تفسير سورتي يس والصافات

 جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - بيروت - لبنان

يس

القسم الأول

القسم الثاني

القسم الثالث

الصافات 

القسم الأول

القسم الثاني

القسم الثالث

القسم الرابع

فضيلة تلاوة سورة الصافات 41
محتوى سورة الصافات 41
الآيات من 1 إلى 51 43
اللغة والبيان 45
التفسير 46
الملائكة المستعدة لتنفيذ المهام 46
حفظ السماء من تسلل الشياطين 47
أإنا وآباؤنا لمبعوثون من جديد؟ 49
المناقشات التي تدور في جهنم بين الاتباع والمتبوعين الضالين 50
مصير أئمة الضلال وأتباعهم 51
جوانب من النعم تغدق على أهل الجنّة 53

 


  فضيلة تلاوة سورة الصافات

 سورة الصافات، مكّية وآياتها مائة وإثنان وثمانون آية.

 

جاء في حديث عن رسول الله (ص) أنه قال: «من قرأ سورة الصافات أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد كل جن وشيطان، وتباعدت عنه مردة الشياطين، وبرىء من الشرك، وشهد له حافظاه يوم القيامة، أنه كان مؤمناً بالمرسلين» (10)

وفي حديث عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: «من قرأ سورة الصافات في كل جمعة لم يزل محفوظاً من كل آفة، مدفوعاً عنه كل بلية في حياته الدنيا، مرزوقاً في الدنيا بأوسع ما يكون من الرزق ولم يصبه الله في ماله ولا ولده ولا بدنه بسوء من شيطان رجيم، ولا جبار عنيد، وإن مات في يومه أو ليلته بعثه الله شهيداً، وأماته شهيداً، وأدخله الجنة مع الشهداء في درجة من الجنة» (11)

 


  محتوى سورة الصافات

بصورة عامة يمكن تلخيص محتوى هذه السورة بخمسة جوانب:

الجانب الأول: يبحث حول مجاميع من ملائكة الرحمن، ومجموعة من الشياطين المتمردين ومصيرهم.

الجانب الثاني: يتحدث عن الكافرين، وإنكارهم للنبوة والمعاد، والعقاب الذي ينتظرهم يوم القيامة، كما يستعرض الحوار الذي يدور بينهم في ذلك اليوم، ويحملهم جميعاً الذنب، والعذاب الالهي الذي سيشملهم، كما يشرح جوانب من النعم الموجودة في الجنة إضافة الى ملذاتها وجمالها وسرور أهلها.

الجانب الثالث: يشرح بصورة مختصرة تأريخ الأنبياء أمثال (نوح) و (ابراهيم) و (اسحاق) و (موسى) و (هارون) و (إلياس) و (لوط) و (يونس) (ع) وبصورة ذات تأثير قوي، كما يتحدث هذا الجانب بشكل مفصل عن ابراهيم (ع) محطم الأصنام وعن جوانب مختلفة من حياته.

الجانب الرابع: يعالج صورة معينة من صور الشرك والذي يمكن اعتباره من أسوأ صور الشرك، وهو الاعتقاد بوجود رابطة القرابة بين الله سبحانه والجن, والله والملائكة، ويبين كيف أن جملاً قصيرة تدك مثل هذه العقائد التافهة ولا تُبقي لها أدنى قيمة.

الجانب الخامس: ويتناول في عدة آيات قصار انتصار جيوش الحق على جيوش الكفر والشرك والنفاق، وابتلاءهم – أي الكافرين والمشركين والمنافقين – بالعذاب الالهي، وتنزه آيات هذا الجانب الله سبحانه وتقدسه عن الأشياء التي نسبها المشركون إليه، ثم تنتهي السورة بالحمد والثناء على الباري عزّ وجلّ.

 


  الآيات من 1 إلى 51

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ (36) بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ (45) بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)

 


  اللغة والبيان

الصَّافَّاتِ: تعني الصفوف المتعددة.

