تحريك لليسارإيقافتحريك لليمين
نافذة من السماء، العدد السادس والعشرون.
مجلة هدى القرآن العدد الثاني والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد السادس والتسعون
نافذة من السماء، العدد الخامس والعشرون
مجلة هدى القرآن العدد الواحد والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد الخامس والتسعون
مجلة هدى القرآن العدد التاسع عشر
مجلة أريج القرآن، العدد الواحد والتسعون
مجلة أريج القرآن، العدد التسعون
 
التصنيفات
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة
مجلة هدى القرآن العدد السابع
هدى القرآن

العدد السابع ، السنة الثالثة ، شهر رجب / 1434 هجري، أيار 2013 ميلادي

مجلة داخلية تصدر عن جمعية القرآن الكريم، تُعنى بالثقافة القرآنية

لسحب العدد PDF اضغط هنا

 

 

  كلمة العدد

  القرآن كتاب العلم والمعرفة والثقافة

  بيان مقاصد الكتاب الشريف الإلهي ومطالبه ومشتملاته

  أهمية تلاوة القرآن والتدبر فيه

  موسم الأمسيات القرآنية في ليالي شهر رمضان المبارك

  نقاط وتأملات

  مفردات قرآنية : سورة الأعراف

  معجم المفسرين

  قصة أصحاب الأخدود

  توصيف القرآن

  هل نحتاج للواعظ الخارجي والباطني ؟

  تعاهد وحفظ القرآن الكريم

  الحروف العربية من حيث تجاورها

  أشهر القراء المبدعين : القارىء الشيخ محمد أحمد شبيب

  حوارات قرآنية : مع الحافظة هبة خالد ناصر

   القرآن الكريم في كلام أهل البيت (عليهم السلام)

  استفتاءات قرآنية لسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله)

  مقابلة العدد مع القارىء الدولي الحافظ حامد شاكر نجاد

  الغراب والرمان في القرآن الكريم

  أنشطة الجمعية

  مسابقة العدد

 الأجوبة الصحيحة للمسابقة

   كلمة العدد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)  ﴾ سورة الأعراف

صدق الله العلي العظيم


القرآن هو كتاب الله المكتوب والمقروء وهدى ورحمة للبشرية، فمن أراد معرفة الحياة والطبيعة، يجدر به أن يقرأ القرآن ويستضيء به.
ولكي نتعرَّف إلى الطبيعة والحياة وفهمهما نحتاج إلى كتاب هدى ودليل وبصيرة قرآنية، فمن دون الاستفادة من القرآن نكون عاجزين عن فهم الحياة والطبيعة والعكس صحيح.
إنما يعرف الحياة من يقرأها ويمارسها ويعايشها ضمن كتاب الله الذي لا يضل ولا ينسى، كتاب فيه تفصيل كل شيء بما للكلمة من معنىً.
فإذا أراد الإنسان أن يعيش في الحياة بنور، فليستنر بالقرآن، ولينظر ما هو قائل له، فإن فيه الشرح الوافي لطبيعة الإنسان والمجتمع وتطورات الحياة، وفيه الإجابات الوافية عن نواميس الكون والهدف من خلقته، وفيه أيضاً الإجابة عن السر وراء تطورات الأمم والحضارات وعلل دمارها وهلاكها.. كل ذلك نجده في القرآن، وما علينا إلا أن نطبق الآيات تطبيقاً صحيحاً على الطبيعة.
فالقرآن كالشمس إن تشرق أشرقت على يوم جديد، أنزله الله للبشرية كافة، وهو يجري فيمن يأتي كما جرى فيمن مضى. ونحن في جمعية القرآن الكريم نسأله تعالى أن يوفقنا لتلاوة القرآن وتطبيقه على حياتنا وحث الآخرين على ممارسته حتى يروا سعة الحياة وجمالها مع القرآن ورحمة الله الواسعة.
 

جمعية القرآن الكريم

للتوجيه والإرشاد

 

   الافتتاحية

القرآن كتاب العلم
والمعرفة والثقافة

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء وسيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.
﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ (1) .
على الرغم من تطور البشرية عبر العصور على صعيد الوعي والادراك والعلم وغير ذلك، ولكنَّ القرآن الكريم قد أنزله الله تبارك وتعالى لكل الناس ولكل العصور، وهذه الحقيقة الساطعة تعتبر معجزة من معاجز كتاب الله الكبرى، لأنَّ من حقيقته مخاطبة كل أفراد البشر، مهما تفاوت مستوى استيعابهم واختلف زمانهم, فالقرآن كتاب العلم والمعرفة والثقافة فيه ظاهر وباطن، ولباطنه بطون وكلما زادت معرفة المرء وعلمه، كلما تعمق في القرآن أكثر فأكثر.
ففي الوقت الذي يفهم الإنسان الساذج البسيط من النص القرآني شيئاً معيَّناً من معانيه، نجدُ العالمَ والمثقفَ يفهمُ شيئاً مضافاً إلى ذلك وهكذا تتفاوت درجات الاستنباط حسب مستويات الأشخاص، بل حتى لو كان الإنسان عالماً، الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وهو عالم آل محمد، وهو الذي علمه من علم الله سبحانه؛ فإن الله يفتح له كل يوم باباً من علوم القرآن. وهذا المعنى قد صرح به الإمام (عليه السلام) نفسه في حديث شريف له - عن السر في أنَّ القرآن تزداد طراوته وجدته بتقادم الزمان عليه وبتكرار تلاوته - عن الرضا عن أبيه (عليهما السلام) «أنّ رجلا سأل الصادق(عليه السلام) ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة ؟ فقال: إن الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة». إن منزّله قد صاغه بحيث إنه يتقدم على كل تطور في العلم والتفكير، على الرغم من التطور الهائل في المعارف والعلوم، كما إنه يعرض من المعاني والمفاهيم القابلة للدرك بما يتسع لظرفية الزمان واشباعه.
إن القرآن الكريم الذي فيه المحكم والمتشابه، يتحول متشابهه إلى محكم بالنسبة لمن توصل إليه، وما لم يتوصل إليه يظل متشابهاً بالنسبة له أيضاً.
ولهذا كانت قاعدة العمل بالمحكم والتسليم للمتشابه قاعدة مهمة للغاية في إطار التعامل مع القرآن، إذ أن المتتبع للآيات القرآنية كلما عمل بالمحكم وسار فيه شوطاً، كلما اُحكم له المتشابه، وتيسر له فهمه ووعيه، أي أن كتاب الله يوضح نفسه بنفسه.
ومن هذه الزاوية، كان القرآن كتاباً لجميع الناس ولكل العصور والدهور، وكل فرد منهم يستفيد منه حسب مستواه وموقعه؛ تماماً كما المطر ينزل من السماء، حيث تسيل منه الأودية بقدرها، فالوادي الواحد يستوعب بقدره هو لا بقدر الغيث، الذي يستطيع استيعاب كل الامكنة.
ولما كان القرآن الكريم كتاباً ذا مرونةٍ فائقة، فإنه قد سلب من الإنسان أعذاره الواهية التي قد يرفع عقيرته بها فيهجر القرآن بداعي عدم فهمه له مثلاً، أو إيكال ذلك للعلماء والمفسرين والمثقفين فقط.
فالقرآن لم يختصر على فئة أو جماعة معيَّنة بل هو كتاب الجميع، نازل من عند خالق الخلائق أجمعين، ويبقى من لم يفهم هذه الآية القرآنية أو تلك فهو ملزمٌ بإرجاعها إلى أهل الذكر من العلماء والمتخصصين فهم وكلاء الله على تفسير وشرح كتابه للآخرين قال سبحانه: ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ . وهذا المنهج الرائع والأُسلوب الصحيح والناجح يمثل الطريقة التي قد أمر بها القرآن والسبّاق إليها، لأنه كفيل بحفظ منزلته الإلهيَّة من جهة، وكفيل أيضاً بتعميم الفائدة على الجميع من جهة أُخرى ويمكن لنا أن نشبهه بالنهر العظيم، يغرف الناس من معارفه ومفاهيمه وحكمه حسب حاجاتهم ومقدار ما يستوعبونه، دون أن يعني أن ذلك النهر يمكن اختصاره في إنسان واحد منهم، ودون أن يعني أن هذا الفرد غير قادر على الاستفادة من النهر شيئاً.
طبعاً معرفة القرآن تحتاج إلى معطيات ومقدمات:
أحد تلك المقدمات: معرفة اللغة العربية، فإن معرفة القرآن المكتوب باللغة العربية دون معرفة اللغة العربية أمر محال.

المقدمة الثانية: هي الإلمام بتاريخ الإسلام، لأن هذا الكتاب نزل طوال 23 سنة من حياة الرسول الأعظم، من البعثة حتى الوفاة، فهناك أسباب لنزول آيات القرآن، ومعرفة سبب النزول، يرشد ويؤثر كثيراً في توضيح مضمون الآيات وفهمها.

المقدمة الثالثة: الإلمام بكلمات وأقوال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالرسول بنص القرآن، أول مفسر لهذا الكتاب، حيث جاء في القرآن.
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (2) .
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ(3) .
الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) - من نظر القرآن - بنفسه مبين ومفسر لهذا الكتاب، وما جاءنا من الرسول يعيننا على تفسير القرآن.
أيضاً الأحاديث المعتبرة التي وصلتنا من الأئمة، لها نفس اعتبار الأحاديث المعتبرة، الواصلة من رسول الله، فإن الروايات الموثقة من الأئمة، تساعدنا كثيرا في معرفة القرآن.
نقطة مهمة لا بد أن نهتم بها في التحقيق حول القرآن: هي أن نتعرف على القرآن بالاستعانة بالقرآن نفسه. وهذا ما يشير إليه الحديث النبوي المعروف: «القرآن يفسّر بعضه بعضاً» (4) .
وقال الإمام علي (عليه السلام): «كِتَابُ اَللهِ تُبْصِرُونَ بِهِ، وَتَنْطِقُونَ بِهِ، وَتَسْمَعُونَ بِهِ، وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَخْتَلِفُ فِي اَللهِ وَلاَ يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اَللهِ» (5) .
والغرض من ذلك أن مجموعة آيات القرآن تكون مع بعضها بناءً متراصاً، أي أننا إذا أخذنا آية واحدة من آيات القرآن، وقلنا أننا نريد فهم هذه الآية فقط، يعتبر هذا أسلوب خاطئ، وبالطبع يحتمل أن يكون فهمنا لتلك الآية فهما صحيحا، ولكن هذا عمل مخالف للاحتياط، فآيات القرآن تفسر بعضها بعضا، وكما قال بعض المفسرين الكبار، منهم العلامة الطباطبائي (قده) ، فإن الأئمة الأطهار أيدوا هذا الأسلوب من التفسير.
القرآن له أسلوب خاص بنفسه في توضيح وبيان المسائل، ففي موارد كثيرة إذا أخذت آية واحدة من القرآن، دون عرضها على الآيات المشابهة، فإنها تأخذ مفهوما يختلف كليا عن مفهوم نفس الآية، إذا وضعت بجانب الآيات التي تشابهها في المضمون.
نسأل المولى سبحانه أن يوفقنا للعمل بهذا النهج لتحصيل المزيد من أهداف القرآن الكريم والعمل بها، اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا شهر رمضان وأعنا على الصيام إنك سميع مجيب.

والحمد لله ربّ العالمين

رئيس التحرير


(1) - سورة هود، الآية: 1.
(2) - سورة النحل، الآية: 44. 
(3) - سورة الجمعة، الآية: 2. 
(4) - المناهج التفسيرية في علوم القرآن: ج2، ص14. 
(5) - نهج البلاغة: الخطبة رقم 133.

 

   القرآن والقادة

 كلام الإمام الخميني (قدس سره)


 بيان مقاصد الكتاب الشريف
الإلهي ومطالبه ومشتملاته


الاستفادات ذات البعد الواحد من القرآن (1)

بعد مضي مدة من نزول الإسلام, اهتمت مجموعات مختلفة من أهل العلم بمعنويات الإسلام , وركّزوا أنظارهم على تلك الآيات والروايات المرتبطة بالمعنويات وتهذيب النفس وما وراء الطبيعة... في القرآن الكريم آيات كثيرة عن الأمور المعنوية , أي ذلك الوجه الإنساني الذي هو من عالم الغيب (2) .
استمر الوضع لفترة طويلة على هذه الشاكلة حيث كان الاهتمام معدوماً أو ضعيفاً بتلك الأحكام الاجتماعية والسياسية وقضايا الساعة, وهؤلاء وقعوا من هذا الطرف أي اقتصرت اهتماماتهم على هذه المسائل الاجتماعية والأحكام السياسية وقضايا الحكم فقط. أولئك كانوا ينظرون إلى ذلك الجانب من الورق لفترات سابقة كالفلاسفة والعرفاء والمتصوفة وأمثالهم, وكان كلامهم يدور حول بيان هذه المعنويات, ويدعون الناس إلى هذه الجهات المعنوية الإسلامية, حتى إن بعضهم حاول إرجاع الآيات أو الروايات الواردة بشأن الأمور الطبيعية والمتحدثة عن قضايا الاجتماع والسياسة إلى تلك الأمور المعنوية, ويعتبرون أن الجميع مرتبط بذلك الجانب, فهم كانوا ينظرون إلى الجانب الباطني للقرآن والإسلام... ينظرون إلى المعنويات فقط, ويغضّون أبصارهم عن المواضيع والروايات الواردة بشأن الحكم الإسلامي, والسياسة الإسلامية, والقضايا الاجتماعية, وإعمار هذا العالم, وهذه هي الغفلة... الغفلة عن الإسلام, لأنهم كانوا ينظرون إلى الإسلام من زاوية واحدة فقط, أما الجانب الآخر وعالم طبيعته فإنهم لم يهتموا به, ولم يعلموا أن الإسلام يهتم بعالم الطبيعة أيضاً, ويهتم بجميع تلك الأمور التي يحتاجها الإنسان, لذا فإن إحدى الابتلاءات التي ابتلى بها الإسلام هي أن هؤلاء الأشخاص أمثال المتكلمين, والأكثر منهم الفلاسفة, والأكثر منهم العرفاء والصوفية, أرادوا تفسير جميع الآيات الواردة في القرآن الكريم تفسيراً معنوياً... اهتموا بالباطن وغفلوا عن الظاهر, والآن فإن ابتلاء الإسلام أخذ منحنى آخر وهو أن شبابنا ومثقفونا وعلماؤنا الذين تعلموا العلوم المادية, يحاولون تفسير جميع آيات القرآن والروايات الخاصة بالأمور المعنوية تفسيراً طبيعياً عادياً, وهؤلاء مهتمون بالإسلام أيضاً, لكنهم غافلون أيضاً, لأنهم ينظرون للإسلام من جانب واحد, وهاتان الطائفتان لم تفهمان الإسلام بمعناه الحقيقي, فالإسلام لا يدعوا إلى المعنويات فقط, ولا يدعوا إلى الماديات فقط.
انه يدعوا إلى كليهما, فقد جاء الإسلام والقرآن الكريم من أجل بناء الإنسان وتربيته في جميع أبعاده.
في بيان مقاصد الكتاب الشريف الإلهي ومطالبه ومشتملاته بطريق الاجمال والإشارة (3) .
اعلم أن هذا الكتاب الشريف ـ كما صرح هو به ـ كتاب الهداية , وهادي سلوك الإنسانية ومربّي النفوس وشافي الأمراض القلبية, ومنير طريق الإسلام إلى الله.
وبالجملة: فإن الله تبارك وتعالى ـ لسعة رحمته على عباده ـ انزل هذا الكتاب الشريف من مقام قربه وقدسه, وتنزل به على حسب تناسب العوالم حتى وصل إلى هذا العالم الظلمائي, وسجن الطبيعة, وصار على كسوة الألفاظ وصورة الحروف لاستخلاص المسجونين في سجن الدنيا المظلم, وخلاص المغلولين بأغلال الآمال والأماني, وإيصالهم من حضيض النقص والضعف والحيوانية إلى أوج الكمال والقوة الإنسانية, ومن مجاورة الشيطان إلى مرافقة الملكوتيين, بل الوصول إلى مقام القرب وحصول مرتبة لقاء الله التي هي أعظم مقاصد أهل الله ومطالبهم, فمن هذه الجهة هذا الكتاب هو كتاب الدعوة إلى الحق والسعادة, وبيان كيفية الوصول إلى هذا المقام, ومحتوياته إجمالاً هي ما له دخل في هذا السير والسلوك الإلهي, أو يعين السالك والمسافر إلى الله, وعلى نحو كلّي أحد مقاصده المهمّة الدعوة إلى معرفة الله, وبيان المعارف الإلهية من الشؤون الذاتية والأسمائية والصفاتية والأفعالية, والأكثر في هذا المقصود هو توحيد الذات (4) والأسماء (5) والأفعال (6) , التي ذكر بعضها بالصراحة وبعضها بالإشارة المستقصية.
وليعلم أن المعارف من معرفة الذات قد ذكرت في هذا الكتاب الجامع (7) الإلهي على نحو تدركه كل طبقة على قدر استعدادها, كما أن علماء الظاهر والمحدثين والفقهاء رضوان الله عليهم يبيّنون ويفسّرون آيات التوحيد الشريفة, وخصوصاً توحيد الأفعال على نحو يخالف ويباين ما يفسّرها أهل المعرفة وعلماء الباطن.
والكاتب يرى كلا التفسيرين صحيحاً في محله, لأن القرآن هو شفاء الأمراض الباطنية, ويعالج كل مريض على نحو خاص, كما أن الآية الكريمة ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ(8) والكريمة ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ(9) والكريمة ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ(10) والكريمة ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ (11) والكريمة ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (12) إلى غير ذلك في توحيد الذات والآيات الكريمة في آخر سورة الحشر وغيرها في توحيد الصفات, والكريمة ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (13) والكريمة ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (14) والكريمة ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (15) في توحيد الأفعال التي تدل بعضها بوجه دقيق وبعضها بوجه أدّق عرفاني, هي شفاء للأمراض عند كل طبقة من طبقات علماء الظاهر والباطن على نحو معين, ففي نفس الوقت الذي تكون الآيات الشريفة مثل آيات أول الحديد والسورة المباركة التوحيد قد نزلت للمتعمقين في آخر الزمان حسب الحديث الشريف في الكافي (16) فإن لأهل الظاهر منها نصيب كافٍ, وهذا من معجزات هذا الكتاب الشريف ومن جامعيته.


(1) - منهجية الثورة الإسلامية ص79.
(2) - الغيب: ما يقابل عالم الشهود وهو مقام الجمع لدى العرفاء.
(3) - الآداب المعنوية للصلاة ـ ص223.
(4) - التوحيد الذاتي: هو أن ذاته واحد.
(5) - «علم الأسماء» نوع من العلم والمعرفة يهتم بشؤون القدرة العلمية للموجود الإنساني, والمقصود هو الإنسان هو وليد علم الأسماء, وعلم الأسماء هو علم عرضه الله سبحانه وتعالى على الإنسان ليصبح أهلاً للخلافة على الأرض, ولو لم يعلّم الله هذا العلم لآدم لما أصبح أهلاً للخلافة على الأرض.
(6) - التوحيد الفعلي: هو أن ترى بأنه لا مؤثر في الوجود إلا الله سبحانه وتعالى.
(7) - الكتاب الجامع: أن المقصود من الكتاب الجامع نفس الإنسان من جهة أنها جامعة لجميع مراتب الكمالات التي دونها وأنها العالم الصغير المشابه للعالم الكبير.
(8) - سورة الحديد:الآية 3.
(9) - سورة النور, الآية 35.
(10) - سورة الزخرف الآية 84, 40.
(11) - سورة الحديد، الآية: 4.
(12) - سورة البقرة, الآية: 115.
(13) - سورة الانفال , الآية: 17.
(14) - سورة الفاتحة , الآية: 1.
(15) - سورة التغابن، الآية: 1.
(16) - الكافي في الحديث والمشهور بـ «الكافي » هو أحد الكتب الأربعة عند المسلمين الشيعة, مؤلفه محمد بن يعقوب إسحاق الكليني الرازي (328 ـ 329هـ.ق) والمعروف بـ »ثقة الإسلام, وهو من المحدثين الشيعة, وشيخ مشايخ أهل الحديث. قضى عدة سنوات في تأليف كتابه, وقسّمه إلى ثلاث أقسام هي: الأصول , الفروع, والروضة, ويشمل 34 كتاباً و326 باباً و 16000 حديث.

 

   القرآن والقادة

 كلمة الإمام القائد بمناسبة لقائه مع قرّاء القرآن (1)

والمشاركين بالمسابقات القرآنية الدولية

 أهمية تلاوة القرآن والتدبّر فيه

 


