تحريك لليسارإيقافتحريك لليمين
نافذة من السماء، العدد السادس والعشرون.
مجلة هدى القرآن العدد الثاني والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد السادس والتسعون
نافذة من السماء، العدد الخامس والعشرون
مجلة هدى القرآن العدد الواحد والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد الخامس والتسعون
مجلة هدى القرآن العدد التاسع عشر
مجلة أريج القرآن، العدد الواحد والتسعون
مجلة أريج القرآن، العدد التسعون
 
التصنيفات
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة
مجلة هدى القرآن العدد الخامس عشر

العدد الخامس عشر ـ السنة الخامسة ـ لشهر جمادي إلى شعبان 1436هـ، شباط 2015 م
مجلة داخلية تصدر عن جمعية القرآن الكريم، تُعنى بالثقافة القرآنية

 

 

- الافتتاحية: القرآن كتاب فكر وعمل.

- القرآن والقادة: تأثير القرآن وترتيله في إخلاص الشباب.

- عيد المبعث أكبر خاطرة تاريخية خالدة.

- الشهداء القادة على طريق فلسطين.

- التفسير والبيان: الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله.

- مفردات قرآنية: سُورَة الحِجر مكيّة وَعَدَدُ آياتِها تسع وتسعون آيَة.

- الأمثال في القرآن: مثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة.

- مناهج التفسير: التفسير حسب تأويلات الصوفية.

- علوم قرآنيَّة: عدم تواتر القراءات ومقياس قبولها.

- قصص قرآنيَّة: قصَّة موسى وهارون (عليهما السلام) في القرآن.

- القرآن في نهج البلاغة: الْقُرْآنُ نُورٌ لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ.

- الأخلاق في القرآن: الخُطوات العمليّة لتهذيب الأخلاق.

- حفظ القرآن: دعوة القرآن والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لحفظ القرآن الكريم.

- المرأة في القرآن: المشاكل الزوجية وكيفية علاجها على ضوء القرآن الكريم.

- تجويد القرآن: أحكام الابتداء وأنواعه في القرآن.

- حوارات قرآنية: نرجس علاء الدين حافظة لكامل القرآن الكريم.

- أشهر القرّاء المبدعين: القارىء الشيخ محمد السيد ضيف (من جمهورية مصر العربيَّة).

- مقابلة العدد: مع الأخ المجاهد السيد ياسر الموسوي نجل الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي (قده).

- العقيدة في القرآن: العدل الإلهي في القرآن الكريم.

- كلام أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن.

- نباتات ذكرت في القرآن.

- حيوانات ذكرت في القرآن.

- إضاءة على كتاب قرآني

- أنشطة الجمعية.

- مسابقة العدد.

 

    كلمة العدد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
صدق الله العلي العظيم



كتاب الله تعالى هدى من الضلالة إلى الحق بالبيان والبرهان واللطف الذي فيه من جهة الإعجاز الدال على صحة أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبشرى للمؤمنين بالجنة والثواب.
إنَّ القرآن الكريم كتاب هداية وإصلاح وإرشاد وبيان، وهذه الحقيقة مؤكدة بنصوص شرعية، تنطلق من الآية السابقة وغيرها من الآيات والروايات.
نزل القرآن الكريم على صدر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، وهو الكتاب الذي خطّط للمجتمع الإنساني طريق الهداية والتكامل، وتعهّده بالصيانة والأمانة، كما شرّع له كلّ ما يتطلّبه من حاجات فردية واجتماعية سواء بسواء.

وآياته وسوره نزلت وفق مقتضيات الحياة، وما تصلحها من دساتير وتوجيهات لإقامة العدل فيها، وتحقيق السعادة للبشرية.
والقرآن الكريم هو المعجزة الإلهية الخالدة التي جاء بها أعظم الرُّسل وأكرمهم ولذلك فإنّ النهوض بحقّه هو من أعظم الحقوق وأخطرها، كما أنّ إقامة سننه وواجباته هي من أخطر الفروض والواجبات.
والقرآن هو الكتاب الذي يصعد بالإنسانية إلى أرفع مدارج الكمال، ويهديها إلى سواء السبيل، وينشد لها السعادة الدائمة، التي تمنحها العزّة والرفعة، وتجنّبها الذلّ والشقاء، وهو الكتاب الذي يغدق على الإنسانية كلّ معاني القدرة والمنعة في مجالات حياته الماديّة والمعنويّة. يقول الإمام الصادق(عليه السلام): «القرآن: هدى من الضلالة، وتبيان من العمى، واستقالة من العثرة، ونور من الظلمة، وضياء من الأحداث، وعصمة من الهلكة، ورشد من الغواية، وبيان من الفتن، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة، وفيه كمال دينكم، وما عدل أحد عن القرآن إلاّ إلى النار». ونحن في جمعية القرآن الكريم نسأله سبحانه التمسك بهدى القرآن، إنه سميع مجيب.
 

جمعية القرآن الكريم
للتوجيه والإرشاد

 

    الافتتاحية




اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالِميْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّد وآلِهِ الطَّيِبيْنَ الطّاهِرِيْنَ لاسِيَّما اْلإِمامِ الْمَهْدِيّ الْمُنْتَظَرِ أرْواحُنا فِداهُ.
يقول سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾ (1).
تخاطب هذه الآية القرآنيّة المنافقين وسائر الذين يرتابون من حقيقة القرآن المجيد، وتطلب منهم أن يحققوا في خصائص القرآن ليعرفوا بأنفسهم أنّ القرآن وحي منزل، ولو لم يكن كذلك لكثر فيه التناقض والاختلاف، وإِذا تحقق لديهم عدم وجود الاختلاف، فعليهم أن يذعنوا أنّه وحي من الله تعالى.
والتّدبر(2) المطلوب في هذه الآية هو البحث عن نتائج آثار الشيء، والفرق بين التدبر والتفكر هو أنّ الأخير يعني التحقيق في علل وخصائص الموجود، أمّا التدبر فهو التحقيق في نتائجه وآثاره.
ونستفيد من هذه الآية عدّة أُمور:
أوّلاً - إِنّ الناس مكلّفون بالبحث والتحقيق في أُصول الدين والمسائل المشابهة لها، مثل صدق دعوى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وحقانية القرآن، وأن يتجنّبوا التقليد والمحاكاة في مثل هذه الحالات.
ثانياً - إِنّ القرآن قابل للفهم والإِدراك للجميع، ولو كان على غير هذه الصورة لما أمر الله بالتدبر فيه.
ثالثاً - أحد الأدلة التي تثبت أنّ القرآن حقّ، وأنّه منزل من الله الحكيم العليم خلوه المطلق من كل اختلاف أو تناقض.

والقرآن كتاب نزل خلال مدّة 23 عاماً بحسب ما يحتاجه الناس من تربية وتوجيه في الظروف المختلفة، وموضوعات القرآن متنوعة، فهو لا يشبه كتاباً عادياً متخصصاً في بحث اجتماعي أو سياسي أو فلسفي أو حقوقي أو تاريخي، بل هو يتحدث تارة عن التوحيد وأسرار الخليقة، وأخرى يطرح القوانين والأحكام والآداب والسنن، وثالثة يقص علينا أخبار الأُمم السابقة، ورابعة يتناول المواعظ والنصائح والعبادات وإرتباط العبد بخالقه، وهكذا. وكما يقول (غوستاف لوبون): القرآن كتاب المسلمين السماوي، لا يقتصر على التعاليم الدينية، بل يتناول أيضاً الأحكام السياسية والاجتماعية للمسلمين.
مثل هذا الكتاب لا يمكن أن يكون خالياً من التناقض والتضاد والاختلاف والتأرجح، أمّا حين نرى هذا الكتاب متناسقاً متوازناً في آياته خالياً من كل تضاد واختلاف نستطيع أن نفهم أنّ هذا الكتاب ليس وليد فكر بشري، بل هو من قبل الله تعالى، كما تبين الآية الكريمة أعلاه.

أيضاً هناك آيات قرآنيَّة مختلفة تؤكّد على حقيقة أنّ هذا الكتاب السماوي العظيم ليس للتلاوة وحسب، بل إنّ الهدف النهائي منه هو الذكر كما أكّد سبحانه بقوله: ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ﴾ (3)، والتدبّر في عواقب الأُمور قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ ﴾ (4)، والإنذار قال عزَّ وجل: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ﴾ (5)، وإخراج البشر من الظلمات قال جلَّ وعلا: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ (6)، والشفاء والرحمة والهداية قال تبارك وتعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ (7)، أيضاً هو كتاب فكر وعمل، فينبغي علينا أن نتفكر في القرآن ونعتبر به ونرفع عن قلوبنا الأقفال التي تمنعنا من ذلك. وليس عليها ما يمنع من التدبر والتفكر والتدبر في النظر في موجب الأمر وعاقبته، وعلى هذا دعانا إلى التدبر بالقرآن: ﴿
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ (8).

ولهذا، فإنّ القرآن الكريم يجب أن يأخذ مكانه من حياة المسلمين، ويكون في صميمها لا على هامشها، وعليهم أن يجعلوه قدوتهم وأسوتهم، وأن ينفذوا كلّ أوامره، وأن يجعلوا خطوط حياتهم وطبيعتها منسجمة معه.
لكنّ، فئة من المسلمين لا يتعاملون مع القرآن إلاّ على أنّه مجموعة أوراد وأذكار، فهم يتلونه جميعاً تلاوةً مجرّدة، ويهتمون أشدّ الإهتمام بالتجويد ومخارج الحروف وحسن الصوت، وأكثر شقاء المسلمين وتعاستهم يكمن في أنّهم أخرجوا القرآن عن كونه دستوراً جامعاً لحياة البشر، واكتفوا بترديد ألفاظه، وقنعوا بذلك.
لكن، ينبغي أن لا ننسى أنّ الاستفادة من القرآن تحتاج إلى نوع من تهذيب النفس وجهادها، وإن كان القرآن بنفسه معيناً في تهذيبها، لأنّ القلوب إذا كانت مقفلة بأقفال الهوى والشهوة، والكبر والغرور، واللجاجة والتعصّب، فسوف لا يلجها نور الحق، كما أشارت الآيات السابقة إلى هذا المعنى.

وما أروع كلام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في خطبته حول صفات المتّقين، إذ يقول: «أَمَّا اَللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ اَلْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ» (9).
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير جملة: ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾: «إنّ لك قلباً ومسامع، وإنّ الله إذا أراد أن يهدي عبداً فتح مسامع قلبه، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه فلا يصلح أبداً، وهو قول الله عزَّ وجلّ: ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾» (10).

لقد خلق الله نوراً، ثم قسمه إلى قسمين، فأودع القسم الأول في الإنسان وسمّاه العقل، ثم خلق بالقسم الثاني كتاباً وسمّاه القرآن المجيد.
فالقرآن هو ذلك العقل الذي فصّل تفصيلاً من لدن حكيم خبير، وهو الكتاب الذي يسره الله تبارك وتعالى وبرمجه بلغة الإنسان، وأنزله من العليين لكي يفهمه مخلوقه المكرّم، حتى كان التطابق بين العقل والقرآن تطابقاً من شأنه إيصال الإنسان إلى الحقيقة.
إذن؛ فالقرآن هو العقل الظاهر، والعقل هو القرآن الباطن.
من هنا؛ فإن العقل كلما استضاء بالقرآن كلما أفصح عن نفسه، وكلما تدبر القارئ في آيات الله سبحانه كلما أعطى الفرصة لعقله بالظهور. فلا يفهم القرآن دون العقل، ولا يمكن للعقل أن يتبلور دون القرآن.
إن الجسر الرابط بين العقل والقرآن، هو عملية التدبر والتفكّر والتأمّل.
وعلى هذا؛ لا ينبغي لقارئ كتاب الله أن يمرّ عليه مروراً مجرداً، أو يكون همّه الوصول إلى آخر السورة، أو يكون هدفه من القراءة لقلقة اللسان بالحروف والكلمات والمظاهر، بل يجدر به التعمق والوصول إلى ذلك الجوهر المقدّس والنور الوضّاء الذي أودعه الله في كلماته. ولا ينسى القارئ للقرآن أن يضع نصب عينيه الحديث الشريف المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث قال: «لقد تجلى الله لخلقه في كلامه، ولكنهم لا يبصرون» (11) ليكون له بمثابة المثير والمحرض نحو التدبر في القرآن.
اللهُمَّ أَحْيِ بِوَلِيِّكَ الْقُرْآنَ وَأَرِنَا نُورَهُ سَرْمَداً لاَ لَيْلَ فِيهِ وَأَحْيِ بِهِ الْقُلُوبَ الْمَيِّتَةَ وَاشْفِ بِهِ الصُّدُورَ الْوَغِرَةَ وَاجْمَعْ بِهِ الْأَهْوَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَى الْحَقِ وَأَقِمْ بِهِ الْحُدُودَ الْمُعَطَّلَةَ وَالْأَحْكَامَ الْمُهْمَلَةَ حَتَّى لاَ يَبْقَى حَقٌّ إِلاَّ ظَهَرَ وَلاَ عَدْلٌ إِلاَّ زَهَرَ. اللهُمَّ وَفِّقْنا لِخِدْمَةِ الْقُرْآن، ولِلسَّيْرِ عَلَى هَدْيِهِ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَسَلامُ الله عَلَيْكُمْ وَعَلَى عِبَاد الله ِالصَّالِحيْن وَرَحْمَتَهُ وَبَرَكَاتُهُ.

رئيس التحرير


(1) - سورة النساء، الآية: 82.
(2) - «التدبر»: من مادة «دبر» وهو مؤخر الشيء وعاقبته.
(3) - سورة الأنبياء، الآية: 50.
(4) - سورة ص، الآية: 29.
(5) - سورة الأنعام، الآية: 19.
(6) - سورة إبراهيم، الآية: 1.
(7) - سورة الإسراء، الآية: 82.
(8) - سورة محمد، الآية: 24.
(9) - نهج البلاغة: الخطبة 193، المعروفة بخطبة همام.
(10) - نور الثقلين: ج5، ص41.
(11) - بحار الانوار: ج89، ص107.

 

    القرآن والقادة

 

تأثير القرآن وترتيله في إخلاص الشباب



في بيان أن العبادة تؤثر في الشباب (1) :
ويتم بالقرآن الكريم التأثر القلبي والتحوّل الباطني بصورة أفضل فترة الشباب, لأن قلب الفتى لطيف وبسيط وذو نقاء وصفاء أكثر, وأن إرادته قليلة, وتضارب الأفكار وتهافتها فيه قليل, فيكون شديد الانفعال والتأثر وسريع التقبّل.
إذن يجب على الشباب حتى إذا كانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان, أن ينتبهوا إلى كيفية تفاعلهم وعشرتهم مع الآخرين, ويتورعوا عن الاختلاط مع السيئين, بل إن الصداقة والاختلاط مع العصاة وذوي الخلق الفاسد والسلوك المنحرف مسيء لجميع الناس من أي طبقة كانوا, ويجب أن لا يكون احد مطمئناً بنفسه ومغروراً بإيمانه أو أخلاقه وأعماله, كما ورد في الأحاديث الشريفة الأمر بالابتعاد عن معاشرة أهل المعصية.


الإخلاص في القراءة:

ومن الآداب اللازمة في قراءة القرآن, والتي لها دور أساسي في التأثير في القلب والتي لا يكون من دونها لأي عمل أهمية وشأن, بل يعتبر ضائعاً وباطلاً وباعثاً على السخط الإلهي, هو الإخلاص, فإنه ركن أصيل للانطلاق إلى المقامات الأخروية, ورأس مال في التجارة الأخروية.
وقد ورد في هذا الباب أيضاً أخبار كثيرة من أهل بيت العصمة (عليهم السلام) منها ما حدثنا الشيخ الكليني رضوان الله تعالى عليه.بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة واستدرّ به الملوك واستطال به على الناس. ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده وأقامه إقامة القدح. فلا كثّر الله هؤلاء من حملة القرآن, ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه فاسهر به ليله واظمأ به نهاره وقام به في مساجده وتجافى به عن فراشه, فبأولئك يدفع الله العزيز الجبار البلاء وبأولئك يديل الله من الأعداء, وبأولئك ينزل الله الغيث من السماء, فوالله لهؤلاء في قراء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر» (2).
وعن «عقاب الأعمال» بإسناده عن أبي عبد الله, عن أبيه, عن آبائه (عليهم السلام) قال: «من قرأ القرآن يأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظم لا لحم فيه» (3).
وبإسناده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث قال: «من تعلم القرآن فلم يعمل به وآثر عليه حب الدنيا وزينتها استوجب سخط الله وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم.

ومن قرأ القرآن يريد به سمعة والتماس الدنيا لقي الله يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم وزجّ القرآن في قفاه حتى يدخله النار ويهوى فيها مع من هوى.
ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى فيقول: يا ﴿ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾, فيؤمر به إلى النار.
ومن قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وتفقّهاً في الدين كان له من الثواب مثل جميع ما أُعطي الملائكة والأنبياء والمرسلون.
ومن تعلّم القرآن يريد به رياء وسمعة ليُماري به السفهاء ويباهي به العلماء ويطلب به الدنيا بدّد الله عظامه يوم القيامة ولم يكن في النار أشد عذاباً منه, وليس نوع من أنواع العذاب إلاّ سيعذب به من شدة غضب الله عليه وسخطه, ومن تعلّم القرآن وتواضع في العلم وعلّم عباد الله وهو يريد ما عند الله لم يكن في الجنة أعظم ثواباً منه ولا أعظم منزلة منه ولم يكن في الجنة منزل ولا درجة رفيعة ولا نفيسةٍ إلاّ وكان له فيها أوفر النصيب وأشرف المنازل» (4).

في معنى الترتيل (5) :
ومن آداب قراءة القرآن الكريم الذي يبعث على التأثير في النفس، ويجدر بالقارئ أن يراعيه، هو الترتيل في التلاوة، وهو كما في الحديث عبارة عن الحد الوسط بين السرعة والعجلة من جهة، والتأني والفتور المفرطين الموجبين لتفرّق الكلمات وانتشارها من جهة أخرى.
عن محمَّد بن يعقوب بإسناده عن عبد الله بن سليمان قالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ قال: قال أميرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): تَبَيّنْهُ تِبْياناً (تَبْييناً ـ خ ل) وَلاَ تَهُذَّهُ هَذَّ الشِّعْرِ وَلاَ تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ وَلكِنْ أَفْرِغُوا قُلُوبَكُمُ القَاسِيَةَ وَلاَ يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ» (6). (أي لا يكن هدفكم ختم القرآن في أيام معدودة أو الإسراع في قراءة السورة والبلوغ إلى آخرها).
فالإنسان الذي يريد أن يتلو كلام الله, ويداوي قلبه القاسي, ويشفي أمراضه القلبية من خلال قراءته للكلام الجامع الإلهي, ويطوي مع نور هداية هذا المصباح الغيبي المنير, وهذا النور على النور السماوي, طريق الوصول إلى المقامات الأخروية والمدارج الكمالية, لا بد لهذا الإنسان من توفير الأسباب الظاهرية والباطنية والآداب الصورية والمعنوية. أما أمثالنا عندما نقرأ القرآن بعض الأحيان فمضافاً إلى أننا نغفل نهائياً عن معاني الآيات الكريمة, وأهدافها السامية وأوامرها ونواهيها ووعظها وزجرها, وكأن آيات الجنّة ونعيمها, وآيات جهنم والعذاب الأليم لا تعنينا, بل ـ نعوذ بالله ـ يكون انتباهنا وتوجّه قلوبنا عند قراءة الكتب القصصية أكثر من توجهنا حين تلاوتنا للآيات المجيدة, مضافاً إلى ذلك فإننا في غفلة حتى عن الآداب الظاهرية لقراءة القرآن الكريم.

وقد ورد في الأحاديث الشريفة، الأمر بقراءة القرآن بصوت حزين وجميل (وَعَنْ أَبي الْحَسنَ (عليه السلام) قالَ ذَكَرتُ الصَّوتَ عِنْدُهُ فَقالَ: إِنَّ عَلي بن الحُسين L كانَ يَقْرأُ فَرُبّما مَرَّ بِه المارّ فَصَعِقَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِه، وأَنَّ الإِمامَ لَوْ أَظْهَرَ مِنْ ذلِكَ شَيئاً لَما احْتَمَلَهُ النَّاسُ مِنْ حُسْنِةِ) (7) ونحن عندما نريد أن نُري للناس صوتنا الحسن وأنغامه الجميلة، نلتجىء إلى قراءة القرآن أو الآذان، من دون أن نستهدف تلاوة القرآن والعمل بهذا الاستحباب. وعلى كل حال إن مكائد الشيطان وأضاليل النفس الأمارة كثيرة، وغالباً يلتبس الحق بالباطل، والحسن بالقبيح، فيجب أن نلوذ إلى الله سبحانه ونعوذ به من هذه الأشَرْاكَ والأفخاخ.


(1) - الأربعون حديثاً: ص534.
(2) - أصول الكافي: ج2، ص604, كتاب فضل القرآن باب النوادر: ح1، ص627.
(3) - وسائل الشيعة: ج4، ص837.
(4) - وسائل الشيعة: ج4، ب9, من أبواب تكبيرة الإحرام, ح7و11ص737.
(5) - الأربعون حديثاً: ص538.
(6) - أصول الكافي: ج2, ص614.
(7) - أصول الكافي: ج2، باب ترتيل القرآن, ح4.

 

   القرآن والقادة

عيد المبعث أكبر خاطرة تاريخية خالدة (1)


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ



أبارك هذا العيد الكبير لكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، مسؤولو البلاد والضيوف الكرام - سفراء البلدان الإسلامية - الحاضرون في هذا الاجتماع، وكذلك للشعب الإيراني الكبير المؤمن المخلص، ولكل المسلمين في العالم، ولكل أحرار العالم.
عيد المبعث أكبر خاطرة تاريخية خالدة، لأنه أوجد حقبة حساسة للغاية في تاريخ البشر، وعرض على الإنسانية مساراً وطريقاً إذا سار فيه بنو البشر فسوف تتحقق لهم كل مطاليبهم الفطرية والطبيعية والتاريخية. عانت البشرية على امتداد التاريخ من عدم توفّر العدالة. أي إن العدالة كانت المطلب الكبير لكل أبناء الإنسانية على مرّ التاريخ. إذا رفع شخص اليوم راية العدالة يكون في الحقيقة قد طرح مطلباً تاريخياً طويل الأمد وطبيعياً وفطرياً من مطاليب الإنسان. الدين الإسلامي والمسيرة الإسلامية وبعثة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت من أجل العدالة بالدرجة الأولى، شأنها شأن بعثة كل الأنبياء الآخرين.
من المطاليب المهمة الأساسية الأخرى للبشرية السلام والأمن والاستقرار. يحتاج البشر من أجل حياتهم وتنمية أفكارهم، وتطوير أعمالهم وتهدئة نفوسهم إلی الاستقرار والسكينة و المناخ الآمن الهادئ سواء في داخل نفوسهم أو في بيئتهم العائلية أو في مناخ مجتمعهم أو في الأجواء الدولية. الاستقرار والأمن والسلام والصلح من المطاليب الأساسية عند البشر.

والإسلام يحمل رسالة الأمن والصلح والسلام. ونحن نقول الآن تبعاً للقرآن ولتعاليم القرآن إن الإسلام دين الفطرة بمعنى أن الطريق الذي يرسمه الإسلام أمام البشرية هو طريق الفطرة.. طريق إشباع الاحتياجات الفطرية لدى الإنسان. بهذه الشمولية، وبهذه الدقة، وبهذا الاهتمام والتوجّه حصلت بعثة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل خالق العالم، ووعد الله بفلاح البشرية: ﴿ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ (2). البشارة بالدرجة الأولى هي التبشير بهذه الحياة الهادئة المصحوبة بالعدالة والملائمة لبنية الإنسان. وطبعاً ثمة بعد ذلك بشارة الثواب الإلهي المتعلق بحياة الإنسان الدائمية. لذا كانت بعثة الرسول في حقيقتها بعثة الرحمة. بهذه البعثة شملت الرحمة الإلهية عباد الله، وانفتح هذا الطريق أمام البشر، وطرحت العدالة، و طرح الأمن والسلام: ﴿ ... قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ... ﴾ (3). بهذه الدساتير وبهذه التعاليم دلّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس على طرق السلام والأمن، وطرق السلام هذه - طرق الأمان، والاستقرار، والأمن - تختص بكل المناخات المهمة للإنسان، ابتداءً من المناخ الداخلي القلبي للإنسان إلى مناخ المجتمع وأجواء العائلة، وبيئة العمل، وبيئة الحياة الجماعية إلى المناخ الدولي العالمي، هذا هو ما يتوخاه الإسلام ويريده.

ما يطرحه الإسلام كهدف للأعداء هو تحديداً النقاط التي تتعارض مع هذه الخطوط الرئيسية لحياة البشر، الذين يعارضون العدالة ويعارضون السلام والأمن والاستقرار، والذين يعارضون الصفاء والروح النقية والمتسامية عند البشر هؤلاء يقفون على الضد من دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). إنما أوجب الله تعالى الجهاد على المسلمين من أجل العدالة. والجهاد ليس شيئاً يختص بالإسلام فهو موجود في كافة الأديان الإلهية. أعداء الدعوة المحمدية هم معارضو هدوء الناس واستقرارهم واستقرار المجتمع وسموّه، والذين يعادون مصالح الإنسانية، هذه هي النقاط التي يهدف إليها الإسلام، وقد بيّن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ بداية بعثته نقاطاً جلية ساطعة بما أوحي إليه من آيات.

في سورة «إقرأ» المباركة هذه وآياتها على ما يبدو أول الآيات التي نزلت على الرسول - وقد نزلت الآيات اللاحقة بعد مدة من الزمن لكنها في أوائل البعثة على كل حال - يقول عزّ و جلّ: ﴿ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ (4). الذين وقفوا أمام دعوة الرحمة ودعوة العزة والدعوة للسكينة والأمن جرى تهديدهم في أول سورة من القرآن الكريم.
أو في سورة «المدثر» المباركة، وهي أيضاً من أول السور التي نزلت على الرسول، جرى التشديد على العنصر المعارض لحياة البشر: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾ (5). إشارة إلى وقوف هذه الحركة العظيمة مقابل الشخص الذي يعارض الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعارض مصالح المجتمع البشري، ويعارض سبيل الحق. لذا كان في الإسلام كفاح وجهاد، إلا أن هذا الجهاد جهاد مقابل معارضي استقرار الحياة البشرية وأعداء العدالة وأعداء سعادة الإنسانية. لذلك حينما تلاحظون القرآن الكريم وسيرة الرسول ترون أنه منذ اليوم الأول الذي تشكلت فيه الحكومة الإسلامية كان ثمة غير مسلمين يعيشون حياة الأمن والاستقرار في ظل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). اليهود الذين كانوا في المدينة عقد الرسول معهم معاهدات ليعيشوا حياة هادئة بجانب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكنهم تآمروا وعارضوا وخانوا وطعنوا غدراً، لذلك وقف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بوجههم. لو لم يعارض يهود المدينة ولم يبدوا العداء والخيانة ربما لم يكن ليتعرض لهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أبداً.

إذاً، الدعوة الإسلامية دعوة معنوية لها براهينها وأدلتها.. إنها دعوة بمعنى عرض الحياة النيّرة السعيدة على البشر.
يظهر مقابل هذه المسيرة معارضون وأعداء، والإسلام يقصي هؤلاء المعارضين.. الإسلام لا يتصرف بطريقة انفعالية. إذا كان ثمة معارض لسعادة الإنسان ودعوة الحق فسوف يقارعه الإسلام ويقف بوجهه. قارنوا هذا بما فعلته القوى المعتدية في العالم على مرّ التاريخ ولا تزال تفعله إلى اليوم، يحاربون من أجل التوسع والقوة ولأجل تكريس اللاعدالة.
لاحظوا ما يجري في العالم اليوم، تنتج القوى المهيمنة والمستكبرة في العالم السلاح لتهديد البشرية وليس لنشر العدالة، بل لنشر اللاعدالة، ليس لتوفير الأمن للإنسان، إنما لسلب الأمن من الذين لا يستسلمون لهم، هذه هي الحال في العالم اليوم.
ولهذا السبب نسمي الجاهلية الموجودة في العالم اليوم الجاهلية الحديثة.. عصر الجاهلية لم ينته. الجاهلية معناها مواجهة الحق ومجابهة التوحيد ومواجهة حقوق الإنسان، ومعارضة الطريق الذي اختطه الله للبشر من أجل سعادتهم. هذه الجاهلية موجودة اليوم أيضاً، وبأشكال حديثة، وباستخدام العلم، والتقنيات الحديثة، والأسلحة النووية، وأنواع الأسلحة الأخرى التي يتم إنتاجها لملء جيوب أصحاب الصناعات المخربة والمدمرة لحياة البشر.
قصة التسلّح والميزانيات والتكاليف العسكرية في العالم اليوم من القصص الإنسانية المخزية. معامل السلاح في العالم تصنع حالياً مختلف أنواع السلاح من أجل بيعها، يختلقون الحروب في العالم ويوقعون بين البشر وبين الحكومات، ويفتعلون الأخطار والتهديدات ليستطيعوا إشباع أفكارهم الخائنة وأطماعهم الخبيثة.

لذلك، طالما كانت القوى الكبرى ممسكة بزمام القضايا العالمية لن تنتهي الحروب في العالم. الحروب فيها مصالح مادية لهم. هذه الحروب ليست حروباً في سبيل العدالة. يكذب الأمريكان والآخرون حين يقولون إننا نحارب من أجل توفير الأمن، كلا، العكس هو الصحيح. أينما كان لهم تواجدهم وتحركاتهم العسكرية عملوا على انعدام الأمن وانعدام العدالة وتعقيد حياة الناس. منذ أن ظهرت هذه الأدوات الحديثة في العالم يعرض البشر للضغوط والمتاعب. طوال خمسة وأربعين عاماً - أي بعد الحرب العالمية الثانية حتى سنة 1990 ميلادية - وهي الفترة التي اصطلحوا عليها عنوان «الحرب الباردة»، ورد في التقارير الرسمية الدولية أنه لم يخل العالم من الحروب باستثناء ثلاثة أسابيع فقط! كانت هناك حروب في مناطق العالم المختلفة طوال هذه الأعوام الخمسة والأربعين. من الذي أوجد هذه الحروب؟ إنهم الذين ينتجون السلاح. التكاليف العسكرية للقوى الكبرى اليوم من أضخم التكاليف. وفقاً لإحصائياتهم في العام الميلادي المنصرم أنفقت الحكومة الأمريكية على الشؤون العسكرية أكثر من ستمائة مليار دولار! ونحن نشهد هذه التكاليف العسكرية اليوم إلى جوارنا، إنها تكاليف تنفق على أفغانستان، ولأجل قمع الشعب الأفغاني المسلم، وتنفق على العراق لأجل تشديد القبضة على الشعب العراقي، وتنفق لمساعدة الكيان الصهيوني الخبيث، والإبقاء على التوتر في منطقة الشرق الأوسط، هذه هي توجّهات القوى الفاسدة حالياً، الإسلام يكافح هذه الظواهر ويعارضها.

الذين يجدون جدواهم وصلاحهم في أن تشتبك الشعوب المسلمة والحكومات المسلمة فيما بينها بحروب، وأن تتكرس الكراهية فيما بينها، وأن تخاف بعضها، وتعتبر كل واحدة منها الأخرى تهديداً وخطراً، هؤلاء هم الذين يرتبط استمرار قدراتهم الاستكبارية والاستعمارية باستمرار الحروب في العالم. الحروب بالنسبة لهم وسيلة للسلب والنهب. يهلك كل هؤلاء الناس وتنفق كل هذه الأموال على التسلّح وإنتاج الأسلحة الغالية... لماذا ؟ لأجل أن يحصل أصحاب الشركات الكبرى على أموال أكثر، ويصيبون ملذات أكثر في حياتهم، هذا هو النظام الطاغوتي الجاهلي الخطير على البشرية، والمهيمن للأسف على حياة الناس البعيدين عن جادة التوحيد.
لا ريب أن هذا النهج سوف لن يبقى، لأنه بخلاف الحق، ولأنه باطل، ولأنه آيل إلى الزوال: ﴿ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ (6).
الباطل هو ما خالف السنة الإلهية في الخلق.. هذا شيء يزول ولا يبقى. ويلاحظ الإنسان راهناً علامات هذا الزوال. حينما ينظر المرء للواقع الدولي يلاحظ مؤشرات هذا الزوال.

لقد تغيّر وضع العالم، والشعوب قد صحت، ولحسن الحظ فإن هذه الصحوة مضاعفة لدى الشعوب الإسلامية.. الشعوب المسلمة والحكومات المسلمة أخذت تدرك تدريجياً أهمية الإسلام وعظمته وعظمة هذا السند الموثوق القوي. لقد أدت اليقظة الإسلامية في العالم الإسلامي اليوم إلى سلب القوى الكبرى اقتدارها السابق الذي كان لها. وضع أمريكا يختلف عمّا كان عليه، والقوى الأصغر من أمريكا أيضاً تعيش نفس هذا الواقع وتمرّ بهذا الوضع، على الشعوب المسلمة أن تعرف قدر طريق التوحيد وتعتبر الوعد الإلهي صادقاً. سعادة المسلمين اليوم تكمن في أن يتحدوا مع بعضهم حول محور الإسلام.
طبعاً ثمة عداء وسيكون هناك عداء في المستقبل أيضاً. أينما كان هناك وعي وصحوة أكثر، يشعر أعداء الإنسانية بالخطر أكثر، لذلك يمارسون عداءً أكثر. إننا نفهم جيداً معنى العداء الذي يمارسونه ضد الجمهورية الإسلامية.. نعرفه جيداً ونعرف أسبابه الحقيقية، السبب هو أن الجمهورية الإسلامية ترفع راية صحوة الشعوب المسلمة، لأن الجمهورية الإسلامية تدعو الشعوب والحكومات للاتحاد والعزة وتقول إن على الشعوب والحكومات أن تعرف قدر عزتها في ظل الإسلام، هذا هو سبب العداء ونحن نعرفه، ونعرف أن هذه العداوات سوف تخفق، كما أخفقت إلى اليوم، إنهم يعملون منذ إحدى وثلاثين سنة ضد الجمهورية الإسلامية، ومنذ إحدى وثلاثين سنة والجمهورية الإسلامية تتجذر وتقوى أكثر فأكثر بفضل من الله، وسوف يستمر هذا السياق، كلما استمرت حالات العداء كلما صحت الجماهير الإيرانية والجماهير المسلمة، وقواعد الإسناد في العالم الإسلامي، وعرف قدر نفسها أكثر.
نتمنى أن يعين الله تعالى كافة الحكومة الإسلامية وكل الشعوب الإسلامية لتعتمد على نفسها ولا تهاب القوى المستكبرة، وتعلم أن قدرات هذه القوى آيلة للزوال، وأنها قدرات مزيفة باطلة، وهذا الباطل لا يبقى، الذي يبقى هو ما ينفع البشرية والناس: ﴿ ... وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ... ﴾ (7).
نتمنى أن يقرّبنا الله تعالى جميعاً ببركة البعثة النبوية لطريق الإسلام ولطرق الإسلام، ويعرِّف قلوبنا أكثر على الأحكام والمعارف الإلهية، ويقرِّب قلوب المسلمين من بعضها أكثر فأكثر، ويضع أيدي الحكومات المسلمة في أيدي بعضها لتستطيع الأمة الإسلامية - إن شاء الله- استعادة قدرتها وعزتها وسمعتها المهدورة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 


(1) - قالها بتاريخ: 10/07/2010.
(2) - سورة البقرة، الآية: 119.
(3) - سورة المائدة، الآيات: 15 - 16.
(4) - سورة العلق، الآيات: 15 - 18.
(5) - سورة المدثر، الآيات: 11 - 17.
(6) - سورة الإسراء، الآية: 81.
(7) - سورة الرعد، الآية: 17.

