تحريك لليسارإيقافتحريك لليمين
نافذة من السماء، العدد السادس والعشرون.
مجلة هدى القرآن العدد الثاني والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد السادس والتسعون
نافذة من السماء، العدد الخامس والعشرون
مجلة هدى القرآن العدد الواحد والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد الخامس والتسعون
مجلة هدى القرآن العدد التاسع عشر
مجلة أريج القرآن، العدد الواحد والتسعون
مجلة أريج القرآن، العدد التسعون
 
التصنيفات
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة
مجلة هدى القرآن العدد العشرون

العدد العشرون ـ السنة السابعة

 

العدد العشرون ـ السنة السابعة ـ جمادي الآخرة ١٤٣٨هـ، آذار ٢٠١٧ م

مجلة داخلية تصدر عن جمعية القرآن الكريم، تُعنى بالثقافة القرآنية

لسحب العدد بصيغة PDF اضغط هنا

 

 

 

- الافتتاحية: بشارة القرآن للمطيعين بالنعيم والفوز العظيم

- القرآن والقادة: دور العلماء والمفكرين في هداية وقيادة الناس

- نفوذ مفاهيم القرآن إلى القلوب

- البِرّ بالوالدين والعناية الإلهية

- التفسير والبيان: مجاهدة وسوسات الشيطان والأعداء

- مفردات قرآنية: سورة طه مكّية وعَدَدُ آيَاتِها مئة وخمس وثلاثونَ آية (١٣٥)

- التمثيل في القرآن الكريم: التمثيل بالناعق الذي ينعق بالغنم

- مناهج التفسير: تفسير القرآن بالمأثور عن النبي والأئمة (عليهم السلام)

- علوم قرآنيَّة: أدلّة عدم التحريف

- قصص قرآنيّة: قصة يوسف ويعقوب Lفي القرآن

- القرآن في نهج البلاغة: تَعَلَّمُوا اَلْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ اَلْحَدِيث

- الاخلاق في القرآن: التوبة على ضوء الآيات

- استفتاءات قرآنيه: لسماحه آيه الله العُظمى السـيد علي الخـــــامنائي (دام ظله)

- مفاهيم قرآنية: الإيمان في القرآن الكريم

- حوارات قرآنية: مع الحافظة لكامل القرآن الكريم زهراء عباس علي

- دروس في علم التجويد: بعض الأحكام الواجب اتباعها

- أشهر القراء المبدعين: القارىء الشيخ حمدي محمود الزامل (من جمهورية مصر العربية)

- مقابلة العدد: الأخ المجاهد الحاج أحمد عساف

- حفظ القرآن الكريم: الحفظ الموضوعي للقرآن فوائده وأسلوبه

- المرأة في القرآن: دور المرأة الاجتماعي على ضوء القرآن

- كلام أهل البيت في القرآن: ارتباط أهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن الكريم

- نباتات ذكرت في القرآن: الزراعة في القرآن والسنة

- حيوانات ذكرت في القرآن: السمك في القرآن

- أنشطة الجمعية

- مسابقة العدد

 

    كلمة العدد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 

يقول سبحانه: ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾ (1) .
صدق الله العلي العظيم

القرآن كتاب نزلَ بالحق مِن قبل الخالق، وهو محفوظ في جميع مراحله سواء في المرحلة التي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين، أم المرحلة التي كان الرّسول فيها هو المتلقي، وبمرور الزمن لم تستطع يد التحريف والتزوير أن تمتد إِليه بمقتضى قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ فالله هو الذي يتكفل حمايته وحراسته. لذا فإِنَّ هذا الماء النقي الصافي الوحي الإِلهي القويم لم تَنَلْهُ يد التحريف والتبديل مُنذ عصر الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحتى نهاية العالم.

إِنَّ القرآن كتاب السماء إِلى الأرض، وهو أساس الإِسلام ودليل لجميع البشر، والقاعدة المتينة لجميع الشرائع القانونية والاجتماعية والسياسية والعبادية لحياة المسلمين، فالقرآن الكريم نزل على قلب سيد المرسلين هادياً للإنسان ومنيراً له طريق السعادة، وقد وضع علماء الإسلام علوماً جمة لفهم حقائقه وكشف أسراره ومعانيه، وعلى الرغم من ذلك، لم يزل المفسرون في كلّ عصر يستخرجون منه حقائق غفل عنها الأقدمون، وكأنّ الإنسان أمام بحر موّاج بالحقائق العلمية لا يُدرك غوره ولا يتوصل إلى أعماقه، ولا يمكن لأحد الاحاطة بأسراره وعجائبه إلا لمن عصمهم الله تعالى وجعلهم ولاة وقادة للبشرية. فقد عَرّف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن، بقوله: «له ظهر وبطن، وظاهره حُكْم، وباطنُه عِلْم، وظاهره أنيق، وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه، ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة». نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتعلمه والعمل به.


(1) سورة الإسراء، الآية ١٠٥.
 

جمعية القرآن الكريم
للتوجيه والإرشاد

 

    الافتتاحية

بشارة القرآن للمطيعين
بالنعيم والفوز العظيم

 


اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالِمينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّد وآلِهِ الطَّيِبينَ الطّاهِرِينَ.
 

يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ (١) .
 

لقد ورد ذكر «الأبرار» و«المقربين» كثيراً في القرآن الكريم، وما آُعدّ لهم من درجة رفيعة وثواب عظيم وجنّات النعيم، حتى أنّ اُوْلي الألباب تمنَّوا أن تكون وفاتهم مع الأبرار، كما تقول الآية: ﴿ وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ (٢) .

وتناولت الآيات من سورة الدهر ما اُعدّ لهم من ثواب جزيل حيث قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ (15) قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) ? ثلاثة أرباع الحزب 58 ? وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً (22) ﴾ (٣) ، بينت الآيات بعض ما ينتظرهم من ألطاف إلهية ثوابا على أعمالهم، وجزاء إيمانهم.

فمن هم «الأبرار» و«المقربين»؟
 

«الأبرار»: هم أصحاب النفوس الزكية الأبية الطاهرة، ومعتنقي العقائد الحقّة، وملتزمي العبادات الصحيحة، والأخلاق الفاضلة، والذين لا يعملون إلاّ ما فيه الخير والصلاح. و«المقربون»: هم الذين لهم مقام القربى عند اللّه عزّ وجلّ.
 

ومما لا شك فيه أنَّ أبرز مصاديق الأبرار والمقربين هم أهل البيت (عليهم السلام) وعلى رأسهم الخمسة الطيبين الأبرار كما روي عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، أنّه قال: «كلما في كتاب اللّه عزّوجلّ من قوله: «إنّ الأبرار» فواللّه ما أراد به إلاّ عليّ بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين» (٤) .
 

وما ذكر في تفسير سورة الدهر التي تحدثت بشكل رئيسي عن أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وقد تناولت الآيات الثمانية عشرة فضائلهم (عليهم السلام)، ولكن لا يمنع من انطباقها على غير الخمسة الطيبين الأبرار الأخيار المنتجبين (عليهم السلام). فالأبرار هم الذين يفعلون الطاعات التي يستحقون بها الجنة والثواب بأنواع اللذات جزاء على طاعاتهم.
 

الانجذاب إلى كتاب الله وجمالية لفظه ومعناه:
 

عندما تحمل بين يديك كتاب الله تعالى وتتلوه تجد في آياته المباركة وصفاً ما أروعه من وصف للجنة، وصفاً تشعر فيه إثارةً جادةً وتحريكاً في داخلك لمعاني الحسن والجمال والزينة وما يأخذ العقول، ووصفاً فيه الدفع نحو حب التحول باتجاه الأفضل، حيث الجنة والفوز العظيم في الآخرة ورضوان الله الأكبر.
 

فأنت تستطيع الاقتراب من الجنة وأنت تعيش في الدنيا؛ بمعنى أنك قادر على صناعة الجنة بيديك. فالجنة فيها أنهار تجري، فلا بأس بأن تفكر بأن يجري نهر في بيتك فالماء الرقراق يثير فيك الروعة والزينة والجمالية وحب الله سبحانه وتعالى. وفي الجنة قصور، وفيها رجال مطهرون من الغلّ، إخوان على سرر متقابلين.
 

إن في القرآن دعوات صريحة إلى النظر في الطبيعة وكيف أن الخالق المبدع المصور يحيي الأرض بعد موتها، ويأمر أيضاً بالنظر إلى النجوم وكيف جعلها زينة في السماء، ثم فيه الدعوة إلى النظر للذات وكيف غرست في النفس الرغبة إلى التمتع بالزينة.
 

ثم يأمر الله عباده المؤمنين أن ياخذوا زينتهم عند كل مسجد، ليلقوا إخوانهم وهم بأفضل مظهر وكذلك يحرضهم على الاقتباس من كل زينة وروعة، وينهى أولئك الذين حرموا الطيبات على أنفسهم.
 

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله عزَّ وجل جميل يحب الجمال» (٥) ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «إن الله تعالى يحب الجمال والتجمل ويكره البؤس والتباؤس» (6) ، وبهذا التشريع والإرشاد يسعى الدين الإسلامي إلى جعل إحساس الإنسان المؤمن إحساساً جمالياً، وهذا الإحساس الجمالي يوجه الأفراد والجماعات إلى صناعة محيطهم صنعاً فذّاً جديداً. فإذا كان المحيط جميلاً رائعاً، كانت الاخلاق والتقاليد ونوعية الالتزام متأثرة به دون انفصال. ذلك لأن من يكون مظهره جميلاً، فمن الطبيعي أن يكون خلقه جميلاً وسلوكه جميلاً وعاقبته ومصيره جميلاً.
 

وعلى هذا؛ يجدر بنا أن نوفر في أنفسنا الإحساس بالجمال ؛ جمال الروح، وجمال المادة، وجمال الذوق.
 

لقد أحسن القرآن بيان كلّ شيء أراد بيانه واستخدم أرفع مستويات التعبير وأكملها فيه، وذلك من وجوه الفصاحة والبلاغة فيه لجذب الخلق إليه.
 

اللَّهُمَّ اجعلني من صفوتك الّذين أحللتهم بحبوحة جنّتك وبوّأتهم دار كرامتك، وأقررت أعينهم بالنظر إليك يوم لقائك، وأورثتهم منازل الصدق في جوارك اللَّهُمَّ برحمتك يا أرحم الراحمين.
 

رئيس التحرير


(1) - سورة المطففين، الآيات: ٢٢ - ٢٨.
(2) - سورة آل عمران، الآية: ١٩٣.
(3) - سورة الدهر، الآية: ٥ - ٢٢.
(4) - نور الثقلين: ج٥، ص٥٣٣،ح٣٣.
(5) - بحار الأنوار: ج١٠، ص ٩٢.
(6) - بحار الأنوار: ج٧٣، ص١٧٦.

 

    القرآن والقادة

 

قبسات من فكر الإمام الخميني (قدس سره)
دور العلماء والمفكرين في هداية وقيادة الناس


ينبغي على المفكرين الذين يشاركون في هذا الاجتماع ومن أي بلد كانوا، أن يصدّروا البيانات التي تدعو لتوعية الشعوب بعد تبادل الآراء، والاستدلال لها، وتوزيعها في «محيط الوحي» بين المجتمعات الإسلامية، ونشرها أيضاً في بلادهم بعد عودتهم إليها. ويطلبوا في هذه البيانات من رؤساء الدول الإسلامية أن يضعوا نصب أعينهم الأهداف الإسلامية، ويضعوا جانباً الاختلافات، وأن يفكّروا بحلٍّ ما لأجل الخلاص من مخالب الاستعمار.
 

إن إحدى الفرص المناسبة والتي يجب أن يستغلها العلماء هي إقامة العلاقات مع أصحاب الرأي والمفكرين، وعلماء الدول الإسلامية، حيث إن الاستكبار العالمي أو بعض رؤساء الدول الإسلامية يعملون بقوة لمنع هذا النوع من اللقاءات وإقامة العلاقات المتينة ويراقبون ذلك، وقد كان أحد أهداف الجمهورية الإسلامية الاستفادة من هذا الظرف المناسب لتبادل الآراء والأفكار ووضع البرامج الدقيقة والمفصّلة والصحيحة لأجل العثور على الحلول لمشاكل ومعضلات المجتمعات الإسلامية.
 

غفلة العلماء:

ويا للعجب كيف أن الكثير من علماء وفقهاء الدول والبلاد الإسلامية غافلون عن دورهم العظيم وعن رسالتهم الإلهية والتاريخية في هذا العصر الذي تعيش فيه البشرية الظمأ للأحكام النورانية والمعنوية للإسلام. وكيف لا يدركون ظمأ الشعوب واشتعال رغبات المجتمعات البشرية التي لا تعرف شيئاً عن قيم الوحي الإلهي، ولم يقدّروا قدراتهم ونفوذهم المعنوي لديهم، فبوسع علماء البلاد والخطباء وأئمة الجمعة والمفكرين الإسلاميين في هذه الظروف التي يخيم فيها زهو العلوم والحضارة المادية على الجيل المعاصر، أن يجعلوا باتحادهم وتلاحمهم وشعورهم بالمسؤولية والعمل بواجبهم وتكليفهم المهم في هداية وقيادة الناس، الدنيا في متناول سيادة القرآن ونفوذه، وأن يضعوا حدّاً لكل هذا الفساد واستعباد المسلمين واحتقارهم، وأن يحولوا دون تغلغل الشياطين الصّغار والكبار وخاصة أمريكا في البلدان الإسلامية، وأن يشمِّروا عن سواعدهم وينكبُّوا على تحقيق ونشر الأحكام النورانية للإسلام بدل كتابة المطولات وإطلاق الترهات والكلمات التي تفرق الناس، وكيل المديح والثناء لسلاطين الجور والظلم، والتسبب بانحراف المستضعفين عن نصرتهم للإسلام وقضاياه.
 

وأن يحققوا عزّتهم ويعيدوا الاعتبار والكرامة لأمَّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). بالاستفادة من هذا البحر الواسع للشعوب الإسلامية. أليس عارٌ على علماء الدول الإسلامية مع وجود القرآن الكريم والأحكام النورانية للإسلام وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، أن تحكم قوانين الكفر في البلاد الإسلامية وتكون تحت نفوذهم، وينفذون الأوامر والتعليمات التي تملى عليهم من المزيفين والمزورين وأعداء الإسلام له. يجب على علماء البلاد والدول الإسلامية أن يقولوا لشعوبهم مدى الآثار السيّئة والنتائج المترتبة على الضياع أمام مغريات الشرق والغرب، وأن ينبّهوا الشعوب والدول لخطر الاستعمار الجديد، وشيطنة القوى العظمى التي صنعت الحروب لقتل المسلمين في العالم. إنني أؤكد مجدداً أن الدنيا اليوم ظمأى للحقائق والأحكام النورانية للإسلام وقد تمّت الحجة الإلهية على جميع العلماء والفقهاء... فإن المسلمين الشجعان والمقاومين الأعزّاء، حزب الله في لبنان وسائر الدول يقاومون ويجاهدون المعتدين، فأي حجّة أكبر من ذلك وأي ذريعة تبقى للسكون والمسايرة والجلوس في البيت والعمل بالتقية في غير موردها.
 

إذا تأخّر العلماء والفقهاء الملتزمون بالإسلام عن العمل، سيفوت الأوان. طبعاً نحن نشعر ونحسّ بآلام بعض العلماء الملتزمين المحاصرين في مدنهم وبلادهم تحت حِراب وضغط التهديدات وأحكام علماء السوء اللاشرعية، ولكن أذكّر جميع هؤلاء الأعزّاء الذين هم تحت ضغط الجبّارين بموعظة الله سبحانه: ﴿ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ ﴾ (١) .
 

قوموا لله ولا تجزعوا من الوحدة والغربة، فالمساجد أفضل المتاريس، وصلاة الجمعة والجماعة أفضل الساحات والميادين لتنظيم وشرح وبيان مصالح المسلمين (٢) .
 

إنّ على علماء الإسلام مسؤولية تنبيه المسلمين كلما أحسوا بالخطر يهدد الإسلام والقرآن، حتى لا يكونوا مسؤولين أمام الله.
 

كان الإمام الخميني (قده) يؤكد ويقول: (إن على علماء الإسلام الدفاع عن أحكام الإسلام المسلمة، واستقلال الأقطار الإسلامية، والنفور عن الظلم. وإسرائيل وعملائها، وأعداء القرآن المجيد والإسلام والوطن... إنّ السكوت في هذا العصر في قبال الظلم إنما هو إعانة عليه) (٣) .
 

(إن الفقهاء يجب أن يقودوا الشعب ويمنعوا من اندراس معالم الإسلام وتعطيل أحكامه... إنهم اليوم حجّة على الشعب تماماً كما كان الرسول حجّة على الأمة وكانت الأمور كلّها موكلة إليه فكل رادّ عليه محجوج، والفقهاء منصوبون من قبل الإمام (عليه السلام) حججاً على الناس) (٤) .


(1) - سورة سبأ، الآية ٤٦.
(2) - المصدر اكتاب: قبسات من سيرة الإمام الخميني الحالات العبادية والمعنوية .
(3) - بيان صادر بمناسبة الخامس عشر من خرداد عام ١٩٦٣.
(4) - ولاية الفقيه: ص١٠٦ و١١٨.

 

   القرآن والقادة

 

نفوذ مفاهيم القرآن إلى القلوب

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظّم خلال مشاركته

في جلسة تلاوة القرآن الكريم في اليوم الأول لشهر رمضان المبارك ١٤٣٦ هجرية


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

نتقدم بجزيل الشكر للإخوة الأعزاء. الحقيقة أنّنا استفدنا اليوم؛ إنّها جلسة جيّدة جدًا ومتنوّعة ورائعة وجميلة وجذّابة الشكل وعميقة المضمون؛ الحمد لله. يُسعدني كثيرًا ولله الحمد أن أرى في كل عام مؤشّرات التقدّم في أمر التلاوة، تبدو مشهودة وملموسة بين شبابنا وأبناء شعبنا، وأشكر الله على ذلك.
 

لقد كانت جلستنا اليوم أيضًا والحمد لله بفضل هذه التلاوات الرائعة جلسة مفعمة بالعمق والمعنى وتسودها الروح المعنوية، سيما بعد أن أشار مقدّم البرنامج صاحب الذوق الرفيع والبيان البليغ إلى إهداء ثواب هذه التلاوات وسائر البرامج التي أُجريت في هذه الجلسة إلى الأرواح الطيّبة للشهداء الذين شُيّعوا مؤخّرا في طهران (الشهداء الغواصون) (١) .
 

إنّ تلاوة القرآن بالصوت الجميل واللحن الجيّد، إلى جانب مراعاة آداب وأعراف التلاوة، إنّما هي مقدمة لنفوذ مفاهيم القرآن إلى القلوب. ولو انتزعنا هذه الثمرة من تلاوة القرآن واقتصرت نظرتنا إليها على الصوت الحسن والقراءة بالألحان، لسقطت من تلك المنزلة الرفيعة لا محالة. إنّ كلّ التأكيد على تلاوة القرآن بالصوت الحسن وبالآداب والألحان المطلوبة هو من أجل أن تترك المفاهيم القرآنية أثرها في القلوب، وأن نأنس بالقرآن ونتلوّن بلون القرآن ونتخلّق بخلقه ونتشكّل بشاكلته.
 

إذا كان هذا هو الهدف المنشود، فإنّ له شروطًا وآداباً؛ الأدب الأول هو أن يقوم قارئ القرآن وتاليه بتلاوته مقرًّا مذعنًا للقرآن ومعتقدًا مؤمنًا بمفاهيم القرآن ومفاهيم الآيات التي يتلوها. فلو جهلنا ما نتلو، ولم ندرك مفاهيمه، ولم تؤثّر في أعماق وجودنا، فلن تترك تلاوتنا ذلك الأثر البليغ في نفوسنا ونفوس الآخرين؛ هذا هو الشرط الأول.
 

رجائي من القارئين المحترمين والأساتذة وتالي القرآن أن يلتفتوا إلى هذه المسألة، وهي أن يستعرضوا الآيات التي يريدون تلاوتها في أذهانهم، أن يتدبّروا فيها ويثبّتوا أعماق هذه المفاهيم في قلوبهم ومعتقداتهم بشكل صحيح، وأن يعمدوا إلى التلاوة بهذه الروح وهذه الأرضية وهذا الاستعداد، وعندها ستترك هذه التلاوة أثرها في أعماق نفوس السامعين. بالتأكيد لقد حقّقتم حتى اليوم تقدّمًا باهرًا، فإنّني ولسنوات مديدة أشاهد مسار الحركة القرآنيّة في بلدنا، لقد تقدّم شبابنا في الوقت الحاضر بشكل ممتاز، والحق يقال إنّ قرّاءنا وأساتذتنا ذوو مستوىً عالٍ جدًّا، لكنّ المجال لا يزال واسعًا للتأثير بشكل أكبر.
 

لقد دوّنت بعض النقاط: الأولى: هي أنّكم تريدون من خلال تلاوتكم، إلقاء المفاهيم القرآنية في قلوب السامعين. صحيح أنّ غالبيّة المستمعين إليكم لا يجيدون اللغة العربية ولغة القرآن، غير أنّ معجزة القرآن تكمن في أنّكم إذا ما تلوتم آياته في هذه الحالة أيضًا -في حال عدم معرفتهم بها- من أعماق وجودكم ومع مراعاة شروطها، لانتقلت مفاهيمها إلى أذهانهم ولو بصورة إجمالية، وهذا ما يتطلّب بعض الشروط بطبيعة الحال.
 

إنّني أستمع إلى التلاوات التي تُبثّ في إذاعة التلاوة -والتي وفّرت فرصة حسنة وإمكانيّة جيّدة للاستماع إلى التلاوات- وإلى ما يتلوه أساتذتنا وقرّاؤنا الجيّدون. فإنّ قرّاءنا يتميّزون حقًا بأصواتهم الرائعة، وهذا ما أقرّ به القراء الأجانب ويؤكّدونه، حيث سمعنا أنّهم يمدحون الأصوات الإيرانية ويثنون عليها. إنّ بعضكم يتمتّع حقًا بصوت رائع أصيل يحمل كل ما ينطوي عليه الصوت المتميز من مواصفات، وهذا ما يجب إرفاقه بشروط التلاوة:
 

إنّ واحدة من شروط التلاوة هي التأكيد على النقاط الهامة في الآية التي تتلونها، كما تؤكّدون في الحالة الطبيعية على النقاط التي تريدون تبيينها. ولو أردت تشبيه ذلك لقارنته بالسادة المداحين الذين يقرأون الأشعار الفارسية، حيث تلاحظون أنّهم يقرأون تلك النقطة المطلوبة المودعة في جملة أو كلمة أو فقرة بطريقة تؤدّي إلى رسوخ وتعميق ذلك المفهوم في ذهن السامع. وكذلك الحال في الكلام الطبيعي، فإنّكم عندما تتحدّثون بشكل عادي، ستنطقون بتلك الكلمات البارزة في نظركم - التي تحمل تلك المفاهيم - بتأكيد خاص. وهذا ما يجب عليكم انتهاجه في قراءة القرآن من التأكيد على الكلمات الخاصة، وأداء الجمل والفقرات بطريقة تؤدّي إلى نفوذ مضمونها ومفهومها في ذهن السامع؛ أي البيان الجيّد والأداء الحسن. وأحيانًا يتطلّب الأمر تكرار الجملة من أجل أن يستقرّ الموضوع في ذهن السامع، فقوموا بهذا وكرّروا تلك الجملة.
 

قبل بضع سنواتٍ تقريبًا وفي مثل هذه الجلسة، اعترضتُ على الذين يكرّرون الآيات كثيرًا. وأريد القول إنّ التكرار يكون ضروريًّا وحتميًّا في بعض الموارد، فإنّ القراءة لمرة واحدة قد لا تعكس المعنى، ولا بد من تكرارها مرتين أو ثلاث. وقد يتطلّب الأمر تكرار آية واحدة، أو تكرار آيتين أو ثلاث آيات. ولا أقصد الإفراط في هذا المجال، فقد شاهدنا بعض القراء المصريّين يبالغون في هذه المسألة، ولذلك تأثير سلبي. فإنّني لم أقصد الإفراط، وليس بالأمر المرغوب تكرار الشيء عشر أو ثماني مرات. ولربّما يعدّ هذا العمل متداولًا في الأناشيد العربيّة، ولكنّه لا يعتبر مطلوبًا في تلاوة القرآن. وأما التكرار بالمقدار الذي يؤدّي إلى نفوذ المفهوم في ذهن السامع، فهو مطلوب. إذ قد يشعر المرء أحيانًا أنّ القارئ وكأنّه قد حمل كتابًا بيده وهو يسترسل في قراءة عباراته ويتابع التلاوة هكذا! هذا ليس بالعمل الجيّد والمطلوب، بل يجب عليكم أن تقوموا بنقل المفاهيم وترسيخها في ذهن السامع، وهذا يتم تارةً بالتكرار، وأخرى بالتأكيد إمّا على جملة أو على كلمة، فلا بد من القيام بهذا العمل.
 

هناك نقطة أخرى أودّ أن أطرحها عليكم، أنتم الحاضرون في هذا المحفل وكلّكم تقريبًا من القرّاء، وهي أنّ من الأمور الرائجة بين القرّاء العرب -بما فيهم المصريين وغيرهم- وتسرّبت منهم إلى داخل بلدنا، هي الاهتمام بالنَفَس الطويل. ولا أعرف ما هو الداعي لهذا الأمر؟ فلا توجد أي ضرورة تقتضي أن نقوم بوصل الكلمات أو الآيات أحيانًا بعضها بالآخر من أجل أن نمدّ في نَفَسِنا. وباعتقادي لا حاجة لهذا الأمر. ففي بعض الأحيان يتطلّب الأمر ذلك ويتوقّف أداء مفهوم الآية على تلاوتها بنَفَس واحد، فلا بأس بالقيام بذلك. وإلا فجمال التلاوة وتأثيرها لا يرتبط بالنفس الطويل إطلاقًا. ورغم هذا نجد بعض القراء المصريّين المعروفين يلخّصون كل فنّهم وإبداعهم في القراءة بنفس طويل، والمستمعون عن جهل يزيدون من تشجيعهم لمثل هذا القارئ، ويُتبعون تلاوته بقولهم: «الله الله». وأظن أن عمل القارئ والمستمع كليهما خاطئ. فإنّ لدينا مِن بين المقرئين المصريّين المجيدين والبارزين مَن لا يتمتّع بنفس طويل، ورغم ذلك نجد تلاوته رائعة وتأثيره جيّد. ومنهم عبد الفتاح الشعشاعي. فإنّكم تعلمون أن نَفَسه قصير، ولكن في الوقت ذاته تعتبر تلاوته من أروع التلاوات وأكثرها تأثيرًا. نسأل الله تعالى أن يتغمّده وجميع قرّاء القرآن برحمته ومغفرته. ولذا أطلب من السادة أن لا يشقّوا على أنفسهم في قضيّة النَفَس، فلا توجد أي ضرورة لإضافة وتكرار الكلمات والآيات واحدة تلو الأخرى.
 

