاه من زوجها، وإن كانت ثرية موسرة، لا يسقط إلاّ بنشوزها وتمردها على الزوج،، وليس له قسرها على الخدمات المنزليَّة، أو إرضاع طفله، إلاّ أن تتطوع بذلك عن رغبة وإيثار.

2 - التوسعة على العيال: وقد يسترقُّ البخل بعض النفوس فتنزع إلى الشُّح والتقتير على العيال. ومن هنا جاءت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) محذرة من ذلك الامساك، ومرغِّبة في البرِّ بهم، والتوسعة عليهم.
قال رسول الله (ص): «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»
(8).
وقال أبوالحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): «عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة»
(9).
وهكذا أثبتت أحاديثهم (عليهم السلام) وباركت جهود الكادحين، في طلب الرزق الحلال، لتموين أزواجهم وعوائلهم، وتوفير وسائل العيش لهم.

3 - حسن العشرة: الزوجة أنيسة الرجل، وشريكة حياته تشاطره السرَّاء والضرَّاء فعلى الرجل أن يحسن عشرتها ويسوسها بالرفق والمداراة مكافأة على جهودها وذلك ممَّا يخفف متاعبها ويضاعف حبَّها وإخلاصها لزوجها.

4 - الحماية: والزوج بحكم قوّامته على الزوجة ورعايته لها مسؤول عن حمايتها وصيانتها عمَّا يسيئها ويضرُّها أدبياً وماديَّاً فيبعدها عن الاختلاط الذي يسبب أخطار دينية وأخلاقية واجتماعية مما يهدد كيان الأسرة ويحميها من دسائس الغزو الفكري وذلك بتعليمها أصول الدين الإسلامي ومفاهيمه حسب مستواها الثقافي والفكري تحصيناً لها.
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(10).
لقد استطاع الإسلام بفضل مبادئه وسمو آدابه أن يجعل المرأة المسلمة قدوة مثالية لبناء الأمم، في رجاحة العقل وسمو الإيمان وكرم الأخلاق، ورفع منزلتها الاجتماعية.
وقد سجل التاريخ صفحات مشرقة بأمجاد المرأة المسلمة ومواقفها البطولية في نصرة الإسلام.
فهذه «نسيبة المازنية» كانت تخرج مع الرسول (ص) في غزواته وكان ابنها معها، فأراد أن ينهزم ويتراجع، فحملت عليه، فقالت: يا بني إلى أين تفر عن الله وعن رسوله؟ فردته.
فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها، فحملت على الرجل فقتلته، فقال رسول الله (ص): بارك الله عليك يا نسيبة.
وكانت تقي رسول الله (ص) بصدرها حتى أصابتها جراحات كثيرة
(11).
وهذه أم وهب ابن عبد الله بن خباب الكلبي، قالت لابنها يوم عاشوراء: قم يا بني، فانصر ابن بنت رسول الله.
فقال: أفعل يا أماه ولا أقصِّر.
فبرز وهو يقول رجزه المشهور، ثمَّ حمل فلم يزل يقاتل، حتى قتل منهم جماعة، فرجع إلى أمه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أماه أرضيت؟
فقالت: ما رضيت أوتقتل بين يدي الحسين (عليه السلام).
فقالت امرأته: بالله، لا تفجعني في نفسك.
فقالت أمُّه: يا بني، لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي الله.
فرجع ولم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، ثمَّ قطعت يداه. وأخذت أمُّه عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك ابي وأمي، قاتل دون الطيبين – حرم رسول الله (ص) – فاقبل كي يردها إلى النساء، فأخذت بجانب ثوبه «لن أعود أو أموت معك».
فقال الحسين (عليه السلام): جزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي إلى النساء، رحمك الله، فانصرفت. وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه
(12).
هذه لمحة خاطفة عن عرض تاريخي طويل زاخر بأمجاد المرأة المسلمة ومواقفها البطولية الخالدة.
وأين من هذه العقائل المصونات، نساء المسلمين اليوم، اللاتي تفتخر الكثيرات منهن بالتبرج، ونبذ التقاليد الاسلامية، ومحاكاة المرأة الغربية، في تبرجها وخلاعتها. فخسرن بذلك أضخم رصيد ديني وأخلاقي تملكه المرأة المسلمة وتعتز به، وغدَون عاطلات من محاسن الاسلام، وفضائله المثالية
(13) (14).


(1) - سورة الحجرات، الآية: 13.
(2) - سورة النحل، الآية: 97.
(3) - سورة التكوير الآيتان: 8-9.
(4) - سورة الاسراء، الآية : 31.
(5) - سورة النساء، الآية: 19.
(6) - سورة النساء، الآية: 32.
(7) - سورة النساء، الآية: 7.
(8) - الوافي: ج: 12 ص 117، عن الفقيه.
(9) - الوافي: ج: 12 ص 117، عن الفقيه.
(10) - سورة التحريم، الآية: 6.
(11) - عن سفينة البحار: ج 2، ص 585.
(12) - عن قصص العرب: ج 2 بتصرف.
(13) - المراجع: القرآن الكريم، أخلاق أهل البيت بقليل من التصرف، سفينة البحار: ج2، الوافي: ج12.
(14) - إعداد: الحاجة صفاء حشوش – القسم التعليمي في جمعيَّة القرآن الكريم – منطقة بيروت

 

   تلاوة وتجويد

  نصائح وإرشادات لحفظ القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الخلق سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.


قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم.
 
﴿بَلْ هُوآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (1) .


دلالات آيات القرآن الكريم واضحة في صدور العلماء، وأبرز مصاديقهم الرسول (ص)، وأهل بيته (عليهم السلام)، وكلّ من حفظ القرآن ووعاه، ترسّخ معناه في قلبه من المؤمنين، وفي هذا السياق، ننقل القسم الثاني من الأمور المرتبطة بحفظ القرآن الكريم وهي:

نصائح لخفظ القرآن الكريم:
- النية الخالصة لله سبحانه، والدعاء بالتوفيق.
- العزم والارادة والتوكل.
- اختيار الوقت والمكان المناسبين للحفظ.
- وضع برنامج يومي ثابت للحفظ والمراجعة.
- حفظ صفحة واحدة يومياً لا أكثر.
- اعتماد مصحف واحد للحفظ، خال من التفسير والتجويد والألوان.
- مراجعة المحفوظات القديمة إلى جانب الحفظ الجديد.

المراحل السبع لحفظ القرآن الكريم:
1. القراءة: وهي المرحلة الابتدائية التي يحتاج فيها ذهن الحافظ إلى التعرف إلى الآيات المطلوب حفظها مباشرة عن طريق المصحف، وهذه المرحلة تستدعي مراعاة القواعد والحركات الاعرابية.
2. الاستماع: لهذه المرحلة أهمية خاصة في ضبط الأحكام وتصحيح النطق واتقان التلاوة وتحسين الصوت فيستمع ويقلّد قارئاً معيناً.
3. فهم معاني الآيات القرآنية: إنَّ الالتفات إلى معاني الآيات وفهمها يسهِّل الحفظ كثيراً، وهنا يجب أن يكون كتاب التفسير مستقلاً عن مصحف الحفظ.
4. تجزئة الآية القرآنية: يجب تجزئة الآيات المتوسطة والطويلة إلى جملة جملة ويكون هذا التقسيم أحياناً على أساس علامات الوقف والابتداء.
5. التكرار: ويختلف بحسب طبيعة الآيات (سهلة، قصيرة، طويلة...) فبعد أن أتمَّ الحافظ تقطيع الآيات بشكل صحيح يبدأ بتكرار كلِّ مقطع، وبعد أن ينتهي يبدأ بالجمع فيما بينها وقراءتها جملة واحدة مع وصل الصفحات ومراعاة ضبط الأحكام لكي ترسخ في الحافظة بشكل صحيح، وهنا يجب التلفظ وليس فقط النظر والاستماع.
6. التثبيت: هذه المرحلة هي تثبيت المحفوظات وعملية تكرارها ويجب أن تكون عن ظهر قلب.
7. الجمع بين الآيات: يبدأ الحافظ بالجمع بين الكلمات والجمل والآيات والصفحات حتى تركز في الذهن جيداً وتمنع النقصان.