 

 

  القرآن والقادة

القادة تحيي ذكرى استشهاد القادة بالقرآن

الشهداء القادة على طريق فلسطين


 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ  ﴾ (1)، صدق الله العلي العظيم.


أرحب بكم جميعاً في هذه الذكرى الغالية والعزيزة، ذكرى القادة الشهداء، وأتوجه بالتحية إليكم جميعاً، وبالأخص إلى عوائل الشهداء وإلى عوائل القادة الشهداء، إلى عائلة الشهيد القائد السيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه، إلى عائلة الشهيد القائد الشيخ راغب حرب رضوان الله تعالى عليه، إلى عائلة الشهيد القائد الحاج عماد مغنية رضوان الله تعالى عليه وعليهم أجمعين.
في ذكرى القادة الشهداء، نتعلم، نستلهم، نجدّد العزم والعهد، نحفظ الوصية ونبقى رجال الموقف، هؤلاء القادة الشهداء كانوا وما زالوا شهوداً على جميع مراحل المقاومة إلى اليوم.
الشهيد الشيخ راغب هو الشهيد الشاهد على مرحلة القيام والنهوض والاستنهاض والانطلاقة وحسم الخيارات وانتخاب الطريق الموصل إلى الهدف.
الشهيد السيد عباس هو الشهيد الشاهد على مرحلة الثبات والتثبيت والتركيز والترسيخ في خط المقاومة وطريقها ونهجها وتصاعدها.
الشهيد الحاج عماد هو الشهيد الشاهد على مرحلة التطوّر الكمّي والنوعي، بشرياً ومادياً وفنياً، وعلى مرحلة الإنجازات والانتصارات التي مهّد لها الشهداء القادة وكل الشهداء من قبل.
في مدرسة الشهداء القادة، كان المشروع هو المقاومة وليس أي شيء آخر، وكانت الأولوية المطلقة هي المقاومة، لأن التشخيص الصحيح أيها الإخوة والأخوات للخطر الأكبر الذي كان ولا يزال يتهدد لبنان وفلسطين والمنطقة وشعوب المنطقة هو إسرائيل والمشروع الصهيوني.

عندما نفكر من موقع وطني أو من موقع قومي أو من موقع إسلامي، عندما نفكر على مستوى المنطقة وعلى مستوى الأمة نصل إلى هذا الاستنتاج وإلى هذا التشخيص: إن الخطر الأكبر هو إسرائيل والمشروع الصهيوني. عندما نفكر بعقلية الزاروب والصراعات المحلية سيكون الخطر الأكبر شيئاً آخر: هذا الحزب وهذا التنظيم وهذه الطائفة وهذه الفئة وهذه الجهة.
والخيار الوحيد المتاح أمام الشعوب، الخيار المنطقي العقلائي التاريخي، الذي قامت عليه سيرة العقلاء طوال التاريخ، هو خيار المقاومة الشعبية بجميع أشكالها ومستوياتها، ومن جملتها المقاومة المسلّحة. لذلك آمن قادتنا الشهداء، كما آمن من قبل مؤسس المقاومة في لبنان سماحة الإمام موسى الصدر أعاده الله بخير ورفيقيه آمن قادتنا الشهداء بمشروع المقاومة وأخلصوا لهذا المشروع وأخلصوا لهذه الأولوية، وقدموا له كل شبابهم وحياتهم وجهودهم، عاشوا من أجله، تعبوا في الليل والنهار واستشهدوا في هذا الطريق، وعلّمونا وهم أساتذتنا وقادتنا أن نخلص لهذا المشروع، أن نعمل له بجد، وأن نخلص لهذه الأولوية، وأوصونا بذلك، ونحن من حفظ الوصية ويحفظ الوصية. بعد 30 عاماً يقف مشروع المقاومة في لبنان أكثر من أي وقت مضى على أرض صلبة وقاعدة راسخة من الحقائق والوقائع والمعادلات والانجازات والانتصارات، ليس مجرد أحلام يراد لها أن تصبح حقيقة، أو شعارات أو انفعالات أو خطابات أو بهلوانيات.

خلال 30 عاماً في لبنان كانت المقاومة من أصلب وأقوى الحقائق الثابتة والراسخة، ومن أنصع وأوضح الوقائع التي أسقطت مشاريع كبرى وغيّرت معادلات استراتيجية، ترسّخت عبر عقود أو قرون من الزمن، وإنجازات المقاومة ونتائجها شاهدة للعيان، لا تحتاج إلى استدلال أو برهان، من التحرير بالدم القاني إلى حماية البلد بالردع المستيقظ والحاضر، وعلى هذه الانجازات والوقائع، نكمل طريقنا ومسارنا الطويل الذي سينتهي إلى النصر الحاسم إن شاء الله وليس لدينا أي تردّد في هذا على الاطلاق.

أيها الإخوة والأخوات: شعار الذكرى في هذا العام، «الشهداء القادة على طريق فلسطين»، قد يبدو للوهلة الأولى في هذا الزمن شعاراً غريباً، أن يقوم حزب الله بدل أن يأخذ ذكرى قادته الشهداء ورمزية قادته الشهداء ليرى كيف يعالج أو يوظف داخلياً ويأخذ العنوان باتجاه فلسطين. وأنا قرأت وسنقرأ غداً من يقول: في أي عالم أنتم تعيشون؟ ما زلتم تتحدثون عن فلسطين وتفكرون بفلسطين.
طبعاً، إذا نظرنا إلى أوضاع المنطقة سيكون هذا سؤالاً طبيعياً، الآن عندما ننظر إلى المنطقة من حولنا وما فيها من خطابات وأدبيات واهتمامات وأولويات وصراعات داخلية في كل بلد وانقسامات وحملات إعلامية واتهامات وفتاوى متبادلة وشتائم وتحريض طائفي ومذهبي واقتتال وسفك دم، من الطبيعي أن لا يبقى هناك مكان لفلسطين، لا في العقل ولا في القلب ولا في العاطفة، لأن العواطف والمشاعر كلها ذاهبة إلى أماكن أخرى، ولا حتى في الهمّ ولا حتى في الخطاب فضلاً عن الأولوية.

الآن ما يجري في القدس، ما جرى منذ أيام على مقربة من حائط البراق، ما يجري على آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، على عشرات أو مئات الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام منذ أشهر، على الأسير العيساوي ورفاقه، أين محله في العالم العربي والإسلامي؟ وفي اهتمام الحكومات، وحتى الشعوب، وحتى وسائل الاعلام. تصاعد الاستيطان في القدس، حتى في الضفة الغربية، كل ما يجري في الموضوع الفلسطيني، أين هو اليوم؟ في أي مكان، في أي عقل، في أي عاطفة أو حساب؟ في أي كلام حتى؟
عندما نقول “شهداؤنا على طريق فلسطين” فإن المقاومة في لبنان، المقاومة اللبنانية بكل فصائلها، ومن ضمنها حزب الله، شكلت المقاومة اللبنانية بإنجازاتها سنداً قوياً لفلسطين ومقاومة الشعب الفلسطيني، وصمود الشعب الفلسطيني. لو قدر للاحتلال الإسرائيلي الاميركي للبنان عام 1982 أن ينجح، لضاع كل الأمل باستعادة شبر واحد من أرض فلسطين، لكن المقاومة في لبنان التي أسقطت مشروع إسرائيل الكبرى عام 2000، ومشروع إسرائيل العظمى عام 2006، أحيت كل الآمال وأوجدت كل اليقين باستعادة الأرض والمقدسات، بين المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين وحدة روح، وحدة عقل، وحدة قلب، وحدة مصير، وحدة هم ووحدة معركة.

والمقاومة في لبنان ساندت ودعمت الانتفاضة الفلسطينية وفصائل المقاومة في فلسطين، وقدّمت كل ما تستطيع مادياً ومعنوياً، وعلى كل صعيد، لتكون المقاومة الفلسطينية قوية وقادرة. كنا نؤمن وما زلنا نؤمن بأن الاستراتيجية بالنسبة لفلسطين المتاحة والممكنة والواقعية في ظل تخاذل النظام الرسمي العربي، هي دعم الشعب الفلسطيني، ليتمكن من خلال مقاومته هو، هو الذي يقاوم، هو الذي يقاتل، هو الذي يصمد، هو الذي يواجه، يتمكن من استعادة أرضه، ومن استعادة المقدسات ومن استعادة حقوقه. وهذه التجربة نجحت، في لبنان نجحت عندما قاوم اللبنانيون، وقُدِّم لهم الدعم، ولكن اللبنانيين هم الذين قاوموا، هم الذين قاتلوا، هم الذين استشهدوا، وبإرادتهم هم، وبعزمهم هم، وصنعوا التحرير عام 2000، هذه التجربة نجحت في فلسطين، في تحرير قطاع غزة، وهذه التجربة قابلة للنجاح.
المهم أن يواصل الشعب الفلسطيني طريقه، وأن نواصل جميعاً دعمنا للشعب الفلسطيني، بكل ما نستطيع.
في هذا السياق، كان للشهيد القائد الحاج عماد مغنية، أدوار بعيدة عن الإعلام، وما زالت، وقد تكشفها الأيام، من مسؤوليات التواصل والدعم ونقل التجربة، والعقل المشترك والجهد المشترك بين لبنان وفلسطين والمقاومتين.

نعم كل من يدعم فلسطين يجب أن يستمر بدعم فلسطين، وكل من دعم المقاومة في لبنان دائماً نتوجه له بالشكر ونعترف له بالجميل، من الجمهورية الاسلامية في إيران إلى سوريا.
وهنا يجب أن نتوقف قليلاً باحترام وإجلال أمام الشهادة المظلومة للأخ الشهيد المهندس “حسام خوش نويس”، على جهوده الجبارة ومساهمته الجليلة أثناء رئاسته للهيئة الايرانية لإعمار لبنان، وهذه ليست أوّل تضحية تقدمها الجمهورية الإسلامية في دعمها لمقاومة لبنان وتحرير لبنان، وإعمار لبنان، ونتقدم بالعزاء للإخوة المسؤولين والقادة في الجمهورية الإسلامية ولعائلته الكريمة الشريفة.
لذلك نحن نعتبر أن كل شهداء المقاومة في لبنان، وفي مقدمهم الشهداء القادة، هم شهداء على طريق فلسطين، والذين كانت تربطهم يعني السيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد كلنا يعرف أنه كانت تربطهم بفلسطين وبشعب فلسطين وبمقدسات فلسطين علاقة الإيمان والإخلاص والحب والعاطفة والهمّ الكبير.

في هذه النقطة، قبل أن أنتقل إلى نقطة أخرى، نرجو أيضاً أن يتعافى عالمنا العربي، وأن تخرج بلداننا من أزماتها وصراعاتها الحادة، لتتمكن من عبور هذه المرحلة التي يراهن عليها الإسرائيلي.
كل مراكز الدراسات الاسرائيلية، خصوصاً هذه السنة، عندما أعادت وأجرت تقييماً في البيئة الاستراتيجية، بدّلت قليلا عما كتبته قبل سنتين. فقبل سنتين كانوا قلقين جداً، مرعوبين نتيجة التحولات التي تحصل في العالم العربي أو حصلت في العالم العربي. للأسف الشديد، في الدراسات الاسرائيلية خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأت تتقلص التهديدات وتزداد الفرص، وهم تحدثوا بوضوح عن الصراع في سوريا، عن الصراع في مصر، عن الصراعات الموجودة في المنطقة، عن الفتنة المذهبية، عن انشغالات شعوب المنطقة بصراعاتها ومسائلها الداخلية، واعتبروا هذا ارتفاعاً في وتيرة الفرص.
ما نعمله ونتمناه أن نتمكن جميعاً من أن نخرج من هذه المحنة.....(في الوسط كلام كثير لسماحة السيد(حفظه الله) لمن أحب الاطلاع عليه يمكن له مراجعة الكلمة ؛ إلى أن قال في حديثه عن الأوضاع الداخلية:)....

ما نتطلع إليه هو التفاهم في لبنان والعيش سوياً في لبنان بكرامة، وما نتطلع إليه لبنان القوي القادر على حماية نفسه، بعيداً عن أي رهان، لا على مجتمع دولي ولا على جامعة دول عربية، ولا على منظمة التعاون الإسلامي ولا على أحد في هذا العالم، سوى الرهان على الله وعلى سواعد أبنائه ومقاوميه وشرفائه، وهم كثر في لبنان، وأن يكون لبنان قادراً على الاستفادة من البركات والخيرات التي أودعها الله فيه، في جباله وسهوله وحقوله ومياهه وبحره، دون منّة من أحد، ودون خوف من أحد.
هذا الذي نتطلع إليه، هذه كانت أحلام شهدائنا القادة، ونحن نحمل نفس الأحلام، ونفس الآمال ونفس الأهداف وسنواصل دربهم بكل عزم وإرادة ويقين بالانتصار الآتي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (2).
 


(1) -  سورة محمد، الآية: 4 – 7.
(2) - أخذنا جزءاً من كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى القادة الشهداء - 16-2-2013م.
 

 

   التفسير والبيان


 


 

 دروس وبصائر:

1 - القرآن لا يكتفي بأن يبين ملاك التكامل ومعياره: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ بل ويشير إلى الأسوة والقدوة أيضاً: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ... ﴾.
2 - الإيمان بالنّبي الأكرم (ص) إلى جانب الإيمان بالله تعالى: ﴿ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾.
3 - علامة الإيمان الواقعي هي الاستقامة والثبات في طريق الدين وعدم التردّد والشكّ فيه: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ ﴾.
4 - الإيمان أمر باطني، وهو يعرف من آثاره: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ... وَجَاهَدُواْ ... ﴾.
5 - الإيمان بدون عمل ليس سوى شعاراً: ﴿ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ ﴾، إيمان الخائفين والبخلاء ليس إيماناً واقعياً.
6 - الجهاد في الثقافة الإسلامية يجب أن يكون بالمال والنفس وأن يكون في سبيل الله: ﴿ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، الذين يتهربّون من الذهاب إلى ميادين الجهاد بدفع مبلغ من المال أو القيام بأعمال صعبة ليسوا مؤمنين واقعيين.

 سيماء المؤمن الواقعي‏:

هناك أربع آيات ابتدأت في القرآن الكريم بجملة: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ وهي تبين ملامح وسيماء المؤمنين الحقيقيين وهذه الآيات هي:

1 - ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ (1) .
2 - ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾ (2) .
3 - ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾. سورة الحجرات، الآية: 10.
4 - والآية الأخرى هي الآية الحاضرة.
ولو أننا جعلنا هذه الآيات الأربع بعضها إلى جانب بعض، نكتشف بالنظر إليها في مكان واحد ملامح وسيماء المؤمنين الصادقين الحقيقيين، وهم الذين قال عنهم الله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾ (3) وقال: ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾.
وعلى هذا الأساس فالمؤمنون الحقيقيّون هم:
1 - من وجلت قلوبهم، وتحرّكت ونبضت لله تعالى لا للمال ولا للمنصب: ﴿ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾.
2 - هم الّذين يتوجّهون في حركة مستمرة ودائمة ودؤوبة نحو الكمال، فلا توقُّف عندهم، وهم الملتزمون تجاه الأوامر الإلهيّة، المحبّون لها، العاملون بها عن شوق ورغبة: ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾.
نعم هناك في المقابل من تكون قلوبهم قاسية: ﴿ كَالْحِجَارَةِ ﴾ (4) ، أو من تكون لهم حركة تراجعيّة أو يرجعون إلى الأعقاب: ﴿ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ﴾ (5) ، وبعضهم له حركة دائرية أي أنهم يدورون حول المطالب المادية ونداءات الغريزة، فيدورون حول هذه المحاور، وقد شبّهوا بحمار الطاحونة الذي يدور حول نفسه.
3 - سندهم الوحيد هو الإيمان بالله تعالى، فلا يتكّلون على المعاهدات المالية ولا على الغرب أو الشرق: ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾.
4 - في النظام الاجتماعي يختارون القائد الإلهي الربّاني ولا يتحرّكون من دون أمره وإذنه، وهم أوفياء له: ﴿ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾.
5 - إيمانهم إيمان ثابت مستقر، إيمانهم قائم على أساس العلم والعقل والفطرة، وهم لعلمهم بما يعملونه وصلوا إلى درجة اليقين، ولم تؤثر فيهم الدعايات المضادة ولم تزلزلهم الحوادث المختلفة سلباً وإيجاباً: ﴿ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ﴾.
6 - هم الذين يدافعون عن عقيدتهم ودينهم بالنفس والمال كلما اقتضى الأمر ذلك، واحتاج الدين إلى نصير: ﴿ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ﴾.


الثبات على الإيمان‏:

إنَّ ما هو الأهم من الإيمان هو: الاستقامة والثبات عليه، وقد بيّن القرآن الكريم ذلك بعدة تعابير:

1 - ﴿ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ ﴾ (6) .
2 - ﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ (7) ، وهي وصيّة يعقوب (ع) لأولاده.
3 - ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ وقد فسّرت هكذا: أي أَدِم لنا السير في الطريق المستقيم.
4 - ﴿ وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ (8) .
5 - ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِماً ﴾ (9) .
6 - ﴿ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ﴾ (10) .
قال الإمام الصادق(ع): « المراد من « المستقر » في هذه الآية ما ثبت من الإيمان والمراد من « المستودع » المعار أي الذي هو كالعارية المستردة » (11).

عوامل ثبات الإيمان‏:

العوامل الموجبة لثبات الإيمان هي:

1 - التقوى والورع، قال الإمام الصادق (ع) في جواب من سأل: ما الذي يثبت الإيمان: « الذي يثبته فيه الورع، والذي يخرجه الطمع » (12).
2 - الاستمداد من الله سبحانه، إنّ ما هو ضروري لأجل ثبات الإيمان في القلب هو الإستمداد من الألطاف الإلهيّة، لأن الله تعالى يأمر ملائكته بأن يثبتوا المؤمنين على الإيمان: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ (13) .
وقال في مكان آخر: ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ (14) .
3 - معرفة التاريخ وأخذ العبرة منه من أسباب ثبات الإيمان وعوامله: ﴿ وَكُلّاً نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ (15) (16) .


(1) - سورة الأنفال، الآية: 2.
(2) - سورة النور، الآية: 62.
(3) - سورة الأنفال، الآيات: 4 - 74.
(4) - سورة البقرة، الآية: 74.
(5) - سورة النساء، الآية: 137.
(6) - سورة فصلت، الآية: 30.
(7) - سورة البقرة، الآية: 132.
(8) - سورة آل عمران،الآية: 193.
(9) - سورة يوسف، الآية: 101.
(10) - سورة الأنعام، الآية: 98.
(11) - ميزان الحكمة: (الإيمان).
(12) - بحار الأنوار: ج70، ص681.
(13) - سورة الأنفال، الآية: 12.
(14) - سورة الكهف،الآية: 14.
(15) - سورة هود، الآية: 120.
(16) - تفسير سورة الحجرات: لسماحة الشيخ قراءتي، ص190.

 

   مفردات قرآنية

 

 

سُورَة الحِجر مكيّة وَعَدَدُ آياتِها تسع وتسعون آيَة



فضلها:

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من قرأها (أي سُورَة الحِجر) أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) .
تسميتها:
اختير اسم السورة من الآية الثمانين التي ذكرت قوم صالح بأصحاب الحجر: ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ﴾، علماً بأنّ السورة تناولت ذلك في خمس آيات، وهي السورة الوحيدة في القرآن التي ذكرتهم بهذة التسمية.
الآيات من سورة الحجر من (1 إلى 9):
لما ختم الله سبحانه سورة إبراهيم (عليه السلام) بذكر القرآن وأنه بلاغ وكفاية لأهل الإسلام افتتح هذه السورة بذكر القرآن وأنه مبين للأحكام فقال:

اللغة والبيان:

﴿ الر ﴾ تقدم الكلام في هذه الحروف في عدد سابق من مجلة (هدى القرآن) وأقوال العلماء فيها، وهنا سورة أُخرى تفتتح بالحروف المقطعة (ألف، لام، راء) لتبيّن من جديد أنّ مفردات هذا الكتاب المقدّس، ما هي إِلاّ عين تلك الأبجدية التي يتلفظها كل البشر، صغيرهم وكبيرهم، بين مختلف اللغات، ومع ذلك فلا يستطيع أي مخلوق الوصول لبناء وتركيب كلام القرآن، وهو ذروة التحدي الرباني المعجز ﴿ تِلْكَ ﴾ اسم إِشارة للبعيد، ولكن لغة العرب تسمح بهذا الاستعمال لبيان عظمة المشار إِليه، فالمراد أنّ لشأن القرآن عظمةً ﴿ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾ الشيء المكتوب ﴿ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ﴾ أي آيات القرآن البين الواضح المميز بين الحق والباطل والمبين للحلال والحرام والأوامر والنواهي والأدلة وغير ذلك ﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾ أي ربما يتمنى الكفار الإسلام في الآخرة إذا صار المسلمون إلى الجنة والكفار إلى النار، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من عند الله: لا يدخل الجنة إلا مسلم، فيومئذ ﴿ رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ﴾. ثم قال: ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل أي يشغلهم فسوف يعلمون»، وروي مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من يشاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار !! قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيسمع الله عزَّ وجل ما قالوا، فأمر من كان في النار من أهل الإسلام فاخرجوا منها فحينئذ يقول الكفار يا ليتنا كنا مسلمين ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ ﴾ معناه دعهم يأكلوا في دنياهم أكل الأنعام ويتمتعوا فيها بما يريدون، والتمتع التلذذ وهو طلب اللذة حالاً بعد حال ﴿ وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ﴾ أي وتشغلهم آمالهم الكاذبة عن اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن، يقال ألهاه الشيء أي شغله وأنساه ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ وبال ذلك فيما بعد حين يحل بهم العذاب يوم القيامة وصاروا إلى ما يجحدون به، وفي هذه الآية إشارة إلى أن الإنسان يجب أن يكون مقصور الهمة على أمور الآخرة مستعداً للموت مسارعاً إلى التوبة ولا يأمل الآمال المؤدية إلى الصد عنها، وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اِثْنَانِ اِتِّبَاعُ اَلْهَوَى وَطُولُ اَلْأَمَلِ فَأَمَّا اِتِّبَاعُ اَلْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ اَلْحَقِّ وَأَمَّا طُولُ اَلْأَمَلِ فَيُنْسِي اَلْآخِرَةَ». ﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ﴾ معناه ولم نهلك أهل قرية فيما مضى على وجه العقوبة إلا وكان لهم أجل مكتوب لا بد أنهم سيبلغونه، يريد فلا يغرن هؤلاء الكفار إمهالي إياهم إنما ينزل العذاب بهم في الوقت المكتوب المقدر لذلك ﴿ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ أي لم تكن أمة فيما مضى تسبق أجلها فتهلك قبل ذلك ولا تتأخر عن أجلها الذي قدر لها بل إذا استوفت أجلها أهلكها الله ﴿ وَقَالُواْ ﴾ أي قال المشركون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ﴾ أي القرآن في زعمه ودعواه ﴿ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ في دعواك أنه نزل عليك وفي توهمك أنا نتبعك ونؤمن بك، قالوا ذلك استهزاءً ﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ ﴾ يشهدون لك على صدق قولك ﴿ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ فيما تدعيه، ثم أجابهم سبحانه بالجواب المقنع فقال: ﴿ مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ أي لا ننزل الملائكة - بمقتضى الحكمة لا باقتراح المعاندين - إلا بالرسالة والحق الذي هو الموت فلا يقع فيه تقديم وتأخير فيقبض أرواحهم ولا ينزلون إلا بعذاب الاستئصال إن لم يؤمنوا ﴿ وَمَا كَانُواْ إِذاً ﴾ أي حين ننزل الملائكة ﴿ مُّنظَرِينَ ﴾ مؤخرين ممهلين لأن مشيئة الله اقتضت أن تكون نزول الملائكة عند الموت أو العذاب، فلا يمهلون ساعة ثم زاد سبحانه في البيان فقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ﴾ أي القرآن ﴿  وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ عن الزيادة والنقصان والتحريف والتغيير، ومثل قوله هذا قوله تعالى: ﴿ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾، فهو سبحانه متكفل بحفظه إلى آخر الدهر على ما هو عليه فتنقله الأمة وتحفظه عصراً بعد عصر إلى يوم القيامة لقيام الحجة به على الجماعة من كل من لزمته دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي هذه الآية دلالة على أن القرآن محدث إذ المنزل والمحفوظ لا يكون إلا محدثا.


نظرة إلى محتوى السّورة:

لم تشذ السورة في سياقها ومضامينها عن السور المكّية، فهي تشتمل على جمل من الكلام حول أُصول الدين كالتوحيد والمعاد، وإِنذار المشركين والعاصين والظالمين، بالإِضافة إِلى ما يحمله تاريخ الأقوام السالفة من دروس العبرة للإِعتبار، ويمكننا تلخيص ما حوته السورة في سبع نقاط:

أوّلاً: الآيات المتعلقة بمبدأ عالم الوجود، والإِيمان به بالتدبر في أسرار الإِيجاد.
ثانياً: الآيات المتعلقة بالمعاد وعقاب الفجرة الفسقة.
ثالثاً: أهمية القرآن باعتباره كتاباً سماوياً.
رابعاً: محاولة إيقاظ وتنبيه البشر من خلال طرح قصّة خلق آدم (عليه السلام)، وتمرد إبليس، وتبيان عاقبة التمرد.
خامساً: زيادة في محاولة الإِيقاظ والتنبيه من خلال عرض القصص القرآني لما جرى لأقوام لوط وصالح وشعيب(عليهم السلام).
سادساً: إنذار وبشارة، مواعظ لطيفة وتهديدات عنيفة، إِضافة إِلى المرغبات المشوقة.
سابعاً: مخاطبة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتقوية صبره وثباته قبال ما يحاك من دسائس، وبالذات ما كان يجري داخل إِطار مكّة (2) .


(1) - مجمع البيان: ج6، ص84.
(2) - أهم المصادر: مجمع البيان وتفسير الأمثل.

 

  الأمثال في القرآن

مثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة

 




لقد ضرب الله سبحانه الأمثال ليقرب المعنى والمقصود من أفهام السامعين ترغيباً للخلق في اتباع الحق والحقيقة قال عزَّ وجل:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ (1) .

هذه الآيات من أجمل الآيات ومن أبلغ الأمثال القرآنية. إنّ في الآيات الثلاث تمثيلا جميلاً وبليغاً للكلمة الطيبة من جانب، وللكلمة الخبيثة من جانب آخر، وفيها يعدّ الله الفوائد والآثار المترتبة على كل واحدة منهما.
فقال جلَّ وعلا مخاطباً نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ بين الله شبهاً ثم فسر ذلك المثل وهو أنَّ هذه الشجرة التي ضرب الله بها مثلا ذات خصائص طَيِّبَةً، أوّل خصائصها أنها طيّبة أي طاهرة وذات رائحة مطلوبة ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ الخاصية الأخرى لهذه الشجرة أن جذورها ثابتة ومحكمة في الأرض. من مظاهر قدرة الله تعالى أنه جعل تناسباً بين غصون الشجرة وجذورها فكلما كانت الغصون أعظم وأكثر، كانت الجذور عظيمة وكثيرة وعميقة بتلك النسبة التي للغصون، وهي تحفظ الشجرة وغصونها من العواصف والفيضانات كما يفعل الحبل بما شدّ به ﴿ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ الخاصية الأخرى أنّ نموها صعودي وعمودي نحو السماء، فهي شجرة زاكية نامية راسخة أصولها في الأرض عالية أغصانها وثمارها في السماء وأراد به المبالغة في الرفعة والأصل سافل والفرع عال إلا أنه يتوصل من الأصل إلى الفرع ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ الخاصية الأخيرة لهذه الشجرة هي أنَّها رغم كون ثمارها تنضج في جميع الفصول، إلاّ أنَّها تنمو وتعمل حسب قوانين الطبيعة ولا تشذّ عنها، وهي مطيعة لهذه السنن التي جعلها الله تعالى. إنّ هذا الأمر لم يختص بأمثال هذه الشجرة، بل جميع ما في الطبيعة خاضع وخاشع له سبحانه:﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾. ثمَّ يقول تعالى: ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي لكي يتدبروا فيعرفوا الغرض بالمثل.

فهذه الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي في الحقيقة شجرة سعادة الإنسان. إنّ هذه الشجرة التي هي كلمة وحقيقة التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وكل كلام أمر الله تعالى به من الطاعات، وإنما سماها طيبة لأنها زاكية نامية لصاحبها بالخيرات والبركات، تحيي قلب الإنسان وتكسر كل ما فيه من أصنام، بحيث تجعله لا يسجد أمام أصنام المال والرشوة والربا والسرقة والاعتداء، ولا يكذب الآف الكذبات لأجل الحفاظ على مقامه، ولا يرتكب الجرائم لأجل الحفاظ على مال الدنيا؛ وذلك لأنّ أعمالا كهذه تعدّ شركاً ولذلك يُدعى المرائي في الآخرة منافقاً أو فاجراً. روى ابن عقدة عن أبي جعفر (عليه السلام): «أن الشجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفرعها علي (عليه السلام) وعنصر الشجرة فاطمة وثمرتها أولادها وأغصانها وأوراقها شيعتنا ثم قال (عليه السلام) أن الرجل من شيعتنا ليموت فيسقط من الشجرة ورقة وأن المولود من شيعتنا ليولد فيورق مكان تلك الورقة ورقة» (2) . وعكس ذلك الكلمة الخبيثة التي لا تفيد إلا الفتن والإنشقاق والدمار والخراب كالشجرة الخبيثة التي لا فائدة للبشر من وجودها ﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ وهي كلمة الكفر والشرك وكل كلمة في معصية الله تعالى فهي غير زاكية، اقتطعت واستؤصلت واقتلعت من الأرض، ما لتلك الشجرة من ثبات فإن الريح تنسفها وتذهب بها فكما أن هذه الشجرة لا ثبات لها ولا بقاء ولا ينتفع بها أحد فكذلك الكلمة الخبيثة لا ينتفع بها صاحبها ولا يثبت له منها نفع ولا ثواب (3) .


(1) - سورة إبراهيم، الآيات: 24 و 25 و 26.
(2) - مجمع البيان: موضع تفسير الآيات.
(3) - المصدر: مجمع البيان: موضع التفسير ؛ والأمثال في القرآن: المثل ؛ 23 – 25.

 

  مناهج التفسير




التفسير :


التفسير الصّوفي تأثر إلى حد كبير بأفكار الباطنية، واستخدم القرآن في تعقيب هدف خاص وهو دعم الأُسس العرفانية والفلسفية، وفي الحقيقة أنَّهم لم يخدموا القرآن الكريم بشيء وإنّما خدموا آراءهم وأفكارهم من خلال تطبيق الآيات على آرائهم.

فالتفسير الصوفي شعبة من شعب التفسير الباطني في قالب معين كما أشرنا إليه.

وهو ينقسم إلى: تفسير نظري، وفيضي.

أمّا الأوّل، فهو التفسير المبني على أُصول فلسفية ورثوها من أصحابها، فحاولوا تحميل نظرياتهم على القرآن الكريم.

وأمّا التفسير الفيضي، فهو تأويل الآيات على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات رمزية تظهر لأرباب السلوك من غير دعم بحجة أو برهان.

وبعبارة أُخرى: التفسير الفيضي يرتكز على رياضة روحية يأخذ بها الصوفي نفسه حتى يصل بها إلى درجة تنهل على قلبه من سحب الغيب ما تحمله الآيات من المعارف الإلهية.

وعلى كلّ تقدير فتفاسيرهم من غير فرق بين النظري والفيضي مبنية على حمل القرآن على ما يعتقدون به من الأُصول والقواعد من دون حجة وبرهان.

وها نحن نذكر شيئاً من تفاسيرهم:


تفسير التستري

ولعلّ أوّل تفسير ظهر هو تفسير أبي محمد سهل بن عبد الله التستري (200 - 283 هـ) وقد طبع بمطبعة السعادة بمصر عام 1908 م، جمعه أبو بكر محمد بن أحمد البلدي، فهو يفسر البسملة بالشكل التالي:

أ. الباء: بهاء الله، والسين: سناء الله، والميم: مجد الله، والله: هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها، وبين الألف واللام منه حرف مكنّى، غيب من غيب إلى غيب، وسر من سر إلى سر (1) .

ب. من ذلك ما ذكره في تفسير الآية ﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾ (2) لم يرد الله معنى الأكل في الحقيقة، وإنّما أراد معنى مساكنة الهمة لشيء هو غيره أي لا تهتم بشيء هو غيري، قال: فآدم (عليه السلام) لم يعصم من الهمة والفعل في الجنة، فلحقه ما لحقه من أجل ذلك، قال: وكذلك كلّ من ادّعى ما ليس له وساكنه قلبه ناظراً إلى هوى نفسه، لحقه الترك من الله مع ما جبلت عليه نفسه، إلاّ أن يرحمه الله فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها (3) .