وبما أنّ الوقت قد أدركنا وحلّ موعد الأذان على ما يبدو، أحببت في الختام أن أطلب منكم مراعاة الحدود في التشجيع وتكرار قول «الله الله» الذي يعدّ أيضًا تقليدًا من العرب. فإنّ بعضهم وبمجرّد أن يشرع القارئ بالتلاوة يترنّم بعده بقول «الله»؛ وكأنّ من مستلزمات التلاوة أن يقول الإنسان بعدها «الله»! ولكن لا داعي لذلك. ففي بعض الأحيان تتأثّر بالتلاوة أو تسمع منه تلاوة جميلة ومؤثّرة للغاية، فتقوم لا إراديًا بتشجيعه. وتكرار قول «الله الله» في التشجيع القرآني أيضًا أمرٌ متداولٌ بين العرب. وهذا لا يختص عندهم بالقرآن، وإنّما يشمل حتى الأناشيد والأنغام العادية. ولا إشكال في ذلك. وأما أن تتعالى أصواتنا بقول «الله الله» بمجرّد أن يبدأ القارئ بتلاوته، فهذا لا ضرورة له.
 

إني أطلب منكم في الجلسات التي تشاركون فيها كأساتذة أن توصوا السامعين بعدم الإفراط في تكرار قول «الله الله». فإنّ التشجيع يرد في المواطن التي تكون تلاوة القارئ جميلة ورائعة جدًا. لا أن يبدأ التشجيع بمجرّد البدء بالتلاوة، بحيث يتوقّع الإنسان قول «الله أكبر» فور الابتداء بـ»أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وهذا أمر غير صحيح.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشركم جميعًا مع القرآن وأن يعمر دنياكم وآخرتكم ببركة القرآن. (٢)

والسلام عليكم ورحمة الله وبرکاته


 (1) - الشهداء الغواصون الـ ١٧٥: تقول الإحصاءات ان هناك المئات وربما الآلاف من الشهداء الإيرانيين الذين أُسروا ثمّ قتلوا أو دفنوا أحياءً أو ألقي بهم في الأنهر والمستنقعات المائية على يد النظام البعثي أثناء الحرب المفروضة وبقوا في عداد مفقودي الأثر، وبين وقت وآخر يتم العثور على عدد منهم ؛ وتمّ العثور على رفاة ١٧٥ شهيد في مقبرة جماعية خلال عمليّة البحث التي تقوم بها السلطات الإيرانيّة باستمرار. أقيم لهم تشييع مهيب في طهران يوم الثلاثاء ١٦-٦-٢٠١٥، حضر فيه الآلاف، وقد أطلق الإمام الخامنئي نداءً بهذه المناسبة، وصف الحدث بأنّه من أروع أحداث الثورة، كما سلّم على أرواح الشهداء وحيّا الشعب الإيراني الذي تفاعل بشكل كبير وكان حاضرًا بحماسة لافتة.

(2) - اُقيمت هذه الجلسة في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك عصر يوم الخميس المصادف ١٨/٠٦/٢٠١٥، في حسينية الإمام الخميني ولمدة أكثر من ثلاثة ساعات، وقبل كلمة الإمام الخامنئي، زينت مجموعة من القراء الايرانيين بتلاواتهم العطرة أجواء المجلس واستقطبت المدح والثناء.

 

  القرآن والقادة

 

البِرّ بالوالدين والعناية الإلهية
 


وسيقتصر حديثنا في الآتي عن الوالدين اللذين نالا عناية إلهية خاصة. يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ (١) .
 

إن الله، مباشرةً، انتقل من الدعوة إلى عبادته وحده إلى الأمر بالإحسان للوالدين، وذلك لنرى المرتبة العظيمة لهما. فالبِرّ بالوالدين يرقى إلى مستوى توحيد الله. ويضاف إلى هذا الفهم في إدراك أهمية العلاقة بالوالدين أمور عديدة أيضاً منها:

- أوّلًا: الإرشاد والتوجيه الإلهي:

إنّ الإرشاد والتوجيه الإلهي للإحسان بالوالدين، له مساحته الإنسانية، فلا يشترط في الوالدين أن يكونا مسلمَين. حتى إن كانا مشركَيْن فالمسؤولية لا تسقط. البِرّ والإحسان يرتفعان للمؤمنين وغير المؤمنين. وإن كان هناك اختلاف مذهبي كأن ينتقل الابن إلى مذهب فيقاطع أهله، هذا لا يجوز. أو كانوا من نفس الدين والمذهب، واختلفوا في الرأي السياسي كالانتخابات البلدية والنيابية، فهذا غير جائز، بل معيب. يقول الله تعالى: ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ﴾ (٢) . وفي أكثر من حديث: «بِرُّ الوالدين واجب، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (٣) .

- ثانياً: مسؤولية حتى آخر العمر:

التأكيد على المسؤولية اتجاه الوالدين، ليس فقط في شبابهما، وإذا عجزا نتركهما. فعندما يكبران في السنِّ تصبح المسؤولية آكد. حتى بعد وفاتهما علينا أن ندعو لهما: «اللّهمّ اغفِر لي ولوالديَّ وارحمهما كما ربياني صغيراً واجزهما بالإحسان إحساناً، وبالسيّئات عفواً وغفرانا» (٤) .
 

جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: «أوصني، يا رسول الله.

فمن جملة الوصية قال له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ووالديك فأطعهما وبِرَّهما حيَّيْن كانا أو ميتيْن» (٥).

وفي الحديث: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرَّ والديه حيَّيْن وميتيْن، يصلي عنهما، ويتصدق ويصوم ويحجّ عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك فيزيده الله ببرّه وصلته أجراً كثيراً» (٦) . فالأب والأم هما نعمة، حيَّيْن أو ميّتيْن.

- ثالثاً: حق أمك وحق أبيك:‏

فقد أكّد الدِّين الإسلامي على مقام الوالدين، خصوصاً الأم التي أُعطيت مكانة مميّزة. فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) : في رسالة الحقوق: «أمّا حقُّ أبيك أن تعلم أنه أصلك، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك، فاعلم أن أباك أصلُ النعمة عليك فيه. فاحمد الله واشكره على ذلك، ولا قوة إلا بالله. أمّا حقّ أُمّك فأن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يُعطي أحد أحداً، ووقتْك بجميع جوارحها ولم تُبالِ أن تجوع وتُطعمك وتعطش وتسقيك، وتعرى هي وتكسيك، وتضحى هي وتُظللك، وتهجر النوم لأجلك» (٧) . وفي حديث، ما مضمونه أن شخصاً حمل والدته على كتفيه وراح يطوف بها الكعبة، وعندما رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سأله: هل أدَّيت حقَّها، يا رسول الله؟ فيقول له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ولا بزفرة واحدة» (٨) .
 

ومن الأحاديث المعروفة في حق الأم: «الجنة تحت أقدام الأمهات..» (٩) . «أُمُّك ثم أُمُّك، ثم أبوك» (١٠) .

كما جاء عن النبي موسى بن عمران (عليه السلام) : قال: «يا ربّ، أوصني. قال: أُوصيك بأُمِّك. قال: أوصني. قال: أُوصيك بأُمِّك. قال: أوصني. قال: أُوصيك بأُمِّك. قال: أوصني. قال: أُوصيك بأبيك» (١١) .

وسأل أحدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حق الوالدين على ولدهما فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «هما جنَّتُك ونارُك» (١٢) .
 

كيفيّة برّ الوالدين‏؟

تأسيساً على هذا الفهم على مستوى الآيات والروايات، نخلص إلى أنَّ ما هو مطلوب من الأبناء تجاه الوالدين أمور عديدة أهمها:

١- الحدّ الأدنى عدم إيذائهما وهذا أضعف الإيمان. ﴿ فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ﴾‏. ولو أنَّ الله وجد في الوقائع واللغة، أخفّ من كلمة «أفّ» لاستخدمها في الآية. وَلَا تَنْهَرْهُمَا: لا ترفع صوتك فوق صوتهما. لا تنظر إليهما إلا برحمة، لا تتقدَّم، في‏ مشيتك عليهما، ولا تدخل المنزل قبلهما.
 

٢- إطاعتهما وعدم معصيتهما في شي‏ء إلا إذا كان تركاً لواجب أو فعلًا لحرام. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولو كان هذا المخلوق أماً أو أباً. أما موضوع الجهاد- وهذا موضوع كبير وخطير- فالجهاد الواجب لا يحتاج إلى إذن الوالدين، ومع ذلك فللوالدين مكانة عظيمة عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد ورد أنه قد جاء أحدهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: إني أحب الجهاد وصحتي وعافيتي جيدة، وما زلت شاباً. ولكنّ والدتي لا ترتاح لذهابي إلى الجبهة. فماذا أفعل، يا رسول الله؟ فأجابه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «ارجع وكن مع والدتك، فوالذي بعثني بالحقِّ، لأنسُها بك ليلةً خير من جهادك سنة» (١٣) .
 

طبعاً هذا بالنسبة للجهاد المستحب، ولا يتعلق بالجهاد الواجب.

٣- الشكر والدعاء والاستغفار لهما. وبعض الآيات تحضُّ على ذلك.

٤- احترامهما والإحسان إليهما: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾ (١٤) . ومن العادات الطيبة في القرى، كان تقبيل يد الوالدين. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إياك وعقوق الوالدين، فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام» (١٥) . لكن العاق لوالديه لا يشم هذه الريح الطيبة، فهو بعيد عن الجنة مسيرة ألف عام.
 

يقول الحديث الشريف: «برُّوا آباءكم يبرُّكم أبناؤكم» (١٦) .

نسأل الله سبحانه وتعالى ببركة الحسين (عليه السلام) : وبهذه التعاليم والقيم التي حفظها لنا الحسين (عليه السلام) : أن يعرِّفنا تكليفنا ومسؤوليتنا، وأن يجعلنا حقاً ممّن يؤدّون هذا الواجب العظيم، تجاه الوالدين في حياتهما ومماتهما (١٧) .


(1) - سورة الإسراء الآيتان: ٢٣ ـ ٢٤.
(2) - سورة لقمان الآية: ١٥.
(3) - المبسوط، الشيخ الطوسي: ج ٧، ص ٤١.
(4) - المقنعة، الشيخ المفيد: ص ١٣١.
(5) - الكافي، الشيخ الكليني: ج ٢، ص ١٥٨.
(6) - م. ن، ص ١٥٩.
(7) - الأمالي، الشيخ الصدوق: ص ٤٥٣.
(8) - شرح رسالة الحقوق، حسن القبانجي: ص ٥٤٧.
(9) - جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي: ج ٢١، ص ٤٢٨.
(10) - بحار الأنوار: م. س، ج ٧١، ص ٤٩.
(11) - الأمالي: م. س، ص ٦٠١.
(12) - ميزان الحكمة، الريشهري: ج ٤، ص ٣٦٧٤.
(13) - الكافي: م. س، ج ٢، ص ١٦٣.
(14) - سورة البقرة الآية: ٨٣.
(15) - م، ن. ص ٣٤٩.
(16) - الأمالي: م. س، ص ٣٦٤.
(17) - مجلة بقية الله: العدد ٢٤٠. كلمة ألقاها سماحة السيد حسن نصر الله في الليلة السابعة من محرم ١٤٣٢هـ.

 

   التفسير والبيان


مجاهدة وسوسات
الشيطان والأعداء


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ (١) .
 


نقاط وتأملات:
 

* المراد من الجهاد في هذه الآية ليس فقط الجهاد بالسيف ومحاربة الأعداء، بل يشمل كل سعي وجهد، سواء الجهاد في سبيل بناء الذات وإعمار النفس وإصلاحها، أي «مجاهدة النفس»، أم مجاهدة وسوسات الشيطان والجهاد ضد الأعداء الخارجيين.
 

* لا شك أن كل سعي أو جهد يبذله الانسان، إنما يعود بالفائدة عليه، لأن الله سبحانه غنيّ ولا يعتريه أي نقص ولا حاجة. كما لو أن جميع البشر بنوا بيوتهم في مواجهة الشمس أو في خلافها، فإن ذلك لن يؤثر على الشمس وليس هناك أي تفاوت بالنسبة إليها، لكن البشر هم المحتاجون إلى نور الشمس ودفئها. فالمولى عزّ وجل غني عن عباده وعن جميع مخلوقاته، فلو أن جميع من في الأرض آمنوا أو كفروا، فلن ينفعوا الله أو يضرّوه شيئاً، لأن الله ليس بحاجة إلى صلاتنا وعبادتنا، إنما نحن بحاجة إلى الصلاة والعبادة من أجل الرشد والكمال، وطلب المدد والعون والتوفيق الإلهي: (غني عن العالمين).
 

دروس وبصائر:

الله تعالى لا يحتاج إلى سعينا: ﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾. فهو لم يخلق لمنفعة في ذاته، بل ليجود على مخلوقاته.
يجب أن نستفيد من الميول الباطنية والفطرية- كحب النفس مثلاً- في تحفيز الناس على السعي الايجابي، فالإنسان يميل فطرياً إلى الربح والمنفعة: ﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾.
إن غنى المولى تعالى حقيقي وكامل بخلاف غنانا نحن البشر، حيث نظهر الاستغناء ونحن في العين ذاتها محتاجون: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾، فحرفا «إنَّ» و «اللام» علامة اللزوم والحتمية.
الله سبحانه غني عن البشر وعن الملائكة وجميع المخلوقات: ﴿ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾.
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ (٢)
 

نقاط وتأملات:

أفضل نموذج وأهم علامة للجهد والسعي الذي ورد في الآية السابقة هو الإيمان والعمل الصالح الذي توضحه هذه الآية.
 

دروس وبصائر:

الإنسان بحاجة إلى الإيمان والعمل الصالح ليفوز بالثواب الإلهي: ﴿ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾.
المؤمن ليس معصوماً عن ارتكاب الأخطاء وزلة القدم، لكنْ زلاته وأخطاؤه يكفر عنها بسبب إيمانه وعمله الصالح: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ... لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾.
نيل الثواب يأتي بعد التطهر من الذنوب والتكفير عن السيئات: ﴿ لَنُكَفِّرَنَّ ... وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ﴾.
الثواب الإلهي لا يقف عند حد التكفير عن الذنوب، بل يتعداه إلى الجزاء الحسن أيضاً: ﴿ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾.
الله سبحانه يجعل أفضل عمل المؤمن معياراً للثواب والجزاء الحسن: ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾.
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (٣).
 

دروس وبصائر:

الإحسان إلى الوالدين أمر إنساني وليس إيمانياً فقط، فالمولى عزَّ شأنه يقول: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ ﴾، ولم يقل ووصينا المؤمنين.
الإحسان إلى الوالدين ليس مقيداً بشرط ولا قيد: ﴿ حُسْناً ﴾، إذ لم يقيده بشرط النسب والقربة أو السنّ، أو بشرط علمي واجتماعي وسياسي واقتصادي وإيماني، فحتى الإنسان الكافر والمشرك يجب أن يحسن إلى والديه.
يمكن للوالدين المنحرفين أن يحرفا أولادهما. ﴿ جَاهَدَاكَ ﴾.
لا يجب سوء الاستفادة من احترام الآخرين، فعلى الوالدين أن لا يجهدا في حرف أبنائهم عن جادة الصواب بالاستفادة من احترامهم لهم: ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ ﴾.
يتوجب على الأبناء امتلاك القدرة على اختيار الفكر الصحيح وانتخاب الطريق القويم، فلا يطيعوا الأهل طاعة عمياء: ﴿ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي ... فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾.
الشرك لا يملك برهاناً أو استدلالاً علمياً: ﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾.
لا يجب إطاعة أحد، ولا مداراة شخص في مسألة التوحيد والشرك، حتى لو كان أباً أو أماً: ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾.
الإحسان إلى الوالدين مطلق ودائم، لكن طاعتهما مشروطة بعدم الابتعاد عن الله سبحانه: ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾.
الايمان بالمعاد يضمن إجراء التعاليم والوصايا الإلهية: ﴿ وَوَصَّيْنَا ... إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾.
الله سبحانه يعلم جميع أعمال الإنسان ومطلع عليها: ﴿ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.
في يوم القيامة يطلع كل امرئ على حقيقة أعماله، ﴿ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (٤) .


(1) - سورة العنكبوت، الآية: ٦.
(2) - سورة العنكبوت، الآية: ٧.
(3) - سورة العنكبوت، الآية: ٨.
(4) - نفسير سورة العنكبوت: لسماحة الشيخ قراءتي.

 

   مفردات قرآنية

 


سورة طه مكية مكّية وعَدَدُ آيَاتِها مئة وخمس وثلاثون آية (١٣٥)

فضلها:

وردت روايات عديدة حول عظمة وأهمية هذه السورة في المصادر الإِسلامية.

فعن النّبي الأكرم الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إِن الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلمّا سمعت الملائكة القرآن قالوا: طوبى لأُمّة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تكلّم بهذا» (١) .
 

وفي حديث آخر عن الإِمام الصادق(عليه السلام): «لا تدعوا قراءة سورة طه، فإنّ الله يحبّها، ويحبّ من قرأها، ومن أدمن قراءتها أعطاه الله يوم القيامة كتابه بيمينه، ولم يحاسبه بما عمل في الإِسلام، وأعطي في الآخرة من الأجر حتى يرضى» (٢) .
 

وفي حديث آخر عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأها أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار» (٣) .

ونرى من اللازم أن نكرر هذه الحقيقة، وهي أنّ كل هذه المكافئات والهبات العظيمة التي وصلت إِلينا عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة(عليهم السلام) مقابل تلاوة سور القرآن، لا تعني ولا تريد أن كل هذه النتائج تعود على الإِنسان بالتلاوة فقط، بل المراد أن كون التلاوة مقدمة للتفكر والتدبر، التفكر الذي تتجلى آثاره في كل أعمال وأقوال الإِنسان، وإِذا أخذنا المحتوى الإِجمالي لهذه السورة بنظر الإِعتبار، فإِننا سنرى أنّ للرّوايات تناسباً كاملا مع محتوى هذه السورة.
 

الآيات من (١– إلى – ٨):

﴿ طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3) تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) ﴾.
 

اللغة والبيان:

﴿ طه ﴾ مر الحديث عن الحروف المقطعة في العدد الأول من المجلة، وهنا قيل إن معنى طه يا رجل، غير أن بعضهم يقول هو بلسان الحبشية أو النبطية. وممّا يلفت النظر، وهو أنّنا نقرأ في حديث عن الإِمام الصادق (عليه السلام): «إِنّ طه من أسماء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعناه: يا طالب الحق الهادي إِليه» ويظهر من هذا الحديث أنّ طه مركب من حرفين رمزيين، فالطاء إِشارة إِلى طالب الحق، والهاء إِلى الهادي إِليه، ونحن نعلم أن استعمال الحروف الرمزية وعلامات الاختصار فيما مضى وفي يومنا هذا أمر طبيعي وكثير الاستعمال، خاصّة في عصرنا الحاضر فإنّه كثير التداول والاستعمال جدّاً. وآخر كلام في هذا الباب هو أنّ (طه) كـ (يس) قد أصبحت تدريجياً وبمرور الزمان اسماً خاصاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى إنّهم يسمون آل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) آل طه أيضاً، وعُبِّر عن الإِمام المهدي عجل الله فرجه في دعاء الندبة بـ (يا بن طه).
 

﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ لكن لتستعد به وتنال الكرامة به في الدنيا والآخرة، وقد ذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم فأمره الله سبحانه بأن يخفف على نفسه وأنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾ معناه لكن أنزلناه تذكرة أي لتذكرة من يخشى الله ﴿تَنزِيلاً﴾ أي أنزلناه تنزيلا ﴿مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ﴾ بدأ بالأرض ليستقيم رؤوس الآي ﴿وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى﴾ أي الرفيعة العالية نبه بذلك على عظم حال خالقهما ثم أكد ذلك بقوله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ أي هو الرحمن لأنه لما قال ممن خلق بينه بعد ذلك فقال هو الرحمن، الاستواء الإقبال على الشيء فكأنه أقبل على خلق العرش وقصد إلى ذلك ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أي له ملك ما في السماوات وما في الأرض وتدبيرهما وعلمهما يعني أنه مالك كل شيء ومدبره ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ يعني الهواء ﴿وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ والثرى التراب الندي، وقيل يعني ما في ضمن الأرض من الكنوز والأموات ﴿وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ﴾ أي إن ترفع صوتك به ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ أي فلا تجهد نفسك برفع الصوت فإنك وإن لم تجهر علم الله السر وأخفى من السر ولم يقل وأخفى منه لدلالة الكلام عليه كما يقول القائل فلان كالفيل أو أعظم وقيل تقديره وإن تجهر بالقول أو لا تجهر فإنه يعلم السر وأخفى منه ثم اختلفوا فيما هو أخفى من السر فقيل ما حدث به العبد غيره في خفية وأخفى منه ما أضمره في نفسه ما لم يحدث به غيره، وقيل السر ما أضمره العبد في نفسه وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد، وقيل السر ما تحدث به نفسك وأخفى منه ما تريد أن تحدث به نفسك في ثاني الحال و قيل العمل الذي تستره عن الناس وأخفى منه الوسوسة، وقيل معناه يعلم السر أي أسرار الخلق وأخفى أي سر نفسه، وروي عن السيدين الباقر والصادق L السر ما أخفيته في نفسك وأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ لا معبود تحق له العبادة غيره ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ أي الأسماء الدالة على توحيده وعلى إنعامه على العباد وعلى المعاني الحسنة فأيها دعوت جاز وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال إنه لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة قال الزجاج تأويله من وحد الله تعالى وذكر هذه الأسماء الحسنى يريد بها توحيد الله و إعظامه دخل الجنة وقد جاء في الحديث من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة فهذا لمن ذكر اسم الله موحدا له به فكيف بمن ذكر أسماءه كلها يريد بها توحيده والثناء عليه وإنما قال الحسنى بلفظ التوحيد ولم يقل الأحاسن لأن الأسماء مؤنثة تقع عليها هذه كما تقع على الجماعة هذه كأنه اسم واحد للجمع.
 

سبب النّزول:

وردت روايات كثيرة في سبب نزول الآيات الأُولى من هذه السورة، يستفاد من مجموعها أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد نزول الوحي والقرآن كان يعبد الله كثيراً، وخاصّة أنّه كان يكثر القيام والوقوف في العبادة حتى تورمت قدماه، وكان من شدّة التعب أحياناً يستند في وقوفه على أحدى قدميه، ثمّ يستند على الأُخرى حيناً آخر، وحيناً على كعب قدمه، وآخر على أصابع رجله (٤) ، فنزلت الآيات المذكورة وأمرت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يحمل نفسه كل هذا التعب والمشقّة.
 

محتوى السّورة:
 

إنّ سورة (طه) أكثر ما يتحدث محتواها عن المبدأ والمعاد كسائر السور المكّية، ويذكر نتائج التوحيد وتعاسات الشرك. تشير هذه السورة إِشارة قصيرة إِلى عظمة القرآن، وبعض صفات الله الجلالية والجمالية. وتتحدث عن قصة موسى (عليه السلام)، من حين بعثته، إِلى نهوضه لمقارعة فرعون الجبار وأعوانه، إِلى مواجهه السحرة وإِيمانهم. ثمّ إِغراق الله فرعون وأتباعه بصورة إِعجازية، ونجاة موسى (عليه السلام) والذين آمنوا به. ثمّ تبيّن حادثة عبادة بني إِسرائيل للعجل، والمواجهة بين هارون وموسى وبين بني إِسرائيل.

كما تشير إلى بعض المسائل حول المعاد، وجانب من خصوصيات القيامة.

والحديث عن القرآن وعظمته. وإلى قصّة آدم وحواء في الجنّة، ثمّ حادثة وسوسة إِبليس، وأخيراً هبوطهما إِلى الأرض. وفيها مواعظ ونصائح، لكل المؤمنين، مع توجيه الخطاب في كثير من الآيات إِلى نبي الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) (٥) .


(1) - مجمع البيان: ج٧، ص١.
(2) - تفسير النور الثقلين: ج٣، ص٣٦٧.
(3) - مجمع البيان: ج٧، ص١.
(4) - لمزيد الإِطلاع على هذه الرّوايات، راجع: تفسير نور الثقلين، والدر المنثور، بداية سورة طه.
(5) - المصادر الأساسية مجمع البيان والأمثل وتفسير النور الثقلين.

 

  الأمثال في القرآن

التمثيل بالناعق الذي ينعق «بالغنم»


يقول سبحانه: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ (١) .
 

بيان المفردات:

النعيق: صوت الراعي لغنمه زجراً، يقال: نعق الراعي بالغنم، ينعق نعيقاً، إذا صاح بها زجراً. ويقال نعق الغراب: (إذا صوّت دون أن يمدّ عنقه، فإذا مدّ عنقه وحركها ثم صاح قيل: نغق (بالغين)).
والنداء: مصدر نادى ينادي مناداة، وهو أخص من الدعاء، ففيه الجهر بالصوت ونحوه، بخلاف الدعاء.
ملاحظة: يحتاج الإنسان في ارتباطه بالخارج دون شك إلى سبل، تسمّى سبل المعرفة. أهم هذه السبل العين والأُذن للرؤية والسماع، واللسان للسؤال.
لذلك، بعد أن تصف الآية هؤلاء بأنهم صم بكم عمي، تستنتج باستعمال فاء التفريع وتقول: ﴿فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾.


من هنا يقرر القرآن أن أساس العلوم العين والأُذن واللسان، العين والأُذن للفهم المباشر، واللسان لإِقامة الإِرتباط بالآخرين وكسب علومهم.
 

وفي بيان الآية وجوه:

الأوّل: أنّ الآية بصدد تشبيه الكافرين بالناعق الذي ينعق بالغنم، ولا يصح التشبيه عندئذٍ إلاّ إذا كان الناعق أصم، ويكون معنى الآية: أنّ الذين كفروا والذين لا يتفكرون في الدعوة الإلهية، كمثل الأصم الذي ينعق بما لا يسمع نفسه ولا يميز من مداليل نعاقه معنى معقولاً إلاّ دعاءً ونداءً وصوتاً بلا معنى.
 

بيان حقيقة التمثيل:

وجه التشبيه: أنّ الناعق أصم كما أنّ هؤلاء الكافرين صم بكم عمي لا يعقلون.
وفي هذا المعنى المشبه هم الكافرون الذين لا يفهمون من الدعوة النبوية إلاّ صوتاً ودعوة فارغة من المعنى.
والمشبه به: هو الناعق الأصم الذي ينعق بالغنم، ولكن لا يسمع من نعاقه إلاّ دعاءً ونداءً.
وهذا الوجه وإن كان ينطبق على ظاهر الآية، ولكنّه بعيد من حيث المعنى، إذ لو كان الهدف هو التركيز على أنّ الكافرين صم بكم عمي لا يعقلون لكفى تشبيههم بالحيوان الذي هو أيضاً كذلك، فما هو الوجه لتشبيههم بإنسان عاقل أخذ منه سمعه لا يسمع من نعاقه إلاّ صوتاً ونداءً؟
 

الثاني: إنّ المشبه هو النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والمشبه به هو الناعق للغنم، والمراد ومثلك أيها النبي في دعاء الذين كفروا كمثل الذي ينعق في البهائم التي لا تسمع من نعيقه إلاّ دعاءً ونداءً ما، فتنزجر بمجرد قرع الصوت سمعها من غير ان تعقل شيئاً، فهم ـ الكافرون ـ صمّ لا يسمعون كلاماً يفيدهم، وبكم لا يتكلمون بما ينفع، وعمي لا يبصرون، فهم لا يعقلون شيئاً، لأنّ الطرق المؤدية إلى التعقل موصدة عليهم.
 