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أتقدّم بالشكر الوفير للإخوة الأعزاء الذين أضاؤوا قلوبنا ومجالسنا بذكر الآيات الإلهية وتلاوة كتاب الله المجيد، كما أشكر القرّاء المحترمين، والمشاركين في هذا الاجتماع بتقديم برامجهم المنوّعة، وأشكر مُنظمي هذا الاجتماع والذين تحمّلوا عناء انعقاده على مدى سنوات طويلة بما فيه من خير وفائدة.
لقد كان برنامجنا في هذا العام أفضل من الأعوام السابقة، كما أنّ تطوّر قرّائنا الشباب في القراءة والأداء أمراً ملحوظاً.
إنَّ الأجيال المحبة للقرآن تتوالى جيلاً بعد آخر والحمد لله؛ وذلك بما تتميّز به من مواهب طيّبة وقلوب والهة، وأنفاس حارة أوقفتها على خدمة القرآن الكريم وتلاوته.
هذا من ناحية، وأما من ناحية أخرى - وهو المهم - فإنني أشير وأنوّه هنا بأنه إذا كنّا نعتقد - ونحن كذلك - بأنَّ العمل بالقرآن هو أساس ومحور إحيائه، وأنَّ المسألة ليست مجرد تلاوة وقراءة، فإننا نؤمن أيضاً بأنه لا بدّ من تطبيق تعاليم القرآن الكريم والعمل بآياته، وأن علينا أن نجعل من مجتمعنا مجتمعاًقرآنياً، وأن يكون فكرنا قرآنياً، وأن يكون سلوكنا قرآنياً، وأن نثق بالقرآن ونعتمد عليه ونصدّق بحقيقة الوعد الالهي الوارد في القرآن الكريم، حيث يقول تعالى في كتابه المحكم ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً (2) كما يجب علينا أن نتعامل بنَفَس القرآن وروحه مع أفراد عائلتنا، ومع زملائنا في العمل، ومع أفراد المجتمع، ومع مسلمي البلدان الأخرى، والسلطات، والشعوب، وما إلى ذلك من أمور.
إنّ إحياء القرآن الكريم والعمل به وإجلاله كلها ممّا نعتقد ونؤمن به، ولكن هذا لا يعني أن نقلل من شأن تلاوته.
إننا نريد أن نؤكّد لكم - أنتم عشّاق القرآن وأهل القراءة والتلاوة والتجويد - بأننا نسمع أحياناً من يقول: بأنه لابدّ من التأسّي بالقرآن؛ وهذا صحيح، ولكنه لا يعني في نفس الوقت التقليل من شأن قراءة القرآن الكريم وتلاوته.
إنّ تلاوة القرآن تمثّل حلقة في مجموعة ومنظومة تتصل ببعضها البعض؛ وهذا ما يجب علينا الاهتمام به وتقديره.
إنَّ علينا أن نُقبل على تلاوة القرآن الكريم، وأن نفهم معانيه في نفس الوقت، وإذا ما فهمنا معاني القرآن الكريم استطعنا تلاوته بصورة أفضل.
إننا لو عقدنا مقارنة بين قراء اليوم والقرّاء منذ عشرين عاماً في بلدنا - عندما كانت هذه الحركة القرآنيَّة في بدايتها - فإننا نجد أن البعض كانوا
يتلون القرآن بشكل جيد، وكانت هناك أصوات جميلة، كما أنّ قرّاءنا كانوا قد تعلّموا الطرق والأساليب التي يقرأ بها مشاهير القرّاء، إلاّ أنه لم يكن شيئاً رائعاً، فلماذا؟ لأنهم لم يكونوا يعون شيئاً من معاني ومفاهيم الآيات القرآنيَّة، وكان ذلك واضحاً.
وأما الآن فإن الأمور قد تغيرت، فكيفية تلاوة شبابنا للقرآن الكريم تدلّ على أنهم يفهمون ما يقرأون.
إذاً... فعليْكم أولاً: بتجويد القراءة وتحسين التلاوة، وثانياً: عليكم بفهم معاني ما تقرأون، وثالثاً: عليكم بحفظ القرآن الكريم ؛ فإن حفظه من الأمور المهمة.
إنكم أيها الشباب تحتاجون إلى ذلك وتقدرون عليه؛ وعندما تحفظون القرآن وتكررون آياته وتأنسون بتلاوته فإن هذا سيمنحكم فرصة التدبّر في القرآن.
إنَّ التدبّر في القرآن لا يتأتّى بالقراءة السريعة المتعجّلة، ولا من التلاوة مرّة أو مرّتين، بل من خلال التكرار والإعادة المتواصلة والشعور بالأنس مع الآيات القرآنيَّة، وكم من دقائق وعِبَر في القرآن الكريم لا يمكن التوصّل إليها إلا بالتدبّر؛ ولهذا فإنه من الضروري حفظ وفَهْم معاني القرآن مع تلاوته.
ولقد قمنا بتقديم الكثير من الإرشادات في مثل هذه المناسبات من كل عام حول تلاوة القرآن، والحمد لله فإن دائرة القرّاء قد ازدادت اتّساعاً من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم قد تعرّفوا على كيفية التأثير في المخاطب من خلال القراءة والتلاوة.
إنَّ كل قراءة ليست مؤثّرة بالضرورة، فهناك بعض القراءات تجعل معاني القرآن راسخة في سمع وقلب وروح المخاطب، وإنَّ التمتّع بمثل هذه القراءة لأمر يسحق الثناء والتقدير، وهذا هو هدفنا.
وبالطبع فإن هذا يستلزم الصوت الحسن والمقامات المتناغمة وكيفية تركيب الآيات وتصنيفها عند التلاوة، فهي من الأمور المؤثرة.
والحمد لله فإن شبابنا يدركون هذه الأشياء، ويتقدّمون بشكل جيد وهم في تطوّر مستمر، ولكنني أتقدّم إليكم بهذه النصيحة: إننا أحياناً نقوم بتشجيعكم والثناء عليكم من القلب أيها الشباب الأعزاء، سواء منكم القدامى أو الجُدد، ولكن هذا لا يعني أنكم وصلتم إلى القمة ولم يعد هناك مجال آخر للتقدم.
إنّ ما أخشاه دائماً هو: أن تتصوّروا - أيها الشباب الأعزاء الحاضرون في هذا الاجتماع - بأنكم ارتقيتم إلى الدرجة الأخيرة من السلّم.
كلا، فهذه ليست الدرجة الأخيرة، فلا تتوقّفوا، بل تقدّموا إلى الأمام، وحاولوا التلاوة بشكل أفضل يوماً بعد آخر وأن تكونوا في تحسّن مستمر، وهذا أمر ممكن.
وبالتأكيد فإن هذا الأمر يستلزم بعض الضروريات من قبيل الدراسة وإنشاء المعاهد والمؤسسات القرآنيَّة، وعلى الإخوة المسؤولين المعنيّين بهذا الأمر أن يبذلوا جهودهم في توفير ما يلزم من امكانات، وعلى مؤسسة الإذاعة والتلفيزيون أيضاً أن تمدّ يد العون بهذا الصدد.
إنّ تلاوة القرآن إذا ما أصبحت ظاهرة شعبية في بلادنا واستطاع الجميع أن يقرأوا القرآن بصورة صحيحة، وإذا ما انتشرت هذه الظاهرة بين العوائل وفي المنازل، فإن أملنا سيزداد في أن يغدو مجتمعنا مجتمعاً إسلامياً وقرآنياً بمعنى الكلمة.
إننا نمتاز اليوم بحكومة إسلاميَّة ومجتمع إسلامي، ولكن هذه ليست سوى الخطوات الأولى.
إنّما نشاهده من الإسلام في بلادنا وداخل حكومتنا قولاً وعملاً ليس سوى أقل القليل من الإسلام، فهو أقل مما يتطلبه أي مجتمع إسلامي.
إنّ كل ما رافق نظام الجمهوريَّة الإسلاميَّة من بركات حتى اليوم يعتبر من ثمار هذا القليل الأقل.
وإذا كان الشعب الإيراني قد استطاع أن يحطّم صنم الاستبداد ويسقطه في هذا البلد، وأن يثبت بشجاعته وبطولته أنه لا ينحني أمام جبروت الهيمنة ولا يخضع أمام غطرسة المتكبرين، وإذا ما رأيتم أنَّ شبابنا يحرز النجاح تلو الآخر في الميادين العلميَّة ويثبت وجوده في عرصات العلم والمعرفة بشكل مطّرد يوماً بيوم بعد آخر - والتقدم العلمي في بلدنا ولحسن الحظ تزداد رقعته اتساعاً يوماً بيوم - وإذا ما شاهدتم ألواناً من تطبيق العدالة في بلادنا - وهي مجرد أطياف ليس إلاّ فإن المسافة بيننا وبين تطبيق العدالة الكاملة مازالت شاسعة - وعلى أية حال إذا ما وجدتم أنّ المعروف في مجتمعنا وبلادنا هو معروف من وجهة النظر الإسلامية وأنّ المنكر منكر، فإنَّ هذا كله بفضل ذلك القليل الأقل الموجود في مجتمعنا من نور الإسلام.
وكلما استطعنا أن نوسّع من دائرة المعرفة الإسلاميَّة والروح الإسلامية، والإدراك الإسلامي فإن المكاسب ستزداد بطبيعتها قدرة للبلدان الأخرى.
لقد باتت الشعوب المسلمة - والحمد لله - تشعر بالاعتزاز بالإسلام، وهذا في غاية الأهميّة.
أيها الشباب، لقد مرّ يوم على هذه البلاد وسواها من بلدان العالم الإسلامي كانوا يعتبرون فيه الإسلام عاراً، وكان الشباب لا يشعر بالفخر بانتمائه للإسلام، حيث كانوا يصمونه بالعار إذا قال بسم الله أو إذا أدّى صلاته أمام الآخرين.
لقد كان الفخر كل الفخر بالانتماء والتبعية للغرب أو الشرق، حيث كانت الأفكار الماركسية سائدة آنذاك.
وأما الآن فقد تغيّر، فالمعسكر الشرقي سقط، والمعسكر الغربي يواجه المزيد من الفشل يوماً بعد آخر ويفقد مصداقيته وشخصيته أمام العالم، وقد جلب أدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية الخزي والعار لأنفسهم في كل مكان.
إنَّ الإسلام يزداد تألقاً على الدوام، وها هي شمسه تسطع مشرقة في الآفاق العالية.
إنّ الشعوب المسلمة تشعر بالفخر والاعتزاز بانتمائها للإسلام كافة الأقطار الإسلامية، من شمال أفريقيا إلى شرق آسيا، ومن اندونيسيا إلى ماليزيا إلى الهند وبكستان وبنغلادش، ومن بلدان شرق آسيا إلى الشرق الأوسط والبلدان العربيَّة وتركيا إلى بلدان أفريقيا، سواء منها البلدان العربية أو غير العربية، حيث يعيش المسلمون والشباب المسلم ويشعرون بالاعتزاز بالإسلام.
إنَّ الإحسان بالاعتزاز هو الذي يمنحهم النصر، وإلاّ فكيف حقق حزب الله لبنان ذلك الانتصار الساحق على جيش مدجج بالعدّة والعتاد ويحظى بدعم القوى الكبرى العالميّة، وذلك بلا أن تتوفّر لحزب الله تلك التغطية والأوراق السياسية والعسكرية والاقتصادية المتداولة في عالم اليوم؟
إنّ ذلك بفضل الإسلام والثقة بالنفس.
إنّ معنى العمل بالإسلام وتصديق القرآن الكريم وتحقق الوعد الالهي هو: أن نثق بالقرآن المجيد عندما يقول: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (3) أو عندما يقول: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ(4) .
إنّ هذه المعرفة القرآنيَّة هي التي تمنحنا مثل تلك الثقة، وعندها تتجلّى الآثار والنتائج في نهضة الشعوب، واضمحلال القوى الجائرة يوماً بيوم، وفشل مؤامرات المعتدين والمستكبرين ضدّ البلدان المسلمة ؛ فعلينا أن نأنس بالقرآن الكريم، وأن نثق بما فيه، وأن نتدبّر آياته.
إنّ الاهتمام بالقرآن الكريم في بلدنا يسير قُدُماً بصورة جماعية يحدوها العزم والتصميم، فلا ينبغي أن تتوقّف هذه المسيرة أبداً.
وإنني أوصيكم أيها الشباب الأعزاء العاشقون للقرآن والفخورون به: بأن تواصلوا هذه المسيرة وهذا النهج المبارك، وستجدون أنّ ثماره الطبيّة ستغمركم وتغمر شعبكم وبلدكم على الدوام إن شاء الله.
إنني أرحب أيضاً بالضيوف الحاضرين في هذا الاجتماع، كما أرحّب بالقرّاء والأساتذة وكل من شاركوا بالقراءة أو لم يشاركوا، وأسأل الله تعالى أن يوفّق الجميع في هذه المسابقات القرآنيَّة التي بدأت في هذه الليلة على ما يبدو.
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين.
اللهم أحينا بالقرآن، وأمتنا مع القرآن، واحشرنا مع القرآن.
اللهم اجعل قولنا قرآنياً وعملنا قرآنياً.
اللهم اكتب الهزيمة والنكسة على أعداء القرآن والمتآمرين على القرآن والمبغضين لاستمرار وجود القرآن في المجتمع الإسلامي.
اللهم اهزم المستكبرين.
اللهم أنزل علينا لطفك ورحمتك وغفرانك في هذا اليوم ونحن نقترب من ساعة الإفطار في شهر رمضان المبارك.
اللهم اغفر لنا وتقبل منّا صيامنا وصلاتنا وتلاوتنا بفضلك وكرمك.
اللهم أنزل غيث فيضك ورحمتك على كافة البلدان والأقطار الإسلامية.
اللهم ارزقنا روحاً قرآنيَّة ومعرفة حقّة بالقرآن واجعلنا من خدّام القرآن.
رحم الله من قرأ الفاتحة مع الصلوات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


(1) - الزمان: 4/9 /1427هـ - 26/9/2006م.
(2) - سورة الأنعام، الآية: 115.
(3) - سورة الحج، الآية: 40.
(4) - سورة يوسف، الآية: 21.

 

   القرآن والقادة

كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصرالله
خلال افتتاح برنامج الأمسيات القرآنية لشهر رمضان المبارك والتي أقامتها في لبنان
جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد
(1)
 


موسم الأمسيات القرآنية
في ليالي شهر رمضان المبارك


أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا شفيع ذنوبنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
السادة العلماء، إخواني وأخواتي، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، والحمد لله الذي منَّ علينا بلقاءٍ جديد ومدَّ في أعمارنا ليستضيفنا في شهره وعلى مائدته، ولِتُتَاح لنا الفرصة الغالية التي كنَّا نخشى وما زلنا نخشى أن نفتقدها بين العام والعام.
نفتتح معاً موسم الأمسيات القرآنية في ليالي شهر رمضان المبارك ... كسُنَّةٍ حسنةٍ، نأمل أن تمتد وتتسع لتشمل كل المناطق اللبنانية وكل المساجد اللبنانية وكل الأحياء والبلدات والقرى، لنكون في الحقيقة أمام شكل أفضل ووضع أفضل من الإستفادة والتزود من بركات هذا الشهر العظيم. هذه الأمسيات التي نلتقي فيها في بيت من بيوت الله عزَّ وجل، وهذه السَّنة وهذا الموسم اختار الإخوة المشرفون على هذا البرنامج أن لا يختصر الإحياء وإقامة الأمسيات على مكان واحد، وإنما سوف ينتقل الإحياء إلى أكثر من مسجد وإلى أكثر من منطقة في بيروت والضاحية الجنوبية، يعني في العاصمة وفي الضاحية الجنوبية، ونأمل إن شاء الله من المؤمنين والمؤمنات، ومن اتباع هذا الرسول العظيم أن يشاركوا في هذا الإحياء بحضورٍ واهتمام وجِدٍّ، ليكون لهذه المناسبات جلالها وهيبتها وعظمتها وأجرها الكبير إن شاء الله.
هذا الشهر هو شهر القرآن، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ما أود أن أتحدث عنه في هذه الليلة المباركة وفي افتتاح هذه الأمسيات القرآنية، الذي أظنه مفيداً لجو الإحياء والمشاركة بشكل مباشر، هذا القرآن الذي نستمع إلى آياته في هذه الليالي، من السادة المقرئين من الأصوات الجميلة والأنفاس الطيبة، هذا القرآن بالدرجة الأولى له موقعه الكبير والعظيم عند الله سبحانه وتعالى، يكفي أن نذكُر ما وصف الله سبحانه وتعالى به هذا الكتاب الإلهي الخالد، ويكفينا هذا الوصف الإلهي بما يحدثنا عن مكانة القرآن عند الله سبحانه وتعالى، رب الأنبياء والمرسلين والخلائق أجمعين والعالمين، هو يحدثنا عن هذا الكتاب ويطلق عليه مجموعة من الصفات الجليلة، أذكر بعض ما ورد في هذا الخصوص، قال تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ(2) ، وقال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (3) ، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (4) ، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (5) ، وقال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ...(6) ، هذا بعض ما ورد، القرآن العظيم والمجيد والكريم، هذه صفات يطلقها الله العظيم والمجيد والكريم على كتابه وآياته وكلماته.
وثانياً: هذا القرآن الذي نستمع إلى آياته في هذه الأمسيات، تعهَّد الله سبحانه وتعالى منذ أن أنزله على قلب رسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنزلت الآيات والكلمات إلى هذه المرتبة من الوجود وإلى هذا العالم، تعهَّد الله تعالى بحفظه وصيانته، فهذا القرآن من أول حرف في أول كلمة منه إلى آخر حرف في آخر كلمة منه مصانٌ ومحفوظٌ من الله سبحانه الحفيظ العليم، هذا القرآن لم تمتد إليه ولا يمكن أن تصل إليه يد التحريف أو التشويه، وهذا هو الموقف الإسلامي الذي أجمع عليه المسلمون وأنَّ القرآن الموجود بين أيدينا هنا، هو الأحرف والكلمات القرآنية التي أنزلها الله تعالى على قلب رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا في الحقيقة هو جانب من جوانب المعجزة القرآنية، أن يبقى هذا القرآن مصاناً من التحريف: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (7) ، هذا قرار ووعد وتعهد ومشيئة إلهية، مع العلم أنَّه على مدى أكثر من ألف وأربعمئة سنة هناك أعداء كثر لهذا الكتاب الإلهي ولهذه الرسالة الإلهية، كانوا يسعون إلى تحريف هذا القرآن، إلى تزوير هذا القرآن، إلى تحريف أفكار ومعتقدات ومفاهيم هذا الإسلام المحمدي الأصيل، وكانوا يملكون من القدرة والطاقة والمال والجاه والسلطان والإمكانات، ولديهم من الدوافع والخلفيات ما يجعلهم يستنفرون كل طاقاتهم من أجل تحريفه، فلم يتمكن أحد لا الفلاسفة ولا العلماء ولا السلاطين ولا الحكام ولا أتباع الهوى ولا طلاب الفتن، لم يستطع أحد على مدار أكثر من ألف وأربعمائة سنة أن يَمَسَّ آية واحدة أو كلمة واحدة أو حرفاً واحداً من آيات وكلمات وحروف هذا الكتاب الإلهي بالتحريف أو بالتغيير.
وثالثاً: هذا الكتاب هو كتاب الإعجاز الخالد والمستمر، وهو كتاب التحدي الأبدي إلى قيام الساعة، لم يكن هذا الكتاب تحدياً لقريش ولا للعرب في شبه الجزيرة العربية في مرحلة من الزمن، وإنَّما هو تحدٍ لكل الناس في كل المراحل وعلى كل الصعد، ليس بالبلاغة فقط وإنَّما أيضاً في عظيم المضمون، وقال الله تعالى بما يؤكد هذا المعنى بشكل قاطع ونهائي: ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً(8) ، لو اجتمع الإنس والجن ليس في عصر من العصور، بل في كل العصور وجمعوا عقولهم وعلومهم وإمكاناتهم وقدراتهم الفكرية والثقافية وخبراتهم وكفاءاتهم، على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لن يأتوا بمثله، وقد تحداهم بما هو أكثر من ذلك بعشر سور ثمَّ تحداهم بسورة واحدة.
ورابعاً: لقد يسَّر الله تعالى هذا القرآن وفصَّله، وهنا جانب آخر من المعجزة، أن يتحدى الله العالمَ كله بقرآنٍ ميسَّر: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ(9) ،﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (10) ، فالله سبحانه وتعالى خاطب بلغة العرب بلغة قريش البشرية كلها، وبواسطة ووسيلة هذه اللغة، حشد كلّ هذا المضمون الكبير والعظيم وجمع كل هذه الكنوز، وضم كلَّ هذه الأسرار والبطون والنجوم وبلغة ميسّرة عربية بليغة كماءٍ صافٍ يستطيع كل إنسان أن يغرف من هذا الماء بقدر طاقته وبقدر ما يستطيع ويطيق ويحمل ويفهم ويستوعب. وبعد هذا التيسير دعانا لأن ننصت إلى الآيات والكلمات: ﴿ وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (11) ، وطلب منا أن نقرأ ما تيسَّر لنا حتى لو كنَّا مرضى أو على سفر أو في جهاد، أمرنا أن نقرأ ما تيسَّر منه، سواء كنَّا في المسجد أو في المتراس أو في الجبهة نحمل البندقية أو الكتاب في كل حال من أحوالنا، فلنقرأ ما تيسَّر من هذا القرآن. وعندما نقرأ فلنرتل:
﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً(12) ، لأنَّه عندما نرتِّل القرآن نستطيع أن نتفاعل مع ما نقرأ أكثر، ومع الإنصات والإستماع ومع القراءة والترتيل أمرنا بالتدبر والتأمل والتفكر، لا أن نعطي آذاننا، نسمع الكلمات والآيات وقلوبنا لاهية وعقولنا مشغولة بشأن آخر، هذه هي النقطة التي أريد أن أركز عليها قليلاً.
أيُّها الإخوة والأخوات، في هذه الأمسيات القرآنية، نحن نأتي إلى هنا في الليل نترك متاع الدنيا، وكثيراً من شهوات هذه الدنيا التي يُقبِل عليها كثير من الناس، نأتي إلى بيت من بيوت الله لنستمع إلى آياته، فلنستمع بتأمل، بتفكر، بإنصات، بتدبر، نتفكر بالآيات ومعاني الآيات ومضامين الآيات التي نستمع إليها، وهذه هي في الحقيقة الغرض الأساسي المرحلة الرئيسية، التيسير والإنصات والقراءة والتلاوة والإستماع هدفه في النهاية هو الفهم والإستيعاب والقبول، لنصل إلى مرحلة العمل بما نعلم التمسك بهذا القرآن، هذا التمسك الذي فيه عزُّ آخرتنا وعزُّ دنيانا، فيه نجاتنا وسعادتنا وخيرنا وفلاحنا.
أيُّها الإخوة الأعزاء والأخوات الكريمات: إسمحوا لي فقط أن أقف عند هذه النقطة قليلا، لأنَّني أعتبرها هي النقطة الجوهرية والرئيسية في إحياء هذه الأمسيات، أنقل إليكم بضع جمل من خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) المعروفة بخطبة المتقين يقول فيها الإمام (عليه السلام) وهو يصف المتقين في الليل ويصفهم في النهار، أنا سأنقل وصفهم بالليل باعتبار الصلة مع حديثي: «أَمَّا اَللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ؟ اَلْقُرْآنِ؟ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً» (13) ، هذا بالليل (طيب) على أي حال «تَالِينَ لِأَجْزَاءِ اَلْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً»، «يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ»، سأقرأ المقطع كله وسأرجع إليه لاحقاً، «أَمَّا اَللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ اَلْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى اَللهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ»، يصف حالتهم يعني ليست قراءة أنَّه أنا أريد ختم القرآن، لست في سباق أنَّه خلصت الجزء الأول وأريد الإنتهاء من الجزء الثاني، وإنما قراءة فيها عيش مع مضامين الآيات التي تتلى، «يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ»، والله تعالى يحب من المؤمن أن يقرأ القرآن بصوت جميل وحزين «يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ»، عندهم مرض، عندهم أمراض، أمراض فكرية، وأمراض نفسية، وأمراض روحية، وأمراض اجتماعية، يفتشون عن دواء أمراضهم وعلاج أمراضهم في آيات القرآن الذي أنزله الله شفاء ورحمة، فهم يفتشون عن علاجهم في هذه التلاوة، في هذه القراءة، في قلب هذه الآيات.«فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ»، جو القراءة أيضاً يساعد الإنسان للإنتقال إلى ذاك الجو، طريقة التلاوة وطريقة القراءة، الصوت الجميل الإيقاع والمقامات لا أعرف هذه المصطلحات جيداً، ولكن كلّها تساعد أن يخرج الإنسان من هذا الجو إلى جو الآيات مباشرة، «فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ» آيات تتحدث عن الجنَّة، جنَّات الخلد عن المتقابلين على سرر، عن الأكواب واللباس والولدان والحور والمقامات والقرب والرضوان والروح والريحان، «فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً»، يطمعون فيها، يركنون ويطمعون أن تكون لهم هذه الأوضاع وهذه المقامات وهذه الأحوال «وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا» وليس فقط تتطلع إليها بل تشتاق إليها «وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ»، وتصوروا أنَّها هي الآن أمامهم، هم في الحقيقة يشاهدون الجنَّة ومن في الجنَّة وما في الجنَّة وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، «وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ»، سرابيل القطران والنيران والجلود التي تنضج، والعذاب وما في ذلك من مشاهد القيامة وأحوال الموت والقبر والبرزخ «أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ»، هناك لأنَّه يوجد تشويق ركنوا، ينشد، يركن، يطمع يشتاق، هنا لأنَّه يوجد رهبة وخوف «أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ»، أنظروا الهدوء والرهبة والإنصات، ومثلما ظنوا في البداية كأنهم رأوا الجنَّة أمامهم «ظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ»، كأنَّهم يستمعون بقوّة إلى الزفير والشهيق المتصاعد من جهنَّم الغاضبة التي تطلب من الله سبحانه وتعالى مزيد الحطب من النَّاس والحجارة فهذا وضعهم عندما يتعاطون مع آيات التشويق يكون الأمر هكذا، ومع آيات التخويف هذه كيف يكون حالهم؟ توجَّه، «فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ»، يركعون يسجدون «مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ»، يعني في حالة السجود، «وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ»، كل هذه المساجد السبعة «يَطْلُبُونَ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ». ما نحتاجه ايَّها الإخوة في هذه الأمسيات هو هذا، أن نستمع إلى الآيات بمسامع قلوبنا، أن نصغي اليها ونعطيها كل أرواحنا وأنفسنا وعقولنا ووجودنا أن ننسى ما حولنا وما وراءنا وأن نطرد كلَّ خيالٍ يشغلنا عن الاستفادة من هذه الفرصة الجميلة التي تتيحها لنا هذه الأمسيات، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة شهر رمضان: «مَنْ تَلاَ فِيهِ آيَةً كَانَ لَهُ مِثْلُ مَنْ خَتَمَ اَلْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنْ اَلشُّهُورِ» (14) (يعني: لحقوا حالكم)، الذي يقرأ آية في هذا الشهر المبارك تماماً مثل الشخص الذي ختم القرآن بكامله في غير هذا الشهر المبارك، هل هناك فرصة أعظم من هذه؟ أكبر من هذه؟، ولكن هذا الأجر، هذا الثواب ينتظر التالين، المتدبرين، المنصتين، المتوجهين بعقولهم وقلوبهم إلى مضامين هذه الآيات، ولعلَّه حتى تلاوة الآية الواحدة في شهر رمضان لما لهذا الشهر من أجواء روحية خاصة ومن مشيئة إلهية خاصة ومن تفضيل إلهي خاص ومن وضع تكويني خاص وخصوصاً أنَّ الأنفس تكون في حالة تروُّض وتزهُّد بسبب الصيام، هذه الأنفس تكون مستعدة أكثر، مهيأة أكثر للتفاعل والتأثر بمضامين هذه الكلمات والآيات والمعاني.
أيُّها الإخوة لا يفوتني في النهاية أن أؤكد إلى جانب كلِّ هذا الاهتمام على لزوم العمل بالقرآن والتمسك بالقرآن، لأنَّه كما قلت في البداية هو أساس فلاحنا وعزنا ونجاتنا وانتصارنا، ويجب أن أذكّر في هذه الليلة في ليلة الإفتتاح وأؤكد في هذا الشهر الكريم، أنَّ ما شهدناه منذ عام ألف وتسعمائة وإثنين وثمانين إلى اليوم إلى هذه اللحظة من جهاد ودماء وتضحيات وصبر وزهد وتحمل وتعالٍ عن الصغائر وترفّع إلى مستوى قضايا الأمة، إنَّما هو ببركة الإلتزام الصادق والواعي والمخلص بهذا القرآن من قبل مجاهدي المقاومة الاسلامية وعوائل الشهداء والأسرى وعوائل الجرحى وكلّ أهلنا الصابرين المحتسبين الذين كانوا وما زالوا يؤيدون هذه المقاومة ويساندونها ويقفون إلى جانبها ويتحمّلون كلّ أصناف وألوان الإعتداءات الصهيونية المتكررة على القرى والبلدات والأحياء، يتحملون كلّ هذا. هذا النصر الذي صنعته هذه المقاومة، هو من نتاج هذا القرآن، هذا الكتاب الإلهي هذه الآيات والكنوز والكلمات الإلهية.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في أقطار الأرض لأداء حق هذا الكتاب الإلهي، وأن نكون من أهله وأصحابه وأن لا نهجره ولا يهجرنا في يوم من الأيام، وأن يوفقنا جميعاً لصيام هذا الشهر وقيامه والتزود من أيامه، ولإحياء ليالي القدر العظيمة والمباركة وأن يجعلنا سبحانه وتعالى من عتقائه من النار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


(1) - الزمان: عام 1419هـ، في مسجد الإمام القائم (عج).
(2)
-
سورة الواقعة، الآيات: من 75 إلى 80.
(3) - سورة البروج، الآيتان: 21 - 22.
(4) -
سورة الحجر، الآية: 87.
(5) -
سورة الإسراء، الآية: 9.
(6) -
سورة الإسراء، الآية: 82.
(7) - سورة الحجر، الآية: 9.
(8) - سورة الإسراء، الآية: 88.
(9) - سورة القمر، الآية: 17.
(10) - سورة فصِّلت، الآية: 3.
(11) - سورة الأعراف، الآية: 204.
(12) - سورة الزَّمِّل، الآية: 4.
(13) - نهج البلاغة: الخطبة 193 / ص 436 / المقطع من ص 438 / طبعة دار التعارف - بيروت.
(14) - مفاتيح الجنان: ص 235 / خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في استقبال شهر رمضان المبارك.

 

   التفسير والبيان

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) ﴾ سورة الحجرات


هذه الآية تعتبر العلاقة بين المؤمنين مثل علاقة الأخ بأخيه، وفي هذا التعبير نقاط جديرة بالاهتمام منها:
أ ـ إن الأخوَيْن وحدة واحدة في مواجهة الأجنبي، فكل واحد منهما عضد للآخر، يؤازره ويعضده.
ب ـ إنّ المحبة التي تربط الأخوَيْن أحدهما بالآخر محبة عميقة.
ج ـ تستخدم في عصرنا الراهن ألفاظ معينة وكلمات خاصة، مثل: الرفيق، الصديق، المواطن، الزميل، للتعبير عن العلاقة بين طرفين ولكن الإسلام يستخدم لفظة «الأخ» لأنها أعمق المصطلحات وأقواها دلالة وإيحاء.
د ـ المودة لدى الأخوَيْن مودّة متقابلة ومحبة متبادلة.
هـ. جاء في الحديث أن الأخوَيْن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى (1) .
في هذه الآية والآية التي سبقتها تكررت عبارة:
﴿
فَأَصْلِحُواْ ﴾ ثلاث مرّات، وهذا يدلّ على مدى اهتمام الإسلام بمسألة الصلح وقضية السلام.
حيث إنَّ للتنازع بين الأخوة آثاراً مرّة ومدمّرة كالتهاجر والتدابر، وسوء الظن، ورواج الدعايات السيئة وظاهرة الانتقام، كما أنَّ فتن ما بعد الحرب تتفاقم وتزداد عادة.
لذا جاء القرآن ببلاسم لتلك الجراحات الناجمة عن الحرب وذلك باستخدام ألفاظ مثل:﴿ فَأَصْلِحُواْ
... وَأَقْسِطُواْ ... يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ... إِخْوَةٌ ... أَخَوَيْكُمْ ... وَاتَّقُواْ ... تُرْحَمُونَ ﴾ .