ج. ومنها ما ذكره في تفسير الآية 96 من سورة آل عمران: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ﴾ ... « أوّل بيت وضع للناس بيت الله عزّ وجلّ بمكة، هذا هو الظاهر، وباطنها الرسول يؤمن به من أثبت الله في قلبه التوحيد من الناس » (4) .

د. ومنها ما ذكره في تفسير الآية من سورة النساء ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... ﴾: وأمّا باطنها، فالجار ذي القربى هو القلب، والجار الجنب: هو الطبيعة، والصاحب بالجنب: هو العقل المقتدى بالشريعة، وابن السبيل هو الجوارح المطيعة لله (5) .


حقائق التفسير للسلمي

إنّ ثاني تفاسير الصوفية التي ظهرت إلى الوجود، هو تفسير أبي عبد الرحمن السلمي (330 - 412 هـ) المسمّى بـ‍ « حقائق التفسير » وكان شيخ الصوفية ورائدهم بخراسان، وله اليد الطولى في التصوّف.

أ. قال في تفسير الآية ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ (6) .

قال محمد بن الفضل: اقتلوا أنفسكم بمخالفة هواها، أو اخرجوا من دياركم، أي أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم ما فعلوه إلاّ قليل منهم في العدد، كثير في المعاني، وهم أهل التوفيق والولايات الصادقة (7) .

ب. وفي سورة الرعد عند قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾ (8) يقول: قال بعضهم: هو الذي بسط الأرض، وجعل فيها أوتاداً من أوليائه وسادة من عبيده فإليهم الملجأ وبهم النجاة، فمن ضرب في الأرض يقصدهم فاز ونجا، ومن كان بغيته لغيرهم خاب وخسر (9) .

ج. وفي سورة الحجّ عند قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ﴾ (10) .

يقول: قال بعضهم: أنزل مياه الرحمة من سحائب القربة وفتح إلى قلوب عباده عيوناً من ماء الرحمة، فأنبتت فاخضرّت بزينة المعرفة، وأثمرت الإيمان، وأينعت التوحيد، أضاءت بالمحبة فهامت إلى سيّدها، واشتاقت إلى ربها فطارت بهمتها، وأناخت بين يديه، وعكفت فأقبلت عليه، وانقطعت عن الأكوان أجمع. ذاك آواها الحق إليه، وفتح لها خزائن أنواره، وأطلق لها الخيرة في بساتين الأنس، ورياض الشوق والقدس (11) .

د. وفي سورة الرحمن عند قوله تعالى: ﴿ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴾ (12) يقول: قال جعفر: جعل الحقّ تعالى في قلوب أوليائه رياض أنسه، فغرس فيها أشجار المعرفة أُصولها ثابتة في أسرارهم، وفروعها قائمة بالحضرة في المشهد، فهم يجنون ثمار الأنس في كلّ أوان، وهو قوله تعالى: ﴿ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴾ أي ذات الألوان، كلّ يجتني منه لوناً على قدر سعته، وما كوشف له من بوادي المعرفة وآثار الولاية (13) .

وهاهنا كتب أُخرى أُلّفت على هذا الغرار نظير:

- لطائف الإشارات: لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري (376 - 465 هـ).

- تفسير الخواجة: لعبد الله الأنصاري (المتوفّى480 هـ).

- كشف الأسرار وعدّة الأبرار: لأبي الفضل رشيد الدين الميبدي، وهو بسط وتوضيح لمباني تفسير الخواجة عبد الله الأنصاري.

- تفسير ابن عربي: هو لأبي بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بابن عربي (560 - 638 هـ).

يقول في تفسير الآية 19-20 من سورة الرحمن: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ ﴾ بأنّ مرج البحرين هو بحر الهيولى الجسمانية الذي هو الملح الأُجاج، وبحر الروح المجرد هو العذب الفرات، يلتقيان في الموجود الإنساني، وإنّ بين الهيولى الجسمانية والروح المجردة برزخ هو، النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الروح المجردة ولطافتها، ولا في كثرة الأجساد الهيولائية وكثافتها، ولكن مع ذلك لا يبغيان، أي لا يتجاوز أحدهما حدّه فيغلب على الآخر بخاصيته، فلا الروح المجردة تجرد البدن وتخرج به وتجعله من جنسه، ولا البدن يجسد الروح ويجعله مادياً (14) .

- عرائس البيان في حقائق القرآن: لأبي محمد روزبهان بن أبي نصر البقلي الشيرازي (المتوفّى 666 هـ).

- التأويلات النجمية: لأبي بكر عبد الله الرازي المعروف ب‍ـ « داية » (المتوفىّ 654 هـ) إلى غير ذلك من التفاسير (15) .

وفي الختام نكتفي بما ذكره الذهبي حول هذه التفاسير، وقال:

نحن لا ننكر على ابن عربي أنَّ ثَم أفهاماً يلقيها الله في قلوب أصفيائه وأحبائه، ويخصهم بها دون غيرهم، على تفاوت بينهم في ذلك بمقدار ما بينهم من تفاوت في درجات السلوك ومراتب الوصول، كما لا ننكر عليه أن تكون هذه الأفهام تفسيراً للقرآن وبياناً لمراد الله من كلامه، ولكن بشرط: أن تكون هذه الأفهام يمكن أن تدخل تحت مدلول اللفظ العربي القرآني، وأن يكون لها شاهد شرعي يؤيدها، أمّا أن تكون هذه الأفهام خارجة عن مدلول اللفظ القرآني وليس لها من الشرع ما يؤيدها فذلك ما لا يمكن أن نقبله على أنّه تفسير للآية وبيان لمراد الله تعالى، لأنّ القرآن عربي قبل كلّ شيء كما قلنا، والله سبحانه وتعالى يقول في شأنه: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ (16) وحاشا لله أن يلغز في آياته أو يعمى على عباده طريق النظر في كتابه، وهو يقول: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ (17) - (18) .
 


(1) - تفسير التستري: 12.
(2) - سورة البقرة، الآية: 35.
(3) - تفسير التستري: 16-17.
(4) - تفسير التستري: 45.
(5) - تفسير التستري: 66.
(6) - سورة النساء، الآية: 66.
(7) - تفسير السلمي: 49.
(8) - سورة الرعد، الآية: 3.
(9) - تفسير السلمي: 138.
(10) - سورة الحج، الآية: 63.
(11) - تفسير السلمي: 212.
(12) - سورة الرحمن، الآية: 11.
(13) - تفسير السلمي: 344.
(14) - تفسير ابن عربي: 2/280.
(15) - التفسير والمفسرون.
(16) - سورة فصلت، الآية: 3.
(17) - سورة القمر، الآية: 17.
(18) - التفسير والمفسرون: 2/274. المصدر: دروس في مناهج التفسير (جمعية القرآن الكريم).

 

 

   معجم المفسرين

مخزن العرفان في تفسير القرآن.

 


اسم المفسر: هي السيدة نصرت بنت السيد محمد علي أمين، كانت من كبار العلماء والفقهاء.
تفردت إصفهان في إيران من بين البلاد الإسلامية بأن فيها سيدة انصرفت إلى العلوم الإسلامية انصرافاً كاملاً حتى بلغت درجة الاجتهاد ونالت إجازته.
ولدت صاحبة التفسير في اصفهان سنة 1313 هـ وكان والدها من كبار تجار إصفهان، فنشأت في اسرة عُرفت في التدين، قد درست أول الأمر في كتاتيب اصفهان مع لدّاتها وكان سنّها حين بدأت التعلم أربع سنين، ثم درست القرآن واللغة الفارسية وشيئاً من آدابها، ثم علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبيان، ثم تابعت دراسة الفقه والأصول والمنطق والحكمة والفلسفة طيلة خمسة عشر عاماً، بلغت في نهايتها درجة الاجتهاد.
ومن الجدير بالذكر أن السيدة درست هذه الدراسة، وبلغت هذه المرتبة، وهي بين جدران بيتها الأربعة، لم تخرج إلى مدرسة، ولم تتصل بأحد غير أساتذة يأتون إلى بيتها فيدرسونها من وراء ذلك الحجاب.

٭ لها مؤلفات عدة في الأخلاق والأحكام الفقهية وتفسير لأربعين حديث منقول عن طريق الكليني صاحب الكافي.
٭ وتفسيرها يُعد تفسيراً موجزاً، شاملاً لجميع آيات القرآن، يقع في 15 مجلداً، نهجت فيه المنهج البياني والتحليلي وهو من التفاسير العرفانية والفلسفية الذي يهتم بذكر المباحث الاشارية والقواعد العقلية، مع العناية بالجهة التربوية والاهتمام بذكر المأثورات الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولهذا لم تُعنَ بمشكلات الاعراب والقراءات، ولا بمشكلات اللغة عموماً.
طبع هذا التفسير باللغة الفارسية الطبعة الأولى في اصفهان، والطبعة الثانية في طهران من قبل حركة النساء المسلمات. توفيت هذه العارفة والفقيهة ومفسرة القرآن في شهر رمضان المبارك سنة 1403هـ في مدينة اصفهان ودُفنت فيها، ومزارها معروف هناك.


الصبر:

أنجبت السيدة رحمها الله تعالى ثمانية أولاد، خطف الموت منهم سبعة فكان ذلك ابتلاءً عظيماً لها، وامتحاناً إلهياً لإيمانها فلم تنثني عن مواصلة دراستها فلله درها وعلى الله أجرها ؟!
ويذكر أستاذها السيد علي النجف آبادي أنه بلغه وفاة طفل لها فظن أنها سوف تنقطع عن درسها الراتب لفترة طويلة، كما هو مقتضى العرف والعادة، لكنه فوجىء ـ بعد يومين فقط ـ بطلبها حضوره للتدريس لئلا تتأخر.

 

   علوم قرآنية

عدم تواتر القراءات ومقياس قبولها




لا يكاد يخلو كتاب تفسير أو علوم قرآن من التعرض لذكر القراءات المتعددة للكثير من مفردات القران، وهذه القراءات تنسب إلى قرّاءٍ معينين، وقد احصي منها عشرة مشهورة أو سبعة هي الأشهر وإلاّ فإن عدد القراءات الشاذة تزيد عن ذلك بكثير، وهنا نتحدّث عن أمور:


أوّلاً - عدم تواتر القراءات:

المسلمون كلّهم متّفقون على تواتر القرآن، وأساساً حجيّة القرآن - باعتباره أهم مصدر للمعارف الدينية - لا تثبت إلّا عن طريق التواتر وقطعيّة الصدور، قال آية الله الخوئي (قده):
قد أطبق المسلمون بجميع نحلهم ومذاهبهم على أنَّ ثبوت القرآن ينحصر طريقه بالتواتر، واستدلّ كثير من علماء السنّة والشيعة على ذلك بأنَّ القرآن تتوافر الدّواعي لنقله لأنَّه الأساس للدين الإسلامي والمعجز الإلهي لدعوة نبيّ المسلمين، وكل شيء تتوفّر الدواعي لنقله لا بدّ وأن يكون متواتراً. وعلى ذلك فما كان نقله بطريق الآحاد لا يكون من القرآن قطعاً (1) .
هذا المعنى فيما يخص القرآن واضح لا لبس فيه، ولكن ماذا عن القراءات ؟ وهل هي متواترة تواتر القرآن ؟ أم هناك فارق بين القرآن والقراءات ؟
يتّضح جواب هذا السؤال بكل جلاء عند القاء نظرة اجمالية على مراحل ظهور وتطوّر القراءات، وأسباب اختلاف القراءات، نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (إن القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكن الإختلاف يجيء من قبل الرواة) (2).
واعتبر أمين الإسلام الطبرسي ﴾ أنَّ نقل مثل هذه الأخبار - الدالة على نزول القرآن بقراءة واحدة - كثير (3) .
وللزركشي رأي لطيف في عدم تواتر القراءات، فهو يقول: «والقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن: هو الوحي المنزل على محمد للبيان والإعجاز، والقراءات: اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما» (4).
هناك عاملان مهمّان في هذا الأمر، فعلى رغم وضوح عدم تواتر القراءات، فإنَّ بعضهم قد توهّم تواترها:
العامل الأوّل: هو ما أشار إليه الزركشي وهو الخلط بين القرآن والقراءات.
فبعض السطحيين ظنَّ أنَّ للقراءات نفس ما للقرآن من تواتر، في حين أنَّ نص القرآن شيء وكيفية قراءة هذا النص شيء آخر.
العامل الثاني: هو الخلط بين القراءات والأحرف السبعة، فبعضهم ظنَّ أنَّ قراءات القرّاء السبعة هي الأحرف السبعة نفسها التي أشارت بعض الروايات إلى أنَّ القرآن نزل على سبعة أحرف، في حين لا توجد أية علاقة بين هذين الموضوعين إذ أنَّ شهرة القرَّاء السبعة وقراءاتهم انّما ظهرت من بعد ما قام به ابن مجاهد في القرن الرابع، بينما كان هناك مَن هم أفضل منهم، وتوجد أيضاً في قراءة القرَّاء السبعة قراءات شاذّة صرّح بها الأئمة المختصّون في هذا المجال، قال صبحي الصالح في نقده لابن مجاهد بسبب حصره القراءات في سبع قراءات: وقد حظيت قراءات هؤلاء القرَّاء السبعة بشهرة واسعة، وتوهّم الكثيرون أنَّها هي المراد من الأحرف السبعة التي ذكرت في الحديث النبوي (5) .


ثانيا - مقياس قبول القراءات:

وكُلّ ما وافق وجه النحو... وكان للرّسم احتمالاً يَحْوي
وصَحَّ إسناداً هو القرآن... فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختلّ ركن أثبت... شذوذه لو أنه في السبعةِ (6)
ذكرنا أنَّ هناك بين قراءات القرّاء (السبعة وغيرها) قراءات شاذّة ؛ ورغم ما كان لبعض القرّاء من منزلة، إلّا أنَّ قراءتهم لم تُقبل اطلاقاً، والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هنا هو: هل هناك معيار وضابط تُقاس به القراءة ؟ وهل يمكن وضع موازين توضع على أساسها كل قراءة في بوتقة الاختيار لكي يتسنّى في حالة مطابقتها للموازين، ختمها بختم التأييد وفي حالة عدم مطابقتها تُرفض ؟
أجاب كل علماء القرآن عن هذا السؤال بالايجاب، وقدّموا المقاييس الخاصة بهذا الموضوع.
أ- مقياس ابن مجاهد (تـ324هـ):
1- أن يكون القارىء من الشخصيات المقبولة قراءتها بالاتفاق عند أهالي البلد الذي يعيش فيه.
2- أن يكون اجماع أهالي البلد على قراءته على أساس كفاءته العلميّة العميقة في القراءة واللغة.
ب- مقياس ابن الجزري (تـ833 هـ ):
1- صحّة الاسناد.
2- موافقة اللغة العربيّة، ولو بوجه.
3- موافقة أحد المصاحف العثمانيّة ولو احتمالاً.

قال ابن الجزري بعد ذكر هذه الشروط الثلاثة: كل قراءة وافقت العربيّة -ولو بوجه- ووافقت أحد المصاحف العثمانيّة -ولو احتمالاً - وصحّ سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها ولا يحلّ إنكارها سواء أكانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين.
قال: هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف صرّح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، ونصّ عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكّي بن أبي طالب، وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي وحقّقه الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن اسماعيل المعروف بأبي شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه(7).
الأركان التي وضعها ابن الجزري كمقياس لصحّة القراءة تتسم بالشمولية والسعة بالمقارنة إلى ما قال به اسلافه ونالت إقبالاً من العلماء فقال السيوطي في الإتقان: أفضل من تحدّث في هذا المجال رئيس القرّاء وشيخ شيوخنا أبو الخير بن الجزري (8) .

وقد أيد أمثال الزرقاني في مناهل العرفان، وصبحي الصالح في مباحث علوم القرآن (ص255) صحة ما ذهب إليه ابن الجزري، نفهم من الشروط التي وضعها ابن الجزري لصحّة القراءة أنه يكتفي بموافقة القراءة لرسم أحد المصاحف العثمانيّة ولو تقديراً، والثاني موافقتها للعربيّة ولو بوجه.
قال الزرقاني: والمراد بقولهم: «ما وافق أحد المصاحف العثمانية» أن يكون ثابتا ولو في بعضها دون بعض، كقراءة ابن عامر: ﴿ قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ﴾ من سورة البقرة بغير واو، وكقراءته: ﴿ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ بزيادة الباء في الاسمين فإنَّ ذلك ثابت في المصحف الشامي، وكقراءة ابن كثير: ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ في الموضع الأخير من سورة التوبة بزيادة كلمة «من» فإنَّ ذلك ثابت في المصحف المكّي. والمراد بقولهم: «ولو تقديراً» أنه يكفي في الرواية أن توافق رسم المصحف ولو موافقة غير صريحة، نحو: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ فإنه رسم في جميع المصاحف بحذف الألف من كلمة «مالك»، فقراءة الحذف تحتمله تحقيقاً، وقراءة الألف تحتمله تقديرا (9).
وقال ابن الجزري عن المقياس الثاني: وقولنا أن يكون موافقاً للعربية ولو بوجه، نُريد وجهاً من وجوه النحو سواء كان فصيحاً أم أفصح مجمعاً عليه أم مختلفاً فيه اختلافاً لا يضر مثله إذا كانت القراءة مما شاع وتلقّاه الأئمة بالاسناد الصحيح (10) .

ما قاله ابن الجزري يشمل لا إرادياً كل القراءات الشاذة والضعيفة ؛ وذلك لأنَّ خصائص رسم المصحف العثماني والأقوال المتعددة في الأدب العربي يمكن أن تجعل الكثير من القراءات الضعيفة مطابقة لرسم المصحف ولقاعدة من قواعد النحو العربي بشكل أو آخر، وفي هذه الحالة تفقد هذه الاركان الثلاثة أثرها وتصبح عملياً غير صالحة لاتخاذها كمقياس لقياس القراءات الصحيحة من القراءات الخاطئة.
وقد شرح كتاب التمهيد في علوم القرآن هذا الموضوع بالتفصيل وعرض اشكالات على هذه الأركان الثلاثة وبيّن نقاط ضعفها، ثمَّ طرح ثلاثة أركان أخرى اعتبرها مقياساً لقبول القراءة الصحيحة، وهي كما يلي:
1- موافقتها مع الثبت المعروف بين عامة المسلمين في مادة الكلمة وصورتها وموضعها من النظم القائم حسب تعاهد المسلمين خلف عن سلف.
2- موافقتها مع الأفصح والأفشى في العربية.
3- أن لا يعارضها دليل قطعي، سواء كان برهاناً عقلياً أم سنَّة متواترة أم رواية صحيحة الإسناد مقبولة عند الأئمة (11) ، والحقيقة هي أنَّ أهم مقياس لقبول القراءة هو انسجامها مع قراءات عامة الناس التي توارثوها من جيل إلى جيل، وتكتسب الشروط الثلاثة المذكورة أصالتها لأنها تصب في اتجاه تحقيق هذا المقياس (12) .


(1) - البيان: ص123 - 124.
(2) - شرح أصول الكافي: ج11، ص76.
(3) - مجمع البيان: ج1، ص79.
(4) - الزركشي، البرهان، في علوم القرآن: ج1، ص318.
(5) - مباحث في علوم القرآن: ص249.
(6) - مناهل العرفان: ج1، ص418.
(7) - النشر في القراءات العشر: ج1، ص9.
(8) - الإتقان: ج1، ص236.
(9) - مناهل العرفان: ج1، ص418 - 419.
(10) - النشر في القراءات العشر: ج1، ص10.
(11) - التمهيد: ج2، ص122 - 154.
(12) - دروس في علوم القرآن: (اصدار: جمعية القرآن الكريم).

 

استفتاءات قرآنية
لسماحة المرجع آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله)

 


سؤال: من أنكر بعض ضروريّات الدين كالصيام وغيره، فهل ينطبق عليه حكم الكافر أم لا؟
الجواب: لو كان إنكاره لشيئ من ضروريّات الدين راجعاً إلى إنكار الرسالة، أو تكذيب نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وآله، أو إلى تنقيص الشريعة فهو كفر وارتداد.


سؤال: ماهي موارد العدول في الصلاة الواجبة حسب رأيكم الشريف؟
الجواب: يجب العدول في موارد:
منها: من العصر إلى الظهر إذا التفت في الأثناء إلى أنّه لم يصلِّ الظهر.
منها: من العشاء إلى المغرب إذا إلتفت في الأثناء وقبل التجاوز عن محلّ العدول إلى أنّه لم يصلِّ المغرب.
ومنها: ما إذا كان عليه قضاءان مترتّبان فشرع في اللاحقة نسياناً قبل الإتيان بالسابقة.

ويستحبّ العدول في موارد:
منها: من الأداء إلى القضاء الواجب، فيما إذا لم يفت بذلك وقت فضيلة الأداء.
ومنها: من الصلاة الواجبة إلى الصلاة المستحبّة لإدراك الجماعة.
ومنها: من الصلاة الفريضة إلى النافلة في ظهر يوم الجمعة لمن نسي قراءة سورة الجمعة، وقرأ سورة أخرى وبلغ النصف أو تجاوزه، فيستحبّ له أن يعدل بالفريضة إلى النافلة ليستأنف الفريضة مع سورة الجمعة.

 
سؤال: هل يجوز ترك الصلاة بحالٍ من الأحوال؟
الجواب: لا يجوز ترك الصلاة بحالٍ من الأحوال حتّى في أثناء الحرب، وعليه فالمقاتل المتواجد في الجبهة الذي لا يقدر على قراءة الفاتحة أو الركوع أو السجود بسبب شدّة المعارك والاشتباكات يجب عليه أن يصلّي بالنحو المتيسّر له، وإذا لم يتمكّن من الركوع والسجود اكتفى بالإيماء والإشارة إليهما.


سؤال: ما هو الدليل الذي يعتمد عليه مذهب الشيعة بالنسبة إلى أوقات الفرائض اليوميّة؟ فكما تعلمون أنّ أهل السنة يعتبرون دخول وقت العشاء دليلاً على قضاء صلاة المغرب فيه، وهكذا الأمر بالنسبة لصلاتي الظهر والعصر، ولهذا يعتقدون أنّه حينما يدخل وقت صلاة العشاء ويقوم الإمام لصلاة العشاء ليس للمأموم أن يأتي معه بصلاة المغرب ليُصلّي المغرب والعشاء في عرض واحد.
الجواب: الدليل هو إطلاق الآيات القرآنيّة والسنّة الشريفة، بالاضافة إلى روايات تدلّ بالخصوص على جواز الجمع، علماً بأنّه قد وردت عند أهل السنّة أيضاً روايات تدلّ على جواز الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما.


سؤال: هل يشترط في مكان المصلّي أن لا يكون ممّا يحرم الوقوف فيه؟
الجواب: يشترط في مكان المصلّي أن لا يكون ممّا يحرم الوقوف فيه، كالمكان الذي فيه خطر على حياة الإنسان، وكذلك الأمكنة التي يحرم الوقوف أو الجلوس عليها كالفراش الذي نقش على جميعه اسم الله تعالى أو الآيات الكريمة.


سؤال: من أجل مواجهة الهجمة الثقافيّة اللا إسلاميّة جمعنا في المسجد حوالي 30 طالباً من المرحلة الابتدائيّة والمتوسطة على شكل فرقة أناشيد، وأفراد هذه الفرقة يتلقّون دروساً من القرآن الكريم، والأحكام، والأخلاق الاسلاميّة على حسب أعمارهم ومستوياتهم الفكريّة، فما هو حكم القيام بهذا العمل؟ وما هو حكم استخدام الفرقة للآلة الموسيقية التي تسمّى (أورغن)؟ وما هو حكم إجراء التمارين عليها في المسجد، مع رعاية الموازين الشرعيّة، والمقررات المتّبعة والمتعارف عليها في الإذاعة والتلفزيون، ووزارة الارشاد الإسلاميّة (في إيران)؟
الجواب: لا إشكال في تعليم القرآن والأحكام والأخلاق الإسلاميّة وكذا التدريب على الأناشيد الثوريّة والدينيّة في المسجد، ولكن على كلّ حال تجب مراعاة مكانة وقداسة المسجد، لتقام فيه العبادة، وتبليغ المعارف الدينيّة ولا تجوز مزاحمة المصلّين فيه.


سؤال: متى تجوز الاستفادة من مكّبرات الصوت الموجودة في المسجد والتي يسمع صوتها خارج المسجد؟ وما هو حكم بثّ الأناشيد الثورية أو القرآن الكريم قبل الأذان؟
الجواب: في الأوقات التي لا يكون فيها إيذاء وإزعاج للجيران وسكان المحلّة لا إشكال في بثّ قراءة القرآن الكريم لعدّة دقائق قبل الأذان.

 

 

  قصص قرآنية

 

يقول سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الْأَلْبَابِ ﴾ .


يقول سبحانه:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ (1) .


قصَّة موسى (عليه السلام) في القرآن:

﴿ طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)  فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُواْ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾.


1- منزلة موسى (عليه السلام) عند الله وموقفه العبودي:

كان (عليه السلام) أحد الخمسة أولي العزم الذين هم سادة الأنبياء ولهم كتاب وشريعة كما خصهم الله تعالى بالذكر في قوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً ﴾ (1)، وقال: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ﴾ (2). ولقد امتن الله سبحانه عليه وعلى أخيه في قوله: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ (3) وسلم عليهما في قوله: ﴿ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ (4).
وأثنى على موسى (عليه السلام) بأجمل الثناء في قوله: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً (51) وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ (5)، وقال: ﴿ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً ﴾ (6)، وقال: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ﴾ (7).
وذكره في جملة من ذكرهم من الأنبياء. فأخبر أنهم كانوا محسنين صالحين وأنه فضلهم على العالمين واجتباهم وهداهم إلى صراط مستقيم، قال تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ (8).

وذكره في جملة الأنبياء أنهم الذين أنعم الله عليهم فقال سبحانه: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً ﴾ (9).
فاجتمع بذلك له (عليه السلام) معنى الإخلاص والتقريب والوجاهة والإحسان والصلاح والتفضيل والاجتباء والهداية والإنعام...
وذكر الكتاب النازل عليه وهو التوراة فوصفها بأنها إمام ورحمة، قال تعالى: ﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ... ﴾ (10)، وبأنها فرقان وضياء، قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ (11)، وبأن فيها هدى ونور، قال عزَّ وجل: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ... ﴾ (12) وقال جلَّ وعلا: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْ ﴾ (13).
غير أنه تعالى ذكر في مواضع من كلامه أنهم حرفوها واختلفوا فيها.

وقصة بخت نصر وفتحه فلسطين ثانيا وهدمه الهيكل وإحراقه التوراة وحشره اليهود إلى بابل سنة خمسمائة وثمان وثمانين قبل المسيح ثم فتح كورش الملك بابل سنة خمسمائة وثمان وثلاثين قبل المسيح وإذنه لليهود أن يرجعوا إلى فلسطين ثانيا وكتابة عزراء الكاهن التوراة لهم معروف في التواريخ... (أشير إليه) في قصص المسيح (عليه السلام).


2 - قصص موسى (عليه السلام):

نبي الله موسى (عليه السلام) هو أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن الكريم فقد ذكر اسمه - على ما عدوه - في مائة وستة وستين موضعاً من كلامه تعالى، وأشير إلى قصته إجمالاً أو تفصيلاً في أربع وثلاثين سورة من سور القرآن، وقد اختص من بين الأنبياء بكثرة المعجزات، وقد ذكر في القرآن شيء كثير من معجزاته الباهرة كصيرورة عصاه ثعبانا، واليد البيضاء، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وفلق البحر، وإنزال المن والسلوى، وانبجاس العيون من الحجر بضرب العصا، وإحياء الموتى، ورفع الطور فوق القوم وغير ذلك.
وقد ورد في كلامه تعالى طرف من قصصه (عليه السلام) من دون استيفائها في كل ما دق وجل بل بالاقتصار على فصول منها يهم ذكرها لغرض الهداية والإرشاد على ما هو دأب القرآن الكريم في الإشارة إلى قصص الأنبياء وأممهم.

وهذه الفصول التي فيها كليات قصصه هي أنه تولد بمصر في بيت إسرائيلي حينما كانوا يذبحون المواليد الذكور من بني إسرائيل بأمر فرعون وجعلت أمه إياه في تابوت وألقته في البحر وأخذ فرعون إياه ثم رده إلى أمه للإرضاع والتربية ونشأ في بيت فرعون.
ثم بلغ أشده وقتل القبطي وهرب من مصر إلى مدين خوفا من فرعون وملئه أن يقتلوه قصاصا.
ثم مكث في مدين عند شعيب النبي (عليه السلام) وتزوج إحدى بنتيه.

ثم لما قضى موسى (عليه السلام) الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً وقد ضلوا الطريق في ليلة شاتية فأوقفهم مكانهم وذهب إلى النار ليأتيهم بقبس أو يجد على النار هدى فلما أتاها ناداه الله من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة وكلمه واجتباه وآتاه معجزة العصا واليد البيضاء في تسع آيات واختاره للرسالة إلى فرعون وملئه وإنجاء بني إسرائيل وأمره بالذهاب إليه.
فأتى فرعون ودعاه إلى كلمة الحق وأن يرسل معه بني إسرائيل ولا يعذبهم وأراه آية العصا واليد البيضاء فأبى وعارضه بسحر السحرة وقد جاؤوا بسحر عظيم من ثعابين وحيات فألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون وأصر فرعون على جحوده وهدد السحرة ولم يؤمن.

فلم يزل موسى (عليه السلام) يدعوه وملأه ويريهم الآية بعد الآية كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات وهم يصرون على استكبارهم، وكلما وقع عليهم الرجز قالوا: يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشف الله عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون.
فأمره الله أن يسري بني إسرائيل ليلاً فساروا حتى بلغوا ساحل البحر فعقبهم فرعون بجنوده فلما تراءى الفريقان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأمر بأن يضرب بعصاه البحر فانفلق الماء فجاوزوا البحر واتبعهم فرعون وجنوده حتى إذا اداركوا فيها جميعاً أطبق الله عليهم الماء فأغرقهم عن آخرهم.
ولما أنجاهم الله من فرعون وجنوده وأخرجهم إلى البر ولا ماء فيه ولا كلاء أكرمهم الله فأنزل عليهم المن والسلوى وأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم فشربوا منها وأكلوا منهما وظللهم الغمام.

ثم واعد الله موسى أربعين ليلة لنزول التوراة بجبل الطور فاختار قومه سبعين رجلا ليسمعوا تكليمه تعالى إياه فسمعوا ثم قالوا: ﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ثم أحياهم الله بدعوة موسى(عليه السلام)، ولما تم الميقات أنزل الله عليه التوراة وأخبره أن السامري قد أضل قومه بعده فعبدوا العجل.
فرجع موسى(عليه السلام) إلى قومه غضبان أسفا فأحرق العجل ونسفه في اليم وطرد السامري وقال له: اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وأما القوم فأمروا أن يتوبوا ويقتلوا أنفسهم فتيب عليهم بعد ذلك ثم استكبروا عن قبول شريعة التوراة حتى رفع الله الطور فوقهم.
ثم إنهم ملوا المن والسلوى وقالوا لن نصبر على طعام واحد وسألوه أن يدعو ربه أن يخرج لهم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها فأمروا أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم فأبوا فحرمها الله عليهم وابتلاهم بالتيه يتيهون في الأرض أربعين سنة.
ومن قصص موسى (عليه السلام) ما ذكره الله في سورة الكهف من مضيه مع فتاه إلى مجمع البحرين للقاء العبد الصالح وصحبته حتى فارقه.


3 - منزلة هارون (عليه السلام):

عند الله وموقفه العبودي: أشركه الله تعالى مع موسى (عليه السلام) في سورة الصافات في المن وإيتاء الكتاب والهداية إلى الصراط المستقيم وفي التسليم وأنه من المحسنين ومن عباده المؤمنين، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (14)، وعدّه مرسلا، قال سبحانه: ﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ (15)، ونبياً، قال عزَّ وجل: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ﴾ (16)، وأنه ممن أنعم عليهم، قال سبحانه: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ﴾ (17)، وأشركه مع من عدهم من الأنبياء في سورة الأنعام في صفاتهم الجميلة من الإحسان والصلاح والفضل والاجتباء والهداية قال تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ (18).
وفي دعاء موسى ليلة الطور: ﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً ﴾ (19).

وكان (عليه السلام) ملازما لأخيه في جميع مواقفه يشاركه في عامة أمره ويعينه على جميع مقاصده.
ولم يرد في القرآن الكريم مما يختص به من القصص إلا خلافته لأخيه حين غاب عن القوم للميقات وقال لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ولما رجع موسى(عليه السلام) إلى قومه غضبان أسفاً وقد عبدوا العجل ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القول استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين.


4 - قصة موسى (عليه السلام) في التوراة الحاضرة:

قصصه (عليه السلام) موضوعة فيما عدا السفر الأول من أسفار التوراة الخمسة وهي: سفر الخروج وسفر اللاويين وسفر العدد وسفر التثنية تذكر فيها تفاصيل قصصه (عليه السلام) من حين ولادته إلى حين وفاته وما أوحي إليه من الشرائع والأحكام.
غير أن فيها اختلافات في سرد القصة مع القرآن في أمور غير يسيرة.

ومن أهمها أنها تذكر أن نداء موسى وتكليمه من الشجرة كان في أرض مدين قبل أن يسير بأهله وذلك حين كان يرعى غنم يثرون حمية كاهن مديان فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة فناداه الله وكلمه بما كلمه وأرسله إلى فرعون لإنجاء بني إسرائيل.
ومنها ما ذكرت أن فرعون الذي أرسل إليه موسى غير فرعون الذي أخذ موسى ورباه ثم هرب منه موسى لما قتل القبطي خوفا من القصاص.
ومنها أنها لم تذكر إيمان السحرة لما ألقوا عصيهم فصارت حيات فتلقفتها عصا موسى بل تذكر أنهم كانوا عند فرعون وعارضوا موسى في آيتي الدم والضفادع فأتوا بسحرهم مثل ما أتى به موسى (عليه السلام) معجزة.