إرشادات هامة للأهل:
الاستلهام بقول الإمام القائد (دام ظله): «اهتموا بتعليم القرآن لأولادكم واهتموا بتحفيظهم القرآن في الصغر اهتماماً خاصاً».
تعريف أبنائهم على الأهداف السامية للقرآن الكريم وبالأخص الحفظ.
تشجيعهم على الحفظ وتقديم الحوافز المعنوية والمادية لهم.
توفير الإمكانيات والمقومات التعليمية لحفظ القرآن الكريم (مسجل- كاسيت – سيدي- كمبيوتر...).
ترغيب أبنائهم للانتساب في صفوف حفظ القرآن الكريم لا سيما صفوف جمعية القرآن الكريم التي تخرج منها أكثر من مئة حافظ لكامل القرآن الكريم حتى الآن.
توفير الجو والمناخ القرآني المساعد على الحفظ في المنزل.
عدم استعمال اسلوب الضغط والاكراه لدفعهم إلى الحفظ.

بعض الأمور التي تساعد على تقوية الذاكرة:
قراءة القرآن وخاصة آية الكرسي والمعوذتين.
الصلاة على محمد وآل محمد.
أكل العسل والسمك الطازج وعلكة اللبان.
تناول (21) حبة زبيب يومياً ويفضل صباحاً.
استخدام السواك.
حليّة الطعام.

بعض الأمور التي تضعف الذاكرة:
ارتكاب الذنوب.
كثرة الضحك.
أكل الجبن والحوامض.
قراءة ما كتب على القبور.
النظر إلى المشنوق.
السهر الطويل.
التدخين.
تناول الطعام الحار.

خاتمة:
القرآن الكريم معجزة أبدية خالدة تجلّت فيه صفات الله تعالى فمن يدرك أهمية هذه المعجزة من خلال الحفظ والتلاوة والفهم أدرك عظمة الخالق وقدرته ويصل إلى الهدف المنشود الذي خلقنا من أجله، ونيل الحب والود الالهي كما قال تعالى:
﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (2).
فاسعوا أحبتي إلى تعلم كتاب الله وحفظ آياته حتى نصْنَع بذلك جيلاً يحمل القرآن في جوفه، ويجسّد تعاليمه في تصرفاته وحياته وأخلاقه. حتى نحقق مجتمعاً وشعباً قرآنياً قادراً على مواجهة التحديات وممهداً لظهور الإمام الحجة (عج) ارواحنا لتراب مقدمه الفداء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين (3) .
 


(1) - سورة العنكبوت، الآية: 49.
(2) - سورة مريم، الآية: 96.
(3) - الحافظة بلقيس حرب - النبطية.


دروس في تجويد القرآن

هذا الدرس تكملة لما تقدَّم في العدد السابق، وإليك أيُّها القارىء تفصيل المخارج:
المخرج الأول: الجوف. ويُقصد به جوف الحلق والفم معاً وهوالفراغ الموجود داخل الفم. ومنه تخرج الحروف الثلاثة:
الألف المفتوح ما قبلها نحو: ﴿قَالَ﴾.
الواوالمضموم ما قبلها نحو: ﴿يَقُولُ﴾.
الياء المكسور ما قبلها نحو: ﴿قِيلَ﴾.
المخرج الثاني: الحلق، ويقسم إلى ثلاثة مخارج وهي:
أقصى الحلق: وله حرفان وهما الهمزة والهاء نحو: ﴿يَأْمُرُ﴾ ﴿يَهْدِي﴾.
وسط الحلق وله حرفان وهما: العين والحاء، نحو: ﴿يَعْلَمُ﴾ ﴿يَحْكُمُ﴾.
أدنى الحلق وله حرفان وهما الغين والخاء، نحو: ﴿فَاغْفِرْ﴾ ﴿مَخْرَجًا﴾.
المخرج الثالث: اللسان، ويقسم إلى عشرة مخارج وهي:
١- أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى: مخرج القاف.نحو: ﴿شِقْوَتُنَا﴾.
٢- أقصى اللسان ومن أسفل من موضع القاف قليلا: مخرج الكاف. نحو: ﴿أَكْلًا﴾.
٣- وسَط اللسان وما فوقه من وسْط الحنك الأعلى: مخرج الجيم والشين والياء.نحو: ﴿اجْتَبَاهُ / تَشْخَصُ / الْبَيْتَ﴾.
٤- حافة اللسان (جانبه) وما يليها من الأضراس العليا: مخرج الضاد. نحو: ﴿يَضْرِبُ / الضَّالِّينَ﴾.
٥- ادنى حافة اللسان إلى منتهاها بعد مخرج الضاد قليلا: مخرج اللام.نحو: ﴿يَلْتَقِطْهُ﴾.
٦- طرف اللسان تحت مخرج اللام قليلا: مخرج النون ويشاركه أيضاً الأنف.نحو: ﴿أَنْعَمْتَ﴾.
٧- طرف اللسان (أدخل في ظهره) قرب مخرج النون: مخرج الراء. نحو: ﴿بِالْمَرْحَمَةِ﴾.
٨- طرف اللسان وأصول الثنايا العليا (المغارز): مخرج الطاء والدال والتاء. نحو: ﴿الطَّامَّةُ / وَعَدَّدَهُ / الثَّوَابِ﴾.
٩- طرف اللسان وفُوَيق الثنايا السفلى: مخرج الصاد والزاي والسين. نحو: ﴿فَاصْبِرْ / فَعَزَّزْنَا / يَسْمَعُونَ﴾.
10-طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا: مخرج الظاء والذال والثاء. نحو: ﴿يَظْلِمُ / فَنَبَذْنَاهُ / يُثْخِنَ﴾. وهذا المخرج تحديداً كثيراً ما يخطىء به الناس فيبدِّلون حرفي (الظاء والذال) إلى (زاي) و(الثاء) إلى (سين) وهذا خطأ واضح في التلاوة يجب تصحيحه خصوصاً في قراءة الصلاة.
المخرج الرابع:الشفتان: وفيهما مخرجان:
أ- باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا: مخرج (الفاء). نحو: ﴿يَفْرَحُ﴾.
- الشفتان معاً: ولهما ثلاثة أحرف وهي: (الباء والميم والواو).
الواو: تخرج بانفتاح الشفتين وانضمامهما. نحو: ﴿أَوَّابٌ﴾.
الباء: تخرج بإطباق الشفتين. نحو: ﴿وَأَبّاً﴾.
الميم: تخرج بإطباق الشفتين وٱشتراك الأنف. نحو: ﴿أَمَّا﴾.
المخرج الخامس:الخيشوم: وله مخرج واحد:
ويخرج منه الغنة: وهي صوت جميل أورنين يخرج من التجويف الأنفي لا عمل للسان به، ويصاحب في اللغة العربية حرفي (الميم والنون) بكلِّ أوضاعهما ويختلف زمنها باختلاف الحكم. نحو: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ / ثُمَّ نَظَرَ / إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾.
وفي نهاية القول نؤكِّد على القرَّاء الأعزاء الاهتمام والعناية بتصحيح مخارج حروفهم لأنَّها شرط أساسي في صحَّة قراءة القرآن وصحَّة الصلاة وأن يتمرنوا على ذلك بغية الوصول إلى فصاحة النطق وجودة القراءة وفهم المعاني.
نسأله تعالى أن يوفقنا لخدمة كتابه والعمل بما يرضيه إنَّه نعم المولى ونعم النصير
(1).


(1) - الأستاذ الحاج عادل خليل، مدير القسم التعليم المركزي في جمعية القرآن الكريم.
 