دروسٌ وبصائر:
1 ـ إنَّ رمز الأخوّة يكمن في الإيمان لا غير، والعوامل الاقتصادية، والسياسية، والعرقية، والجغرافية، والتاريخية، و... لا يمكن أن توجد في الناس روح الأخوة: ﴿
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ أي المؤمنون لا غيرهم الذين يشعرون بالأخوة.
2 ـ إنَّ الأخوّة القائمة على أساس الإيمان ليست مشروطة بقيد الزمان، والعمر، والشغل والمكان ﴿
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ فالإطلاق دليل العموم...
3 ـ ينبغي أن لا يرى أحد نفسه أعلى وأرفع من الآخرين فالجميع إخوة، أجل: الوالدان أعلى مرتبة من الأخوة، ولكن الأخوة متساوون فيما بينهم.
4 ـ من أجل إقرار الصلح والتصالح لا بدَّ من استخدام الكلمات المزيجة باللهجة العاطفية والمثيرة للإحساس والاندفاع الإيجابي ﴿
إِخْوَةٌ .... فَأَصْلِحُواْ .... ﴾ .
5 ـ إنّ الإصلاح بين متنازعَيْن واجب على جميع المسلمين، وليس على فريق خاص ﴿
فَأَصْلِحُواْ ﴾ فهو خطاب موجه إلى الجميع بلا استثناء.
6 ـ الساعي إلى الإصلاح بين المؤمنين يجب أن يحسّ بأنه أخو المتنازعَيْن: ﴿
بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ أي لا بد أن يعتبر نفسه أخاً لهما، وينطلق في عملية الإصلاح من هذا المنطلق.
7 ـ للإصلاح بين متنازعَيْن كذلك آفات يجب الإلتفات والإنتباه إليها ﴿
فَأَصْلِحُواْ ... وَاتَّقُواْ ﴾ وبعض آفات الوساطة من أجل الإصلاح عبارة عن حب الظهور، والتوقعات الشخصية والظلم في إيجاد الإصلاح، والمنّ و....
8 ـ إن المجتمع المصاب بالتخاصم والتنازع محروم من استحقاق الرحمة الإلهيّة والتمتع: ﴿
فَأَصْلِحُواْ
... وَاتَّقُواْ .... تُرْحَمُونَ ﴾ .


حقوق الإخوة:
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «للمسلم على المسلم ثلاثون حقّاً لا براء له منها إلا بالأداء أو العفو»: يغفر زلّته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويردّ غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلّته، ويرعى ذمّته، ويعود مرضته، ويشهد ميتته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافي صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته ويحفظ حليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسئلته، ويسمّت عطسته، ويرشد ضالته ويردّ سلامه، ويطيب كلامه، ويبرّ إنعامه، ويصدّق أقسامه، ويوالي وليّه، ويعادي عدوّه وينصره ظالما ومظلوما فأمّا نصرته ظالما فيردّه عن ظلمه، وأمّا نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقّه، ولا يسلمه ولا يخذله ويحبّ له من الخير ما يحبّ لنفسه، ويكره له من الشرّ ما يكره لنفسه.
وقال الإمام علي(عليه السلام) لكميل: «يا كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه» (2) .
إنَّ الإنسان بالإيمان الكامل وحده يمكنه أن ينضم إلى جماعة أولياء الله تعالى: «سلمان منّا أهل البيت» (3) .
كما أنَّ بالكفر يخرج من هذا المدار كما قال الله تعالى في حق ولد نوح(عليه السلام) مخاطباً النبي نوح(عليه السلام) بقوله: ﴿
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ(4) - (5) .
 


(1) - المحجة البيضاء: للفيض الكاشاني.
(2) - تحف العقول: ص 171، باب وصيته لكميل.
(3) - بحار الأنوار: ج 1، ص 121.
(4) - سورة هود: الآية: 46.
(5) - تفسير سورة الحجرات: لسماحة الشيخ قراءتي ، ص128 (مع بعض التصرف) .

 

   التفسير والبيان

 

 

 سورة الأعراف مَكيَّة وَعَدَدُ آيَآتِهَا مَئتان وَستّ آياتْ

فضلها:


عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من قرأ سورة الأعراف جعل الله بينه وبين إبليس ستراً وكان آدم شفيعاً له يوم القيامة. وروى العياشي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: من قرأ سورة الأعراف في كلِّ شهر كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فإن قرأها في كلّ يوم جمعة كان ممن لا يحاسب يوم القيامة. قال أبو عبد الله(عليه السلام): أما إن فيها آيا محكمة فلا تدعوا قراءتها والقيام بها فإنها تشهد يوم القيامة لمن قرأها عند ربه (1) .


يقول سبحانه في بعض آياتها: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)(2) .


البيان:
﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ
﴾ أولم يتفكروا هؤلاء الكفار المكذبون بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبنبوته في أقواله وأفعاله فيعلموا أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بمجنون إذ ليس في أقواله وأفعاله ما يدل على الجنون.
﴿ إِنْ هُوَ ﴾ ما هو ﴿ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ منذر عن عذاب الله ﴿ مُّبِينٌ ﴾ واضح.
﴿
أَوَلَمْ يَنظُرُواْ ﴾ نظر اعتبار فيتفكروا ﴿ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ وعجيب صنعهما فينظروا فيها نظر المستدل المعتبر فيعترفوا بأن لهما خالقاً مالكاً ويستدلوا بذلك على وجوده ﴿ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ ﴾ أي وينظروا فيما خلق الله من أصناف خلقه فيعلموا بذلك أنه سبحانه خالق جميع الأجسام فإن في كل شيء خلق الله عزَّ وجل دلالة واضحة على إثباته وتوحيده ﴿ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ﴾ أي أفلم ينظروا احتمال اقتراب أجلهم فيبادروا إلى الإيمان ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ ﴾ أي بعد القرآن مع وضوح دلالته، والاستفهام للتوبيخ.
﴿ يُؤْمِنُونَ
﴾ مع وضوح الدلالة على أنه كلام الله المعجز ﴿ مَن يُضْلِلِ اللَّهُ ﴾ بتركه حتى يضل ﴿ فَلَا هَادِيَ لَهُ ﴾ يجبره على الإيمان ﴿ وَيَذَرُهُمْ ﴾ يتركهم ﴿ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ في ضلالتهم يتحيرون والعمى في القلب كالعمى في العين.
﴿
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ ﴾ أي القيامة ﴿ أَيَّانَ ﴾ متى ﴿ مُرْسَاهَا ﴾ إرسائها أي إثباتها ووقوعها ﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ﴾ أي إنما علم وقت قيامها ومجيئها عند الله تعالى، لا يعلم وقتها أحد ﴿ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا يظهرها ولا يكشف عن علمها ولا يبين وقتها إلا هو، فعنده علمها وبيده إقامتها ﴿ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ عظمت على أهل السماء والأرض لخوفهم منها ﴿ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ﴾ أي فجاة لتكون أعظم وأهول ﴿ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾ معناه يسألونك عنها كأنك حفي بها أي عالم بها قد أكثرت المسألة عنها، فتعلم وقتها ﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ﴾ فالله وحده يعلم وقتها ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أن علمها خاص بالله تعالى.

سبب النّزول:
روى المفسّرون أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حين كان بمكّة، صعد ذات ليلة على جبل الصفا ودعا الناس إلى توحيد الله، وخاصّة قبائل قريش، وحذرهم من عذاب الله، وقال: «إِنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قولوا، لا إله إلاّ الله تفلحوا» فقال المشركون: إنّ صاحبهم قد جُنّ، بات ليلا يصوت حتى الصباح، فنزلت الآيات (الثلاث الأولى) وألجمتهم وردت قولهم.
ورغم أنّ الآية لها شأن خاص، إلاّ أنّها في الوقت ذاته لمّا كانت تدعو إلى معرفة النّبي وهدف الخلق والتهيؤ للعالم الآخر، ففيها إرتباط وثيق بالمواضيع التي في شأن أهل الجنّة وأهل النّار.

أيّان يومُ القيامة؟!
وفقاً لمّا ورد في بعض الرّوايات (3) فإنّ قريشاً أرسلت عدّة أنفار إلى نجران ليسألوا اليهود الساكنين فيها ـ إضافة إلى المسيحيين هناك ـ مسائل ملتوية ثمّ يلقوها على النّبي عند رجوعهم إليه، ظنّاً منهم أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) سيعجز عن إجابتهم، ومن جملة هذه الأسئلة كان هذا السؤال: متى تقوم الساعة؟! فلما سألوا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ذلك السؤال نزلت الآية (187) محل البحث وأفحمتهم! (4) .


(1) - مجمع البيان:ج4، ص 8-6.
(2) - سورة الأعراف، الآيات: 184 - 187.
(3) - تفسير البرهان: ج2، ص 54.
(4) - يرى بعض المفسّرين كالمرحوم الطبرسي أن سبب النّزول هو في جماعة من اليهود الذين جاءوا النّبي وسألوه عن يوم القيامة، إلاّ أنّه لمّا كانت السورة نازلة في مكّة، ولم يكن بين النّبي واليهود فيها خصام وجدال، فهذا الموضوع مستبعد جدّاً.

 

   مناهج التفسير


 


إيضاح
وقبل الخوض في استعراض المناهج التي يغلب عليها الطابَع العقلي أو النقلي، نذكر نكتة في غاية الأهمية، وهي ضرورة التمييز بين موضوعين، هما:
1- المنهج التفسيري.
2- الاهتمام التفسيري.
فنقول: إنّ هاهنا بحثين:

الأوّل: البحث عن المنهج التفسيري لكل مفسّـر، وهو تبيين طريقة كل مفسر في تفسير القرآن الكريم، والأداة والوسيلة التي يعتمد عليها لكشف الستر عن وجه الآية أو الآيات؟ فهل يأخذ العقلَ أداةً للتفسير أو النقل؟ وعلى الثاني فهل يعتمد في تفسير القرآن على نفس القرآن، أو على السنّة، أو على كليهما، أو غيرهما؟
وبالجملة ما يتخذه مفتاحاً لرفع إبهام الآيات، وهذا هو ما نسمّيه المنهج في تفسير القرآن في بحثنا هذا.

الثاني: البحث عن الاتجاهات والاهتمامات التفسيرية، والمراد منها المباحث التي يهتم بها المفسّـر في تفسيره مهما كان منهجه وطريقته في تفسير الآيات، مثلاً تارة يتجه إلى إيضاح المادة القرآنية من حيث اللغة، وأُخرى إلى صورتها العارضة عليها من حيث الإعراب والبناء، وثالثة يتجه إلى الجانب البلاغي، ورابعة يعتني بآيات الأحكام، وخامسة يصبّ اهتمامه على الجانب التاريخي والقصصي، وسادسة يهتم بالأبحاث الأخلاقية، وسابعة يهتم بالأبحاث الاجتماعية، وثامنة يهتم بالآيات الباحثة عن الكون وعالم الطبيعة، وتاسعة يهتم بمعارف القرآن وآياته الاعتقادية الباقية عن المبدأ والمعاد وغيرهما، وعاشرة بالجميع حسبما أُوتي من المقدرة.
ولا شك أنّ التفاسير مختلفة من حيث الاتجاه والاهتمام، إمّا لاختلاف أذواق المفسرين وكفاءاتهم ومؤهّلاتهم، أو لاختلاف بيئاتهم وظروفهم، أو غير ذلك من العوامل التي تسوق المفسر إلى صبِّ اهتمامه إلى جانب من الجوانب المذكورة أو غيرها، ولكن البحث عن هذا لايمتّ بالبحث عن المنهج التفسيري للمفسّـر بصلة، فمن تصور أنّ البحث عن اختلاف الاهتمامات والاتجاهات راجع إلى البحث عن المنهج التفسيري فقد تسامح.
وإن شئت أن تفرق بين البحثين فنأتي بكلمة موجزة، وهي أنّ البحث في المناهج بحث عن الطريق والأُسلوب، والبحث في الاهتمامات بحث عن الأغراض والأهداف التي يتوخّاها المفسر، وتكون علة غائية لقيامه بالتأليف في مجال القرآن.

أنواع المناهج التفسيرية
إذا تبيّـن الفرق بين البحثين فنقول: إنّ التقسيم الدارج في تبيين المناهج هو أنّ المفسّـر إمّا يعتمد في رفع الستر عن وجه الآية على الدليل العقلي أو على الدليل النقلي، ونحن أيضاً نقتفي في هذا البحث أثر هذا التقسيم لكن بتبسيط في الكلام.

1 - تفسير القرآن في ظل العقل الصريح
قد يطلق التفسير بالعقل، ويراد به التفسير بغير النقل، سواء أكان التفسير بالعقل الفطري، أم بالقواعد الدارجة في المدارس الكلامية، أم بتأويلات الباطنية، أم الصوفية، أم التفسير حسب العلوم الحديثة.
والتفسير بالعقل بهذا المعنى يعم جميع هذا النوع من التفسير. وبهذا صار أيضاً ملاكاً لتقسيم المناهج التفسيرية إلى المنهج العقلي والنقلي.
وقد يطلق ويراد به تفسير الآيات من منظار العقل الفطري والعقل الصريح والبراهين المشرقة غير الملتوية الواضحة لكلّ أرباب العقول، وهذا هو المراد في المقام، وهو بهذا المعنى قسم من المناهج التفسيرية العقلية فلاحظ (1) .
وبما أنَّ العقل الصريح يقسم إلى عقل نظري (2) وإلى عقل عملي، فالآيات الواردة حول العقائد والمعارف تفسر في ظل العقل النظري، كما أنّ الآيات الواردة حول الحقوق والأخلاق والاجتماع تفسر بما هو المسلم عند العقل العملي.
ولأجل إيضاح هذا النوع من التفسير بالعقل الذي يفارق التفسير على سائر المعايير العقلية كما أشرنا إليها، نذكر نماذج في مجالي العقل النظري والعقل العملي، ولنقدّم الكلام في الأوّل على الثاني.


واحد لا ثاني له
يقول سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(3) فالآية تنفي أن يكون له سبحانه أيُّ مثل وندّ، وفي سورة أُخرى يقول: ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ(4) وهذه عقيدة صريحة إسلامية، يمكن أن يفسر في ضوء الحكم العقلي كالتالي.

أ. صرف الوجود لا يتعدّد:
إذا كان الموجود منزهاً عن كلّ حد وقيد بحيث ليس له واقعية سوى الوجود المطلق فهو لا يتكرر ولا يتعدد، بمعنى أنَّه لا تتعقل له الاثنينية والكثرة، لأنّ ما فرضته ثانياً بحكم أنَّه أيضاً منزه عن كلّ قيد وحدّ وخليط يكون مثل الأوّل فلا يتميز ولا يتشخص، وقد فسّر الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) الآية على ضوء هذا الحكم العقلي.
روى الصدوق أنّ أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أتقول: إنّ الله واحد، قال فحمل الناس عليه، وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب، فقال أمير المؤمنين: «دعوه، فإنَّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم»... ثمّ قال شارحاً ما سأله عنه الأعرابي: «وقول القائل واحد، يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنّه كفر من قال: ثالث ثلاثة».
ثمّ قال: «معنى هو واحد: أنَّه ليس له في الأشياء شِبْه، كذلك ربّنا، وقول القائل إنّه عزّ وجلّ أحديُّ المعنى يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربّنا عزّ وجلّ» (5) .
فالإمام(عليه السلام) لم يكتف ببيان المقصود من وصفه سبحانه بأنّه واحد، بل أشار إلى معنى آخر من معاني توحيده وهو كونه أحديّ الذات، الذي يهدف إلى كونه بسيطاً لا جزء له في الخارج والذهن. و التوحيد بهذا المعنى هو القسم الثاني من التوحيد الذاتي المبحوث عنه في محلّه.

ب. التعدّد يستلزم التركيب:
لو كان هناك واجب وجود آخر لشارك الواجبان في كونهما واجبي الوجود، ولابدّ من تميز أحدهما عن الآخر بشيء وراء ذلك الأمر المشترك، كما هو الحال في كلّ مثلين، وذلك يستلزم تركب كلّ منهما من شيئين: أحدهما يرجع إلى ما به الاشتراك، والآخر إلى ما به الامتياز، والمركب بما أنّه محتاج إلى أجزائه لا يكون موصوفاً بوجوب الوجود، بل يكون ـ لأجل الحاجة ـ ممكناً وهو خلاف الغرض.
وباختصار لو كان في الوجود واجبان للزم إمكانهما وذلك أنَّهما يشتركان في وجوب الوجود فإن لم يتميّزا لم تحصل الاثنينية، وإن تميّزا لزم تركب كلّ واحد منهما ممّا به المشاركة وما به الممايزة، وكلّ مركب ممكن فيكونان ممكنين، وهذا خلاف الفرض.

ج. الوجود اللامتناهي لا يقبل التعدّد:
هذا البرهان مؤلّف من صغرى وكبرى والنتيجة هو وحدة الواجب وعدم إمكان تعدّده، وإليك صورة القياس حتى نبرهن على كلّ من صغراه وكبراه.
وجود الواجب غير متناه.
وكلّ غير متناه واحد لا يقبل التعدّد.
فالنتيجة وجود الواجب واحد لا يقبل التعدّد.
وإليك البرهنة على كلّ من المقدّمتين.
أمّا الصغرى: فإنَّ محدودية الموجود، ملازمةٌ لتلبّسه بالعدم. ولأجل تقريب هذا المعنى لاحظ الكتاب الموضوع بحجم خاص، فإنَّك إذا نظرت إلى أيّ طرف من أطرافه ترى أنّه ينتهى إليه وينعدم بعده، ولا فرق في ذلك بين صغير الموجودات وكبيرها، حتّى أنّ جبال الهملايا مع عظمتها محدودة لا نرى أي أثر للجبل بعد حدّه. وهذه خصيصة كلّ موجود متناه زماناً أو مكاناً أو غير ذلك، فالمحدودية والتلبس بالعدم متلازمان.
وبتقرير آخر: إنَّ عوامل المحدودية تتمحور في الأُمور التالية:
1- كون الشيء محدوداً بالماهية ومزدوجاً بها، فإنَّها حد وجود الشيء والوجود المطلق بلا ماهية غير محدد ولا مقيد وإنّما يتحدّد بالماهية.
2- كون الشيء واقعاً في إطار الزمان، فهذا الكم المتصل (الزمان) يحدّد وجود الشيء في زمان دون آخر.
3- كون الشيء في حيّز المكان، وهو أيضاً يُحدّد وجود الشيء ويخصّه بمكان دون آخر.
وأمّا الكبرى فهي واضحة بأدنى تأمل، وذلك لأنّ فرض تعدّد اللا متناهي يستلزم أن نعتبر كلّ واحد منهما متناهياً من بعض الجهات حتى يصحّ لنا أن نقول هذا غير ذاك، ولا يقال هذا إلاّ إذا كان كلّ واحد متميزاً عن الآخر، والتميّز يستلزم أن لا يوجد الأول حيث يوجد الثاني، وكذا العكس. وهذه هي «المحدودية» وعين «التناهي»، والمفروض أنَّه سبحانه غير محدود ولا متناه.
فيستنتج من هاتين المقدّمتين أنَّ وجود الواجب واحد لا يقبل التعدّد.
ومن لطيف القول ما نجده في كلامه سبحانه حيث إنّه بعد ما يصف نفسه بالوحدانية يعقبه بوصف القهارية ويقول ﴿ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (6)، وما ذلك إلاّ لأنّ المحدود المتناهي مقهور للحدود والقيود الحاكمة عليه، فإذا كان قاهراً من كلّ الجهات لم تتحكم فيه الحدود، فكأنّ اللا محدودية تلازم وصف القاهرية وقد عرفت أنّ ما لا حدّ له يكون واحداً لا يقبل التعدّد، فقوله سبحانه: ﴿ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ من قبيل ذكر الشيء مع البيّنة والبرهان.

د- لا مدبر للكون إلاّ الله:
إنَّ القرآن يستدلّ على وحدة المدبر ببرهان شيق، ويقول: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(7) والمراد من الإله في المقام هو الإله الخالق رداً للثنوية الذين يظنون أنَّ خالق الخير غير خالق الشر أو النصرانية حيث ذهبت إلى التثليث.
وحاصل البرهان: إذا افترضنا أنَّ للكون خالقين وأنَّ العالم مخلوق لإلهين، فإنّه لابدّ أن نقول ـ و بحكم كونهما اثنين ـ إنّهما يختلفان عن بعض في جهة أو جهات، وإلاّ لما صحّت الاثنينية والتعدّد أي لما صحّ ـ حينئذ ـ أن يكونا اثنين دون أن يكون بينهما أي نوع من الاختلاف.
ومن المعلوم أنّ الاختلاف في الذات سبب للاختلاف في طريقة التدبير والإرادة بين المختلفين ذاتاً.
فإذا كان تدبير العالم العلوي ـ مثلاً ـ من تدبير واحد من الإلهين وتدبير العالم السفلي من تدبير إله آخر، فإنَّ من الحتمي أن ينفصم الترابط بين نظامي العالمين ويزول الارتباط بينهما، لأنّه من المستحيل تدبير موجود ذي أجزاء منسجمة بتدبيرين متنافيين متضادين.
وينتج من ذلك التفكك بين جزئي العالم، وبالتالي فساد الكون بأسره من سماوات وأرض وما بينهما، لأنّا جميعاً نعلم بأنّ بقاء النظام الكوني ناشئ من الارتباط الحاكم على أجزاء المنظومة الشمسية بحيث لو فقد هذا الارتباط على أثر الاختلاف في التدبير ـ مثل أن تختل قوتا الجذب والدفع ـ لتعرّض الكون بأسره للخلل ولم يبق للكون وجود ولا أثر.
هذا هو البرهان المشرق الذي يفسر الآية بالعقل الصريح.
إلى هنا تبيّن كيفية تفسير الآية بالعقل الصريح، وقد أتينا بنموذجين من هذه المقولة، أعني:
أ. واحد لا ثاني له.
ب. ليس للعالم مدبّر سواه.
فالنموذجان من قبيل تفسير الآية بالعقل الصريح النظري في مقابل التفسير بالعقل الصريح العملي (8) .


(1) - والعقل بالمعنى الأوّل مقسم للمناهج الستة، وبالمعنى الثاني قسم منه. 
(2) - المراد من العقل النظري: إدراك ما يجب أن يعلم، كحاجة الممكن إلى العلة ، والمراد من العقل العملي، إدراك ما يجب أن يعمل ويطبَّق على الحياة، كقولنا: العدل حسن والظلم قبيح.
(3) - سورة الشورى، الآية: 11.
(4) - سورة الإخلاص، الآية: 4. 
(5) - توحيد الصدوق: 83-84. 
(6) - سورة الرعد، الآية: 19.
(7) - سورة الأنبياء، الآية: 22.
(8) - دروس في مناهج التفسير (جمعية القرآن الكريم) . 

 

 علوم قرآنية

 

السورة في القرآن


1 - معنى السورة:
جاءت كلمة «سورة» في اللغة مهموزة، وغير مهموزة.
أولاً: في الحالة الأولى من «السَؤْر» بمعنى ما بقى وما فضل من الماء أو أي شيء آخر، وجمعه أسآر.
ثانياً: غير المهموز، وتأتي تارة من «سور» بمعنى الحائط والحصن، مثلما تُسَمّي العرب الحائط الذي يحيط المدينة «سور المدينة»، قال الراغب: سور المدينة حائطها المشتمل عليها، وسورة القرآن تشبيهاً بها لكونه محاطاً بها، إحاطة السور بالمدينة (1) .
والسور بهذا المعنى يجمع على أسوار وسيران.
ثالثاً: السور في الأصل بمعنى العلو والمنزلة، قال ابن فارس: السين والواو والراء أصل واحد يدلُّ على علوٍّ وارتفاع.
قال النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر:
ألم تر أنَّ الله اعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب.
وتكون السورة بمعنى المقام والمنزلة إذا جمعت على صيغة السور، والسُوَر والسُورات والسُوَرات، وكل واحد من المعاني الثلاثة المذكورة آنفاً ينسجم مع السورة في المصطلح القرآني بما تعنيه من قطعة معينة تبدأ بالبسملة.
وأما إذا كانت ذات جذر مهموز فلأنَّ القطعة من القرآن تُسمّى سورة، أو لأنَّ سورة القرآن كالسور الحصين الذي لا يمكن اختراقه، مثلما يحيط سور المدينة بها وبما فيها، فالسورة تحيط بالآيات وتجمعها.
وبالمعنى الثالث أيضاً تكون السورة بمعنى المنزلة الرفيعة لأنها كلام الله، ولها منزلة رفيعة ؛ أو لأنَّ قراءتها تؤدّي إلى رفعة القارىء وعلو مقامه.
ويبدو أن الرأي الثالث هو الأصح بين الآراء الثلاثة؛ لأنَّ السورة في اصطلاح القرآن تُجمع على وزن سُور، وهذا الجمع يصح في المعنى الثالث فقط.
جاءت كلمة «سورة» بصيغة المفرد وبمعناها الاصطلاحي في تسعة مواضع القرآن الكيريم، نذكر منها على سبيل المثال قوله تعالى: ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ(2) .


2 - أوّل وآخر سورة:
أولاً: أوّل سورة:
قال البعض أنَّ أوّل ما نزل من القرآن سورة فاتحة الكتاب، قال الزمخشري:
وأكثر المفسّرين على أنَّ الفاتحة أوّل ما نزل ثم سورة القلم (3) .
إلا أنَّ هذا الرأي غير صائب ؛ لأنَّ من يقول به من المفسّرين قليل جداً، هذا أوّلاً، وأما باعتبار نزول الآيات، فقد نزلت قبلها خمس آيات من سورة العلق، ولم يذكر الزمخشري المفسرين الذين ادّعى أنهم يقولون بهذا الرأي، ولكنه ذكر في الموضع نفسه أنَّ ابن عباس ومجاهداً اعتبرا سورة العلق أوّل سورة نزلت.
وعلى أساس رواية جابر بن زيد كانت سورة «فاتحة الكتاب» من حيث ترتيب النزول خامس سورة نزلت ، أي في عداد أوائل ما نزل من السُوَر، ويُستفاد مما جاء في كتب التاريخ والسيرة أنَّ الرسول كان يصلّي منذ أوائل بعثته، وكان يقتدي به جماعة منهم علي وخديجة، وجاء في الروايات أيضاً: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب». وهذا يستدعي أن تكون فاتحة الكتاب من عتائق سُوَر القرآن، وأنها قد نزلت كاملة في أوّل البعثة.