ومنها أنها تذكر أن الذي صنع لهم العجل فعبدوه هو هارون النبي أخو موسى (عليه السلام) و ذلك أنه لما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه؟ فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الشعب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها.
فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل فصبغه عجلا مسبوكا فقالوا أهذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر.
وفي الآيات القرآنية تعريضات للتوراة في هذه المواضع من قصصه (عليه السلام) غير خفية على المتدبر فيها.
وهناك اختلافات جزئية كثيرة كما وقع في التوراة في قصة قتل القبطي أن المتضاربين ... كانا جميعا إسرائيليين.
وأيضا وقع فيها أن الذي ألقى العصا فتلقفت حيات السحرة هو هارون ألقاها بأمر موسى.
وأيضا لم تذكر فيها قصة انتخاب السبعين رجلا للميقات ونزول الصاعقة عليهم وإحياءهم بعده.
وأيضا فيها أن الألواح التي كانت مع موسى لما نزل من الجبل وألقاها كانت لوحين من حجر وهما لوحا الشهادة. إلى غير ذلك من الاختلافات (20) .


بعض العبر والدروس المستفادة من قصّة موسى (عليه السلام):

أولاً: أن الحق غالب والباطل زاهق وصوت الناصحين الصادقين سيعلو مهما طال ليل الظالمين.
ثانياً: وكان من ضمن التحدي الذي لقيه فرعون ما كان من زوجته التقية الصادقة آسية حيث أعلنت إيمانها وشمخت بعقيدتها وتوكلت على ربها.
ثالثاً: الصبر وسيلة ناجحة لمواجهة المصائب والنكبات وهكذا أمر موسى عليه الصلاة والسلام قومه أن يصبروا ويستعينوا بربهم ويكثروا من الصلاة.
رابعاً: وبعد أن فشل فرعون لجأ إلى المحاجة بالباطل والتدليس على الرعاع والدهماء وهذا هو أسلوب الظالمين في كل زمان ومكان.
خامساً: العاقبة دائماً للمتقين الصادقين وهكذا كانت حال موسى (عليه السلام) ومن معه حيث نجاهم الله وأهلك فرعون وجنوده.


(1) - سورة الأحزاب، الآية: 7.
(2) - سورة الشورى، الآية: 13.
(3) - سورة الصافات، الآية: 114.
(4) - سورة الصافات، الآية: 120.
(5) - سورة مريم، الآية: 51 - 52.
(6) - سورة الأحزاب، الآية: 69.
(7) - سورة النساء، الآية: 164.
(8) - سورة الأنعام، الآية: 84 - 88.
(9) - سورة مريم، الآية: 58.
(10) - سورة الأحقاف، الآية: 12.
(11) - سورة الأنبياء، الآية: 48.
(12) - سورة المائدة، الآية: 44.
(13) - سورة الأعراف، الآية: 145.
(14) - سورة الصافات، الآية: 114 - 122.
(15) - سورة طه، الآية: 47.
(16) - سورة مريم، الآية: 53.
(17) - سورة مريم، الآية: 58.
(18) - سورة الأنعام، الآية: 84 - 88.
(19) - سورة طه، الآية: 29 - 35.
(20) - تفسير الميزان: ج16، ص23.



 

   القرآن في نهج البلاغة

القرآن نُورٌ لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ

 




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له: «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلْكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ وَسِرَاجاً لاَ يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَبَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَمِنْهَاجاً لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ وَشُعَاعاً لاَ يُظْلِمُ ضَوْءُهُ وَفُرْقَاناً لاَ يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَبُنْيَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَشِفَاءً لاَ تُخْشَى أَسْقَامُهُ وَعِزّاً لاَ تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَحَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ فَهُوَ مَعْدِنُ اَلْإِيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ وَيَنَابِيعُ اَلْعِلْمِ وَبُحُورُهُ وَرِيَاضُ اَلْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ وَأَثَافِيُّ اَلْإِسْلاَمِ وَبُنْيَانُهُ وَأَوْدِيَةُ اَلْحَقِّ وَغِيطَانُهُ وَبَحْرٌ لاَ يَنْزِفُهُ اَلْمُسْتَنْزِفُونَ وَعُيُونٌ لاَ يُنْضِبُهَا اَلْمَاتِحُونَ وَمَنَاهِلُ لاَ يَغِيضُهَا اَلْوَارِدُونَ وَمَنَازِلُ لاَ يَضِلُّ نَهْجَهَا اَلْمُسَافِرُونَ وَأَعْلاَمٌ لاَ يَعْمَى عَنْهَا اَلسَّائِرُونَ وَآكَامٌ لاَ يَجُوزُ عَنْهَا اَلْقَاصِدُونَ جَعَلَهُ اَللَّهُ رِيّاً لِعَطَشِ اَلْعُلَمَاءِ وَرَبِيعاً لِقُلُوبِ اَلْفُقَهَاءِ وَمَحَاجَّ لِطُرُقِ اَلصُّلَحَاءِ وَدَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَنُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَحَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ وَمَعْقِلاً مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ وَعِزّاً لِمَنْ تَوَلاَّهُ وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَهُدًى لِمَنِ اِئْتَمَّ بِهِ وَعُذْراً لِمَنِ اِنْتَحَلَهُ وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ وَفَلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ وَحَامِلاً لِمَنْ حَمَلَهُ وَمَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَجُنَّةً لِمَنِ اِسْتَلْأَمَ وَعِلْماً لِمَنْ وَعَى وَحَدِيثاً لِمَنْ رَوَى وَحُكْماً لِمَنْ قَضَى (1).


الشرح:

«ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلْكِتَابَ» وعدّ به اثنين وأربعين منقبة. «نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ» أمّا أنّه نور فلاهتداء النّاس به من ظلمات الجهل كما يهتدى بالنور المحسوس في ظلمة اللّيل، قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ (2)، وقال سبحانه: ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ (3)، وأمّا مصابيحه فاستعارة لطرق الاهتداء وفنون العلوم الّتي تضمّنها القرآن.
(و) الثانية كونه «سِرَاجاً لاَ يَخْبُو تَوَقُّدُهُ» أي: لا يطفأ، والمراد به عدم انقطاع اهتداء النّاس به واستضاءتهم بنوره.

(و) الثالثة كونه «بَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ» استعارة البحر له باعتبار اشتماله على النكات البديعة والأسرار الخفيّة ودقايق العلوم الّتي لا يدركها بعد الهمم ولا ينالها غوص الفطن كما لا يدرك الغائص قعر البحر العميق، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ... ﴾ (4)، وقال عزّ وجل: ﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ (5).

(و) الرابعة كونه «مِنْهَاجاً لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ» أي: طريقاً واضحاً مستقيماً إلى الحقّ لا يضلّ سالكه، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴾ (6) وقال سبحانه: ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ﴾ (7).

(و) الخامسة كونه «شُعَاعاً لاَ يُظْلِمُ ضَوْءُهُ» أي حقّاً لا يدانيه شكّ وريب أي لا يشوبه ظلمة الباطل فيغطيه ويستره كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ (8)، وقال جلَّ وعلا: ﴿ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ  ﴾ (9).

(و) السادسة كونه «فُرْقَاناً لاَ يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ» أى فارقاً بين الحقّ والباطل وفاصلاً بينهما لا ينتفي براهينه الجليّة وبيّناته الّتي بها يفرق بينهما كما قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ (10)، وقال عزَّ وجل: ﴿ هُدىً لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ (11).

(و) السابعة كونه «بُنْيَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ» شبّهه ببنيان مرصوص وثيق الأركان فاستعار له لفظه والجامع انتظام الاجزاء واتّصال بعضها ببعض، وفيه إشارة إلى أنّ البنيان الوثيق كما أنّه مأمون من التّهافت والهدم فكذلك الكتاب العزيز محفوظ من طروّ النقص والخلل والاندراس، قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ (12).

(و) الثامنة كونه «شِفَاءً لاَ تُخْشَى أَسْقَامُهُ» يعني أنّه شفاء للأبدان والأرواح. أمّا الأبدان فبالتجربة والعيان مضافاً إلى الأحاديث، فعن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) قال: شكى رجل إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعاً في صدره فقال: استشف بالقرآن فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ (13)، وأمّا الأرواح فلأنّه بما تضمّنه من فنون العلوم شفاء لأمراض الجهل، وشفاء للقلوب من كلّ شك وريب وشبهة، ويصدق ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدىً وَشِفَاءٌ ﴾ (14).

(و) التاسعة كونه «عِزّاً لاَ تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ» أي لا تغلب ولا تقهر، قال تعالى: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ (15).

(و) العاشرة كونه «حَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ» والمراد بأعوانه وأنصاره هم المسلمون العارفون بحقّه العاملون بأحكامه وعدم هزمهم وخذلانهم نصّ قوله تعالى: ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ (16).

(و) الحادية عشر ما أشار إليه بقوله «فَهُوَ مَعْدِنُ اَلْإِيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ» أمّا أنّه معدن الإيمان، فلأنّ المعدن عبارة عن منبت الجوهر من ذهب وفضّة ونحوهما، ولمّا كان الإيمان بالله ورسوله جوهراً نفيساً لا جوهر أنفس منه ولا أغلى عند ذوي العقول، وكان يستفاد من القرآن ويستخرج منه جعله معدنا له. وأمّا أنّه بحبوحته ووسطه فلأنّ الإيمان بجميع أجزائه وشرايطه ومراسمه يدور عليه، فهو بمنزلة القطب والمركز لدائرة الإيمان كما هو ظاهر.

(و) الثانية عشر أنّه «يَنَابِيعُ اَلْعِلْمِ وَبُحُورُهُ» أمّا أنّه ينابيع العلم فلأنّ العلوم بجميع أقسامه منه تفيض كالعيون الجارية منها الماء، وأمّا أنّه بحوره فلاحتوائه بفنون العلم كاحتواء البحر بمعظم الماء، قال تعالى: ﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ (17)، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ (18).

(و) الثالثة عشر أنّه «رِيَاضُ اَلْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ» أمّا كونه رياض العدل فلأنّ الرّياض عبارة عن مجامع النّبات والزّهر والرّياحين الّتي تبتهج النفوس بخضرتها ونضرتها، وتستلذّ الطباع بحسنها وبهجتها كما قال تعالى: ﴿ فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ (19)، فشبّه التّكاليف الشرعيّة المجعولة عن وجه العدل والحكمة بالزّهر والنبات الحسن لايجابها لذّة الأبد وجعل الكتاب العزيز رياضاً لها لاجتماعها فيه واستنباطها منه. وأمّا كونه غدران العدل فلأنّ الغدير عبارة عن مجمع الماء فشبّه الأحكام العدليّة بالماء لما فيها من حياة الأرواح كما أنّ بالماء حياة الأبدان وجعله غديراً لجامعيّته لها.

(و) الرابعة عشر أنّه «أَثَافِيُّ اَلْإِسْلاَمِ وَبُنْيَانُهُ» إنّ الأثافي عبارة عن الأحجار الّتي عليها القدر، فجعله أثافي للاسلام لاستقراره وثباته عليه مثل استقرار القدر على الأثافي. وبهذا الاعتبار أيضا جعل الصلاة والزّكاة والولاية أثافية في حديث البحار من الكافي عن الصّادق (عليه السلام) قال: أثافي الاسلام ثلاثة: الصلاة، والزكاة، والولاية لا تصحّ واحدة منهنّ إلاّ بصاحبتها. استعارة من أثافي القدر الأحجار التي يوضع عليها.

(و) الخامسة عشر أنّه «أَوْدِيَةُ اَلْحَقِّ وَغِيطَانُهُ» جمع غوط وهي الأرض ذات النبات الطيّب، أي أن هذا القرآن منابت طيبة يزكو بها الحقّ وينمو، يعني أنّ طالب الحقّ إنّما يجده في هذه الأودية والأراضي المطمئنة ؛ واللّفظان مستعاران باعتبار كونه معدنا للحقّ ومظنّة له، كما أنّ الأودية والغيطان مظانّ الكلاء والماء.

(و) السادسة عشر أنّه «بَحْرٌ لاَ يَنْزِفُهُ اَلْمُسْتَنْزِفُونَ» أي لا ينزحه كلّه ولا يفنيه ولا يستهلكه المستقون والمغترفون، وهو إشارة إلى عدم انتهاء العلوم المستفادة منه، فإنّ فيه علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

(و) السابعة عشر أنّه «عُيُونٌ لاَ يُنْضِبُهَا اَلْمَاتِحُونَ» أي لا يغيّرها المستسقون.

(و) الثامنة عشر أنّه «مَنَاهِلُ لاَ يَغِيضُهَا اَلْوَارِدُونَ» أى مشارب لا ينقص ماءها الواردون على كثرة ورودهم عليها. قال الإمام الرضا (عليه السلام): القرآن لا يخلق على الأزمنة، ولا يغث على الألسنة، لأنّه لم يجعل لزمان، بل جعل الدليل البرهان، وحجّة على الإنسان، وقال فيه الله تعالى: ﴿ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ (20).

(و) التاسعة عشر أنّه «مَنَازِلُ لاَ يَضِلُّ نَهْجَهَا اَلْمُسَافِرُونَ» يعني أنّه منازل السّالكين إلى الله لا يضلّ مسافروه منهاج تلك المنازل لكونه واضحاً جليّاً وجادّة مستقيمة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ (21).

(و) العشرون أنّه «أَعْلاَمٌ لاَ يَعْمَى عَنْهَا اَلسَّائِرُونَ» لاستنارتها وإضاءتها.

(و) الحادية والعشرون أنّه «آكَامٌ لاَ يَجُوزُ عَنْهَا اَلْقَاصِدُونَ» استعار لفظ الأعلام والآكام للأدلّة والإمارات فيه على طريق إلى معرفته وأحكامه باعتبار كونها هادية إليها كما تهدى الأعلام والجبال على الطّرق.

(و) الثانية والعشرون أنّه «جَعَلَهُ اَللَّهُ رِيّاً لِعَطَشِ اَلْعُلَمَاءِ» شبّه شدّة اشتياق نفوس العلماء وحرصهم على المعارف الحقّة الإلهيّة بعطش العطاش، وحيث إنّ الكتاب العزيز كان رافعاً لغللهم جعله مرويّاً لهم كما يروي الماء الغليل، قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾ (22).

(و) الثالثة والعشرون أنّه جعله سبحانه «رَبِيعاً لِقُلُوبِ اَلْفُقَهَاءِ» المراد بالربيع فصله الموجد للازهار والأنوار والمدرك للأقوات والغّلات، وعبر عن القرآن بالربيع لابتهاج قلوبهم به واستلذاذهم منه كما يبتهج النّاس بالرّبيع.

(و) الرابعة والعشرون أنّه جعله «مَحَاجَّ لِطُرُقِ اَلصُّلَحَاءِ» أي جواد لطريق واضحة مستقيمة لا عوج فيها ولا خفاء، لأنّه يهدي للّتي هي أقوم، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾ (23).

(و) الخامسة والعشرون أنّه جعله «دَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ» يعني أنّه شفاء للأبدان والأرواح، قال تعالى: ﴿ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ ﴾ (24).

(و) السادسة والعشرون أنّه جعله «نُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ» أي حقّاً لا يشوبه باطل، قال عزَّ وجل: ﴿ الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ (25).

(و) السابعة والعشرون أنّه جعله «حَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ» لا يخشى من انفصامه من تمسّك به واتّبع أحكامه نجا ومن تركه هلك، قال سبحانه: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ (26).

(و) الثامنة والعشرون أنّه جعله «مَعْقِلاً مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ» أي ملجأ وحصناً حصيناً يمنع الملتجي إليه من أن يناله المكروه وسوء العذاب.

(و) التاسعة والعشرون أنّه جعله «عِزّاً لِمَنْ تَوَلاَّهُ» يعني من اتّخذه وليّاً وألقى إليه أزمّة أموره وعمل بأوامره ونواهيه فهو عزّة له في الدّارين.

(و) الثلاثون أنّه جعله عزّ وجلّ «سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ» دخوله الخوض في تدبّر مقاصده واقتباسها يكون مأمناً من عذاب الله ومن الوقوع في الشّبهات الّتي هي مهاوي الهلاك، روي عن الصادق (عليه السلام) قال: يعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد الله به الشيطان(27).

(و) الحادية والثلاثون أنّه جعله «هُدًى لِمَنِ اِئْتَمَّ بِهِ» أي: اقتدى، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ (28).

(و) الثانية والثلاثون أنه جعله «عُذْراً لِمَنِ اِنْتَحَلَهُ» انتسب إليه، المراد كونه عذراً منجياً من العذاب يوم القيامة لمن دان به وجعله نحلته.

(و) الثالثة والثلاثون أنّه جعله «بُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ» أي حجّة واضحة وبياناً جلياً لمن احتجّ به.

(و) الرابعة والثلاثون أنه جعله «شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ» أي دليلاً محكماً للمستدلّ.

(و) الخامسة والثلاثون أنّه جعله «فَلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ» أي ظفراً وفوزاً للمخاصم يعني أنّ من خاصم واحتجّ به فاز بمقصده وغلب خصمه.

(و) السادسة والثلاثون أنه جعله «حَامِلاً لِمَنْ حَمَلَهُ» يعني أنّ من حمل القرآن وحفظه وعمل به واتّبع أحكامه حمله القرآن إلى دار القدس وغرفات الجنان.

(و) السابعة والثلاثون أنّه جعله «مَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ» أي مركباً سريع السّير يبلغ بمن أعمله إلى منزله ومقصده، وهو حظاير القدس ومجالس الأنس، والمراد باعماله هو حفظه والمواظبة عليه وعدم الغفلة عنه.

(و) الثامنة والثلاثون أنّه جعله «آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ» أي دلالة للمتفكّر المعتبر وعلامة يستدلّ بها المتفرّس، وأصل التوسّم هو النظر في السمة أي العلامة الدّالة قال تعالى بعد ذكر أخذ الصيحة لقوم لوط مشرقين وجعل عالي مدينتهم سافلها وإمطار حجارة من سجيل عليهم: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ (29) أي دلالات للمتفكّرين المعتبرين.
والمراد أنَّ من كان متوسماً يكون القرآن آية وعلامة له بأنّه ليس من عند غير الله ولمّا قال النجاشي ملك الحبشة لجعفر الطيار: هل تحفظ ممّا أنزل الله تعالى على نبيّك شيئا ؟ قال: نعم فقرأ عليه سورة مريم: ﴿ كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾ (30) فلمّا بلغ إلى قوله: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً .. ﴾ (31) فلمّا سمع النجاشي بهذا بكى بكاء شديداً وقال: هذا والله هو الحق، وفيه انزل: ﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ (32).

(و) التاسعة والثلاثون أنه جعله «جُنَّةً لِمَنِ اِسْتَلْأَمَ» أي وقاية وسلاحاً لطالب الدّرع والسلاح، والمراد كونه وقاية لقارئه من مكاره الدّنيا والآخرة، أما الآخرة فواضحة، لأنه يوجب النجاة من النار والخلاص من غضب الجبار جلّ جلاله. وأما الدّنيا فيدلّ على كونه وقاية من مكارهها صريح قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾ (33).

(و) الأربعون أنّه جعله «عِلْماً لِمَنْ وَعَى» أي: علماً كاملاً بالمبدء والمعاد لمن حفظه وعقله وجعله في وعاء قلبه.

(و) الحادية والأربعون أنّه جعله «حَدِيثاً لِمَنْ رَوَى» قال أمين الإسلام الطبرسي (قده) في تفسير قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ (34) يعنى القرآن، وإنّما سمّاه الله حديثا لأنّه كلام الله والكلام سمّي حديثاً كما يسمّى كلام النبيّ حديثاً، لأنه حديث التنزيل بعد ما تقدّمه من الكتب المنزلة على الأنبياء، وهو أحسن الحديث لفرط فصاحته ولاعجازه ولاشتماله على جميع ما يحتاج المكلّف إليه من التنبيه على أدلّة التوحيد والعدل وبيان أحكام الشرايع وغير ذلك من المواعظ وقصص الأنبياء والترغيب والترهيب، كتاباً متشابها يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضاً ليس فيه اختلاف وتناقض، وقيل: إنه يشبه كتب الله المتقدّمة وإن كان أعم وأجمع وأنفع.

(و) الثانية والأربعون أنه جعله «حُكْماً لِمَنْ قَضَى» يعني من يقضي بين الناس، فالقرآن حكم له لا حكم له غيره لأنه الحكم الحقّ وغيره باطل كما قال تعالى: ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾، وفى آية أخرى: ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾، وفى ثالثة: ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ (34).

نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من العارفين بفضله، والعاملين بأحكامه، والواعين لعلمه، والرّاوين لحديثه، والقاضين بحكمه بحق محمّد وآله سلام الله عليه وعليهم (35).

إعداد: الشيخ فادي الفيتروني


(1) - الخطبة: 193.
(2) - سورة الإسراء، الآية: 9.
(3) - سورة التوبة، الآية: 32.
(4) - سورة آل عمران، الآية: 7.
(5) - سورة الكهف، الآية: 109.
(6) - سورة الشعراء، الآية: 192 - 194.
(7) - سورة الشعراء، الآية: 210.
(8) - سورة البقرة، الآية: 2.
(9) - سورة فصّلت، الآية: 42.
(10) - سورة الطارق، الآية: 13 - 14.
(11) - سورة البقرة، الآية: 185.
(12) - سورة الحجر، الآية: 9.
(13) - سورة يونس، الآية: 57.
(14) - سورة فصلت، الآية: 44.
(15) - سورة الحج، الآية: 40.
(16) - سورة النساء، الآية: 141.
(17) - سورة الأنعام، الآية: 38.
(18) - سورة الأنعام، الآية: 59.
(19) - سورة النمل، الآية: 60.
(20) - سورة فصلت، الآية: 42.
(21) - سورة الإسراء، الآية: 9.
(22) - سورة النحل، الآية: 89.
(23) - سورة الإسراء، الآية: 9.
(24) - سورة الأنعام، الآية: 157.
(25) - سورة إبراهيم، الآية: 1.
(26) - سورة النجم، الآيتان: 4 - 5.
(27) - ثواب الاعمال: ص93.
(28) - سورة البقرة، الآية: 2.
(29) - سورة الحجر، الآية: 75.
(30) - سورة مريم، الآية: 1 - 2.
(31) - سورة مريم، الآية: 25 - 26.
(32) - سورة المائدة، الآية: 83.
(33) - سورة الإسراء، الآية: 45.
(34) - سورة الزمر، الآية: 23.
(35) - أهم المصادر: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.

 

 

   الأخلاق في القرآن

 



الصفات والأعمال الأخلاقيّة:

من المعلوم أنّ كلّ فعل يفعله الإنسان له أصلٌ وأساس في باطنه ومحتواه الدّاخلي، أو بعبارة اُخرى، إنّ الأعمال هي مرآة باطن الإنسان، فإحداهما بمنزلة الجذر، والاُخرى بمنزلة السّاق والأوراق والّثمر.
وبناءً عليه: فإنّ الأعمال الأخلاقيّة، لا تنفك عن الصّفات الأخلاقيّة، فمثلاً النّفاق، له جذوره في روح الإنسان، ويحكي عن ازدواجيّة ذلك الشّخص، وعدم توحيده في دائرة الإيمان، فهذه الصّفة الباطنيّة تحثّ الإنسان على سلوك طريق النّفاق والرّياء مع الغير.
الحسد أيضاً من الصّفات الباطنيّة السلبيّة، حيث يتمنى معه الشّخص الحاسد، زوال النّعم التي أعطاها الباري تعالى لغيره، وتتجلى هذه الصّفة الذّميمة في أعماله وأفعاله، التي يريد بها التّصدي لسعادةِ ذلك المحَسود من موقع العداوة والخصومة.

الكِبَر والغُرور، هي صفاتٌ باطنيّة كذلك، نشأت من جهل الإنسان لقدره ومقامه، وهي ناشئةٌ من عدم تحمل الإنسان لثقل المواهب الإلهيّة، التي يُعطيها الباري له، ويتبيّن هذا الأمر من تصرفاته، وعدم إعتنائه بالغير، وبذاءة لسانه وتحقيره للآخرين.
ورُبّما، ولأجل ذلك لم يفرق علماء الأخلاق بين هذين الإثنين في كتبهم الأخلاقيّة، فمرّةً يعرّجون على الصّفات الداخلية للإنسان، واُخرى يتطرّقون للأعمال الخارجيّة، التي تستمد مقوّماتها من عالم الصّفات الباطنيّة، فيطلق على الأول: «الصّفات الأخلاقية»، وعلى الثاني: «الأعمال الأخلاقيّة».

وطبعاً الأعمال الأخلاقية، هي موضوع المباحث الفقهيّة لدى الفُقهاء، ولكن ومع ذلك، فإنّ علماء الأخلاق قد تناولوها بالبحث في دائرة السّلوك الأخلاقي للفرد، ومن الطّبيعي فإنّ نظرة عالِم الأخلاق، تختلف عن نظرة الفقيه، فالفقيه يبحث المسألة في إطار الأحكام الخمسة:
(الحُرمة، الوُجوب، والإستحباب، والكراهة، والإباحة)، ولربّما تطرّق للثواب والعقاب، للأعمال في نطاق الحياة الآخرة، ولكن عالِم الأخلاق ينظر إليها من منظار كمال الرّوح والنّفس، أو إنحطاطها وتسافلها في خطّ الإنحراف، وبهذا يتبيّن الفرق بين الصّفات والأفعال الأخلاقية، ويتمّ من خلالها تمييز نظر الفقيه عن نظر عالِم الأخلاق.


الخُطى العمليّة في طريق التّهذيب الأخلاقي:

العوامل الّتي تساعد على تربية، ونمو «الفضائل الأخلاقيّة»، وتقرّب الإنسان من الله تعالى خطوةً خطوة، وهذا البحث، غاية الأهميّة في علم الأخلاق، ويتناول اُموراً عديدة:

الخطوة الاُولى: التّوبة:

يقول كثير من علماء الأخلاق، إنّ الخطوة الاُولى لتهذيب الأخلاق والسّير إلى الله، هي «التّوبة»، التّوبة التي تمحو الذّنوب من القلب وتبيّض صفحته وتجعله يتحرك في دائرة النور، وتنقله من دائرة الظّلمة، وتخفف ثقل الذّنوب من خزينه النّفساني، ورصيده الباطني، وتمهّد الطّريق للسّير والسّلوك إلى الله تعالى، في خط الإيمان وتهذيب النّفس.
يقول المرحوم: «الفيض الكاشاني»، في بداية الجزء السابع من كتابه: «المحجّة البيضاء»، الذي هو في الواقع، بداية الأبحاث الأخلاقيّة:
(فإنّ التّوبة من الذنوب، والرّجوع إلى ستار العُيوب وعلاّم الغيوب، مبدأ طريق السّالكين، ورأس مال الفائزين، وأوّل إقدام المريدين، ومفتاح إستقامة المائلين ومطلع الاصطفاء والاجتباء للمقرّبين!).
وبعدها يشير إلى حقيقة مهمّة، وهي أنّ أغلب بني آدم يتورطون غالباً بالمعاصي...» (1).

إنّ الإنسان غالباً ما يُخطيء، وخصوصاً في بداية سيره إلى الله تعالى، فإذا ما وجد أنّ أبواب العودة موصدةٌ في وجهه، فسيورثه اليأس الكامل، ويبقى يُراوح في مكانه، ولذلك فإنّ التّوبة تعتبر من الاُصول المهمّة في الإسلام، فهي تدعو كلَّ المذنبين إلى العمل لإصلاح أنفسهم، والدّخول في دائرة الرّحمة الإلهيّة، والسّعي لجبران ما مضى.
وقد بيّن الإمام السّجاد(عليه السلام)، في مناجاته: «مناجاة التائبين» أفضل وأحلى صورة لها، فقال:
«إِلَهي أَنْتَ الّذِي فَتَحْتَ لِعبادِكَ باباً إِلى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوبَةَ فَقُلْتَ تُوبُوا إِلى اللهِ تَوبَةً نَصُوحاً، فَما عُذْرُ مِنْ أَغْفَلَ دُخُولَ البابِ بَعْدَ فَتْحِهِ» (2).
والجدير بالذكر أنّ الباري تعالى يحبّ التّائبين، لأنّ التّوبة تعتبر الخطوة الاُولى لكي يعيش الإنسان في أجواء السّعادة والحياة الكريمة.
وقد ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام): «إِنّ اللهَ تَعالى أشَدُّ فَرَحاً بِتَوبَةِ عَبْدِهِ، مِنْ رَجُل أَضَلَّ راحِلَتَهُ وَزادَهُ، فِي لَيلَة ظَلْماءَ فَوَجَدها» (3).
فهذا الحديث مزج بكنايات خاصة وعبارات جذابة، ليبيّن أنّ التّوبة في الواقع، الزّاد والرّاحلة لعبور الإنسان من وادي الظّلمات، ليصل إلى معدن النّور والرّحمة، ويعيش حالات الكرامة في الصفات الإنسانيّة.
وعلى أيّة حال، فإنّ ما يطرح في مبحث التّوبة اُمورٌ عديدةٌ، أهمّها هي:
1  ـ حقيقة التّوبة.
2  ـ وجوب التّوبة. (وأمور أخرى تأتي إن شاء الله تعالى).

1  ـ حقيقة التّوبة:

«التوبة» في الأصل، هي الرجوع عن الذّنب «هذا إذا ما نسبت للمذنبين»، ولكن الآيات القرآنية والرّوايات نسبتها إلى الباري تعالى، وعليه فيصبح معناها: الرجوع إلى الرّحمة الإلهيّة، تلك الرحمة التي سُلبت من الإنسان إثر إرتكابه للمعصية والذّنب، فبعد عودته لموقع العبودية والعبادة، تمتد إليه الرّحمة الإلهيّة من جديد، وبناءاً على ذلك فإنّ أحد أسماء الباري تعالى، هو (التواب).
و«التّوبة» في الحقيقة: هي مشترك لفظي أو معنوي بين الله وعباده، ولكن إذا ما نُسبت للعبد، تتعدى بكلمة «إلى»، وإذا ما نُسبت للباري تعالى، فهي تتعدى بكلمة «على» (4).
ورد في «المحجّة البيضاء»، عن حقيقة التّوبة فقال: «إعلم أنّ التّوبة عبارةٌ عن معنى ينتظم ويلتئم، من ثلاثة اُمور مرتّبة: علم وحال وفعل، فالعلم أوّل والحال ثان والفعل ثالث، أمّا العلم فهو معرفة عِظم ضرر الذنوب، وكونها حجاباً بين العبد وبين كلّ محبوب، فإذا عرفت ذلك معرفةً محقّقةً بيقين غالب على قلبه، ثار من هذه المعرفة، تألّمٌ للقلب بسبب فوات المحبوب، فإنّ القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألّم، فإن كان فواته بفعله تأسّف على الفعل المفوّت، فيسمّى تألّمه بسبب فعله المفوّت لمحبوبه ندماً، فإذا غلب هذا الألم على القلب واستولى إنبعث من هذا الألم في القلب، حالةً اُخرى تسمّى إرادةً وقصداً إلى فعل له تعلّق بالحال وبالماضي والإستقبال.

فثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب، نار الندم فيتألّم به القلب، حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أن صار محجوباً عن محبوبه» (5).
وهو الشّيء الذي يدعوه البعض: بالثّورة الروحيّة والنفسيّة، ويعتبرون التّوبة نوعاً من الإنقلاب الرّوحي، في باطن الإنسان على كلّ شيء، وتحثّه هذه الحالة على إتخاذ موقف جديد، حيال أعماله وبرامجه الآتية، من موقع الوضوح في الرّؤية لعناصر الخير والشرّ.

2  ـ وجوب التّوبة:

إتّفق علماء الإسلام على وجوب التّوبة، و كذلك فإنّ القرآن قد صرّح بها في الآية (8) من سورة التّحريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾.
إنّ كلّ الأنبياء عندما يتقلدّون أعباء الرّسالة، فأوّل شيء يدعون إليه هو التّوبة، لأنّه بدون التّوبة وتنقية القلب، لا يوجد مكان للتّوحيد والفضائل في أجواء النّفس وواقع الإنسان.
فالنّبي هود(عليه السلام)، أوّل ما دعى قومه: إلى التّوبة والإستغفار، فقال تعالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ﴾ (6).
وكذلك النّبي صالح(عليه السلام)، جعل التّوبة أساساً لعمله ودعوته، فقال تعالى: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ﴾ (7).
ثم النّبيّ شعيب(عليه السلام)، الذي تحرك في دعوته من هذا المنطلق، فقال تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ (8).

ودعمت الروايات ذلك الأمر، وأكّدت على وجوب التّوبة الفوريّة، ومنها:
1 ـ وصية الإمام علي(عليه السلام) لإبنه الإمام الحسن(عليه السلام): «وَإِنْ قَارَفْتَ سَيِّئَةً فَعَجِّلْ مَحوَها بِالتَّوبَةِ» (9).
طبعاً حاشا للإمام أن يقترف الذّنوب، ولكن قصد الإمام علي(عليه السلام) هنا، تنبيه الآخرين إلى هذا المعنى.
2 ـ قال الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، لإبن مسعود: «يابنَ مَسْعُودَ لا تُقَدِّمِ الذَّنْبَ وَلا تُؤَخِرِ التَّوبَةَ، وَلَكِنْ قَدِّمِ التَّوبَةَ وَأَخِّرِ الذَّنْبَ» (10).
3 ـ وفي حديث آخر، قال الإمام علي(عليه السلام): «مُسَوِّفُ نَفْسِهِ بِالتَّوبَةِ مِنْ هُجُومِ الأَجَلَ عَلَى أعْظَمِ الخَطَرِ» (11).
4 ـ وقال الإمام الرضا(عليه السلام) نقلا عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): «لَيسَ شَيءٌ أَحَبُّ إلَى اللهِ مِنْ مُؤمِن تائِب أو مُؤمِنَة تائِبَة» (12).
ويمكن أن يكون هذا الحديث دليلاً على وجوب التّوبة، لأنّها أحبّ الأشياء إلى الله تعالى في دائرة السّلوك البشري.
مضافاً إلى ذلك، هناك دليلٌ عقلي على وجوب التّوبة، وهو أنّ العقل يحكم، بوجوب دفع الضّرر المحتمل أو المتيقن، وتحضير وسائل للنجاة من العذاب الإلهي، وبما أنّ التّوبة هي أفضل وسيلة للنجاة من العذاب، فلذلك يحكم العقل السليم بوجوبها، فالعاصين أنّى لهم الخلاص، من العذاب الدّنيوي والاُخروي، ولمّا يتوبوا بعد؟!
نعم، فإنّ التّوبة واجبةٌ، بدليل القرآن والرّوايات والعقل، إضافةً إلى قبول المسلمين لها أجمع، وبناءً عليه فإنّ الأدلّة الأربعة تحكم بوجوب التّوبة، ووجوبها فوري، وقد تطرق علم الاُصول لهذا الأمر، على أساس أنّ الأوامر كلّها ظاهرةٌ في الوجوب ما لم يثبت العكس (13).