أشهر القراء المبدعين

الشيخ مصطفى إسماعيل (من مصر)

عاش الشيخ مصطفى 73 عاماً منذ ولادته عام 1905 م في قرية ميت غزال، وعندما بلغ السادسة من عمره حيث تعلَّم القراءة والكتابة وجزء من القرآن في الكتاتيب، وقد أتمَّ حفظ القرآن كاملاً في العاشرة من عمره، وبعدها تلقَّى التجويد والقراءات، وفي السادسة عشرة من عمره ذاع صيته كقارىء واعد وموهوب، إلى أن أصبح قارىء مصر الأول.
يعتبر الشيخ مصطفى أمير القرَّاء بلا منازع، ولعله القارىء الوحيد الذي لا يختلف عليه اثنان في مدرسة التلاوة، لما يتميز به من قدرات فوق العادة في تسلله إلى قلوب الجميع وتربعه بجدارة على عرش التلاوة.
ومن الطريف أن الإمام الخامنئي هو الذي عرَّف هذا القارىء المبدع للشعب الإيراني زمن الطاغوت المقبور، من خلال أشرطة الكاسيت التي جُلبت إليه من مصر بواسطة صديق له ذهب إلى هناك وأوصاه عند رجوعه إلي ايران أن يجلب معه مجموعة من هذه الأشرطة وبالتالي سعى الإمام الخامنئي إلى إرسالها من مدينة مشهد التي كان يقطنها حينذاك، إلى أصدقائه في طهران وقم ومن ثمَّ انتشارها في عموم الأراضي الإيرانية.
ويمتاز أداء الشيخ المترجم له بالروعة والجمال والصِّدق البيّن، من خلال نبرة الصوت الحزينة والخشوع المصحوب بالتلاوة حتى أنَّ السامع يشعر بكلِّ وجوده بكلام الله وكأنَّه ينفذ إلى أعماق قلبه فيخشع متأملاً ومطيعاً لأوامر الله ونواهيه.
والجدير بالذكر أنَّ الشيخ مصطفى اسماعيل زار لبنان لسنوات عدَّة وكان له تلاوات كثيرة لا تزال موجودة إلى يومنا هذا وطاف بالعديد من الدُّول شرقاً وغرباً حيث قرأ القرآن الكريم في باريس وفي بون وفي دول آسيا وجميع الدول العربية وكذلك قرأ في القدس الشريف مرتين
 

 

   حفظة القرآن

  حوارات أهل القرآن


نبذة مختصرة:

الاسم:
الشيخ إبراهيم حسن حسن.
العمل:
مُدرّس للقرآن الكريم، وطالب جامعي في الحوزة العلمية، حافظ لتمام القرآن الكريم، وقد وُفِّقَ للفوز بجائزة سيد شهداء المقاومة الإسلامية.
المستوى الدراسي:
مرحلة السطوح في الحوزة العلمية، وماجستير في الجامعة.
الوضع العائلي:
متزوج.

 

س1: ماذا تفهم من قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ...
أفهم أنَّ الله تعالى مدَّ لنا سبيل الوصول إليه، فما علينا إلا التمسُّك بأحكامه متَّحدين، فلا نفترق عن تلك الأحكام، ولا يتفرّق بعضنا عن بعض.

س2: ماذا تفهم من قول رسول الله (ص): «إنَّ أهل القرآن (1) في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النّبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإنَّ لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً علياً؟
باعتبار أنَّ القرآن الكريم أشرف الكلام، فإنَّ كلَّ مَن يرتبط به ينال الشرف والرفعة، وهذا ما يدفعنا إلى التمسُّك بالقرآن الكريم أكثر فأكثر.

س3: مروي عن أبي عبد الله (ع) أنَّ: «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة(2) الكرام البررة (3)»، هل هذا الحديث يشعرك بالمعنويات والتواضع لله سبحانه وللناس؟ ولماذا؟
من أكثر ما يشدُّ انتباهي هو هذا الحديث ! ففي نفس الوقت الذي يشعرني به بالمعنويات يضع على كاهلي مسؤوليَّة العمل؛ إذ لا بد أن يكون الحفظ مقروناً بالعمل دائماً.

س4: كيف تقيِّمون مشروع جائزة سيِّد شهداء المقاومة الإسلامية التي قدمتها جمعية القرآن الكريم بالتعاون مع جمعية المعارف الإسلامية؟
هي قفزة نوعيَّة في مجال العمل القرآني، أتمنى للإخوة كامل التوفيق والنجاح، وأن يدوموا ذخراً وعزاً في ميدان الجهاد القرآني.

س5: ماذا تقول لطلاب الجامعات لحثهم على حفظ القرآن الكريم والاستفادة منه؟ وبماذا تنصحهم؟
نصف ساعة يوميَّاً كافية لتحفظوا القرآن الكريم في سنتين، وما عليكم إلا العزم والمثابرة، ثمَّ إنَّ تغيير المجتمع وتطوُّره يبدأ منكم، فإذا صار الشباب الجامعي شباباً قرآنياً، فإنَّ المجتمع حينها سيصبح مجتمعاً قرآنيَّاً، وحينها نخرج من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم والإيمان قال سبحانه: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ(4).

س6: ما هي الكلمة التي توجهها لسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله (حفظه الله) الداعم لهذا المشروع؟
لم تزالوا – سماحتكم – الراعين لمسيرة الجهاد والقرآن الكريم، ولم تزل إرشاداتكم واهتماماتكم جذوة النُّور التي لا تنطفىء. دمتم نعم المجاهدين القرآنيين، ودمنا دوماً في ظلِّ رعايتكم.


(1) - أهل القرآن: هم حفظته وحملته والتالين لآياته والعاملين بما فيه.
(2) - السفرة: الملائكة.
(3) - البررة: جمع بار وهوالمطيع لله المنزّه عن النقائص.
(4) - سورة إبراهيم، الآية: 1.

 

   أهل البيت (عليهم السلام)

  كلام أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن


1 - روي عن علي (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (ص): قراءة القرآن في الصَّلاة، أفضل مِنْ قراءةِ القرآن في غيرِ الصَّلاة، وقراءةُ القرآن في غيرِ الصَّلاة، افضل من ذكرِ الله تعالى، وذكر الله تعالى أفضل مِنْ الصَّدقة، والصَّدقة افضل مِنْ الصيامِ، والصيام جُنَّةٌ من النَّار» (1).
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مَنْ قرأَ القرآنَ وهو شاب مؤمن اختلطَ القرآنُ بلحمهِ ودمه، وجعلَه اللهُ عزَّوجل مع السفرةِ الكرامِ البررة، وكان القرآنُ حجيجاً عنه يومَ القيامة، فيقول: يا ربّ إنَّ كلَّ عامل قد أصابَ أجرَ عمله غير عاملي، فبلغ بهِ أكرم عطائك، قال: فيكسُوه اللهُ العزيزُ الجبارُ حلتين مِنْ حِللِ الجنَّة، ويوضعُ على رأسهِ تاج الكرامة، ثمَّ يقالُ له: هل أرضيناك فيه؟ فيقولُ القرآنُ: يا ربّ قد كنت أَرغبُ له فيما هوأفضل مِنْ هذا، فيعطى الأمن بيمينه، والخلدَ بيساره، ثمَّ يدخلُ الجنَّة، فيقالُ له: اقرأ واصعد درجة، ثمَّ يقالُ له: هل بلغناك وأرضيناك؟ فيقولُ: نعم، قالَ: ومَنْ قرأ كثيراً أوتعاهدَه بمشقةٍ مِنْ شدَّة حفظه أعطاه الله عزَّوجل أجرَ هذا مرتين» (2).
3 - الإمام الرضا (عليه السلام) - في صفةِ القرآن -: «هو حبلُ الله المتين، وعروتُه الوثقى، وطريقتُه المثلى، المؤدي إلى الجنَّة، والمنجي مِنْ النَّار، لا يخلق على الأزمنة، ولا يغث على الألسنة، لأنَّه لم يجعل لزمانٍ دون زمان، بل جُعلَ دليل البرهان، والحجة على كلِّ إنسان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل مِنْ حكيمٍ حميد» (3).