ومن ذلك ظهر أنّ في الكلام قلباً أو عناية أخرى يعود إليه، فانّ المثل بالذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعاءً ونداءً مثل الذي يدعوهم إلى الهدى لا مثل الكافرين المدعوين إلى الهدى، إلاّ أنّ الأوصاف الثلاثة التي استنتجت واستخرجت من المثل وذكرت بعده، وهي قوله: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾، لما كانت أوصافاً للذين كفروا لا لمن يدعوهم إلى الحقّ استوجب ذلك أن ينسب المثل إلى الذين كفروا لا إلى رسول الله تعالى فأنتج ما أشبه القلب (2) .
 

ثمّ إنّ صاحب المنار فسّر الآية على الوجه الأوّل وقال: ﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي صفتهم في تقليدهم لآبائهم ورؤسائهم كمثل الذي لا يسمع إلاّ دعاء ونداءً، أي كصفة الراعي للبهائم السائمة ينعق ويصيح بها في سوقها إلى المرعى ودعوتها إلى الماء وجزها عن الحمى، فتجيب دعوته وتنزجر بزجره بما ألفت من نعاقه بالتكرار. شبّه حالهم بحال الغنم مع الراعي يدعوها فتقبل، ويزجرها فتنزجر، وهي لا تعقل مما يقول شيئاً، ولا تفهم له معنى وإنّما تسمع أصواتاً تقبل لبعضها وتدبر للآخر بالتعويد، ولا تعقل سبباً للإقبال ولا للإدبار (3) .
 

يلاحظ عليه: أنّ الآية بصدد ذمهم وانّهم لا يعتنقون الإيمان ولا يمتثلون الأوامر الإلهية ونواهيها، وعلى ذلك تصبح الآية نوع مدح لهم، لأنّهم لو كانوا كالبهائم السائمة يجيبون دعوة النبي كقبولها دعوة الراعي وينزجرون بزجره (صلى الله عليه وآله وسلم) كانتهائها عن نهي الراعي، فيكون ذلك على خلاف المقصود، فانّ المقصود بشهادة قوله: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾، أنّهم لا يسمعون كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا ينطقون بالحقّ ولا ينظرون إلى آيات الله وأنّهم في واد والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في واد آخر. وأين هم من البهائم السائمة التي تقع تحت يد الراعي فتنتهي بنهيه؟! (4) .


(1) - سورة البقرة، الآية: ١٧١.
(2) - الميزان: ج١، ص٤٢٠.
(3) - تفسير المنار: ج٢، ص٩٣ ـ ٩٤.
(4) - أهم المصادر: مجمع البيان، الأمثل، الأمثال في القرآن.

 

  مناهج التفسير



ومن التفسير بالمنقول هو تفسير القرآن بما أثر عن النبي والأئمة المعصومين(عليهم السلام) أو الصحابة والتابعين، وقد ظهر هذا النوع من المنهج بعد رحلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن المعروفين في سلوك هذا المنهج بعد عهد الرسالة عبد الله بن عباس، وهو القائل: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1) وحسبك هذه الشهادة من ترجمان القرآن.
 

نعم روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه دعا له بالفقه والحكمة وتأويل القرآن (2) .

وقد ذاع هذا المنهج من القرن الأوّل إلى عصرنا هذا، فظهر بين المفسرين من يكتفون في التفسير بالأثر المروي ولا يتجاوزون عنه، حتى أنّ بعض المفسرين لا يذكر الآية التي لا يجد حولها أثراً من النبي والأئمة، كما هو ديدن تفسير البرهان للسيد البحراني، فإليك أشهر التفاسير الحديثة بين الفريقين.

فأشهر المصنّفات على هذا النمط عند أهل السنّة:

1- تفسيـر أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224-310 هـ) وهذا الكتاب أوسع ما أُلّف في هذا المجال، ومن مزايا هذا التفسير ذكر الروايات مسندة أو موقوفة على الصحابة والتابعين، وقد سهّل بذلك طريق التحقيق والتثبيت منها، نعم فيها من الإسرائيليّات والمسيحيّات ما لا يحصى كثرة.
2- ويليه في التبسط تفسير الثعلبي (المتوفّى 427 هـ) باسم «الكشف والبيان» وهو تفسير مخطوط، ونسخه قليلة، عسى أن يقيّض الله رجال التحقيق لإخراجه إلى عالم النور، ومؤلّفه من المعترفين بفضائل أهل البيت (عليهم السلام)، فقد روى نزول كثير من الآيات في حقّ العترة الطاهرة، وينقل عنه كثيراً السيد البحراني في كتبه مثل غاية المرام وتفسير البرهان.
3- تفسير الدر المنثور للسيوطي (المتوفّى911 هـ) ففيه ما ذكره الطبري في تفسيره وغيره ويبدو من كتابه «الإتقان» أنّه جعله مقدّمة لذلك التفسير، وقد ذكر في خاتمة «الإتقان» نبذة من التفسير بالمأثور المرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أوّل الفاتحة إلى سورة الناس.

هذه مشاهير التفاسير الحديثية عند أهل السنّة، اكتفينا بذلك روماً للاختصار.
 

- وأمّا التفسير بالمأثور عند الشيعة، فأشهرها ما يلي:
1- تفسير محمد بن مسعود العياشي المعاصر للكليني الذي توفّي عام 329 هـ، وقد طبع في جزأين، غير أنّ ناسخ الكتاب في القرون السابقة، جنى على الكتاب جناية علمية لاتغتفر حيث أسقط الأسانيد، وأتى بالمتون، وبذلك سدّ على المحقّقين باب التحقيق.
2- تفسير علي بن إبراهيم القمي (الذي كان حياً عام 307 هـ)، وتفسيره هذا مطبوع قديماً وحديثاً، غير أنّ التفسير ليس لعلي بن إبراهيم القمي وحده، وإنّما هو تفسير ممزوج من تفسيرين، فهو ملفّق مما أملاه علي بن إبراهيم على تلميذه أبي الفضل العباس، وما رواه تلميذه بسنده الخاص، عن أبي الجارود عن الإمام الباقر(عليه السلام).
 

وقد أُلّف في أواخر القرن الحادي عشر تفسيران بالمنهج المذكور، أعني بهما:
«البرهان في تفسير القرآن» للسيد هاشم البحراني (المتوفّى 1107 هـ).
و «نور الثقلين» للشيخ عبد علي الحويزي من علماء القرن الحادي عشر.
 

والاستفادة من التفسير بالمأثور يتوقّف على تحقيق أسناد الروايات، لكثرة تطرق الإسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات المروية من مسلمة أهل الكتاب إليها أو مستسلمتهم.

وهناك كلمة قيّمة لابن خلدون يقول: إنّ العرب لم يكونوا أهل كتاب ولاعلم، وإنّما غلبت عليهم البداوة والأُميّة، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شيء ممّا تتوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات، وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنّما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدون منهم، وهؤلاء مثل: كعب الأحبار ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم وتُلقّيت بالقبول، وتساهل المفسرون في مثل ذلك، وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات، وأصلها كلها ـ كما قلنا ـ من التوراة أو مما كانوا يفترون
 

ولأجل ذلك ترى أنّ ما أتى به الطبري في تفسيره حول قصة آدم وحواء تطابق ما جاء في التوراة.
والعجب أنّ كتب التفسير مملوءة من أقاويل هؤلاء (أي مسلمة أهل الكتاب) ومن أخذ عنهم، من المسلمين أمثال عكرمة ومجاهد وعطاء والضحاك.
فهؤلاء مضافاً إلى ما ورد فيهم من الجرح والطعن في كتب الرجال المعتبرة عند أهل السنّة، كانوا يأخذون ما أثر عنهم من التفاسير من اليهود والنصارى (3) .
وأمّا ما يتراءى من نقل أقوالهم في تفاسير الشيعة كـ «التبيان» لشيخ الطائفة الطوسي، و «مجمع البيان» للشيخ الطبرسي، فعذرهم في نقل أقوالهم هو رواجها في تلك العصور والأزمنة بحيث كان الجهل بها نقصاً في التفسير وسبباً لعدم الاعتناء به.
 

وعلى كل تقدير فالتفسير بالمأثور يتوقف على توفر شرائط الحجية فيه، إلاّ إذا كان الخبر ناظراً إلى بيان كيفية الاستفادة من الآية، ومرشداً إلى القرائن الموجودة فيها، فعندئذ تلاحظ كيفية الاستفادة، فعلى فرض صحة الاستنتاج يؤخذ بالنتيجة وإن كان الخبر غير واجد للشرائط. كما عرفت نماذج منه.

وأمّا إذا كان التفسير مبنياً على التعبّد فلا يؤخذ به إلاّ عند توفر الشرائط.

هذه هي المناهج التفسيرية على وجه الاختصار قد عرفت المقبول والمردود، غير أنّ المنهج الكامل عبارة عن المنهج الذي يعتمد على المناهج الصحيحة، فيعتمد في تفسير القرآن على العقل القطعي الذي هو كالقرينة، كما يفسر القرآن بعضه ببعض ويرفع إبهام الآية بأُختها، ويستفيد من الأثر الصحيح الذي يكون حجّة بينه وبين ربّه، إلى غير ذلك من المناهج التي مر بيانها.
 

خلاصة ما تقدم:
 

الصورة الرابعة من المناهج التفسيرية النقلية: تفسير القرآن بالمأثور عن النبي والأئمة (عليهم السلام).

ظهر هذا النوع من المناهج بعد رحلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن المعروفين في سلوك هذا المنهج بعد عهد الرسالة عبد الله بن عباس، وهو القائل: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه دعا له بالفقه والحكمة وتأويل القرآن لابن عباس وهو ابن عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال له: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل» (4) .
 

وقد ذاع هذا المنهج من القرن الأول إلى عصرنا هذا، فظهر بين المفسرين من يكشفون في التفسير بالأثر المروي ولا يتجاوزون عنه.

والاستفادة من التفسير بالمأثور يتوقف على تحقيق أسناد الروايات، لكثرة تطرق الاسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات المروية من مسلمة أهل الكتاب إليها أو مستسلمتهم. والكامل من المناهج عبارة عن المنهج الذي يعتمد على الصحيحة منه، فيعتمد في تفسير القرآن على العقل القطعي الذي هو كالقرينة، كما يفسر القرآن بعضه ببعض ويرفع إبهام الآية بأختها، ويستفيد من الأثر الصحيح الذي يكون حجّة بينه وبين ربّه، إلى غير ذلك من المناهج التي مرّ بيانها (5) .


(1) - مناهل العرفان: 1/468.
(2) - أُسد الغابة: 3/193.
(3) - لاحظ آلاء الرحمن: 1/46.
(4) - علوم القرآن عند المفسرين: ج2 / ص 486.
(5) - المصدر: دروس في مناهج التفسير (جمعية القرآن الكريم).

 

   معجم المفسرين

الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين

 

المؤلف: السيد عبد الله شبّر (رحمه الله).
 

ولادته: ولد في سنة 1188هـ - 1774م.
 

وتوفي في سنة 1242هـ - 1827م.
 

عدد المجلدات: 6 مجلدات.
 

طبعات الكتاب: الكويت، مكتبة الألفين، الطبعة الأولى سنة 1407هـ - 1986م علماً أن تأليف الكتاب تم في سنة 1239هـ.
 

حياة المؤلف: هو السيد عبد الله شُبّر ابن السيد محمد رضا الحسيني الكاظمي النجفي، ولد في النجف الأشرف، كان يُعرف في عصره بالمجلسي الثاني لكثرة تصانيفه – حاز جميع العلوم في التفسير والفقه والحديث واللغة، وصنّف في أكثر العلوم الشرعية.
 

مؤلفاته:
 

ينقل المحدّث البارع الشيخ عباس القمي { في كتابه الكنى والألقاب، أنّه حكي أنّه قال (السيّد عبد الله شبّر): إنّ كثرة مؤلفاتي من توجّه الإمام الهمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، فإنّي رأيته في المنام فأعطاني قلماً وقال: (اكتب)، فمن ذلك الوقت وفّقت لذلك، فكلّ ما برز منّي فمن بركة هذا القلم الروحاني. وقد صدر منه أكثر من سبعين مؤلفاً بين موسوعة ورسالة، ولم يتجاوز عمره الشريف 54 عاماً، وهكذا تفعل الكرامة بأهلها، فله مثل هذه المكتبة الضخمة من المؤلفات، مع ذلک كان يتولّى الشؤون الاجتماعية والتدريس بالإضافة إلى مواظبته على المستحبّات العبادية والأدعية والأذكار. وإليک بعض مؤلفاته:
 

1 ـ الوجيز في تفسير القرآن الكريم.
2 ـ صفوة التفاسير، في أربعة أجزاء.
3 ـ الجوهر الثمين في تفسير القرآن المبين.
4 ـ القرآن والدعاء، وغيرهم الكثير.
 

أما منهجه في التفسير: فهو يذكر اسم السورة، وعدد آياتها وبيان المكي والمدني منها ومعنى السورة، وفضلها وفضل قراءتها، ثم يذكر جملة من الآيات فيفسرها فقرة فقرة.
والخلاصة: إن تفسير الجوهر الثمين من التفاسير الموجزة للشيعة الإمامية، جمع فيه المؤلف (رحمه الله)
الدقة والإيجاز لإيصال المعنى للقارىء بأسلوب سهل ميسر، مع تطعيم البحث بروايات أهل البيت (عليهم السلام) وبيان رأيه العقائدي عند تفسيره لآيات الأحكام.

  

  علوم قرآنية

 

بينا في العدد السابق توهّم بعضهم وقوع التحريف في كتاب الله العزيز من خلال روايات معتبرة سنداً، أو إنّها أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، أو أنّها مؤوّلة بنحوٍ من الاعتبار، وإلاّ فقد نصّ المحققون من علماء المسلمين على أن يُضْرَب بها الجِدار وعرض الحائط ولا يعول عليها. وذكرنا أربعة أدلّة من أدلّة عدم التحريف وهي:
 

أولاً – الدليل القرآني.
ثانياً _ الدليل الروائي.
ثالثاً – الدليل العقلي.
رابعاً – التحليل التاريخي.

 

والآن نسلط الضوء على القسم الخامس من أدلّة سلامة القرآن الكريم من التحريف:

خامساً: الأساليب الخاصة والفريدة:

يتصف القرآن بصياغة وبناء خاص، سواء من حيث التفاوت الموجود بين السُوَر المكيّة والسُوَر المدنيَّة، أم من حيث تدرّج نزول الآيات، أم من حيث محتوى دعوته ورسالته وتعليماته.
إنَّ التأمل في هذه الصياغة الخاصّة يكشف من جهة عن الجانب الفني والإعجازي للقرآن في الأبعاد الأخرى، ويزيد من جهة أُخرى من اعتقاد الإنسان بعدم تحريف هذا الكتاب المقدّس. نوجز ما تقدم ذكره وهو:
 

السُوَر المكيّة متقدّمة، في ترتيب النزول على السُوَر المدنيَّة، وغالباً ما تكون صغيرة وذات آيات قصيرة وموزونة، وهذا ما أدّى إلى سرعة حفظها وتعلّمها خاصة أنَّ عدد المسلمين في مكّة كان قليلاً، وكان عدد من يجيدون القراءة والكتابة يحصى بالأصابع، فجاء نزول القرآن بهذه الكيفية بمثابة تعويض عن تلك النواقص، وكانت تلك السُوَر لا تمحى من الذاكرة.

ب- تدرّج نزول القرآن أتاح للمسلمين تعلّم آياته بسهولة، والسعي إلى حفظه وقراءته.
 

ولا شك في أنَّ آيات القرآن لو نزلت دفعة واحدة لكان من العسر أو ربّما من المتعذّر على المسلمين في تلك الظروف تحمّلها وهضمها وإداراكها وحفظها وحراستها.

ج- كانت رسالة وتعليمات ومحتوى ودعوة الكتب السماوية تتعارض على الدوام مع مصالح الأقوياء والمتسلّطين. وهذا ما دفع جماعة منهم إلى التشمير عن سواعدهم لطمس حقائقها وتحريفها. أما القرآن باعتباره آخر حلقة في سلسلة الكتب السماوية فقد انتهج في طرح رسالاته وتعليماته أسلوباً يغلق الأبواب أمام أي نوع من الطمس والتحريف، وهكذا بقي هذا الكتاب الخالد محفوظاً من تلاعب المغرضين والمعاندين والمنافقين. لقد اكتفى القرآن في بيان موضوعاته بطرح الأصول والخطوط العريضة، وترك مهمة شرحها وتفسيرها للسنّة، نذكر على سبيل المثال أنه لم يصرّح بأسماء الناس الصالحين في زمن نزول الوحي، ولا أسماء مَن خَصّهم بالمدح والثناء، ولم يذكر أسماء من ذمّهم ولعنهم من الأفراد والجماعات، هكذا كان الأسلوب العام للقرآن، وكان الاستثناء الوحيد فيه، ذم أبي لهب وامرأته، وكان لهذا حكمته أيضاً؛ إذ إنَّ عداء أبي لهب وزوجته للإسلام كان واضحاً للجميع، وكان انتماؤه إلى قريش وقرابته إلى الرسول، سبباً في عدم حصول أي خطر ضد القرآن من هذا الجانب.

 

وذكر القرآن في موضع آخر اسم زيد (زيد بن حارثة) ربيب رسول الله (1) وكان ذكره مجرّداً من المدح والذم.

إليكم فيما يلي أمثلة من آيات مدح أو ذم الأشخاص في القرآن، ممن لم يذكر أسماؤهم:
 

1- آية التطهير: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (2) التي بيّنت السنّة مصداقها.
2- آية المباهلة: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ (3) التي لم تذكر أسماء من صحبوا الرسول في المباهلة.
3- آية ليلة المبيت: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (4) التي تنص روايات متعددة على أنها نزلت بشأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليلة هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
4- آية: ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُواْ﴾ (5) التي نزلت بشأن الوليد.

ما ذكر لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من حالات كثيرة وردت في القرآن حقاً لو أنَّ القرآن أثنى صراحة على فئة معيّنة، وذم فئة أُخرى علانية، فما الذي سيحل به على يد الفئة الثانية؟

عجباً لكل هذه الدقّة في بيان رسالات الله، ولهذه المعرفة النفيسة بشأن هذا الكتاب السماوي في تلك البرهة من الزمن لتقطع من الجذور كل ذريعة للتحريف والتلاعب، وتجعل منه كتاباً خالداً على امتداد التاريخ وتحقق تلك البشارة الإلهيّة: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (6).

وفي موضع آخر يَصِفُ القرآنُ الرسولَ بمعلم الكتاب الإلهي: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (7).
وتصفه في موضع آخر بمبيّن ومفسّر القرآن: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (8).
وقد أمر القرآن في إحدى آياته بشكل عام وشامل بإطاعة أوامر الرسول ونواهيه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ﴾ (9).
 

وعلى هذا الأساس لا يبقى ثمة قلق فيما يخص عدم ذكر سبب نزول الآيات في القرآن الكريم ؛ وذلك لأن المصلحة استوجبت بأن لا يذكر الصالحين بأسمائهم ولكنه في الوقت نفسه مهّد السبيل أمام الناس للوصول إلى الحقائق القرآنيّة من خلال وصفه للرسول بالمعلّم والمبين والمفسّر للكتاب، وبقي القرآن سالماً من التحريف والتلاعب مع أنه لم تُكتم حقائقه.
 

خلاصة الكلام:

أدلّة سلامة القرآن الكريم من التحريف منها:

أولاً- الدليل القرآني، ومثال ذلك آية الحفظ وآية لا يأتيه الباطل:
قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (10) . وقال سبحانه: ﴿... وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ (11) .
 

ثانياً- الدليل الروائي منها: أ- حديث الثقلين المتواتر المنقول عن طريق العامّة والخاصّة. أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي».
ب- الروايات التي توصينا بالرجوع إلى القرآن عند الفتن والشدائد.
ج - الروايات التي ورد فيها عرض الروايات على القرآن.
 

ثالتاً- الدليل العقلي: القرآن أُنزل لهداية الناس، والضرورة العقلية تقتضي أن تكون المعارف الدينية، والأصول العامة، ودستور الإسلام مدوّنة في كتاب بين يدي الإنسان. ومن غير المعقول أن يضع الله كتاباً بين أيدي الناس ثم يتركهم ليزيده مَنْ يشاء منهم، ويُنقص منه من يشاء. وبعبارة أُخرى يصبح هذا الأمر بمثابة نقض للغرض الإلهي ؛ لأنَّه لو وقع التحريف في كتاب يُعتبر هدىً للناس ونذيراً للعالمين، ولكل العصور والأجيال، فمعنى ذلك أنَّ الهدف من إنزاله لم يتحقق.
 

رابعاً- التحليل التاريخي: فالتاريخ يشهد أنه كانت لحفظ وقراءة القرآن مكانة متميّزة لدى المسلمين، منذ البداية وإلى الآن، بحيث هب مسلمو صدر الإسلام بشغف لا يوصف إلى حفظه وتعليمه وتعلّمه.
 

خامساً- خصائص السُوَر المكية التي تقدمت في نزولها على السُوَر المدنيّة، فإنَّ التأمل في هذه الصياغة الخاصّة يكشف من جهة عن الجانب الفني والإعجازي للقرآن في الأبعاد الأخرى، ويزيد من جهة أُخرى من اعتقاد الإنسان بعدم تحريف هذا الكتاب المقدّس (12) .


(1) - سورة الأحزاب، الآية: 37.
(2) - سورة الأحزاب، الآية: 33.
(3) - سورة آل عمران، الآية: 61.
(4) - سورة البقرة، الآية: 207.
(5) - سورة الحجرات، الآية: 6.
(6) - سورة الحجر، الآية: 9.
(7) - سورة الجمعة، الآية: 2.
(8) - سورة النحل، الآية: 44.
(9) - سورة الحشر، الآية: 7.
(10) - سورة الحجر، الآية: 9.
(11) - سورة فصلت، الآية 41.
(12) - دروس في علوم القرآن الكريم: (إصدارات جمعية القرآن الكريم).

 

   قصص قرآنية

 


كنا في العدد السابق قد تحدثنا عن بعض قصة نبي الله يوسف ويعقوب (عليهما السلام) في القرآن والآن نكمل على ما تقدم:

تبرئة يوسف من كلّ اتّهام!

لقد كان تعبير يوسف(عليه السلام) لرؤيا الملك ـ كما قُلنا ـ دقيقاً ومدروساً ومنطقياً إلى درجة أنّه جذب الملك وحاشيته إليه، إذ كان يرى أنّ سجيناً مجهولا عبّر رؤياه بأحسن تعبير وتحليل، دون أن ينتظر أيّ أجر أو يتوقّع أمراً ما.. كما أنّه أعطى للمستقبل خطّة مدروسة أيضاً.

لقد فهم الملك إجمالا أنّ يوسف لم يكن رجلا يستحقّ السجن، بل هو شخص أسمى مقاماً من الإنسان العادي، دخل السجن نتيجة حادث خفيّ، لذلك تشوّق لرؤيته، ولكن لا ينبغي للملك أن ينسى غروره ويسرع إلى زيارته، بل أمر أن يُؤتى به إليه كما يقول القرآن: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (1) .

يوسف (عليه السلام) أميناً على خزائن مصر:

رأينا أنّ يوسف(عليه السلام) ـ هذا النّبي العظيم ـ ثبتت براءته أخيراً للجميع، وحتّى الأعداء شهدوا بطهارته ونزاهته، وظهر لهم أنّ الذنب الوحيد الذي أودع من أجله السجن لم يكن غير التقوى والأمانة التي كان يتحلّى بهما.

إضافةً إلى هذا فقد ثبت لهم أنّ هذا السجين منهل العلم والمعرفة والنباهة وطاقة فذّة وعالية في الإدارة، حيث إنّه حينما فسّر رؤيا الملك (وهو سلطان مصر) بيّن له الطرق الكفيلة للخلاص من المشكلة الاقتصادية المتفاقمة القادمة. ثمّ يستمر القرآن بذكر القصّة فيقول: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ .
 

اقتراح جديد من يوسف لاُخوته:

وكما كان متوقّعاً، فقد تحسّنت الزراعة في مصر خلال سبع سنوات متوالية وذلك على أثر توالي الأمطار ووفرة ماء النيل وكثرته، ويوسف الذي كان مسؤولا عن الشؤون الاقتصادية في مصر ومشرفاً على خزائنها، أمر ببناء المخازن الكبيرة والصغيرة التي تستوعب الكميّات الكبيرة من المواد الغذائية وتحفظها عن الفساد، وقد أجبر أبناء الشعب على أن يبيعوا للدولة الفائض عن حاجتهم من الإنتاج الزراعي، وهكذا امتلأت المخازن بالمنتوجات الزراعية والاستهلاكية ومرّت سبع سنوات من الرخاء والوفرة، وبدأ القحط والجفاف يُظهر وجهه الكريه، ومنعت السّماء قطرها، فلم تينع ثمرة، ولم تحمل نخلة.

وهكذا أصاب عامّة الشعب الضيق وقلّت منتوجاتهم الزراعية، لكنّهم كانوا على علم بخزائن الدولة وامتلائها بالمواد الغذائية، وساعدهم يوسف حيث استطاع ـ بخطّة محكمة ومنظّمة مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجات المتزايدة، في السنين القادمة ـ أن يرفع الضيق عن الشعب بأن باع لهم المنتوجات الزراعية مراعياً في ذلك العدالة بينهم.
 

وهذا القحط والجفاف لم يكن مقتصراً على مصر وحدها، بل شمل البلدان المحطية بها أيضاً، ومنهم شعب فلسطين وأرض كنعان المتاخمة لمصر والواقعة على حدودها في الشمال الشرقي، وكانت عائلة يوسف تسكن هناك وقد تأثّرت بالجفاف. واشتدّ بهم الضيق، بحيث اضطرّ يعقوب أن يرسل جميع أولاده ـ ما عدا بنيامين الذي أبقاه عنده بعد غياب يوسف ـ إلى مصر، حيث سافروا مع قافلة كانت تسير إلى مصر ووصلوا إليها ـ كما قيل ـ بعد 18 يوماً. وتذكر المصادر التاريخيّة أنّ الأجانب عند دخولهم إلى الأراضي المصرية كانوا ملزمين بتسجيل أسمائهم في قوائم معيّنة لكي تعرض على يوسف، ومن هنا فحينما عرض الموظفون تقريراً على يوسف عن القافلة الفلسطينية وطلبهم للحصول على المؤن والحبوب رأى يوسف أسماء إخوته بينهم وعرفهم وأمر بإحضارهم إليه، دون أن يتعرّف أحد على حقيقتهم وأنّهم إخوته.. يقول القرآن الكريم: ﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59) فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ .

موافقة يعقوب (عليه السلام):

رجع إخوة يوسف(عليه السلام) إلى كنعان فرحين حاملين معهم المتاع الثمين، لكنّهم كانوا يفكّرون بمصيرهم في المستقبل وأنّه لو رفض الأب ولم يوافق على سفر أخيهم الصغير (بنيامين) فإنّ عزيز مصر سوف لن يستقبلهم، كما أنّه لا يعطيهم حصّتهم من الحبوب والمؤن. ومن هنا يقول القرآن: ﴿فَلَمَّا رَجَعُواْ إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ .

وصية النبي يعقوب (عليه السلام):

وأخيراً توجّه إخوة يوسف(عليه السلام) صوب مصر للمرّة الثانية بعد إذن أبيهم وموافقته على اصطحاب أخيهم الصغير معهم، وحينما أرادوا الخروج ودعهم أبوهم موصياً إيّاهم بقوله: ﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ .


يوسف يخطّط للاحتفاظ بأخيه:

وأخيراً دخل الإخوة على يوسف (عليه السلام) وأعلموه بأنّهم قد نفّذوا طلبته واصطحبوا معهم أخاهم الصغير برغم امتناع الأب في البداية، ولكنّهم أصرّوا عليه وانتزعوا منه الموافقة لكي يثبتوا لك أنّهم قد وفوا بالعهد، أمّا يوسف فإنّه قد استقبلهم بحفاوة وكرم بالغين ودعاهم لتناول الطعام على مائدته، فأمر أن يجلس كلّ اثنين منهم على طبق من الطعام، ففعلوا وجلس كلّ واحد منهم بجنب أخيه على الطعام، وبقي بنيامين وحيداً فتألّم من وحدته وبكى وقال: لو كان أخي يوسف حيّاً لعطف عليّ ولأجلسني إلى جنبه على المائدة لأنّنا إخوة من أب واحد وأُمّ واحدة، قال يوسف مخاطباً إيّاهم: إنّ أخاكم بقي وحيداً وإنّني سأجلسه بجنبي على المائدة ونأكل سويّة من الطعام، ثمّ بعد ذلك أمر يوسف(عليه السلام) بأن تهيّأ لهم الغرف ليستريحوا فيها ويناموا، ومرّة أُخرى بقي بنيامين وحيداً، فاستدعاه يوسف إلى غرفته وبسط له الفراش إلى جنبه، لكنّه لاحظ في تقاسيم وجهه الحزن والألم وسمعه يذكر أخاه المفقود (يوسف) متأوّهاً، عند ذاك نفذ صبر يوسف وكشف عن حقيقة نفسه، والقرآن الكريم يصف هذه الوقائع بقوله: ﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُواْ فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُواْ جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ .

موقف إخوة يوسف:

وأخيراً إقتنع إخوة يوسف بأنّ أخاهم (بنيامين) قد ارتكب فعلا شنيعاً وقبيحاً وأنّه قد شوّه سمعتهم وخذلهم عند عزيز مصر، فأرادوا أن يُبَرّئوا أنفسهم ويعيدوا ماء وجههم قالوا: ﴿قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ﴾ .
 

رجوع الإخوة إلى أبيهم خائبين:

حاول الإخوة أن يستنقذوا أخاهم بنيامين بشتّى الطرق، إلاّ أنّهم فشلوا في ذلك، ورأوا أنّ جميع سبل النجاة قد سدّت في وجوههم، فبعد أن فشلوا في تبرئة أخيهم وبعد أن رفض العزيز استعباد أحدهم بدل بنيامين، استولى عليهم اليأس وصمّموا على الرجوع والعودة إلى كنعان لكي يخبروا أباهم، يقول القرآن واصفاً إيّاهم: ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ .
 

يعقوب والألطاف الإلهية:

وأخيراً غادروا مصر متّجهين إلى كنعان في حين تخلّف أخواهم الكبير والصغير، ووصلوا إلى بيتهم منهوكي القوى وذهبوا لمقابلة أبيهم، وحينما رأى الأب الحزن والألم مستولياً على وجوههم (خلافاً للسفرة السابقة والتي كانوا فيها في غاية الفرح) علم أنّهم يحملون إليه أخباراً محزنة وخاصّة حينما افتقد بينهم بنيامين وأخاه الأكبر، وحينما أخبروه عن الواقعة بالتفصيل، استولى عليه الغضب وقال مخاطباً إيّاهم بنفس العبارة التي خاطبهم بها حينما أرادوا أن يشرحوا له خديعتهم مع يوسف(عليه السلام): ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُواْ تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُواْ بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ .
 

اليأس علامة الكفر!

كان القحط والغلاء وشحّة الطعام يشتدّ يوماً بعد آخر في مصر وما حولها ومنها كنعان، ومرّة أُخرى أمر يعقوب أولاده بأن يتّجهوا صوب مصر للحصول على الطعام، لكنّه هذه المرّة طلب منهم بالدرجة الأُولى أن يبحثوا عن يوسف وأخيه بنيامين، حيث قال لهم: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ .
 

وأخيراً شملتهم رعاية الله ولطفه:

أمّا أولاد يعقوب فإنّهم بعد أن واجهوا يوسف وجرى لهم ما جرى حملوا معهم قميص يوسف فرحين ومستبشرين وتوجّهوا مع القوافل القادمة من مصر، وفيما كان الإخوة يقضون أسعد لحظات حياتهم، كان هناك بيت في بلاد الشام وأرض كنعان ـ ألا وهو بيت يعقوب الطاعن في السنّ حيث كان يقضي هو وعائلته أحرج اللحظات وأشدّها حزناً وبؤساً. لكن ـ مقارناً مع حركة القافلة من مصر ـ حدث في بيت يعقوب حادث غريب بحيث أذهل الجميع وصار مثاراً للعجب والحيرة، حيث نشط يعقوب وتحرّك من مكانه وتحدّث كالمطمئن والواثق بكلامه قال: لو لم تتحدّثوا عنّي بسوء ولم تنسبوا كلامي إلى السفاهة والجهل والكذب لقلت لكم: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ (94) قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ .
 

عاقبة أمر يوسف وأبيه وإخوته:

مع وصول القافلة التي تحمل أعظم بشارة من مصر إلى كنعان، وعودة البصر إلى يعقوب، ارتفعت أهازيج في كنعان. فالبيت الذي لم يخلع أهله عنهم ثياب الحزن والأسى لسنين عديدة، أصبح غارقاً في السرور والحبور، فلم يكتموا رضاهم عن هذه النعم الإلهيّة أبداً.
والآن ينبغي على أهل هذا البيت ـ وفقاً لوصيّة يوسف ـ أن يتحرّكوا ويتّجهوا نحو مصر، وتهيّأت مقدّمات السفر من جميع النواحي، وركب يعقوب راحلته وشفتاهُ رطبتان بذكر الله وتمجيده، وقد منحه عشق يوسف قوّةً وعزماً إلى درجة وكأنّه عاد شاباً من جديد.
وهذا السفر على خلاف الأسفار السابقة ـ التي كانت مقرونة لدى إخوة يوسف بالقلق والحزن ـ كان خالياً من أيّة شائبة من شوائب الهمّ والغمّ. وحتّى لو كان السفر بنفسه متعباً، فهذا التعب لم يكن شيئاً ذا بال قِبالَ ما يهدفون إليه في مسيرهم هذا.
كانوا يطوون الليالي والأيّام ببطء، لأنّ الشوق كان يحيل كلّ دقيقة إلى يوم أو سنة، ولكن انتهى كلّ شيء ولاحت معالم مصر وأبنيتها من بعيد بمزارعها الخُضر وأشجارها الباسقة السامقة وعماراتها الجميلة.
 

إلاّ أنّ القرآن الكريم ـ كعادته دائماً ـ حذف هذه المقدّمات التي يمكن أن تدرك بأدنى تفكّر وتأمّل، فقال في هذا الشأن: فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ .
 

أَنْبَاءِ الْغَيْبِ:

بعد ما انتهت قصّة يوسف (عليه السلام) بكلّ دروسها التربوية ونتائجها الغزيرة والقيّمة والخالية من جزاف القول والخرافات التاريخيّة.. انتقل الكلام إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حيث يقول القرآن الكريم: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ .
 

قصتهما (عليهما السلام) في الروايات:

- لما قدم يعقوب على يوسف (عليهما السلام) خرج يوسف (عليه السلام) فاستقبله في موكبه، فمر بامرأة العزيز وهي تعبد في غرفة لها، فلما رأته عرفته فنادته بصوت حزين: أيها الراكب طال ما أحزنتني، ما أحسن التقوى كيف حررت العبيد؟ ! وما أقبح الخطيئة كيف عبدت الأحرار؟ ! (2). – عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أُعطي يوسف شطر الحسن (3) . - وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (4) . - وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): رحم الله أخي يوسف، لو أنا أتاني الرسول بعد طول الحبس لأسرعت الإجابة حين قال: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ﴾ (5) .
 

ما أثنى الله عليه ومنزلته المعنوية: كان (عليه السلام) من المخلصين وكان صديقاً وكان من المحسنين، وقد آتاه الله حكماً وعلماً وعلمه من تأويل الأحاديث، وقد اجتباه الله وأتم نعمته عليه وألحقه بالصالحين (سورة يوسف) وأثنى عليه بما أثنى على آل نوح وإبراهيم Lمن الأنبياء وقد ذكره فيهم (سورة الأنعام).
 

قصته في التوراة الحاضرة:

قالت التوراة (6) : وكان بنو يعقوب اثني عشر: بنوليئة: راوبين بكر يعقوب، وشمعون، ولاوي، ويهودا، ويساكر، وزنولون، وابنا راحيل: يوسف، وبنيامين، وابنا بلهة جارية راحيل: دان، ونفتالي، وابنا زلفة جارية ليئة: جاد، وأشير. هؤلاء بنو يعقوب الذين ولدوا في فدان أرام. قالت (7) ، ... راجع تفسير الأمثل والميزان (8) .


(1) - سورة يوسف، الآيات 50 ـ 53.
(2) - أمالي الطوسي: 457 / 1021.
(3) - كنز العمال: 32400.
(4) - كنز العمال: 32404، 32402.
(5) - كنز العمال: 32404، 32402.
(6) - الإصحاح: 35 من سفر التكوين، تذكر التوراة أن ليئة وراحيل امرأتي يعقوب بنتا لابان الأرامي وأن راحيل ام يوسف ماتت حين وضعت بنيامين.
(7) - الإصحاح: 37 من سفر التكوين.
(8) - الميزان: ج11، ص260، الأمثل موضع الآيات.

 

   القرآن في نهج البلاغة

تَعَلَّمُوا اَلْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ اَلْحَدِيث



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له: «إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ اَلْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اَلْإِيمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ اَلْإِسْلاَمِ وَكَلِمَةُ الْإِخْلاَصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَابِ وَحَجُّ اَلْبَيْتِ وَاعْتِمَارُهُ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَيَرْحَضَانِ الذَّنْبَ وَصِلَةُ اَلرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ فِي اَلْمَالِ وَمَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ وَصَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ وَصَدَقَةُ الْعَلاَنِيَةِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ وَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِي مَصَارِعَ الْهَوَانِ أَفِيضُوا فِي ذِكْرِ اَللَّهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ وَارْغَبُوا فِيمَا وَعَدَ الْمُتَّقِينَ فَإِنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ الْوَعْدِ وَاقْتَدُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُمْ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْهَدْيِ وَاسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَهْدَى اَلسُّنَنِ وَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ اَلْحَدِيثِ وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ اَلْقُلُوبِ وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ اَلصُّدُورِ وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ اَلْقَصَصِ وَإِنَّ الْعَالِمَ اَلْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالْجَاهِلِ اَلْحَائِرِ اَلَّذِي لاَ يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ بَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ وَاَلْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ وَهُوَ عِنْدَ اَللَّهِ أَلْوَمُ» (1) .
 

الشرح:

قال (عليه السلام): «إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ اَلْمُتَوَسِّلُونَ» أي: تقرّب به المتقربون، فكل ما تتقرب به إلى الآخر يسمى توسلا ووسيلة، وقد نبّه تعالى عليه بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ (2) .
ثم أشار الإمام في هذه الخطبة إلى أفضل الوسائل لمرضاة اللّه وثوابه، وهي:
 

1 - «إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اَلْإِيمَانُ بِهِ» (الْإِيمَانُ بِهِ) جعله (عليه السلام) أوّل الوسائل لأنّه الأصل، قال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (3). وهو أصل الأصول كلها، والإيمان النظري مجرد اعتقاد، أما الإيمان الواقعي فهو الاعتقاد مع العمل، وإلا يكون الإيمان شجرة بلا ثمرة، قال الإمام (عليه السلام): بالإيمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يستدل على الإيمان، وفي الحديث: الإيمان إقرار باللسان، وعقد في القلب، وعمل في الأركان.
 

2 - «وَبِرَسُولِهِ» والإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إيمان بالإنسانية وقيمها، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (4) . وقال في تحديد رسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (5) .
وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

3 - «وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ الْإِسْلاَمِ» وكلمة الذروة بالكسر والضم أي: أعلى، تشير إلى أنه لولا الجهاد ما ارتفع للإسلام راية، ولا كان له عين وأثر، بل الإسلام في جوهره جهاد من أجل الحرية، وثورة على الفوارق والعبودية، وعلى الاستغلال والمراباة.. قضى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة يدعو إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة ثلاث عشرة سنة، فتألبت عليه قوى السلب والنهب، فقضى عليها بالمؤاخاة والجهاد، ولما تفرق المسلمون أيدي سبأ، وتركوا الجهاد عادت قوى السلب تسرح وتمرح، وضعف الإسلام تبعاً لتخاذل أهله وأتباعه، ولم يبق منه إلا الاسم، وشعارات ترفع من المآذن والمنابر، ومؤتمرات تعقد هنا وهناك تسطر الكلام وتنشره في الصحف، ثم يلفظ مع القمامة. ومن أقوال الإمام (عليه السلام): من ترك الجهاد رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذل، وسيم الخسف، ومنع النصف.
ومن الجهاد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ومنه جهاد النفس قال تعالى: ﴿... وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (6) .
 

4 - «وَكَلِمَةُ الْإِخْلاَصِ فَإِنَّهَا اَلْفِطْرَةُ» وهذه الكلمة هي دعوة الأنبياء جميعاً من غير استثناء: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ﴾ (7) . وليس المراد بكلمة الإخلاص النطق بلا إله إلا اللّه، وإنما المراد ما تمليه من التعبد له، والتوكل عليه وحده، لا على المال والجاه، ولا على الأحساب والأنساب، أو الفهم والعلم، فإنَّ هذه وغيرها ليست بآلهة تعبد، ولا بشيء يذكر.
روى (ثواب الأعمال) عن الصادق (عليه السلام): من قال لا إله إلاّ اللّه مخلصاً دخل الجنّة واخلاصه بها أن (تحجزه) (لا إله إلاّ اللّه) عمّا حرّم اللّه.
وروي عن حذيفة: لا تزال (لا إله إلاّ اللّه) ترد غضب الرب عن العباد ما كانوا لا يبالون ما انتقص من دنياهم إذا سلم دينهم، فاذا كانوا لا يبالون ما انتقص من دينهم إذا سلمت دنياهم ثم قالوها ردت عليهم وقيل كذبتم ولستم بها صادقين.
أما كلمة الفطرة التي فطر اللّه الناس عليها، فهي إشارة إلى أن الإنسان بفطرته وطبيعته يستجيب لعقيدة التوحيد ولا يرفضها، بل يستجيب لكل مبدأ من مبادىء الإسلام، وكل قيمة من قيمه، وأي عاقل يرفض العلم ومنافعه، والسلم وفوائده، ويرحب بالاستغلال والجبروت والتفرقة بين الناس؟.
 

5 - «وَإِقَامُ الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ» أي: الدين والشريعة. لأن عقيدة الإسلام تقوم على الشهادة للّه بالوحدانية، ولمحمد بالرسالة، والصلاة مظهر للشهادتين معا: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .. أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله». وكلام أهل البيت (عليه السلام) يومىء إلى أن من ثمرات الصلاة وحكمتها أن لا ينقطع المسلم عن نبيّه في صباح ومساء.
ومما روى (الكافي) في فضل الصلاة عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربهم ما هو؟ فقال: ما علم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ألا ترى أن العبد الصالح عيسى بن مريم (عليه السلام) قال: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾ (8) .
وعنه (عليه السلام): أحب الاعمال إلى اللّه عزّ وجل الصلاة وهي آخر أوصياء الأنبياء. وعنه (عليه السلام): إذا قام المصلّي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض وحفّت به الملائكة، وناداه ملك لو يعلم هذا المصلّي ما في الصلاة ما انفتل.
 

6 - «وَإِيتَاءُ اَلزَّكَاةِ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ» ما دام في المجتمع غني وفقير فالزكاة ضريبة يفرضها التعاون والضمان الاجتماعي، ولكن البعض تحذلق وقال: إن فريضة الزكاة معناها الاعتراف بالفقر، وإنه حتم لا بد منه، وكان الأجدر بالإسلام أن يقتلعه من الجذور، ويوجد مجتمعاً لا فقر فيه على الإطلاق.
والإجابة أولاً: بأن تغيير الأوضاع ومحو الفقر من الأساس لا يكون بجرة قلم، ودون أن يمر بالعديد من المراحل، وإذن فلا بد أن نخضع للواقع، ونداوي الحاضر بالحاضر حتى تسمح الظروف، وماذا نصنع بالمرضى والجائعين في مجتمع يسوده فساد الأوضاع؟ هل ننتظر حتى تصلح الأمور، أو نشرع قانونا يضمن الحياة إلى أن تتبدل الأحوال بالجد والاجتهاد؟

ثانيا: إن مصرف الزكاة لا ينحصر بالفقراء، بل يتعدّاهم إلى مشروعات الخير، وما فيه للناس صلاح كما هو المفهوم من كلمة «سَبِيلِ اللَّهِ» من سورة التوبة.
روى (الكافي) في فرض الزكاة عن الصادق (عليه السلام): ما فرض اللّه على هذه الأمة شيئا أشدّ عليهم من الزكاة، وفيها تهلك عامتهم.
وروي عمّن منع زكاته عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بينا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد إذ قال: قم يا فلان ويا فلان حتى عد خمسة فقال: أخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه وأنتم لا تزكون.
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام): من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً. وعنه (عليه السلام): من منع قيراطاً من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم، وهو قوله تعالى: ﴿... رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾ (9).
 

7- «وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ اَلْعِقَابِ». قد يرى البعض أن الصوم ليس إلا عملا سلبياً.. أجل، ولكن في هذا السلب حكمة وإيجاب، وهو انتصار الإنسان على نفسه، وتمرينه على كبح الشهوات والأهواء، ولو أطلق الإنسان العنان لأهوائه لكانت الحياة ناراً وجحيماً.
روى (الكافي) في فضل الصوم عن علي بن عبد العزيز قال قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام): ألا أخبرك بأصل الإسلام وفرعه وذروته وسنامه؟ قلت: بلى، قال: أصله الصلاة وفرعه الزكاة وذروته وسنامه الجهاد في سبيل اللّه، ألا أخبرك بأبواب الخير أن الصوم جنّة.
وعنه (عليه السلام): إن للّه تعالى في كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار، إلا من أفطر على مسكر، فاذا كان في آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه.
 

8 - «وَحَجُّ الْبَيْتِ وَاِعْتِمَارُهُ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَيَرْحَضَانِ الذَّنْبَ» أي: يغسلان الذنب فيزيلانه. تكلم كثيرون عن منافع الحج وحكمته، ووضع بعضهم فيها رسالة خاصة، وأكثر ما قيل كلام مكرور ومعاد لفظا ومحتوى، وعلى أية حال نعطف على أقوالهم هذا الخاطر الذي لاح لنا الآن: أن للحج فوائد منها أنه يقول لأعداء الإسلام لا تحسبوا أن شمسه قد غربت، وأضواءه قد خبت، فها هم المسلمون يعلنون عن وجود الإسلام بالهرولة في المسعى، وتبديل الملابس بالأكفان أو ما يشبهها، وبالطواف بالأقدام، والتجاذب حول الحجر الأسود، والنشيد والهتاف بالأفواه «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْك، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والْمُلْك، لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْك».
 

ولكن هل نغيظ العدو بهذه المظاهرة، وهو يحتل من أرضنا ما أحب وأراد،ويشعل النيران في المسجد الأقصى، ويحرّف كتاب اللّه عن معناه وعلى هواه، ويقتل الفلسطينيين بيد الرجعية والخيانة، ويذل كل عربي ومسلم في شرق الأرض وغربها؟. وأيضا هل نغيظ العدو بالمؤتمرات «الإسلامية والأدبية والشعرية» وبالاجتماعات الكبرى على مستوى الملوك والرؤساء، أو وزراء الخارجية، وبالخطب والقصائد؟.. حجوا أيها المسلمون، وصلّوا وصوموا فإن اللّه لا يتقبل منكم ولن يتقبل ما دمتم أذلاء صاغرين أمام عدوه وعدوكم.
روى (الكافي) في فضل الحجّ وعمرته، عن إسحاق بن عمّار قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إني قد وطّنت نفسي على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسي أو برجل من أهل بيتي بمالي فقال: وقد عزمت على ذلك؟ قلت نعم قال: إن فعلت فايقن بكثرة المال.
 

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يحالف الفقر والحمى مدمن الحج والعمرة. وعن الصادق (عليه السلام): تابعوا بين الحج والعمرة فانهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد.
وعنه (عليه السلام): الحجاج يصدرون على ثلاثة أصناف: صنف يعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، وصنف يحفظ في أهله وماله فذلك أدنى ما يرجع به الحاج.

9 - «وَصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ وَمَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ» يقول تعالى: ﴿... وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ (10). «فانها» أي: الصلة. «مثراة» أي: مكثرة. «في المال ومنساة» أي: مؤخرة. «للأجل» وموجبة لطول العمر.

قد يكون مراد الإمام (عليه السلام) الزيادة في المال والعمر من حيث الكم أي أن صلة الرحم تزيد في أيام العمر وعد النقود حقيقة وواقعاً، وليس هذا بمستحيل في حكم العقل، وقد تكون الزيادة من حيث الكيف أي أن صلة الرحم تجعل الدرهم الواحد أكثر نفعا وبركة من مئة درهم، واليوم الواحد من العمر يعمل فيه المرء عملاً صالحاً خيراً من ألف يوم يذهب سدى.
 

روى (الكافي) في صلة أرحام عن أبي جعفر (عليه السلام): صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتنسىء في الأجل.
وعن الرضا (عليه السلام): يكون الرجل يصل رحمه، فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها اللّه ثلاثين ويفعل اللّه ما يشاء.
وعن الصادق (عليه السلام): صلة الرحم وحسن الجوار يعمّران الديار ويزيدان في الأعمار. وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من سرّه النسأ في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه وأن القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة فيصلون أرحامهم فتنمى أموالهم وتطول أعمارهم فكيف إذا كانوا أبراراً بررة.
 

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): من سرّه أن يمد اللّه في عمره وأن يبسط له في رزقه، فليصل رحمه فإن الرحم لها لسان يوم القيامة ذلق يقول يا رب: صل من وصلني واقطع من قطعني، فالرجل ليرى بسبيل خير حتى إذا أتته الرحم التي قطعها فتهوى به إلى أسفل قعر في النار.
وعن الصادق (عليه السلام): صلة الرحم تهوّن الحساب يوم القيامة وهي منسأة في العمر وتقي مصارع السوء.
وعنه (عليه السلام): إني أحب أن يعلم اللّه أني قد أذللت رقبتي في رحمي وأني لأبادر أهل بيتي أصلهم قبل أن يستغنوا عني.
وعنه (عليه السلام) وقع بينه وبين عبد اللّه بن الحسن كلام فافترقا فغدا (عليه السلام) على باب عبد اللّه فخرج عبد اللّه إليه (عليه السلام) فقال (عليه السلام) له: إني تلوت آية من كتاب اللّه البارحة فأقلقتني قال وما هي؟ قال: قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ (11) . قال صدقت وكاني لم أقرأ هذه الآية فاعتنقا وبكيا.
 

10 - «وَصَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ» لأن حسناتها تتغلب على سيئات العديد من الخطايا والذنوب، قال تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (12).

وروى (الكافي) في صدقة السر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): صدقة السر تطفىء غضب الرب.
«وَصَدَقَةُ الْعَلاَنِيَةِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ» كمن ينهار عليه نفق فيموت خنقاً، أو تلتهب فيه النيران فيهلك حرقاً، أو يغرق فتأكله الأسماك، ونحو ذلك.. ولا يصح التأويل هنا والاجتهاد لأن اللفظ لا يحمل إلا معناه.

روى (الكافي) في فضل الصدقة عن الباقر (عليه السلام): البر والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر ويدفعان عن سبعين ميتة سوء.
وعن الصادق (عليه السلام): داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا البلاء بالدعاء، واستنزلوا الرزق بالصدقة فانها تفك من بين لحى سبعمئة شيطان كلّهم يأمره ألا يفعل.
وعن محمد بن عمر بن يزيد، أخبرت الرضا (عليه السلام) أني أصبت بابنين وبقي لي بني صغير، فقال: تصدّق عنه ثم قال: حين حضر قيامي مر الصبي فليتصدق بيده بالقبضة والكسرة والشيء وإن قل.
 

11 - «وَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِي مَصَارِعَ الْهَوَانِ». وهذا مثل صدقة العلانية تدفع ميتة السوء، ولكنه من باب عطف العام على الخاص لأن المعروف أعم من صدقة العلانية.

روى (الكافي) في صنائع المعروف عن الصادقين عليهما السلام: إنها تدفع مصارع السوء.

وروى في فضل المعروف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أوّل من يدخل الجنة المعروف وأهله وأوّل من يرد على الحوض. وعن الصادق (عليه السلام): أقيلوا لأهل المعروف عثراتهم فإن كف اللّه تعالى عليهم هكذا وأومأ بيده كأنّه يظل بها شيئاً.
 

وروى الكافي في (باب كون أهل معروف الدنيا أهل معروف الآخرة) عن الصادق (عليه السلام) قال: إن للجنّة باباً يقال له المعروف، لا يدخله إلاّ أهل المعروف، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وزاد في خبر آخر يقال لهم: إن ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم.
 

12 - «أَفِيضُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ» أي: اندفعوا فيه، وتوسلوا إليه تعالى بالإقبال عليه، والتضرع له، ولا وزن للذكر إلا إذا ترجم عن القلب وما فيه من يقين وإخلاص، قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (13). وقال: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (14).
 

روى الكافي في (باب ما يجب من الذكر) عن الصادق (عليه السلام): ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجّار فيقومون على غير ذكر اللّه تعالى إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة.
وعنه (عليه السلام) قال: قال الله عزَّ وجل: يا ابن آدم اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملئك.
وعنه (عليه السلام) قال تعالى: من ذكرني في ملأ من الناس ذكرته في ملأ من الملائكة.
 

وروى في (باب ذكره تعالى كثيراً) عنه (عليه السلام) قال: ما من شيء إلاّ وله حد ينتهي إليه إلاّ الذكر فليس له حد إلى أن قال ثم تلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ (15) قال ابن القداح: لقد كنت أمشي معه (عليه السلام) وإنّه ليذكر اللّه وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر اللّه ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر اللّه وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلاّ اللّه وكان يجمعنا ويأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر ومن يقرأ يأمره بالقراءة وقال: البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر اللّه تعالى فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر اللّه تعالى فيه تقلّ بركته وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأرفعها، في درجاتكم، وأزكاها عند مليككم؟ قالوا بلى قال: ذكر اللّه تعالى.
 

وعنه (عليه السلام) جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال أكثرهم ذاكرا للّه. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): من أكثر ذكر اللّه أحبّه اللّه ومن ذكر اللّه كثيراً كتبت له برائتان: براءة من النار وبراءة من النفاق.
وعنه (عليه السلام): يموت المؤمن بكلّ ميتة إلاّ الصاعقة لا تأخذه وهو يذكر اللّه تعالى.
وعنه (عليه السلام) يقول تعالى: من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي من سألني. وعنه (عليه السلام) قال: من ذكرني سرّاً ذكرته علانية. وقال في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً  ...﴾ (16) فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غيره تعالى.
وعنه (عليه السلام): الذاكر للّه تعالى في الغافلين كالمقاتل في الهاربين.
 