ثانياً: آخر سورة:
هناك ثلاثة آراء في آخر سورة نزلت: فمنهم من قال أنها سورة المائدة، وقال آخرون أنها سورة براءة، بينما قال غيرهم أنها سورة النصر.
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: أول ما نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقرأ باسم ربّك، وآخر ما نزل عليه: إذا جاء نصر الله والفتح (4) .
قال كثيرون أنَّ سورتي المائدة وبراءة آخر ما نزل من السُوَر. ولكن لا بمطلق القول، بينما سورة التوبة باعتبار أوّل آياتها كانت آخر سورة، وآخر سورة نزلت بشكل كامل سورة النصر.
قال ابن عباس: كانت سورة (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ) آخر سورة نزلت بالتمام.
قيل إن سورة «النصر» لما نزلت قرأها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها العباس فبكى فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك يا عم؟ قال: اظن أنه قد نُعيت إليك نفسك يا رسول الله» (5) .


3 - تقسيم القرآن إلى سور:
ذكر المختصون في الدراسات القرآنية فوائد لتقسيم القرآن إلى سُوَر مختلفة، ومن المؤكد أن هناك حكمة أرادها الله من وراء تقسيم كتابه الخالد إلى مثل هذا التقسيم، وقد استخدمت في القرآن الكريم أدَقّ الصياغات والأساليب، وكان هناك إهتمام خاص حتّى في تنظيم حروفه وكلماته.
وقد سبق أن ذكرنا بعض فوائد تقسيم القرآن إلى سور، ومن المؤكد أن فوائد هذا التقسيم لا تقتصر على ما سبق ذكره، ويمكن أن نضيف إليها الفوائد التالية:

أوّلاً : الأهداف والموضوعات المختلفة في القرآن: ففي الكثير من السُوَر هناك هدف خاص تدور حوله كل آيات تلك السور، حتى أن بعض المفسرين يرى أن لكل سورة غاية معيَّنة تهدف إليها (6) . وهذه الغاية المعيَّنة تجعل الآيات المعنية إلى جانب بعضها على شكل سورة نذكر منها على سبيل المثال سورة يوسف، أو سورة النمل، أو سورة الفيل، حيث تختص كل سورة ببيان تاريخ نبي أو واقعة تاريخيَّة.

ثانياً : السهولة في تعليم وحفظ وقراءة القرآن: من الطبيعي أن الفصل بين القرآن يُسهّل تعلّمه وحفظه لكل من لديه رغبة وشغف بكتاب الله؛ لأن القارىء عندما ينتهي من سورة، يجد في نفسه رغبة لقراءة سورة أخرى وهذه الظاهرة مشهورة أكثر في حفظ القرآن، لأن تقسيم القرآن إلى أجزاء أصغر وإلى طوال وقصار، يحل مشكلة الحفظ، وإلاّ فان الرغبة في الحفظ تقل، ويصبح الحفظ أصعب.

ثالثاً : صيانة القرآن من التحريف: أحد جوانب الابداع والاعجاز في القرآن هو تقسيمه إلى أجزاء تُسمّى بالسُوَر، فهذا مما يسهّل حفظها، وخاصة السُوَر المكية التي جاءت في بداية نزول القرآن قصيرة وموزونة، وكل مسلم يحفظ على الاقل عدداً منها، وتشير طبعاً إلى أنَّ حفَّاظ القرآن الكريم لم يكونوا قليلين.

رابعاً : تعذّر الإتيان بمثيل للقرآن حتى بالنسبة إلى أقصر سورة: إن تقسيم القرآن إلى سُوَر ذات اختلاف شاسع في الآيات، يُعد ظاهرة أخرى تلفت الانتباه؛ لأن القرآن الذي دعا الجميع في آيات التحدي إلى المنازلة والاتيان بسورة واحدة مثل القرآن إن استطاعوا، قد أشار بتقسيمه إلى سُوَر طوال وقصار، إلى حقيقة أنَّ طول السورة ليس شرطاً للاعجاز، بل إن كل سورة مهما قصرت تمثل ذروة الاعجاز والعظمة.


الخلاصة:
1 - السورة بمعنى العلو والمكانة الرفيعة، وتطلق على مجموعة من الآيات القرآنيَّة التي تبدأ بـ«بسملة» (باستثناء سورة التوبة) لأنها كلام الله ولها منزلة رفيعة، أو لأنَّ تلاوتها توجب رفعة منزلة ومقام القارىء.
2 - بعض أسباب تقسيم القرآن إلى سُوَر هي: الموضوعات المختلفة لكل سورة، وسهولة تعلّم وحفظ وقراءة القرآن، وحفظ القرآن من التحريف، وبيان اعجازه حتّى في السُوَر القصيرة.
3 - تُقسم سُوَر القرآن إلى أربع مجموعات هي: السَبْع الطُول، المئون، المثاني، المفصّل (7) .


(1) - مفردات ألفاظ القرآن ، الإتقان، ج1، ص165.
(2) - سورة النور، الآية: 1.
(3) - الكشاف: ج4، ص766.
(4) - الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص378.
(5) - مناهل العرفان: ج1، ص100 ؛ التمهيد في علوم القرآن: ج1، ص129 ؛ الميزان: ج20، ص378. 
(6) - راجع الميزان في أوائل تفسير السُوَر.
(7) - المصدر: دروس في علوم القرآن الكريم لحسين جوان آراسته، ص97، (مع بعض التصرف) .

 

   التفسير والبيان

  معجم المفسرين
  التفسير: تفسير نور الثقلين .



المؤلف: الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي.

عدد المجلدات: خمسة.

طبعات الكتاب: طبع في ايران، قم المقدسة، مطبعة الحكمة، الطبعة الأولى، سنة ١٣٨٣ هـ، الطبعة الثانية (بدون تاريخ) .

حياة المؤلف: ولد في قرية «الحويزة» من قرى خوزستان الايرانية، ثم سكن في شيراز، عاصر الشيخ الحر العاملي، صاحب وسائل الشيعة، والشيخ البحراني صاحب تفسير «البرهان» وهؤلاء العلماء يمثلون اتجاهاً عاماً في الشريعة والفقه والحديث والأصول والتفسير يعرف بالاتجاه «الاخباري»
كان عالماً فاضلاً فقيهاً محدثاً ثقة ورعاً شاعراً أديباً جامعاً للعلوم والفنون، ولم يثبت أصحاب التراجم، تاريخ ولادته، ولكنه من اعلام القرن الحادي عشر الهجري، توفي في شيراز سنة ١١١٢ هـ - ١٧٠٠ م.

منهجه:
يحتوي تفسيره الكثير من روايات أهل البيت (عليهم السلام) الواردة في تفسير آي القرآن الكريم، أو التطبيق والجري على طريق الأئمة المعصومينR من مصادر مختلفة، ولم يتكلم في تفسير ألفاظ الآية واعرابها وقراءتها، ولا يشمل جميع القرآن، لأنه لم يورد تفسير الكثير من الآيات، لعدم ورود الروايات الخاصة بتفسيرها، ومع فطنته والتفاته لبعض الروايات الضعيفة، إلا أنه أورد بعض الروايات التي لا يمكن الاستسلام لها.

 

 قصص قرآنية

 

قصة أصحاب الأخدود

 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
سورة يوسف، الآية: 111
 



قال سبحانه: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) (1) .


من هم أصحاب الاُخدود؟

«الاُخدود» هو الشق العظيم في الأرض، أو الخندق.. وهو في الآية إشارة إلى تلك الخنادق التي ملأها الكفار ناراً ليردعوا فيها المؤمنين بالتنازل عن إيمانهم والرجوع إلى ما كانوا عليه من كفر وضلال.
ولكن.. متى حدث ذلك؟ في أيّ قوم؟ وهل حدث مرّة واحدة أم لمرّات؟ في منطقة أم مناطق؟
جرى بين المفسّرين والمؤرخين مخاض طويل بخصوص الإجابة عن هذه الأسئلة.
والمشهور: إنّ الآية قد اشارت إلى قصة (ذو نواس)، وهو آخر ملوك «حِميَر» (2) في أرض »اليمن».
وكان «ذو نواس» قد تهوّد، واجتمعت معه حمير على اليهودية، وسمّى نفسه (يوسف)، وأقام على ذلك حيناً من الدهر، ثمّ اُخبر أنّ «بنجران» (شمال اليمن) بقايا قوم على دين النصرانية، وكانوا على دين عيسى(عليه السلام) وحكم الإنجيل، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية، ويدخلهم فيها، فسار حتى قدم نجران، فجمع مَن كان بها على دين النصرانية، ثمّ عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها، فأبوا عليه، فجادلهم وحرص الحرص كلّه، فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها، واختاروا القتل، فاتخذ لهم اُخدوداً وجمع فيه الحطب، وأشعل فيه النّار، فمنهم مَن اُحرق بالنّار، ومنهم مَن قُتل بالسيف، ومُثّل بهم كلّ مثلة، فبلغ عدد مَن قُتل واُحرق بالنّار عشرين ألفاً (3) .
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر، فلما مرض الساحر، قال: إني قد حضر أجلي فادفع إلي غلاماً أعلمه السحر، فدفع إليه غلاماً وكان يختلف إليه وبين الساحر والملك راهب، فمر الغلام بالراهب فأعجبه كلامه وأمره فكان يطيل عنده القعود فإذا أبطأ عن الساحر ضربه، وإذا أبطأ عن أهله ضربوه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: يا بني إذا استبطأك الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا استبطأك أهلك، فقل: حبسني الساحر، فبينما هو ذات يوم! إذا بالناس قد حبستهم دابة عظيمة فظيعة، فقال: اليوم أعلم أمر الساحر أفضل أم أمر الراهب، فأخذ حجراً، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فاقتل هذه الدابة، فرمى فقتلها ومضى الناس فأخبر بذلك الراهب، فقال: أي بني إنك ستبتلى وإذا ابتليت فلا تدل علي، قال: وجعل يداوي الناس فيبرىء الأكمه والأبرص فبينما هو كذلك؛ إذ عمي جليس للملك فأتاه وحمل إليه مالاً كثيرا، فقال: اشفني ولك ما هاهنا، فقال: إني لا أشفي أحداً ولكنَّ الله يشفي فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، قال: فآمن فدعا الله له فشفاه فذهب فجلس إلى الملك، فقال: يا فلان من شفاك، قال: ربي، قال: أنا، قال: لا ربي وربك الله، قال: أوإنَّ لك ربا غيري ؟ قال: نعم ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل به حتى دله على الغلام، فبعث إلى الغلام، فقال: لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه والأبرص، قال: ما أشفي أحداً ولكنَّ الله ربي يشفي، قال: أوإن لك ربا غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل به حتى دله على الراهب، فوضع المنشار عليه فنشره حتى وقع شقين، وقال للغلام: ارجع عن دينك، فأبى فأرسل معه نفراً، وقال: اصعدوا به جبل كذا وكذا فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه منه، قال: فعلوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، قال: فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعون! وجاء إلى الملك، فقال: ما صنع أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فأرسل به مرة أخرى، قال: انطلقوا به فلججوه في البحر فإن رجع وإلا فغرقوه، فانطلقوا به في قرقور فلما توسطوا به البحر، قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، قال: فانكفأت بهم السفينة وجاء حتى قام بين يدي الملك، فقال: ما صنع أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، ثمَّ قال: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، أجمع الناس، ثمَّ اصلبني على جذع، ثمَّ خذ سهما من كنانتي، ثمَّ ضعه على كبد القوس، ثمَّ قل: باسم رب الغلام، فإنك ستقتلني، قال: فجمع الناس وصلبه، ثمَّ أخذ سهما من كنانته فوضعه على كبد القوس وقال: باسم رب الغلام ورمى فوقع السهم في صدغه ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فقيل له أرأيت ما كنت تخاف؟ قد نزل والله بك آمن الناس، فأمر بالأخدود فخددت على أفواه السكك، ثمَّ أضرمها ناراً، فقال: من رجع عن دينه فدعوه ومن أبى فأقحموه فيها؟ فجعلوا يقتحمونها وجاءت امرأة بابن لها، فقال لها: يا أمَّه اصبري فإنك على الحق، وقال ابن المسيب: كنا عند عمر بن الخطاب إذ ورد عليه أنهم احتفروا فوجدوا ذلك الغلام وهو واضع يده على صدغه فكلما مدت يده عادت إلى صدغه! فكتب عمر واروه حيث وجدتموه. وروى سعيد بن جبير، قال: لما انهزم أهل اسفندهان، قال عمر بن الخطاب: ما هم يهود ولا نصارى ولا لهم كتاب وكانوا مجوساً، فقال علي بن أبي طالب(عليه السلام): بل قد كان لهم كتاب ولكنه رفع وذلك أن ملكاً لهم سكر فوقع على ابنته أو قال: على أخته، فلما أفاق، قال لها، كيف المخرج مما وقعت فيه؟ قالت: تجمع أهل مملكتك وتخبرهم أنك ترى نكاح البنات وتأمرهم أن يحلوه فجمعهم فأخبرهم فأبوا أن يتابعوه، فخد لهم أخدوداً في الأرض وأوقد فيه النيران وعرضهم عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار ومن أجاب خلى سبيله. وقال الحسن: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ذكر أمامه أصحاب الأخدود تعوذ بالله من جهد البلاء. وروى العياشي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: أرسل علي(عليه السلام) إلى أسقف نجران يسأله عن أصحاب الأخدود فأخبره بشيء فقال(عليه السلام): ليس كما ذكرت ولكن سأخبرك عنهم. إن الله بعث رجلاً حبشياً نبياً وهم حبشة فكذبوه فقاتلهم فقتلوا أصحابه وأسروه وأسروا أصحابه، ثمَّ بنوا له حيراً، ثمَّ ملأوه ناراً، ثمَّ جمعوا الناس، فقالوا: من كان على ديننا و أمرنا فليعتزل ومن كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار معه؟ فجعل أصحابه يتهافتون في النار فجاءت امرأة معها صبي لها ابن شهر فلما هجمت على النار هابت ورقت على ابنها فناداها الصبي لا تهابي وارمي بي وبنفسك في النار! فإن هذا والله في الله قليل فرمت بنفسها في النار وصبيها وكان ممن تكلم في المهد. وبإسناده عن ميثم التمار، قال: سمعت أمير المؤمنين(عليه السلام) وذكر أصحاب الأخدود، فقال: كانوا عشرة وعلى مثالهم عشرة يقتلون في هذا السوق. وقال مقاتل: كان أصحاب الأخدود ثلاثة: واحد بنجران، والآخر بالشام، والآخر بفارس، حرقوا بالنار؛ أما الذي بالشام فهو أنطياخوس الرومي، وأما الذي بفارس فهو بخت نصر، وأما الذي بأرض العرب فهو يوسف بن ذي نواس، فأما من كان بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهما قرآنا وأنزل في الذي كان بنجران؛ وذلك أن رجلين مسلمين ممن يقرؤون الإنجيل (أحدهما) بأرض تهامة (والآخر) بنجران اليمن أجر أحدهما نفسه في عمل يعمله فجعل يقرأ الإنجيل فرأت ابنة المستأجر النور يضيء من قراءة الإنجيل فذكرت لأبيها فرمق حتى رآه فسأله فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره بالدين والإسلام فتابعه مع سبعة وثمانين إنساناً من رجل وامرأة وهذا بعد ما رفع عيسى إلى السماء، فسمع يوسف بن ذي نواس بن شراحيل بن تبع الحميري، فخد لهم في الأرض وأوقد فيها فعرضهم على الكفر فمن أبى قذفه في النار ومن رجع عن دين عيسى لم يقذف فيها وإذا امرأة جاءت ومعها ولد صغير لا يتكلم فلما قامت على شفير الخندق نظرت إلى ابنها فرجعت فقال لها: يا أماه إني أرى أمامك ناراً لا تطفى؛ فلما سمعت من ابنها ذلك؛ قذفها في النار فجعلها الله وابنها في الجنة وقذف في النار سبعة وسبعون إنسانا قال ابن عباس: من أبى أن يقع في النار ضرب بالسياط فأدخل الله أرواحهم في الجنة قبل أن تصل أجسامهم إلى النار (4) .

 
عبرة من القصة:

في قصص الأولين وما يجري عند الآخرين، ثمّة وقائع رائعة في الثبات على الإيمان فقد تحمل البعض الحرق في النّار وأشدّ من ذلك على أن يترك طريق الحقّ أو العدول عن دينه فما كان منهم إلا الثبات عليه.
وها هي «آسية» زوجة فرعون شاخصة بما تحملت من عذاب بسبب تصديقها بنبيّ الله موسى(عليه السلام) وإيمانها برسالته، حتى انتهى بها المطاف للإرتواء من كأس الشهادة.
ومن تاريخنا.. هناك قصّة عمار بن ياسر وأبويه وأمثالهم، وأهم من كلّ ذلك ما جرى للحسين(عليه السلام) وأصحابه في ميدان التضحية والفداء (كربلاء)، وكيف أنّهم قد تسابقوا على شرف نيل وسام الشهادة، كما هو معروف في التاريخ.
وها هو عصرنا يرينا الكثير من صور التضحية والفداء في سبيل إعلاء كلمة الحقّ وحفظ الدين القويم.
اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَى دِينِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الصَّابِرِينَ عَلَى الأَذَى الذِي سَيُلْحِقُهُ الأعْدَاءُ بِنا، وَتَوَفَّنَا وَنَحْنُ مُتَّبِعُونَ دِينَكَ وَنَبِيِّكَ، مُسْتَسْلِمُونَ لِقَضَائِكَ. اَللّهُمَّ اِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَديلَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ.


(1) سورة البروج.
(2) -
حمير: إحدى قبائل اليمن المعروفة.
(3) -
تفسير علي بن ابراهيم القمي، ج2، ص414.
(4) -
مجمع البيان: ج10، موضع تفسير الآيات.

 

   القرآن ونهج البلاغة

 

تـَـوْصـِيفُ اَلْقُرْآنِ

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


من خطبة لأمير المؤمنين(عليه السلام) فيها نعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وطيب أصله، وبركة فرعه، وعظمة كتابه وبرهانه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.


من خطبة له (عليه السلام) في صفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليه السلام) ولزوم اتباع طريقتهم وفيها وعظ بالتقوى وتوصيف للقرآن.

يقول الامام(عليه السلام): «بَعَثَهُ بِالنُّورِ اَلْمُضِيءِ، وَاَلْبُرْهَانِ اَلْجَلِيِّ، وَاَلْمِنْهَاجِ اَلْبَادِي، وَاَلْكِتَابِ اَلْهَادِي، أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ، أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ، وَثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ، مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ، عَلاَ بِهَا ذِكْرُهُ، وَاِمْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ، أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ، وَمَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ، وَدَعْوَةٍ مُتَلاَفِيَةٍ، أَظْهَرَ بِهِ اَلشَّرَائِعَ اَلْمَجْهُولَةَ، وَقَمَعَ بِهِ اَلْبِدَعَ اَلْمَدْخُولَةَ، وَبَيَّنَ بِهِ اَلْأَحْكَامَ اَلْمَفْصُولَةَ، فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اَلْإِسْلاَمِ دَيْناً، تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ، وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ، وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ، ثُمَّ يَكُونُ مَآبُهُ إِلَى اَلْحُزْنِ اَلطَّوِيلِ، وَاَلْعَذَابِ اَلْوَبِيلِ».
«بَعَثَهُ» بعث الله عزَّوجل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) «بِالنُّورِ اَلْمُضِيءِ» أي القرآن والأحكام التي تضيء سبيل السعادة ، قال تعالى: ﴿ ... فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1) .
«وَاَلْبُرْهَانِ اَلْجَلِيِّ» أي الواضح، وهي المعجزات الباهرات التي كانت للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مما تدل على صدق كلامه وادعائه النبوة، قال تعالى: ﴿ ... قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً(2) «وَاَلْمِنْهَاجِ» الطريق «اَلْبَادِي» الظاهر المستبين، فإن طريقة الاسلام ظاهرة لا لبس فيها ولا غموض، قال تعالى: ﴿ ... قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (3) .
«وَاَلْكِتَابِ اَلْهَادِي» القرآن الكريم، فإنه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم، قال تعال: ﴿ ... وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ... (4) .
«أُسْرَتُهُ» عشيرته، وهم بنو هاشم «خَيْرُ أُسْرَةٍ» فهم ينابيع العلم والحكمة وبيت العصمة والطهارة والرسالة وكل الخصال الطيبة.
«وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ» والمراد أصله الّذي خلق (صلى الله عليه وآله وسلم) منه، كما يشهد له قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا وعليّ من شجرة واحدة، والناس من أشجار شتّى» (5) .
«أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ» ليس فيها زيغ واعوجاج «وَثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ» أي متدلية، أي خيراتهم للخلائق مرسلة، وأفعالهم وأقوالهم بالمعروف فيهم ولهم مهيأة، وعلومهم للعالمين معدة سهلة، وعن الباقر (عليه السلام) سئل عن قوله تعالى: ﴿ ... كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ....(6) ، فقال: قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا أصل تلك الشجرة وعليّ، والأئمّة (عليهم السلام) أغصانها، وعلمنا ثمرها، وما يخرج من الإمام من الحلال والحرام في كلّ سنة إلى شيعته هو إيتاء أكلها كلّ حين» (7) .
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «نحن شجرة النبوّة، ومحطّ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم» (8) .
«مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ» حرم الله «وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ» أي: المدينة، فطيبة أحد أسمائها، ففي (شرح المرتضى لقصيدة الحميري): أنّ للمدينة اثني عشر اسماً: طيبة، ويثرب، والدار، والسكينة، وجابرة، والمجبورة، والمحبّة، والمحبوبة، والعذراء، والرعبوبة، والقاصمة، وبندد (9) «عَلاَ بِهَا» أي بطيبة «ذِكْرُهُ» أي اسم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يكرّر في الأذان فيها «وَاِمْتَدَّ مِنْهَا» في الآفاق «صَوْتُهُ» وسيبقى ذكر الله والقرآن ومحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) يصدح عالياً إلى يوم القيامة.
«أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ» في الدّلالة والبرهنة وهي القرآن، قال تعالى: ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً
(10) ، وقال عزَّ وجلّ: ﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ... (11) .
«وَمَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ» عن أمراض الجهل والرذيلة، قال تعالى: ﴿ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(12) ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ(13) . ولو لم يكن في القرآن إلاّ قوله تعالى: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) (14) ، أو قوله تعالى: ﴿ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) ، ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ...(16) ، أو قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (17) ، إلى غير ذلك من نظائرها، لكفى في كونها موعظة شافية.
«وَدَعْوَةٍ» إلى الله سبحانه «مُتَلاَفِيَةٍ» أي متداركة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً (46) (18) .
«أَظْهَرَ» الله تعالى «بِهِ» بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «اَلشَّرَائِعَ اَلْمَجْهُولَةَ» على الناس، قال سبحانه: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (19) ، في (سنن أبي داود) عن البراء بن عازب: مرّوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيهودي قد حمّم وجهه (أي: سوّد) وهو يطاف به، فناشدهم ما حدّ الزاني في كتابهم، فأحالوه على رجل منهم، فنشده (صلى الله عليه وآله وسلم): ما حدّ الزّنا في كتابكم؟ فقال: الرّجم، ولكن ظهر الزّنا في أشرافنا فكرهنا أن يترك الشريف ويقام على من دونه، فوضعنا هذا عنّا، فأمر به (صلى الله عليه وآله وسلم) فرجم. ثمّ قال: اللّهم إنّي أوّل من أحيا ما أماتوا من كتابك (20)
«وَقَمَعَ» أي قلع «بِهِ اَلْبِدَعَ اَلْمَدْخُولَةَ» التي دخلت في الأديان كالوثنية، وعبادة المسيح وعزير وما أشبه، قال تعالى: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (21) .
﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ ﴾ «يريد ما حرمها على ما حرمها أهل الجاهلية من ذلك ولا أمر بها والبحيرة هي الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا بحروا أذنها وامتنعوا من ركوبها ونحرها ولا تطرد عن ماء ولا تمنع من مرعى فإذا لقيها المعيي لم يركبها» (22) .
وقالوا: كانت تلبية قريش والعرب تلبية إبراهيم والأنبياء (عليهم السلام): «لبّيك اللّهم لبّيك لا شريك لك لبّيك» فجاءهم إبليس في صورة شيخ وقال: ما هذا تلبية أسلافكم وإنّما تلبيتهم (لا شريك لك إلاّ شريك هو لك) فنفرت قريش من هذا القول، فقال لهم إبليس: على رسلكم حتّى آتي على آخر كلامي. فقالوا: وما هو؟ قال: (إلاّ شريك هو لك تملكه وما ملك) ألا ترون أنّه يملك الشريك وما ملكه. فرضوا بذلك، وكانت قريش خاصّة يلبّون به، فقال لهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا شرك، وأنزل تعالى: ﴿ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ(23) .
«وَبَيَّنَ بِهِ اَلْأَحْكَامَ اَلْمَفْصُولَةَ» التي فصَّلها الله سبحانه تفصيلاً، أو بمعنى الفاصلة بين الحق والباطل فإن اسم المفعول قد يأتي بمعنى اسم الفاعل، قال تعالى: ﴿ ... وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ... ﴾  (24) ، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ... (25) .
«فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اَلْإِسْلاَمِ دَيْناً، تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ» قال تعالى: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(26) «وَتَنْفَصِمْ» أي تنقطع «عُرْوَتُهُ» فإنّ العروة الوثقى التي لا انفصام لها هي دين الاسلام «وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ» بحيث لا يرجى نعشه «ثُمَّ يَكُونُ مَآبُهُ» مرجعه «إِلَى اَلْحُزْنِ اَلطَّوِيلِ» الذي لا انقضاء له «وَاَلْعَذَابِ اَلْوَبِيلِ» الوخيم.
نسأله تعالى التسديد في القول والعمل والعافية في الدين والبدن من البلاء، إنّه سميع مجيب (27) .