(1) - جامع الأخبار: ج6، ص 8.
(2) - بحار الأنوار: ج7، ص305.
(3) - ميزان الحكمة:ج8، ص189.

 

 

  استفتاءات قرآنية


لسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله)
 


س1: ما هو حكم القراءة الجماعية للقرآن من قبل التلميذات الحافظات في المجالس والأعياد، وكذا تواشيحهن في المجالس التي يحضرها الرجال من خلف الستار، بنحو يصل صوتهن بشكل جماعي، لا فردي؟
ج: صوت المرأة الأجنبية ليس حراماً، والاستماع إليه من قبل الرجال الأجانب لا إشكال فيه، وعليه، في فرض السؤال، إذا لم يكن موجباً للفت انتباه غير المحرم وترتّب مفسدة عليه، لا مانع منه، وإلا لا يجوز.

س2: هل تترتّب أحكام سماع آيات القرآن على الشخص فيما إذا سمع الحمد والسورة من مصليةٍ تؤدي صلاتها جهراً؟

ج: نعم، فله نفس الموضوع ونفس الحكم.

س3: هل تخلّ في الصلوات الواجبة قراءة بعض الآيات من السور الطوال بدل السورة؟
ج: لا إشكال فيه، ولا يخلّ في الصلاة، إلا إنَّه غير مجزٍ عن السورة، ويجب قراءة سورة كاملة في كلِّ الأحوال.

س4: إذا تليت إلى جانب السورة بعض الآيات من سور أخرى، فما هوحكم الصلاة؟
ج: لا مانع منه إذا كان بقصد قراءة القرآن، لا بقصد الورود، والصلاة صحيحة. والله العالم.

س5: في بعض الأسر، يقوم بعض الوالدين، وبسبب عشقهم لتعلم القرآن، بإجبار اولادهم على متابعة البرامج القرآنية، بحيث إذا تخلف الأولاد أحياناً فإنَّهم يتعرضون لإجراءات تأديبية من قبلهم، نرجوبيان رأيكم في هذه المسألة؟
ج: لا مانع من التأديب إلى الحدِّ المتعارف، والمشروع، أمَّا إذا أثَّر في بدن الولد بنحوموجب للدِّيَّة، فإنَّ الشَّخص المؤدَّب يكون ضامناً (1).


(1) - استفتاءات قرآنية: إصدار جمعية القرآن الكريم، ص107.

 

   مقابلة العدد

  الإسلام دين العدالة والرحمة


مع نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم (حفظه الله) (1)


الحمد لله تعالى الذي أنعم علينا بالهداية، فأنزل إلينا المنهج السماوي الكامل، فبعث خاتم الأنبياء محمد (ص)، الذي حمل إلينا الإسلام العظيم، مكتوبةً أسسه وقواعده في القرآن الكريم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد (ص)، وعلى آله الأطهار الميامين، وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين.
 


1- ما هومفهوم العدل؟ وما الفرق بينه وبين الإحسان على ضوء قوله تعالى: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ»؟
العدل في الناس وبينهم أن يوضع كل واحد في موضعه الذي يستحقه في العقل أوفي الشرع أوفي العرف، فيُثاب المحسن بإحسانه، ويُعاقب المسيء على إساءته، ويُنتصف للمظلوم من الظالم، ولا يُبعِّض في إقامة القانون ولا يستثنى.
أما الإحسان إلى الغير فهو إيصال الخير أوالنفع إليه من دون مقابل، كأن يقابل الخير بأكثر منه، ويقابل الشر بأقل منه، ويبادر بالخير متبرعاً ابتداءً.
أمرنا الله تعالى بالعدل والإحسان، قال تعالى: ﴿
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(2)، وهما قيمتان أخلاقيتان عظيمتان، تؤثران في التعاملات الإنسانية، وترقى بها إلى التعبير عن الاستقامة التي أرادها الله تعالى طريقاً لسعادة بني البشر بهدي القرآن الكريم في هذه الدنيا.
وقد عبَّر رسول الله (ص) عن أهميتها بقوله: «جُماعُ التقوى في قوله تعالى: «
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ»، ما يؤكد على دورهما في سموحياة الإنسان.
عرَّف أمير المؤمنين علي (ع) العدل والإحسان باختصارٍ معبِّر فقال في تفسير قوله تعالى: «
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ»:العدل الإنصاف، والإحسان التفضُّل». حيث يتبين لك في هذا التعريف أن العدل وضع كلُّ شيء في موضعه أي الإنصاف، والإحسان هوالعطاء بلا بدل أومقابل وهوالتفضُّل، وهما صفتان كريمتان من صفات التقوى.

2- كيف أمر القرآن الكريم الحكام أن يحكموا بالعدل؟
دور الحاكم أساس في بسط العدل بين الرعية، وقد أمر الله الحكام أن يحكموا بالعدل، قال تعالى: ﴿
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً(3). ولا تستقر دولة ولا حكم إلاَّ بالعدل، أما الظلم فإنَّه يتراكم إلى أن تختل الموازين داخل الدولة فلا يبقى للحاكم سلطة ولا تحصل الرعية على استقرارها. فالعدل قوام استمرارية الدول، والظلم سبب انهيارها بأشكالٍ مختلفة.
نصح أمير المؤمنين علي (ع) الحكام بالعدل فقال: «فإنَّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق»
(4)، وهذا جواب لمن اعتقد أنه بالظلم والجور يحصل على المنافع، فالعكس هوالصحيح، إن كل المنافع والسعة في العدل وهي أفضل بكثير مقارنة بالجور والظلم. فمع العدل والاستقرار، وتماسك الرعية مع الحاكم، واطمئنان الناس في دولتهم ورضاهم الذي يؤدي إلى إنتاج أفضل في خدمة البلد وحمايته من الأعداء. إن مسؤولية الحاكم في العدل كبيرة، لأنه إن كان قدوة في ذلك حمى المجتمع وأدَّب أفراده للالتزام بالضوابط والقوانين التي تنصف الناس.

3- ماذا قال سبحانه عن العدل بأداء الشهادة؟
اشترط الإسلام العدالة في الشاهد، والعادل بحسب التعبير الفقهي: من لا يترك واجباً ولا يرتكب معصية، ويُعرف من حاله الظاهر أمام الناس. فإذا أردنا أن نثبت حقاً في أرضٍ أو مُلكٍ أو إجارة...علينا أن نُحضر شاهدين عادلين وهما يُعبَّر عنهما بالبينة لإثبات الحق، ولا يجري إيقاع الطلاق إلاَّ بحضور شاهدين عادلين. وعلى الشاهد العادل أن يقوم بواجبه في الشهادة عندما تُطلب منه لإعطاء الحقوق لأصحابها.
قال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوكَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآَثِمِينَ(5). وهذه دعوة للمؤمنين أن يكتبوا وصيتهم بحضور شاهدين عادلين لإثباتها، فإذا طُلب منهما الشهادة يجب أداؤها حفظاً للحقوق، بصرف النظر عمن يكون صاحب الحق قريباً أوبعيداً. ولذا أكَّد في الآية الكريمة: «وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآَثِمِينَ»، فالشهادة مسؤولية، والعدل أساسها، وإنصاف المؤمن بالعدالة لحماية الحقوق بالشهادة الصحيحة.

4- كيف حثَّ القرآن الكريم على العدل في القول؟
يترتب على القول نتائج، فقولُ الشاهد يرجح الكفة نحو من شهد له، وقولُ الحاكم يُجري الحكم وفق حكمه، وقولُ الإنسان في أية مسألة عن إخوانه أوالمحيطين به موقفٌ له آثاره الايجابية أوالسلبية بحسبه... ولذا يجب أن يكون القول عادلاً ومنصفاً بشكل دائم، وفي كل المواقع والظروف، ومع كل الناس مهما كانت درجة قرابتهم. قال تعالى: ﴿
وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوكَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(6).
القول بالعدل أحد مظاهر التعبير عن التقوى والاستقامة، ولو سلك الناس هذا الطريق لحصلوا على الكثير من الخيرات والبركات فيما بينهم، وهو توجيه الإسلام كجزء من بناء النفس الإنسانية على خط الاستقامة.

