في هذا العدد سنضيء على صفةٍ جديدةٍ من صفاتِ عبادِ الرّحمن، الّذين رسم القرآن الكريم في صورتهم صورة المؤمن الصّالح، والعبد المطيع لله تعالى السّائر على نهج القرآن الكريم وآل البيت عليهم السّلام.
قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) ﴾ سورة الفرقان (1)
صديقي:
لسليمانَ شقيقان: عيسى وإبراهيمُ.
كانَ والدُ سليمانَ ميسورَ الحالِ، ويخصُّ كلَّ واحدٍ من أبنائهِ بما يزيد عن حاجتِهِ ويكفيهِ ليُنفقَ ويدّخرَ منهُ.
وكان سليمانُ ينفقُ كلّ ما يعطيه له والده في كلّ يوم في شراء الحلوى والألعاب، أمّا أخوهُ عيسى فكان يدّخرُ مبلغًا بسيطاً في حصّالة صغيرة، فيما تعوّدَ إبراهيمُ على أن يحتفظَ بكلِّ مالِهِ في حصّالتِهِ فلا ينفقُ من مصروفِهِ قرشاً واحداً مهما اشتدّت حاجتُهُ إلى بعض الأشياء .
سافرَ الوالدُ ذاتَ مرّةٍ ليعملَ خارجَ الوطنِ، وتأخّر في إرسالِ المالِ إلى عائلتِهِ، فكان سليمانُ يشعُرُ بضيقٍ لسببِ عجزِ والدتِهِ عن تأمينِ كتُبِهِ المدرسيّةِ وحاجاتِهِ، وراحَ يطلُبُ من أخيهِ إبراهيمَ أن يساعدَهُ ببعضٍ ممَّ ادّخرهُ في حصّالتِهِ، لكنّهُ رفض ولم يفعل!
قالَ لهُ أخوهُ عيسى: لا تقلقْ يا أخي، سأقتسمُ معكَ مافي حصّالتي، ونشتري معاً كتبَنا وحاجيّاتِنا.
سُرّتْ والدَةُ سليمانَ وعيسى من تعاوُنِ ولديها، فقالَ لها سليمانُ: لقد كنتُ مُسرفاً يا أمّي في إنفاقِ نقودي، لذا سأتعلّمُ كيفَ أوفّرُ شيئاً لوقتِ الحاجةِ.
أمّا إبراهيمُ، فقد كانَ ينتظرُ أن تساعدَهُ أمّهُ في شراءِ حاجاتهِ لتوفير ما يملكهمن مدَّخرات، لكنَّها لم تتمكن، وقالَتْ له: لا يجوزُ الإقتارُ يا بنيَّ، لأنّك دائماً تحرمُ نفسَكَ من قراءةِ القصصِ المفيدَةِ ومشاركةِ أخوَيْك في الألعابِ والرّحلاتِ. دع لنفسِكَ ما يساعدُكَ على الحصولِ على أشياءَ ضروريّةٍ ولا يمكنُ الاستغناءُ عنها، ولا تنس حاجتَكَ إلى أن تروّحَ عن نفسكَ وتشارِكَ في نشاطاتٍ ضروريّةٍ ومسلّية .
وقد أمرنا القرآن الكريم بأن لا نسرف كلّ ما نملكه، ولا نبخل إن كنّا نملك المال ونحرم أنفسنا من الأشياء الضّروريّة، فالاعتدال أفضل وأيسر في كلّ حال.
هكذا تعلّمَ الإخوةُ الثّلاثةُ أن يتعاملوا مع مصاريفهم باعتدالٍ وحكمةٍ.
(1) - الإقتار : هو أن ينفق أقل من الواجب – الإسراف : هو أن ينفق المسلم أكثر من الحد، وفي غير حق، وبلا داعٍ.
|