(1) - سورة الأعراف، الآية: 157.
(2) - سورة النساء، الآية: 174.
(3) - سورة لبقرة، الآية: 256.
(4) - سورة المائدة، الآيتان: 15 - 16.
(5) - أخرجه الحاكم و ابن مردويه و الذهبي عنهم الدر المنثور 4: 44.وغيره.
(6) - سورة إبراهيم، الآيتان: 24 - 25.
(7) - أخرجه الصفار في بصائر الدرجات: 78 ح 1، و جمع بعض طرقه المجلسي في بحار الأنوار 24: 136 الباب 44.
(8) - نهج البلاغة للشريف الرضي 1: 209 ضمن الخطبة 107.
(9) - شرح القصيدة الذهبية للشريف المرتضى: 8.
(10) - سورة الإسراء، الآية: 88.
(11) - سورة البقرة، الآية: 23.
(12) - سورة هود، الآية: 120.
(13) - سورة يونس، الآية: 57.
(14) - سورة الزلزلة، الآيتان: 7 - 8.
(15) - سورة يونس، الآية: 23.
(16) - سورة يونس، الآية: 24.
(17) - سورة الجمعة، الآية: 8.
(18) - سورة الأحزاب، الآيتان 45 - 46.
(19) - سورة المائدة، الآية: 15.
(20) - سنن أبي داود 4: 154 ح 4447، 4448.
(21) - سورة المائدة، الآية: 103.
(22) - مجمع البيان، ج3، ص387.
(23) - الدار المنثور 5: 155، و اليعقوبي في تاريخه 1: 255، و الآية 28 من سورة الروم.
(24) - سورة الأنعام، الآية: 119.
(25) - سورة الأنعام، الآية: 114.
(26) - سورة آل عمران، الآية: 85.
(27) - بقلم: الشيخ فادي الفيتروني.

 

   أبحاث اخلاقية

 

هل نحتاج للواعظ الخارجي والباطني؟
 



يعتقد كثير من أرباب السّير والسّلوك، أنّ السّائرين في طريق الكمال والفضيلة، والتقوى والأخلاق، والقرب إلى الله تعالى، يجب أن يكونوا تحت إشراف الاُستاذ والمرشد، كما ذكر في رسالة السّير والسلوك للعلاّمة بحر العلوم، ورسالة لبّ الألباب للمرحوم العلاّمة الطّباطبائي (قده) ، في الفصل الحادي والعشرون من وظائف السّائر إلى الله، هو التّعليم والتعلم تحت نظر وإشراف الاُستاذ، سواء كان الاُستاذ عالِم كالعلماء الذين مشوا في هذا الطريق، أم الأساتذة الخصوصيين، وهم الأنبياء الأئمة والمعصومين (عليهم السلام).
ولكن المطّلعين من أهل الفن، يُحذّرون السّائرين على طريق التّقوى والتّهذيب، من عدم الإلتجاء بسهولة لأيٍّ كان، وإذا لم يطمئنّوا إطمئناناً كافياً، ولم يختبروا صلاحيتهم العلميّة والدينية، فلا يسلّموهم أنفسهم، ولا يكتفوا حتى بإخبارهم للمستقبليات، ولا أعمالهم غير الطبيعيّة، ولا حتى مرورهم على الماء والنار، لأنّ صدور هذه الأعمال ممكن من المرتاضين غير المهذّبين أيضاً.
وقال البعض الآخر: إنّ الرّجوع للاُستاذ لازم في المراحل الأوليّة، وأمّا بعد السّير وعبور عدّة مراحل، فلا يحتاج إلى الاُستاذ، والرّجوع للاُستاذ الخصوصي وهو الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، حتّى نهاية المراحل، يكون لازماً وضرورياً.
وقد استدلوا على لزوم الرّجوع للاُستاذ تارةٌ، بهذه الآية الشّريفة، التي تقول: ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(1) .
فرغم أنّها تتناول التعليم لا التربية، ولكن الحقيقة أنّ التربية تعتمد على التّعليم في كثير من الموارد، فلذلك يجب الرّجوع للمطلعين في مثل هذه الموارد، وهذا المعنى يختلف إختلافاً واضحاً عن إختيار شخص خاص ليكون ناظراً على أعمال وأخلاق الإنسان.
ويستشهد القائلون بضرورةِ المرشد تارةٌ اُخرى بحكاية موسى مع الخضر (عليهما السلام) ، فقد كان موسى(عليه السلام) بحاجة للخضر، مع أنّه كان من الأنبياء وأولي العزم، وقطع قسماً من الطّريق بمساعدته(عليه السلام).
ولكن وبإلقاء نظرة فاحصة على قصّة موسى والخضر (عليهما السلام) ، نرى أنّ موسى(عليه السلام)عندما تعلم من الخضر(عليه السلام)، إنّما كان بأمر من الله تعالى لأجل الاطّلاع على أسرار الحكمة الإلهيّة بالنسبة للحوادث التي تحدث في هذا العالم، والاُخرى أنّ علم موسى(عليه السلام) كان عملا ظاهرياً، «ويتعلّق بدائرة التّكليف»، وعلم الخضر(عليه السلام) علماً باطنياً، (خارج عن دائرة التكليف) (2) ، وهذا الأمر يختلف عن مسألة اختيار الاُستاذ والمرشد، في كل مراحل التّهذيب للنفس والسيّر في طريق التّقوى، وإن كان يشير ولو بالإجمال إلى أهميّة كسب الفضيلة، في محضر الاُستاذ في خط التّكامل المعنوي.
وقد يستشهد لذلك أيضاً بحكاية لقمان الحكيم و إبنه، فهو اُستاذ إلهي أخذ بيد إبنه وساعده في سلوك ذلك الطريق (3) .
ونقل العلاّمة المجلسي في بحار الانوار، عن الإمام السجّاد(عليه السلام) أنّه قال: «هَلَكَ مَنْ لَيسَ لَهُ حَكِيمٌ يَرشُدُهُ» (4) .
ولكن ومن مجموع ما ذُكر، لا يمكن إستفادة لزوم المرشد في دائرة السّلوك الأخلاقي وتهذيب النفس، بحيث إذا لم يكن تحرك الإنسان في خطّ التّهذيب النّفسي والتّزكية الأخلاقية، تحت إشراف المرشد، فسوف يختل برنامج التربية والأخلاق والتّقوى، ويتعطل السّير والسّلوك في حركة الواقع النفسي والمعنوي لدى الفرد، لأنّ الكثير من الأشخاص إلتزموا بالرّوايات والآيات والأحاديث الإسلامية، وعملوا بها، ووصلوا إلى مقامات عالية ودرجات كبيرة دون الإستعانة بمرشد أو معلّم خاص على مستوى التّربية الأخلاقيّة، وطبعاً لا يمكن إنكار فائدة الأساتذة والمرشدين وتوجيهاتهم القيّمة، فهم عناصر جيّدة للوصول إلى المقصود من أقرب الطرّق، ومعدّات فاعلةٌ لمواجهة المشاكل الأخلاقيّة لتحديات الواقع، وحلّها وفق مستجدّات الواقع ومستلزمات العقيدة.
وجاء في نهج البلاغة أيضاً: «أيُّها النّاسُ استَصبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصبَاح، وَاعظٌ مُتَّعِظٌ» (5) .
ولكن وللأسف نجد في كثير من الموارد، أنّ النّتيجة كانت عكسيّة، فكثير من الأشخاص عرّفوا أنفسهم بأنّهم مرشدون للناس في سلوك سبيل التّربية والتّهذيب، ولكن اتّضح بأنّهم قطّاع طُرق، وكمْ من الأشخاص الطّاهرين الطالبين للحقّ إنخدعوا بهم، وساروا في طريق التّصوف أو الإنحراف، وسقطوا في منحدر الرّذيلة، وارتكبوا مفاسد أخلاقية كبيرة وعليه فنحن بدورنا نحذّر السّائرين على هذا الطّريق، إذا ما أرادوا الإستفادة من الحضور، عند اُستاذ ومرشد في المسائل الأخلاقيّة، فيجب أن يتوخّوا جانب الحذر والإحتياط، وليتأكدوا من حقيقة الأمر، ولا يغترّوا بالمظاهر الخادعة، بل ليتفحّصوا عن سوابقهم، وليشاوروا أصحاب الفنّ في هذا المجال، كي يصلوا إلى غايتهم المنشودة.


دور الواعظ الداخلي (الباطني):

سبق الحديث عن دور الواعظ الخارجي بصورة اجمالية، والآن جاء دور الواعظ الداخلي حيث يستفاد من بعض الأخبار والروايات الإسلامية أنّ الضّمير الحيّ هو الواعظ الداخلي والباطني للإنسان، وله دور مهم في السّير على طريقِ التّكامل الأخلاقي والتّقوى، وبالأحرى لا يمكن السّير بدونه، في مواجهة التحديات الصّعبة وقوى الانحراف.
فقد جاء في حديث عن الإمام على بن الحسين (عليهما السلام) ، أنّه قال:
«يا ابنَ آدمَ إِنَّكَ لاتَزَالُ بِخَير ما كانَ لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ، وَما كانَتِ الُمحاسَبَةُ مِن هَمِّكَ» (6) .
ونُقل أيضاً عنه(عليه السلام)، مشابهٌ لهذا المعنى، مع قليل من الاختلاف (7) .
وجاء في نهج البلاغة أيضاً، أنّه قال(عليه السلام) : «وَاعَلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ حتّى يَكُونَ لَهُ مِنْها وَاعِظٌ وَزَاجرٌ، لَم يَكُن لَهُ مِنْ غَيرِها لا زَاجرٌ وَلا واعِظٌ» (8) .
ومن البديهي أنّ الإنسان في هذا الطّريق يحتاج إلى واعظ قبل كلّ شيء، ليكون معه في كلّ حال، ويعلم أسراره الداخلية، ويكون رقيباً عليه ومعه دائماً، وأيّ عامل أفضل من الواعظ الداخلي وهو الوجدان، يتولى القيام بهذا الدّور، وينبّه الإنسان إلى منزلقات الطّريق، وتعقيدات المسير، ويصدّه عن الإنحراف والسّقوط في الهاوية.
ونقرأ في حديث عن الإمام عليّ(عليه السلام): «إِجْعَلْ مِنْ نَفْسِكَ عَلى نَفْسِكَ رَقِيباً» (9) .
وجاء في حديث آخر عنه(عليه السلام): «يَنبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُهَيمِناً عَلى نَفْسِهِ مُراقِباً قَلْبَهُ، حافِظاً لِسانَهُ» (10) - (11) .


(1) - سورة الأنبياء، الآية: 7.
(2) - يرجى مراجعة تفسير الأمثل، ذيل الآية 60 إلى 82 من سورة الكهف.
(3) - يرجى الرجوع لتفسير الأمثل، في تفسير سورة لقمان.
(4) - بحار الانوار: ج75، ص159.
(5) - نهج البلاغة: الخطبة 105.
(6) - بحارالأنوار: ح75، ص137.
(7) - المصدر السابق.
(8) - نهج البلاغة: الخطبة 90.
(9) - غرر الحكم.
(10) - المصدر السابق.
(11) - الأخلاق في القرآن، لآية الله العُظمى الشّيخ ناصر مكارم الشيرازي: 125 - 128.

 

   المرأة في القرآن الكريم

  الحقوق الزوجيَّة والأُسرية
 


 

قال سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ .
وضع المنهج الإسلامي حقوقاً وواجبات على جميع أفراد الاُسرة، وأمر بمراعاتها من أجل إشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الاُسرة، والتقيّد بها
يسهم في تعميق الأواصر وتمتين العلاقات، وينفي كل أنواع المشاحنات والخلافات المحتملة، والتي تؤثر سلباً على جوّ الاستقرار الذي يحيط بالاُسرة، وبالتالي تؤثر على استقرار المجتمع المتكون من مجموعة من الاُسر.


أولاً: حقوق الزوج:

من أهمّ حقوق الزوج حقّ القيمومة، قال الله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ(1) .
فالاُسرة باعتبارها أصغر وحدة في البناء الاجتماعي بحاجة إلى قيّم ومسؤول عن أفرادها له حقّ الاشراف والتوجيه ومتابعة الأعمال والممارسات، وقد أوكل الله تعالى هذا الحق إلى الزوج، فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق المنسجم مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكلٍّ من الزوجين، وأن تراعي هذه القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم.
ومن الحقوق المترتبة على حق القيمومة حق الطاعة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدّق من بيتها شيئاً إلاّ باذنه، ولاتصوم تطوعاً إلاّ باذنه، ولا تمنعه نفسها، وإن كانت على ظهر قتب، ولاتخرج من بيتها إلاّ بإذنه...» (2) .
حتى إنّه ورد كراهة إطالة الصلاة من قبل المرأة لكي تتهرب من زوجها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تطوّلن صلاتكن لتمنعنَّ أزواجكن» (3) .
ويجب عليها احراز رضاه في أدائها للأعمال المستحبة، فلا يجوز لها الاعتكاف المستحب إلاّ باذنه (4) ، ولا يجوز لها أن تحجّ استحباباً إلاّ باذنه، وإذا نذرت الحج بغير إذنه لم ينعقد نذرها (5) .
ومن أجل تعميق العلاقات العاطفية وإدامة الروابط الروحية وادخال السرور والمتعة في نفس الزوج، يستحب للمرأة الاهتمام بمقدمات ذلك، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله، ما حقّ الزوج على المرأة؟ قال: أكثر من ذلك، فقالت: فخبّرني عن شيء منه فقال: ليس لها أن تصوم إلاّ باذنه ـ يعني تطوعاً ـ ولا تخرج من بيتها إلاّ باذنه، وعليها أن تطّيّب بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتزيّن بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية وأكثر من ذلك حقوقه عليها» (6) .
ويستحب لها كما يقول الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): «.. إظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه» (7) .
وفي رواية جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: مايهمّك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «بشرها بالجنة، وقل لها: إنّك عاملة من عمّال الله، ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً».
وفي رواية: «إنّ لله عزَّ وجلَّ عمّالاً، وهذه من عمّاله، لها نصف أجر الشهيد» (8) .
ويحرم على الزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤلمه في ما يتعلق بالحقوق العائدة إليه، كادخال بيته من يكرهه، أو سوء خُلقها معه، أو اسماعه الكلمات غير اللائقة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها صرفا ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه» (9) .
وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها، وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها، لم تقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها، كغسلها من جنابتها» (10) .
ويحرم على الزوجة أن تهجر زوجها دون مبرر شرعي (11) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار إلاّ أن تتوب وترجع» (12) .
وأكدت الروايات على مراعاة حق الزوج، واتّباع الأساليب الشيّقة في ادامة أواصر الحبّ والوئام، وخلق أجواء الانسجام والمعاشرة الحسنة داخل الاُسرة، فجعل الإمام الباقر (عليه السلام) حسن التبعل جهاداً للمرأة فقال (عليه السلام): «جهاد المرأة حسن التبعل» (13) .
ولأهمية مراعاة هذا الحق قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تؤدي المرأة حقّ الله عزَّ وجلَّ حتى تؤدي حقّ زوجها» (14) .
وذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) طاعة الزوج في سياق ذكره لسائر العبادات والطاعات التي توجب دخول الجنة، حيث قال: «إذا صلّت المرأة خَمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، فلتدخل من أيّ أبواب الجنة شاءت» (15) .
ووضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) منهجاً في العلاقات بين الزوجين يعصم الحياة الزوجية من التصدّع والاضطراب، فأكد على الزوجة أن لا تكلف زوجها مالا يطيق في أمر النفقة، وهو أمر يسبب كثيراً من المتاعب في الحياة الزوجية ويضرّ بصفوها وانسجامها.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلاّ أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته» (16) .
وحث (صلى الله عليه وآله وسلم) المرأة على اصلاح شؤون البيت واستقبال الزوج بأحسن استقبال فقال: «حقّ الرجل على المرأة إنارة السراج، واصلاح الطعام، وان تستقبله عند باب بيتها فترحب به، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل...» (17) .
ويستحب للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال مودته، قال الامام جعفر الصادق (عليه السلام): «خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى عني» (18) .
ومن أجل التغلب على المشاكل المعكّرة لصفو المودة والوئام، يستحب للزوجة أن تصبر على أذى الزوج، فلا تقابل الأذى بالأذى والاساءة بالاساءة؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يغمر أجواء الاُسرة بالتوترات الدائمة والمشاكل التي لا تنقضي، والصبر هو الاُسلوب القادر على ايصال العلاقات الى الانسجام التام بعودة الزوج إلى سلوكه المنطقي الهادىء، فلا يبقى له مبرر للاصرار على سلوكه غير المقبول، قال الإمام الباقر (عليه السلام): «وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته» (19) .
ومن آثار مراعاة الزوجة لحقوق الزوج في الوسط الاُسري أن تصبح له مكانة محترمة في نفوس أبنائه، فيحفظون له مقامه، ويؤدون له حق القيمومة فيطيعون أوامره، ويستجيبون لارشاداته ونصائحه، فتسير العملية التربوية سيراً متكاملاً، ويعمّ الاستقرار والطمأنينة جوّ الاُسرة بأكمله، وتنتهي جميع ألوان وأنواع المشاحنات والتوترات المحتملة (وسيأتي الحديث عن حقوق الزوجة) .


(1) - سورة النساء، الآية: 34.
(2) - من لا يحضره الفقيه: ج3، ص277.
(3) - الكافي: ج5، ص508.
(4) - الكافي في الفقه: 187.
(5) - الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 191.
(6) - الكافي: ج5، ص508.
(7) - تحف العقول: 239.
(8) - مكارم الاخلاق: 200.
(9) - مكارم الاخلاق: 202.
(10) - الكافي: ج5، ص507.
(11) - جواهر الكلام: ج31، ص201. ومنهاج الصالحين: المعاملات: 103.
(12) - مكارم الاخلاق: 202.
(13) - من لا يحضره الفقيه: ج3، ص278.
(14) - مكارم الاخلاق: 215.
(15) - مكارم الاخلاق: 201.
(16) - مكارم الاخلاق: 202.
(17) - مكارم الاخلاق: 215.
(18) - مكارم الاخلاق: 200.
(19) - من لا يحضره الفقيه: ج3، ص277.

 

   تلاوة وحفظ



 

 تعاهد وحفظ  القرآن الكريم

 

كيف نتعاهد حفظ القرآن الكريم؟
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: «الْحَافِظُ لِلْقُرْآنِ الْعَامِلُ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ» (1) .
والحافظ للقرآن عادة يلاقي المشقة في ذلك أو المحافظة عليه بعد حفظه إياه يحتاج إلى مداومة المذاكرة والتكرار وهذا ما تؤكد عليه بعض الروايات من أن مثل هذا الشخص سوف يضاعف الله سبحانه له الأجر والثواب.
كما أن من تكون حافظته ضعيفة ويلاقي مشقة في حفظه كذلك يضاعف الله له الأجر والثواب، فعن الفضيل بن يسار، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ الَّذِي يُعَالِجُ الْقُرْآنَ وَيَحْفَظُهُ بِمَشَقَّةٍ مِنْهُ وَقِلَّةِ حِفْظٍ لَهُ أَجْرَانِ» (2) .
لاشك أن النسيان أمر فطري في الإنسان، وهو يختلف عادة من شخص لآخر، ولكنه من النادر أن يكون كاملاً إذ يستطيع المرء استرجاع ما كان يحفظه لأن جانباً منه كان مختزناً في الذاكرة.
وقد تتفلّت آيات القرآن الكريم من صدور الحَفَظَة إذا لم يبادروا إلى مراجعة دائمة وإذا لم يتعاهدوه بشكل مستمر.
ولعل لذلك حكماً عديدة قد تكون منها ابتلاء وامتحان يكون لحَفَظَة القرآن كما قد يكون دافع المسلم الحافظ على الإكثار من تلاوة القرآن الكريم لينال الأجر العظيم بكل حرف يتلوه.
ولقد حث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على تعاهد القرآن الكريم خشية النسيان، وحذر من التهاون والتكاسل عن ذلك في أحاديث عديدة، منها:
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنَّ مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت» (3) .
وقال أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم): «تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمداً بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها» (4) .

فكيف نتعاهد القرآن إذاً؟
1- تخلق بأخلاق القرآن، واعمل بعموم مكارم الأخلاق التي دعا إليها وبخاصة التواضع والصدق وترك العجب بالنفس وغيرها.
2 - اشتغل بتعليم القرآن لأهلك أو أصحابك أو تلاميذك فهو مما يساعد على ارتباطك بالقرآن وبالاستزادة.
3 - اجتهد في أن تعمل بما علمت من القرآن، فإن كان أمراً فامتثل له وإن كان نهياً ابتعد عنه.

فوائد مهمة للحفظ:
لا بد لنا من اغتنام فترة الشباب وسنوات الصغر لأن الصغير أفرغ قلباً، وأقل شغلاً، وقد حكي عن الأحنف بن قيس أنه سمع رجلاً يقول: التعلُّمُ في الصِّغَر كالنقشِ في الحجر، فقال الأحنف: (الكبير أكثر عقلاً، لكنه أشغل قلب) .
ولهذا ينبغي لمن فاتته مرحلة الشباب ألا يتهاون في الحفظ، فإنه إذا فرّغ قلبه من المشاغل والهموم سيجد سهولة في حفظ القرآن الكريم لا يجدها في غيرها، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ(5) ، وهذا من خصائص القرآن الكريم.

 

 

وهنا نذكر بعض الوصايا والفوائد التي ينبغي ملاحظتها أثناء الحفظ وهي كالتالي:
1- اغتنام أوقات النشاط والفراغ:
فلا ينبغي أن يحفظ الشخص في وقت الملل والتعب أو عندما يكون ذهنك مشغولاً في أمر ما، لأن هذا يمنع من تركيز الحفظ، بل لابد من اختيار وقت النشاط وراحة البال، وأفضل الأوقات بعد صلاة الفجر حيث يكون الذهن صافي.

2-اختيار المكان المناسب للحفظ والمراجعة:
وذلك بالبعد عن أماكن الضجيج والضوضاء، لأن هذا يشغلك ويشتت ذهنك، فلا تحاول أن تحفظ وأنت بين الأولاد، أو في مكتب العمل، أو في الطريق أو ف
ي متجر أو غير ذلك.

3- الدافع الذاتي:
الرغبة القوية لها الأثر في تقوية الحفظ وتسهيله وتركيزه، أما الذي يريد أن يحفظ تحت تأثير إلحاح والديه أو مدرسه دون اندفاع ذاتي فإنه لن يستمر طويلاً، ولابد أن يصاب بالفتور.

4- مشاركة الحواس:
تختلف إمكانات الناس وقدراتهم في الحفظ، وتتفاوت قوة الحفظ بين شخص وآخر، ولكن الاستفادة من عدة حواس يسهل الأمر ويرسخ الحفظ في الذاكرة.
ويكون ذلك بأن تقرأ قراءة جهرية لما تريد حفظه، وأنت تنظر في الصفحة التي تتلوها، مع تدقيق النظر وتكراره حتى تنطبع صورة الصفحة في ذاكرتك، كما يمكنك أن تسمع الآيات المراد حفظها من معلم أو شريط لقارئ مع المتابعة.

5- الاقتصار على طبعة واحدة للمصحف:
ويفضل اختيار طبعة مصحف الحفاظ التي تبدأ كل صفحة فيها ببداية الآية وتنتهي بنهاية آية، وهذا الأمر له أثر كبير في ترسيخ صورة الصفحة في ال
ذاكرة، وإعادة تركيز هذه الصورة عند المراجعة.
كما ويفضل أن يكون للشخص مصحف جيبي أو مصحف مجزأ موافق لطبعة المصحف الذي يحفظ فيه، فهو خير أنيس كلما لاحظ الشخص فراغاً أو نشاط أينما كنت لتبادر اغتنام الوقت في حفظٍ جديد أو مراجعة لحفظ سابق.

6- فهم المعاني:
ومما يساعد على ترابط الآيات وتسهيل الحفظ أن تراجع بعض التفاسير المختصرة بين الحين والآخر لتفهم معاني تلك الآيات ولو على وجه الإجمال، ومما يساعد في ذلك بعض التفاسير المختصرة وإليك بعضها:
1-مختصر تفسير الميزان للسيد الطباطبائي.
2-تفسير القرآن للسيد عبدالله شبر.

3-خلاصة التفاسير في أوضح التعابير للشيخ أحمد مغنية.


(1) - بحار الأنوار: ج56، ص171.
(2) - بحار الأنوار: ج89، ص202.
(3) - ميزان الحكمة:ج9، ص48.
(4) - كنز العمال: 1 / 615.
(5) - سورة القمر، الآية: 17.


الحروف العربية من حيث تجاورها


فيما يلي نأتي الى درس جديد من دروس أحكام التجويد ألا وهو الادغام المتجانس بعدما تعرفنا في العدد السابق إلى الإدغام المتماثل والمتقارب، نأتي اولاً الى تعريف الحرفين المتجانسين.
الحرفان المتجانسان هما: الحرفان المتفقان في المخرج والمختلفان في بعض الصفات، كالتاء والطاء، والذال والظاء.

قاعدة إدغام المتجانسين:
إذا التقى حرفان متجانسان الأول منهما ساكن والثاني متحرك وجب إدغام الساكن في المتحرك بحيث يصيران حرفاً واحداً مشدداً لفظاً. وذلك في ثلاث فئات بستة مواضع.

الفئة الأولى: الطاء والدال والتاء، ويجب الإدغام بثلاثة مواضع:
أ- الدال الساكنة في التاء المتحركة، مثال ذلك: ﴿ قَد تَّبَيَّنَ ﴾، ﴿ وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا ﴾ .
ب - التاء الساكنة في الدال المتحركة، مثال ذلك: ﴿ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ﴾، ﴿ أَثْقَلَت دَّعَوَا ﴾ .
ج - التاء الساكنة في الطاء المتحركة، مثال ذلك: ﴿ قَالَت طَّائِفَةٌ ﴾، ﴿ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ ﴾ .

الفئة الثانية: الظاء والذال والثاء، ويجب الإدغام في موضعين:
أ- الثاء الساكنة في الذال المتحركة. مثال: ﴿ يَلْهَث ذَّلِكَ ﴾ .
ب- الذال الساكنة في الظاء المتحركة. مثال: ﴿ إِذ ظَّلَمُواْ ﴾ ، ﴿ إِذ ظَّلَمْتُمْ ﴾ .

الفئة الثالثة: الباء والميم، وفيها موضوع واحد للإدغام وهو:
الباء الساكنة في الميم المتحركة. مثال: ﴿ ارْكَب مَّعَنَا ﴾ .
فائدة: لا تدغم الطاء الساكنة في التاءالمتحركة، نحو: ﴿ أَحَطتُ ﴾، ﴿ بَسَطتَ ﴾ ، ﴿ فَرَّطتُمْ ﴾، بل تبقى صفة تفخيم الطاء موجودة من غير قلقلة.