5- كيف أمر القرآن المسلمين بإقامة صروح العدل بين الشعوب؟
لا يقتصر العدل على الأقرباء، ولا على الأصدقاء، ولا على أبناء القوم والعشيرة، بل يجب أن يعم الموقف العادل جميع الناس والأقوام، قال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوأَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(7).
العدلُ مسار وشخصية ثابتة لا تتلَّون بحسب الظروف، وهو موقف واحد في السراء والضراء، وهوإنصاف وفق توجيهات الحلال والواجب وعدم ارتكاب الحرام. العدل موقف لا يرتبط بالحب والبغض، ولا بالصداقة أوعدمها، بل يرتبط بالإيمان والمسؤولية حتى مع الذين نبغضهم ولا نتعاطى معهم في شؤون حياتنا المختلفة، إنَّه موقف لله تعالى وفي سبيله. هذا هوالإسلام العظيم دين العدل والرحمة يؤدب مريديه على الموقف الإنساني الكامل على طريق طاعة الله تعالى.


(1) - مقابلة مع جمعية القرآن الكريم لمجلة «هدى القرآن «23 / 4 / 2012 م.
(2) - سورة النحل، الآية: 90.
(3) - سورة النساء، الآية: 58.
(4) - بحار الأنوار: ج 41، ص 116.
(5) - سورة المائدة، الآية: 106.
(6) - سورة الأنعام، الآية: 152.
(7) - سورة المائدة، الآية: 8.

 

  حيوانات ذكرت في القرآن الكريم

  الجمل في القرآن الكريم

يقول سبحانه:
﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ - سورة الغاشية، الآية: 17.

الجمل حيوان أليف، حباه الله عزَّ وجل بقدرات عظيمة تمكنه من تحمُّل السير لمسافات طويلة، فوق تلال الرمال الناعمة، وسط صحراء قاحلة يندر فيها الزرع والماء، وتكثر فيها الرياح والعواصف الرملية الشديدة؛ لذا أطلق عليه «سفينة الصحراء».
وقد أمرنا الله تعالى فى كتابه الكريم بأن نتفكر في خلق الإبل (أي الجمال)، ونتأمل قدرة الله وعظمته فى خلق هذا الكائن العجيب الذى تكيف على العيش فى الصحراء بصورة مدهشة، وأول ما نعجب له، ويثير انتباهنا إذا ما نظرنا إلى الجمل هو ضخامة جسمه، وقوَّة بنيانه، وارتفاع قامته، وطول عنقه!! لكننا إذا دققنا النظر فيه أكثر فسوف نجد أشياء أخرى عجيبة ومدهشة !!!

مخلوق متميّز تحت إمرة الإنسان:
الجمل باستطاعته أن يبقى لمدة ثمانية أيام كاملة بلا ماء ولا طعام في بيئة درجة حرارتها 50 درجة مئوية. وخلال هذه المدة يفقد حوالي 22 كيلوغراماً من وزنه. وليس بإمكان الإنسان أن يستمر على قيد الحياة إذا فقد جسمه نسبة 12% من الماء الموجود فيه، أما بالنسبة إلى الجمل فإذا فقد حتى نسبة 40% من الماء الموجود في جسمه فإنه لا يموت. والسبب الآخر لتحمل الجملِ العطش هو أن جسمه يتمتَّع بنظامٍ يمنع صعود درجة حرارته أكثر من 41 درجة. ولهذا السبب، فحتَّى فى الحرِّ الشديد خلال النهار يحافظ جسمه على كميّة الماء ولا يفقد سوى كميّة قليلة. وفي الليل حيث تكون درجات الحرارة منخفضة تظل الحرارة في جسمه في مستوى معين ولا تنخفض أكثر من 30 درجة.

وحدة متكاملة فى استعمالها للماء:
يستطيع الجمل فى 10 دقائق أن يشرب من الماء ما يقارب ثلث جسمه. فقد يصل هذا المقدار الذي يشربه إلى 130 لتراً. وإلى جانب ذلك يعتبر الغضروف الموجود لديه أكبر بكثير بالمقارنة مع ما هو موجود لدى الإنسان، فحجم غضروف الانسان يمثل نسبة 1% من حجم غضروف الجمل. وهذه الخاصية تساعد الجمل على أخذ الرطوبة من الجو بنسبة 66 %.

الاستفادة من الغذاء والماء بأكبر قدر ممكن:
كثير من الحيوانات تموت عندما تكثر كميّة الدم المنتجة من قبل الكبد، ولكن الكبد لدى الجمل يتدخل عدة مرات للاستفادة من الماء والغذاء بأقل درجة ممكنة. وتكوين الدم وخلاياه عامل مهمّ فى تحمّل الجمل للعطش، أي بقائه بدون ماء لفترةٍ طويلة. فجدار الخلية لدى الجمل لا يسمح بفقدان الماء الزائد، فهذا الجدار يتمتع بميزةٍ مهمة، كما أن تكوين الدم - حتى في حالة وصول كميّة قليلة من الماء - يسمح بتدفقه بالقوة نفسها.
وبالاضافة إلى ذلك فإن الدم يحتوي على أنزيم البومين بنسبة أكبر مما توجد عند بقية الكائنات الحيّة، وهذا الأنزيم يزيد فى قدرة الجمل على مقاومة العطش. وهناك مساعد آخر هو السِّنام (الحدبة)، ففي السِّنام نسبة واحد إلى خمسة من حجم جسم الجمل، وفيه مخزون من الدهون، وهناك دهون أخرى في أكثر من منطقة من جسم الجمل تساعده على الحفاظ على كميّة الماء لديه.
إن السّنام فى الظروف العادية يستطيع أن يستوعب 30 إلى 50 كيلوغراماً من المواد الغذائية، ولكن في الظروف القاسية لا يستوعب سوى كيلوين، وبإمكان الجمل أن يعيش بهذه الكمية من الطعام مدة 30 يوماً.
إنَّ الجمل بواسطة فمه وشفتيه وتركيب أضلافه (حافره) المتكونة من جلد مدبوغ بصلابة قادر على انتقاء غذائه من بين الأشواك.
وأما معدة الجمل فهي ذات أربع طبقات وجهازه الهظمي قوي بحيث يستطيع أن يهضم أيَّ شيء إلى جانب الغذاء مثل المطاط، وهو يستفيد من هذه الخاصية في الأماكن الجافة.

قدرته على مقاومة الزوابع والأعاصير:
لعيني الجمل رموش ذات طابقين مثل الفخ تماماً بحيث تدخل الواحدة في الأخرى، وبهذا يستطيع أن يحمي عينيه، وفي هذه الحالات يستطيع أيضاً أن يغلق أنفه لكي لا تتسرب إلى داخله الرمال.

تدابيره في البرد القارس والحر القائظ:
جسم الجمل مغطى بشعرٍ كثيف، وهذا العامل يحافظ على عدم نفاذ الحرارة إلى داخل الجلد، وفي الوقت نفسه يحافظ على درجة حرارة جسمه في أيام البرد. فالجمال التي تعيش في الصحراء تستطيع أن تتحمل درجة حرارة تصل إلى 70 درجة، والجمال التي لها سنامان تستطيع أن تتحمل البرودة في درجة حرارة تصل إلى 52 درجة تحت الصفر. وهذا النوع من الحيوانات يستطيع أن يعيش في أراضٍ جبلية على ارتفاع يصل إلى 4000 متر.