(1) - المحجّة البيضاء: ج7، ص6، مع التلخيص.
(2) - بحار الأنوار: ج94، ص142.
(3) - اُصول الكافي: ج2، باب التوبة، ص435، ح8.
(4) - تفسير الفخر الرازي وتفسير الصّافي: ذيل الآية 37 من سورة البقرة.
(5) - المحجّة البيضاء: ج 7، ص 5.
(6) - سورة هود: الآية 52.
(7) - سورة هود: الآية 61.
(8) - سورة هود: الآية 90.
(9) - بحار الأنوار: ج 74، ص 208.
(10) - بحار الأنوار: ج 74، ص 104.
(11) - مستدرك الوسائل: ج 12، ص 130.
(12) - مستدرك الوسائل: ج 12، ص 125.
(13) - الأخلاق في القرآن: 187 - 195.

 

  حفظ القرآن


الألفاظ المتشابهة في القرآن الكريم:

 


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الهداة الميامين.
من أهمّ ما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحثّ المسلمين عليه ويؤكّده عليهم، هو حفظُ القرآن وضبطُ آياته، عندما كانت تنزلُ وحياً من الله تعالى، فقد عيّنَ بينهم كُتّابا للوحي عديدين فكانوا (رضي الله عنهم) أوعية الوحي الأُمناء، وحفظته الأقوياء، ورعاته الأوفياء، ودعاته الأصفياء، لا يكلّون عن العمل به، ولا يتهاونون في حفظه، وعلى أيديهم كان بناء القرآن، وعلى عواتقهم صار حمله وضبطه، وبجهودهم ثبتَ نصه في المصحف، وانتشرَ وتواتَرَ، حتّى وصلَ إلينا والحمدُ لله على نعمه، فجزاهم الله عن القرآن، والرسول، والمسلمين، خير الجزاء.

حافظ القرآن: يقال في اللغة: حفظ الشيء, أي: رعاه وصانه وحرسه (1). ويقال  ـ أيضا  ـ الحفظ: لضبط في النفس, ويضاده النسيان (2).
والحافظة والذاكرة: قوة في الإنسان تحفظ معلوماته. وفي القرون الأخيرة قيل لمن يحفظ القرآن عن ظهر قلب: الحافظ وكذلك يقال لمن يحفظ عدداً كبيراً من الاحاديث: الحافظ (3).
بينما كان في صدر الاسلام يقال لمن حفظ القرآن عن ظهر قلب: الجامع.
وعلى ما ذكرنا فإنَّ تسمية من حفظ القران بالحافظ من تسمية المسلمين ومصطلحهم, وليس من مصطلحات الشرع الإسلامي.


القرآن يحث على حفظه:

إن سأل سائل عن قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾.
وأحد ما قيل في هذه الآية: أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا نزل عليه القرآن وسمعه من جبرئيل قرأ (عليه السلام) معه ما يوحى به إليه من القرآن أولا قبل استتمامه والانتهاء إلى المنزل منه في الحال, وقطع الكلام عليها, وإنما كان يفعل النبي (عليه السلام) ذلك حرصاً على حفظه وضبطه, وخوفاً من نسيان بعضه, فأنزل الله تعالى هذه الآية, ليثبت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلاوة ما يسمعه من القرآن, حتى ينتهي إلى غايته لتعلق بعض الكلام ببعض.
قالوا: ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ فضمن الله تعالى أنه يجمع له (عليه السلام)حفظ القرآن, ثم يثبته في صدره, ليؤديه إلى أمته. وأسقط عنه كلفة الاستعجال بترداد تلاوته, والمسابقة إلى تلاوة كل ما يسمعه منه, تخفيفا عنه وترفيها له، وأكدوا ذلك بقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ أي إذا انتهينا إلى غاية ما تريد انزاله في تلك الحال, فحينئذ اتبع قراءة ذلك وتلاوته, فلم يبق منه ما ينتظر في الحال نزوله.

وقال تعالى: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ (4)، ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى ﴾, أي سنجمع حفظ القرآن في قلبك وقرأته في لسانك, حتى (لا تنسى), كقوله: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾. قيل: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلقف القرآن من جبرئيل بسرعة, فكان إذا قرأ آية كان يسبقه بالتلقف, مخافة أن ينسى, فأنزل الله سبحانه: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى ﴾, فلم ينس بعدها شيئا من القرآن ألبتة ما عاش, وفي هذا اعجاز عظيم.
حفظ القرآن من حكمة نزول القرآن منجماً: لنزول القرآن الكريم منجماً ـ أي مفرقاً، حكم جليلة, وأسرار عديدة عرفها العالمون، وغفل عنها الجاهلون، ونستطيع أن نجملها فيما يأتي, وهي:
أولا: تثبيت قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام أذى المشركين.
ثانيا: التلطف بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند نزول الوحي.
ثالثا: التدرج في تشريع الأحكام السماوية.
رابعا: تسهيل حفظ القرآن وفهمه على المسلمين.
خامسا: مسايرة الحوادث والوقائع, والتنبيه عليها في حينها.
سادسا: الارشاد إلى مصدر القرآن, وأنه تنزيل الحكيم الحميد.

ونحن نتحدث عن الحكمة الرابعة موضع البحث: فهي تسهيل حفظ القرآن على المسلمين, وفهمهم وتدبرهم له, فمن المعلوم أن العرب كانوا أميين, أي لا يقرأون ولا يكتبون وقد سجل القرآن الكريم عليهم ذلك في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ .. ﴾ (5), كما كان (صلى الله عليه وآله وسلم) أمياً كذلك: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ﴾. فاقتضت حكمة الله أن ينزل كتابه المجيد منجماً, ليسهل حفظه على المسلمين, لأنهم كانوا يعتمدون على ذاكرتهم, فكانت صدورهم أناجيلهم, كما ورد في وصف أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم), وأدوات الكتابة لم تكن ميسورة لدى الكاتبين منهم على ندرتهم,فلو نزل القرآن جملة واحدة لعجزوا عن حفظه, وعجزوا بالتالي عن تدبره وفهمه.

وقد رغب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين، وحثهم على حفظ القرآن وتدارسه وتعليمه، فنشطت حركة القرأة والحفظ والتعليم، واشتدت العناية بكتاب الله العزيز، فكان في جيل الصحابة من يحفظ القرآن حفظاً كاملاً على عهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وسعد بن عبيد بن النعمان، وثابت بن زيد بن النعمان، ومعاذ بن جبل، وعبيد بن معاوية بن زيد بن ثابت (6)، وكان هناك من يحفظ بعضه والكثير منه.
ويستفاد من الأخبار اهتمام جيل الصحابة البالغ بحفظ القرآن وتلاوته.
كما روي أن بعض الصحابة كان يعرض حفظه على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ليتأكد من حفظه.


دعاء حفظ القرآن:

عن حمّاد بن عيسى، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أعلّمك دعاء لا تنسى القرآن: اللهّم ارحمني بترك معاصيك ابداً ما أبقيتني، ارحمني من تكلّف ما لا يعنيني، وارزقني حسن المنظر فيما يرضيك عنّي، وألزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتني، وارزقني أن أتلون على النّحو الذي يرضيك عنّي، اللهّم نوّر بكتابك بصري واشرح به صدري وفرّح به قلبي واطلق به لساني واستعمل به بدني وقوّني على ذلك وأعنّي عليه، وأنّه لا معين عليه الاّ انت لا اله الاّ انت» (7).


(1) - مادة (حفظ) بمعاجم اللغة.
(2) - مادة (حفظ) بمفردات الراغب.
(3) - المعجم المفهرس لالفاظ الحديث.
(4) - سورة الاعلى، الآية: 6.
(5) - سورة الجمعة، الآية: 2.
(6) - الفهرست: ص 30.
(7) - بحار الأنوار: ج92، ص 209.

 

   المرأة في القرآن




﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (1).

إنَّ الدعامة الأساسية في تكوين الأسرة المؤمنة هي العاطفة والميل الطبيعي إلى توطيد العلاقة الطيبة وخلق الرحمة والمودة فيما بينهم ليبتعدوا عن روح الأنا والتفاضل والأحقاد، بل ويتمثلون بالروح الحية وامتلاك جانب الإيثار والتضحية والبذل، فالرجل بحاجة إلى الشريكة والرفيقة التي تمثل السكن الدافىء والمرأة بحاجة إلى الشريك القوي المحب الذي يبعث الراحة والطمأنينة في قلبها.

ولكن قد تعترض طريق الأسرة الكثير من المشاكل السهلة وربما المستعصية وهذا أمر بديهي في الحياة اليومية، وغالباً ما يقف الزوجان أمام المشاكل وقفة حيرة، وموقف المتذبذب على أرض الوحل، فالمشاكل قطب الرحى في استيعاب الإنسان وإدراكه لأسرار حياته وغموضها (2). والجدير بالذكر أن المشاكل السهلة الناتجة عن بعض المفاهيم الاجتماعية الخاطئة يمكن أن نتخطاها بقليل من الحكمة والصبر واستيعاب الآخر، ومعرفة الميول والأهواء الخاصة عند الشريك واحترامها. أما المشاكل الأخرى وأقصد بها تلك التي تصب مباشرة في صميم العلاقة الزوجية، فحري بنا أن نحتكم في معالجتها إلى قانون عادل ومحكم ألا وهو القرآن الكريم حيث قال عنه «أدموند يورك: إن القانون المحمدي (القرآن) لهو قانون ضابط للجميع، من الملك إلى أقل رعاياه، وهو قانون نُسج بأحكم نظام قضائي، وأعظم قضاء علمي تشريعي لامع ما وجد قط مثله في هذا العالم من قبل » (3). من هذه المشاكل تخلف أحد الزوجين عن واجبه تجاه الآخر وهذه المشكلة يطلق عليها اسم «النشوز» وقد استعمل هذا المصطلح الفقهي لكراهة أحد الزوجين لصاحبه والإستعلاء عليه، لذلك يمكن تقسيم الحديث عنه إلى مرحلتين: نشوز الزوجة ونشوز الزوج.

1- نشوز الزوجة:

صحيح أن للزوج كامل الحرية في فك عرى الزوجية متى شاء لأنَّ (الطلاق بيد من أخذ بالساق)، إلا أنَّ الشريعة الإسلامية أولت العلاقة الزوجية عناية خاصة وذلك بإبعادهما عن كل عرقلة تقف في طريق إقامة الكيان الأسري، والشريعة بما هي مستوحاة من القرآن الكريم، رسمت الخطوط الأولية للزوج ليتفادى تهديم البيت الزوجي بالطلاق حتى ولو ظهرت بوادر النشوز من الزوجة، قال تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ (4). فالوعظ هو أول الحلول في طريق عودة الزوجة إلى مهدها الزوجي، والمراد به في الآية الكريمة هو دراسة الأسباب بشكل واضح مع العلاج المناسب. أما إذا أخفق الزوج بالوعظ والأسلوب العاطفي فلا بد من الانتقال إلى المقابلة بالمثل (الهجران) وإظهار الانفعال وعدم الاهتمام بها وبكيانها الأنثوي، وهذا الأمر من شأنه أن يعاكس المرأة ويحرك عواطفها كزوجة، وتنتصر على الإغواء من الشيطان وتنتقل إلى مرحلة الترقي في نظر الزوج فتهيج داخله الحب والحنان، ويتناسى كل ما حصل وإلا، فلا، وهذا الخيار الثالث ألا وهو (الضرب) بعد أن أخفقت مساعيه الأخلاقية الهادئة. ويشترط بالضرب بأن لا يكون مبرحاً بقصد الإيذاء والتشفي وما شاكل ذلك من الحالات التي تجعل من الزوج ثورا هائجاً لا مربياً حنوناً. فإذا شعرت المرأة أنَّ الضرب حرص من الزوج على استمرار الحياة أخذت على عاتقها إصلاح الأمور ولهذا قال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ (5).

2- نشوز الزوج وله ثلاثة أوجه:

أ- أن يضربها ويؤذيها من دون مبرر شرعي.
ب- أن يتمنع من الإنفاق عليها إشباعاً، اكتساءً أو إسكاناً.
ج- إظهار النفور والمشاكسة لها.

وفي هذه الصورة نرى أن القرآن الكريم قد رسم للمرأة خطوطاً بإمكانها الأخذ بها إذا اقتصر نشوز زوجها على الضجر وإظهار النفور: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ (6). وقد فسر الصلح بإسقاط بعض ما للمرأة من حقوق فتسعى بذلك إلى إصلاح حنايا البيت قبل أن تقع الكارثة. أما إذا باءت كل المحاولات التي يبذلها كلا الطرفان لاسترضاء الجانب الآخر بالفشل، فهنا تأخذ القضية شكلاً آخر، وتحتاج إلى حل مشترك يدخل فيه الأهل من الجانبين لعلهم يتمكنون من السيطرة على الموقف المتأزم لأنهم أصحاب فكر وتجربة فيتم تلافي الأمور وإندمال الجروح: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ﴾ (7). فحينئذٍ يوفق الله بينهما بضمان من الله في ذلك بنص الآية الكريمة، ولماذا لا يوفق الله بينهما (وما من شيء أبغض إلى الله عزَّ وجل من الطلاق) كما يقول الخبر (8).
نخرج من هذا السياق بفائدة هامة وهي أن نعلم جميعاً أن سعادتنا رجالاً ونساءً منوطة بتنفيذ الأوامر الشرعية التي أنزلها الله تعالى، وأي إخلال بهذه الحقوق والواجبات الشرعية معناه الهدم للنظام الأسري وبالتالي الهدم للسعادة والإستقرار، فالحياة الزوجية ليست ساعة من نهار، إنها مسيرة حياة كاملة، فلذا يتحتّم على الاثنين معاً أن يحافظا على سعادتهما بشكل مستمر (9).


(1) - سورة الروم، الآية: 21.
(2) - الحياة الزوجية مشاكل وحلول - صباح عباس- دار الأوجام للطباعة والنشر.
(3) - البرهان في القرآن.
(4) - سورة النساء، الآية: 34
(5) - سورة النساء، الآية: 34
(6) - سورة النساء، الآية: 128
(7) - سورة النساء، الآية: 35
(8) - الأسرة في القرآن - العلامة السيد مهدي العوادي - مؤسسة الهدى الاسلامية - دار العلم.
(9) - رحاب بو زيد- مسؤولة التعليم في جمعية القرآن الكريم - منطقة بعلبك.

 

   تجويد القرآن

أحكام الابتداء وأنواعه في القرآن الكريم



تعرفنا في العدد السابق إلى الوقف وأنواعه في تلاوة القرآن الكريم.
وسنتطرق بالحديث في هذا العدد إلى أحكام الابتداء وأنواعه في القرآن لإتمام البحث وتوضيح هذا العلم أمام القارىء العزيز.

 

أولاً: تعريف الابتداء:

الابتداء كما الوقف يحتاجهما القارىء في تلاوة القرآن الكريم. وكما يجب عليه أن يُحسِن الوقف يجب عليه أيضاً أن يحسِن الابتداء. إذْ لا يقلّ أهمية عنه، والابتداء لا يكون اضطرارياً بعكس الوقف، فالقارىء هو الذي يختاره بنفسه بحسب الأصول والقوانين اللغوية والمعنوية.

فالابتداء في تلاوة القرآن نوعان:

1 - الابتداء الحقيقي.
2 - الابتداء الاختياري (الابتداء الإضافي).
 

1 - الابتداء الحقيقي:

هو الابتداء بآية مستقلة بالمعنى عمّا سبقها من الآيات ولا يكون إلاّ في افتتاح التلاوة. فعلى القارىء أن يفتتح تلاوته بآية ليست متعلقة بالمعنى أو بالإعراب بما قبلها.


2 - الابتداء الإضافي:

هو الابتداء بآية قرآنية لها علاقة بالمعنى عمّا سبقها من الآيات ولا يصح البدء به ابتداءً أو في أول التلاوة وله نوعان: الابتداء الجائز والابتداء غير الجائز.

والابتداء الجائز يكون على ثلاثة أقسام:

أ - تام.
ب - كاف.
ج - حسن.

أما غير الجائز فهو: الابتداء القبيح.


أ - الابتداء التام:
وهو أرقى أنواع الابتداء وشبيه بالحقيقي وهو البدء بكلمة قرآنية ليس بينها وبين ما قبلها تعلّق لفظي ومعنوي نحو: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾، ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾.


ب - الابتداء الكافي:
وهو البدء بكلمة قرآنية بينها وبين ما قبلها تعلق معنوي لا لفظي وحكمه جواز البدء به نحو: ﴿أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾.


ج - الابتداء الحسن :
وهو البدء بكلمة قرآنية بينها وبين ما قبلها تعلق معنوي ولفظي ولا يصح البدء بما بعده لتعلّقه به من جهة اللفظ والمعنى جميعاً كالبدء بـ ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ من قوله تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إلاّ إذا كان رأس الآية نحو: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾.

د - الابتداء القبيح:
هو البدء بكلمة قرآنية بينها وبين ما قبلها تعلق معنوي ولفظي إلاّ أن البدء به يعطي معنى ناقصاً أو فاسداً أو مرفوضاً ولا يصح البدء به مطلقاً نحو: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ من قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾، ونحو ﴿الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ من قوله: ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾.

هذه خلاصة عامة في بيان الوقف والابتداء، وإذا أردت أن تتوسع في هذا المقام فارجع إلى كتب هذا العلم المطوّلة أمثال كتاب «منار الهدى في بيان الوقف والابتداء» للشيخ الأشموني، وكتاب «المكتفى في الوقف والابتداء» لأبي عمرو الداني «والاهتداء في الوقف والابتداء» لابن الجزري وغيرها.

علامات الوقف بحسب ما وضعه علماء ضبط المصاحف:

م: علامة الوقف اللازم، نحو: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾.

لا: علامة الوقف الممنوع، نحو: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ﴾.

ج: علامة الوقف الجائز جوازاً مستوى الطرفَيْن، نحو: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ﴾.

صلى: علامة الوقف الجائز مع كون الوصل أولى، نحو: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

قلى: علامة الوقف الجائز مع كون الوقف أولى، نحو:﴿قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ﴾.

... علامة تعانق الوقف بحيث إذا وُقف على أحد الموضعَيْن لا يصح الوقف على الآخر، نحو: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِّلْمُتَّقِينَ﴾.
 


إعداد: مدير التعليم المركزي الحاج عادل خليل.

 

   حوارات قرآنية

حفظة القرآن الجامعيين

 

الاسم: دعاء عدنان البيروتي - منطقة بيروت.


الأخت الحافظة: نرجس علاء الدين.
نبذة مختصرة: نرجس علاء الدين من منطقة البقاع الشمالي حافظة لكامل القرآن الكريم ومدرسة الحفظ والتجويد في جمعية القرآن الكريم وهي طالبة جامعية وقد وفقت للمشاركة في المسابقة السنوية لجائزة الشهيد السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) لحفظة القرآن الكريم الجامعيين لعام 2014م.
المستوى الدراسي: M - أدب عربي.


س 1: ماذا تفهمين من قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ .
ج: يُفهم من هذه الآية الكريمة ضرورة الوحدة والتعاون والتكاتف في سبيل الحفاظ على الإسلام والدين.

س 2: ماذا تفهمين من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنَّ أهل القرآن (1) في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النّبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإنَّ لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً علياً»؟
ج: يلفتنا هذا الحديث الشريف إلى ضرورة احترام وتقدير أهل القرآن العاملين به لما لهم من الشأن عند الله عزّ وجل.

س 3: مروي عن أبي عبد الله (الصادق (عليه السلام)) أنَّ: «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة (2) الكرام البررة (3)»، هل هذا الحديث يشعرك بالمعنويات والتواضع لله سبحانه وللناس؟ ولماذا؟
ج: بالتأكيد يشعر بالمعنويات العالية، لكنه بالمقابل يلقي عليَّ مسؤوليَّة كبيرة لأصل إلى مستوى الحافظة العاملة بالقرآن الكريم، فأسأل الله التوفيق.

س 4: كيف تقيِّمين مشروع جائزة سيِّد شهداء المقاومة الإسلامية التي قدمتها جمعية القرآن الكريم بالتعاون مع حزب الله؟
ج: مشروع ممّيزٌ وفريد، ويعبّر عن مدى الاهتمام بحفظة القرآن الكريم، ويشجّع على تنامي هذه الظاهرة بين أوساط الطلبة الجامعيين.

س 5: ماذا تقولين لطلاب الجامعات لحثهم على حفظ القرآن الكريم والاستفادة منه؟ وبماذا تنصحينهم؟
ج:حفظ القرآن الكريم يجب أن يواكب دراساتنا الأكاديمية، لأنه يضفي عليها قُدسيَّة وتوفيقاً، ويجعل الدراسة أكثر متعةً، وأوضح أهدافاً.

س 6: ما هي الكلمة التي توجهينها لسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله (حفظه الله) الداعم لهذا المشروع؟
ج: لم نعتد منك يا سيّدي إلّا كلَّ جميل، وليس بغريبٍ عليك دعم هذا المشروع لأنه يعني الفوز في الدنيا والآخرة، وهذا هو شعارك، فأسأل الله أن يديمك لنا بحق القرآن الكريم وأهله.


(1) - أهل القرآن: هم حفظته وحملته والتالين لآياته والعاملين بما فيه.
(2) - السفرة: الملائكة .
(3) - البررة: جمع بار وهو المطيع لله المنزّه عن النقائص.

 

   أشهر القراء المبدعين

االقارىء: الشيخ محمد السيد ضيف
(من جمهورية مصر العربية)

 



ولد الشيخ محمد ضيف في 13/8/1945م بقرية طناح مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية في مصر، حرص والده كل الحرص على تعليم ابنه القرآن الكريم وعلومه حتى يصبح واحداً من حفظة القرآن الكريم، استطاع الطفل الصغير ابن السابعة أن يواظب بحب وشغف على التردد صباحاً ومساءً على الكتّاب يحمل المصحف في يده وأحياناً يضمه إلى قلبه كما يقول واعتبره جزءاً أو قطعة من جسده. يقول الشيخ ضيف: كانت سعادتي لا توصف وأنا طفل صغير عندما كنت أتم الجزء من القرآن وأراجعه أكثر من مرة على شيخنا حتى أتمكن من القرآن وقبل بلوغي الحادية عشرة كنت بفضل الله حافظاً للقرآن الكريم حفظاً جيداً. أيضاً وقفت ذات ليلة في الظلام الحالك وقلت يا رب تجعلني قارئاً مشهوراً مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، واستجاب الله لي وأصبحت قارئاً للقرآن بالإذاعة والتلفزيون وأدعى للمحافل الكبرى التحق بالإذاعة والتلفزيون عام 1984م، سافر إلى العديد من الدول الاسلامية والعربية والأفريقية والأجنبية لإحياء ليالي شهر رمضان المبارك وقراءة القرآن بأشهر مساجدها.


يقول الشيخ ضيف:

عندما كنت أستمع إلى أعلام القرّاء أمثال الشيخ أبوالعينين شعيشع والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ البنا والشيخ عبد الباسط وغيرهم من نجوم التلاوة كنت أعتبر نفسي مستمعاً لهم ولما كنت أجلس مع أحدهم تتملكني الهيبة والرجفة لما لديهم من وقار وجلال وعزة وقوة استمدوها من وقار وجلال وعزة القرآن...

 

   مقابلة العدد

القـــــرآن هو الركيزة الأساسية في تكوين شخصية
الشهيد السيد عباس الموسوي (قده)
العلمية والعقائدية والتربوية


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ



والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
نرحب بالأخ المجاهد السيد ياسر الموسوي نجل الأمين العام لحزب الله الشهيد السعيد السيد عباس الموسوي (قده) في هذا اللقاء مع مجلة هدى القرآن ونشكركم على هذه الفرصة الطيبة.


س1: الحديث عن سماحة السيد الشهيد يأخذك إلى بدايات الشهيد مع العلم والدراسة في النجف الأشرف، فما هو الأساس الذي تأثر به وتأسست عليه شخصيته؟

ج1: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
بداية أهلاً وسهلاً بكم ضيوفاً أعزاء في محضر الكلام عن الشهيد السيد عباس الموسوي (قده)، والحديث يطول عن هذه الشخصية لأن السيد الشهيد تميز في حياته بالكثير من التفاصيل الاستثنائية.
يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾ (1) صدق الله العلي العظيم، أحببت أن أبدأ بهذه الآية الكريمة لكونها تنطبق بتفاصيلها على حياة السيد الشهيد، فعندما اختار السيد الشهيد طلب العلم في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فهو اختار أن يكون شخصية محبة للقرآن تعمل بتعاليمه بشكل تفصيلي، انتسب السيد الشهيد في مقتبل العمر بعمر 16 سنة إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وبدأ مسيرته العلمية من مدينة صور وتوجه بعدها إلى مدينة النجف مدينة أمير المؤمنين (عليه السلام) مدينة العلم العريقة وذات الخصوصية والأثر الكبيرَيْن عند كل من توجه إليها. من الطبيعي أن تصبح شخصية السيد ومنذ مطلع شبابه شخصية محبة للقرآن، وأسسها على هذا المدماك الذي هو القرآن الكريم، وأصبحت مجبولة بتعاليمه، فكان خُلُقه خلق القرآن الكريم، وانتهل دراسته من المنبع الأساسي بحيث أصبحت شخصية السيد متأثرة بما أتى على لسان النبي الأمي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال هذا النبع الكبير وهو القرآن الكريم.


س2: هل تحدثنا عن بعض النماذج التي تبين عمق الشخصية القرآنية عند سماحة السيد الشهيد وكيف كان يجسّدها في حياته العملية والعائلية؟

ج2: القرآن الكريم هو كتاب الله ووحيه المنزل على رسوله الأميّ وأهمية ذلك إنه رجل أميّ جاء بأعظم معجزة في التاريخ، وكان السيد الشهيد حريصاً كل الحرص أن يكون القرآن هو الركيزة الأساسية في تكوين شخصيته العلمية والعقائدية والتربوية، وتطبيق تعاليمه في كل تفاصيل حياته، في حلّه وترحاله، وانعكس ذلك تربية وتنشئة وتعاطياً وتعاملاً مع أبنائه وعائلته والمجتمع، فعندما يكون السيد، هذا الرجل الاستثنائي في الزمن الاستثنائي، قد تلقى هذه التعاليم الرسالية والإلهية من الطبيعي أن يربي أقرب الناس عليها، مثلاً أبناؤه، فجل اهتمامه في ذلك الوقت أن يكون ياسر أو كميل أو محمد وأخواتي بتول وسمية أن ينشأوا تنشئة إسلامية، أن يتربوا على تعاليم القرآن الكريم فهو محب ومتعلق بها ويحب أن يراها في أبنائه، كمثل الطبيب الذي يتمنى لابنه أن يمشي على خطاه وأن يرى نفسه بأبنائه كما يقال، وأنا على يقين أن السيد الشهيد الذي تلقى علوم أهل البيت (عليهم السلام) ونبعها هو القرآن الكريم، أحب أن يرى هذا الأمر في أبنائه تربوياً ومسلكياً وأخلاقياً، وفي مجتمعه القريب منه، وفي كل حركتنا الإسلامية والجهادية في لبنان التي هي مظهر للقرآن الكريم والأساس فيها هو القرآن الكريم، ولا سمح الله إن تخلينا عن هذه الفكرة لأصبحنا في عداد الهالكين.


س3: من يحب بناء مستقبل أبنائه ومجتمعه فإنه يهيئ لهم الأرضية، وما أحبه السيد دونه جهاد النفس والزهد وهي أمور صعبة وشاقة، فماذا تقول في ذلك؟

ج3: هناك أمور تفصيلية تحصل أمام الإنسان ولا يستطيع أن ينساها أبداً حتى لو مرّ عليها عشرات السنين، كنا نراقب حركة السيد رغم كوننا أطفالاً، فحين استشهاد السيد كنت بعمر 15 سنة، كنت أرى السيد يتعاطى مع الناس بقمة التواضع، وهو الرجل الذي اعتاد الناس أصلاً على تواضعه وأحبوه لأجل تواضعه، رغم كل المناصب التي وصل إليها السيد التي لم تزده إلا تواضعاً، وكان يؤكد على ذلك فمثلاً عندما تسلّم منصب الأمانة العامة ذكر عبارة رائعة جداً، رآني فرحاً جداً ـ فالابن يفرح لأبيه ـ قال لي: اليوم أصبحت المسؤولية أكبر علينا جميعاً، عليّ شخصياً وعليكم أنتم، اليوم أنا استلمت مسؤولية في حزب الله فيجب أن يزداد تواضعنا وحبنا للناس، هذا المنصب لا يخولنا لا سمح الله التعالي على الناس أبداً، اليوم أصبحنا أكثر من أي وقت مضى في خدمة الناس، هكذا يفكّر القائد كلما تألق ووصل إلى مناصب أعلى وأصبح في الطليعة ازداد تواضعاً وحباً للناس. فهذا النموذج رسم خطوطاً حمراء، وضع سقفاً للتعاطي مع الناس حتى لو لم تكن أنت كذلك، يعني حتى لو لم يكن ياسر هكذا ولكن يصبح هناك سقف لا يسمح بتجاوزه من خلال توجيه السيد الشهيد لك.

من خلال عبادته لطالما كنا نرى السيد يطيل الوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ، وكان لا يشعر بشيء من حوله أبداً، عندما كان يصلي السيد أو يقرأ القرآن أو الدعاء كنا نرى السيد بالفعل في حالة خاصة، حتى لو كان هناك ضوضاء حوله فهو لا يعتني بها ولا تؤثر عليه، هو أصلاً في عالم مختلف، مرة كانت الوالدة (رضوان الله تعالى عليها) تقول لنا: خففوا قليلاً وطوّلوا بالكم إن والدكم يؤدي الصلاة، بعد ذلك قالت له: لو أنك دخلت وصليت في غرفة ثانية بسبب الأولاد، فقال لها: أصلاً لم أكن أحس بهم، لم يكن يشعر بالضوضاء، وطبعاً لم يكن السيد يقول ذلك عبثاً فهو يحكي ويوصّف واقعه وحالته أثناء الصلاة.
نحن نرى بعض المشاهد على شاشة التلفزيون ولكن كانت الأمور في الواقع أكثر تواضعاً، من يعش مع السيد يومياً يرى هذه التفاصيل أكثر، مثلاً إذا شاهدت مقطع فيديو للسيد وهو يرتل فيه القرآن، وهو صاحب الصوت الحنون فإنه ينقلك إلى عالم آخر عندما يقرأ القرآن من خلال ترتيله ومن خلال صوته الحنون، بالفعل ينقلك إلى عالم آخر، تشعر بأن السيد يتحدث مع الله، يعني هذه الخلوة حتى مع وجود مصور وحتى مع وجود عدد من الإخوة في الحماية إلى جانبه، ولكن هو انتقل إلى عالم آخر أصبح في عالم مختلف، هنا نرى نحن عظمة القائد، ونرى أن تعاليمه ليست بالكلام، وهذا أهم ما في الموضوع.
أذا تكلم أحد ما بموعظة أو خطاب ربما نتأثر به جزئياً، بنسبة مئوية ما، ولكن عندما يتجسد هذا الخطاب إلى عمل هنا يبدأ التأثير الإيجابي على المستمع والمتلقي، تشعر بأنك أمام شخصية استثنائية بالفعل بكل المعايير، تشعر بأن هذه التعاليم أصبحت واقعاً ولم تعد مجرّد كلام، وهذا أجمل ما في السيد عباس، أجمل ما في السيد عباس أن هذه التعاليم نقلها لك بالعمل وليس بالخطاب فقط، يعني هو كمربي وكأستاذ وكمنبري وظيفته الأساسية أن ينقل لك هذه التعاليم بالكلام، من خلال موعظة من خلال خطاب الخ... ولكن السيد استطاع أن يصل إلى كل محبيه وكل مريديه، طبعاً عندما نحكي عن محبيه ومريديه فكيف بأبنائه، استطاع أن يصل إليهم بالتطبيق العملي ووصلت الفكرة لهم كما أحب السيد عباس أن تصل.


س4: إذا أردنا الحديث عن سماحة السيد كإمام للجمعة وكمدرّس وأستاذ في الحوزة العلمية، فكيف يدرّس هذه التعاليم إن من ناحية العلاقة مع المصلّين أو من خلال متابعة الشؤون التعليمية في الحوزة؟

ج4: بعد عودة السيد الشهيد من العراق إلى لبنان، أول عمل أساسي بادر إليه هو تأسيس حوزة علمية، لأنكم جميعاً تعلمون الظروف التي عاد فيها السيد الشهيد إلى لبنان، هي ظروف قاهرة في العراق بسبب البطش الذي كان يمارسه صدام حسين وترحيله الطلبة اللبنانيين، فأراد السيد أن يوجد حاضنة للطلبة بعد عودتهم من النجف الأشرف، وكانت هذه الحوزة في مدينة بعلبك بسبب الأحداث والحرب القائمة في لبنان، فلكي ينأى بهؤلاء الطلبة عن المعارك والخصومات الداخلية، فالأفضل أن تكون هذه الحوزة في مدينة بعلبك، وعمل السيد مجهوداً كبيراً جداً لاحتضان كل الطلبة الذين كانوا معه في النجف الأشرف لا سيما طلابه الذين كان يدرّسهم هو، وبفضل وتوفيق الله عزّ وجلّ وفق السيد لتأسيس هذه الحوزة التي أصبحت فيما بعد ملاصقة لمسجد أمير المؤمنين (عليه السلام). من خلال تدريس السيد لطلابه، وكونه إمام الجمعة في بعلبك، بدأت صلاة الجمعة تكبر يوماً بعد يوم، في البداية كان هناك عشرات المصلين كما ينقل لنا الإخوة، ولكن فيما بعد بدأت تتجلّى الصورة أكثر فأكثر، وبشكل سريع كبرت صلاة الجمعة وأصبحت صلاة الجمعة خلف السيد عباس في مدينة بعلبك من الأمور التي يدعو إليها الناس من جميع القرى وأنا أذكر جيداً أنه من القرى المحيطة في المنطقة كانوا يأتون للصلاة خلف السيد الشهيد وهذا الأمر في بداية تأسيس الحوزة العلمية ولم يكن حينها قد نشأ حينها حزب الله.