الزَّاجِرَاتِ: فإنها مأخوذة من (الزجر) ويعني الصرف عن الشيء بالتخويف والصراخ.

التَّالِيَاتِ: من (التلاوة) وهي جمع كلمة (تالٍ) وتعني طوائف مهمتها تلاوة شيء ما.

السَّمَاءَ الدُّنْيَا: هي أدنى السماوات وأقربها إلينا.

مَارِدٍ: عاتٍ متمرد ومريد بفتح الميم مبالغة في المارد.

دُحُوراً: الدحور الطرد.

وَاصِبٌ: أي دائم.

ثَاقِبٌ: مضيء.

فَاسْتَفْتِهِمْ: فاسألهم.

طِينٍ لازِبٍ: ملتزق بعضه ببعض.

داخرون: صاغرون.

زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ: صيحة واحدة.

يَوْمُ الدِّينِ: يوم الجزاء، ويوم الفصل بين الخلائق وتمييز المحق من المبطل.

الْيَمِينِ: يطلق على معانٍ، منها اليد، ومنها الجهة التي ضد اليسار، ومنها البركة والقوة، والمراد بها هنا الإغواء مجازاً بدليل جواب المتبوعين للتابعين: {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ}.

مَعِينٍ: ماء غزير.

لَذَّةٍ: لذيذة.

غَوْلٌ: صداع.

وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ: لا يفنى شرابهم.

قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ: يحبسن نظراتهن على أزواجهن.

عِينٌ: جمع عيناء وهي واسعة العينين.

مَكْنُونٌ: مستور.

قَرِينٌ: صاحب.

 


  التفسير

  الملائكة المستعدة لتنفيذ المهام

{وَالصَّافَّاتِ صَفًّ} (1)

أنها الملائكة تصف أنفسها صفوفاً في السماء كصفوف المؤمنين في الصلاة.

{فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً} (2)

أنها الملائكة تزجر الخلق عن المعاصي زجراً.

{فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} (3)

انها الملائكة تقرأ كتب الله تعالى المنزلة على الأنبياء(ع).

{إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} (4)

جواب القسم بتلك المقدسات التي ذكرناها فإن الأصنام ستزول وتدمر، وإنه سبحانه واحد لا شريك له في الخلق والتدبير ولا شبيه ولا نظير له تعالى على الاطلاق.

{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} (5)

أي خالقهما ومدبرهما وكل ما بينهما من سائر الأجناس من الحيوان والنبات والجماد (وربّ) مطالع الشمس التي بعدد أيام السنة ثلاثمائة وستون مشرقاً والمغارب مثل ذلك تطلع الشمس كل يوم من مشرق وتغرب في مغرب.

 


  حفظ السماء من تسلل الشياطين

{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} (6)

المعنى أن الله سبحانه جعل الكواكب في سمائنا زينة وجمالاً بأشكالها وأنوارها، بالاضافة الى منافعها وفوائدها: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (12) وقوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } (13)

{وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} (7)

المعنى وحفظناها من دنوّ كل شيطان للاستماع فإنهم كانوا يسترقون السمع ويستمعون الى كلام الملائكة ويقولون ذلك الى ضعفة الجن وكانوا يوسوسون بها في قلوب الكهنة ويوهمونهم أنهم يعرفون الغيب فمنعهم الله تعالى عن ذلك.

{لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} (8)

أي لكيلا يتسمعوا الى الكتبة من الملائكة في السماء ويرمون بالشهب من كل جانب من جوانب السماء إذا أرادوا الصعود الى السماء للاستماع.

{دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} (9)

أي دفعاً لهم بالعنف وطرداً ولهم مع ذلك أيضاً عذاب دائم يوم القيامة.