احتياطه للرمال الحارقة:
إن تصميم أضلاف الجمال بالمقارنة مع بقية الحيوانات تعتبر كبيرة جداً. وهذا الكبر يساعدها على المشي على الرمل دون أن تنغمس أوتغرق فيها. وأما الجلد الموجود في أسفل باطن أقدامها فسميك جداً، وبالتالي فهو يساعد الجمل على الوقاية من حرارة الرمال.

أصوات الإبل:
إرزام ويقولون ترزم الإبل ورزيم الإبل ومنه:
1ـ الهدير وهو صوت يصدره الفحل.
2ـ الحنين وهو صوت الناقة.
ويضم جنس الجمل نوعين:
الجمل العربي ذو السِّنام الواحد: موجود في بلاد العرب وشمال أفريقيا والهند واستراليا وأمريكا الشمالية، أكثر نحافةً ورشاقةً وأرجله أطول والخف أكثر ليناً ومرونةً وهو أقل صلاحاً للسير في المناطق الصلبة والصخرية وهو مهيأ للعدو السريع والركوب.
الجمل الأسيوي ذو السنامين: موجود في أواسط آسيا وهو، أكثر صلاحية للحمل، وهو أقل رشاقة وأبطأ سرعة من الجمل العربي إلا أنه أقوى منه جسماً وأمتن بناء ووبره أكثر طولاً وخشونةً ليقاوم الصقيع في المناطق الباردة، ويبلغ ارتفاعه عند قمة السنامين نحو مترين وربع وأرجله غليظة متوسطة الطول (1).
﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ والحمد لله ربّ العالمين.


(1) - أطلس ثدييات العالم: ص377، (م – س).
 

  

  نباتات ذكرت في القرآن الكريم

  الزيتون في القرآن الكريم

يقول سبحانه:
﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ - سورة النور، الآية: 35.


شجرة الزيتون شجرة مـباركة تنتمي إلى عائلة الزيتيات معروفة منذ القـدم لشهرة زيتونها وزيتها، جاء ذكرها باللفظ في خمس آيات قرآنية كريمة، منها اثنتان في سورة الأنعام حيث يقول عزَّ وجل: ﴿
وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍَ﴾ (1) وقال سبحانه في نفس السورة: ﴿وَهُو الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ (2)، وآية في سورة النحل قال تعالى فيها : ﴿يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ﴾ (3)، وقوله تعالى في سورة عبس: ﴿وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا﴾ (4)، وقوله تعالى في سورة التين: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ (5)، وجاء في هذه الآية قسم بالتين والزيتون والله سبحانه وتعالى لا يقسم إلا بعظيم خلقه وقد أقسم سبحانه وتعالى بالزيتون وبالطور في آيةٍ أخرى؛ والزيتون كانت نشأتها في جبل الطور كما جاء قوله تعالى في سورة (المؤمنون): ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ﴾ (6)، وهي الآية السادسة التي يذكر فيه الزيتون لكن هذه المرة ليس باللفظ وإنما بالتعريف العلمي. والحديث في هذه الآية لا يخص التغذية وإنما يخص العلاج.

وقد وصفت بالمباركة بحيث يتسع معنى هذا الوصف ليشمل المزايا الزراعية والبيئية والغذائية والطبية لشجرة الزيتون وتكاد تكون الشجرة المثمرة الوحيدة التي لا تفسد التربة ولا تحتاج إلى ماءٍ بكثرة ولا تفسد المزروعات إذ يمكن زراعة ما تحت وما بين أشجار الزيتون بالحبوب، وتنبت في التربة الوعرة إما صخرية كالجبال أوكلسية أوتربة فقيرة بها حصى ورمل. وتعيش شجرة الزيتون أزيد من ألف وأربعمائة سنة بدون نقصان في الإنتاج خصوصاً إذا كانت الأغراس طبيعية والعناية بها جيدة. وشجرة الزيتون لا تلقي بأوراقها في فصل الخريف، ولا تؤثر فيها العوامل البيئية القاسية مثلما هو الشأن بالنسبة للأشجار الأخرى، واعلم أنَّ شجرة الزيتون لو ماتت وانقرضت ولم يبقَ منها إلّا عرقٌ صغيرفغُرس في الأرض لتمكّنت من الإنبات مجدداً والنمو كما كانت شجرة كاملة.
منشأ أو أصل هذه الشجرة التي تخرج من طور سيناء، وهو الجبل الذي كلَّم الله تعالى عليه النبي موسى (ع). وهذه النقطة الدقيقة في بيان أصل شجرة الزيتون ثابت في العلوم الأحيائية، وهو أن أصل الأنواع والأصناف في عالم النبات ينحدر من المنطقة الممتدة من فلسطين إلى شمال إيران. وأغلب الأنواع وجد في المنطقة الممتدة حالياً بين فلسطين والأردن ولبنان وسوريا. وهي المنطقة التي أخذ منها المسلمون الأغراس إلى المغرب العربي والأندلس.

وهناك طوران لشجرة الزيتون:
الأول: خروج الشجرة.
والثاني: الإنبات. وقد تستغرق المرحلة الأولى من أربع إلى ست سنوات قبل أن تنتج الشجرة زيتوناً بمردودية مقبولة.
تحتوي شجرة الزيتون في أوراقها على مكوّنات صحية وطبية ومواد نافعة جداً، وقد تشفي من عدة أمراض، ولا يمكن أن نذكر كلّ الحالات التي تمّت معالجتها بمستخلص أوراق الزيتون، ومنها خفض الضغط الدموي، وخفض الكوليسترول في الدم، وكبح السرطان. ولهذه المواد قوَّة عالية في كبح الباكتيريا المقاومة للمضادات، وكبح الفايروسات والخمائر والفطريات، ولها كذلك قوَّة في تفادي كلّ الأعراض المتعلقة بأمراض القلب والشرايين.

وحسب بعض الباحثين فقد أظهرت أوراق الزيتون نتيجةً عالية في شفاء داء المفاصل والروماتيزمات وإصابة الشعر والأظافر والجلد وتسوّس الأسنان.
يقول المؤلف(أندرياويل): أنه يجب استبدال كلّ أنواع الدهون التي يتناولها الإنسان، وخاصةً بعد سن الأربعين بزيت الزيتون، وأشار إلى أهمية زيت الزيتون بقوله:
«يذيب زيت الزيتون الدهون ويساعد في تقوية الكبد، ويساعد في علاج الكبد الدهني، ويزيد من نشاط الكبد من ناحيةٍ أخرى فقد ذكر الكتاب أنَّ الدواء المعروف في الأسواق باسم (Essential Fort) يحتوي على نسبة عاليةٍ من زيت الزيتون، وهو الذي يوصف أساساً لمرضى الكبد، كما أنَّه يُحَسِّن من وظائف الكبد،وخاصة أنَّه مضاد للسموم، ومن هنا فهو يزيد من قدرة الكبد على إزالة السُّمِّية»(7).
كما وأنَّ زيت الزيتون يقي من السرطان، ومرض السكر، وأمراض القلب، وقرحة المعدة، وداء المفاصل وأظهرت الدراسات أن مستوى ضغط الدم، وسكر الدم، والكولسترول كان أقل عند الذين كانوا يكثرون من تناول زيت الزيتون(8)، وغير ذلك! وكلّ هذه المزايا الصحية موجودة في هذه الشجرة المباركة.
ما خلق الله سبحانه وتعالى الكون ومافيه من حيوان ونبات وجماد إلا لحكمةٍ يعلمها، ولغايةٍٍ يريدها، وقد خلق كلَّ شيءٍ بدقةٍ متناهية ووفق ما تدعو الحكمة، وما يقتضي النظام، وما يحقِّق الابداع، دون زيادة أو نقصان، بل اتزان شامل، واتقان كامل وحساب دقيق كما يقول سبحانه في سورة القمر: ﴿
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾(9)، ولم يأت القرآن مخالفاً للسنن الكونية، بل كلّ السنن الشرعية توافق قوانين السنن الكونية.
﴿
فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ والحمد لله ربّ العالمين.