ومن الأمور الأساسية التي ركّز عليها السيد الشهيد من خلال وجوده في المسجد وكمدير وأستاذ في الحوزة العلمية هي المباحثة القرآنية عبر انتقاء مواضيع قرآنية، وكان هو يدير هذه الجلسات لأن كل الإخوة هم من الطلبة، وكان يؤكد أن التباحث في القرآن الكريم يزيد الإنسان تعمقاً ومعرفة بالدّين الذي ينتسب إليه، ومن الطبيعي عند طلبة العلوم الدينية أن يتباحثوا بالمنبع الذي ينهلون منه وهو القرآن الكريم، فكان القرآن محوراً أساسياً في حركة السيد الشهيد من خلال التأكيد على طلابه على أن يتباحثوا القرآن الكريم من خلال تفسيره من خلال انتقاء مواضيع معينة أيضاً للعمل عليها.
فيما بعد أذكر جيداً أنه في ليالي شهر رمضان المبارك، كان يؤكد على إقامة ندوات قرآنية في المسجد، كان يؤكد أنه فليكن هذا الشهر الفضيل فرصة في حركتنا، وكان يقام ندوة قرآنية في مسجد أمير المؤمنين في بعلبك، فيما بعد عُممت هذه الفكرة على القرى المحيطة، مثلاً قرى النبي شيث (عليه السلام)، علي النهري، رياق، تمنين، قرى الشرقي والغربي بحسب تعبير أبناء منطقتنا، ونجح هذا الأمر من خلال إرسال المبلغين إليها ومحور لقاءاتهم مع الناس هو تفسير الآيات القرآنية ولننهل جميعاً من هذا النبع الصافي.


س5: استمرت الحركة القرآنية التبليغية لسماحة السيد الشهيد حتى حصول الإجتياح الإسرائيلي للبنان، واجتماع الشباب حوله لتأسيس الخلايا الأولى للمقاومة، فكيف حثّ وحفّز المجاهدين على العمل العسكري من خلال تطبيقه الواقعي للآيات القرآنية التي تدعو للجهاد؟

ج5: كل عمل تؤسسه في البداية يحتاج إلى الكثير من الوقت، وبطبيعة الأمر هو أمر متعب ومضن. ولكن إذا أردنا الحديث أكثر عن خطابات ومواعظ السيد الشهيد أثناء جلساته مع المجاهدين، هناك بعض الصور للقاءاته الخاصة مع المجاهدين، بأعداد قليلة، ترى أن السيد كان دائم التركيز على مسألتين، ولاحظتهما دائماً سواءً عندما أكون معه، لأنني كنت أكثر حظاً من إخوتي بمرافقته في كثير من المحطات، أو من خلال متابعتي للأرشيف الخاص بالسيد، فكان هناك محطتان ثابتتان في كلام السيد سواء كان هذا الموضوع اجتماعياً أو تربوياً أو متعلقاً بالجهاد ضد العدو الإسرائيلي، أو بعملنا كمجاهدين مع عامة الناس، كان السيد دائم التركيز أن يأتي بشاهد قرآني، كان يبدأ بآية قرآنية تنطبق على الكلام الذي يريد، أو تكون شاهداً وداعماً أساسياً على ما يريد أن يتكلم به السيد الشهيد، وهذه نقاط قوة طبعاً، يعني مثلاً عندما يريد أن يؤسس لفكرة عن الجهاد يأتي بآية قرآنية تتكلم عن الجهاد وينطلق من هذه الآية القرآنية ويتحدث عن أهمية الجهاد وأهمية المجاهد وأجر المجاهدين كله من خلال هذه الآية القرآنية، يفسر الآية القرآنية على واقع المجاهدين، وكانت هذه تترك أثراً كبيراً على المجاهدين، تعطي مصداقية أكبر للكلام الذي يتكلم به السيد. والثابتة الثانية وهي مهمة جداً، السيد كان متأثراً جداً بشخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) وقليلة هي الخطابات التي لم يكن يذكر فيها أمير المؤمنين، إذا أردنا الحديث بالتفصيل كل خطاب للسيد الشهيد فيه أكثر من شاهد من كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام)، طبعاً الآيات القرآنية كانت أكثر حضوراً، ولكن بما أن أمير المؤمنين هو القرآن الناطق، فكانت كلماته حاضرة دائماً في خطابات السيد الشهيد وهذا ما كان يترك أثراً إيجابياً ومهماً في المتلقي.


س6: هل كان سماحة السيد الشهيد (الله يقدس سره) يعطي الاهتمام لوسائل الإعلام الخاصة بالمقاومة أو التي تنقل وتصور الأخبار؟

ج6: أن يظهر هو شخصياً في الإعلام فهذا كان لا يعني له شيئاً، وكان يعبر هذه العبارة: أنا عباس الموسوي إذا تكلمت أو سجّلت موقفاً سياسياً معيناً أو دينياً في مكان ما، هل من اللازم أن ينعكس ذلك إعلامياً؟ لا ليس لازماً. فكان هذا أمر لا يعني له شيئاً على الصعيد الشخصي، رغم أن وسائل الإعلام كانت تلاحقه من مكان إلى مكان. لكنه كان شديد الحرص، نعم، على أن يوصل فكرة ما فيما يتعلق بعمل المقاومة، فهو أول من اقترح فكرة تصوير العمليات التي كانت تُشن على العدو الإسرائيلي عندما بدأ الأخوة عام 85 باقتحام المواقع الإسرائيلية، كان هو من أصحاب فكرة تصوير العمليات، طبعاً السبب منها واضح، لأن الإسرائيلي كان ينكر كثيراً هذه العمليات، ينكر أي انجاز للمقاومة الإسلامية، عندما تقوم المقاومة بأي عمل جهادي ضد العدو الإسرائيلي كان الإسرائيلي دائماً يقلل من شأن هذه العملية مدعياً أنها لم تفلح ولم تشكل خطراً على دولة إسرائيل، فكان السيد يعتبر أنه عندما يرى العالم بأسره وجمهور المقاومة هذه العمليات، فإنه يعطي دعماً للحاضنة الأساسية للمقاومة الذين هم الناس، فعندما يرى جمهور المقاومة وكل العالم صور إنجازات المقاومة، فماذا يشكل ذلك؟ أولاً: يبين افتراء الإسرائيلي وكذبه، وهذه نقطة للمجاهدين أنهم يستطيعون أن يمرّغوا أنف العدو رغم هيمنته وغطرسته، وثانياً: كان يعتبر أن نشر الثقافة الإسلامية الأصيلة هو واجب علينا، ومن الضروري أن تكون لدينا وسيلة إعلامية سواء مكتوبة أو مسموعة أو مرئية وهو ما تحتاجه المقاومة خصوصاً في بداية انطلاقتها، لكي تكون جنباً إلى جنب في العمل المقاوم.

الهدف الأساسي للوسيلة الإعلامية بعد أن أصبحنا في ثورة تكنولوجيا ووجود الكثير من المحطات الفضائية والقنوات المسموعة والمرئية هو إيصال أي فكرة قرآنية أو عقائدية، وهذه كانت موضع اهتمام كبير من قبل السيد فيما يتعلق بهذا الموضوع أو غيره، طبعاً الجانب الجهادي كان غالباً عند سماحة السيد لأنه وُجد في فترة أو زمن انطلاقة العمل المقاوم، لذلك توجد أمور كثيرة غائبة عن المشاهِد، فاليوم كثيرون يسألون عن شخصية السيد العلمية، الكثير من الناس يجهلون ما هي الشخصية العملية للسيد، ولا يعرفون ما هو المستوى العلمي له، هم متأثرون أكثر بالجانب الجهادي والسياسي للسيد، ويعتبرونه شخصية سياسية جهادية ولا يلتفتون في كثير من الأحيان أن السيد بالأساس هو شخصية علمية متينة، خرّجت شخصيات علمية أيضاً، وهذه الشخصيات هي في الصف الأول في حزب الله، الكثير من الناس يجهلون هذا الأمر، وهذه طبيعة الأمور. فالأكثر تداولاً أن يتم الحديث عنه حول تأسيس المقاومة، وأنه كان أميناً عاماً، وكان شخصية سياسية ولكن الأمر الغافل عن أذهان الناس طبعاً ليس كل الناس أن السيد هو بالأساس، قبل أن يكون السيد عباس شخصية سياسية هو شخصية علمائية ومؤسسة على الصعيد العلمي.


س7: كيف كان ينظر سماحته إلى الموضوع الإعلامي القرآني؟

ج7: نعم، كان السيد حريصاً على أن يبين الموضوع القرآني الإعلامي، وهذا متداول، فكان يتعمّد في بعض المشاهد، مثلاً أثناء توديع المجاهدين كان حريصاً أن يودعهم بنفسه ولكن بأسلوبه وبطريقته الخاصة، فيحمل القرآن بيد ويبدأ الإخوة المجاهدين بتقبيل القرآن والمرور من تحت القرآن وكان السيد يدعو لهم بالنصر. فالسيد يريد من حمل القرآن أن يبين للعدو الإسرائيلي ولكل من يقف خلفه، أننا نأخذ تعاليمنا من القرآن الكريم، فهو محور حركتنا الجهادية القائمة في لبنان وفي غير لبنان، أنت اليوم لست مشروعاً محلياً أصلاً بل أنت مشروع أممي، وكان السيد عباس يعبر دائماً هذه العبارة ويؤكد عليها للإخوة طلبة العلوم الدينية، وأكثر من أخ ذكرني بها حتى أن سماحة السيد إبراهيم أمين السيد أكدها لي وقال لي إن السيد عباس عندما كان يجلس معنا في بداية عمل حزب الله الذي لم يكن معروفاً محلياً، كان يقول: «أنتم لستم مشروعاً محلياً بل أنتم مشروع أممي، أنتم لا تعملون للبنان فقط بل تعملون للمنطقة بأكملها ولستم فقط مشروع حزب الله لبنان، فحزب الله هو مشروع كل الأمة»، فالإنسان الذي يفكر بهذا المستوى وتطلعاته بهذا المستوى من الطبيعي أن يكون نتاج عمله هو هذه المقاومة الموجودة اليوم، فالذي يضع أهدافاً متواضعة لعمله فإنه لن يحققها، ولكن عندما يكون هدف الإنسان كبيراً جداً والسيد عباس كان هدفه الأمة الإسلامية ككل، لذلك نحن اليوم نقطف هذه الثمار، وعندما يكون المؤسس بهذا المستوى من التفكير فإنك تصل إلى مستوى رائع جداً على المدى القريب وليس البعيد، ونحن نتحدث عن فترة قصيرة ما بين سنة 82 وحتى 2014، فالمقاومة حققت بإذن الله من الإنجازات ما لم تحققه الدول العربية مجتمعة. لذلك فإن السيد حتماً كان يهدف من موضوع القرآن الكريم أن يؤكد للمجاهدين أولاً ولغير المجاهدين أن محور حركتنا الجهادية وعملنا هو القرآن الكريم، لذلك كان يؤكد على هذه الصورة التي تم تناقلها بعد استشهاد السيد الشهيد وليس أثناء حياته، وكأن هذه الأمور كلها مرسومة. وقد جاء الوقت الذي يقول لكل الطغاة في العالم أننا ننهل التعاليم المحقة من هذا القرآن، على عكس الذي نراه اليوم، والآية القرآنية: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾ تجيب على الواقع الذي نعيشه، فعندما نقاتل التكفيريين فإننا نقاتل الفكر الصهيوني والأمريكي، وللأسف هناك اليوم من يدّعي الإسلام وباسم الإسلام يقتل كل الناس، فالآية القرآنية تقول: قاتلوهم، يعني أنتم أيها المسلمون قاتلوا هذه الجماعات حتى لا يكون عملهم في المستقبل فتنة، وأن نقطع الطريق عليهم، مثلاً أن لا تسمحوا لهم بأن يتقلدوا الأمور، حتى لا يكونوا بالطليعة.


س8: من خلال العمل الجهادي للسيد الشهيد (قده) ضد العدو الإسرائيلي كانت هناك مخاطر كبيرة ومنها الشهادة، فكيف كان تعاطي سماحة السيد الشهيد مع الآيات التي تتحدث عن الشهداء وأجر الشهداء؟

ج8: قبل انطلاق المجاهدين إلى أية عملية، وهذا كله موثق في أكثر من محفل وفي أكثر من لقاء للسيد الشهيد مع المجاهدين، كان يبدأ الحديث دائماً بآية قرآنية عن الجهاد وأجر المجاهد والثواب الذي يناله المجاهد من الله عزّ وجلّ وليس من أي أحد آخر، ثم يورد الآيات القرآنية التي تتحدث عن الشهداء وأجرهم عند الله عزّ وجلّ. وكذلك كانت مدرسة كربلاء هي الحاضر الأساسي، أبا عبد الله الحسين هو الحاضر الأساسي، فكان يقول أن الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة هو الاعتداء الإسرائيلي، لذلك أصبحنا مقاومة، وشكلنا هذه المقاومة لنزود عن أنفسنا وأهلنا، لنعيش بكرامة. كان يتطرق لمظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) وأن كل مصاب يهون أمام مصيبة كربلاء ولا يعد شيئاً أمامها، وإذا أردتم أن تواسوا أنفسكم فتذكروا مصيبة كربلاء، فكان هذا محوراً أساسياً في حديث السيد مع المجاهدين قبل انطلاقهم إلى أي عملية جهادية، فكل هذا كان حاضراً في لقاء السيد بالمجاهدين، لذا كنا نشاهد الإخوة المجاهدين سواء عبر مشاهد الفيديو أو مباشرة، حيث كان لنا شرف التواجد معهم في بعض الأحيان، فنرى التأثر الكبير لهؤلاء الشباب في محضر السيد ويجهشون بالبكاء، طبعاً هذا لأن الكلام يخرج من إنسان موقن وإنسان صادق، فعندما يخرج الكلام من صدر إنسان صادق اللهجة يختلف التعاطي معه كلياً، والسبب يعود إلى الأسلوب والصدق والمصداقية التي يتمتع بها هذا الشخص، والآن لا أتكلم ذلك لأنني ابن السيد عباس، ولكن صدقاً عندما يتكلم السيد، فإنك تشعر تلقائياً بحنين خاص، وأنك أمام إنسان يجسد هذه الكلمات بفعله، وهذا أهم ما في الأمر. فهو محب لهؤلاء المجاهدين ولأعمالهم ولأن يكون شريكاً معهم في الصفوف الأمامية، ولكن كان يُمنع من ذلك، وهم يعرفون إصرار السيد، فلو سمحوا له لكان بالفعل معهم، وكان يعتبر نفسه أنه مؤهلاً عسكرياً، طبعاً ليس الأمر فقط أنني أحب أن أكون في الصف الأول! لا، السيد يعرف نفسه أنه مؤهل عسكرياً ليكون بالصف الأول وكان يرى شأنه شأن أي مجاهد موجود على الجبهة، والقائد الذي يفكر بهذا الأسلوب وهذه الطريقة هو قائد ناجح ويتعلق به المجاهدون، يحسون أنهم قريبون منه بشكل كبير. ولذلك فإن الله عزّ وجلّ يفتح على يديه أولاً بسبب إخلاصه، وثانياً بسبب ثقة المجاهدين به، فهذان عاملان أساسيان وهما: صدق القائد وثقة المجاهدين به. فاليوم عندما يعدنا سماحة السيد حسن نصر الله بأي أمر، نقول أن هذا الأمر أصبح منجزاً، لماذا؟ لأنك تعرف نفسك أنك أمام قائد مجرّب من قبل، نعم إنه قائد قد جربناه ووفى بوعده في كل أمر تحدث عنه، فقال سننتصر على إسرائيل فانتصرنا بحمد الله، وعندما يقول اصبروا على هذا الأمر ونتائجه ستكون إيجابية، بالفعل كنا ننتظر ونصل إلى نتائج مذهلة أكثر مما نتصور، بحيث تظهر محاسن الأمور ونحن لا نراها إلا فيما بعد، وسماحة السيد حسن نصر الله أطال الله عمره ما هو إلا امتداد للشهيد السيد عباس (قده).


س9: عندما نتكلم عن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الذي يقول أن السيد الشهيد أستاذي، أحب أن تتحدث لنا عن هذه العلاقة التي كانت قائمة فيما بين السيد الشهيد وبين السيد حسن نصر الله (حفظه الله).

ج9: أنا منذ أن فتحت عيوني على الدنيا، وبعبارة أوضح وأدق أنه من أول وعيي كنت أرى في بيتنا سماحة السيد (الله يطول عمره)، فهو كان ملازماً للسيد الشهيد في حله وترحاله، في أكثر الأحيان كنت أرى السيد معه، فهو من خواص الخواص، وليس غريباً كما يقولون، واعتدنا رؤيته بشكل دائم، اعتدنا وقوفه وتواجده الدائم إلى جانب السيد ورؤيته في أكثر من مكان.

أذكر أمراً حصل ذات مرة، وهو أمر ملفت، ففي إحدى محاولات الاغتيال التي تعرضت لها قيادة حزب الله، حيث كانت سيارة السيد الشهيد في آخر الموكب، وكان السيد لحظة الانفجار نائماً، فسمع الإخوة يقولون: يا الله يا الله ما هذا؟ فتح عينَيْه فرأى كتلة نار مشتعلة، السيد عندها عمن سأل أولاً؟ سأل بلهفة وحرقة أين السيد حسن، أين هو؟ وبعد أن اطمئن عنه سأل عن بقية الإخوة، وأذكر حينها بشكل جيد أن الإخوة كانوا يتساءلون عن ذلك وعن سرّ هذه العلاقة المميزة بينهما، في حين أن السيد حسن لم يكن في ذلك الوقت في عداد الصف الأول في حزب الله، ولكنه كان شديد الحرص عليه وله معزة ومحبة خاصة، وهذه العلاقة طبعاً منشؤها الأساسي هو دراسة السيد بالنجف، وهو أول من اعتنى بسماحة السيد والشهيد الصدر الأول (قدّس الله روحه) كلّفه بالعناية والاهتمام بموضوع دراسته وبكل التفاصيل. لذلك فالعلاقة بينهما كانت قائمة ومتينة من ذلك الوقت وقبل أن أولد عملياً، وعندما يقول سماحة السيد أستاذي فمن الطبيعي أن يقول ذلك، وهو الذي لم ينكر فضل أحد (أطال الله عمره)، فكيف بالسيد الشهيد الذي كان أستاذه وحاضنه، والسيد يقول إن أول من علمني فن الخطابة هو السيد عباس، طبعاً لم يكن السيد بمفرده بل كان هناك جمع من الإخوة الطلبة من بينهم سماحة الشيخ خاتون أيضاً، ويروون أن السيد هو الذي كان يدير جلسات الخطابة في مسجد الإمام علي (عليه السلام) ويطلب من كل واحد منهم تحضير موضوع معين ويطلب منهم الصعود إلى المنبر لإلقائه.

ومن حُسن الصدف أنني منذ عدة سنوات كنت أفتش في دفاتر الوالد فوجدت دفتراً صغيراً لونه أصفر - السيد الوالد من تلك الأيام كان يحب اللون الأصفر (ضحك)، فتحته ورأيت فيه علامات الشيخ خاتون، السيد حسن، وغيرهم، فقلت لهم علاماتكم صارت عندي - وبالفعل وجدت تميّزاً في علامات السيد. فهذه العلاقة قويت وبقيت متينة بسبب محبة السيد للسيد، وبالفعل إن من خفف عنا فقدان السيد هو سماحة السيد حسن نصر الله الذي لم يتركنا للحظة، ما تركنا لحظة، وحتى في الآونة الأخيرة الرعاية ما زالت قائمة، وطيفه موجود في كل لحظة ونحن نعتبر أن ذلك هو طيف السيد عباس، والتفت أنا لا أبالغ عندما أقول على المنبر الأب الحنون، فأنا أعرف نفسي ماذا أقول، وعدة مرات قال لي البعض ألا تعتبر أن في كلامك مبالغة؟ فقلت: كيف أعتبرها مبالغة والمدة الزمنية التي عشتها في كنف السيد حسن أكثر مما عشته في كنف السيد عباس، فكيف تكون مبالغة؟ أنا عشت في كنف السيد عباس 15 سنة وعلى الأقل خمس سنوات منها لا أعيها، يبقى 10 سنوات فكم ستتذكر منها، بالمقابل وأنا في قمة الوعي عشت في كنف السيد حسن 23 سنة، فمن الطبيعي أن أشعر بهذه الأبوّة والمحبة والانتماء، وأنا أرى في ذلك امتداداً لأبوّة السيد عباس، لأنني أرى فيه السيد عباس، ولا أبالغ عندما أقول له الأب والقائد الحنون، نعم أنا أعبر عن شعور صادق، فلو كان السيد عباس موجوداً لخاطبته بنفس اللهجة، ولا أخاطبه بلهجة مختلفة أبداً.


س10: الكلام عن الشهيدة الوالدة أم ياسر يجرك إلى الحنان والعاطفة، إلى المربية الملازمة لكم، والتي كانت هي خير معين لسماحة السيد في إدارة شؤون المنزل وفي تربيتكم على ما أحبَّ السيد الوالد، فماذا تخبرنا عن شخصيتها، عن حبها للقرآن، عن تجليات ذلك في حياتها؟

ج10: إذا أردت أن تعرف من هي أم ياسر؟ وماذا تشكل في حياتي الشخصية؟ فاقرأ كتاب «الوصول» وهو يحكي قصص واقعية، وإن شاء الله تعجبكم، بقلم السيد عبد القدوس الأمين، كتب عن حياة الشهيدة أم ياسر بأسلوب قصصي ولكن كله واقعي ولم يأت بشيء من الخيال.
أم ياسر هي نتاج السيد عباس علمياً وأدبياً وأخلاقياً وعلى جميع الأصعدة، لماذا؟ عندما انتقلت أم ياسر إلى بيت الزوجية كانت بعمر 15 سنة، تتلمذت وتربت على أيدي السيد عباس الذي أعطاها خصوصية كاملة، وهذا باعتراف أصدقاء السيد والنساء اللواتي عايشن أم ياسر، فهو أولى عناية خاصة للشهيدة أم ياسر، عناية ما بعدها عناية، أولاً: كانت الشهيدة الوالدة تمتلك القابلية، الله عزّ وجلّ أوجد فيها قابلية أن تكون من طلبة العلوم الدينية. ثانياً: من كان أستاذها؟ أستاذها الأول هو الشهيد السيد عباس، تتلمذت على يديه. كان الوقت بنظرها ثمين جداً، كما كان بنظر السيد، وقال لها: أريدك أن تستغلي وقتك ووجودك الذي ستقضينه معي في النجف الأشرف، أريدك في المستقبل إنسانة مربية ومفيدة للمجتمع. زرع هذه الفكرة لديها منذ الانطلاقة، منذ اللحظة الأولى لتعرُّفه عليها، ومن خلال تدريس السيد لأم ياسر، وفيما بعد لتواجد الحاجة أم زهراء ( زوجة سماحة الشيخ محمد خاتون) صديقتها وتلازمهما سوياً، فتتلمذتا معاً على أيدي سماحة السيد الشهيد، ودرستا فيما بعد بعض الدروس عند بعض العلماء الذين حددهم السيد، كما أن للشهيدة بنت الهدى شقيقة الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدّس الله سرّهما) بصمة وخصوصية في حياة الشهيدة أم ياسر، بصمة علمية وأخلاقية، وكانت تحضر بمحضر الشهيدة بنت الهدى، التي شجعتهما وقالت لهما: أنا أفرح عندما أرى أخوات في مقتبل العمر تنكب على الدراسة وتهتم بالشأن العلمي، في حين أن المرأة في ذلك الوقت كانت تتزوج وتنجب أطفالاً وتهتم بشؤونها المنزلية فقط، فالسيد عباس لم يقبل ذلك، منذ اللحظة الأولى وهو يفكر أن تكون أم ياسر مشروعاً تربوياً رسالياً قرآنياً في المستقبل، وعندما تدرّس أم ياسر أي مادة، كان فلكها هو القرآن الكريم سواء كان الدرس شريعة أو أخلاق أو اجتماعي الخ...، باختصار وكما قلت لك، أم ياسر نعطيها حقها عندما نقول أنها نتاج السيد عباس.


س11: كيف كان دور الشهيدة الوالدة على الصعيد المنزلي؟

ج11: في المراحل الأولى لتأسيس المقاومة السيد عباس كان غيابه طويلاً، ولكن بعد فترة تغيرت الأمور قليلاً، فكانت ترعى شؤوننا الخاصة، تهتم بالتفاصيل بالأمور العلمية بتدريسنا بتهذيبنا، وأذكر أنها بشكل دائم خاصة بعد الصلاة أو في نهار الثلاثاء ليلة دعاء التوسل كانت تقرأ لنا دعاء التوسل، والخميس مساءً كانت تقرأ لنا دعاء كميل، وتشجعنا على أن نقرأ كما تقرأ هي، وخاصة القادرين منا مثلاً أنا وسمية لأننا كنا الكبار وتجعلنا نقرأ وتدعنا نشارك معها في هذا الدعاء وبهذا العمل العبادي.
وكانت في بعض الأحيان تقول لنا إقرأوا القرآن طبعاً قراءة القرآن، صعبة على الطفل وليست مسألة سهلة فيقع في الخطأ، فكنا نقرأ وهي تصحح لنا.


س12: هل هناك أي حادثة ذات موضوع قرآني تذكرها لنا عن الشهيدة أم ياسر؟

ج12: الشهيدة أم ياسر أذكر أنها كانت حريصة في شهر رمضان المبارك أن تختم القرآن الكريم، هذا من الأمور المحسومة لديها، وأحياناً كانت توفق أن تختمه مرتين، طبعاً كان وقتها مضغوطاً فهي أستاذة حوزة ومربية ومبلّغة في نفس الوقت، هي ليست امرأة جالسة في بيتها وتربي أولادها فقط، لا أبداً، في النهار الواحد أحياناً كان لديها أكثر من محاضرة في أكثر من قرية وكل ذلك يحتاج إلى تحضير، وكنا في المنزل ستة إخوة وبحاجة إلى وقت، هذا كله ولا يوجد خادمة أكيد، فانضغط وقتها جداً، إضافة إلى أن السيد لديه ضيوفه الخواص (صحيح كان يوجد شقة ثانية لاستقبال الضيوف) ولكن في كثير من الأحيان كان السيد يطلب من السيدة أم ياسر: إذا تتكرمي يا أم ياسر علينا بلقمة عشاء، وكانت أم ياسر لا ترد طلباً للسيد وبكل محبة وبكل طيب خاطر، فضغطت بالوقت، وأذكر أنهم قالوا أن العيد قد يكون يوم الغد، وهي لم تختم القرآن الكريم بعد، فأصابها الغم والهم، فقال لها الوالد حسبما أذكر: ما بك؟ قالت له: لم أختم القرآن بعد، وهذا أول شهر رمضان يمرّ عليّ ولم أختم القرآن، وكان قد بقي عندها عدة أجزاء من القرآن، فدخلت إلى الصالون بمفردها وبدأت بتلاوة القرآن إلى أن ختمته، لم تخرج حتى ختمت القرآن، وعندما خرجت كانت مرتاحة وفرحة، فقال لها السيد: ما الأمر؟ قالت له: الحمد لله ختمت القرآن الكريم، تصوّر كان عندها همّ هناك شيء غلط ومن غير الصحيح أن يمر هذا الشهر الفضيل دون ختم القرآن الكريم، هذا طبعاً دليل تعلّق وحبٍّ خاص لهذا الكتاب الإلهي الذي أوجد في قلبها الحب والعطاء وكل هذه الأحاسيس.


س13: هل هناك أي حادثة قرآنية عن الشهيد حسين حدثت مع الوالدَيْن الشهيدَيْن يمكن أن ترويها لنا؟

ج13: أذكر جيداً أن حسين كان حافظاً للسور القصار وكان السيد الشهيد (الله يقدس روحه) يستأنس عندما يسمعهم من حسين لأنه كان أول كلامه وكان يلغط بالكلام، فكان السيد الشهيد يرسل بأثره يقول له: تعال يا حسين أسمعني ماذا تحفظ من القرآن؟ فكان حسين يقول للسيد: شو بدي سمِّع لك الكوثر (الكوثل) أو أي سورة؟ فكان السيد يقول له مثلاً: إقرأ لي سورة الفلق أو سورة الكوثر أو...، فيبدأ حسين بقراءة السورة القرآنية، فيفرح ويستأنس به السيد ويبدأ بالضحك أن حسين حافظ لقصار السور.

في إحدى المرات كنا في المنزل أنا وإخوتي نتحدى بعضنا بحفظ القرآن الكريم، وأتينا لتحدي السيد (الله يقدس سره) وقلنا له: أنت تقول لنا إحفظوا القرآن، وأنت ماذا تحفظ؟ فماذا كانت ردة فعل السيد؟ قال: نعم بأمركم بخدمتكم، وهنا نرى صبر السيد وسعة صدره، فهو لم يقل لنا اذهبوا عندي عمل ولا وقت لديّ لكم الآن ـ في حين أنه كان مشغولاً وقتذاك ـ فقال: تعالوا، ماذا تريدون أن أسمّع لكم؟ فاخترنا له سورة البقرة أكبر سورة في القرآن، (ضحك) وبدأ السيد بقراءة السورة غيباً فقرأ أول صفحة والصفحة الثانية والثالثة والرابعة، فبدأنا ننظر إلى بعضنا البعض فقلنا له: هل كنت مجهزاً ومهيئاً نفسك للمسابقة؟ فقال: يا عمي كيف أجهز نفسي والآن أنتم طلبتم التحدي؟ وقال: سأكمل، واستمر حتى قرأ نصف جزء من القرآن تقريباً عشر صفحات، وقال: أنا حافظ لكل السورة وسأكملها، فقلنا له: نحن تعبنا عنك وعرفنا أنك حافظ، ففكرنا حينها أنه حافظ لكامل القرآن، ولكنه كان حافظاً لسور كثيرة غيرها من القرآن وسورة البقرة جزء من محفوظاته، فسألته: كيف حفظت هذه السور؟ فقال: يا بابا عندما أُنهي قراءة الجريدة في السيارة، أقرأ وأحفظ القدر المستطاع من القرآن الكريم، وقال: حفظ القرآن مهم ومفيد جداً لأنه يجعل الإنسان صاحب ذاكرة قوية ولا ينسى الكثير من الأمور، واقرأ القرآن لترتاح من الهموم ـ وهذا درس لا زلت أحفظه صراحة من السيد وليس من أحد غيره ـ وإذا أردت الراحة إذا كنت تشعر بالهم والغم فاقرأ القرآن ينجلي عنك الهم والغم، وعندما يقرأ الشخص القرآن والآيات التي هي كلام الله عزّ وجلّ فمن الطبيعي أن يشعر بالأنس والراحة النفسية.


س14: كيف كان تركيز سماحة الشهيد السعيد على الفئات العمرية الصغيرة والأجيال الناشئة؟

ج14: كان السيد يركز كثيراً على الفئات العمرية الصغيرة وكان دقيقاً وحريصاً عليهم جداً لأنه كان يرى لزوم تنشئة أبناءنا كمجتمع تنشئة قرآنية سليمة وهؤلاء الأبناء والأولاد والأطفال سيكونون في المستقبل شعلة ووقود هذه المسيرة، وهم ركن أساسي فيها، وكان اعتقاده أكثر من هذا، فعندما كان يُسأل لماذا التركيز على هذه الأجيال الصغيرة؟ فكان يقول: هذا الجيل الذي نربيه نحن اليوم، هذا الجيل الصغير، هو جيل صاحب العصر والزمان (الله يعجّل فرجه) وهو من يمهّد لدولة صاحب العصر والزمان، فهؤلاء يجب أن تكون تربيتهم تربية قرآنية محض، وعندما يكونون بهذا المستوى وبهذه المعرفة وعندما نربيهم على حب القرآن والعمل بما أتى به، فإنهم سيكونون نموذجاً وقدوة في هذا العالم من خلال أدائهم وسلوكهم، وسيعرف كل الناس أن هذه المسلكية ناشئة من القرآن الكريم، ويصبح لهم القدرة على رسم ملامح المستقبل، واستحقاق أن يكونوا بجدارة أصحاب وجنود صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه) فانظر إلى دقة هذه العبارة التي ذكرها سماحة السيد، وعندما يكون الشخص يفكر بمستقبل هذه الأجيال القادمة، فهؤلاء هم أبناؤنا وإخواننا وأولاد مجاهدينا يستشهدون لتأسيس دولة صاحب العصر والزمان.

وذكرتني بحادثة عندما كنت معه في زيارة للشام، وأثناء الاستراحة اتصل بالإخوة وسألهم عني؟ وهو يعرف مشاغباتي، فقالوا له: ياسر جالس معنا، قال لهم: فليأتي إليّ، ذهبت إليه فكان يجلس بمفرده في الصالون، قال لي: إجلس نشرب الشاي سوياً، شربت الشاي معه، فمسك القرآن، وقال لي: ما رأيك لو تقرأ قليلاً من القرآن وتسمعنا صوتك؟ بدأت بتلاوة القرآن وعندما أخطئ كان يصحح لي، بعد قليل تضايقت لأن أخطائي كثرت، فقال: لا تتضايق ولا تحزن، فالذين هم أكبر منك سناً يخطؤون، عوّد نفسك على التلاوة تصبح قراءة القرآن سهلة وتستأنس بها أكثر، بداية تحس ببعض الصعوبة لكن بعد ذلك ستبادر بمفردك كي تقرأ القرآن وتجوّده ولا يبقى لديك أخطاء، عوّد نفسك على قراءة القرآن، فترى أن الأمر صار سهلاً طيّعاً بين يديك، فبقيت تقريباً نصف ساعة أقرأ القرآن وهو يصحح لي، أو يوجهني بعدد من التوجيهات، وكان هذا واحداً من الأساليب التربوية للسيد.