 

الآية الحكم اللفظ مجودا الشرح
﴿ لَّقَد تَّابَ ﴾  إدغام متجانس لقتّاب أدغمت الدال في التاء وهما حرفان متجانسان
﴿ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ إدغام متجانس فآمنطَّائفة أدغمت التاء في الطاء وهما حرفان متجانسان
﴿ إِذ ظَّلَمْتُمْ إدغام متجانس إظَّلمتم أدغمت الذال في الظاء وهما حرفان متجانسان
﴿ يَلْهَث ذَّلِكَ إدغام متجانس يَلْهَذَّلك أدغمت الثاء في الذال وهما حرفان متجانسان
﴿ ارْكَب مَّعَنَا إدغام متجانس ارْكَمَّعَنا أدغمت الباء في الميم وهما حرفان متجانسان

 


أما النقطة الأخيرة في هذا السياق هي الحرفان المتباعدان: اللذان تباعدا في المخرج واللفظ كالذال والقاف في قوله تعالى: ﴿ ﮡ ﮢ ﴾ فحرف الذال من طرف اللسان والقاف من أقصاه، فهذا التباعد موجب للاظهار عند كل القرّاء، كما التقارب موجب للادغام، فحكم التباعد الاظهار مطلقاً. مثال ذلك.

 

الآية الحكم الشرح
﴿ من حكيم ﴾  إظهار النون عند الحاء لأن النون والحاء حرفان متباعدان
﴿ تشكرون إظهار الشين عند الكاف لأن الشين والكاف حرفان متباعدان
﴿ قل هو إظهار اللام عند الهاء لأن اللام والهاء حرفان متباعدان

 


(1) - الأستاذ الحاج عادل خليل مدير القسم التعليم المركزي في جمعية القرآن الكريم.


أشهر القراء المبدعين


القارىء الشيخ محمد أحمد شبيب


ولد في قرية «دنديط» بمصر عام 1934 م، أرسله والده الى الكتّاب ليحفظ القرآن فأقبل على ذلك بحب شديد مكّنه من القرآن.
بعد حفظه وتجويده للقرآن ومعرفة أحكامه التحق بمعهد الزقازيق فاشتهر هناك بأنه يتلو القرآن بصوت عذب شجي فتمسك به مشايخ المعهد.
اعتمد قارئاً للقرآن بالاذاعة عام 1964م.
يقول في سنة 1973م: «... أثناء تلاوتي لقرآن الفجر في يوم العبور ( لقناة السويس التي تفوقت فيها القوات المسلحة المصرية) كنت أشعر بأهمية هذا الفجر بالنسبة لي كقارىء وأديت أداء من القلب وتجاوب معي الموجودون بمسجد الامام الحسين (عليه السلام) بمصر.
سافر إلى العديد من البلدان كقارىء للقرآن.. تلا القرآن بالمسجد الأقصى.. وظل يكرر قول الله تعالى: ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾ أكثر من عشرين مرة.
موهبته في التعامل مع الموسيقى المرسلة التي يتضمنها القرآن مكنته من الإبداع والمصداقية في الأداء.

 

   حفظة القرآن

  حوارات أهل القرآن


نبذة مختصرة:

الاسم:
هبة خالد ناصر. 
طالبة جامعية وحوزوية فازت بجائزة سيد شهداء المقاومة الاسلامية لهذا العام 2013م وهي حافظة لكامل القرآن الكريم.

العمل:
ترجمة في جمعية المعارف الاسلامية الثقافية ومتطوعة في تحفيظ القرآن للسنة الأولى في الحوزة.
المستوى الدراسي:
طالبة حوزوية - ماجستير علوم القرآن (سنة أولى) إجازة في Childhood EducatioN من LIU وأدب انكليزي من الجامعة اللبنانية (كلية الآداب) .


س1: ماذا تفهمين من قوله عزّ وجل: ﴿
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ ﴾ ؟
ج: أفهم ضرورة أن يكون جميع المسلمين متّحدين في وجه أعداء الاسلام من أجل رفع راية (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَلله)، وأن يكونوا متعاونين على البر والتقوى والاحسان.

س2: ماذا تفهمين من قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إن أهل القرآن (1) في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النّبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإن لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً علياً؟
ج: المكانة العالية لحاملي القرآن الكريم وضرورة تبجيلهم، لأن في ذلك تبجيل لكتاب الله عزّ وجل، ولكن على حافظ القرآن وحامله أن يكون دائماً في موقع تهذيب نفسه وإصلاحها ليستأهل هذه الدرجة التي حباه الله بها.

س3: مروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن: «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة (2) الكرام البررة (3) » هل هذا الحديث يشعرك بالمعنويات والتواضع لله سبحانه وللناس؟ ولماذا؟
ج: هذا الحديث يُدخل السرور الكبير على القلب ولكنه أيضاً يشعرني بالمسؤولية العظيمة أمام الله وأمام الناس.

س4: كيف تقيمين مشروع جائزة سيد شهداء المقاومة الإسلامية التي قدمتها جمعية القرآن الكريم بالتعاون مع حزب الله؟
ج: وفّقكم الله وسدّد خطاكم هو مشروع مميّز، ولقد لاحظت الاقبال الشديد في المسابقة هذا العام، فهذه المسابقة تحفّز على الحفظ وعلى المراجعة.

س5: ماذا تقولين لطلاب الجامعات لحثهم على حفظ القرآن الكريم والاستفادة منه؟ وبماذا تنصحينهم؟
ج: أنصح جميع طلاب الجامعات بحفظ القرآن الكريم، صحيح أنه أحياناً يكون هناك ضغط شديد، وقد شهدت هذا الأمر خاصة أنني كنت أتابع في جامعتين والحوزة وأنا أحفظ القرآن، ولكن الله أعانني، وعلاماتي في الجامعتين والحوزة كانت عالية.

س6: ما هي الكلمة التي توجهينها لسماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله حفظه الله الداعم لهذا المشروع؟
ج: حفظكم الله قائداً لمسيرتنا، ودليلاً يرشدنا، وهادياً يأخذ بأيدينا إلى صراط الله، أرجو منك سيدي أن لا تنسانا في دعائك وأن تدعو الله لنا بالثبات والاستقامة وتنوير القلب بالقرآن الكريم.


(1) - أهل القرآن: هم حفظته وحملته والتالين لآياته والعاملين بما فيه.
(2) - السفرة: الملائكة.
(3) - البررة: جمع بار وهو المطيع لله المنزّه عن النقائص.

 

   أهل البيت (عليهم السلام)

  القرآن في كلام أهل البيت (عليهم السلام)
 


1 - قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَاُنْظُرْ أَيُّهَا اَلسَّائِلُ فَمَا دَلَّكَ اَلْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَاِسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ وَمَا كَلَّفَكَ اَلشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ فِي اَلْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ وَلاَ فِي سُنَّةِ اَلنَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وَأَئِمَّةِ اَلْهُدَى أَثَرُهُ فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اَللهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اَللهِ عَلَيْكَ وَاِعْلَمْ أَنَّ اَلرَّاسِخِينَ فِي اَلْعِلْمِ هُمُ اَلَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اِقْتِحَامِ اَلسُّدَدِ اَلْمَضْرُوبَةِ دُونَ اَلْغُيُوبِ اَلْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ اَلْغَيْبِ اَلْمَحْجُوبِ فَمَدَحَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ اِعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وَسَمَّى تَرْكَهُمُ اَلتَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ اَلْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً فَاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلاَ تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اَللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ اَلْهَالِكِينَ» (1) .
2 - عن أبي عبدِالله الصادق (عليه السلام) قال: «جاء رَجُلٌ إلى أبي ذَرٍّ فَقالَ: يا أبا ذَرٍّ ما لَنا نَكرَهُ المَوْتَ؟ فَقالَ: لأَنَّكُمْ عَمَّرْتُمُ الدُّنْيا وأَخْرَبْتُم الآخِرَةَ، فَتَكْرِهُونَ أَنْ تُنْقَلُوا مِن عِمْرانٍ إلى خَرابٍ، فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ تَرى قُدُومَنا عَلَى الله؟ فَقالَ: أمَّا المُحْسِنُ مِنْكُمْ فَكَالغَائِبِ يَقْدُمُ عَلَى أهْلِهِ، وَأَمَّا المُسِيءُ مِنْكُمْ فَكَالآبِقِ يُرَدُّ عَلَى مَوْلاَهُ. قالَ: فَكَيْفَ تَرى حالَنا عِنْدَ الله؟ قالَ: اِعْرِضوا أَعْمَالَكُمْ عَلَى الكِتَاب، إنَّ الله يَقولُ: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) ﴾ . قال: فَقالَ الرَّجُلُ: فَأَيْنَ رَحْمَةُ الله؟ قالَ: رَحْمَة الله قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنينَ» (2) .
3 - عَنِ يَعْقُوب اَلْأَحْمَرِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِى عَبْدِاللهِ(عليه السلام): «جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي كُنْتُ قَرَأْتُ اَلْقُرْآنَ ففلَّتَ مِنِّي فَادْعُ الله عَزَّ وَجَلَّ أنْ يُعْلّمْنِيه, قَالَ: فَكَأَنَّهُ فَزِعَ لِذَلِكَ فَقالَ: عَلَّمَكَ الله هُوَ وَإِيَّانَا جَميْعاً قَالَ: ونَحْنُ نَحْوَ مِنْ عَشْرَةِ ثُمَّ قَالَ: السُّورَةُ تَكُونُ مَعَ اَلرَّجُلِ قَدْ قَرَأها, ثُمَّ تَرَكَهَا فَتَأْتِيْهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فِي أَحْسَنَ صُورَةِ وتُسَلِّم عَلَيْهِ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ فتَقُولُ: أنَا سُوْرَةِ كَذَا وَكَذَا فَلَوْ أَنَّكَ تَمَسَّكْت بِي وأخَذَت بِي لأنزلتُكَ هَذِهِ الدَّرَجَة فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ , ثُمَّ قَالَ: إنَّ مِنْ اَلنَّاسِ مَنْ يَقْرَأُ اَلْقُرْآنَ لِيُقَالَ: فُلاَنٌ قَارِىءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْرَأُ اَلْقُرْآنَ ليَطْلُبَ بِهِ اَلدُّنْيَا وَلاَ خَيْرَ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْرَأُ اَلْقُرْآنَ ليَنْتفِعَ بِهِ فِي صَلاتَهِ وليْلِهِ ونهَارِه (3) .


(1) - الالخطبة ( 89 ) من نهج البلاغة.
(2) - أصول الكافي: ج2، ص459، كتاب الإيمان والكفر، باب محاسبة العمل، ح 20.
(3) - اأصول الكافي:ج2، ص581.

 

  استفتاءات قرآنية


لسماحة المرجع آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله)


1 - سؤال: هل يجب السجود عند سماع آية السجدة من المسجل أو الراديو أو التلفاز؟
ج: الحكم هو وجوب السجود بلا فرق بين المباشر وغيره.

2 - سؤال: هل يجب عليّ الوضوء عند قراءة القرآن؟
ج: لا يجب لكنه مستحبّ.

3 - سؤال: هل يمكن القول بالقراءات السبع؟
ج: يجوز القراءة بإحدى هذه القراءات في الصلاة وغيرها.

4 - سؤال: هل يجوز تقبيل القرآن الكريم؟ حيث يُقال أنّه حرام ولا يجوز؟
ج: يجوز تقبيله بقصد التبرّك بكتاب الله تعالى.

5 - سؤال: ما حكم من لم يكمل ختم القرآن في آخر شهر رمضان المبارك رغم النيّة بختمه آخر الشهر؟
ج: لا شيء عليه إلّا أن يكون واجباً عليه بنذرٍ أو شبهة وقد قصّر في الوفاء به فعليه كفارة الحنث بحسب ما التزم.

6 - سؤال: هل صحيح أنّه لا يجوز للانسان أن ينسى ما حفظه من القرآن الكريم، ويجب عليه في حالة النسيان مراجعة الآيات المنسيّة لحفظها؟
ج: لا إثم عليه في النسيان ولا يجب عليه المحافظة على ما حفظه وإن كان هو أمر مستحسن بل مستحبّ.

7 - سؤال: هل يصحّ أن يقرأ الإنسان القرآن ويهدي ثواب ما قرأه لشخص عزيز عليه وهذا الشخص حي؟
ج: يصحّ.

8 - سؤال: هل من الضروري إقامة صلاة خاصّة، أو تجب إعطاء صدقة، في حال سقوط القرآن الكريم على الأرض سهواً؟
ج: لا يجب ذلك.

9 - سؤال: هل القرآن الذي هو بأيدينا اليوم هو القرآن الذي نزل على الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يطرأ عليه أيّ تحريف أو تغيير؟
ج: هذا هو المعروف المشهور عند علماء الطائفة المحقّة، بل عموم المسلمين.

10 - سؤال: هل البسملة جزء من السورة أم لا؟ وهل تجب قراءة البسملة أثناء الصلاة؟
ج: البسملة جزء من سورة الفاتحة فقط، ولكن يجب قراءتها مع كلّ سورة أثناء الصلاة ما عدا سورة براءة (1) .


(1) - استفتاءات قرآنيَّة: إصدار جمعيَّة القرآن الكريم، ص 99.

 

  مقابلة العدد

القارئ الدولي
الحافظ حامد شاكر نجاد
من الجمهورية الإسلامية في إيران



هو شابٌّ وقارئٌ للقرآن من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، ولد بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة المباركة، يبلغ من العمر حاليًّا 29 سنة، نال شهادة ليسانس في العلوم الصّناعيّة وشهادة دكتوراه فخريّة في التّجارة. تلمّس نفحات القرآن منذ طفولته بعد أن وجّهه والداه وربّياه على ذلك، فكان من السّائرين على نهج الحديث الشّريف: «من قرأ القرآن وهو شابٌّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه» (1) ، ثابر على تعاهُد القرآن فحَفِظَه، يتلو القرآن منذ سنيِّ عمره الأولى ولا يزال عند سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) فوجد في سماحته الأستاذ والموجّه والنّاقد إلى أن بلغ بذلك درجةً عاليةً في فنّ التّلاوة وأصبحت له مدرسة خاصّة به. حاز على الدّرجة الأولى في المسابقات القرآنيّة الدّوليّة في إيران والسّعوديّة، قارئ في الإذاعة والتّلفزيون وعضو لجنة تحكيم المسابقات القرآنيّة في إيران. يجول بتلاوته للقرآن العديد من الدّول الأوروبيّة والأفريقيّة والآسيويّة، تشرّف بتلاوة القرآن الكريم داخل الكعبة الشّريفة، وزار لبنان لمناسبة مولد الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وأسبوع الوحدة الإسلاميّة بدعوة من جمعيّة القرآن الكريم لإحياء الأمسيات القرآنيّة، وكان لمجلّة هدى القرآن معه هذا اللقاء.
في البداية نرحّب بحضوركم إلى لبنان، ونخبركم أنّ محبّي القرآن في لبنان هم كانوا في غاية الشّوق للاستماع إلى تلاوتكم المباركة للقرآن الكريم.

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا(2) أنا مسرور جدًّا بوجودي بين أعزّائي في جمعيّة القرآن الكريم في لبنان وأعتبر ذلك من التّوفيقات الإلهيّة بالنّسبة لي، وأرجو الله أن يديم توفيقه على الأعزّاء والأحبّاء في هذا العمل العظيم إن شاء الله.

س 1: بداية حدّثنا عن بدء تجربتك ومسيرتك مع القرآن الكريم؟
ج : أنا الحقير بدأت بتلاوة القرآن من عمر خمس سنوات وفي السّادسة من عمري بدأت التّلاوة بشكل رسمي، وحاليًّا حيث أبلغ من العمر تقريبًا ثلاثين سنة قضيت منها خمس وعشرين سنة بالاستئناس بآيات كلام الله المجيد وأنا قارئ وحافظ للقرآن من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.

س 2: ما هو الباعث أو المشجّع الأساسي لانضمامك إلى مسيرة القرآن المباركة؟ وما هو دور المسابقات في إيجاد روح التّنافس لديك للاستمرار مع أقرانك في تلاوة القرآن؟
ج : المشجّعون الأساسيّون لي في هذا الطّريق، وينطبق ذلك على جميع القرّاء والحفّاظ، هو توفيق الله سبحانه وتعالى حيث أنّني وصلت إلى هذا المستوى من الفنّ والإبداع، والمشجّع الأول هو نفس القرآن. وثانيًا بالنّسبة لي: كان والدي معلّمًا للقرآن ووالدتي حيث كانا أكبر المشجّعين لي حيث أنّهما قاما بدور المشجّع وبدور المعلّم، فقد كانت المدرسة القرآنيّة تلازمني في المنزل. وفي هذا المجال استفدت من جلسات الأنس بالقرآن في مدينة مشهد المقدّسة التي كانت تُدار من قبل مكتب سماحة الإمام الخامنئي﴿ ، ومن حضور الأساتذة كأمثال الأستاذ الحاج محمود فرقاني والأستاذ الحاج السّيّد مجتبى سادات فاطمي، ونسأل الله أن يثبّتنا في هذا الطّريق. وكما قلت في كلامي القرآن نفسه هو المشجّع للإنسان والجاذب له، فالقرآن له آثار ظاهريّة وآثار باطنيّة وهذه الآثار الظاهريّة والباطنيّة تزيدان من أنس الإنسان بالقرآن، أمّا فيما أشرتم إليه من المشاركة في المسابقات، نعم فإنّي منذ البداية ومن السّن الذي دخلت فيه إلى مجال القرآن وبدأت بتلاوة القرآن كنت أشارك أيضًا في المسابقات، وتقريبًا في عمر ثمان أو تسع سنوات ولأوّل مرّة كان لي شرف زيارة السّيّد القائد الإمام الخامنئي (حفظه الله) وفي سنوات الطّفولة تلك تلَوْت القرآن بحضوره والسّيّد القائد الإمام الخامنئي (حفظه الله) شجّعني كثيرًا وتفضّل بطرح عدّة ملاحظات وأنا بدوري طبّقتها واستطعت الاستفادة منها وأكملت تلاوة القرآن بشوق وعشق كبيرَيْن، وشاركت في المسابقة القرآنيّة على صعيد كلّ إيران ونلت المرتبة الأولى فيها وتمّ اختياري للمشاركة في المسابقة القرآنيّة الدّوليّة في السّعوديّة وهناك استطعت الحصول على المرتبة الأولى في فئة التّلاوة والحفظ.

س 3: لقد تفضّلت بالقول أن السّيّد القائد الإمام الخامنئي (حفظه الله) هو من شجّعك على التّلاوة والاستمرار بذلك، ولذلك نريد منك أن تحدّثنا أكثر عن علاقتك بسماحته؟ وما هي إرشادات القائد للقرّاء كونه المؤسّس الأوّل لمجاميع القرّاء والمسابقات القرآنيّة الدّوليّة في إيران؟
ج : أولى لقاءاتي بسماحة السّيّد القائد الإمام الخامنئي (حفظه الله) تعود إلى سنيّ الطّفولة حيث كنت صغيرًا بعمر ثمان أو تسع سنوات وكنت أقرأ عنده القرآن، وكان أمرًا جذّابًا بالنّسبة لي كطفل صغير أن أتلو القرآن عند سماحته حتّى في لقاءات خاصّة، وكان سماحة القائد يستمع لي بدقّة، وفي المقابل كانت لدى سماحته المشاغل الكبيرة والأعمال الكثيرة ووقته ضيّق وقليل جدًّا، ولكنّه كان بصبر وجلادة يستمع لتلاوتي للقرآن ويزوّدني بالملاحظات، والسّيّد القائد هو أوّل من وضع حجر الأساس لمجاميع القرّاء والمسابقات القرآنيّة الدّوليّة بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة حتّى أنّه كان ولا زال يستضيف القرّاء في بيته، وكان يركز في إرشاداته بأنّ على القرّاء تلاوة القرآن بتدبّر وخشوع وتصوير الآيات تصويرًا بحيث يشعر القارئ والمستمع بآيات الله سبحانه وتعالى إضافة إلى الصّوت الحسن والجميل لما له من أثر على قلوب المستمعين، كذلك وبالاستمرار فإنّ النّقاط الكثيرة الّتي كان سماحته يوجّهها سنويًّا للقرّاء في لقاءاته معهم في شهر رمضان المبارك أو في المسابقات القرآنيّة الدّوليّة الّتي تقام في إيران، حيث كان القائد يبيّن لمحبّي القرآن العديد من الأمور الهامّة، وبنظري وبرأيي فإنّني أستطيع القول إنّ الوصول إلى هذا المستوى العالي في التّلاوة لم يكن لِيحدث ويتيسر لولا إرشادات سماحة القائد، بمعنى آخر فإن الاحتراف في التّلاوة هو نتيجة لبُعْد النّظر لدى سماحة القائد ولرؤيته الّتي طرحها منذ سنوات عديدة وبدونها لم نكن لنصل إلى هذا المكان وإلى هذه المرتبة من المراتب والدّرجات العالية من الاحتراف، وبرأيي هذا ما يجب أن يحدث في لبنان.

س 4: أنتم زرتم لبنان مرّات عديدة، زيارتان منها كانت بدعوة من جمعيّة القرآن الكريم للمشاركة في إحياء الأمسيات القرآنيّة، فحبذا لو تحدّثنا عن تقييمك لآثار الأمسيات الّتي شاركتم بها؟
ج : أقول لقد طرحت سؤالاً جيدًا، الآن هذا الأسبوع هو أسبوع الوحدة الإسلاميّة، وعليه فإنّ عمل جمعيّة القرآن الكريم ينصب على أن تتأثّر قلوب وأفئدة المسلمين بالقرآن، وإن شاء الله إن شاء الله فإنّنا نضع الأوامر القرآنيّة لبناء الإنسان في أولويّاتنا ونصب أعيننا، وبرأيي فإنّ دعوة المبلّغين القرآنيّين بأيّ شكل من الأشكال هو أمر مطلوب، وحسب قول سماحة القائد بقدر ما نعمل للقرآن فإنّ ذلك يبقى قليلاً، وإن شاء الله يمنحكم التّوفيق يومًا بعد يوم، وأنا أعتقد أنّه يمكن النّظر إلى برامج الجمعيّة من عدّة جوانب فمن ناحية هو أمر تبليغيّ للمجتمع في لبنان حتّى أنّ الأعزاء في جمعيّة القرآن الكريم بإمكانهم أن يكونوا مشجّعين لمحبّي القرآن من الشّباب وأن يكونوا الشّرارة الّتي توجّههم نحو القرآن. بُعْدٌ آخر لعمل الجمعيّة يتجسّد بالبُعْد الوحدويّ بين مختلف المسلمين في لبنان وهو من الجمالات الأخرى للبرامج القرآنيّة، والمسألة الثّالثة وهي أنّ جمعيّة القرآن الكريم تدعو القرّاء من بلدان مختلفة فتنشأ فيما بينهم علاقة حميمة ويتعرّف كل منهم على أفكار الآخرين وهذا له آثار دوليّة وهو جميل جدًا، وبرأيي قد نجد أحد القرّاء من مصر مثلاً له أفكار مسبقة حول القرّاء الشّيعة وحول كيفيّة تلاوتهم؟ خاصّة في ظلّ الحملات الإعلاميّة والثّقافيّة للتّفريق بين المسلمين، ولكنّه عندما يرى هؤلاء القرّاء من قريب فإنّه يرى لديهم كلّ هذه المحبّة له وهذا الإخلاص في النّيّة تجاه جميع المسلمين ولا يوجد أيّ فرق فيما بينهم، وهذا حدث جميل جدًّا ولا نهاية لحسناته وبقدر استطاعتكم أكثروا من هذه النّشاطات القرآنيّة إن شاء الله.

س 5: برأيك ما هو الأثر الّذي تتركه الأمسيات القرآنيّة لدى الشّباب ولدى المجتمع في لبنان وخاصّة أنّ لبنان يواجه العدو الصّهيوني وكيانه؟
ج : الأثر الّذي يتركه في قلوب هؤلاء الشّباب هو أنّ القرآن يختلط بدمهم ولحمهم، وعليه فإنّ بغضهم وكرههم لأعداء الإسلام يزداد يومًا بعد يوم، وكلّما ازداد أنسنا بالقرآن أكثر فأكثر فإنّ معرفتنا بالأعداء ستتعمّق أكثر وأكثر، وبحسب قول سماحة السّيّد القائد الإمام الخامنئي فإنّنا نحصَل على البصيرة، وطريق الحصول على البصيرة يتمثّل بالقرآن وأهل البيت (عليهم السلام)، وفي المستقبل إذا استطعتم هنا توسيع برامج الأمسيات إن شاء الله فإنّكم ستزيدون بصيرة الشّباب والفتيان ووعيهم بأعدائهم الّذين يحيطون بهم.

س 6: نشكرك على هذه الأفكار الجميلة ونطلب منكم نصيحة للشّباب ولقرّاء القرآن في لبنان؟
ج : أنا هنا أعرض نقطتَيْن ويكمّلهما الحديث الشّريف فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّي تارك فيكم الثَّقلين (أو الثِّقلين) كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدًا، ولن يفترِقا حتى يرِدَا علَيَّ الحوْض» (3) ، فلدينا القرآن وأهل البيت (عليهم السلام) ووصيّتي للفتيان والشّباب اللبنانيّين هي أنّه لا وجود للسّعادة بدون هذَيْن الأمرَيْن، وبقدر ما يتيسّر لهم من الوقت عليهم بتلاوة القرآن، فالقرآن ينوّر لهم دينهم ومنازلهم الّتي هي قلوبهم، فكما ورد في الحديث الشّريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتّخذوها قبورًا» (4) ، فنحن لدينا بيت هنا في قلوبنا في صدورنا، فكما لدينا بيت ظاهري كذلك لنا بيت باطني وبنور القرآن فقط يمكن لنا إضاءة هذَيْن البيتَيْن هذا أوّلاً، وثانيًا فإنّ القرآن يختلط بدمهم ولحمهم لذا فإنّهم يحصلون على البصيرة، عند ذلك لا يمكن لهم أن يقايضوا مقام الولاية بأيّ شيء، فليعرفوا الآن أنّ التّمسّك بالقرآن وأهل البيت (عليهم السلام) في الوقت الحاضر يجب أن يكونا نصب أعينهم وأن يعطوا الأولويّة لأوامر الولاية والقيادة، فالولاية ليست سوى القرآن والقرآن ليس سوى الولاية فهما مكمّلان لبعضهما البعض والتّمسّك بهما هو سبب لتوفيق الشّباب إن شاء الله.