(1) - سورة الأنعام، الآية: 99.
(2) - سورة الأنعام، الآية: 141.
(3) - سورة النحل، الآية: 11.
(4) - سورة عبس، الآية: 29.
(5) - سورة التين، الآية: 1.
(6) - سورة المؤمنون، الآية: 20.
(7) - الكتاب الأمريكي الصادر في 1997 بعنوان «ثمانية أسابيع للوصول إلى الصحة المناسبة» للمؤلف أندرياويل.
(8) - دراسة نشرت عام 1990 في مجلة جاما الأمريكية، (هذا لا يغني عن مراجعة الطبيب).
(9) - سورة القمر، الآية: 49.

 

 أنشطة الجمعية

  أنشطة جمعية القرآن الكريم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطاهرين.
قال موسى(ع) للخضر(ع) كما نقل المولى عزَّ وجل: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ (1).
فالسعي من أجل التعلم أمر ضروري وممدوح في القرآن والسُّنة والعقل، سواء من خلال الأستاذ أوالكتاب أوغيرهما، وهل هناك أشرف من تعلُّم كتاب الله سبحانه وتجويده وترتيله وفهمه والعمل به وانفاقه على افراد المجتمع؟ فعن الإمام الصادق (ع)، في قوله تعالى: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (2): «ممَّا علَّمناهم يبثُّون، وممَّا علَّمناهم من القرآن يتلون » (3).
فالجمعية تقوم بواجبها ومسؤوليتها الدينية والأخلاقية متوكلة على المولى عزَّ وجل بإقامة الدورات التعليمية في مجال تدريس المواد القرآنية كالتجويد والتفسير والمفاهيم والصوت والنغم، وتحفيظ القرآن الكريم، وإقامة النشاطات القرآنية كالمسابقة السنوية في المفاهيم القرآنيَّة والتفسير ومهرجان المودة والأمسيات والحفلات القرآنية وخصوصاً في شهر رمضان المبارك، وتأليف التصنيفات القرآنية وإصدار مجلة (هدى القرآن) و(أريج القرآن)؛ ونشرها عبر الأنترنت؛ ونشير هنا باختصار إلى أخبار وأنشطة الجمعيَّة القرآنيّة المنجزة خلال الأشهر الثلاثة الماضية (ربيع 2، جمادى1 وجمادى2) والمزمع إقامتها في الأشهر الثلاثة القادمة (رجب، شعبان وشهر رمضان المبارك) وهي على الشكل التالي:

أ- القسم التعليمي

(قال الرسول (ص): «خياركم من تعلم القرآن وعلمه» (4).
قام القسم التعليمي خلال الأشهر الثلاثة الماضية بالأنشطة التعليمية التالية:
1 - دورات في تجويد القرآن للمراحل الابتدائية والمتوسطة والتخصصية.
2 - دورة في إعداد مدرس قرآن كريم.
3 - حلقات قرآنيَّة في المساجد.
4 - دورات في تعليم فنون الصوت والنغم.
5 - دورات في تفسير أجزاء القرآن الكريم.
وعازم في الأشهر القادمة على إقامة نشاطات تعليميَّة مشابهة لما تقدم إلى جانب دورات مركزية في علم الوقف والابتداء والصوت والنغم وأساليب حفظ القرآن الكريم ومباني التفسير وأساليب التحكيم بحضور مدرسين من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
 

 

ب. قسم تحفيظ القرآن:

يقول الإمام الصادق(ع): «الحافظ للقرآن العامل به، مع السفرة الكرام البررة » (5).
أجريت المسابقة السنويَّة في حفظ القرآن الكريم لجائزة سيِّد شهداء المقاومة الإسلاميَّة السيِّد عباس الموسوي (قده) الخاصَّة بطلاب الجامعات والَّتي أمضاها وباركها سماحة حجة الإسلام والمسلمين سماحة أمين عام حزب الله السيِّد حسن نصر الله (حفظه الله)، وقد أجريت بحضور مدير عام جمعيَّة القرآن الكريم سماحة الشيخ علي عارف (حفظه الله) ونائبه الحاج أبو محمد الطرفي وممثلين عن التعبئة التربويَّة وجمعيَّة المعارف الثقافيَّة وبلغ عدد الذين شاركوا في جائزة هذا العام (38) بين حافظٍ وحافظة من الفئات الثلاث (30 – 20 – 10) أجزاء، فاز منهم (17) من كل المناطق اللبنانية:

الفائزون من فئة (30) جزءاً هم:
1 - ايلاف حسين بهجت (النبطيّة).
2 – سارة علي الموسوي (بعلبك).
3 – علي محمد مرتضى (صور).
4 – عايدة كامل نحال (صور).
5 – رضا عباس الحلباوي (بعلبك).

الفائزون من فئة (20) جزءاً هم:
1 – بثينة ملك (بيروت).
2 – نرجس علاء الدين (الهرمل).
3 – هبة ناصر (بيروت).

الفائزون من فئة (10) اجزاء:
1 – زينب حسين ملحم (النبطيَّة).
2 – لينا فرحان صعب (الهرمل).
3 – غانيا صعب (الهرمل).
4 – أم البنين مصطفى (الهرمل).
5 – ليلى الأعرج (صور).
6 - زينب ياسر دقدوق (صور).
7 – فاطمة إبراهيم طبَّارة (بيروت).
8 – بتول إبراهيم طبَّارة (بيروت).
9 – سلوى محمد (بيروت).

 

ج. قسم الدراسات:

قال رسول الله(ص): «إذا كان يوم القيامة ووزن مداد العلماء بدماء الشهداء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء».
استطاعت جمعية القرآن الكريم خلال هذه السنة من إصدار العديد من الكتب والتصنيفات القرآنية أبرزها:
- مفاهيم قرآنيَّة.
- دروس في مناهج التفسير.
- حديث النور «المحاورة بالقرآن الكريم».
- تفسير سورة القصص.
- مجلة (هدى القرآن) العدد (2 -3).
- كلمات قرآنيَّة.
- أريج القرآن (57 عدد).
وهناك عناوين أخرى تحت الطباعة يقوم قسم الإنترنت بعرضها على موقع الجمعية بالإضافة إلى نشاطات أخرى


د. قسم النشاطات:

يقول سبحانه: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ(6).
- ضمن البرامج السنويَّة تعد الجمعيَّة مسابقة المفاهيم القرآنيَّة والَّتي ستجرى في كتيب «القرآن الكريم في نهج البلاغة».
- تعزم على إجراء مسابقتها السنوية في تفسير سورة القصص.
- كما وتقوم الجمعيَّة بالتعاون مع جمعيَّة المعارف الثقافيَّة، بالتحضير لاقامة أمسيات قرآنيَّة في ذكرى المبعث النبوي الشريف، وذكرى الإسراء والمعراج كذلك بدأت التحضير للأمسيات والحفلات لشهر رمضان المبارك.
والجدير ذكره بأنَّ الجمعيَّة تستضيف سنوياً نخبة من القرَّاء والحفَّاظ وفرق التواشيح الدوليين من دول عدَّة: مصر - العراق - سوريا - ايران - افغانستان وغيرها. نسأله سبحانه الإعانة على المزيد من النشاطات القرآنيَّة، والحمد لله رب العالمين

 


(1) - سورة الكهف، الآية: 66.
(2) - سورة البقرة، الآية: 3.
(3) - بحار الأنوار: ج2، ص17.
(4) - الأمالي للطوسي: ج1، ص407.
(5) - بحار الأنوار: ج89، ص177.
(6) - سورة المطففين، الآية: 26.
 

 

 

 


س 1: ما هومعنى نسخ الآيات القرآنيَّة؟
أ-
التغيير والإلغاء.
ب-
الإبطال والنقل.
ج-
إزالة حكم بتشريع لاحق بحيث لا يمكن اجتماعهما معاً ذاتاً ونصَّاً.
 

س 2: ما هي السورة التي تسمى بسورة القتال؟
أ - النساء.
ب - محمد (ص).
ج - البقرة.