مرة أخرى، وأثناء عطلة الصيف كان أولاد عمتي عندنا في البقاع حيث كنا نلعب ونشاغب ونسبب التعب للوالدة، والسيد يعرف أنني محرك اللعبة، وحتى يريح أم ياسر قال لي: تعال اذهب معي إلى الجنوب، وذلك يعني أن السيد لديه جلسات ولقاءات وزيارة الشباب...، فقبل دخوله إلى الجلسة، كان يقول لي: أنا أعرف أنك ضجر، فما رأيك لو نستفيد من فرصة وجودك معي، قلت له: نعم، قال: أحدد لك سورة من قصار سور القرآن كي تحفظها وعندما أخرج تسمّعها وتبين لي قدرتك على الحفظ، فأنا ماذا أفعل؟ - هو أخذني ليعاملني بطريقة تربوية تفيدني - فصرت إذا حفظت السورة المحددة أفرح وأسمّعها له عندما يخرج مباشرة، والسورة التي لا أحفظها أتظاهر بالنوم عندما يأتي (ضحك) فأحسّ عليّ، آخر مرة رآني نائماً، قال لي: قم بلا دواوين (ضحك) قل لي أنك لم تحفظ فأعطيك فرصة ثانية، فكان أسلوبه يحبب ولا يكرّه أو ينفّر لا سمح الله. والسيد دقيق وحساس جداً في اعتماد الأسلوب التربوي وهذه الأمور لا تلتفت إليها إلا متأخراً.
إحدى الأمور التي انتقد فيها الإخوة القيمين على أحد المحاور، عندما نُقِل له أن أحد الإخوة أُرسِل إلى هناك عقاباً له، فانزعج جداً وصدّر تعميماً بهذا الخصوص، وقال مستنكراً: نعم!! تعاقبون مجاهداً بإرساله إلى المحور؟ كيف يكون ذلك؟ أنا لم أفهم ذلك؟ هذا مكان مقدس لا يتواجد فيه إلا القادمين بإرادتهم الكاملة، وهل يجوز لهم أن يعاقبوا أخاً من المجاهدين في المقاومة أو من شباب حزب الله، وحتى من الذين لا يعملون على المحور، هذا أمر فيه مشكلة شرعية، هذا المكان لا يأتي إليه إلا الذين يحبونه، أولاً كلنا لنا الشرف أن نكون هناك، وثانياً لا تجبروا أحداً على الصعود إلى المحور أبداً. فحتى هذا التفصيل الجزئي والبسيط، له تبعات كبيرة ومهمة، فهل المحور للعقوبة، لا! هذا مكان لأقدس وأشرف ناس، هو للزاهدين بالدنيا الذين لا يعتنون بكل ما فيها، للذين أعاروا جماجمهم لله عزّ وجلّ، فكيف تضع شخصاً بينهم لا سمح الله عقاباً له، افتراضاً إنه استشهد، فهناك مشكلة علينا قبل أن تكون عليه.


س15: هل من كلمة أخيرة تتوجه بها لقرّاء مجلة هدى القرآن؟

ج15: الحمد لله اليوم أصبح لدينا مؤسسات تربوية كبيرة، ومجلات خاصة بالمجال القرآني، وهذا نشاط وعالم قائم بحد ذاته، فعندما تعنى جهة بالتربية القرآنية كمؤسستكم، وتربي الأجيال على حب القرآن والعمل بتعاليمه، وتركز على هذه الأعمار الصغيرة فذلك أيضاً هو استكمال لمشروع صاحب العصر والزمان، وأنتم تقدمون أكبر خدمة للإسلام من خلال تربيتكم لهذه الأجيال تربية قرآنية سليمة، لأنه في بالمقابل للأسف الشديد هناك أجيال تُرَبى بطريقة خاطئة ويُصوَّر لها الإسلام على غير حقيقته ويساء إلى القرآن الكريم بسبب مسلكيتهم، وبفضل جهودكم وجهود الإخوة القيمين وكل من يعمل في هذا العالم فإننا نقدم النموذج الأفضل في عالمنا من خلال التنشئة الإسلامية القرآنية لهذه الأجيال التي هي بعمر الورد ونبيّن للآخرين والطرف المقابل كيفية تربية أطفالنا تربية قرآنية وما هو نتاجهم وما هي عطاءاتهم وكيف يكونون نموذجاً فعلياً واضحاً وجلياً في الحضارة والتقدم والرقي (2) .


(1) - سورة الأحزاب، الآية: 39.
(2) - أجرى الّلقاء مدير قسم العلاقات العامة الحاج عباس عساف.

 

 

   العقيدة في القرآن الكريم


 

 

 

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 


يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ (1) .

اعلم أنّه يجب على كلّ مسلم أن يعتقد اعتقادًا جازمًا بأنّ الله عادل ويطمئنّ إلى عدله، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يظلم أحدًا، وقد أعطى كلّ مخلوق ما يحتاجه، وعندما نقول إنّ خالق هذا الكون عادل، فإنّ كلامنا يعني أنّ الله تعالى أقام في هذا الكون قوانين وسننًا، ومنح لكلّ ظاهرة قابليّة خاصّة - كالإحراق بالنّسبة للنّار - فإذا تعاملنا مع هذه القوانين، ومع خصوصيّات عالم الخلق بصورة صحيحة استمتعنا بفيضه تعالى ورحمته، ووصلنا - في ظلّ عدله وفضله - إلى النّتيجة المنشودة، وإذا لم نكترث لقوانين عالم الخلق الّتي هي مظاهر لإرادة الله تعالى، ظلمنا في الحقيقة أنفسنا، وسنرى نتيجة عدم اكتراثنا حتمًا ويقينًا أنّ عدل الله سبحانه في عالم الآخرة يعني أيضًا أنّ الله بصَّرَ النّاس عن طريق رسله بالخير والشّر وعرّفهم بهما وعيّن لقاء الأعمال الحسنة الثّواب المناسب ولقاء الأعمال السّيّئة العقوبة المناسبة، وإنّ الله لا يظلم أحدًا في الآخرة، بل يعطي للجميع الثّواب أو العقاب المناسب، فإذا كانوا قد سلكوا طريق الحقّ والإحسان، وعبادة الله سبحانه، حظوا بالنّعم الإلهيّة وإذا كانوا قد سلكوا طريق الباطل والماديّة، وظلموا أنفسهم - كما عبّرت الآية وآيات كثيرة على نفس السّياق - أصابهم في عالم الآخرة عذاب شديد ورأوا نتيجة أعمالهم السّيّئة ...

إذًا الآيات القرآنيّة الصّريحة الّتي لا تقبل التّأويل تثبت العدل الإلهيّ وتنفي كلّ لون من ألوان الظّلم عن حريم الله المقدّس، فمن خلال مصادر الشّريعة يمكن أن ندرك ونتوصّل إلى ضوابط للأفعال، وخاصّة الأفعال الإلهيّة، ويحكم على أساسها بلزوم القيام بهذا الفعل وترك الفعل الآخر، فمثلاً يحكم - على ضوء القرآن - أنّ الله تعالى يدخل المؤمنين الجنّة والكفّار النّار فمن خلال الوحي الإلهيّ ندرك هذا الأمر. وسنشير إلى طائفة من الآيات القرآنيّة الّتي تنفي الظّلم عن الله سبحانه وتثبت الحكمة والعدل له تعالى ولكن بعد بيان مفهوم العدل الإلهيّ.


مفهوم العدل:

العدل في اللّغة بمعنى السّويّة والتّسوية، وفي العرف العامّ استعمل بمعنى رعاية حقوق الآخرين « إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه » ولكن أحيانًا هكذا يُعرّف « وضع الشّيء في موضعه » وعلى وفق هذا التّعريف، يكون العدل مرادفًا للحكمة، والفعل العادل مساويًا للفعل الحكيم، إذًا فيمكن أن يُتَصَوّر للعدل مفهومان، خاصّ وعامّ.

أحدهما: رعاية حقوق الآخرين.

والثّاني: إصدار الفعل على وجه الحكمة، بحيث تعتبر رعاية حقوق الآخرين من مصاديقه.

وعلى ضوء ذلك، فلا يلازم العدل القول بالتّسوية بين البشر جميعًا وبين الأشياء كلّها، وكذلك، فإنّ مقتضى الحكمة والعدل الإلهيّ لا يعني خلق المخلوقات بصورة متساوية، فيخلق - مثلاً - للإنسان القرون، أو الأجنحة أو غيرها بل إنّ مقتضى حكمة الخالق وعدله أن يخلق العالم بصورة تترتّب عليها أكثر ما يمكن تحقّقه من الخير والكمال. وكذلك مقتضى الحكمة والعدل الإلهيّ أن يكلّف كلّ إنسان بمقدار استعداده وقابليّته يقول سبحانه ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ (2) وأن يقضي ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ (3) ويحكم فيه على حسب قدرته وجهده، وأن يجازيَه ثوابًا أو عقابًا بما يتلاءم وأفعاله.
﴿ فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (4) .


العدل في حكمة الله في خلقه:

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ (5) .
الآية تشير إلى أنّ من صفة أولي الألباب أن يتفكّروا في خلق السّماوات والأرض ويتدبّروا في ذلك ليستدلّوا به على وحدانيّة الله تعالى وكمال قدرته وعلمه وحكمته وعدله ثمّ يقولون ما خلقت هذا الخلق عبثًا وباطلاً بل خلقته لغرض صحيح وحكمة ومصلحة ليكون دليلاً على وحدانيّتك وحجّة على كمال حكمتك ثمّ ينزّهونه عن كلّ ما لا يليق بصفاته أو يلحق نقصًا بذاته فيقولون (سبحانك) يعني تنزيهًا لك عمّا لا يجوز عليك فلم تخلقهما عبثًا ولا لعبًا بل تعريضًا للثّواب والأمن من العقاب.
وفي هذا السّياق يقول تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ (6) .
معناه وما خلقناهما عبثًا بل لما اقتضته الحكمة وهي أنّا قد تعبّدنا أهلها ثمّ نجازيهم بما عملوا يوم القيامة.


العدل في تقدير كلّ شيء:

يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ (7) .
يعني كلّ شيء خلقناه مقدّرًا بمقدار توجبه الحكمة لم يخلقه جذافًا ولا عبثًا، فخلقنا العذاب أيضًا على قدر الاستحقاق، وكذلك كلّ شيء في الدّنيا والآخرة خلقناه مقدّرًا بمقدار معلوم وعلى قدر معلوم فخلقنا اللّسان للكلام واليد للبطش والرّجل للمشي والعَيْن للنّظر والأذن للسّماع والمعدة للطّعام ولو زاد أو نقص عمّا قدّرناه لما تمّ الغرض.


العدل في حسن الخلق

يقول الله سبحانه: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ (8) .
يعني أنّه أحسن خلقه من جهة الحكمة لكلّ شيء خلقه وأوجد فيه وجهًا من وجوه الحكمة تحسّنه.


العدل في هداية الخلق

يقول الله تعالى: ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ (9) .
يقول القرآن الكريم على لسان موسى (عليه السّلام) أنّه (عليه السّلام) يصوّر لفرعون بهذه الجملة القصيرة كيفيّة خلق العالم الفيّاض باللّطف والجمال والنّظام التّام الّذي هو من آيات الله سبحانه وتعالى ويبيّن له ذلك ﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ أو يدرك ذلك النّظام العادل والدّقيق في جميع أجزاء الوجود.
إنّ النّظام والاعتدال من السّنن الحاكمة على الطّبيعة بصورة قسريّة وكلّ شيء من أجزاء الطّبيعة يتحرّك في إطار السّنن والقوانين الطّبيعيّة نحو كماله ومسيرته الخاصّة، وإنّ أيّ انحراف عن النّظام العامّ والعلاقات السّائدة عليه يؤدّي إلى الاضطراب والاختلال في نظام الكون.
 

الله قائم بالعدل:

يقول الله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ ﴾ (10) فالآية تشير إلى أنَّ الله عادل وأنّه قائم بالعدل على أساس أنّ العدل صفة إيجابيّة لذات الله سبحانه فالقرآن إذن لم يكتفِ بتنزيه الله عن الظّلم ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ (11) ، وإنّما أثبت لله سبحانه صفة العدالة بصورة إيجابيّة.


العدل في بيان الحجّة:

ويقول الله سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ﴾ (12) .
يعني وما كان الله ليحكم بضلالة قوم بعدما حكم بهدايتهم ﴿ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُون ﴾ وحتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه من الأمر بالطّاعة والنّهي عن المعصية فلا يتّقون فعند ذلك يحكم بضلالتهم.
وفي هذا السّياق يقول سبحانه: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ (13) .
معناه لا يعذّب سبحانه في الدّنيا والآخرة إلا بعد البعثة.
ويقول أيضًا :﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ (14) .
فيقولون لم ترسل إلينا رسولاً ولو أرسلت لآمنّا بك.
ويقول سبحانه: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ (15) .
بيّن لها ما تأتي وما تترك.
وقال تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ (16) .
عرّفناه إمّا آخذًا وإمّا تاركًا.
وقال أيضًا عزّ وجلّ: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ (17) . طريقَيْ الخير والشّرّ.


الموازين العادلة:

قال الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ (18).
في يوم القيامة يواجه كل إنسان جزاءه، حيث الحساب الدقيق والعسير؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وتعالى الله أن يظلم أحداً شيئاً، حتى لو أنَّ الإنسان أحسن وعمل عملاً بوزن مثقال حبة من خردل، وفي أي مكان على وجه الأرض، وعلى أية درجة من السرية والكتمان، فإنَّ الله سيأتي به - بقدرته وعلمه اللامحدودين - مثبتاً ومسجلاً، يعرضه على صاحبه في يوم القيامة، ثم يعطيه جزاءه العادل عليه.


العدل في ثواب الرّجل والمرأة:

يقول الله عزّ وجلّ :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ (19) يعني أعطنا ما وعدتّنا على لسان رسلك من الثّواب ولا تفضحنا ولا تهلكنا يوم القيامة :﴿ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾.
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ﴾ (20) يعني لا أبطل ولا أضيع عمل واحد منكم لاتّفاقكم في صفة الإيمان وفي هذا السّياق يقول سبحانه: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ (21) .
وقوله سبحانه: ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ (22) .

إذن هناك علاقة العلّيّة بين الأعمال الحسنة والقبيحة وبين الثّواب والعقاب الأخرويَّيْن، وقد كشف عنها الوحي الإلهيّ، ونبّه النّاس عليها، وكما أنّنا نلاحظ في عالم الدّنيا، أنّ هناك بعض الجرائم الّتي تعقبها آثار سيّئة تمتدّ إلى مدّة طويلة، رغم قصر مدّة الجريمة فمثلاً لو فقأ الإنسان عَيْنه هو، أو عيون الآخرين فأعماها، فإنّ هذا الفعل يتمّ في مدّة قصيرة جدًّا ولكن نتيجته - وهي العمى - تمتدّ إلى نهاية العمر - وكذلك الذّنوب الكبيرة لها آثارها الأخرويّة الأبديّة، وإذا لم يوفّر الإنسان في هذه الدّنيا مستلزمات جبرانها كالتّوبة مثلاً فإنّه سوف يعيش آثارها السّيّئة وإلى الأبد فكما أنّ بقاء عمى الإنسان إلى نهاية العمر بجريمة لم تستغرق إلا لحظة واحدة لا ينافي العدل الإلهيّ، فكذلك الابتلاء بالعذاب الأبديّ نتيجة لارتكاب الذّنوب الكبيرة لا ينافي العدل الإلهيّ، وذلك لأنّه نتيجة الذّنب الّذي ارتكب عن سابق وعي وإصرار.


أمر النّاس بإقامة العدل:

يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ (23) .
إذاً كيف يمكن أن يدعو الله النّاس إلى إقامة العدل وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ثمّ هو يرتكب الظّلم ويتجاوز العدل.
إنّ القرآن الكريم يعطي العدل أهميّة خاصّة ويرفع من مقام العدل ويجعله هدف بعث الأنبياء ويقول سبحانه: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ (24) .
فالقرآن الكريم يبيّن لنا أنّ العدل بمفهومه الاجتماعيّ هدف « للنّبوّة ».


قصّة العدل في مقابل أعمال العباد:

ومن شؤون العدل الإلهيّ، العدل في أعمال وأفعال العباد الّتي كان الحساب عليها وفق نظام دقيق سواء أعلمنا أو لم نعلم، كما أشرنا إليه.
عندما تخرج من المنزل في الصّباح فإنّ كلّ حركة تصدر منك فإنّ العدل الإلهيّ يحصيها، فالصّدقة الّتي نعطيها للفقير تؤدّي إلى إنقاذك من حفرة في جهنّم، وقد يتفّق عند رجوعك إلى البيت أن يقال لك إنّ ولدك كاد أن يسقط من سطح الدّار إلا أنّه لم يسقط والحمد لله.

ومن أجل الاعتبار ننقل لكم هذه القصّة: يروى أنّ امرأة كانت من بني إسرائيل ولم يكن لها سوى رغيف واحد، فجاء سائل يشكو إليها الجوع فأعطته ذلك الرّغيف ورجعت إلى الحقل ووضعت ابنها جانبًا وذهبت لتعمل فجاء ذئب وأخذ طفلها بأسنانه ليأكله، فظهر ملك بصورة إنسان وأخذ الطّفل من فم الذّئب وأعطاه إلى أمّه وقال: لقمة بلقمة، أي أنّ لقمة الذّئب هذه عوضًا عن الرّغيف الّذي أعطيته لذلك السّائل، نستنتج ممّا سبق أنّ العدل الإلهيّ حقيقة بذاتها من وجهة نظر القرآن وأنّ العدالة من الصّفات الّتي لا بد أن تتّصف بها ذات العليّ العظيم  (25) .

نسأل الله عزّ وجلّ أن يشملنا بلطفه ورحمته إنّه غفور رحيم، والسّلام عليكم ورحمة الله.


(1) - سورة العنكبوت، الآية: 40.
(2) - سورة البقرة، الآية: 286.
(3) - سورة يونس، الآية: 54.
(4) - سورة يس، الآية: 54.
(5) - سورة آل عمران، الآية: 192.
(6) - سورة الحجر الآية: 85.
(7) - سورة القمر، الآية: 49.
(8) - سورة السجدة، الآية: 7.
(9) - سورة طه، الآية: 53.
(10) - سورة آل عمران، الآية: 18.
(11) - سورة فصلت، الآية: 46.
(12) - سورة اتوبة، الآية: 115.
(13) - سورة الإسراء، الآية: 15.
(14) - سورة النساء، الآية: 165.
(15) - سورة الشمس، الآية: 8.
(16) - سورة الدهر، الآية: 3.
(17) - سورة البلد، الآية: 10.
(18) - سورة الأنبياء، الآية: 47.
(19) - سورة آل عمران، الآية: 194.
(20) - سورة آل عمران، الآية: 195.
(21) - سورة النحل، الآية: 97.
(22) - سورة فصلت، الآية: 46.
(23) - سورة فصلت، الآية: 46.
(24) - سورة الحديد، الآية: 25.
(25) - المصدر: مفاهيم قرآنية: ص12 (إعداد جمعية القرآن الكريم).

 

   أهل البيت (عليهم السلام)

 


فاطمة والأئمة (عليهم السلام) أخذوا العلم عن طريق الوراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا تحدثوا فإنّما يتحدّثون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقولهم قول النبي، وحديثهم حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكونهم ورّاث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولمّا قامت الأدلة على ذلك وثبت أنهم (عليهم السلام) أخذوا العلم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أمرنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باتّباعهم، فإنّهم سفينة النجاة ومثلهم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف غرق وهوى وأنّهم عدل القرآن وأنّهم عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من هنا نفهم مسلك الشيعة وطريقتهم في أخذ الأحكام فهم إنّما يأخذون التعاليم من أئمتهم (عليهم السلام) لأن أقوالهم وأحاديثهم هي التي توصل إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأنهم باب حطة وهم سفينة النجاة ورثة علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس أحد من الناس أقرب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل بيته ولا أحد أعلم ولا أعرف بالأحكام منهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان ينبغي على كافة المسلمين أن يسلكوا هذا المسلك وكان الصحابة أنفسهم يأخذون الأحكام من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويرجعون إليه إذا أشكل عليهم الأمر فإنه باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قال الخليفة الثاني كلمته المشهورة: لولا علي لهلك عمر، والآن ننقل لكم مجموعة من أقوال أهل البيت (عليهم السلام) ممن تمرّ ذكراه ما بين أول جمادي وآخر شعبان.


كتاب الله وفلسفة الأحكام عند الزهراء (عليها السلام):

لقد تحدثت الزهراء بعلم الرسول وأهل بيته أمام المهاجرين في مسجد النبىِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما التفتت(عليها السلام) إلى أهل المجلس ومما قالت: «أنتم عبادالله نُصْبُ أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأُمناء الله على أنفسكم، وبُلغاؤه إلى الأمم، وزعيم حقِّ له فيكم، وعهدٌ قدّمه إليكم.

وبقيةٌ استخلفها عليكم كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بيِّنةٌ بصائره، منكشفةٌ سرائره، متجليةٌ ظواهره، مغتبط به أشياعه، قائدٌ إلى الرضوان اتِّباعه، مؤدٍّ إلى النجاة استماعه، به تُنال حجج الله المنوَّرة، وعزائمه المفسرَّة، ومحارمه المحذَّرة، وبيِّناته الجالية وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة ورُخصه الموهوبة وشرايعه (شرائعه) المكتوبة. فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكيةً للنفس، ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفُرقة (للفُرقة)، والجهاد عزّاً للإسلام، والصبر معونةً على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحةً للعامة، وبرَّ الوالدين وقايةً من السخط، وصلة الأرحام مُنماةً للعدد، والقصاص حقناً للدماء والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة وترك السرقة إيجاباً للعفة وحرَّم الله (1) الشرك إخلاصاً له بالرُّبوبية.
فـ﴿ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ (2)، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾»(3) (4).


توضيح ما تقدم:

تُشير سيدة نساء العالمين فاطمة البتول (عليها السلام) في هذا القسم من الخطبة إلى أمور مهمة منها:

أولاً - تعد مسؤولية المسلمين في إبلاغ الرسالة ونشر الإسلام في العالم، والدفاع عن قوانين وتعاليم وقيم الدين الحنيف من المسؤوليات الخطيرة التي لو تقاعس المسلون عن أدائها كان حقّا عليهم أن ينتظروا العقاب والجزاء الإلهي، وأن يطردوا من ساحة رحمته الواسعة.

ثانياً - نبهت إلى عظمة القرآن على أنه كتاب ناطق ونور جلي وضوء مشع، حارب وبشدة ظلمات الجهل والتعصب والخرافات. ذلك الكتاب الذي ظاهره الجمال والنور، وباطنه العبرة والمعنى الغزير، وأدلته مقنعةً منجيةً. ذلك القائد الذي يضمن لتابعيه النجاة، حيث دعاهم إلى جنة أزلية. فهو قائد النجاة الذي بيَّن بمنطقه الفصيح أدلة التوحيد، وثبت مبادىء العقيدة ببراهينه النيرة، وأفصح عن البرامج العملية التي يحتاجها المرء في طريق تكامل الإنسانية، فشخص «المباح» من «المحظور»، «الجيد» من «الرديء» و«الحق» من «الباطل» و«الخير» من «الشر» و«الصالح» من «الطالح».

ثالثاً - أبدعت في تبيان فلسفة الأحكام من خلال عبارات قصيرة، فبدأت بالإيمان حتى الوفاء بالنذر، ومن التوحيد حتى ترك البخس في الميزان، فوصفت كلا منها بجملة ومقولة. فما أحلى تعبيرها«فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك». يتضح من هذا التعبير أنَّ حقيقة معرفة الله وتوحيده مكنونة في فطرة الإنسان، لهذا جاء الإسلام ليطهره من الملوثات العرضية التي تنتج عن طريق الشرك، كما تغسل الثياب البيض بعد اتساخها ليظهر لونها الأصلي. شرّع الله «الصلاة» ليوطن بها روح التواضع في الناس، ويسحب المتكبرين من منصة الغرور، عن طريق الركوع والسجود، والدعاء في حضرة الخالق.
«الزكاة» تكون سبباً في تحرير روح الإنسان من أسر الدنيا وتعلقه بزخرفها وأموالها، وتنمية ثروات الأمة من خلال تعزيز البنية المالية للمحرومين.
«الصيام» يجعل الإنسان مسيطراً على هوى نفسه، ويثبت فيه روح الإخلاص، ويضفى على أغصان وجوده براعم و زهور التقوى.
«الحجُّ» ذلك التجمع الإسلامي العظيم الذي تثبت فيه أُسس الإسلام، وتعزز فيه قدرات المسلمين في شتى المجالات العلمية والفكرية والسياسية وحتى العسكرية.
«العدالة الاجتماعية» تغسل الأحقاد من القلوب، وتزيل الاضطرابات وتقر التنظيم وعن طريق قبول قيادة الهداة المعصومين، يمنح الله المسلمين نظاماً اجتماعياً سالماً منتهجاً خط التوحيد، ويبعد عنهم النفاق والتفرقة.

رابعاً - فقد أشارت سيدتنا كذلك إلى مسائل الجهاد والصبر والاستقامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يتعلق بمسائل القصاص والالتزام بالتعهدات، ومحاربة من يبخس الميزان وطهارة الحجور من الفجور وترك شرب الخمر، نبهت إلى كل ذلك مبينةً آثار وعلاج كلٍّ منها.

خامساً - تعود سيدة الإسلام(عليها السلام) مرةً أخرى إلى مسألة مسؤولية المسلمين اتجاه القرآن المجيد والإسلام، وتدعوهم إلى التقوى، مذكرةً إياهم بعواقب الأمور، حيث تصرُّ عليهم بمراقبة أعمالهم حتى يودعوا دار الفناء وهم مسلمون!. كونوا على حذر وإعملوا ما يجعلكم تموتوا مسلمين! نوروا أرواحكم وقلوبكم بنور العلم والمعرفة، لأن العلماء فقط يشعرون بالمسؤولية ويخافون الله سائرين على خطّ التقوى.


موقف قرآني للسيدة زينب (عليها السلام):

بدأت السيدة زينب ـ (عليها السلام) ـ بشجاعة ورباطة جأش خطبتها مخاطبة الطاغية يزيد الفاسق: «صدق الله ورسوله يا يزيد: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُواْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ﴾، أظننت يا يزيد أنّه حين أخذت علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نساق كما يساق الأُسارى أنّ بنا هواناً على الله وبك كرامة عليه، وأنّ هذا لعظيم خطرك، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفيك جذلان فرحاً حين رأيت الدنيا مستوسقة لك والأُمور متسقة عليك، وقد أمهلت نفسك، وهو قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾» (5).


تلاوة القرآن:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا استهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة بوجهه، قال: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والعافية المجللة، ودفاع الاسقام، والعون على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن، اللهم سلمنا لشهر رمضان، وتسلمه منا، وسلمنا فيه، حتى ينقضي عنا شهر رمضان وقد عفوت عنا وغفرت لنا ورحمتنا» (6).


حَمَلَةِ كِتَابِ اللهِ:

عن الإمام الهادي (عليه السلام) في الزيارة المروية عنه قال: «السَّلامُ عَلَى مَحَالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمَسَاكِنِ بَرَكَةِ اللهِ، وَمَعَادِنِ حِكْمَةِ اللهِ، وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ، وَحَمَلَةِ كِتَابِ اللهِ، وَأَوْصِيَاءِ نَبِيِّ اللهِ، وَذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ» (7).


اللهُ الَّذى نَزَّلَ الْكِتابَ:

نادى الحسين (عليه السلام) بأعلى صوته: يا أهل العراق ـ وكلهم يسمعون ـ فقال: «اَيُّهَا النّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِى وَلا تَعْجِلُوا حَتّى اَعِظَكُمْ بِما هُوَ حَقُّ لَكُمْ عَلَيَّ وَحَتّى اَعْتَذِرَ اِلَيْكُمْ مِنْ مَقْدمي عَلَيْكُمْ فَاِنْ قَبِلْتُمْ عُذْرِي وَصَدّقْتُمْ قَوْلي وَاَعْطَيْتُمُوني النّصَفَ مِنْ اَنْفُسِكُمْ كُنْتُمْ بِذلِكَ اَسْعَدَ وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ عَلَيَّ سَبيلٌ وَاِنْ لَمْ تَقْبَلُوا مِنّي الْعُذْرَ وَلَمْ تُعْطُوا النَّصَفَ مِنْ اَنْفُسِكُمْ فَاجْمِعُوا اَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ اَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غَمَّةً ثُمَّ اقْضوا اِلَيَّ وَلا تَنْظِرُونِ إِنَّ وَلَيِّيَ اللهُ الَّذي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ» (8).


كلام الإمام المهدي (عج) في القرآن:

قال |: «فِاِنَّهُ عَزَّوَجَلَّ يَقُولُ: ﴿ الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ كَيفَ يَتَساقَطُونَ في الفِتنَةِ وَيَتَرَدَّدُونَ فيِ الحَيرَةِ وَيَأخُذُونَ يَميناً وَشِمالاً فارَقُوا دِينَهُم أَمِ اَرتابُوا أَمِ عانَدُوا الحَقَّ أم جَهِلُوا ماجاءَت بِهِ الرِّواياتُ الصِادِقَةُ وَالأَخبارُ الصَّحِيحَةُ أَو عَلِمُوا ذلِكَ فَتَناسَوا ما يَعلَمُونَ أَنَّ الأَرضَ لا تَخلُو مِن حُجَّةٍ إِمّا ظاهِراً وَإمّا مَغمُوراً» (9).


(1) - جاء في نسخة أخرى«حرم الشرك».
(1) - سورة آل عمران، الآية: 102.
(1) - سورة فاطر، الآية: 28.
(1) - الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين: ص119.
(1) - سيرة الأئمة (عليهم السلام): ص182.
(1) - الكافي: ج4، ص70.
(1) - أدعية جامع الأحاديث (1): ص2.
(1) - فاجعة الطف: ص9.
(1) - كمال الدين: ج2، ص511، باب توقيع من صاحب الزمان.

 

   نباتات ذكرت في القرآن الكريم

الطلح أو الموز في القرآن




الموز من فواكه الجنة التي ورد ذكرها في القرآن المجيد، في سورة الواقعة، حيث يقول الله العزيز الحكيم جلَّ جلاله: ﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ (1).

وتعتبر نبتة الموز التي أشار إليها بقوله تعالى: ﴿ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ﴾ من أطول النباتات على وجه الأرض بدون جذع خشبي حيث يتراوح ارتفاعها حوالي 30قدماً، وتثمر شجرة الموز مرة واحدة فقط ومن ثم يتم قصّها للسماح للفسيلة الصغيرة بأخذ الدور الجديد للنبتة وأفضل الموز الذي يقطف وهو أخضر ويترك للنضوج بعيدا عن النبتة حيث إذا تُرك عليها تنفتح الثمرة وتصبح قطنية من الداخل ولا طعم فيها.

الطَّلْح: شجر الموز (2)، والعرب كانت تسمي أصابع الموز: «بنان» والبنان في اللغة العربية هي: «أطراف الأصابع» وقد انتقل الاسم إلى أوروبا، لذا فهم يسمونه «بنانا».
وللموز فوائد جمة عند تناوله كونه يتبوأ مركزا مهما في الفواكه الطازجة، وهو من الفواكه المرغوبة لدى الصغار والكبار في السن الذكور والإناث على السواء.
يحتوي الموز على ثلاثة سكريات طبيعية: سكروز وسكر الفواكه والجلوكوز، مع الألياف بالطبع، يمنحنا الموز دفعة كبيرة وثابتة وفورية من الطاقة. حيث أثبت بحث علمي بأن موزتان فقط يمكنهما أن يزودان طاقة كافية للقيام بتمرين رياضي لمدة 90 دقيقة.
فلا عجب أن يكون الموز الفاكهة الأولى للرياضيين البارزين، ولكن الطاقة ليست هي كل ما يقدمه الموز، فالموز يمنحنا النشاط والصحة، ويساعدنا على التغلب على عدد كبير من الأمراض منها:

الكآبة: وفقاً لدراسة جديدة، على أشخاص مصابين بالكآبة، شعر الكثيرون بالتحسن بعد تناولهم الموز، حيث يحتوي الموز على ترايبتوفان، نوع من البروتين الذي يحوله الجسم إلى سيروتنيوم، الذي يمنح الجسم الراحة والاسترخاء، ويحسن المزاج، ويجعلك تشعر بالسعادة.

فقر الدم: يحتوي الموز على مستويات عالية من الحديد، كما يقوم الموز بتحفيز إنتاج الهيوغلوبين في الدم وكذلك يساعد على علاج فقر الدم.

ضغط الدمّ: هذه الفاكهة الاستوائية الفريدة عالية جداً بالبوتاسيوم ولكنه منخفض بالملح، مما يجعله مثالي لمكافحة ضغط الدم.
تحفيز قدرة الدماغ: أثبتت الدراسة بأن الفاكهة الغنية بالبوتاسيوم، تقوم بتحفيز القدرة الدماغية عند الطلاب للتعلم أكثر.

الإمساك: يحتوي الموز على مستوى عالي من الألياف، لذلك فإن إدخاله في الحمية الغذائية يساعد على إعادة عمل الأمعاء الطبيعي، كما يساعد على التغلب على المشكلة دون اللجوء إلى أدوية مسهلة.
الحموضة المعوية: للموز تأثير طبيعي معدّل للحموضة في الجسم، وينصح بتناول الموز للتخلص من الحموضة.

غثيان الصباح: وبالنسبة للنساء الحوامل، لا غثيان في الصباح مع الموز، يعمل الموز على تهدئة المعدة، وبث السرور في الجسم، كما يغذي الطفل.
الدورة الشهرية: انسي الحبوب المهدئة، وتناولي الموز قبل وخلال الدورة الشهرية، لأنه يعمل على تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم، الأمر الذي يحسن المزاج ويمدك بفيتامين ب6 ويهدئ الألم.

عضات البعوض: قبل التفكير في الكريمات والمراهم، هناك طريق أسهل وأفضل، فرك عضات البعوضة بالجلدة الداخلة البيضاء للموز، التي تعمل على تخفيف التورم والاحمرار.