«وَارْغَبُوا فِيمَا وَعَدَ الْمُتَّقِينَ» من الثواب ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً﴾ (17) ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً﴾ (18) ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾ (19) . كل من آمن باللّه فهو مؤمن أيضا بأن وعده تعالى حق وصدق وإلا كان من الجاحدين، وغرض الإمام (عليه السلام) أن يكون المؤمن أعمق إحساسا وأكثر عملا.
«فَإِنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ اَلْوَعْدِ» ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (20) وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ (21) .
 

«وَاقْتَدُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُمْ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْهَدْيِ» إن سيرة النبي وهديه حجة للّه على خلقه، أما كتب الأخلاق والقوانين، وأسفار العلوم والفلسفة، وإجماع العلماء وسيرة العقلاء فما هي بشيء إلا ما وافق منها كتاب اللّه وسنّة نبيّه الكريم، وهذا مراد الإمام من قوله «أفضل وأهدى» أي خذوا بما قال النبي وفعل، لا بما قال الناس وفعلوا.
«وَاِسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَهْدَى اَلسُّنَنِ» ﴿... لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (22) . ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ (23) ﴿... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ﴾ (24) .
 

«وَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ» «تعلموا وتفقهوا، واستشفوا وأحسنوا» كلمات تصر وتؤكد على العلم والعمل بالقرآن، وعلى المعاني لا على الألفاظ، وعلى التدبر لا على التغني، وعلى فهم الحلال والحرام، وتمييز الحق من الباطل، والخوف من تهديد اللّه ووعيده.. إن اللّه سبحانه ما أنزل القرآن لنكون أوعية له، أو لنطبعه ونجلده، بل لنصغي إلى دعوته، ونسير على نهجه.
 

روى الكافي فِي (فضل حامل القرآن) عن الصادق (عليه السلام): الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: تعلّموا القرآن إلى أن قال فيؤتى يوم القيامة بتاج فيوضع على رأسه ويعطى الأمان بيمينه، والخلد في الجنان بيساره، ويكسى حلتين ثم يقال له اقرأ وارق، فكلّما قرأ آية صعد درجة، ويكسى أبواه حلتين إن كانا مؤمنين، ثم يقال لهما هذا بما علمتماه القرآن.

«وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ» وذم تعالى أقواماً لا يتدبرون فيه فقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (25).

وروى (الكافي) فِي فضل القرآن عن الصادق (عليه السلام)، قال: إن هذا القرآن فيه منار الهدى، ومصابيح الدجى، فليجل جال بصره، ويفتح للضياء نظره، فإن التفكّر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور.
 

«وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ» من الأمراض الأخلاق الرذيلة، ومنها الظاهرية والباطنية ومنها الحسيّة والعقليّة. وفي (الكافي) عنه (عليه السلام) شكا رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعاً في صدره، فقال استشف بالقرآن فانّه تعالى يقول: ﴿... وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾ (26) .

«وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ» يعني أنه لما كان أحسن القصص وأنفعها للبشر كما يرشد إليه قوله تعالى:
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ، لا جرم ينبغي أن يحسن تلاوته وأن يتلى حقّ التلاوة بحسن التّدبّر والنظر لتدرك منافع قصصه وتنال بها فيها من الفوائد العظيمة. أما أنفعيته قصصا فروى الكافي في (قراءة القرآن) عن الصادق (عليه السلام): القرآن عهد اللّه إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كلّ يوم خمسين آية.
 

وعن السّجاد (عليه السلام): آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها). وأما إحسان تلاوته فروي في ترتيله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فانّه سيجيء بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغنا والنوح والرهبانية لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، وقلوب من يعجبه شأنهم. أيضا مقلوبة.
وعن الصادق (عليه السلام): إن القرآن نزل بالحزن فاقرأوه بالحزن. وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لكلّ شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن.
روى في الكافي باسناده عن عبد اللَّه بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن قول اللَّه عزّ وجلّ: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): بيّنه تبيانا ولا تهذّه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرّمل ولكن أفرغوا قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السّورة.
 

«وَإِنَّ اَلْعَالِمَ اَلْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ» روى (الكافي) في استعمال العلم عن الفضل، قال: قلت للصادق (عليه السلام) بم يعرف الناجي؟ قال: من كان فعله لقوله موافقا فاثبت له الشهادة ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع.

وعن هاشم بن البريد، قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فسأله عن مسائل فأجاب ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال (عليه السلام): مكتوب في الإنجيل، لا تطلبوا علم ما لا تعلمون، ولمّا تعملوا بما علمتم فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلاّ كفراً ولم يزدد من اللّه إلاّ بعدا.
وعن الصادق (عليه السلام): إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا.
 

«كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ اَلَّذِي لاَ يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ» يقال: أفاق المجنون واستفاق إذا رجع إليه عقله من جهله، فيكون كالمجنون الإطباقي لا الأدواري.
وفي (الكافي) عن الصادق (عليه السلام): العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق لا يزيده سرعة السير إلاّ بعدا.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح.
 

«بَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ» لانقطاع معذرته بمعرفته وعدم تمكّنه من أن يعتذر ويقول: إنّا كنّا عن هذا غافلين، روي عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنه قال: يا حفص يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد.
 

«وَاَلْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ» إنّ النفوس الجاهلة غير عالمة بمقدار ما يفوتها من الكمال بالتفصيل فإذا فارقت أبدانها فهي وإن كانت محجوبة عن ثمار الجنّة وما أعدّها اللَّه فيها لأوليائه العلماء، إلاّ أنها لما لم تجد لذّتها ولم تطعم حلاوة المعارف الإلهية لم تكن لها كثير حسرة عليها ولا أسف على التقصير في تحصيلها، بخلاف العارف بها العالم بنسبتها إلى اللّذات الدّنيويّة، فانّه بعد المفارقة إذا علم وانكشف له أنّ الصارف له والمانع عن الوصول إلى حضرة جلال اللَّه هو تقصيره في العمل بما علم مع علمه بمقدار مافاته من الكمالات والدّرجات، كان أسفه وحسرته على ذلك أشدّ الحسرات، وجرى ذلك مجرى من علم قيمة جوهرة ثمينة تساوي جملة من المال ثمّ اشتغل عن تحصيلها ببعض لعبه فإنّه يعظم حسرته عليها وندمه على التفريط فيها بخلاف الجاهل بقيمتها.
 

«وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَلْوَمُ» أي: أحق باللوم من الجاهل. وشدّة اللاّئمة مساوق لشدة العقوبة، وهو باعتبار أنّ عدم قيامه بوظائف علمه واتّباعه هواه كاشف عن منتهى جرأته على مولاه، فبذلك يستحقّ من اللوم والعتاب والخزي والعذاب ما لا يستحقّه غيره ممّن ليس له هذه الجرأة، فهو عند اللَّه أشد لوماً وعتاباً، وأعظم نكالاً وعقاباً.
وفي (الكافي) عن الصادق (عليه السلام): يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد. وقال عيسى (عليه السلام): ويل للعلماء السوء كيف تلظى عليهم النار.
وعنه (عليه السلام): إذا بلغت النفس ههنا وأشار بيده إلى حلقه لم يكن للعالم توبة ثم قرأ: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ...﴾ (27) .
 

مراتب التّوبة:

ذكر علماء الأخلاق، درجات ومراتب مختلفة للتّوبة والتّائبين.
 

ويمكن تقسيم التّائبين من جهة، إلى أربعة أقسام:
 

القسم الأوّل: اُولئك التّائِبون الذين لا يقلعون عن الذنوب، ولا يتأسفون على ما فعلوا، حيث وقفوا عند مرحلة النّفس الأمّارة، وعاقبتهم غير معلومة أصلاً، فَمِن المُمكن أن يعيش حالةَ التّوبة في آخر أيّام حياته، وتكون عاقبته الحُسنى، ولكنّ الطامّة الكبرى، عندما يتفق موتهم مع معاودتهم للذنب، وهناك ستكون عاقبتهم السّوأى، وفيها الخُسران الأبدي.
 

القسم الثاني: التّائبون بحق الّذين يستمرون في طريق الحقّ والطّاعة، ويتحرّكون في خطّ الاستقامة، ولكن الشّهوات تغلبهم أحياناً، فيكسرون طوق التّوبة، ويرتكبون بعض الذّنوب، من موقع الشّعور بالضّعف أمامها، ولكنّهم لا يقعون في هذا الخطأ، من موقع الّتمرد والجُحود والعِناد، على وعي الموقف، بل من موقع الغفلة والاندفاع العفوي في حالات الضّعف، الّتي تفرزها حالات الصّراع مع النّفس الأمّارة، ولهذا يحدثون أنفسهم بالتّوبة من قريب، هؤلاء الأشخاص وصلوا إلى مرحلة النّفس اللّوامة، والأمل بنجاتهم أقوى.
 

القسم الثّالث: التوّابون الذين يجتنبون كَبائِر الإثم، ويتمسّكون باُصول الطّاعات، ولكنهم قد يقعون في حبائل المعصية، لا عن قصد وعمد، ولذلك يتوبون مباشرةً عن الذّنب، فيلومون أنفسهم ويعزمون على التّوبة والعودة إلى خطّ الاستقامة باستمرار، ويعيشون حالة الابتعاد عن الذّنب دائماً.
النّفس اللّوامة لهذه المجموعة، مهيمنةٌ عليهم، ويعيشون على مقربة من النّفس المُطمئنّة، والأمل بنجاتهم أكبر.
 

القسم الرابع: التّوابون بعزم وقوة إرادة، في طريق الطّاعة لله تعالى، فلا تهزّهم العَواصف التي تفرضها حالات الصّراع مع الخَطيئة، ولا يخرجون من أجواء التّقوى، صحيح أنّهم ليسوا بمعصومين، ولَرُبّما فكّروا بالمعصية، ولكنّهم محصّنين مُبعدين عنها، فَقِوى الإيمان والعقل عندهم، سَلبت هوى النّفس فاعليّته في واقعهم الباطني، وكبّلته بالسّلاسل الغلاظ، في خطّ التّزكية والجهاد الأكبر، فلا سبيل للشّيطان والأهواء عليهم.
فاُولئك هم أصحاب: «النّفوس المطمئنّة»، الذين نعتتهم الآيات (27 إلى 30) من سورة الفَجر، و خُوطِبوا بأبلغ خِطاب، فقال عزَّ من قائل:: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ (28) .
 

وتوبةُ الأولياء من تلوين الخطرات. والخَواص من الاشتغال بغير الله. وتوبة العوام من الذّنوب. وكلّ واحد منهم، يشتمل على نوع من المعرفة والعلم، في أصل توبته، ومُنتهى أمره (28) (29) .


(1) - الخطبة (106) من خطب نهج البلاغة.
(2) - سورة المائدة، الآية: 35.
(3) - سورة البقرة، الآية: 285.
(4) - سورة الأنبياء، الآية: 107.
(5) - سورة الأعراف، الآية: 157.
(6) - سورة المائدة، الآية: 35.
(7) - سورة الأنبياء، الآية: 25.
(8) - سورة مريم، الآية: 31.
(9) - سورة المؤمنون، الآيتان: 99 - 100.
(10) - سورة النساء، الآية: 1.
(11) - سورة الرعد، الآية: 21.
(12) - سورة البقرة، الآية: 271.
(13) - سورة فاطر، الآية: 10.
(14) - سورة ق، الآية:18.
(15) - سورة الاحزاب، الآيتان: 41 - 42.
(16) - سورة الاعراف، الآية: 205.
(17) - سورة مريم، الآية: 63.
(18) - سورة مريم، الآية: 85.
(19) - سورة مريم، الآيتان: 71 - 72.
(20) - سورة النساء، الآية: 122.
(21) - سورة التوبة، الآية: 111.
(22) - سورة الاحزاب، الآية: 21.
(23) - سورة النجم، الآيتان: 3 - 4.
(24) - سورة الحشر، الآية: 7.
(25) - سورة محمد، الآية: 24.
(26) - سورة يونس، الآية: 57.
(27) - سورة النساء، الآية: 17.
(28) - أهم المصادر: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، في ظلال نهج البلاغة، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.
(29) - بقلم: الشيخ فادي الفيتروني.

 

   الأخلاق في القرآن

التوبة على ضوء الآيات
 

قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ .

وقال عزّ من قائل:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ .

وقال عزّ وجلّ: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ الفرقان.

وقال عزّ اسمه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُواْ إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الزمر.
 

إنّ آيات التوبة في القرآن كثيرة، واختيار هذه الآيات الأربع بالذات لبدء الحديث في التوبة لنكات خاصّة بها:
 

أما الآية الأُولى فالنكتة الخاصّة بها هي ما ورد فيها، من أنّ اللَّه تعالى فرض على نفسه التوبة على العبد التائب حيث قال: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ وكلمة (على) تعطي معنى الوجوب، فلاحظ رحمة الربّ - تعالى - الذي لا يجب عليه عقلاً قبول التوبة؛ لأنّ العبد العاصي بعد أن خالف نظام العبودية فهو لا محالة يستحق جزاء عمله، وليست التوبة ماحية لاستحقاقه، ولكنّك تقف إعظاماً وإكباراً للرحمة البارزة في هذه الآية الشريفة؛ إذ فرض اللَّه - تعالى - قبول التوبة أمراً واجباً على نفسه، وكأنّ عبده المذنب له حقّ دلالٍ على الربّ - تبارك وتعالى - يطالبه بما أوجبه على نفسه من المغفرة والرحمة والتوبة عليه.
 

ولعل السبب في هذا - بعد وضوح سعة رحمته التي ستظهر في يوم القيامة حتى يطمع إبليس فيها - واضح، وهو: أنّ فرض العقاب على ذنوب العباد لم يكن بهدف التشفّي من العبد تعالى اللَّه عن ذلك علوّاً كبيراً، بل كان بهدف جعله رادعاً للعبد عن الهلاك وسقوطه في وادي الضلال وفي رذائل النفس وقبائح الأعمال، ومحفّزاً له على تزكية نفسه وتنمية الفضائل في ذاته، وتكميله في سلّم المعنويات بقدر قابليته، هذا بالنسبة لغير الخبيث الذي وصل استحقاقه للعقاب لولا أن يتوب إلى حدّ لا يكون قابلاً للعفو عنه، أمّا بالنسبة لهذا فهناك ملاك آخر للعقاب زائداً على ما مضى لسنا الآن بصدد شرحه. فإذا تاب العبد وأناب إلى ربّه فقد طهّر نفسه، واستعاد حسن سريرته، وبدأ يرقى مرقى الكمال، فقد تحقّق الهدف الذي كان كامناً من وراء فرض العقاب، فالربّ تعالى يكون -عندئذ - أعلى وأجل من أن يعاقبه، وهو تبارك وتعالى قد فرح - إن صحّ التعبير- بحصول الهدف المنشود، وهو: هداية العبد. فقد ورد في الحديث عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام): ألا إنّ اللَّه أفرح بتوبة عبده حين يتوب من رجل ضلّت راحلته في أرض قفر وعليها طعامه وشرابه، فبينما هو كذلك لا يدري ما يصنع ولا أين يتوجه حتى وضع رأسه لينام فأتاه آتٍ فقال له: هل لك في راحلتك، قال: نعم، قال: هو ذه فاقبضها، فقام إليها فقبضها، فقال أبو جعفر (عليه السلام): واللَّه أفرح بتوبة عبده حين يتوب من ذلك الرجل حين وجد راحلته).

وأمّا الآية الثانية وهي قوله: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ... ﴾ فالنكتة في اختياري لذكرها هنا هي: الحديث الوارد في ذيل تفسير هذه الآية عن الصادق (عليه السلام) قال: (لما نزلت هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً ... ﴾ صعد إبليس جبلاً بمكّة يقال له: ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا لِمَ دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا، فقال: لست لها. فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها. فقال الوسواس الخناس: أنا لها، فقال: بماذا؟ قال: أعدهم وأُمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فاذا واقعوا الخطيئة أُنسيهم الاستغفار، فقال: أنت لها. فوكّله بها إلى يوم القيامة).
 

وأمّا الآية الثالثة وهي قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ...﴾ فكانت النكتة في اختيارها لبدء الحديث بالتوبة ما في هذه الآية ممّا يقف العقل أمامه إعظاماً وإكباراً لرحمة الربّ؛ إذ لم يذكر فيها مجرّد عفو اللَّه -تعالى - عن ذنوب التائبين، بل ذكر تبديل سيائتهم حسنات، فأيّ رحمة هذه التي لا تقتصر على ترك العقاب، بل تبدّل السيئة حسنة، وتبدّل العقاب ثواباً؟! ولعلّ تفسير الآية يكون أنسب بالقول بتجسّم الأعمال، فبدلاً عن أن يُروا أعمالهم السيئة سيئات يُرونها حسنات. وقد ورد في الحديث عن الباقر (عليه السلام) قوله: ويستر عليه من ذنوبه ما يكره أن يوقفه عليها قال: ويقول لسيّئاته كوني حسنات قال: وذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: ﴿... فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ .

وقد يقول القائل: إذن فلنرتكب السيئات حتى نتوب بعد ذلك، وبهذا تزداد حسناتنا.
 

ولكن صاحب هذا الكلام غفل أوّلاً عن عدم ضمانٍ لنفي مباغتة الموت قبل التوبة. وثانياً عن أنّ ترك الذنب أهون من التوبة، ولا يعلم أنّه سيتوفق إلى التوبة لو أذنب، فإنّ الندم الذي هو أوّل شرائط التوبة لا يتحقّق بسهولة، فضلاً عن باقي شرائطها التي تتلو النَدَم. وقد ورد عن الصادق (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة. وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً، والموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لبّ فرحاً). وثالثاً عن أنّ تبدّل السيئات حسنات لا يعني أنّ المذنب إذن صار أكثر ثواباً من غير المذنب؛ لانضمام سيئاته إلى حسناته؛ وذلك لأنّ الحسنات التي تعطى لتارك الذنوب بسبب تركه للذنوب أو بسبب رحمة الرب لا تقاس بالتي تعطى للتائب، ومن الباطل عقلاً أن يكون التائب من الذنب أفضل من المتحرّز من الذنب.
 

وأمّا الآية الرابعة وهي قوله تعالى: ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ...﴾ فالسبب لاختيارها بدء الحديث بذكرها ما فيها من العموم الواضح الدال على غفران جميع الذنوب بلا استثناء، وبما فيها أشدّ الذنوب، وهو: الشرك، أمّا ما تراه من استثناء الشرك في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ...﴾ فذلك ناظر إلى المغفرة من دون توبة، في حين أن قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ...﴾ ناظر إلى المغفرة على أثر التوبة. والشاهد الداخلي على ذلك من نفس الآية قوله تعالى بعدها مباشرة: ﴿وَأَنِيبُواْ إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ (1) .
 

وهناك أمور ترتبط في مسألة التوبة سنبحثها بأعداد لاحقة إن شاء الله.


(1) - الأخلاق في القرآن: 203.

 

   الجهاد في القرآن الكريم

لزوم الجهاد
والتضحية بالدم والنفس في سبيل الله

 

البحث الآن ينصب على الآيات التي تدل على لزوم الجهاد ووجوبه عديدة منها: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾  (1) .

اللغة:

* كُتِبَ: بمعنى فُرضَ ووجبَ.
* كُرْهٌ: الكره بالفتح المشقة التي تحمل على النفس والكره بالضم المشقة حمل على النفس أو لم يحمل وقيل الكره الكراهة والكره المشقة وقد يكره الإنسان ما لا يشق عليه وقد يشق عليه ما لا يكرهه.
* خَيْرٌ: نقيض الشر والخير النفع الحسن.
* شَرٌّ: الشر الضرر القبيح وهذا هو الأصل.

التضحية بالنفس والمال:

هذه الآية تدور حول التضحية بالدم والنفس في سبيل الله، فالآيتان يقترن موضوعهما في ميدان التضحية والفداء، فتقول الآية: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ .
التعبير بكلمة (كُتِب) إشارة إلى حتميّة هذا الأمر الإلهي ومقطوعيّته. (كُره) وإن كان مصدراً، إلاّ أنّه استُعمل هنا باسم المفعول يعني مكروه، فالمراد من هذه الجملة أنّ الحرب مع الأعداء في سبيل الله أمر مكروه وشديد على الناس العاديّين، لأنّ الحرب تقترن بتلف الأموال والنفوس وأنواع المشقّات والمصائب، وأمّا بالنّسبة لعشّاق الشّهادة في سبيل الحقّ ومن له قدم راسخ في المعركة فالحرب مع أعداء الحقّ بمثابة الشراب العذب للعطشان، ولاشكّ في أنّ حساب هؤلاء يختلف عن سائر الناس وخاصّةً في بداية الإسلام.
 

ثمّ تشير هذه الآية الكريمة إلى مبدأ أساس حاكم في القوانين التكوينيّة والتشريعيّة الإلهيّة وتقول: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ .
وعلى العكس من تجنّب الحرب وطلب العافية وهو الأمر المحبوب لكم ظاهراً، إلاّ أنّه: ﴿وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ .
 

ثمّ تضيف الآية وفي الختام: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فهنا يؤكّد الخالق جلّ وعلا بشكل حاسم أنّه لا ينبغي لأفراد البشر أن يحكّموا أذواقهم ومعارفهم في الاُمور المتعلّقة بمصيرهم، لأنّ علمهم محدود من كلّ جانب ومعلوماتهم بالنّسبة إلى مجهولاتهم كقطرة في مقابل البحر، وكما أنّ الناس لم يُدركوا شيئاً من أسرار الخِلقة في القوانين التكوينيّة الإلهيّة، فتارةً يهملون شيئاً ولا يعيرونه اهتماماً في حين إنّ أهميّته وفوائده في تقدّم العلوم كبيرة، وهكذا بالنسبة إلى القوانين التشريعيّة فالإنسان لا يعلم بكثير من المصالح والمفاسد فيها، وتارةً يكره شيئاً في حين إنّ سعادته تكون فيه، أو أنّه يفرح لشيء ويطلبه في حين إنّه يستبطن شقاوته.
 

فهؤلاء النّاس لايحقّ لهم مع الالتفات إلى علمهم المحدود أن يتعرضوا على علم الله اللاّمحدود ويعترضوا على أحكامه الإلهيّة، بل يجب أن يعلموا يقيناً أنّ الله الرّحمن الرحيم حينما يُشرّع لهم الجهاد والزكاة والصوم والحجّ فكلّ ذلك لما فيه خيرهم وصلاحهم.
ثمّ إنّ هذه الحقيقة تعمق في الإنسان روح الانضباط والتسليم أمام القوانين الإلهيّة وتؤدي إلى توسعة آفاق إدراكه إلى أبعد من دائرة محيطه المحدود وتربطه بالعالم اللاّمحدود يعني علم الله تعالى.

وهنا أمور ينبغي التوقف عندها:

1 - لماذا كان الجهاد مكروهاً:

وهنا يمكن أن يُطرح هذا السؤال وهو أنّ الجهاد الّذي هو أحد أركان الشّريعة المقدّسة والأحكام الإلهيّة كيف أصبح مكروهاً في طبع الإنسان مع أنّنا نعلم أنّ الأحكام الإلهيّة اُمور فطريّة وتتوافق مع الفطرة، فالمفروض على الاُمور المتوافقة مع الفطرة أن تكون مقبولة ومطلوبة؟ في الجواب عن هذا السؤال يجب الالتفات إلى هذه النقطة، وهي أنّ المسائل والأُمور الفطريّة تتناغم وتوافق مع طبع الإنسان إذا اقترنت بالمعرفة، مثلاً الإنسان يطلب النّفع ويتجنّب الضرر بفطرته، ولكنّ هذا يتحقّق في موارد أن يعرف الإنسان مصاديق النفع والضرر بالنّسبة له، فلو اشتبه عليه الأمر في تشخيص المصداق ولم يُميّز بين الموارد النافعة من الضّارة، فمن الواضح أنّ فطرته ونتيجة لهذا الاشتباه سوف تكره الأمر النافع، والعكس صحيح.
 

وفي مورد الجهاد نجد أنّ الأشخاص السطحيّين لا يرون فيه سوى الضرب والجرح والمصائب، ولهذا قد يكون مكروهاً لديهم وأمّا بالنسبة إلى الأفراد الّذين ينظرون إلى أبعد من هذا المدى المحدود فإنهم يعلمون أنّ شرف الإنسان وعظمته وافتخاره وحريّته تكمن في الإيثار والجهاد، وبذلك يرحّبون بالجهاد ويستقبلوه بفرح وشوق، كما هو الحال في الأشخاص الّذين لا يعرفون آثار الأدوية المرّة والمنفرة، فهم في أوّل الأمر يظهرون عدم رغبتهم فيها، إلاّ أنّهم بعد أن يروا تأثيرها الإيجابي في سلامتهم ونجاتهم من المرض، فحين ذاك يتقبّلوا الدّواء برحابة صدر.

2 - القانون الكلّي:

ما ورد في الآية الشريفة آنفاً لا ينحصر بمسألة الجهاد والحرب مع الأعداء، بل أنّ الآية تكشف عن قانون كلّي وعام، وهو أنّ الآية تجعل من جميع الشدائد والمصاعب في سبيل الله سهلة وميسورة ولذيذة للإنسان بمقتضى قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ .
فعلم الله تعالى ورحمته ولطفه لعباده يتجلّى في كلّ أحكامه المقدّسة فيرى ما فيه نجاتهم وسعادتهم، وعلى هذا الأساس يستقبل المؤمنون هذه الأوامر والأحكام الإلهيّة فيعتبروها كالأدوية الشافية لهم ويطبّقونها بمنتهى الرضا والقبول.
 

3- أحكام مستفادة من الآية:

أ ـ إنّه واجب على الكفاية؛ للأصل، والإجماع، ولانتفاء المسبّب عند انتفاء السبّب. وذهب قوم إلى أنّه واجب على الأعيان; لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن مات ولم يغز، ولم يحدِّث نفسه بغزو، مات على شعبة من نفاق» (2) . وليس بدالّ على مطلوبهم.
ب ـ أن الواجب على الكفاية قد يصير واجباً على الأعيان بحسب الأحوال المقتضية لذلك، وهو هنا إمّا قصور القائمين عن الكفاية، أو تعيين صاحب الأمر، أو غير ذلك.
ج ـ ذهب قوم إلى أنَّ الوجوب مختصٌّ بالصحابة؛ لتوجّه الخطاب إليهم (3) . وهو باطل؛ لعموم قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ .... وَجَاهِدُواْ﴾ (4) ، ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» (5) ، وللإجماع.
د ـ الخيريّة في الجهاد ظاهرة، أمّا في العاجل فالغنيمة والغلبة، ولذّة الظفر والعزّة، وأمّا في الآخرة فالثواب والفوز بمنازل الشهداء، وفي تركه أضداد ذلك من الفقر والذلّة والخذلان والعقاب ودركات الأشقياء (6) (7) .


(1) - سورة البقرة، الآية: 216.
(2) - سنن النسائي: ج6، ص8 / مسند أحمد: ج2: ص374 / صحيح مسلم: ج6، ص49 / سنن أبي داود: ج1، ص562 / المستدرك على الصحيحين: ج2، ص79.
(3) - أحكام القرآن لابن العربي: ج1، ص205، ونسبه إلى عطاء، والأوزاعي.
(4) - سورة الحج، الآيتان: 77، 78.
(5) - أورده في عوالى اللئالى: ج1، ص456، ح 197. وج 2، ص98، ح 270.
(6) - كنز العرفان.
(7) - المصادر الأساسية: الأمثل، مجمع البيان، كنز العرفان.