س 3: لماذا شاع استخدام كلمة المصحف؟
أ - بسبب ذكرها في الكتاب.
ب - بسبب جمع القرآن في مجلَّد واحد.
ج - كلاهما صحيح.

س 4: ما هي أشهر أوصاف القرآن؟
أ - المجيد، الكريم، الحكيم.
ب - العظيم، العزيز، المبارك.
ج - كلاهما صحيح.

س 5: إلى أين نزل القرآن جملة واحدة كما عبَّرت الأحاديث؟
أ - إلى بيت العزَّة والسماء الدنيا.
ب - إلى البيت المعمور والسماء الرابعة.
ج - كلاهما صحيح.

س 6: ما هو سرُّ نزول القرآن تدريجاً؟
أ - لتثبيت وتقوية عزيمة الرسول (ص) والمسلمين.
ب - لتسهيل تعلُّم الأحكام وحفظ القرآن.
ج - كلاهما صحيح.

س 7: بماذا تسمى الظروف والوقائع التي نزلت فيها بعض الآيات؟
أ - بالمعطيات.
ب - بسبب النزول.
ج - كلاهما صحيح.

س 8: ما معنى الآية لغة؟
أ - العلامة.
ب - الدلالة.
ج - كلاهما صحيح.

س 9: من القائل: «القرآن هذا علاج كلّ أمراضنا»؟
أ- الإمام الخميني (قده).
ب- الإمام الخامنئي (دام ظله).
ج- سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).

س 10: من القائل: «فالقرآن كتاب الحكمة والعلم والحياة»؟
أ- الإمام الخميني (قده).
ب- الإمام الخامنئي (دام ظله).
ج- سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).


قسيمة مسابقة هدى القرآن العدد (3)

الفائزون في مسابقة هدى القرآن العدد (2) هم بالترتيب:
الأولى: منى حسين هاشم.
الثانية: نرجس أحمد حسن.
الثالث: مهدي محمد كركي.

يمكنكم مراجعة مراكز الجمعية في المناطق لاستلام الجائزة .
 


  تسلية وفائدة قرآنية


أفقيا:

1 - اسم سورة نزلت عندما عرض المشركون على الرسول (ص) أن يعبد ألهتهم سنة فيعبدون إلهه سنة.
2 - اسم سورة من سور الزهر.
3 - اسم آخر لسورة الإنسان.
4 - نبي من أنبياء أولي العزم.
5 - اسم للكتاب السماوي الذي نزل على موسى (ع).
6 - اسم الطيور التي حطَّمت جيش أبرهة.
7 - المكان الذي دفن فيه فرعون.
8 - اسم آخر للنبي محمد (ص).
9 - اسم ملكة كان قومها يسجدون للشمس.


عاموديَّاً :
1 - معجزة النبي صالح (ع).
2 - اسم امرأة ظالم ممدوحة في القرآن.
3 - حشرة كلَّمت قومها.
4 - شجرة مباركة ذكرت في القرآن.
5 - اسم طائر علَّم قابيل دفن جثة أخيه.
6 - أول حافظ للقرآن.
7 - نبي ولد بلا أبوين.
 


الأجوبة الصحيحة لمسابقة هدى القرآن العدد (12)


ج1- الخصائص الغالبة على السور المكية هي:
الدعوة إلى أصول العقائد والأخلاق والحديث عن القيامة والجنة والنار.

ج2- الخصائص الغالبة على السور المدنية هي:
مجادلة أهل الكتاب وذكر الجهاد وأحكامه وأحكام الحدود.

ج3- الآيات المحكمات هي:
الآيات التي معناها المقصود واضح.

ج 4- أقسام الوحي الإلهي للأنبياء هي:
أ -أن يرسل الله سبحانه رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء.
ب- الوحي المباشر والوحي من وراء حجاب.

ج 5- السورة التي تسمى بسورة النبي عيسى(ع) هي:
الصف.

ج6- السورة التي تسمى بسورة «المودة» هي:
الممتحنة.

ج7- كتَّاب الوحي هم:
أ -علي بن أبي طالب (ع)، ومعاذ بن جبل.
ب- أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود.

ج8- القرَّاء الذين اختارهم ابن مجاهد هم:
إبن عامر، وابن كثير، وعاصم،
وأبوعمرو، وحمزة، ونافع، والكسائي.

ج9- القائل: «القرآن والسنة ملأى بالنصوص المعنيَّة بدور الإسلام الكبير في الشؤون السياسية» هو:
الإمام الخميني(قده).

ج10- القائل: «لو أردنا أن نستفيد من القرآن بالمعنى الحقيقي للكلمة فعلينا أن نتعرَّف على معارفه ومفاهيمه» هو:
الإمام الخامنئي .
 

أجوبة تسلية وفائدة قرآنية
أفقياً:
أ- اسم نبي من أنبياء أولي العزم هو: إبراهيم(ع).
ب- نبي قال: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ هو: زكريا (ع).
ج- اسم طائر خوطب بقوله تعالى: ﴿اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ هو: الهدهد.
د- أكبر حيوان بري ذكر في القرآن: الفيل.
ه- إسم سورة من أسماء الله سبحانه: الرحمن.
و- نبي عاش في الأرض كثيراً: نوح (ع).
ز- نبي طلب من الله سبحانه أن ينزل مائدة من السماء: عيسى (ع).
ح- إسم يطلق على السور التالية: السجدة- فصلت النجم العلق: العزائم.
ط- اسم نبي قتل جالوت: داوود(ع).

عامودياً:
أ- أصغر حيوان ذكر في القرآن: البعوضة.
ب- إسم شجرة استظل بها النبي يونس (ع): اليقطين.
ج- إسم لزمن الصلاة الوسطى: الظهر.
د- معنى (إلحافاً) كما جاء في القرآن الكريم: إلحاحاً.
هـ - إسم سورة سميت باسم أم أحد الأنبياء: مريم (عليها السلام).
و- سورة يستحب قراءتها للنساء: النور.
ز- نبي اطلق عليه (ذا النون): يونس (ع).
ح- نبي وصف بالجمال المميز: يوسف (ع).
ط- نبي أرسل إلى مدين: شعيب (ع).
ك- نبي أرسله الله سبحانه إلى عاد: هود (ع).

 

 

 

 

 

 

 

  ملاحظة: إلى القرّاء الكرام:


تحية طيبة إليكم من إدارة المجلة، ونحن نرحب بأي اقتراح من قبلكم لتطوير المجلة ويمكن لكم مراسلتنا من خلال مراكز جمعية القرآن الكريم من كافة المناطق.


عناوين جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد
الإدارة العامة: بيروت - لبنان - حارة حريك - أوتوستراد المطار - سنتر صولي ط2 هاتف: 274721 /01 - تلفاكس: 545723/ 01
بيروت: 278845/01 - النويري: 663914/01 - كيفون: 270158/05
الجنوب : النبطيــة: 764749/07 - مشغــرة - القطراني: 651915/08 - الغسانية: 958404/70
صور - شحـور: 675170/03- جويـا: 411355/07 ـ الشعيتية - بنت جبيل: 349292/07
بـعـلبـك - ـ قصرنبا: 373786/08 ـ النبي شيت: 335013/08 - شمسطار: 373786/08
الهرمــل - العين - القصر: 200235/08

www.qurankarim.org     E-maL: info@qurankarim.org

13-02-2013 | 09-58 د | 7776 قراءة


الصفحة الرئيسة
جمعية القرآن الكريم
المكتبة الصوتية والمرئية
معرض الصور
مكتبة الكتب
سؤال وجواب
صفحة البحــــث
القائمة البريـدية
سجـــــــل الزوار
خدمــــــــة RSS
تواصل معنا
 
فلاشات إخبارية
جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - لبنان

2749721 زيارة منذ 18- تموز- 2008

آخر تحديث: 2023-12-07 الساعة: 12:56 بتوقيت بيروت