الأعصاب: الموز غني بفيتامينات مجموعة ب التي تساعد على تهدئة النظام العصبيَ.

زيادة الوزن والعمل: ولتفادي شهوة تناول الطعام، نحتاج للسيطرة على مستويات السكر في الدم عن طريق تناول وجبات خفيفة عالية بالكربوهيدرات والفيتامينات المغذية، كل ساعتان، فكان الموز الفاكهة الأكثر ملائمة لمنع البدانة.

قرحة المعدة: يستخدم الموز لعلاج الاضطرابات المعوية بسبب قوامه الناعم،ويعتبر الموز الفاكهة النيئة الوحيدة التي يمكن أن تؤكل دون ضِيق في الحالات المرضية، حيث يحيد حموضة المعدة ويخفف التهاب بطانة المعدة.

السيطرة على درجة الحرارة: تعتقد العديد من الثقافات بأن الموز يستطيع خفض درجة حرارة الجسم الطبيعية، والعاطفية للأمهات الحوامل.
الإضرابات العاطفية الموسمية (الحزن): يساعد الموز على التخفيف من أعراض الاضطرابات العاطفية الموسمية بسبب توفر مادة التربوتوفان به.

التدخين: يمكن أن يساعد الموز الأشخاص الذين يحاولون الإقلاع عن التدخين، لاحتوائه على فيتامينات ب 6, وب 12، بالإضافة إلى البوتاسيوم، والمغنيسيوم، كما يساعد الجسم على التعافي من تأثيرات انسحاب النيكوتين.

الإجهاد: البوتاسيوم معدن حيوي، يساعد على جعل نبض القلب متوازناً، ويمكن إعادة توازن الجسم بتناول الموز الغني بالبوتاسيوم.

السكتات: وفقاً لبحث في «مجلة نيوإنجلاند الطبية»، فإن تناول الموز كجزء من حمية منتظمة يمكن أن يقلل خطر الموت بالسكتة بنسبة 40%.
وهكذا فالموز غذاء كامل متكامل، وعند مقارنته بالتفاح، فالموز يحتوي على 4 مرات أكثر بروتين، ومرتان أكثر كربوهيدرات، و3 مرات أكثر فسفور، وخمس مرات أكثر فيتامين أ وحديد، ومرتان أكثر فيتامينات، ومعادن، كما أنه غني بالبوتاسيوم.

ضرب المثل بالموز: قال أشعب الطماع لابنه: لماذا لا تكون مثلي؟ فقال له ابنه: أنا مثل الموزة أي: شجرة الموز، لا تصلح إلا إذا ماتت أمها! يقصد أنه لن يٌصلح حاله، إلا إذا مات أبوه الذي اشتهر بالطمع. أما عن وجه الشبه بينه وبين شجرة الموز، هو أنه ينبت حول الشجرة الأم الأصلية، شجيرات موز صغيرة، فإذا أثمرت الأم، ثم قطعت من أصلها، تكبر الشجيرات الصغيرة، وتصير أمّاً.


ذكر الموز في الروايات:

عن يحيي الصنعاني قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وهو بمكة وهو يقشر موزا ويطعم أبا جعفر (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك هذا المولود المبارك ؟ قال: نعم يا يحيي هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام مثله، مولود أعظم بركة على شيعتنا منه (3).
عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: اُهدي إلى النبي قنو موز فجعل يقشر الموزة ويجعلها في فمي، فقال له قائل: إنّك تحبّ عليّاً. قال: أما علمت أنّ عليّاً منّي وأنا منه (4).
فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ


(1) - سورة الواقعة، الآية: 27 - 33.
(2) - المجلسي: 9 / 212.
(3) - الكافي: ج6، ص360.
(4) - مستدرك سفينة البحار: ج9، ص472.

 

 

   حيوانات ذكرت في القرآن الكريم

الحوت في القرآن الكريم



التمهيد
الحيتان هي أكبر الحيوانات الثديية ذوات الدم الحار، تعيش في البحار والمحيطات وتلد فيها, وتعد الحيتان من أكبر المخلوقات على الأرض. الحيتان الحالية تنقسم عموما إلى صنفين رئيسيين الحيتان المسننة (ذات الاسنان) والحيتان البلّينية.


الآيات القرآنية:

1-﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ (1).
2-﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾ (2).
3-﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً ﴾ (3).
4-﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ (4).
5- ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ (5).


معنى كلمة الْحُوتَ في القرآن الكريم:

حوت قال الله تعالى: ﴿ نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾ (6)، وقال تعالى: ﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ﴾ (7)، وهو السمك العظيم. معنى حوت في لسان العرب الحُوتُ السمكة ؛ وفي المحكم الحُوتُ السمك معروف وقيل هو ما عظُمَ منه والجمع أَحْواتٌ وحِيتانٌ ؛ أما الراغب في مفرداته فيقصر الحيتان على السمك العظيم (8).
وفي معجم المعاني الجامع: الحُوتُ: السَّمكةُ، صَغيرة كانت أو كبيرة: ﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ﴾.
الحُوتُ: هو ( الحيوان) نوع ضخم من الأسماك الخطرة التي قد يصل طولُ بعضها إلى ثلاثين مترًا ووزنها إلى مائة وثلاثين طنًّا، من رتبة الحُوتيّات، وهي من الثدييّات المائيّة الكبيرة الحجم وتشبه السمك في شكلها العام، وتعيش في البحار، تضع الأنثى وليدها بعد مدَّة حمل من 16 شهرًا وترضعه من ثديين في مؤخِّر البطن، يعتمد في غذائه على القشريّات الهائمة، وليس له أسنان بل صفائح قرنيّة: ﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ﴾. الحوت الذي كان مع سيدنا موسى (عليه السلام) نوع من السمك التابع للأسماك العظمية لأنه لا يعقل أن يكون حوتاً ثديياً ويحمل في مكتل، أما حوت سيدنا يونس فهو الحوت الثديي الكبير الضخم المعروف الذي يتسع فمه للإنسان وأكثر من ذلك والله أعلم.


معلومات عامة:

الحيتان تتنفس عن طريق الرئة (ليس عن طريق الخياشيم كما في الاسماك).
والحيتان من ذوات الدمّ الحار (الاسماك هي من ذوات الدمّ البارد)، تلد الحيتان صغارها حية تحت الماء وتقوم الحيتان بارضاع صغارها بالحليب عن طريق جلدها الخارجي المغطى بشكل قليل جدا بالشعر.
الأنف تحوّر عند الحيتان إلى فتحة مفردة فوق رأسها. وجسم الحيتان يستهلك الأكسجين بكفاءة جيدة لكي تتمكن من الغطس لمدة طويلة.
عندما تخرج الحيتان رأسها فوق سطح الماء تقوم باستخراج الهواء المستهلك عن طريق بخّه إلى الأعلى من فتحة الأنف العلوية وتكون عادة مصحوبة برذاذ بخار الماء لعلو عدة أمتار.


من أنواع الحيتان:

الحوت الأزرق ، الحوت ذو المنقار، الحوت الأحدب ، الحوت الرمادي وحوت العنبر.


الحوت الأزرق:

يبلغ طول الحوت الأزرق من30 متر إلى 33 متر ووزنه من 180 طن إلى 250 طن وتصل سرعته إلى 50 كيلومترا في الساعة الواحده.
وتصل طاقته إلى 1000 حصان ويلتهم حوالي 4100 كيلو جرام من الطعام في اليوم الواحد.
وطول نابه يصل إلى حوالي 180 سم ووزن قلب الحوت الازرق 450 كيلو جرام، أي يعادل حجم سيارة، لدرجة الإنسان يستطيع أن يسبح في الاوردة.
ووزن مخه حوالي 300 كيلو جرام ووزن كبده حوالي 1000 كيلو جرام ووزن رئته 1000 كيلو جرام.
ووزن لسانه 3 اطنان أي مايساوي 50 رجلاً ووزن فقارات الحوت الأزرق 7 اطنان.
ووزنه يعادل 300 فيل وطوله حوالي 32 متراً ومتوسط وزنه 130 طن ومتوسط عمره 50 سنة.
ومدة حمله من 11/10 شهر وطوله عند الولادة 7 أمتار ويحتاج إلى 3 اطنان من القشريات لطعامه اليومي.
ويستهلك يومياً 24 مليون وحدة حرارية أثناء موسم العلف، ويستهلك الرضيع 500 لتر من لبن الأم يومياً، ولسانه طويل لدرجة أنه يستطيع غسل شاحنه متوسطة الحجم بلعقة واحدة. يزيد طول الصغير 5 سم يومياً، ولسانه يعادل وزن فيل، وزعنفته يعادل حجم اجنحة طائرة متوسطة.


فوائد الحيتان:

- إتمام دورة الغذاء في السلاسل الغذائية وشيكات الغذاء في البحر بالتغذي على الهائمات والسابحات البحرية.
- غذاء لبعض الحيوانات عندما تنفق في البحر أو تلقي بها الأمواج إلى شاطئ البحر.
- استغلال شحومها في الدهانات والتدفئة والسراج.
- وجودها في البحار دليل القدرة الإلهية والتنوع في الخلق فالله تعالى يخلق ما يشاء ويختار قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ (9).
- تتكافل وتتعايش بعض الكائنات البحرية مع الحوت لتتغذى على فضلاته وتتنقل معه وتنظف له جسمه من الطفيليات.


الأحاديث والروايات الواردة في المخلوق:

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رُوي في الخبر عن سيد البشر: «مَنْ سلكَ طريقاً، يطلُبُ فيه علماً، سلَكَ الله به طريقاً إلى الجنَّة، وإنَّ الملائكة لَتَضَعُ أجنحَتَها لطالبِ العلم رضًى به، وإنَّه يستغفرُ لطالب العلم مَنْ في السماء ومَنْ في الأرض، حتى الحوتَ في البحر، وفَضْلُ العالِم على العابِد، كفضلِ القمر على سائرِ النجوم ليلةَ البدر، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا ديناراً ولا دِرْهماً، ولكنْ ورَّثوا العِلْمَ، فمنْ أخَذَ منه، أخذ بحظٍّ وافر» (10).
فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ


(1) - سورة الأعراف، الآية: 163.
(2) - سورة الكهف، الآية: 61.
(3) - سورة الكهف، الآية: 63.
(4) - سورة الصافات، الآية: 143.
(5) - سورة القلم، الآية: 148.
(6) - سورة الكهف، الآية: 61.
(7) - سورة الصافات، الآية: 143.
(8) - قاموس القرآن الكريم، معجم الحيوان: (ص111).
(9) - سورة طه، الآية: 50.
(10) - بصائر الدرجات 23 . بحار الأنوار: ج1، ص164.

 

   إضاءة على كتاب قرآني

 



التمهيد

اسم الكتاب: المُترَفون وصناعة الفساد (إشكالية الترف في الدين والسياسة) قراءة من منظور قرآني.
صاحب الكتاب: الشيخ عارف هنديجاني فرد.
تاريخ الطباعة : 1435هـ - 2014م ، نشر جمعية القرآن الكريم.
ملخّص الكتاب: قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ (1)، «لقد تجلّت رحمة الله تعالى وقدرته فيما أرشد إليه الإنسان من بيان يخرجه من الظلمات إلى النور ويُنجّيه من العذاب الأليم ولكن في كلِّ مكانٍ وزمان كان هناك من يقف وراء هذا المشروع الإلهي للحيلولة من تحقيق كامل أهدافه فكان المترفون وصنّاع الفساد (مقابل) في مواجهة رسالة الأنبياء حيث قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴾ (2)».

فموضوع الترف والمترفون آخذ صفة الذم من خلال السياق العام لكثير من الآيات القرآنية حيث اعتمد الباحث في دراسته لآيات الترف المنهجية الموضوعية ومعالجتها من خلال قراءة منهجية من منظور قرآني وإلى الدور الذي يلعبه المترفون ليس على الفرد فحسب بل على المجتمع كله ومدى تأثيره على الحياة وما يحدثه من فساد في بنية المجتمع الإنساني وتهديد الأمن الاجتماعي والسّياسي فضلاً عن الديني والأخلاقي والاقتصادي . لقد تعرّض الباحث في الفصل الأوّل من كتاب المترفون وصناعة الفساد إلى عقيدة المترفين ومنطق المترفين في الدنيا ومنطق المترفين في الآخرة . وقد ميّز أهل اللغة بين الترف بما هو تنعّم وسعة عيش التي هي من مقوّمات الحياة التي أخرجها الله لعباده في قوله تعالي : ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ وبين التَرفه أي المُترف التي أبطرته النعمة بغير طاعة الله وأدّت به إلى الكفر والجحود والاستكبار .

كما قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) واصفاً الحياة الدنيا بأنها «دَارٌ مُنِيَ لَهَا اَلْفَنَاءُ وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا اَلْجَلاَءُ» ايّاكم والتنعم والتّلهي والمفاكهات كاشف ما يعنيه حب الدنيا والتنعّم فيها إلى حد الترف والتلهّي والفساد لأنَّ الترف هو مفسدة للخلق والخُلق على حد سواء فمعنى أن يكون المجتمع مُترفاً معناه أن يختار الناس بإرادتهم سبيل المترفين كما في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ فالقصة القرآنية تحمل التجربة باعتبار أنَّ القرآن تبيان لكلِّ شيء وكل ما له علاقة بالاصلاح والهداية كقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾ (3)، فالآية لا تفيد أنَّ الهلاك تام وشامل وإنما تلحظ مصير هؤلاء الذين ظلموا فهي ذات مدلول سياسي واجتماعي لكون الآيات تبدأ من الأمر بالاستقامة للرسول ثم تنتهي عن الركون إلى الظلمة وتأمر بالصبر بمعنى أنَّ الناس لهم قدرة وخيار أن يكونوا بمنجاة من الهلاك فيما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولم يتّبعوا ما أترفوا فيه وهذا بخلاف ما لو اتبع الذين ظلموا ما أترفوا واختاروا الركون إلى الظلمة فإنهم بذلك يكونون قد اختاروا الإفساد في الأرض كما هو مفاد قوله تعالى : ﴿  إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴾.

أ- منطق المترفين في الدنيا :

فمنطق المترفون هو التقليد لآبائهم حيث قال تعالى: ﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ (4) وقد نرى أنَّ هذه الآيات تذم المترفين في منطقهم على تقليدهم لآبائهم فيما ينتهون عنه من عقيدة ومنهج ودين في الحياة ولا شك في أنَّ نتيجة هذا التقليد الأعمى الضلال المبين كتقليدهم فيما اتخذوا الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله في قوله تعالى: ﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ (5) .

ب- منطق المترفين في الآخرة :

إنّ الاتجاه الموضوعي لآيات الترف أعطى أبعاده الحقيقية بحيث أن لا تمييز بين المترفين سواء أكانوا مستكبرين أو تابعين أو مستضعفين أو طواغيت بل نقول إنهم لم يتعظوا واختاروا النعم الإلهية وجعلوها ستراً لمعاصيهم وطريقاً للضلال فمنطق المترفين والمستكبرين في الآخرة لا يميز بين مستكبر ومستضعف حيث قال الله تعالى : ﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ ﴾ (6)».
إن حقيقة الصراع بين الأنبياء والمترفين لم تكن لهدف إهلاكهم أو تدمير ثرواتهم وإنما رغبة الأنبياء في تخليص المجتمع من الظلم والاستبداد الذي جعلهم اتباعاً في عقائدهم ومنطقهم إنَّ التجربة التاريخية قد أثبتت أنَّ عقيدة الإيمان هي العقيدة الرّاسخة فالموقف الإسلامي واضح من الترف وهي صفة لكل معاند ومستكبر على حد سواء والدليل ما تشهده اليوم في مجتمعنا العربي والإسلامي من استكانة ورضوخ للحكّام فمن المفترض أنَّ يخرجوا عليهم في مواجهة العدوان على المقدّسات وثروات المسلمين وكراماتهم ولكن خوف هؤلاء على مصالحهم جعلهم مُستعبدين لهم في عقائدهم .

إنَّه صراعٌ دائم بين إنسانٍ إختار أن يكون امتداداً لهدى الله تعالى وبين إنسانٍ اختار التحوّل عن ذاته وفطرته وشهادته ليكون نصيراً للشيطان ومنطقه فلولا أنَّ الله تعالى قد نصر عبده فيما هيأ له من ظروفٍ ووسائل وقوّة وعقل ومنطق وصبر لما تمكّن الحق وأهله من متابعة هذا الصراع الذي وعد الله تعالى بأن يكون النصر حليف المؤمنين ويبقى السؤال ، هل أنَّ ما توعدّ به المترفون من مصير مشؤوم حيث قال تعالى : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾ (7) «أم أنَّها خصّت بأمتين يرفعان عنها العذاب في الأرض ؟ كما في قوله تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ (8)» (9).


(1) - سورة الأنفال ، الآية : 24 .
(2) - سورة سبأ ، الآية : 34 .
(3) - سورة هود ، الآية : 116 .
(4) - سورة الزخرف ، الآية : 21 - 22 .
(5) - سورة يوسف ، الآية : 39 .
(6) - سورة غافر ، الآية : 47 .
(7) - سورة الإسراء ، الآية : 16 .
(8) - سورة الأنفال ، الآية : 33 .
(9) - معلّمة القرآن إيمان مرتضى (فرع التلاوة والتجويد) جمعية القرآن الكريم.

 

    أنشطة الجمعية

الذكرى الثامنة والعشرين لتأسيس جمعية القرآن الكريم

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


 


الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطاهرين.
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ (سورة الجمعة، الآية: 2).
كانت العرب أمة أمية لا تكتب ولا تقرأ ولم يُبعث إليهم نبي فبعث تعالى فيهم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) نسبه نسبهم وهو من جنسهم كما قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾. فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ على الناس القرآن المشتمل على الحلال والحرام والحجج والأحكام ويطهرهم من الكفر والذنوب ويدعوهم إلى ما يصيرون به أزكياء «ويعلمهم» القرآن والشرائع والسنة، وكانت بعثته (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة في السابع والعشرين من شهر رجب وعمره أربعون عاماً، حيث نزل عليه الوحي بقوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾، فدعى قومه للإسلام سرّاً لمدة ثلاث سنين، وأوّل من آمن به وصدّقه ربيبه وابن عمه الإمام علي (عليه السلام) وزوجته خديجة بنت خويلد. ثم جهر برسالته للناس عامة، وبقي في مكة يدعو قومه إلى الإسلام، وقد لاقى الكثير من المتاعب، حتى وصل الأمر إلى محاولة اغتياله من قبل المشركين فنجاه الله تعالى بالأمر بالهجرة إلى المدينة، حيث بات الإمام علي (عليه السلام) في فراشه واستمر بدعوته وجهاده حتى بلّغهم ما أمر به، فعلينا نحن في جمعية القرآن الكريم وكل الأمة الإسلامية متحدة أن تقتدي برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تولّى بنفسه تهيئة أجواء التعليم والتعلّم، وفي ذكرى تأسيس الجمعية السنوي وبعد مضي ثمانية وعشرين عاماً على تأسيسها فهي ما زالت فتية وتعمل بجهد قوي من أجل تحقيق ما يطمح له الرسل في تبليغ رسالة السماء وعملنا دائماً يكون بصورة جماعية كخلية نحل واحدة لا تهدأ بالتعاون بين مسؤولي الأقسام والمناطق والعاملين، نسأله تعالى أن يوفقنا للقيام بدورنا في العمل التبليغي اقتداء برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، والآن نشير باختصار إلى دور الجمعية التعليمي ونشاطاتها وإنجازاتها:

 

 

 1- نشاط القسم التعليمي وبرامجه:

يحتل القسم التعليمي المركزي أوسع البرامج التي تقيمها الجمعية كونه يناط به البرامج والدورات التعليمية على مختلف مستوياتها وتنوعها، وأهمها: إعداد المدرس والقارىء القرآني، والتجويد والتحكيم والوقف والابتداء، والورش التربوية إلى جانب ذلك دورات التدريب والتأهيل. ويعمل على مساعدة المؤسسات الإسلامية والتربوية عبر توفير الكادر القرآني لها، كما ويعمل أيضاً على إقامة الدورات المركزية المغلقة للمتميزين والمتخصصين في لبنان.

2- نشاط قسم التحفيظ للقرآن الكريم:

يُعنى قسم الحفظ المركزي في جمعية القرآن الكريم بإقامة الدورات الخاصة بحفظ القرآن الكريم في كل المراكز في لبنان وإقامة الدورات الصيفية التي ينتسب إليها مئات الطلاب الذين يرغبون في حفظ القرآن الكريم خلال الفترة الصيفية لتكون مقدمة للدخول في مشاريع الحفظ التي ترعاها جمعية القرآن الكريم إضافة إلى إقامة مسابقة سيد شهداء المقاومة الإسلامية الشهيد السيد عباس الموسوي (رض) لحفظ القرآن الكريم للجامعيين والثانويين.

3- نشاط قسم النشاطات القرآنية:

يقوم قسم الانشطة المركزية في الجمعية على متابعة وتنظيم كل الأنشطة القرآنية خلال السنة والإشراف على إقامة المسابقات القرآنية السنوية للإخوة والأخوات والتي تقام في المدارس والجامعات وكافة المجتمع وآخرها مسابقة المفاهيم القرآنية: ضمن كتاب (القرآن على ضوء الصحيفة السجادية).
كما ويشرف القسم على إقامة الأمسيات القرآنية - في شهر رمضان المبارك وذكرى المبعث النبوي الشريف وذكرى الإسراء والمعراج وذكرى المولد النبوي الشريف وأسبوع الوحدة الإسلامية بالتعاون مع الأنشطة الثقافية في حزب الله، وتستضيف خلالها أبرز القراء وحفاظ القرآن والتواشيح والمداحين من إيران ومصر وسوريا والبلاد الإسلامية.

 4- نشاط قسم الدراسات القرآنية:

كانت ولا تزال جمعية القرآن الكريم من خلال قسم الدراسات في حركة علمية وثقافية أنجبت الكثير من الكتب العلمية والمعرفية القرآنية وقد أسهم بعض الأعلام بأقلامهم في إثراء المكتبة القرآنية، لقد تحدينا قساوة الظروف وصعوبة الأوضاع السياسية والأمنية، واستمرينا في تحمل مسؤولياتنا لنقدم للأجيال البشرية أفكاراً جديدة ونتاجاً جديداً، وإن نتاج تلك الأقلام هو مصداق لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مداد العلماء خير من دماء الشهداء»، فقد تمكنت الجمعية من طباعة (مجلة هدى القرآن العدد 15) و(أريج القرآن العدد 85) وكتب كثيرة آخرها (كتاب الوعد والوعيد في القرآن المجيد) وكتاب (القرآن على ضوء الصحيفة السجادية) وهناك كتب الآن قيد الطباعة.

 4- نشاط القسم الاداري:

يقوم القسم الإداري والمالي المركزي في الجمعية بدوره في إعداد الدورات الإدارية والمهنية التي تساهم في تأهيل الكادر الإداري وتقوية مداركه الوظيفية والعلمية. ويعمل أيضاً على متابعة وإنجاز كل الملفات العائدة إليه، ولاسيما الموازنات المالية الشهرية والسنوية وإجراء الانتخابات الإدارية والضمان الاجتماعي وعقد الجلسات الإدارية ومتابعات إدارية أخرى.

 

3- نشاط القسم الإعلامي:

يسهر القسم الاعلامي المركزي في الجمعية ويهتم على إيصال صوت البرامج والأنشطة إلى الناس والمحبين عبر القنوات الاعلامية المختلفة، ويقوم بدوره على تنظيم اللقاءات والمقابلات والبرامج القرآنية للشخصيات القرآنية وقراء القرآن والحفاظ، وإعداد دروس وحلقات إذاعية ومتلفزة حول القرآن الكريم، ويستفيد من مختلف وسائل الاعلام لاسيما قناة المنار وقناة الصراط وقناة الايمان وإذاعة النور وإذاعة البشائر وغيرها من الوسائل العالمية لايصال برامج الجمعية إلى مختلف أنحاء العالم.

 4- نشاط قسم التخطيط:

يتولى قسم التخطيط المركزي في الجمعية رصد كل مناحي العمل وحركة البرامج وسيرها وتنفيذها ويقوم بدوره بإعداد الخطط اللازمة والكفيلة بالنجاح مع مراقبة النتائج وتنفيذ البرنامج السنوي الموكل إلى الأقسام المركزية والمناطق، كما يتولى متابعة إعداد مجلة «نافذة من السماء» وتنظيم محاضر الجلسات الادارية والاشراف على تنفيذها والاستفادة من الاقتراحات لتطوير البرامج السنوية.

 4- نشاط قسم العلاقات العامة والانترنت:

يقوم قسم العلاقات العامة والانترنت المركزي في الجمعية بالتواصل مع المؤسسات المدنية والرسمية والشخصيات والفعاليات والأفراد ومن له ارتباط قرآني لتمهيد الطريق أمام عمل الجمعية وتلقي الدعم، وتهدف الجمعية عبر علاقاتها العامة وموقعها على شبكة الإنترنت إلى مخاطبة محبي القرآن في أرجاء الدنيا بمختلف فئاتهم ومشاربهم لتغذي أجيالنا من معين القرآن والإسلام المحمدي الأصيل والتعريف ببرامجها وأنشطتها ونشر كتبها ومجلاتها وإصداراتها عبر الموقع.

 4- نشاط قسم التجهيز والصيانة:

يقوم قسم التجهيز والصيانة في الجمعية على توفير كل وسائل الدعم والاحتياجات للأقسام المركزية والمناطق الخمس. ويعمل على المعاينة المستمرة لكل التجهيزات والمعدات ووسائل النقل وغيرها من الأمور التي تساعد على نجاح العمل ومقوماته.

- تعاون المناطق مع المركزية:
كما ذكرنا في المقدمة أنَّ مسؤولي المناطق ومعاونيهم على تنسيق دائم مع الأقسام المركزية التي مرت من أجل تحقيق أهداف الجمعية التي تدور حول محور القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

 

   مسابقة العدد

 


1 - ما هو المقصود ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾؟
أ - من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى.
ب - من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
ج - كلاهما صحيح.

 


1 - ما هو معنى ﴿ مُنْظَرِينَ ﴾ ؟
أ - مؤخرين.
ب - ممهلين.
ج - كلاهما صحيح.


2 - هل التفسير الصوفي هو ؟
أ - شعبة من شعب التفسير الباطني.
ب - تفسير فيضي.
ج - كلاهما صحيح.


3 - ما هو سبب توهّم تواتر القراءات ؟
أ - الخلط بين القرآن والقراءات.
ب -الخلط بين القراءات والأحرف السبعة.
ج- كلاهما صحيح.


4- كم موضع أشير إلى قصة نبي الله موسى (عليه السلام) إجمالاً أو تفصيلاً ؟
أ - في أربع وثلاثين سورة من سور القرآن.
ب - في خمسة عشر سورة من سور القرآن.
ج - في مئة سورة من سور القرآن.


5 - هل يشترط في مكان المصلّي أن لا يكون ممّا يحرم الوقوف فيه؟
أ - يشترط في مكان المصلّي أن لا يكون ممّا يحرم الوقوف فيه.
ب - لا يشترط في مكان المصلّي أن لا يكون ممّا يحرم الوقوف فيه.
ج - كلاهما خطأ.


6 - أكمل الحديث عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): «لَيسَ شَيءٌ أَحَبُّ إلَى اللهِ مِنْ..................».
أ - مُؤمِن تائِب.
ب - أو مُؤمِنَة تائِبَة.
ج - كلاهما صحيح.


7 - ما هو رقم الآية التي استشهد بها الأخ المجاهد السيد ياسر الموسوي نجل الأمين العام لحزب الله الشهيد السعيد السيد عباس الموسوي (قده) ؟
أ - سورة يونس، الآية: 99.
ب - سورة الأحزاب، الآية: 39.
ج - سورة الأنفال، الآية: 74.


8 - الميم (م) هي علامة الوقف:
أ - اللازم.
ب - الممنوع.
ج - الجائز.


9 - من القائل: «عندما نريد أن نُري للناس صوتنا الحسن وأنغامه الجميلة، نلتجأ إلى قراءة القرآن أو الآذان»؟
أ - الامام الخميني قدِّس سرُّه.
ب - الامام الخامنئي دام ظلُّه.
ج - سماحة السيد حسن نصر الله ( حفظه الله).


10 - من القائل: «ونحن نقول الآن تبعاً للقرآن ولتعاليم القرآن إن الإسلام دين الفطرة»؟
أ - الامام الخميني قدِّس سرُّه.
ب - الامام الخامنئي دام ظلُّه.
ج - سماحة السيد حسن نصر الله ( حفظه الله).

 


تسلية وفائدة قرآنية
 

أفقيَّاً:

1 - اسم آخر لسورة البقرة.
2 - اسم مضاف يطلق على الأسباط.
3 - سورة تبدأ بكلمة (إذا) آخرها حرف نون.
4 - اسم آخر مركب لسورة يوسف(عليه السلام).
5 - أشد الناس عداوة للذين آمنوا (غير اليهود).
6 - اسم سورة توجد في كل آية منها كلمة (الله).
7 - نبي قال عنه سبحانه أنه كان صدّيقاً نبياً غير النبي إدريس(عليه السلام).
8 - سورة باسم أصل من أصول الدين.
9 - سورة فيها آية السجدة آخرها تاء طويلة.
10 - النبي الذي كلمه الله تعالى بدون واسطة جبرائيل(عليه السلام).
11 - أكمل قوله تعالى: ﴿ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً ... ﴾.


قسيمة مسابقة هدى القرآن العدد«15»


الفائزون: الأول: أمال السيد أحمد.
الثانية: هدى علي منّاع.
الثالثة: وسام جميل فرحات.

يمكنكم مراجعة مراكز الجمعية في المناطق لاستلام الجائزة.


الأجوبة الصحيحة لمسابقة هدى القرآن العدد (14)


ج1 - المقصود ﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾، هو:
أ - من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى.
ب - من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.

ج2 - الإسماعيلية عرفوا بالباطنية:
ب - لأخذهم باطن القرآن دون ظاهره.

ج3- من أهم أسباب بروز الاختلاف في القراءات، هي:
أ - مزايا الخط العثماني.
ب - عدم وجود النقاط والحركات في المصاحف.

ج4 - عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «حقّاً أقول:.........، ولكن كان عبداً كثير التفكّر، تكملته، هي:
أ - لم يكن لقمان نبيّاً.

ج5 - كراهة قراءة القرآن للجنب، هي بمعنى ؟
أ - النهي في العبادات مطلقاً يكون بمعنى أقل ثواباً.

ج6 - عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال: «مَنْ أَحَبَّ أنْ يُستَجابَ دُعاءهُ.........» تكملته، هي:
ب - فَليُطَيِّبْ مَطْعَمَهُ وَمَكْسَبَهُ.

ج7 - قال تعالى: ﴿ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ﴾ المقصود من ( متشابه) هنا، هو:
أ - الكلام المتناسق الذي لا تناقض فيه.
ب - يشبه بعضه البعض، فلا تعارض فيه ولا تضاد.

ج8 - الوقف الحسن: هو الوقف على كلمة قرآنية بينها وبين ما بعدها:
ب - تعلق لفظي ومعنوي.

ج9 - القائل: «من أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر والنصيب الكافي فلا بد له أن يطبّق كل آية»، هو:
أ - الامام الخميني قدِّس سرُّه.

ج10 - القائل: «عبّر القرآن الكريم عن وجود الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه: ﴿ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾»، هو:
ج - الامام الخامنئي دام ظلُّه.


أجوبة تسلية وفائدة قرآنية للعدد(14) :


أفقياً:

1 - اسم صفة من صفات واسماء يوم القيامة هي: يوم التغابن.
2 - قوم فضلوا نبات الأرض على مائدة السماء، هم: بنو إسرائيل.
3 - موحدون سكنوا الكهوف، هم: أصحاب الكهف.
4 - سورة تسمى بسورة المرأة هي: الممتحنة.
5 - سورة باسم أصل من أصول الدين هي:التوحيد.
6 - سورة سميت باسم من اسماء الله هي: الرحمن.
7 - سورة بدأت بـ(حم) أخرها تاء مربوطه هي:الجاثية.
8 - نبي ترك زوجته وولده في وادٍ غير ذي زرع عند بيت الله الحرام، هو: إبراهيم.
9 - اسم آخر للنبي عيسى (عليه السلام)، هو: روح الله(عليه السلام).
10 - اسم من اسماء فاتحة الكتاب، هو: المثاني.

عاموديَّاً :

1 - معنى كلمة: ﴿ فَارْهَبُونِ ﴾، هو: خافوني.
2 - معنى كلمة: ﴿ بَارِئِكُمْ ﴾، هو: خالقكم.

 

 

 

 

 

ملاحظة: إلى القرّاء الكرام:

تحية طيبة إليكم من إدارة المجلة، ونحن نرحب بأي اقتراح من قبلكم لتطوير المجلة ويمكن لكم مراسلتنا من خلال مراكز جمعية القرآن الكريم من كافة المناطق.
 

عناوين جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد
الإدارة العامة: بيروت - لبنان - حارة حريك - أوتوستراد المطار - سنتر صولي ط2 هاتف: 274721 /01 - تلفاكس: 545723/ 01
بيروت - النويري: 278845/01 -  663914/01 - خلدة: 278845/01
الجنوب : النبطيــة: 764749/07 - مشغــرة - القطراني: 651915/08 - بريقع: 958404/70
صور - شحـور: 675170/03- جويـا: 411355/07 ـ الشعيتية - بنت جبيل: 349292/07
بـعـلبـك - ـ قصرنبا: 373786/08 ـ النبي شيت: 335013/08 - شمسطار: 373786/08
الهرمــل - العين - القصر: 200235/08

 

www.qurankarim.org    E-mail: info@qurankarim.org

24-02-2015 | 13-50 د | 11850 قراءة


الصفحة الرئيسة
جمعية القرآن الكريم
المكتبة الصوتية والمرئية
معرض الصور
مكتبة الكتب
سؤال وجواب
صفحة البحــــث
القائمة البريـدية
سجـــــــل الزوار
خدمــــــــة RSS
تواصل معنا
 
فلاشات إخبارية
جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - لبنان

2749735 زيارة منذ 18- تموز- 2008

آخر تحديث: 2023-12-07 الساعة: 12:56 بتوقيت بيروت