س 7: برأيك ما هي الأمور الّتي يجب أن يتبعها القرّاء للوصول إلى القمّة في التّلاوة؟
ج : من اللازم عليّ أن أقول للقرّاء اللبنانيّين وأن أوصي الفتيان منهم بشكل خاصّ، أوّلاً: على كلٍّ منهم في سنيّ الطّفولة أن يختاروا قارئًا محدّدًا ويقلّدوا تلاوته للقرآن وأن يقلّدوا أسلوبًا واحدًا وطريقة خاصّة وأن يستمرّوا على هذا المنوال، فعندما كنت صغيرًا قلّدت جهابذة القرّاء وعظماء وعباقرة التّلاوة أمثال الشّيخ مصطفى إسماعيل ولقد حصلت على 1000 تلاوة له وقلّدت منها 500 تلاوة بصورة بريئة رقيقة وأنا في سن 17 سنة، وكانت هذه أهمّ طريقة للتّعلّم من خلال الاستماع إلى القرّاء الكبار. وثانيًا: عندما يصلون إلى سنّ البلوغ عليهم أن لا يضغطوا على أوتارهم الصوتيّة بل عليهم مداراتها، ونحن نرى أحيانًا أنّ القارئ حينما يصل إلى سنّ البلوغ فإمّا أنّه يترك التّمرين على التّلاوة أو يضغط على أوتاره الصوتيّة بشكل زائد فكِلا الأمرَيْن إفراط وتفريط وكِلاهما خطأ، بل عليه أن يرجع إلى الحالة المناسبة وهي: خير الأمور أوسطها، وعليهم الاستمرار بالتّدريب بالشّكل المناسب ليجتازوا بسلام مرحلة المراهقة والبلوغ. ثالثًا: على القارئ أن يكون مهتمًّا بفنون التّجويد والألحان والأصوات ويكون لديه معرفة كاملة بهذه المعارف، وبعد ذلك إن شاء الله فليستمّروا بالتّدريب والممارسة وليسعوا إلى إيجاد أفكار وإبداعات خاصّة بهم في فنون التّلاوة. وأخيرًا: على القارئ أن يحفظ القرآن ويتدبّره ليصوّر الآيات ويكون على دراية بها وأن يحسّ بالتّلاوة عندما يتلو القرآن.


إعداد: مدير قسم العلاقات العامّة الحاج عبّاس عسّاف، ومدير مشروع حفظ القرآن الحاج حسين حمدان.


(1) - بحار الأنوار: ج 7، ص 305.
(2) - سورة الإسراء، الآية: 9.
(3) - المسترشد - محمد بن جرير الطّبري - ج 1 - ص 479.
(4) - بحار الأنوار - ج 89 - ص 200.

 

  علي (عليه السلام) في القرآن والسُّنَّة


الحمد لله ربّ العالمين، و الصّلوة و السّلام على خير خلقه محمّد سيّد المرسلين و على ابن عمّه سيّد الوصيّين و اولاده الطّيّبين الطّاهرين.
ولد أمير المؤمنين - (عليه السلام) - يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ولم يولد أحد سواه فيها لا قبله ولا بعده.
وبحقٍّ إنَّه كما قيل: «هو القرآن الناطق، وما بين الدفَّتين القرآن الصامت» فهو (عليه السلام) لم يأخذ الا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو معلِّمه الأوَّل والأخير الذي يستقي كماله من الله عزَّ وجلَّ.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنَّ القرآن أربعةُ أرباعٍ، فربعٌ فينا أهل البيت خاصةً، وربعٌ في أعدائنا، وربعٌ حلالٌ وحرامٌ، وربعٌ فرائضٌ وأحكامٌ، وإنّ الله أنزل في علي كرائم القرآن) (1) .
قال يزيد بن رومان: (ما أنزل في حقّ أحد ما أنزل في علي من الفضل في القرآن) (2) .
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: (لقد نزلت في علي ثمانين آيةً صفواً في كتاب الله، ما يشركه فيها أحدٌ من هذه الأمّة) (3) .
وقال ابن عباس: (نزل في عليّ أكثر من ثلاثمائة آيةٍ في مدحه) (4) .
سُئل الخليل بن أحمد عن علي(عليه السلام) فقال: (ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)!.
وإليكم بعض فضائله من الكتاب والسنَّة.

آية خير البرية:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (5) .
في الدر المنثور، أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ . فكان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية.
و في المجمع، عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله: ﴿ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ قال: نزلت في علي و أهل بيته.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هم أنت يا علي وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، وتأتي أعداؤك غضاباً مقحمين.
هذه شهادة أن الإمام علي وشيعته هم خير البرية.

آية المودة:
﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (6) .
المودة تعني الحب والإتباع, والقربى هم أهل بيت الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) المعصومين وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) .
فيه، أخرج أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ أن تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم لي.
وفيه، أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم قال: علي وفاطمة وولداها. أقول: ورواه الطبرسي في المجمع: وفيها «وولدها» مكان «وولداها».
عن القندوزي الحنفي، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «جاءني جبرائيل بورقة آس خضراء من الجنة، مكتوب عليها ببياض: إني أنا الله افترضت مودة علي على خلقي، فبلّغهم يا حبيبي ذلك عني» (7) .
النتجة هنا شهادة قرآنية لعلي يفترض حبه وطاعته.

آية تبليغ الولاية:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (8) .
أعلن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه سوف يحج هذا العام وأنها أخر حِجة له وإنه يوشك أن يدعى فيجيب وحضر المسلمون الحج من كل فجٍ عميق وفي حجة الوداع نزل جبرائيل على الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يأمره بتبليغ الخلافة والولاية من بعده لعلي أبن أبي طالب(عليه السلام) في الآية المباركة: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ بعد أن أقام لهم الحج (صلى الله عليه وآله وسلم) أقبل راجعاً إلى المدينة المنورة ومعه جمهور من المسلمين وعندما وصل إلى غدير ماء في ارض تسمى خُم وهي مفترق طريق يتوزع الحجاج لبلدانهم وأوطانهم. هناك أمر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بإرجاع ما تقدم عليه وانتظار من تخلف عنه في قافلة الحج حتى كمل من كان معه(صلى الله عليه وآله وسلم) وكان عددهم سبعين ألفا أو أكثر، ففي تفسير الثعلبي وتذكرة سبط أبن الجوزي وغيرهما:كان عددهم يومئذ مائة وعشرين ألفا وكلهم حضروا عند غدير خُم، ثم نودي فيهم الصلاة جامعة وكسح لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تحت شجرتين فصلى الظهر، وكان الطقس حاراً جداً في ذلك الوقت.
فصعد النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) منبراً من أحداج الإبل وخطب فيهم خطبةً عظيمة وذكر في شطر منها بعض الآيات القرآنية الكريمة التي نزلت في شأن وحق علي ابن أبي طالب. وبين فضله ومقامه على الأمة الإسلامية ثم قال معاشر الناس, ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا بلا يا رسول الله، قال(صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم أشهد.
ثم اخذ بيد علي ابن أبي طالب فرفعها حتى بان بياض إبطيهما فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه.
حينها رفع المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) يداه نحو السماء فدعا له ولمن ينصره ويتولاه فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله.
ثم أمر(صلى الله عليه وآله وسلم) بنصب خيمة وأجلس علياً فيها وأمر من كان معه أن يحضروا عنده جماعات وأفراد ليُسَلموا على علي بإمرة المؤمنين وأن يبايعوه وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): لقد أمرني ربي بذلك وأُمِرتُم بالبيعة لعلي.
بعد ذلكَ أقام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع أصحابه ثلاثة أيام في ذلك المكان حتى تمت البيعة لعلي, حيث بايع جميع من كان مع النبي في حجة الوداع وبايعته النساء أيضاً ثم أرتحل من خُمٍ وتابع سفره إلى المدينة المنورة.
ولقد بايع في من بايع لعليٍ، (الخلفاء) وطلحة والزُبير. حتى قال (البعض منهم) لعلي(عليه السلام): بخٍ بخٍ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (9) .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم، لم يجز عليه إلا من معه جواز فيه ولاية عليّ بن أبي طالب، وذلك قوله تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ(10) ، عن ولاية علي».
وهذه شهادة قرآنية إن الولاية لعلي أمر الهي وجزء من الدين لا يكمل الدين إلا بها.

آية إكمال الدين والنعمة:
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً (11) .
وبعد بيعة المسلمين لعلي في يوم الغدير وقبل أن يتفرقوا نزل جبرائيل الأمين بالآية الكريمة: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾ .
فقال الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي بن أبي طالب من بعدي.
اليومَ.. تبدأ الآية بكلمة اليوم محلاةً بالألف واللام، لتشير إلى أهمية ذلك اليوم وعظمته، فما هو سر ذلك اليوم؟
ذلك اليوم الذي روى فيه أبو هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن صيامه يعدل عند الله عبادة ستين سنة!.
النتجة من الآية أنه: حدث أولاً: أن الله أكمل لنا ديننا. و ثانياً: أنه أتم علينا نعمته. وثالثاً: أنه رضي لنا الإسلام ديناً!.
وهنا نعرف إن تعين الخلافة أمر الهي من الله لا للأمة أن تحدد ذلك كما هو أمر النبوة من الله أيضا.
وبولاية علي أكمل الدين وتمة النعمة وبها رضي الرب.

آية الأذن الواعية:
﴿ وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) .
أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن يحيى بن سالم عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «لما نزلت ﴿ وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هي أذنك يا علي» (13) .

آية السبق إلى الجنَّة:
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) (14) .
عن ابن عباس قال سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن قول الله عزَّ وجل: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ﴾ فقال: قال لي جبرئيل: ذلك علي وشيعته هم السابقون إلى الجنة المقربون من الله بكرامته لهم (15) .

آية الوفاء بالنذر:
﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً (12) (16)

أسباب نزول السورة باختصار:
مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنك نذراً إن الله عافاهما، فقال أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عزَّ وجل، وكذلك قالت فاطمة (عليها السلام) وقال الصبيان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية، فأصبحوا صياماً.
وفي الليلة الأولى: عند الإفطار جلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي(عليه السلام) وإذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فوضع علي(عليه السلام) اللقمة من يده وهم لا يملكون غير خمسة أقراص من الشعير فقام علي ليعطيه قرصه وأعطته فاطمة والحسنان وفضه وفطرا على الماء وفي اليوم الثاني: عند الإفطار جاء يتيم يطلب الطعام فأعطوه كلهم واليوم الثالث: جاء أسير وأعطوه الطعام كما في الليلتين السابقتين قال شعيب في حديثه: وأقبل علي بالحسن والحسين (عليهما السلام) نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يا أبا الحسن شدّ ما يسوؤني ما أرى بكم!؟ انطلق إلى ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضمها إليه وقال: واغوثاه بالله؟ أنتم منذ ثلاث فيما أرى؟ فهبط جبرائيل فقال:يا محمد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرائيل؟ قال: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ﴾ حتى إذا بلغ ﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾ .
وقال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى دخل منزل فاطمة (عليها السلام) فرأى ما بهم فجمعهم ثم انكب عليهم فبكى وهو يقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم؟ فهبط عليه جبرائيل بهذه الآيات:
﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6) ﴾ قال: هي عين في دار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين ﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ﴾ يعني علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) وجاريتهم ﴿ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴾ ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له ﴿ مِسْكِيناً ﴾ من مساكين المسلمين ﴿ وَيَتِيماً ﴾ من يتامى المسلمين ﴿ وَأَسِيراً ﴾ من أسراء المشركين ويقولون إذا أطعموهم: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾ قال: والله ما قالوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم، فأخبر الله بما في ضمائرهم، ويقولون: لا نريد جزاء تكافئوننا، به ولا شكوراً تثنون علينا به، ولكن إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه، قال الله تعالى ذكره: ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً ﴾ في الوجوه ﴿ وَسُرُوراً ﴾ في القلوب ﴿ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً ﴾ يسكنونها ﴿ وَحَرِيراً  ﴾ يفترشونه ويلبسونه ﴿ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ﴾ والأريكة: السرير عليه الحجلة ﴿ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً ﴾ قال شيخنا المجلسي (رحمه الله) بعد ذكر أقوال المفسرين والمحدثين: في هذه السورة أقوال: بعدما عرفت من إجماع المفسرين والمحدثين على نزول هذه السورة في أصحاب الكساء (عليهم السلام) علمت أنه لا يريب (يشك) أريب ولا لبيب في أن مثل هذا الإيثار لا يتأتى إلا من قبل الأئمة الأخيار وأن نزول هذه السورة مع المائدة عليهم يدل على جلالتهم ورفعتهم ومكرمتهم لدى العزيز الجبار الخ.
وأما كيف يمكن لهؤلاء أن يتجوعوا ثلاثة أيام بلياليها فليس ذلك بمستبعد، لأننا نسمع ونقرأ في الصحف أن بعض الأفراد استمر صومهم أو اضرابهم عن الطعام أسابيع وأشهر كما نسمع اليوم عن اضراب السجناء الفلسطينين, هذه شهادة قرآنية لعلي وأهل بيته الكرام بالإخلاص والوفاء والطاعة لوجه الله تعالى والخوف منه ونتيجة العمل هو رضى الله عليهم والجنة.


(1) - شواهد التنزيل، ج1، ص42-43.
(2) - شواهد التنزيل، ج1، ص42-43.
(3) - شواهد التنزيل، ج1، ص42-43.
(4) - ينابيع الموّدة، ص126.
(5) - سورة البيِّنة، الآية: 7.
(6) - سورة الشورة، الآية: 24.
(7) - ينابيع المودة: ص162 ب46.
(8) - سورة المائدة، الآية: 67.
(9) - تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي: ج2، ص75، ط1 بيروت. القندوزي الحنفي في ينابيع المودة: ص134، ب37.
(10) - سورة الصافات، الآية: 24.
(11) - سورة المائدة، الآية: 3.
(12) - سورة الحاقة، الآية: 12.
(13) - الكافي: ج 1، ص 423، ك (الحجة) ب 109، ح 57.
(14) - سورة الواقعة، الآية: 10 - 12.
(15) - الأمالي للشيخ الطوسي.
(16) - سورة الإنسان، الآية: 7 - 12.

 

 

  طيور ذكرت في القرآن الكريم

  الغراب في القرآن الكريم

 

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ورد ذكر الغراب في القران الكريم في سورة المائدة، حيث قال سبحانه:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)(1) .


مواصفات الغراب:

الغراب طائر أسود اللون، خشن الصوت، يأكل الخضروات واللحوم، وإن كان ميله لأكل اللحوم أكبر.
الغراب له من حدة البصر ما يمكنه من التقاط التفصيلات من الارتفاعات الشاهقة على مساحات تقدر بمئات الكيلومترات المربعة, وبتفاصيل تفوق قدرة الإنسان بثلاث إلى أربع مرات.
والعلماء اليوم يعرفون من أنواع الغراب أكثر من خمسة وثلاثين نوعاً تنتشر في مختلف بيئات الأرض.

ذكاء الغراب:
كما أشرنا ورد ذكر الغراب في القرآن الكريم ودوره في هذه القصة هو تعليم الإنسان كيف يدفن موتاه. فلماذا أختاره الله سبحانه وتعالى من دون المخلوقات ليكون المعلم الأول للانسان؟ لقد أثبت العلم الحديث أن الغراب طائر شديد الذكاء. ومن أوضح الأدلة على ذلك أنه يدفن موتاه من بني جنسه ولا يتركها نهباً للجوارح من الطيور أو غيرها من الحيوانات المفترسة أو التعفن أو التحلل في الجو صوناً لكرامة الميت، وترفقاً بالبيئة والأحياء فيها. وقد ثبت أن الغراب يقوم بحفر الأرض بمخالبه ومنقاره ليكوَن حفرة عميقة فيها ثم يقوم بطي جناحي الغراب الميت وضمهما إل جنبيه، ورفعه برفق لوضعه في قبره ثم يهيل عليه التراب حتى يخفي جسد الغراب الميت تماماً كما يفعل المسلمون بموتاهم احتراما لهذا الجسد حياً أو ميتاً.
والغراب له قدرة فريدة على صناعة الأدوات الحجرية لاستخدامها في الحفر والتنقيب عن الحشرات في شقوق الأرض لافتراسها والتغذي عليها ولاستخدامها أيضاً في حفر قبور موتاه.
وقد ثبت علمياً بالدراسة والملاحظة أن الغراب هو أذكى الطيور وأمكرها على الإطلاق، ولا يدانيه في المكر والذكاء إلا بعض الببغاوات. ويعلل ذلك بأن الغراب يملك أكبر حجم لنصفي المخ بالنسبة إلى حجم الجسم في كل الطيور المعروفة. ولذلك تظهر علامات الذكاء المتميز عليه مثل:- الذاكرة والمعرفة والإدراك والقدرة على الاتصال والتحايل على حل المشكلات وبناء مجتمعات دقيقة التنظيم والقيام بالعديد من الأعمال الجماعية مثل الصيد واللعب وبناء الأعشاش والمحاكاة والفضول وحب الاستطلاع ورعاية الصغار وشدة اليقظة والانتباه والقدرة على الإدراك وعلى التحايل في اختطاف الطعام وفي طريقة إخفائه وعلى التمييز في التعامل بين القريب والغريب.
أيضاً شوهدت الغربان في أكثر من مكان وهي تُلقي على الطرق ما لم تستطع فتحه من الطعام والثمار والأصداف الصَلدة كجوز الهند وأصداف بلح البحر وبعض الحيوانات كبيرة الحجم كالسناجب كي تقوم السيارات المارة بدهسها وإعدادها لقمة سائغة لها... كما شوهدت وهي تقلد الصيادين بمهارة فائقة في صيد الأسماك وفي ترطيب الطعام الجاف بالماء.

محكمة الغربان:
للغربان محاكم تُلتزم قوانين العدالة الفطرية تُحاكم فيها أي فرد يخرج عن نظامها مثل التعدي على حرمات غراب آخر أنثى أو فراخ صغار أو عُش أو طعام. ولكل جريمة عند جماعة الغربان عقوبتها الخاصة بها. ففي حالة اغتصاب طعام الفراخ الصغار تقوم جماعة الغربان بنتف ريش الغراب المعتدي حتى يصبح عاجزاً عن الطيران تماماً كالفراخ الصغار قبل نمو ريشها. وفي حالة اغتصاب العش وتهدمه في مراحل الدفاع عنه تكتفي محكمة الغربان بإلزام المعتدي ببناء عش جديد لصاحب العش المعتدى عليه، وقد يتبع ذلك الطرد من الجماعة إذا تكررت الأخطاء من هذا النوع.
أما في حالة اغتصاب أنثى غراب آخر، فإن جماعة الغربان تقوم بقتل المعتدي ضرباً بمناقيرها حتى الموت!!! وتنعقد محاكم الغربان عادة في حقل من الحقول الزراعية، أو في أرض فضاء واسعة، تتجمع فيه هيئة المحكمة في الوقت المحدد، ويُنحى الغراب المتهم تحت حراسة مشددة، وتبدأ محاكمته حيث ينكس رأسه ويُخفض جناحيه، ويُمسك عن النحيب اعترافاً بذنبه. فإذا صدر الحكم بإعدامه، وثبت جماعة من الغربان على الغراب المذنب توسعه تمزيقاً بمناقيرها الحادة حتى الموت!!! وحينئذ يحمله أحد الغربان بمنقاره ليحفر له قبراً يتواءم مع حجم جسده يضع فيه الغراب القتيل ثم يهيل عليه التراب احتراماً لحرمة الميت.
وهكذا تُقيم الغربان العدل الإلهي في الأرض أفضل مما يُقيمه الكثير من بني الإنسان.

صغار الغراب:
عن الصادق(عليه السلام): «يا رازق النَّعّاب في عُشِّه» (2) :
النَّعّاب: الغُراب. والنَّعيب: صوتُه. وقد نَعَبَ يَنْعِبُ ويَنْعَبُ نَعْباً (3) . قيل: إنَّ فَرْخ الغُراب إذا خرج من بَيضتِه يكون أبيض كالشَّحْمة، فإذا رآه الغراب أنكره وتَرَكه ولم يَزُقّه، فيسوق الله إليه البَقَّ فيقَع عليه لِزُهومة ريحه، فيَلْقُطُها ويَعيشُ بها إلى أن يَطْلُعَ رِيشه ويَسْودّ، فيُعاوِدُه أبوه وأُمّه (4) .
والنَّعيب والنعيق: صوت الغراب، نَعَقَ الغُرابُ يَنْعِقُ نُعاقاً ونَعيقاً (5) .
و منه الغراب الناعق.
فهذه اللغة التي يصدرها الغراب اثناء حصول الخطر حيث يحذِّرُ بقيةَ الحيوانات بصوته الخاص كي تبتعد سريعاً عن منطقة الخطر، ويعتبر الغراب في الواقع بمنزلة جاسوس من جواسيس الغابة (6) .


فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
 


(1) - سورة المائدة، الآية: 27 - 31.
(2) - بحار الأنوار: ج95، ص264.
(3) - كتاب العين ج2، ص160.
(4) - غريب الحديث في بحار الانوار.
(5) - كتاب العين ج1، ص171.
(6) - نفحات القران: ج2، ص350.

  

  نباتات ذكرت في القرآن الكريم

  الرمان في القرآن الكريم


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الرُّمَّان فاكهة خريفية لذيذة :
شجرة الرُّمَّان ذات أزهار بيضاء وحمراء جميلة تتحوَّل إلى ثمار لذيذة ذات جلد قرمزي اللّون أو أصفر محمر تدعى جُلنار بضم الجيم و هي كلمة فارسية، ويحوي غلاف هذه الثمرة على المئات من الحبوب المائية اللاّمعة الحمراء أو البيضاء، وفي كلِّ حبَّة بذرة صلبة أو لينة وفقاً للنوعية والصنف.
و ما من شيء ورد ذكره في الكتاب الكريم إلاَّ و كان في جعبته من الفوائد ما لا يحصى و لا يعدّ...

ذكر الله سبحانه وتعالى الرمان في ثلاثة آيات من سورتي الرحمن والأنعام
وقال عز وجل: ﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ(1) .

وقال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُواْ إنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ(2) .

وقوله سبحانه: ﴿ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(3) .
ورد ذكر الرمان في الآيات الثلاثة مع النخل والزيتون والعنب، وطبيعياً الرمان يتقاسم مع هذه الأشجار المذكورة بجانبه في القرآن نفس الظروف المناخية إذ يتواجد وينموا في نفس المناطق المناخية لهذه الأشجار، حيث نجده ينمو ويثمر إلى جانب أشجار النخل في الواحات تحت وطأة الظروف المناخية الصحراوية الجافة وكذلك في المناطق الرطبة وما دونها وهو يتفق بذلك أيضا مع شجر العنب والزيتون في متطلباته المناخية للنمو والإثمار.
وقد جاء ذكر الرمان متأخرا في كل الآيات التي ورد فيها ذكره، والحكمة من ذلك قد تتجلى في كون الرمان:
1. دباغ (4) للمعدة كما جاء في القول المأثور عن الإمام علي(عليه السلام): «كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ للمعدة». فالإنسان حينما يتناول الطعام ينبه التوسع الآلي للمعدة إلى إفراز الحمض المعدي للهضم، وعندما تحرم نقطة ما من جدار المعدة من الفعل الوقائي أو حينما تفوق تأثيرات الحمض المعدي هذا الفعل الوقائي تحدث القرحة الهضمية.
ويستخدم قشور الرمان وشحمه (الأغشية الموجودة بين الفصوص) في علاج المعدة من القرحة الهضمية والوقاية منها، حيث يعمل على دباغ ظهارة المعدة لكونه يحتوي على كمية عالية من العفصات التي تترسب على الطبقة الظهارية فتجعل منها طبقة واقية يقع تحتها بناء النسيج المتلف.
2. فاكهة مطهرة للدم ومنظف للثة ولمجاري التنفس كما تساعد على هضم الأطعمة الدسمة بشكل جيد فضلا عن تنظيف الأمعاء من الجراثيم المرضية والسموم الجرثومية.
فتأخير ذكر الرمان في القرآن يوحي بتأخيره في الأكل، إذ من الأفضل أن يكون الرمان آخر الطعام لكي يستفاد أكثر من فوائده الصحية والطبية التي أثبتها العلم الحديث لهذه الشجرة المباركة.

زراعة الرمان:
تنمو شجرة الرمان في المناطق ذات المناخ القاري الحار وشبه الجاف والمعتدل وتتحمل انخفاضا حراريا يصل إلى -12 درجة وارتفاعا يزيد عن +40 درجة وعلوا عن سطح البحر يصل إلى 1200 متر، كما تتحمل الجفاف ونقص في التساقطات المطرية أو في مياه السقي وغالبا ما يكون ذلك على حساب نموها وإثمارها.
تتأقلم شجرة الرمان مع عدة أنواع من الأتربة سواء كانت فقيرة أم غنية وتفضل الأتربة الطينية الرملية العميقة، جيدة الصرف، كما أنها لا تتأثر بالملوحة ولا بالأتربة الكلسية. ولإنتاج فاكهة الرمان تزرع حاليا صنفين من هذه النبتة.
الأصناف الحلوة: تحتوي عند نضجها على حبات ذات ألوان حمراء تميل أحيانا إلى البياض ممتلئة بسائل حلو تؤكل طازجة.
الأصناف المرة أو الحامضة: تحتوي على حبات صلبة شديدة الحمرة ذات مذاق مر أو حامض وتستعمل هذه الأصناف في الصناعات الغذائية.

تقنيات زراعية:
إن زراعة الرمان سهلة وليست محفوفة بأية صعوبة فغالبا ما يترك شجر الرمان ينمو لوحده دون أية رعاية خاصة في الزراعات التقليدية.
وتتم عملية الزرع أو التشجير ابتداءا من فصل الخريف إلى فصل الربيع على المسافات التالية: 3 x 5، 4 x 5، 5 x 5 أمتار حسب نوعية الأتربة ووفرة المياه. ويفضل تقديم للأسمدة المتنوعة من x 2 وx 205 و(صلى الله عليه وآله وسلم) 20 بكميات محددة حسب مراحل نمو الشجرة والفاكهة.
إن إعطاء الأسمدة بشكل كثيف وغير دقيق (خاصة النيتروجين) يجعل الشجرة خصوصا الأغصان السنوية التي لا تثمر تنمو بشكل سريع وغير مرغوب فيه، كما تعمل على انكسار الفاكهة عند نضجها.

