أصدقائي:
لأنّ مدرسة النّبيّ الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وآل بيته (عليهم السّلام) أعظم مدرسة على مدى التّاريخ، علّمتِ البشر معنى الإنسانيّة، وتدخّلت في تفاصيل علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان، كانَ انتماؤنا إلى هذه المدرسة شرفًا عظيمًا يفخر به كلّ مسلمٍ ومسلمة، نهلا أخلاقهما من هذا النّبع المحمّديّ الأصيل، و تسلّحا بعبرِهِ ودروسه في مقارعة الحياة.
وقد قدّمت لنا هذه المدرسة الكثير ممّا يقوّي روابطنا بالعائلة، ويزيد من صلتنا بأرحامنا، ويهذّب علاقاتنا بكلّ فردٍ من أفرادِ أسرتنا.
ومن ضمن هذه الدّروس والعبر، ماورد في رسالةِ الحقوق للإمام زين العابدين عليه السّلام عن حقّ الأخ، إذ قال (عليه السّلام):
(( وأمّا حقّ أخيك فتعلم أنّه يدك الّتي تبسطها، وظهرك الّذي تلتجئ إليه، وعزّك الّذي تعتمد عليه، وقوّتك الّتي تصول بها، فلا تتّخذه سلاحًا على معصية الله، ولا عدّةً للظّلم بحقّ الله، ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوّه، والحول بينه وبين شياطينه، وتأدية النّصيحة إليه، والإقبال عليه في الله، فإن انقاد إلى ربّه وأحسن الإجابة له، وإلاّ فليكن الله آثر عندك، وأكرم عليك منه.)).
فالإمام (عليه السّلام) يريد للمؤمن أن يجعل من علاقته بأخيه علاقةً عباديّةً، تقرّبه من الله تعالى، طالما كانت منطلقةً من الخيرِ وساعيةً إليه.
وهو يريد من المؤمن أن لا يكون كابن آدم عليه السّلام، الّذي طوّعت له نفسه قتل أخيه فخسر دنياه وآخرته:
{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } المائدة 30
ولا ممّن أطاع الشّيطان، فأمدّه بالشّرّ، وأغواه بالسّوء، فأطاع إخوته في المعصية والإثم:
{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } 202 الأعراف
بل أرادنا عليه السّلام، أن نشدّ أزرنا بإخوتنا على طريق الخير والعمل الصّالح، ليكونوا لنا معينين وداعمين في الحياة، نسأل الله تعالى بهم ما سأل النّبيّ موسى (عليه السّلام):
{ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) } سورة طه
كذلك فإنّ الإمام زين العابدين عليه السّلام، ينهانا عن الاستعانة بإخوتنا على معصية الله، بل يريدنا أن نكون لهم ناصحين ومسدّدين على طريق الفضائل والأخلاق، فالمؤمن يخاف على أخيه، ويريد له أن ينال الخير في الآخرة مثلما يريد له أن ينال الخير في الدّنيا، لأجل ذلك عليه أن يكون عادلًا في حكمه، مجرّدًا من العصبيّة والأهواء:
{.... وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ...} الأنعام 152.
وهو يريدنا أن نقف بين إخوتنا مصلحين، متزوّدين بالتّقوى:
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الحجرات 10
وأمام الحقّ أرادنا الإمام عليه السّلام، أن نؤثر الله تعالى على ما سواه، وأن ننحاز إلى رضا الله تعالى عندما يقابلُنا إخوتنا بجفاءِ الحقّ والخير وطاعةِ الشّيطانِ.
نسأل الله تعالى أن نكون وإيّاكم ممّن عرفوا الحقّ واتّبعوه، وكانوا من أهلِ الخير والرّضوان.
|