 

 




سؤال: ماهي أحكام القراءة في الأوليين؟

الجواب:
أ- سورتا {الفيل} و {لإيلاف} بحكم السورة الواحدة، وكذلك سورتا {الضحى} و {ألم نشرح}، فلا يكفي الإتيان بسورة واحدة منها بعد الحمد، لو قرأ سورة {الفيل} أو {ألم نشرح} وحدها جاهلاً بالحكم، فإنّ لم يكن مقصّراً في تعلّم حكم هذه المسألة فصلواته السابقة محكومة بالصحّة.

ب- لا إشكال في قراءة بعض الآيات بعنوان القرآن بعد قراءة الحمد وسورة كاملة في الصلوات اليوميّة الواجبة.

ج- إذا ضاق وقت الصلاة أو خاف من اللص أو السبع أو شيء آخر فيما لو قرأ السورة بعد الحمد، فلا يجب عليه قراءتها حينئذ.

د- لو قرأ السورة قبل الحمد اشتباهاً والتفت إلى ذلك قبل الهوي للركوع يجب عليه قراءة السورة مجدداً بعد الحمد، ولو التفت إلى ذلك حال قراءة السورة تركها وقرأ الحمد ثمّ يقرأ السورة بعدها مجدداً.

هـ- لو نسي الحمد والسورة أو إحداهما وبعد وصوله إلى الركوع التفت إلى ذلك صحّت صلاته.

و- إذا التفت قبل الهوي إلى الركوع إلى أنّه لم يقرأ الحمد والسورة أو السورة فقط يجب عليه قراءتها ثمّ الركوع، ولو التفت إلى أنّه لم يقرأ الحمد فقط يجب عليه قراءتها وقراءة السورة مجدداً، ولو انحنى للركوع وقبل وصوله إلى حدّ الركوع التفت إلى أنه لم يقرأ الحمد والسورة أو إحداهما يجب عليه القيام والعمل بالنحو المذكور في المسألة هنا.

ز- لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الصلاة الواجبة، فلو قرأها عمداً أو سهواً إلى أن وصل إلى آية السجدة فالأحوط وجوباً فيما إذا قرأ آية السجدة أن يسجد سجود التلاوة، ثمّ يقوم ويكمل السورة إن لم تكن كاملة ويعيد الصلاة، وأمّا إذا لم يقرأ آية السجدة فالأحوط وجوباً ترك السورة وقراءة سورة غيرها ويتمّ صلاته ثمّ يعيدها.

ح- لو استمع إلى آية السجدة وهو في الصلاة فصلاته صحيحة ولكنّه يومئ إلى السجود بدلاً من سجود التلاوة.

ط- إذا شرع بعد قراءة الحمد بسورة {الإخلاص} أو {الكافرون} فلا يجوز له ترك قراءتها والعدول إلى سورة أخرى، ولكن لو كان في صلاة الجمعة وشرع في قراءة إحدى السورتين المذكورتين سهواً ونسياناً جاز له العدول عنهما وقراءة سورة {المنافقون} أو {الجمعة}.

ي- لو شرع بعد قراءة الحمد بسورة غير سورتي {الإخلاص} و{الكافرون} فما لم يبلغ النصف يجوز له العدول عنها إلى سورة أخرى.

ك- إذا نسي مقداراً من السورة التي شرع في قراءتها أو اضطرّ إلى عدم إكمالها بسبب ضيق الوقت أو عذر آخر، فيجب عليه تركها وقراءة سورة أخرى، ولا فرق في ذلك يبن أن يكون قد بلغ النصف أم لا، ولا بين أن تكون السورة التي اشتغل بقراءتها هي سورة {الإخلاص} أو {الكافرون} أو غيرهما.

ل- لا تجب قراءة السورة في الصلاة المستحبّة حتّى وإن وجبت عليه تلك الصلاة بالعرض كالنذور ونحوه، نعم بعض الصلوات المستحبّة قد وردت في كيفيّتها قراءة سورة معيّنة بالخصوص كالصلاة للوالدين مثلاً، فهنا إذا أراد العمل بتلك الكيفيّة فتجب عليه قراءة تلك السورة (١) .


(1) - استفتاءات قرآنيَّة: اصدار جمعية القرآن الكريم، ص 44.

 

  مفاهيم قرآنية



وقال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ (1) .

الإيمان: عرّفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان» (2) .
 

* ما هو الفرق بين الإسلام والإيمان ؟
لقد نفى الله تعالى في هذه الآية الإيمان عن الأعراب وأوضحه بأنه لم يدخل في قلوبهم بعد وأثبت لهم الإسلام، ويظهر به الفرق بين الإيمان والإسلام بأن الإيمان معنى قائم بالقلب من قبيل الاعتقاد والإسلام أمر قائم باللسان والجوارح فإنه الاستسلام والخضوع لساناً بالشهادة على التوحيد والنبوة وعملاً بالمتابعة العملية ظاهراً سواء قارن الاعتقاد بحقية ما شهد عليه وعمل به أم لم يقارن.
جاء جبرائيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صورة أعرابي، والنبي لا يعرفه، فقال: «يا محمّد ما الإيمان»؟ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أن تؤمن بالله، واليوم الاخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والبعث بعد الموت» (3) .


* أركان الإيمان:
1- التوكل على الله -2- التفويض إلى الله -3- التسليم لأمر الله -4- الرضا بقضاء الله.
 

* تأثير كلام الله على المؤمن:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ (4) .
 

إنَّ هذا السؤال بالطبع هو سؤال من لا يجد في قلبه أثراً من نزول القرآن وكأنه يذعن أن قلوب غيره كقلبه فيما يتلقاه فيتفحص عمن أثر في قلبه نزول القرآن كأنه يرى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدّعي أن القرآن يصلح كل قلب سواء كان مستعداً مهيئاً للصلاح أم لا وهو لا يذعن بذلك وكلما تليت عليه سورة جديدة ولم يجد في قلبه خشوعاً لله سبحانه ولا ميلاً وحناناً إلى الحق زاد شكاً فبعثه ذلك إلى أن يسأل سائر من حضر عند النزول عن ذلك حتى يستقر في شكه ويزيد ثباتاً في نفاقه.
 

وقد فصل الله سبحانه أمر القلوب وفرقّ بين قلوب المؤمنين والذين في قلوبهم مرض فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وهم الذين قلوبهم خالية عن النفاق بريئة من المرض وهم على يقين من دينهم بقرينه المقابلة فَزَادَتْهُمْ السورة إِيمَاناً فإنها بإنارتها أرض القلب بنور هدايتها توجب اشتداد نور الإيمان فيه وباشتمالها على معارف وحقائق جديدة من المعارف القرآنية والحقائق الإلهية وبسطها على القلب نور الإيمان بها توجب زيادة إيمان جديد على سابق الإيمان فالسورة تزيد المؤمنين إيماناً فتنشرح بذلك صدورهم وتتهلل وجوههم فرحاً ﴿وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ .
 

* أفضل المؤمنين:
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل المؤمنين إيمانا الذي إذا سُئِل أعطي، وإذا لم يعط استغنى» (5) .
 

*علامات المؤمن:
عن طاووس بن اليمان قال سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: «علامات المؤمن خمس قلت: وما هن يا ابن رسول الله ؟ قال: الورع في الخلوة، والصدقة في القلة، والصبر عند المصيبة، والحلم عند الغضب، والصدق عند الخوف» (6) .
 

* منازل الإيمان:
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن أعلى منازل الإيمان درجة واحدة، من بلغ إليها فقد فاز وظفر وهو أن ينتهي بسريرته في الصلاح إلى أن لا يُبالي لها إذا ظهرت ولا يخاف عقابها إذا استترت» (7) .
 

ما هو الإيمان الحقيقي؟
ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّ: «الإيمان ما كان في القلب» (8) .
 

* درجات الإيمان:
يتفاضل الناس في درجات الإيمان تفاضلاً كبيراً فمنهم المجليّ السباق في حلبة الإيمان ومنهم الواهن المتخلف ومنهم بين هذا وذاك كما صورته الرواية الكريمة.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إنَّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد: لست على شيء، حتى ينتهي إلى العاشر. فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولاتحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فإن من كسر مؤمناً فعليه جبره» (9).
 

* أنواع الإيمان:
ينقسم الإيمان إلى ثلاثة أنواع: فطري، ومستودع، وكسبي.

أ – فالفطري: هو ما كان هبة إلهية، قد فطر عليه الإنسان، كما في الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، فإنهم المثل الأعلى في قوة الإيمان وسمو اليقين، لا تخالجهم الشكوك، ولا تعروهم الوساوس.

ب – المستودع وهو: ما كان صورياً طافياً على اللسان، سرعان ما تزعزعه الشبه والوساوس كما في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إن العبد يصبح مؤمنا ويمسي كافرا، ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا، وقوم يعارون الإيمان ثم يسلبونه، ويسمون المعارين، ثم قال: فلان منهم».
وقال (عليه السلام): «إن الله جبل النبيين على نبوتهم فلا يرتدون أبدا، وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبدا، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبداً، ومنهم من أعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان».

وهكذا تعقب (عليه السلام) على حديثيه السالفين بحديث ثالث يجعله مقياساً للتمييز بين الإيمان الثابت في المستودع فيقول: «إن الحسرة والندامة والويل كله لمن لم ينتفع بما أبصره ولم يدر ما الأمر الذي هو عليه مقيم أنفع له أم ضرّ وحين سأل الراوي فبم يُعرف الناجي من هؤلاء جعلت فداك». قال: «من كان فعله لقوله موافقاً، فأثبت له الشهادة بالنجاح ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً فإنما ذلك مستودع».
ج – الكسبي: وهو الإيمان الفطري الطفيف الذي نمّاه صاحبه واستزاد رصيده حتى تكامل وسمى إلى مستوى رفيع وله درجات ومراتب.
 

* بعض الواصايا والنصائح الباعثة على صيانة الجزء الفطري من الإيمان وتوفير الكسبي منه:

1- مصاحبة المؤمنين الأخيار، ومجانبة الشقاة والعصاة فإن الصاحب متأثر بصاحبه ومكتسب من سلوكه وأخلاقه كما قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».
2- ترك النظر والاستماع إلى كتب الضلال وأقوال المضللين المولعين بتسميم أفكار الناس وحرفهم عن العقيدة والشريعة الاسلاميتين وإفساد قيم الإيمان ومفاهيمه في نفوسهم.
3- ممارسة النظر والتفكر في مخلوقات الله عزَّ وجل، وما اتصفت به من جميل الصنع ودقة النظام، وحكمة التدبير الباهرة المدهشة: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (10) .
4- ومن موجبات الإيمان وتوفير رصيده من جهاد النفس وترويضها على طاعة الله تعالى وتجنب معاصيه لتعمر النفس بمفاهيم الإيمان وتشرق بنوره الوضّاء فهي كالمال الزلال، لا يزال شفافاً رقراقاً ما لم تكدره الشوائب فيغدو آنذاك آسناً قاتماً لا صفاء فيه ولا جمال، ولولا صدأ الذنوب وأوضار الآثام التي تنتاب القلوب والنفوس فتجهم جمالها وتخبىء أنوارها لاستنار الأكثرون بالإيمان، وتألقت نفوسهم بشعاعه الوهاج: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (11) .
 

*ما هو تمام الإيمان ونقصه ؟
الجواب: روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): في حديث طويل يذكر فيه تمام الإيمان، «قال: قلت: قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟ فقال: قول الله عزّ وجل: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ﴾  وقال: ﴿نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾» (12).
 

ولو كان كله واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر، لاستوت النعم فيه، لاستوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرطون النار.
 

* ومن قصص الإيمان:
روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يسير في بعض مسيره فقال لأصحابه: «يطلع عليكم من بعض هذه الفجاج شخص ليس له عهد بأنيس منذ ثلاثة ايام، فما لبثوا أن أقبل أعرابي قد يبس جلده على عظمه وغارت عيناه في رأسه واخضرّت شفتاه من أكل البقل، فسأل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول الرفاق حتى لقيه فقال له أعرض عليّ الإسلام. فقال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله. قال: أقررت. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): تصلي الصلوات وتصوم شهر رمضان. قال: أقررت. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): تحج بيت الله الحرام وتؤدي الزكاة... قال: أقررت. فتخلف بعير الأعرابي ووقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأل عنه مرجع الناس في طلبه فوجدوه في آخر العسكر قد سقط خفّ بعيره في حفرة من حفر الجرذان فسقط فاندقّ عنق الأعرابي وعنق البعير وهما ميتان، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضربت خيمة فغسّل فيها ثم دخل النبي فكفّنه فسمعوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حركة فخرج وجبينه يترشح عرقاً وقال: إن هذا الأعرابي مات وهو جائع وهو ممن آمن ولم يلبس إيمانه بظلم فابتدرته الحور العين بثمار الجنة يحشون بها شدقه، هذه تقول يا رسول الله اجعلني في أزواجه وهذه تقول يا رسول الله اجعلني في أزواجه».
 

* الدعاء إلى الله بالتوفيق للإيمان:
﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ (13) .


(1) - سورة الحجرات، الآية: 14.
(2) - البرهان في تفسير القرآن: ج13/ص 165.
(3) - جامع الاخبار: ج5، ص105.
(4) - سورة التوبة الآية: 124.
(5) - ميزان الحكمة: ج1، ص 228.
(6) - ألف حديث في المؤمن: ج1، ص 228.
(7) - أمثال القرآن: ج 22، ص 6.
(8) - ميزان الحكمة: ج1، ص189.
(9) - ميزان الحكمة: ج1، ص189.
(10) - سورة الذاريات، الآيتان: 20-21.
(11) - سورة الشمس، الآيات: 7 -10.
(12) - سورة الكهف، الآية: 13.
(13) - مفاهيم قرآنيّة (إعداد جمعية القرآن الكريم).

 

 

حفظة القرآن الجامعيين


 

الحافظة: زهراء عباس علي، من بلدة عرمتى (جزين)، طالبة جامعية،
 

حافظة لتمام القرآن الكريم

وقد شاركت بجائزة سيد الشهداء السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه).
 

س1 _ متى بدأت بحفظ القرآن الكريم؟
ج: في شهر رمضان المبارك من عام 2003م.
 

س2- ما هي الدوافع التي دفعتك إلى حفظ القرآن الكريم؟
ج: هي كثيرة: الإحساس بالمسؤولية تجاه هذا الكتاب «والكنز» المقدس، التقرب من الله عزّ وجلّ لتكوين جيل حافظ للقرآن متعلق به والتمهيد لظهور الحجة.
 

س3 - ما هو رأيك بمشروع الحفظ الذي تعتمده جمعية القرآن الكريم؟
ج: إنه مشروع جيد والحمد لله فهناك اهتمام بحافظ القرآن الكريم لكي يكون حفظه متمكناً ولكي يكون مرتاحاً من خلال وضع برنامج خاص به.
 

س4- هل لوالديك دور مؤثر في حفظك للقرآن؟ وهل ساعداك في الحفظ والمتابعة والإشراف؟
ج: بالتأكيد للأهل دور مؤثر من خلال تأمين الجو المناسب والمساعد لحفظ القرآن الذي يتطلب التركيز والهدوء، ومتابعتهم وسؤالهم الدائم عن المشروع وتسميعهم وتحفيزهم.
 

س5- ما هي الكلمة التي توجهينها إلى محبّي حفظ القرآن الكريم؟ وبماذا تنصحينهم؟
ج: على محبي القرآن الكريم أن يترجموا هذا الحب بالعمل بعدم ترك القرآن، من خلال تلاوته الدائمة وحفظ آياته والبحث في تفسيرها، لمحاولة فهمها والعمل بها، كذلك عليهم تشجيع الآخرين على حفظ القرآن وعدم هجره.

 

  دروس في علم التجويد

بعض الأحكام الواجب اتباعها
لحفص عن عاصم من طريق الشاطبية



بسم الله الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين
 

في العددين الماضيين تحدثنا عن التنفس الصحيح في أثناء التلاوة وعن التمارين المناسبة لتطوير النفس، وفي هذا العدد سنتناول مسألة شبه تخصصية ترتبط بالأحكام والطرق التي اتبعها حفص عن عاصم في روايته.
وحفص في هذا الباب أخذ أحكامه من الشاطبية من طريق واحد وله ما يقارب من 54 طريقاً من طيبة النشر.
 

لكن أشهر الطرق لحفص ولغيره من الروايات هو من طريق الشاطبية التي تدرس ومعتمدة في أكثر المعاهد القرآنية وعلى هذا الأساس سنتطرق بالكلام لأحكام حفص من الشاطبية ونرجىء الطرق الأخرى للأعداد القادمة.
 

(بعض أحكام الطرق الواجب اتباعها لحفص من طريق الشاطبية)

من القواعد المعتمدة أن مرتبة المد في المتصل والمنفصل لحفص من طريق الشاطبية أربع حركات وهو المعروف بالتوسط، أو خمس حركات وهو المعروف بفويق التوسّط. والوجهان صحيحان ومقروء بهما لحفص من هذا الطريق، غير أن التوسط هو المشهور والمقدم في الأداء، وبناءً على ذلك فإنه يتعين على القارىء الذي يعتمد توسط المنفصل في قراءاته الأخذ بستة أحكام وجوبًا وعشرة جوازًا.
 

الأحكام الستة الواجبة:

1- الإدغام في: ﴿ارْكَب مَّعَنَا﴾ (1). 
2- السين فقط في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ (2)، وقوله سبحانه: ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً﴾ (3) .
3- الصاد فقط في: ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ (4).
4- الإدغام فقط في ﴿يَلْهَث ذَّلِكَ﴾ (5).
5- الإظهار في النون فقط من: ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ و ﴿وَن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ .
6- السكت فقط على: ﴿عِوَجاً﴾ ، ﴿مَّرْقَدِنَا﴾ ، ﴿مَنْ رَاقٍ﴾ ، ﴿بَلْ رَانَ﴾.
 

وأما العشرة الجائزة فهي:

1- الصاد والسين في قوله تعالى ﴿أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ (6) والمقدم في الأداء وجه الصاد.
2- الإبدال ألفاً مع الإشباع، أو التسهيل بين الهمزة والألف في قوله تعالى: ﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾ (7) و ﴿آلْآنَ﴾ (8) و ﴿ءَآللَّهُ﴾ (9). ووجه الإبدال هو المقدم في الأداء.
3- الرَّوْمُ أو الإشمام في قوله تعالى: ﴿تَأْمَنَّا﴾ (10). والروم هم المقدم في الأداء.
4- الطول أو التوسط في «عين» من: كهيعص فاتحة مريم ومن: ﴿حم (1) عسق﴾ فاتحة الشورى. والإشباع هو المقدم في الأداء.
5- الترقيق أو التفخيم في الراء من قوله سبحانه: ﴿فِرْقٍ﴾ (11) والترقيق هو المقدم في الأداء.
6- إثبات ياء ساكنة حرف مد وقفا أو حذفها مع سكون النون من قوله تعالى ﴿فَمَا آتَانِيَ﴾ (12). والإثبات هو المقدم في الأداء.
7- فتح الضاد أو ضمها من كلمة ﴿ضَعْفٍ﴾ (13) في مواضعها من سورة الرُّوم: 54. والفتح هو المقدم في الأداء.
8- إثبات الألف وقفاً أو حذفها في قوله تعالى: ﴿سَلَاسِلَاْ﴾ (14) والإثبات مقدم أداء ولا يخفى أن اللام تسكن حالة الحذف.
9- إدغام القاف في الكاف إدغاماً كاملاً أو ناقصاً في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم﴾ (15) والكامل هو المقدم أداءً.
10- إدغام الهاء في الهاء أو إظهارها من قوله تعالى: ﴿مَالِيَهْ (28) هَلَكَ﴾ (16) والإظهار لا يتأتى إلا بالسكت على «ماليه» سكتة لطيفة من غير تنفس. والإظهار هو المقدم أداءً (17).


(1) - سورة هود، الآية: 42
(2) - سورة البقرة، الآية: 245
(3) - سورة الأعراف، الآية: 69
(4) - سورة الغاشية، الآية: 22
(5) - سورة الأعراف، الآية: 176
(6) - سورة الطور الآية:37.
(7) - سورة الأنعام، الآيتان: 143، 144.
(8) - سورة يونس، الآيات: 51، 91.
(9) - سورة يونس، الآية: 9 5، و النمل، الآية: 9 5.
(10) - سورة يوسف، الآية: 11.
(11) - سورة الشعراء، الآية: 63.
(12) - سورة النمل، الآية: 6 3.
(13) - سورة الروم، الآية: 54.
(14) - سورة الإنسان، الآية: 4.
(15) - سورة المرسلات الآية: 20
(16) - سورة الحاقة، الآيتان: 28،29.
(17) - الأستاذ الحاج عادل خليل مدير قسم التعليم المركزي في جمعية القرآن الكريم (1).

 

   أشهر القراء المبدعين

القارىء الشيخ حمدي محمود الزامل

(من جمهورية مصر العربية)


ولد القارىء الشيخ حمدي يوم 22/2/1929م بقرية منية محلة دمنه مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة تلقياً من فم خاله المرحوم الشيخ مصطفى إبراهيم، وجوَّده على شيخه المرحوم الشيخ عوف بحبح.. ظهرت علامات الموهبة لديه التي لفتت إليه الأنظار لجمال صوته وقوة أدائه وهو طفل صغير فأطلق عليه أهل القرية وزملاء الكتاب لقب (الشيخ الصغير).

لقد منحه الله مزماراً صوتياً من مزامير آل داود تجلت هذه القدرة والعذوبة في أدائه بأنغام تحملها أوتار صوتية معدة ومجهزة تجهيزاً ربانياً تجعل السامع ينفعل بقلبه ومشاعره وأحاسيسه مع كل حرف يتلوه ولكل نغمة يؤديها ببراعة الانتقال من مقام إلى آخر.
 

اعتمد كقارىء بالاذاعة والتلفزيون عام 1976م.
 

فضّل تلاوة القرآن في مصر، فاعتذر عن عدم تلبيته لكثير من الدعوات التي تدفقت عليه خاصة مكتفياً بالسفر إلى مكة لأداء فريضة الحج.
 

يعتبر صاحب مدرسة وطريقة فريدة مميزة التحق بها كثير من القراء الذين تأثروا به من حيث طريقة الأداء نقلاً عنه، انتقل إلى رحمة الله تعالى عام 1982م.

 

  مقابلة العدد

مقابلة مع الأخ المجاهد الحاج أحمد عساف



أجرت أسرة مجلة هدى القرآن حواراً مع الأخ المجاهد الحاج أحمد عساف مسؤول الأنشطة في جمعية القرآن الكريم المركزية وقد وجهت له مجموعة من الأسئلة وكانت الجوابات التالية:
 

س 1: بداية حدثنا عن سيرتك واستئناسكم بالقرآن الكريم ؟

الجواب: يقول الله عزَّ وجل: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ِإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾ صدق الله العلي العظيم.

بحمد الله سبحانه كلنا فخر بعملنا في جمعية القرآن الكريم – للتوجيه والإرشاد- منذ تأسيسها حيث شاركنا مع القرآنيين في بناء هذا الصرح القرآني على الساحة اللبنانية منذ اللبنات الأولى النابعة من تلك الشمس الخمينية للثورة الإسلامية المباركة للإمام الراحل الخميني العظيم محيي القرآن الكريم ومنقذ الأمة والمستضعفين من جبابرة وطواغيت العالم، القرآن الكريم هو الهدى والطمأنينة وحياة القلب والروح، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «القرآن: هدى من الضلالة، وتبيان من العمى، واستقالة من العثرة، ونور من الظلمة، وضياء من الأحداث، وعصمة من الهلكة، ورشد من الغواية، وبيان من الفتن، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة، وفيه كمال دينكم، وما عدل أحد عن القرآن إلاّ إلى النار» (136) . قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ .
 

س2: ما هو دوركم في جمعية القرآن الكريم؟

البداية كانت في الثمانيات أي منذ حوالي ثلاثين عاماً حيث توليت مسؤوليات إدارية عديدة في الإدارة العامة والمناطق وهذا شرف وفخر وعز أكرمت به والحمد لله، وحاليا نقوم بخدمة قسم الأنشطة المركزية وأحد أعضاء الهيئة الإدارية في الجمعية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لخدمة الرسالة المحمدية الأصيلة المتمثلة حاليا بقيادة آية الله العظمى سماحة السيد القائد الخامنئي (دام ظله)، وأن نكون مصداقا لقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ . ولقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ((خيركم من تعلم القرآن و علمه)).
 

س3: ما هي النشاطات القرآنية التي تقومون بها خلال العام؟

تقيم جمعية القرآن الكريم العديد من الأنشطة القرآنية خلال العام في كافة المناطق اللبنانية، من أهم البرامج السنوية التي نتابعها:
أ. إجراء المسابقة السنوية في حفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره.
ب. إجراء مسابقة المفاهيم القرآنية.
ج. إقامة وإحياء الحفلات والأمسيات القرآنية في العديد من المحطات السنوية (ذكرى المبعث النبوي الشريف – ذكرى مولد الرسول محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واحياء أيام وليالي شهر رمضان المبارك) إضافة إلى البرامج السنوية المقررة.

س4: ما هو أثر الأمسيات القرآنية على المشاركين والمستمعين ؟

للأمسيات القرآنية الأثر الفعال في إيصال هذه الرسالة الخالدة للنبي الأمي العربي التهامي القرشي، رسالة الإسلام العظيم، يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «جَعَلَهُ اَللَّهُ رِيّاً لِعَطَشِ اَلْعُلَمَاءِ وَ رَبِيعاً لِقُلُوبِ اَلْفُقَهَاءِ وَ مَحَاجَّ لِطُرُقِ اَلصُّلَحَاءِ وَ دَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَ نُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ» للأمسيات القرآنية أثرها البالغ على جميع شرائح المجتمع اللبناني كباراً وصغاراً، حيث تقدم الجمعية هذه الباقة المتنوعة لتروي القلوب والعقول المتعطشة للنور الإلهي، فكانت الأمسيات لقاءات أنس وحلقات عشق نوراني بين العبد وخالقه، وجلاء وشفاء المجتمع والأمة، والجمعية تستضيف نخبة من كبار القراء والحفاظ وفرق التواشيح القرآنية من العالمين العربي والاسلامي لإحياء هذه المناسبات العظيمة.
 