تكاثر شجر الرمان:
إن طرق تكاثر شجر الرمان عديدة ومتنوعة، تتم إما عن طريق البذرة أو العقل أوالسرطانات أو التطعيم أو الترقيد، والعقل أكثر الطرق استعمالا لتكاثر شجر الرمان نظرا لسهولته ونجاحه.
ولتكاثر شجر الرمان عن طريق العقل يتم اللجوء في شهر فبراير (شباط) وبداية شهر مارس (آذار) إلى الأفرع المزالة عند التقليم أو من السرطانات، إذا لم تكن الشجرة قد تم تطعيمها من قبل، وتأخذ العيدان ذات طول يتراوح بين 20-25 سنتمتر وسمك بين -0.5 - 1 سنتمتر ويغرس حوالي ثلثي طول العقل مباشرة في التربة إذ لا يبقى سوا برعم واحد ظاهرا فوق سطح الأرض. وللحصول على أفضل النتائج والتسريع في نشوء جذور العقل يتم اللجوء أحيانا إلى المعالجة بمادة  AIA أو AIB.
عرف شجر الرمان قديما في إيران وشمال الهند وقد تم توطينه في معظم الدول الدافئة وحوض البحر الأبيض المتوسط عن طريق اليونان والفينيقيين وحضارات أخرى، وانتقلت زراعة الرمان من الزراعة ذات الصبغة التقليدية المحدودة الانتشار إلى زراعة تجارية امتدت على مساحات شاسعة ساهمت بذلك في الرفع من دخل المزارعين.
شجرة الرمان تعمر حوالي 50 سنة ويصل علوها إلى 6 أمتار، أغصانها متفرعة وغالبا ما تكون حاملة للأشواك، أوراقها خضراء لامعة رمحية الشكل متقابلة أو دائرية، تتلون بألوان ذهبية جميلة قبل أن تسقط في فصل الخريف.

الأمراض:
إن شجرة الرمان نادراً ما تتعرض خلال مرحلة نموها وإثمارها للإصابة بالأمراض الفطرية والحشرية وغيرها وبالتالي هي غالباً ما تكون في منأى عن المعالجات الكيميائية مقارنة مع باقي الأشجار المثمرة الأخرى، إلا أنها قد تصاب أحياناً بالأمراض التالية:
حشرة المن التي تصيب البراعم والأوراق الحديثة العهد.
أمراض فطرية غالبا ما تكون في المناطق الرطبة وهي ناتجة عن فطريات التي تتسبب في تعفن وسواد حبات الرمان وتصبح بذلك غير صالحة للاستهلاك.
ذبابة الفاكهة التي تتسبب أحيانا في إلحاق بعض الأضرار بالفاكهة.
أمراض أخرى ناتجة عن إصابات بديدان أرضية وغيرها.

الزهرة ومراحل نمو الفاكهة:
زهرة الرمان تسمى (الجلنار) وهي زهرة حمراء فاتحة اللون رائعة المظهر وقد لفتت نظر العديد من الشعراء نظراً لجمال لونها وروعة منظرها، وتتفتح زهور شجرة الرمان في فترة ما بين أواخر شهر مايو (أيار) إلى شهر أغسطس (آب) وتمتد مرحلة الأزهار من 8 إلى 10 أسابيع حيث تتفتح أغلب الزهور ما بين الأسبوع الثالث والخامس.
تحتوي الشجرة على أزهار ذكرية عقيمة في شكل جرس وتشكل حوالي 60-70% من مجموع أزهار الشجرة الواحدة، وأزهار خنثوية منجبة تتكون من أعضاء ذكرية (الأسدية) وأعضاء أنثوية (المدقات) .
ويمكن لأزهار شجرة الرمان أن تخصب نفسها بنفسها كما يمكن أن تخصب بعضها البعض ويعطي الجيل الأول من التخصيب أفضل نسبة تشكل الفاكهة (90%) وتقل نوعية الفاكهة كلما تشكلت من أزهار الجيل المتأخر.
إنَّ المميزات الخارجية للرمان لا تعطي فكرة واضحة عن الجودة الداخلية للفاكهة (نوعية الحبوب) لذلك يقال في مثل مغربي (رمانة أمغمضة) أي يبقى السر دائما بداخلها ويقال هذا المثل حينما يعجز المرء عن نفاده إلى سر من الأسرار عن طريق حواسه.
تنضج فاكهة الرمان في فصل الخريف وهي ثمرة دائرية الشكل، يزيد قطرها عن 10 سم وزنها عن 200 غراما ذات لون أصفر ميال للاحمرار وهي عبارة عن كيس جلدي سميك بداخله عدة مقصورات تسمى الفصوص، مكونة من أغشية رقيقة (شحم الرمان)، تحتوي بداخلها على مئات البذور الصلبة أو اللينة حسب الأصناف، مكسوة بسائل أحمر متفاوت في حلاوة مذاقه.
وجني الرمان يكون ما بين أواخر شهر سبتمبر (أيلول) وأواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) وتتم عملية الجني عدة مرات متتالية كلما انجلى اليخضور من قشرة الرمانة. وتعطي الشجرة الواحدة حوالي 50 كيلوغراما من الرمان.

الفوائد الصحية والطبية لشجرة الرمان:
للرمان قيمة غذائية لا تقل أهمية عن كونه علاجاً فهو يحتوي على البروتينات والدهون والأملاح المعدنية ومن أهمها البوتاسيوم والحديد والنحاس وبعض الأحماض العضوية والفيتامينات. إن الفوائد الصحية التي يجنيها الإنسان من تناوله لفاكهة الرمان عديدة ومتنوعة خاصة فيما يتعلق بالجهاز الهضمي، حيث أثبتت ذلك العديد من الأبحاث والدراسات العلمية وفيما يلي بعض فوائد شجر الرمان:
يستخدم قشور الرمان لعلاج قرحة الجهاز الهضمي ودبغ ظهارة المعدة.
يستخدم شراب الرمان ومسحوق القشور والساق والجذور في علاج الإسهال لأنه يعمل على تغيير طبيعة بروتينات الأمعاء ويقلل من ارتشاح السوائل فضلا من أنه يقتل الجراثيم المرضية ويمتص السموم الجرثومية.
يفيد نقيع قشور الرمان في طرد الديدان الشريطية وقاتل لطيف واسع من الطفيليات كما يفيد في علاج البواسير.
يفيد قشور الرمان ممزوجا بالتمر في علاج التقيؤ.
يستخدم مغلي أزهار الرمان لعلاج التهابات اللثة والتخمرات اللثوية ورائحة الفم.
يستخدم الرمان كمضاد لتصلب الشرايين عند الأشخاص الأصحاء أو الإصابة بأمراض القلب لكونه يخفض من مستوى الكولسترول الضار في الجسم ويرفع من الكولسترول المفيد.
يعتبر الرمان من الفواكه المطهرة للدم والمنظف لمجاري التنفس ويساعد على الهضم ويقلل آلام النقرس.
يفيد عصير الرمان ممزوجا بالعسل في تهدئة الأعصاب والإرهاق.
وأكدت بعض الدراسات الحديثة أن الرمان، يحتوي على فعالية كبيرة مضادة للأكسدة كما قد يتوفر على عناصر مضادة للسرطان وخصوصا سرطان البروستات (5) .
وفي كتاب «الغذاء لا الدواء» للدكتور صبري القباني، يقول في الرمان: «للرمان ثلاثة أنواع: حلو حامض ومعتدل، وتختلف ميزاته وخصائصه باختلاف نوعه، وباختلاف نسبة المواد السكرية الموجودة فيه، فالنوع الحلو منه يحتوي على حمض الليمون بنسبة 1% والسكر بنسبة 7% والبروتينات 1% والألياف 2% والرماد بنسبة 4.7% ودسم بنسبة 3% وماء بنسبة 81.3%. كما يوجد فيه مقادير )ضئيلة من الأملاح المعدنية وخاصة الحديد والفيتامين (ج1) .
أما في الجزء الصلب من الرمان، (بذر الرمان) فترتفع نسبة البروتين إلى 9%، والمواد الدهنية إلى 7%.
وإحدى المزايا الهامة لحبوب الرمان، (التي يبلغ عددها في الرمانة الواحدة نحو 840 حبة، حسب دراسة بريطانية)، فهي قدرتها على هضم المواد الصعبة. وخاصة الشحوم والدهن، لذلك فإن استخدامها في المأكولات الثقيلة، يساعد المعدة في عملية هضم الطعام.
مثبت للألوان: أما قشور الرمان، فإنها لا تقل فائدة عن لبه.. فهي تحتوي على نسبة 38% من حامض (الغلوتانيك)، وعلى (البليترين)، فيفيد مغلي القشور في حالات الإسهال، وله مفعول قوي في طرد الدودة الوحيدة من الأمعاء، ويستفاد من خواص القشور في تثبيت الألوان (وخاصة صبغات الشعر الطبيعية)، كالحناء.
أن شرب نحو ربع ليتر من عصر الرمان يومياً، يزيد من استقرار سرطان البروستات. وأنه قادر بإذن الله على تمكين مرضى السرطان من العيش باستقرار، وتقليل حالات الوفاة الناتجة عن هذا المرض الخطير، والذي ينتشر ويزداد خطره باستمرار مع تقدم العمر.

محاذير الرمان:
هذه محاذير وأمور مهمة لمن يستخدم مستحضرات الرمان (وليس الثمرة) وانما القشور والساق والأزهار:
يجب عدم استعمال قشور ثمرة الرمان وقشور جذر الرمان أو ساق الرمان وكذلك الأزهار في حالة كون المرأة حاملا أو تخطط للحمل.
إذا كان أي شخص لديه مرض مزمن في القناة الهضمية والتي تشمل المعدة والأمعاء والقولون فيجب عدم استخدام قشر ثمرة الرمان أو قشور الجذر أو الساق أو الأزهار. إذا كنت مما يتعاطون الملينات أو الأسبرين أو الوصفات الخاصة بالكحة أو البرد ومضادات الحموضة والفيتامينات أو المعادن أو الأحماض الأمينية فيجب عليك عدم استخدام قشور ثمرة الرمان.
لا يعطى الأطفال دون سن الثانية أيا من المستحضرات العشبية.
قشور جذر الرمان تحتوي على مواد سامة ولذا يجب عدم استخدام القشور إلا بعد استشارة الطبيب أو مختص لتحديد الجرعات.
هناك فئة محدودة من الناس حساسة لمستحضرات الرمان فإذا أصابك إسهال شديد وأنت تستخدم أيا من مستحضرات الرمان فأوقف الاستخدام.
كما يصاب بعض الأفراد في حالات معينة قليلة بشيء من الدوار أو الغثيان أو ضعف عند استخدام مستحضرات الرمان فإذا شعرت بدوار مع غثيان فأوقف العلاج واتصل بطبيبك مباشرة.

ذكر الرمان في الروايات:
وقد ورد في عدة روايات من أهل بيت العصمة والنبوة توصي بتناول الرمان وتصف بعض مزاياه التي أكدها الطب الحديث فمنها ما روي عن الإمام علي(عليه السلام) أنه قال: «كلوا الرمان بشحمه، فإنه دباغ للمعدة» (6) ، وقال(عليه السلام): «أطعموا صبيانكم الرمان فإنه أسرع لألسنتهم» (7) ، وقال(عليه السلام) لصعصعة بن صوحان: كله مع قشره (أي مع شحمه) فإنه يذهب بالحفر (صفرة تعلو الأسنان) وبالبخر (النتن في الفم) ويطيب النفس.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «في كل رمانة حبة من الجنة» (8) .


فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.


(1) - سورة الرحمان، الآية: 68.
(2) - سورة الأنعام، الآية: 141.
(3) - سورة الأنعام، الآية: 99.
(4) - والدباغ في اللغة معناه التليين والتهذيب إذ نقول دبغ الجلد دبغا ودباغا ودباغة أي عالجه بمادة ليليين ويزول ما به من رطوبة ونتن.
(5) - من المصادر: أمراض جهاز الهضم،هاريسون ترجمة د. حسان أحمد قميحة،1996م ؛ الطب الوقائي، د.فواز محمد حيدر، 2000م.
(6) - مسند الإمام الرض(عليه السلام): ص154.
(7) - الأمالي للطوسي: ص753.
(8) - بحار الانوار:ج103، ص221.

 

 أنشطة الجمعية

  أنشطة جمعية القرآن الكريم


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطاهرين.
يقول سبحانه: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... ﴾ .
فقد اختصر الاسلام نظريته في التعليم القرآني بأول كلمة وحي من الباري عز وجل نزلت على قلب الرسول العظيم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي كلمة: (اقْرَأْ...) . ومع أن هذه الجملة في الآية الكريمة تفيد خصوص القراءة للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الا أن مقتضاها أوسع من ذلك. فتوجيه صيغة الأمر بالقراءة سيساعد المكلفين حتماً على فهم الاحكام الشرعية وتطبيقها، ويساعدهم أيضاً على قراءة القرآن والتفكر في آياته العظيمة، وعلى تنشيط عقولهم لتطوير الحياة الانسانية في مختلف مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية. وفي المشهور: «اطلبوا العلم من المهد الى اللحد»، وقوله(عليه السلام): «أيها الناس اعلموا ان كمال الدين طلب العلم والعمل به، وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال»(1)، دلالة على أن طلب العلم والتفقه يشمل المسلمين عموماً ولا يختص بفئة دون أخرى. فكمال الدين إذن ـ حسب الرواية ـ والسمو في فهم الاحكام الشرعية وعللها، لايتم الا عن طريق طلب العلم والاجتهاد في تحصيله. وبذلك، فان الاسلام وضع العلم على سلم الحاجات البشرية التي ينبغي اشباعها.
ونحن في جمعية القرآن سخرنا أنفسنا كلياً لخدمة الامة، ولتقديم ما أمكن لتنمية الثقافة القرآنيَّة في المجتمع من خلال الدورات التعليمية والمؤلفات والنشاطات واليكم هذا العرض السريع لهذه النشاطات.

1- نشاط القسم التعليمي وبرامجه :

القسم التعليمي وبرامجه:
يضع القسم التعليمي المركزي برامجه التي سيقيمها في غضون الأشهر الثلاثة القادمة (أيار - حزيران - تموز 2013 م) بين يدي القرَّاء الأعزاء لتسنح لهم فرصة الاستفادة والمشاركة في البرامج والدورات وهي على الشكل التالي:
1 - الحلقات القرآنية في المساجد والحسينيات.
2 - التلاوة الصحيحة.
3 - التجويد بكل مستوياته.
4 - فن التلاوة ( الصوت والنغم) .
5 - مجمع قرَّاء القرآن والقارئات في كل لبنان.
6 - المفاهيم القرآنيَّة.
7 - مباني التفسير ومناهجه.
8 - إعداد المدرس القرآني.
9 - علم الوقف والإبتداء.
10 - أساليب تحكيم المسابقات القرآنيَّة.
11 - الورش التعليميَّة (مهارات وتقنيات)
12- الدورات التعليمية المركزيَّة:
أ - أساليب تدريس مباني التفسير.
ب - أساليب تحفيظ القرآن الكريم.
ج - تأهيل قرَّاء القرآن وقارئاته.
د - التجويد التخصصي والوقف والابتداء.

2- نشاط قسم تحفيظ القرآن:

قسم التحفيظ للقرآن الكريم:
برعاية الأمين العام حجة الإسلام والمسلمين سماحة السيد حسن نصر الله ممثلاً بنائبه سماحة الشيخ نعيم قاسم أقامت جمعية القرآن الكريم بالتعاون مع جمعية المعارف الثقافية والتعبئة التربوية في حزب الله الاحتفال الرابع لتكريم الفائزين في جائزة سيد شهداء المقاومة الإسلامية الشهيد السيد عباس الموسوي ﴾ لحفظة القرآن الكريم الجامعيين. مثّل جمعية القرآن الكريم ومديرها العام سماحة الشيخ علي عارف ومثّل جمعية المعارف الثقافية سماحة الشيخ حسين زين الدين ومثّل التعبئة التربوية الدكتور عبد الله زيعور إلى جانب أساتذة الجامعة اللبنانية وعمدائها وطلابها ورؤساء وممثلي الجمعيات الثقافية والتربوية والكشفية والمكرّمين.

أسماء الحفظة الجامعيين الناجحين في جائزة سيد شهداء المقاومة الإسلامية
الشهيد السيد عباس الموسوي (رض) لعام 1434هـ – 2013م للسنة الرابعة

 

 

 

3- نشاط قسم النشاطات:
 

بذكرى الاسراء والمعراج وذكرى المبعث النبوي الشريف لعام (1434هـ) تحيي جمعية القرآن الكريم بالتنسيق مع جمعية المعارف الثقافية الاسلامية سلسلة من الأمسيات القرآنية في كافة المناطق حيث تستيضف الجمعية نخبة من كبار القرّاء وفرق التواشيح والحفاظ الدوليين من مصر وسوريا والعراق وايران.

كما أن الجمعية ستجري مباراة السيدة زينب (عليها السلام) القرآنية الطلابية في المدارس الرسمية والخاصة وذلك في ما يلي:


 

4- نشاط قسم الدراسات:

أصدرت جمعية القرآن خلال شهر أيار :
مجلة هدى القرآن العدد (7).
مجلة نافذة من السماء العدد (9).
أريج القرآن العدد (70).

 

 



س 1: أكمل قول أمير المؤمنين  (ع): «كتاب الله تبصرون به ....».
أ-
وتنطقون وتسمعون به. 
ب-
تسمعون تنطقون به.
ج- كلاهما صحيح.

س 2: ما معنى «الاُخدود»؟ 
أ-
الشق العظيم في الأرض. 
ب-
الخندق.
ج-
كلاهما صحيح.

س 3: ما المعنى اللغوي الأصح بين الآراء الثلاثة للفظ السورة؟
أ-
 بمعنى الحائط والحصن.
ب-
بمعنى ما بقى وما فضل من الماء. 
ج-
 بمعنى المنزلة الرفيعة.

س 4: أكمل قول الإمام الصادق(عليه السلام): «الْحَافِظُ لِلْقُرْآنِ الْعَامِلُ بِهِ مَعَ......»:
أ-
الْكِرَامِ السَّفَرَةِ الْبَرَرَةِ.
ب-
السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ.
ج-
الْبَرَرَةِ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ.


س 5: ما هي تُقسيمات سُوَر القرآن؟
أ - السَبْع الطُول، المئون.
ب - المثاني، المفصّل.
ج - كلاهما صحيح.


س 6: من أسماء المدينة:
أ - طيبة، يثرب.
ب - المحبوبة، العذراء.
ج - كلاهما صحيح.

 

س 7: هل يجب عليّ الوضوء عند قراءة القرآن؟
أ - يجب.
ب - لا يجب لكنه مستحبّ.
ج - لا ألف ولا باء.

س 8: من المقصود بقوله﴿ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ في روية الشيخ الكليني رحمه الله ؟
أ-
فاطمة (عليها السلام).
ب-
إبراهيم (ع).
ج-
الحسين (ع).

س 8: بمن نزل قوله تعالى: ﴿ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾؟
أ - في علي(عليه السلام) فقط.
ب - في أهل بيته (عليهم السلام) فقط.
ج - في علي وأهل بيته (عليهم السلام).

 

س 9: من القائل: «جاء الإسلام والقرآن الكريم من أجل بناء الإنسان وتربيته»؟
أ- الإمام الخميني (قده).
ب- الإمام الخامنئي (دام ظله).
ج- سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).

س 10: من القائل: «إنَّ الأجيال المحبة للقرآن تتوالى جيلاً بعد آخر»؟
أ- الإمام الخميني (قده).
ب- الإمام الخامنئي (دام ظله).
ج- سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).


قسيمة مسابقة هدى القرآن العدد (7)

 

الفائزون في مسابقة هدى القرآن العدد (6) هم بالترتيب:
الأولى: نرجس محمود كركي - الجناح.
الثانية: سارة علي مرعي- البقاع الغربي.
الثالثة: أحمد إبراهيم حسن - حارة حريك.

يمكنكم مراجعة مراكز الجمعية في المناطق لاستلام الجائزة .


  تسلية وفائدة قرآنية

 

 

 

أفقيَّاً:
1 -نبي رزقه الله تعالى ولداً وهو شيخ.
2 - نبي اكتشف ماء زمزم.
3 - ابنة أحد الأنبياء كانت زوجة لنبي آخر.
4 - حيوان ولد من الصخر.
5 - تكملة لقوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عليكم ............. كما كُتب على الذين من قبلكم ﴾ .
6 - من الأنبياء الذين ذكر اسمه قبل ولادته.
7 - شيء يتنفس بدون روح.
8 - نبي قتل من أجله أولاد كثيرون.
9 - نبي سالت الدماء عند رؤيته.
10 – نبي ذكر اسمه قبل ولادته.


عاموديَّاً:
1 - اسم أول سورة من الجزء 27.
2 - مدَّة حمل النبي يحيى(عليه السلام) في بطن أمه.
3 - ملك ادعى الألوهية.
4 - إمرأة سعت بين الصفا والمروة لأول مرة.
5 - كلمة ناقصة من قوله تعالى: ﴿ وأنه ............. أضحك وأبكى ﴾ .
6 - كلمة ناقصة من قوله تعالى: ﴿ فهو ............. عيشة راضية ﴾ .
7 - كلمة ناقصة من قوله تعالى: ﴿ ويسألونك عن ............. القرنين ﴾ .
8 – بداية الآية ﴿ .............. والقرآن ذي الذكر ﴾ .


الأجوبة الصحيحة لمسابقة هدى القرآن العدد (6)

 

ج1 - تكملة قول أمير المؤمنين(عليه السلام): «عليكم بالقرآن فاتخذوه....» هي:
أ - إماماً.
ب - وقائداً.

ج2 – يسمّي أهل العرفان دعاء يونس(عليه السلام):  باليونسية.

ج3 – معنى اللغوي للفظ الآية في قوله تعالى: ﴿ قال رب اجعل لي آية ﴾ هو: العلامة الظاهرة.

ج4 – السيد الطباطبائي (قده) خصَّ التفسير بالرأي: بالاستبداد بالرأي في تفسير القرآن.

ج5 – الاجتهاد في فهم القرآن هو: بذل الجهد في فهم مقاصد الآيات.

ج6 - ماذا قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) بعد قوله: ومن قرأ حرفا وهو جالس في صلاته:
أ - كتب الله له خمسين حسنة.
ب - ومحا عنه خمسين سيئة.

ج7 – يجوز بيع القرآن الكريم:
أ - يجوز بيعه بما هو جلد لا بما هو كلام الله تعالى.
ب - يجوز بيعه بما هو ورق لا بما هو كلام الله تعالى.

ج8 – المقصود بقوله ﴿ الزجاجة كأنها كوكب دري ﴾ في روية الشيخ الكليني رحمه الله هي: فاطمة (عليها السلام).

ج9 – القائل: «إن تفسير القرآن ليس من المهام التي يستطيع أمثالنا أداء حقها» هو: الإمام الخميني (قده) .

ج10 - القائل: «على الشباب الأعزاء أن يأنسوا بالقرآن» هو: الإمام الخامنئي (دام ظله) .

 


أجوبة تسلية وفائدة قرآنية للعدد (6) :

أفقياً:
1 - كلمة عبر بها النبي عن سورة هود هي: شيبتني.
2 - الجزء الثلاثون من القرآن يعرف باسم آخر هو: جزء عمّ.
3 - اسم الشخص الذي ذمته سورة المسد هو: أبو لهب.
4 - سورة يساوي عدد آياتها عدد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) هي: التحريم.
5 - معجزة النبي صالح(عليه السلام) هي: الناقة.
6 - سورة تكررت فيها ﴿ فبأي آلاء ربكما تكذبان ﴾ هي: الرحمن.
7 - نبي قال عنه بنو اسرائيل أنه ابن الله هو: عزير.
8 - امرأة مدحها القرآن هي: مريم.
9 - اسم سورة بدأت بـ (الر) هي: يونس.
10 – سورة خلت من حرف الفاء هي: الحمد.


عاموديَّاً:
1 - معنى لكلمة (إِلْحَافًا) هي: الحاحاً.
2 - معنى لكلمة الـ (سِنَةٌ) هي: النعاس.
3 - سورة ذكرت فيها قصَّة معراج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي: الإسراء.
4 - المكان الذي قتل فيه فرعون هو: البحر.
5 - كلمة ناقصة من قوله تعالى: ﴿ والأخرة .. وأبقى ﴾ هي: أَشَدُّ.
6 - كلمة ناقصة من قوله تعالى: ﴿ النار .. الوقود ﴾ هي: ذَاتِ.
7 - كلمة ناقصة من قوله تعالى: ﴿ يوم يفر المرء .. أخيه ﴾ هي: مِنْ.
8 – اسم سورة بدأت بـ(الْحَمْدُ لِلهِ) هي: سبأ.

 

 

 

 

 

  ملاحظة: إلى القرّاء الكرام:


تحية طيبة إليكم من إدارة المجلة، ونحن نرحب بأي اقتراح من قبلكم لتطوير المجلة ويمكن لكم مراسلتنا من خلال مراكز جمعية القرآن الكريم من كافة المناطق.


عناوين جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد
الإدارة العامة: بيروت - لبنان - حارة حريك - أوتوستراد المطار - سنتر صولي ط2 هاتف: 274721 /01 - تلفاكس: 545723/ 01
بيروت: 278845/01 - النويري: 663914/01 - كيفون: 270158/05
الجنوب : النبطيــة: 764749/07 - مشغــرة - القطراني: 651915/08 - الغسانية: 958404/70
صور - شحـور: 675170/03- جويـا: 411355/07 ـ الشعيتية - بنت جبيل: 349292/07
بـعـلبـك - ـ قصرنبا: 373786/08 ـ النبي شيت: 335013/08 - شمسطار: 373786/08
الهرمــل - العين - القصر: 200235/08

www.qurankarim.org     E-mail: info@qurankarim.org  

11-06-2013 | 11-20 د | 14104 قراءة


الصفحة الرئيسة
جمعية القرآن الكريم
المكتبة الصوتية والمرئية
معرض الصور
مكتبة الكتب
سؤال وجواب
صفحة البحــــث
القائمة البريـدية
سجـــــــل الزوار
خدمــــــــة RSS
تواصل معنا
 
فلاشات إخبارية
جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - لبنان

2749734 زيارة منذ 18- تموز- 2008

آخر تحديث: 2023-12-07 الساعة: 12:56 بتوقيت بيروت