س5: ما هو دور المسابقات القرآنية في ايجاد روح التنافس لدى الشباب ؟

كذلك فإن للمسابقات القرآنية على الساحة الأثر القوي والفعال في استنهاض المستوى القرآني على الساحة اللبنانية: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ . للمسابقات دور كبير هادف ومثمر وبناء في صناعة وصمود المجتمع القرآني المقاوم ونرى التطور في الحفظ والتلاوة والتفسير والتدبر بالقرآن الكريم وانعكاس ذلك على صياغة الشخصية القرآنية للفرد والأمة ونجد الاهتمام القوي من الجمعيات والمؤسسات الثقافية والتربوية والمعاهد والمدارس في المشاركة بهذه المسابقات بهدف الفوز والفلاح ماديا ومعنويا حيث إن القرآن الكريم هوالمنهج السليم الذي يضيئ لنا معالم الطريق والثبات على الصراط المستقيم
 

س6: ما هي الاساليب التي يجب أن نتبعها مع الأطفال لتنشئتهم تنشئة قرآنية ؟

القرآن الكريم كتاب صناعة الأمم وتغيير التاريخ، والدستور السماوي الذي جاء به رسول الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأطفالنا أكبادنا وواجبنا إنشاء علاقة ود واحترام بين أطفالنا وبين القرآن الكريم وعلى الجميع تحمل مسؤولياته في سبيل تعليمهم المبادئ القرآنية الأصيلة من خلال مشاركتهم بالدورات، والمسابقات، والأنشطة التي تقام في المدارس والمعاهد الخاصة والعامة، بهدف نشر وترويج الثقافة القرآنية، يقول السيد القائد (دام ظله): عندما تتحكم الثقافة القرآنية في جميع فئات المجتمع سينبعث النور من هذا المجتمع إلى جميع انحاء العالم.
 

س7: كيف يساهم التدبر في القرن الكريم على تزكية النفس الإنسانية؟

تقول السيدة الزهراء (عليها السلام): (كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، وَالْقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالضّياءُ اللاّمِعُ ؛ بَيّنَةٌ بِصائرُه، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلّيةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ أشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النّجاةِ اسْتِماعُهُ) القرآن الكريم بعذوبة حروفه، وحلاوة آياته وفصاحة مضامينه وعظمة آياته وسوره وبلاغة معانيه وغزارتها ودائرة معارفه الكاملة، هذا الكتاب الهادي للإنسانية جمعاء بالتدبر واتباع المفسرين الحقيقين له أهل بيت النبوة وموضع الرسالة قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكّتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ». بهما تخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبهما تهتدي الأمم وتعمر البلاد والعباد وبهما يستقيم الحق في كل نفس زكية طيبة سائرة نحو الكمال المطلق نحو الله سبحانه وتعالى.
 

وشكرا لكم على هذه الاستضافة الطيبة وكل عام وأنتم بخير

 

  حفظ القرآن

الحفظ الموضوعي للقرآن

فوائده وأسلوبه

 

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 

يقول تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ﴾ (1) .
 

فوائد الحفظ الموضوعي:

إن حفظ كلمات القرآن ومواضيعه في الذهن، يجعل القلب يتعلق بالآيات السماوية، فتفتح له عندئذ نافذة جديدة باتجاه «التدبر والتفكر» في كلمات القرآن الإلهية، ومع المعرفة الأكبر والأعمق للمفاهيم القدسية لهذه الرسالة الربانية يصبح الأنس بنوره أكثر من ذي قبل، فيشعر بنور «الآثار الأخلاقية والاجتماعية والاعتقادية والعبادية» لهذا الكتاب، كتاب الهداية والرحمة يتلألأ في روحه وفي كل كيانه، وتتهيأ الأرضية للعمل بإلهامات هذا الوحي الذي يروي ماؤه الزلال روح الإنسان المتعطش للعلم من أجل العمل.
 

إن الحفظ الموضوعي لهذه الرسالة الرحمانية، والرحمة العالمية، يجعل تلاوة آيات هذا «النور على النور» أكثر جاذبية بالنسبة إلى عاشقي الإله الواحد الأحد خالق السماوات والأرض العالم القادر المدبّر الرحيم، ويجعل حفظ هذه الجرعات الملكوتية في الذهن أكثر عذوبة وحلاوة.
 

إن هذه الموهبة الربانية تتجلى عندما يجد الحافظ مقدرة على الاستدلال بهذه الآيات وحلاوتها في نفسه، ويحس في أعماق روحه ووجوده عذوبة التعليم وانتقال المفاهيم لطلاب الحقيقة، وهكذا يجد الإنسان نفسه طالبا متعطشا ومشغولا «بتعلم وتعليم الدروس المعنوية والأخلاقية والعرفانية» في محضر المصدر الأول للتشريع القرآن الكريم الشمس الساطعة بنور الهداية والمعرفة.

أسلوب الحفظ الموضوعي:

إن أفضل أسلوب للتوفيق في الحفظ الموضوعي، هو الحفظ الترتيبي لكل القرآن الكريم بحيث يترافق مع استيعاب مفاهيم الآيات، فإذا حفظ الراغبون – ابتداءً- كل القرآن في أذهانهم، وتعلموا مفاهيمه واستوعبوها، فإنهم سوف يجدون أنفسهم مسلطة أكثر على الموضوعات، ومع مرور الزمان والاهتمام بالتكرار والعناية الخاصة بالمواضيع، فإنهم بذلك يستطيعون الاستفادة من كلام رب العالمين الجذاب في كل زمان ومكان، ولكل مقال واستدلال، وبناء عليه، فإنهم بالإضافة إلى حصولهم على الحفظ الموضوعي، سوف يحصّلون الجزاء المضاعف من المولى تعالى، ذلك بسبب حفظ الكلمات والآيات بشكل أفضل وتعلمهم للمفاهيم القرآنية السّامية.
أما بالنسبة إلى الأشخاص غير القادرين على حفظ كامل القرآن- ولأي سبب- فإليهم هذا الأسلوب المؤثر والمفيد في الحفظ الموضوعي للقرآن الكريم، وتكرار الآيات.
 

حفظ اسم السورة ورقم الآية:

كما أن حفظ اسم السورة ورقم الآية مؤثر في الحفظ الترتيبي، فإنه كذلك يساعد- بشكل كبير- سالكي هذا الطريق في الحفظ الموضوعي أيضاً.
في ما يتعلق بحفظ السورة، يتوجب قبل حفظ أي آية، أن يحفظ أولاً السورة المتعلقة بهذه الآية، وعند المرور على الآيات، يلزم أيضاً تذكر اسم السورة في الذهن وتكرارها كي لا ينساها.
أما بالنسبة إلى حفظ رقم الآية، فإن أفضل أسلوب هو تكرار رقم الآية أو رقم القسم في الآية المفترض حفظها مع كلمات الآية، إلى أن تثبت في ذهنه، وعند تكرار الآيات عليه أن يتذكر أيضاً رقمها في ذهنه ويمر عليها لكي تحفظ وتثبت في الذهن بشكل أفضل.
 

المراحل الأربعة للحفظ الموضوعي:

يجب اتباع الأسلوب الصحيح والمطابق للأصول من أجل إنجاز الحفظ الموضوعي بالكيفية الصحيحة والشكل المطلوب، وللوصول إلى النتيجة التي يتوخاها الحافظ. لذلك من الضروري مراعاة المراحل الأربعة التالية:

1- التلاوة: يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «اللهم فحبب إلينا حسن تلاوته وحفظ آياته»(2).
يجب تلاوة الآيات بصورة عادية أو بأسلوب التدوير (ما يسمى عادة بالترتيل) وذلك بدقة متناهية، مع رعاية الألفاظ والحركات بشكل صحيح ولعدة مرات، ذلك من أجل المعرفة الأولية بالآيات الواردة في برنامج الحفظ المقرر.

2- المفاهيم: يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام): «تدبروا آيات القرآن واعتبروا به فإنه أبلغ العِبَر» (3).
نظراً إلى أن الهدف من الحفظ الموضوعي هو التعرف إلى المعارف القرآنية التي تبني الإنسان، والمقدرة على الاستدلال بالآيات، فإن أهم مسألة هي العمل بهذه الآيات، والنتيجة التقرب إلى الذات الإلهية القدسية للباري تعالى، فالحافظ إضافة إلى حفظ الآيات في ذهنه يجب عليه استيعاب مفاهيمها.
إن تعلم المفاهيم يوجب السهولة واللذة المعنوية الكبيرة في حفظ الآيات، لذلك على الحافظ أن يفهم معنى الآية ويدرك مفهومها بشكل مناسب بعد قراءتها لكي يصبح محتوى الآية الذي يحرك القلوب مفهوماً لديه.
 

3- الحفظ: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأ القرآن حتى يستظهره ويحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار»(4).
بعد فهم المعنى، تأتي مرحلة الاستظهار والحفظ، في البداية يجب حفظ موضوع الآية، ثم يقرأ الآية بدقة كاملة مراعياً اللفظ والحركات ويكررها على شكل جمل محددة الحجم ويثبت الآية في ذهنه بالشكل المطلوب.
إن مقدار تكرار الآية يرتبط به عوامل من مثل: ميزان معرفة الذهن بالآية المنظورة، واستعداد الحافظ وقدرته، وميزان معرفته بالقراءة، ثم حفظ ترجمة الآيات كلمة بكلمة (معنى الآية ومفهومها).
 

4- التثبيت: يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»(5).
يجب استظهار الموضوعات والآيات والمعنى لعدة مرات عن ظهر قلب لرفع الاشكالات المحتملة، وتثبيت المحفوظات في الذهن، وذلك من أجل إيجاد الثقة بالنفس في الاعتماد على المحفوظات الجديدة.
 

أسلوب التكرار:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا قام صاحب القرآن فقرأ بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه» (6).
من هذا المنطلق، يتوجب على الحافظ أن يستذكر المحفوظات بشكل متكرر لكي يحافظ عليها في ذهنه وينتبه بصورة خاصة إلى العلاقة بين المواضيع والآيات ومضمونها، ومن البديهي القول إنه كلما كانت الفترة الزمنية للاستذكار والمرور أقل فإن المحفوظات تبقى بشكل أفضل وتثبت بصورة أكبر، فهي بذلك أبقى، ويلزم أن ينجز التكرار على ثلاث صور:
 

1- تكرار جميع الآيات المحفوظة بشكل جيد وكامل، كل اسبوع كحد أكثر.
2- تكرار المحفوظات التي لم يسلط عليها بشكل كامل (الآيات المحفوظة لخمسة أيام خلت) مرة يومياً على الأقل للوصول إلى الكيفية المطلوبة.
3- تكرار الآيات (برنامج الآيات) التي لم يمر على حفظها سوى عدة ساعات (ثلاث مرات) كحد أدنى يومياً، لكي يحصل الاطمئنان إلى حفظها بشكل جيد.


(1) - سورة العنكبوت، الآية: 49.
(2) - أصول الكافي: ج1، ص 312.
(3) - شرح غرر الحكم: ج3، ص 283.
(4) - مجمع البيان: ج1، ص 15.
(5) - ترجمة ميزان الحكمة، ج9، ص4076.
(6) - كليد حفظ القرآن (مفتاح حفظ القرآن) ص 68.

 

   المرأة في القرآن

دور المرأة الاجتماعي على ضوء القرآن

 

يقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (1) .
 

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لتأمرنّ بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فليسومنكم سوء العذاب، ثم ليدعو خياركم فلا يستجاب له، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم، ولا يوقر كبيركم» (2) .

لقد اهتم الإسلام بالمرأة في الواقع السلبي والإيجابي في المجتمع باعتبارها عنصراً مسؤولاً يتحمل مسؤولية الانحراف فيما تفرضه من نتائج سلبية على مستوى قضية المصير، فالمرأة المنافقة كالرجل المنافق، تسيء إلى المسيرة، من خلال ما تأمر به من المنكر أو تنهى عنه من المعروف، أو تمتنع فيه من العطاء، أو تنسى معه الله وتتحمل غضب الله من خلال ما يفرضه هذا الاتجاه من غضبه وسخطه، كما أن المرأة المؤمنة، كالرجل المؤمن، تحقق للمجتمع النتائج الإيجابية في ما تأمر به من المعروف، أو تنهى عنه من المنكر أو تطيع به الله ورسوله، أو عندما تقوم بالصلاة وإيتاء الزكاة.
 

ويتضح من ذلك دعوة المرأة إلى تحمل مسؤولية ذلك كله، في انطلاقتها وسلوكها في الحياة، وإذا كان المعروف يشمل إمامة العدل، والنهي عن المنكر يشمل هدم الظلم، فإن ذلك يعني شرعية العمل الاجتماعي والسياسي والجهادي للمرأة، في ما تحتاجه الأمة من طاقاتها ونشاطاتها، وإن لم يجب عليها العمل المسلح في حالات الحرب، في الأوضاع الطبيعية، وبهذا يؤكد الإسلام نظرته الإنسانية إلى دور المرأة في بناء المجتمع على أساس القاعدة الإسلامية التي أكدها الله ورسوله في الكتاب والسُّنّة، ويوجّه الأمّة إلى الاستفادة من دورها في كل المجالات التي تستطيع فيها أن تقدم خدمة اجتماعية أو سياسية أو تربوية أو عسكرية وعدم الاقتصار على دورها الأنثوي، كأم وكزوجة وكربة بيت.

يقول سبحانه: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (3) .
 

فالآية المذكورة أعلاه تظهر أن هذه الفريضة الكفائية لا تستثني المرأة المسلمة، فللنساء دور مهم في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضمن محيطها وبحسب مقدرتها واستعدادها، بالاضافة إلى تعلّم شروط وضوابط هذه الشعيرة الإسلامية.
 

وفي ذكر المؤمنات مع المؤمنين في الآيات معنى آخر جاءت به لتدعمه وتؤكده بقوة وهو توطيد القرآن الكريم لشخصية المرأة إزاء الرجل في المجتمع الإسلامي ومساواتها معه في المكانة الاجتماعية والسياسية والأهلية للتكاليف الإسلامية على أنواعها، وبخاصة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتضامن والتناصر مع الرجل في كل ما يعود على المجتمع بالصلاح والخير، مما هو ذو خطورة عظمى امتاز بها القرآن وترشحت به الشريعة الإسلامية للشمول والخلود..

ويظهر أن حكمة التنزيل قد شاءت بذكر المؤمنات بهذا الأسلوب القوي في آخر سور القرآن، تأكيداً على المرأة وشخصيتها في المجتمع الإسلامي.
 

نختم بهذه القصة: يُقال إن زوجة أحد ملوك إيران عندما كانت تبني المسجد الكبير المعروف بمسجد كوهر شاد (وهو مسجد كبير يقع في الجهة الجنوبية من المشهد الشريف للحرم الرضوي المقدس في مدينة مشهد وله صحن واسع عظيم) كانت تشرف بنفسها على بناء المسجد، وتزور موقع البناء بين الحين والآخر بالاطلاع على أعمال البناء، ذات يوم وبينما كانت تُشرف على العمل لفت نظرها عامل نشيط، فتعجبت من قدرته الجسدية الهائلة، بحيث كان يرفع حجر البناء ويقذفه عالياً لعدة أمتار فيصل الحجر إلى يد البنّاء فكان يفعل ذلك طوال النهار من غير ملل أو تعب.
ولما سألت عن سر ذلك قيل لها إنه رجل عادي بسيط وفقير لكن الله تعالى منحه تلك القدرة، غير أن هذا التعليل لم يقنعها ورأت أن خلف القضية سر ما.
 

فاستدعت رئيس العمال وسألته عن نوع الطعام الذي يأكله ذلك الرجل، فأخبرها بأنه يأكل طعاماً عادياً كسائر العمال، بل أحياناً كثيرة يكون طعامه متواضعاً جداً وأقل من طعام غيره. فقالت في نفسها لا بد أن خلف قدرته تلك سر ما ويجب أن أعرفه، لذلك كلفت بعض المأمورين بالذهاب إلى الحيّ الذي يسكنه ويتقصّوا لها أخبار الرجل وأحواله من الجيران والمعارف وبالفعل هذا ما حدث.
 

ثم إنهم أخبروها بأن الرجل فقير وصاحب أسرة، وأما طعامه فبسيط وعادي جداً لكن عنده زوجة صالحة هنيئة المعاش تؤمن له سبل الراحة الجسدية والنفسية، فحياته الأسرية مستقرة ولا يعكر صفوها شيء. فلما سمعت بذلك قررت أن تعكر صفاء حياته لتختبر سر قوته، فأسرت إلى بعض النسوة من جيرانه بأن يختلقن بعض الأخبار الكاذبة فيوقعن بينه وبين زوجته لتفسد عليه هناء عيشه وبالفعل نجحت النسوة في ذلك، فانقلبت حياته إلى جحيم.
 

بعد مدة من الزمن جاءت كوهر شاد إلى موقع بناء المسجد كعادتها للإشراف على بنائه وراحت تراقب ذلك الرجل لترى كيف انقلبت حاله، فتعجبت عندما رأته لا يقدر على حمل حجر البناء إلا بشق النفس. لقد ذهبت قوته وضعف بدنه وأصبح لا يقوى على العمل. عند ذلك عرفت سر تلك القوة التي يملكها. إنها المرأة الصالحة المطيعة الهنيئة، لذلك صممت أن تعيد كل شيء إلى ما كان عليه، فعادت زوجته إلى سيرتها الأولى وعادت إليه همته وقوته (4) .

والحمد لله رب العالمين


(1) - سورة التوبة، الآية: 71.
(2) - المنقي الهندي، كنز العمال، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسه، الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بيروت 1989 م، ج 3 ص 687.
(3) - سورة التوبة، الآيتان: 7 ـ 8.
(4) - إعداد الحاجة صفاء حشوش - القسم التعليمي في جمعية القرآ ن الكريم - منطقة بيروت.

 

   كلام أهل البيت (عليهم السلام)

ارتباط أهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن الكريم
 


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 

ارتبط أهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن الكريم ارتباطاً وثيقاً لا ينفك، فهم المحافظون على تلاوته وتفسيره وحفظه، وحث الناس على التمسك والعمل به، فهم يتلون القرآن ويتفاعلون وجدانياً وعاطفياً معه، فيحزنون عندما يتلون آيات التخويف، ويفرحون عندما يتلون آيات البشارة، أو لعل الحزن كناية عن البكاء، كما هي عادة المتفاعلين قلباً وقالباً مع القرآن الكريم. وعلينا أن نقتدي بأئمتنا كما الارتباط بالقرآن الكريم، حفظاً وتلاوة وتدبراً في آياته وسوره، فلا نترك ملازمة القرآن الكريم في ظل الانشغالات اليومية في حياتنا؛ بل نجعله من ضمن برامجنا اليومية الأساسية لنكون من حملة القرآن والعاملين بما فيه. والآن أعرض عليكم شيئاً من ثقافة أهل البيت القرآنية واتصالهم بها _كما هي العادة مع مراعات المناسبات_ التي هي دروس وعبر لنا ولأجيالنا إلى يوم القيامة.

أم الأئمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إحدى الكلمات:

قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾، عن المفضّل، قال: سألت جعفر الصادق (عليه السلام) عن قوله عزّ وجل: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ قال: هي الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه. وهو أنه قال: «يا ربّ أسألك بحقّ محمد، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين،ألاّ تبت عليّ»، ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ فقلت له: يا بن رسول الله فما يعني بقوله: ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ ؟ قال: يعني: أتمّهن إلى القائم المهدي اثني عشر إماماً تسعة من الحسين (1) .

الذين وجبت مودتهم:
قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً﴾،عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الاية: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ قالوا: يارسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولداهما (2) .

الذين أوتوا العلم:
قوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ فسر الإمام أبو جعفر (عليه السلام): ﴿الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ بأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وروى أبو بصير: أن الإمام أبا جعفر قرأ هذه الآية وأومأ بيده إلى صدره (3) .
 

تلاوة القرآن:
قال الإمام الباقر (عليه السلام): «(ما شيعتنا إلا من اتقى اللّه وأطاعه وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر اللّه والصوم والصلاة والبر بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوى المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء)» (4) .
 

التصديق بجميع القرآن:
عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «من كذب بآية من كتاب اللّه فقد نبذ الاسلام وراء ظهره وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين» (5) .
 

إلا ما أثبته القرآن:
عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: «لا تتخذوا من دون اللّه وليجة فلا تكونوا مؤمنين فإن كل سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع مضمحل كما يضمحل الغبار الذى يكون على الحجر الصلد إذا أصابه المطر الجود إلا ما أثبته القرآن» (6) .
 

ولاية علي(عليه السلام):
قال الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً﴾ قال (عليه السلام): يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام) والأوصياء من ولده، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقا (7) يعني: أشربنا قلوبهم الإيمان، والطريقة: هي الإيمان بولاية علي والأوصياء.
 

تارك التسمية:
عن الإمام الهادي (عليه السلام) وصى أحد وكلائه وهو داوود الصرّمي الذي قال: «أمرني (عليه السلام) بحوائج كثيرة فقال لي: قل كيف تقول؟، فلم أحفظ مثل ما قال لي، فمدّ الدواة وكتب ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. اذكر إن شاء الله والأمر بيد الله، فتبسمت، فقال: مالك قلت خير فقال: أخبرني، قلت: جعلت فداك ذكرت حديثاً حدثني به رجل من أصحابنا عن جدك الرضا (عليه السلام) اذا مرّ بحاجة كتب: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ اذكر إن شاء الله فتبسمت، فقال لي: يا داوود لو قلت إن تارك التسمية كتارك الصلاة لكنت صادقاً» (8) .
 

معنى الواحد:
سأل أبو هاشم الجعفري الإِمام الجواد (عليه السلام) قال: ما معنى الواحد ؟ فأجابه (عليه السلام): الذي اجتَمَعَت الأَلْسُن عليه بالتوحيد، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ (9) .

تَأخِيرُ التوبة:
عن الإمام الجواد (عليه السلام) قال: تَأخِيرُ التوبة اغتِرَار، وطُول التَسوِيفِ حِيرَة، والاعتِلال على الله هَلَكَةٌ، والإصرِارِ عَلى الذنب أَمنٌ لِمَكرِ الله، ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (10) .
 

سلوني قبل أن تفقدوني:
روي عن الأصبغ بن نباتة أنَّه قال: لمَّا بويع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالخلافة، خرج إلى المسجد فقال: «سلوني قبل أن تفقدوني ؛ فوالله إنَّي لأعلم بالقرآن وتأويله من كل مُدَّعٍ علمه، فوالذي فلق الحبَّة وبرأ النَّسَمة لو سألتموني عن آية لأخبرتكم بوقت نزولها وفيمَ نزلت» (11) .
 

أعلم الصحابة:
كان علي (عليه السلام) أعلم الصحابة بفقه القرآن، بالحلال والحرام والأمر والنهي، والطاعة والمعصية كما جاء في قوله (عليه السلام): «... وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي، كان أو يكون، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية، إلاّ علّمنيه وحفَّظته، فلم أنسَ حرفاً واحداً، ثمَّ وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحُكماً ونوراً» (12) .
 

أخٌ في كتاب الله:
الإمام الكاظم (عليه السلام) وروي أنه مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر (13) ، فسلّم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا، ثم عرض (عليه السلام) عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له، فقيل له: يا ابن رسول الله أتنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجك وهو إليك أحوج ؟ فقال(عليه السلام): «عبد من عبيد الله وأخ في كتاب الله وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم(عليه السلام) وأفضل الأديان الإسلام ولعلّ الدهر يردّ من حاجاتنا إليه، فيرانا ـ بعد الزهو عليه (14) ـ متواضعين بين يديه. ثم قال(عليه السلام):
نواصل من لا يستحق وصالنا    مخافة أن نبقى بغير صديق (15) .
 

درجات الجنة:
قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (من مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن علم فى قبره ليرفع اللّه به من درجته فإن درجات الجنة على قدر آيات القرآن يقال له: اقرأ وارق فيقرأ ثم يرقى) (16) .
 

العلم بكتاب اللّه وموافقته:
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أنعم اللّه على عبد، بعد الإيمان باللّه، أفضل من العلم بكتاب اللّه والمعرفة بتاويله» (17) .
 

علي مع القرآن:
وعن أم سلمة قالت: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه يقول - وقد امتلأت الحجرة من أصحابه: أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا، فينطلق بي، وقد قدمت القول معذرة إليكم، ألا إني مخلف فيكم الثقلين كتاب ربي عزّ وجل وعترتي أهل بيتي. ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها، فقال: هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي، خليفتان بصيران لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض» (18) .
 

أهل البيت عليهم السلام:
عن حكيم بن جبير أنه قال سألت علي بن الحسين بن علي عليهم السلام عن هذه الآية: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قال: هي قرابتنا أهل البيت (19) .
 

﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾: قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في تفسير هذه الآية: أي بينه تبياناً ولا تنثره نثر البقل ولا تهذه هذّ الشعر وقفوا عند عجائبه لتحركوا به القلوب، ولا يكون همّ أحدكم آخر السورة.
 

تعليم الناس القرآن وفق ترتيب النزول:
فعن الإمام الباقر (عليه السلام): (إذا قام القائم من آل محمد، ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن، على ما أنزله اللّه عزَّ وجل، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنه يخالف فيه التأليف) (20) .
 

لا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي:
الإمام المهدي (عليه السلام): وأما علة ما وقع من الغيبة فإنّ اللّه عزّوجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ أنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي (21) .
 

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ:
عن الإمام المهدي (عليه السلام): إنّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسَّم الأرزاق، لأنّه ليس بجسمٍ ولا حَالٍّ في جسمٍ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيع﴾ (22) .
 

لا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي:
عن الإمام المهدي (عليه السلام): وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزوجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لاهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى (23) .

﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾:
عن الإمام الحسن (عليه السلام) أنه سئل عن قول الله عزَّ وجل: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ فقال: يقول عزَّ وجل: إنا كل شيء خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم (24) .
 

دعاء الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) إذا قرأ القرآن:
روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه كان من دعائه إذا قرأ القرآن: «بسم الله، اللهم إني أشهد أن هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكتابك الناطق على لسان رسولك، فيه حكمك وشرائع دينك، أنزلته على نبيك، وجعلته عهداً منك إلى خلقك وحبلا متصلا فيما بينك وبين عبادك. اللهم إني نشرت عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة وقراءتي تفكراً وفكري اعتباراً، واجعلني ممن أتعظ ببيان مواعظك فيه وأجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قراءتي كتابك على قلبي ولا على سمعي، ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراءتي قراءة لا تدبر فيها، بل اجعلني أتدبر آياته وأحكامه آخذاً بشرائع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلة ولا قراءتي هذرمة، إنك أنت الرؤوف الرحيم (25)».


(1) - ينابيع المودّة: 25.
(2) - الدر المنثور: ج9، ص66.
(3) - الكافي: ج1، ص166، ح1.
(4) - تحف العقول.
(5) - الروضة من الكافى: ج8، ص235، ح314.
(6) - مستطرفات السرائر: ص242، ح335.
(7) - تفسير القمي: ج2، ص391.
(8) - سفينة البحار مادة سما: ج1، ص 663.
(9) - بحار الأنوار: ج3، ص208.
(10) - بحار الأنوار: ج6، ص30.
(11) - مقدمة تفسير البرهان: 16.
(12) - الكافي: ج1، ص64.
(13) - دميم المنظر أي قبيح المنظر من دمّ دمامة: كان حقيراً وقبح منظره.
(14) - الزهو: الفخر والكبر قال الشاعر:
لا تهين الفقير علّك أن     تركع يوماً والدهر قد رفعه.
(15) - تحف العقول: 412 ـ 413.
(16) - أصول الكافي: ج2، ص606.
(17) - بحار الأنوار: ج89، ص183.
(18) - بحار الأنوار: ج89، ص80، باب8، ح5 - 39.
(19) - تفسير فرات: 148.
(20) - بحار الانوار: ج 52، ص339.
(21) - البحار: ج52، ص92، ح7.
(22) - الغيبة للشيخ الطوسي: ص178.
(23) - بحار الأنوار، ج52،ص92.
(24) - التوحيد: الشيخ الصدوق: 298 ـ 299، ح30.
(25) - مستدرك الوسائل: ج 4، ص 372.

 

    نباتات ذكرت في القرآن الكريم

الزراعة
في القرآن والسنة

 


ماهية الزراعة:
يعرفون الزراعة بأنها استغلال الأرض لإنتاج نباتات وحيوانات نافعة للناس بطرق اقتصادية مربحة، الزراعة وهى استغلال الأرض لإنتاج المحاصيل وقد جاء هذا التعريف فى قول يوسف (صلى الله عليه وآله وسلم)بسورته ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾.
 

هل أنتم الزارعون أم الله؟
أشار سبحانه لقدرة الله اللا متناهية بقول تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾.

الملفت للنظر هنا أنّ الآية استعملت تعبير (تحرثون) من مادّة (حرث) على وزن (درس) وهو يعني الزراعة ونشر الحبوب وتهيئتها للإنبات، وفي الآية الثانية كان التعبير بـ (تزرعونه) من مادّة «زراعة» بمعنى النمو والنضج. ومن البديهي أنّ عمل الإنسان هو الحرث فقط، أمّا النمو فهو من عمل الله سبحانه فقط، ولذا نقل في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لا يقولنّ أحدكم زرعت وليقل حرثت، فإنّ الزارع هو الله» (1) .
 

إنّ عمل الإنسان في الزرع كعمله في الإنجاب حيث ينثر البذرة ويتركها، والله سبحانه هو الذي يخلق في وسط هذه البذرة الحياة، فعندما توضع البذرة في محيط مهيّأ من حيث التربة والضوء والماء، فإنّها تستفيد ابتداءً من المواد الغذائية المخزونة فيها إلى أن تصبح برعماً وتولّد جذراً، ثمّ تنمو بسرعة عجيبة مستفيدة من المواد الغذائية الموجودة في الأرض حيث تعمل أجهزة عظيمة وتحدث تغييرات عميقة في داخل النبات، تتمخّض عن أغصان وسيقان وأوراق وثمار وأحياناً تنتج البذرة الواحدة عدّة آلاف من البذور.
 

وإذا كنتم أنتم الزارعين الحقيقيين، فهل بإمكانكم أن تمنعوا وتدفعوا عن زرعكم الأضرار والمصير المدمّر والنتيجة البائسة؟ وهذا التحدّي يؤكّد لنا أنّ جميع أُمور الخلق من الله سبحانه، وكذلك فإنّه هو الذي ينبت من بذرة لا قيمة لها في الآيات: ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ طرحت مسألة الزراعة، ونرى فيها أنّ القرآن الكريم يسهم الزّراع في ظهور النباتات وتواجدها، ولكنّه يعتبر إسهامهم محدوداً لا يتعدّى عملية بذر البذور، ولهذا يسمح بأن يطلق عليهم صفة الزارع. ولكن عمل الزارع لا يتجاوز هذا الأمر، أعني: البذر، غير أنّ هذا العمل وحده غير كاف في مسألة الزراعة ونشوء النباتات والثمار لأنّه:
 

يسأل أوّلاً: من الذي خلق البذرة ؟ وعلى قدرة من اعتمدت هذه الحبة بحيث استطاعت أن تتسبب في ظهور مئات الحبات ونشوئها في شكل سنابل؟ لا مناص من أن يكون لهذه الحبة خالقاً غير البشر.

ثم يسأل ثانياً: هل يكفي لتربية النباتات وخروجها مجرد الحرث وبذر البذور، أم أنّ مئات العوامل والعلل الخارجية الأُخرى، يجب أن تتضافر وتتفاعل وتتعاضد فيما بينها لتمنع من جفاف النبتة والسنبلة، وهذا شيء خارج عن قدرة البشر. ترى هل هذا كلّه من صنع اللّه أم من فعل العوامل المخلوقة للّه؟ وفي هذا الاستدلال استدلّ القرآن بوجود المصنوع (كالمزارع الخضراء وحفظها وصيانتها من الجفاف) على وجود الصانع.
 

لمن تتم الزراعة؟
إن الأرض تنبت ما يأكله الناس والأنعام، قال تعالى بسورة السجدة: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾.
 

مراحل وجود النبات:
يمر النبات بمراحل عمرية هي: الإخراج وهو الإنبات حيث ينبت برعم صغير من وسط التراب الهياج وهو النمو المستمر وهو الزيادة حيث يكبر وتخرج له أوراق وثمار وفي نهاية المرحلة يصبح ناضجا وهي مرحلة الشباب. التحطم وهو الموت وهو إما يكون بسبب الحصاد وإما بسبب وجود شيء مهلك له وفي هذه المراحل قال تعالى بسورة الزمر: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً﴾ والزرع يكون مختلف ومتنوع الألوان شكلاً وطعماً ولوناً.
 

الزراعة في الأخبار:
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «ازرعوا واغرسوا فلا واللّه ما عمل النّاس عملاً أحلّ ولا أطيب منه» (2) . وقال (عليه السلام) أيضا: «الزّارعون كنوز الأنام يزرعون طيّباً أخرجه اللّه عزّ وجلّ وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً، وأقربهم منزلةً يدعون المباركين» (3) .
 

استحباب الغرس والزرع:
عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ قال: الزارعون (4) .
 

قال أبو عبدالله (عليه السلام): إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة وقل:
﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ ثلاث مرات، ثم تقول: بل الله الزارع ثلاث مرات، ثم قل: «اللهم اجعله حبا مباركا وارزقنا فيه السلامة» ثم انثر القبضة التي في يدك في القراح (5) .


(1) - القسم الأوّل من الحديث جاء في تفسير مجمع البيان نهاية الآية مورد البحث، ونقل القسم الثاني في روح البيان كإضافة عليه.
(2) - بحار الأنوار: ج100، ص68.
(3) - الكافي: ج5، ج261، ح6.
(4) - وسائل الشيعة: ج19، ص35.
(5) - وسائل الشيعة: ج19، ص35.

 

   حيوانات بحرية ذكرت في القرآن الكريم

السمك في القرآن
 


السمك من الأغذية الرئيسية التي تمد العقل الإنساني بما يحتاجه من عناصر أساسية، فهو بحق غذاء العقل، وقد ذكر في القرآن الكريم في أكثر من موضع؛ فمثلا قال تعالى في سورة النحل وهو يعدد سبحانه نعمه على الناس: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (1) . وذكر الله الأسماك التي تعيش في المياه العذبة والتي تعيش في المياه المالحة حيث قال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (2) . وقال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ (3) .
 

السمك (ج. أسماك؛ والواحدة سمكة) أو الحوت من الحيوانات الفقارية وأغلبها من ذوات الدم البارد وهي تعيش في الماء، هناك أكثر 27000 نوع ?‎منها مما جعلها أكثر الفقاريات تنوعاً. للسمك حراشف وزعانف وغلاصم (خياشيم) يتنفس بها. تسمى القشرة الخارجية التي تغطي جلد السمك بالفُلوس.

الأسماك بعضها يعيش في الماء العذب في البحيرات والأنهار والأهوار وبعضها الآخر يعيش في المياه المالحة في البحار والمحيطات. بعض الأسماك تكون صغيرة بطول 1 سم أو أقل وبعضها الأخر كبيرة وطويلة قد يصل طولها إلى 15 متر ووزنها إلى 15 طن كما في سمك القرش والحوت. أكثر أنواع الأسماك تعتبر غذاء رئيسيا للبشر، ومن أنواع الأسماك التي تكون مرغوبة أكثر من غيرها مثل سمك السردين وسمك التونة.
 

أغلب أنواع الأسماك لها عظام وبعض الأنواع الأخرى مثل القرش ليس لها عظام حقيقية بل هي غضروفية. بعض الأنواع الأخرى من الحيوانات التي تعيش في البحر مثل نجمة البحر وقنديل البحر تدعى كذلك بالأسماك ولكنها ليست بالأسماك ولا يحوي جسمها على عظام، وكذلك نوع آخر من الكائنات المائية تعرف بالكائنات الرخوية ذات الصدف مثل المحاريات المختلفة، وهناك القشريات مثل الروبيان والجمبري والسلطعونات.
 

وتكسو جلود الأسماك أيضاً طبقة من مادة مخاطية تكمل ما للقشور من وظائف وقائية؛ فهي تحيط بالفطريات والجراثيم التي قد تعلق بجسم السمكة وتشلّ حركتها فتنزلق وتسقط دون أن تصيبها بضرر.
 

كشفت علاقة بين عين السمكة والألوان عندما غطي الجزء الأسفل من العين صار لون السمكة زاهياً، ولم تسبب تغطية الجزء العلوي أي تغيير في لون السمكة، مما يدل على أن جزء الشبكية الأسفل يؤثر في لون الحيوان. كما لوحظ أن سمك موسى يستطيع أن يكتسب ألوان القاع بعد أن يطيل النظر إليها وذلك لأن عين السمكة تنقل صور المرئيات إلى العصب البصري ثم إلى المخ ثم إلى العصب الودّي الذي يتصل بجميع الخلايا الملونة وبذلك تأخذ السمكة لون البيئة التي تعيش فيها مثل السمكة المرجانية.
 

للحرارة أثرها في ألوان الأسماك، كما تتغير ألوان الأسماك بوجه خاص في وقت التزاوج. إذ يبدو الذكر في أبهى حلة وأزهى لون. وللأسماك صفات مشتركة فهي: تتكاثر بوضع البيض في الماء ويغطي أجسامها قشور وتتنفس بواسطة الخياشيم.

فوائد السمك الطبية:
ينفع السمك لعلاج السل والقرحة وضعف الكلى وأوجاع الظهر والمفاصل، وأولى ما أكل من السمك مشوياً بالخل والثوم.
وبروتين السمك ذو قيمة غذائية عالية، سهل الهضم ولا يخلف بعد امتصاصه إلا القليل من الفضلات والأبيض منه أسهل هضماً من اللحم ولذا فهو يعتبر غذاء مفيداً للمرضى المصابين باضطرابات في جهازهم الهضمي.
ويتميز الدهن الموجود في السمك بغناه بالحموض الدسمة غير المشبعة، وهي حموض مفيدة وغير ضارة وتتصف بقدرتها على خفض مستوى الدهون في الدم مما يجعلها مفيدة في الوقاية من تصلب الشرايين وخاصة من أمراض الشرايين الإكليلية القلبية. ويعتبر الحنكليس من الأسماك كثيرة الدهن المتوفرة في أسواقنا ويعتبر السردين والطون من الأسماك الدهنية الجيدة والمغذية جداً.
 

ولحم السمك الدهني غني بالفيتامينات الذوابة في الدسم وخاصة (أ) و (د) أما الأسماك البيضاء فإن هذه الفيتامينات موجودة في زيت كبدها وليس في لحمها. وإن غنى السمك بهذه الفيتامينات تجعل منه علاجاً ناجعاً للخرع (4) عند الأطفال إلا أن السمك فقير عموماً بالفيتامينات ب، كما أنه لا يحتوي مطلقاً على الفيتامين (ج - C).
 

وبيوض السمك [Cavia] ذات قيمة غذائية عالية لكنها باهظة الثمن.

وتعتبر الأسماك مصدراً جيداً للأملاح المعدنية وخاصة اليود والصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والفسفور والكلور والكبريت، لكنها فقيرة بالحديد. أما الكلس فمعظمه موجود في العظام. وتؤمن عظام الأسماك المطهية في المعلبات مصدراً جيداً للكلس.
 

وهناك أهمية كبرى لغنى السمك باليود الذي يفيد في عمل الغدة الدرقية إذ يدخل في تركيب هرمونها (التيروكسين) وإن المناطق النائية عن البحار والتي يفتقر سكانها إلى اليود في غذائهم يصابون بضخامة وبائية في الغدة الدرقية، واليود يعالج هذه الحالة تماماً. ونظراً لما يحتويه لحم السمك من الفسفور والحموض الدهنية الأساسية فإن لتناوله ضرورة بالغة لنمو وتغذية الدماغ كما أنه يفيد المصابين باضطراب الذاكرة.
 

إن تناول زيت السمك، أو وجبات من السمك الدهني يؤدي إلى الإقلال من تشكل الخثرات (الجلطات) في شرايين الجسم لأن ذلك يؤدي إلى إطالة زمن النزف ونقص لزوجة الدم. وقد ثبت أن تناول 30غ من السمك في الأسبوع يؤدي إلى الوقاية من مرض شرايين القلب إلا أنه يجب تجنب السمك المقلي أو المملح. لابد من إضافة شيئ آخر ليكون العلاج كاملاً ألا وهو تلاوة القرآن والاستماع إلى القرآن، فمن أجل صيانة القلب لا يكفي أن نعتني بالغذاء أو الرياضة، بل هناك ما هو أهم ألا وهو تغذية القلب بالاستماع إلى القرآن لأن الله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (5) .
 

السمك في الحديث:
عن يونس قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام): السمك لا يكون له، قشرا أيؤكل ؟ فقال: إن من السمك ما يكون له زعارة فيحتك بكل شيئ فتذهب قشوره ولكن إذا اختلف طرفاه - يعني ذنبه و رأسه - فكله (6) .
عن الصّادق(عليه السلام)، قال: فالسمك ميتة؟ قال: إنّ السمك ذكاته إخراجه حيّاً من الماء، ثمّ يترك حتّى يموت من ذات نفسه، وذلك أنّه ليس له دم، وكذلك الجراد. وهكذا في البحار (7) .
قال أبو جعفر (عليه السلام): كل ما له قشر من السمك وما ليس له قشر، فلا تأكله (8) .
قال الصادق (عليه السلام): كل من السمك ما كان له فلوس ولا تأكل منه ما ليس له فلس (9) .


(1) - سورة النحل، الآية: 14.
(2) - سورة فاطر، الآية: 12.
(3) - سورة المائدة، الآية: 96.
(4) - الخَرِع: الصَّغير الذي يرضع. وإنَّما قيل له خَرع لضَعْفِه. وكلّ ضَعيف فهو خَرِع.
(5) - سورة الرعد، الآية: 28.
(6) - الكافي: 6 - 221.
(7) - مستدرك سفينة البحار: ج5.
(8) - وسائل الشيعة:ج34،ص127.
(9) - وسائل الشيعة:ج34،ص129.

 

    أنشطة الجمعية

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

يقول سبحانه: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (1) .

اعلم أنَّ درجات القرب من الله تعالى تتناسبُ مع درجات المعرفة فالآية تتحدث عن درجات العلماء والمؤمنين بعنوان النتيجة والجزاء لعملهم بالأصول الأخلاقية التي أمرنا بها تعالى بالقرآن الكريم وعلى لسان نبيّه الأمين وآله الطاهرين. إن استعمال «درجات» نكرةً إيحاءٌ إلى عظمة تلك الدرجات، واستعمالها جمعاً لا مفرداً يمكنه أن يكون إشارةً إلى اختلاف درجات العلماء. بالطبع أن الرفع هنا لم يقصد به الرفع المكاني، بل الرفع من جهة القرب إلى الساحة الربانية. نستنتج من ذلك كما استنتج العلامة الطباطبائي{ في تفسير (الميزان) أنَّ المؤمنين قسمان: قسم (المؤمنون العالمون) وقسم «المؤمنون غير العالمين)، والمؤمنون العالمون أفضل درجة من المؤمنين غير العالمين ثم استدل بالآية: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً وأقل الناس قيمة أقلهم علماً».
 

ونحن في جمعية القرآن نسعى من أجل أن نحصل على درجات القرب من الله علينا جميعاً متعلم ومعلم أن نرفع مستوى المعرفة والاستفادة من العلوم المتصلة بالقرآن وعلومه وضرورة فهمها والعمل بها وتعليمها للأخرين ضمن نشاطات تقوم بها الجمعية وإليكم بعض هذه الأنشطة التي تصب في هذا الاتجاه.


(1) - سورة المجادلة، الآية: 11.

 

1- نشاط القسم التعليمي وبرامجه:
 

ويستمر القسم التعليمي في برامجه التعليمية ودوراته في لبنان وفق رؤية البرنامج السنوي الذي يتضمن العناوين التالية:

1 – الحلقات القرآنية في المساجد والحسينيات.
2 – التلاوة والتجويد للمرحلة المتوسطة والتخصصية.
3 – الصوت والنغم للمرحلة المتوسطة والتخصصية.
4 – مجمع قرَّاء القرآن والقارئات.
5 – مناهج التفسير وتفسير الجزء الثامن من القرآن الكريم.
6 – تفسير سورة النور وبعض السور القرآنية.
7 – العلوم القرآنيَّة.
8 – علم الوقف والإبتداء.
9 – قواعد تحكيم المسابقات القرآنيَّة.
10 – قواعد تدريس التجويد وحفظ القرآن.
11 – الورش التعليميَّة.


12- الدورات المركزيَّة المغلقة في العناوين التالية:
أ- تأهيل القرَّاء والقارئات.
ب- تأهيل معلمي التجويد والوقف والابتداء.
ج- تأهيل الحكّام في المسابقات القرآنيَّة.
د- قواعد تدريس حفظ القرآن.
هـ- قواعد تدريس التفسير والعلوم القرآنيَّة.


 

 

2- نشاط قسم النشاطات القرآنية:


أجرت جمعية القرآن الكريم بالتعاون مع بلدية الغبيري المسابقة السنوية التاسعة عشرة 1438هـ - 2016م - 2017م. في حفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره، في كل المناطق اللبنانية.

وستختتم مجريات المسابقة بحفل مركزي يعلن عن زمانه ومكانه لاحقاً.


 

3- نشاط قسم تحفيظ القرآن الكريم:
 

برعاية الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) أقامت الهيئة المنظمة لجائزة السيد عباس الموسوي لحفظة القرآن الجامعيّين حفلها السنوي لتكريم حفاظ القرآن كاملاً وعشرين جزءًا وعشرة أجزاء من الطلبة الجامعيين ونالوا شهادة الحفظ من جمعية القرآن ودرع السيد عباس من التعبئة التربوية ومبالغ مالية قيّمة من جمعية المعارف الإسلامية.

شارك الحفل من الجمعية سماحة الشيخ علي العارف والحاج عادل خليل والحاج عباس عساف والحاج حسين حمدان.

- بدأ المشروع التأهيلي لحفاظ كامل القرآن الكريم في كل مناطق لبنان بتاريخ: 15 /11 / 2016م _ 2017م للمتابعة يمكن مراجعة فروع الجمعية في المناطق.

 

4- نشاط قسم الدراسات القرآنية:

تمكنت جمعية القرآن خلال الأشهر الماضية من طباعة الإصدارات التالية:

- طباعة مجلة هدى القرآن العدد (20).
- مجلة نافذة من السماء العدد (23).
-أريج القرآن أصبحنا في العدد (94).
- أصدرت كتابها الجديد تحت عنوان: (هيكلية الصوت ونغمة الوحي).
- وهناك كتب الآن تحت الطباعة.

 

   مسابقة العدد



1- من هم «الأبرار» ؟
أ - هم أصحاب النفوس الزكية الأبية الطاهرة.
ب- معتنقي العقائد الحقّة، وملتزمي العبادات الصحيحة.
ج- كلاهما صحيح.

2- ما المراد من الجهاد في هذه الآية ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾.
أ - الجهاد في سبيل بناء الذات وإعمار النفس وإصلاحها.
ب - الجهاد ضد الأعداء الخارجيين.
ج- كلاهما صحيح.

3- من المقصود من دعاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل».
أ- مصعب بن عمير.
ب- ابن عباس.
ج- كلاهما خطأ.

4- تدرّج نزول القرآن أتاح للمسلمين:
أ - تعلّم آياته بسهولة.
ب - السعي إلى حفظه وقراءته.
ج- كلاهما صحيح.

5- لمّا اشتدّ الضيق بأرض كنعان، بحيث اضطرّ يعقوب أن يرسل جميع أولاده إلى مصر ما عدا:
أ - لاوي الذي أبقاه عنده بعد غياب يوسف.
ب- بنيامين الذي أبقاه عنده بعد غياب يوسف.
ج- كلاهما خطأ.

6- أكمل الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من مجلس يجتمع فيه........ فيقومون على غير ذكر اللّه تعالى إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة».
أ- أحرار وفجّار.
ب- أبرار وفجّار.
ج - فجّار وأحرار.

7- سورتان بحكم السورة الواحدة، فلا يكفي الإتيان بسورة واحدة منها بعد الحمد بالصلاة هما:
أ - {الضحى} و {ألم نشرح}.
ب- {الفيل} و {لإيلاف}.
ج - كلاهما صحيح.

8- ما هي المراحل التي من الضروري مراعاتها في الحفظ الموضوعي ؟
أ - الحفظ والتثبيت.
ب - التلاوة والمفاهيم.
ج - كلاهما صحيح.

9- من القائل: «إنّ تلاوة القرآن بالصوت الجميل واللحن الجيّد، إلى جانب مراعاة آداب وأعراف التلاوة، إنّما هي مقدمة لنفوذ مفاهيم القرآن إلى القلوب «؟
أ - الإمام الخميني (قدس سره).
ب - الإمام الخامنئي (دام ظله).
ج - سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).

10- من القائل: «إنّ الإرشاد والتوجيه الإلهي للإحسان بالوالدين، له مساحته الإنسانية»؟
أ - الإمام الخميني (قدس سره).
ب - الإمام الخامنئي (دام ظله).
ج - سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).


تسلية وفائدة قرآنية
 
 

أفقيَّاً

1 - سورتان وقعتا في جزء واحد، رقم الجزء.
2 - تسمية الجيش الذي توجه إلى تبوك.
3 - غزوة تبرعت لها النساء المسلمات بحليهن.
4 - نبي ولد بلا أب.
5 - عدد أيام خلق السماوات والأرض.
6 - آية فيها رقم ثلاثة بأي سورة ؟
7 - في كم يوم خلقت الأرض كما ورد في القرآن ؟
8 - سورة حملة اسم أصل من أصول الدين.
9 - اسم سورة تسمى بأحد أيام الأسبوع.
10- اسم سورة من سور العزائم أخرها تاء مربوطه.
 

عاموديَّاً

1 - قوم النبي صالح (عليه السلام).
2- اسم الطير الذي علم قابيل كيف يدفن جثة أخيه.
3- أكمل قول الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تدعوا قراءة سورة (...) فإن الله تعالى يحبها ويحب من قرأها».


قسيمة مسابقة هدى القرآن العدد«19»


الفائزة الأولـى: زهراء مهدي عثمان.
الفائز الثاني: وسام جميل فرحات.

يمكنكم مراجعة مراكز الجمعية في المناطق لاستلام الجائزة.


الأجوبة الصحيحة لمسابقة هدى القرآن العدد (19)

1- ما معنى العلم اللّدني؟
ب- هو ما تعلمه العبد من الله بالوحي من غير واسطة.

2- تفسير القرآن باللغة والقواعد العربية، يهتم المفسّر فيه بالقراءة حتى يقف على الصحيح منها:
أ - لأنه ينبعث عن تحريف القراءة.
ب - تحريف اللفظ القرآني المنزل ومن ثم تحريف المعنى.

3- أدلّة سلامة القرآن الكريم من التحريف منها:
أ - الدليل القرآني الدليل العقلي.
ب- الدليل الروائي التحليل التاريخي.

4- إخوة يوسف(عليه السلام) حين أرادوا أن يلقوا يوسف(عليه السلام) في الجبّ :
ب - شرع بالضحك فجأة.

5- هل تصحّ الصلاة بالإشارة من المريض المصاب بالخرس إذا كان لا يقدر على التكلّم ولكنّه سليم الحواس؟
ب - صلاته صحيحة ومجزية في الفرض المذكور.

6- أكمل الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «ستة من المروة ثلاثة منها في الحضر وثلاثه منها في السفر: فامّا التي في الحضر فتلاوة كتاب الله تعالى......... واتخاذ الإخوان وامّا التي في السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاج في غير المعاصي».
ب- وعمارة مساجد الله.

7- كلمة «فتن» في الأصل بمعنى:
أ - إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته.
ب- ليمتحن جوهر الإنسان فيميز الخبيث من الطيب.

8- كيف نساعد أطفالنا على حفظ القرآن الكريم؟
أ - تشجيع الأطفال على تسجيل قراءتهم للقرآن.
ب - تنظيم مسابقات مُمتِعة حول القرآن.

9- من القائل: «قوموا بإرشاد شعوبكم وتوعيتهم على أساس التعليمات القرآنية والجهاد القرآني والتبيين الذي ينشده»؟
ب - الامام الخامنئي دام ظلُّه.

10- من القائل: «يقول تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾، كل الناس مسؤولون عن أفعالهم»؟
ج - سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).


أجوبة تسلية وفائدة قرآنية للعدد (19) :

أفقيَّاً

1 - سورة تبدأ بكلمة سبح وتنتهي بكلمة موسى (عليه السلام)، هي: سورة الأعلى.
2 - اسم آخر لسورة الكافرون، هو: سورة الجحود.
3 - سورة ذكرت نقض اليهود العهد مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، هي: سورة الحشر.
4 - اسم السورة التي فيها قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾، هي: العنكبوت.
5 - سورة تسمى بسورة المودة، هي: الممتحنة.
6 - اسم السورة التي ذكر فيها شجرة اليقطين، هي: الصافات.
7 - اسم السورة التي فيها قوله تعالى: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾، هي: الحديد.
8 - اسم السورة التي فيها قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، هي: الزمر.
9 - اسم السورة التي فيها قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾، هي: لقمان.
10- اسم السورة التي فيها قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي﴾، هي: الزمر.
 

عاموديَّاً

1 - اسم السورة التي فيها قوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾، هي: الزلزلة.
2- اسم السورة التي فيها قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، هي: النمل.
3- اسم السورة التي فيها قوله تعالى: ﴿وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾، هي: فاطر.
4- اسم السورة التي فيها قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً﴾، هي: هود.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملاحظة: إلى القرّاء الكرام: 

تحية طيبة إليكم من إدارة المجلة، ونحن نرحب بأي اقتراح من قبلكم لتطوير المجلة ويمكن لكم مراسلتنا من خلال مراكز جمعية القرآن الكريم من كافة المناطق. 


أرقام هواتف جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد:

الإدارة العامة: بيروت - لبنان - حارة حريك - أوتستراد المطار - سنتر صولي - 274721/01 تلفاكس: 545723/01
بـيــروت: 278845/01 - النويري: 653914/01 - خلدة: 806587/05
النبـطيـة: 764749/07 - بريقع: 542403/07 - الغازية: 225121/07 - مشغرة - القطراني: 651915/08
صـــــور: 349292/07 - شحور: 675170/03 - جويا: 411355/07 - الشعيتية: 086049/03 - بنت جبيل: 452116/07
بـعلـبـك: 373786/08 - قصرنبا: 910410/08 - النبي شيث: 335013/08 - شمسطار 330209/08
الهــرمل: 200235/08 - العين: 430717/71 - القصر: 468090/03
 

 

 

www.qurankarim.org    E-mail: info@qurankarim.org

23-05-2017 | 12-08 د | 6648 قراءة


الصفحة الرئيسة
جمعية القرآن الكريم
المكتبة الصوتية والمرئية
معرض الصور
مكتبة الكتب
سؤال وجواب
صفحة البحــــث
القائمة البريـدية
سجـــــــل الزوار
خدمــــــــة RSS
تواصل معنا
 
فلاشات إخبارية
جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - لبنان

2748445 زيارة منذ 18- تموز- 2008

آخر تحديث: 2023-12-07 الساعة: 12:56 بتوقيت بيروت