 

أولئك الذين لا يقبلون الحق

{إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} (10)

والتقدير لا يتسمعون الى الملائكة إلا من وثب الوثبة الى قريب من السماء فاختلس خلسة من الملائكة واستلب استلاباً بسرعة فلحقه وأصابه نار مضيئة محرقة والثاقب المنير المضيء وهذا كقوله إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين.

{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} (11)

خاطب سبحانه نبيّه الكريم (ص) فقال: سل الذين ينكرون البعث: أيهما أعظم؟ إحياؤهم بعد الموت أو إيجاد هذا الكون بعجائبه؟ وما من شك أن خلق الكون أعظم، إذن كيف أنكروا البعث، وناقضوا أنفسهم بأنفسهم؟ وقد خلقهم الله سبحانه من طين رخو لزج يلزم ما يجاوره ويلتصق به.

{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} (12)

أي انك تعجب يا محمد من المشركين حيث جعلوا لله شركاء مع أن دلائل التوحيد بينة واضحة.. وهم أيضاً يعجبون منك بل ويسخرون لأن دلائل الشرك هي البينة الواضحة في مفهومهم.. لا دلائل التوحيد.

{وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ} (13)

أي وإذا خوّفوا بالله ووعظوا بالقرآن لا ينتفعون بذلك ولا يتعظون به.

{وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} (14)

أي (وإذا رأوا آية) من آيات الله ومعجزة مثل انشقاق القمر وغيرها يستهزؤون ويقولون هذا عمل السحر.

{وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ} (15)

أي وقالوا لتلك الآية ما هذا إلاّ سحر ظاهر وتمويه.

 


  أإنا وآباؤنا لمبعوثون من جديد؟

{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} (16)

أي كيف يبعث من عفت القرون آثاره، وأصبح أشلاء وهباء.

{أَوَآَبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ} (17)

أي أو يبعث آباؤنا بعدما صاروا تراباً يعنون أن هذا لا يكون.

{قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} (18)

أمر سبحانه نبيّه (ص) أن يجيبهم بأنهم مبعوثون وأنتم صاغرون مهانون أذلاء.

{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} (19)

أي فإنما قصة البعث صيحة واحدة من إسرافيل فإذا هم أحياء ينتظرون ما ينزل بهم من عذاب الله تعالى.

{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} (20)

أي يقولون معترفين على نفوسهم بالعصيان (يا ويلنا) من العذاب وهي كلمة يقولها القائل عند الوقوع في الهلكة ومثله يا حسرتنا ينادون مثل هذه الأشياء على وجه التنبيه على عظم الحال هذا يوم الحساب والجزاء، والمراد أنهم اعترفوا بالحق خاضعين نادمين.

{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (21)

أخبر سبحانه عن حالهم فقال (هذا يوم الفصل) بين الخلائق والحكم وتمييز الحق من الباطل على وجه يظهر لجميعهم الحال فيه، وذلك بأن يدخل المطيع الجنّة على وجه الاكرام، ويدخل العاصي النار على وجه الاهانة، (الذي كنتم) يا معشر الكفار (به تكذّبون) وهذا كلام بعضهم لبعض وقيل بل هو كلام الملائكة.

{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} (22)

المعنى أنه يحشر غداً المشرك مع المشركين في مكان واحد من جهنم ومعهم الأصنام التي كانوا يعبدون، وكذلك السارق مع السارقين، وصاحب الخمر مع أصحاب الخمر، وهكذا كل شكل الى شكله قرين تماماً كما كانوا في الحياة الدنيا.

{مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} (23)

أي بعد أن يتم حساب المجرمين يقال للملائكة: عجلوا بهم الى سواء الجحيم، سوقوهم الى طريقها.

 


  المناقشات التي تدور في جهنم بين الاتباع والمتبوعين الضالين

{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} (24)

أي قبل أن تذهب الملائكة بالمجرمين الى جهنم يحبسون للسؤال عمّا كانوا يعملون، وفي بعض الروايات: يسأل المرء يومذاك عن عمره فيم أبلاه، وعن ماله مم كسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به.

{مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} (25)

الخطاب للمجرمين، والمعنى يقال لهم غداً: لماذا لا يدفع بعضكم العذاب عن بعض في هذا اليوم، وقد كنتم في الحياة الدنيا متكافلين متضامنين ضد الحق وأهله، والغرض من هذا السؤال التقريع والتوبيخ.

{بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} (26)

أي منقادون خاضعون لأمر الله تعالى لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (27)

هذا إخبار منه سبحانه أن كل واحد منهم يقبل على صاحبه الذي أغواه فيقول له على وجه التأنيب والتعنيف لِمَ غرّرتني ويقول ذلك له لِمَ قبلت مني وقيل يقبل الاتباع على المتبوعين والمتبوعون على الاتباع يتلاومون ويتعاتبون ويتخاصمون.

{قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} (28)

أي يقول الكفار لِغواتهم أنكم كنتم تأتوننا من جهة النصيحة واليمن والبركة ولذلك أقررنا لكم، والعرب تتيمن بما جاء من اليمين.

{قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (29)

قالوا في جواب ذلك ليس الأمر كما قلتم (بل لم تكونوا) مصدّقين بالله سبحانه.

{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طَاغِينَ} (30)

أي ما كنا نملك القدرة والقوة فنجبركم على الكفر فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم فإنه لازم لكم ولاحق بكم (بل كنتم قوماً) خارجين عن الحق باغين تجاوزتم الحد الى أفحش الظلم وأعظم المعاصي.

{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} (31)

أي قد كان من نتيجة كفرنا واغوائنا لكم، واستجابتكم لنا أن حقت علينا وعليكم كلمة العذاب، كما ترون... وليس بعد العذاب الذي نقاسيه من مستعتب.

{فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} (32)

أي أضللناكم عن الحق ودعوناكم الى الغي (إنا كنا) داخلين في الضلالة والغي.

 


  مصير أئمة الضلال وأتباعهم

{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} (33)

المعنى أن ذلك التخاصم لم ينفعهم إذا اجتمع الاتباع والمتبوعون كلهم في النار الاتباع بقبول الكفر والمتبوعون بالكفر والاغواء.

{إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} (34)

معناه أنا مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بجميع المجرمين، عقاب صارم، وعذاب دائم من غير فرق بين التابع والمتبوع.

{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (35)

أي تعالوا وتعاظموا عن قبول الحق وكلمته فأصابهم ما أصاب المستكبرين قبلهم من بأس الله سبحانه وعذابه.

{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (36)

أي يأنفون من هذه المقالة ويستخفون بمن يدعوهم إليها ويقولون لا ندع عبادة الأصنام لقول شاعر مجنون يعنون النبي (ص) يدعونا الى خلافها.

{بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} (37)

كلا ما هو بشاعر ولا مجنون، وإنما هو رسول كريم، جاء بالحق من عند الله سبحانه، وصدق من تقدم من الرسل، وما بين يديه من الكتاب.. واصطفاه الله لرسالته، وجعله سيد المرسلين وخاتم النبيين.

{إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ} (38)

أي أما أنتم أيها المستكبرون عمى القلوب، والضالون وأصحاب الألسن البذيئة، فإنكم ستذوقون العذاب الإلهي الأليم.

{وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (39)

أي على قدر أعمالكم، وحقيقة الأمر أن أعمالكم سوف تجسد أمامكم، لتبقى معكم لتؤذيكم وتعذبكم، وجزاؤكم إنما هو نتيجة أعمالكم وتكبركم وكفركم وعدم ايمانكم بالله وزعمكم بأن آيات الله هي (شعر) ورسوله (مجنون) إضافة الى ظلمكم وارتكابكم القبائح.

{إِلاَّ عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} (40)

الذين أخلصوا العبادة لله تعالى وأطاعوه في كل ما أمرهم به فإنهم لا يذوقون العذاب وإنما ينالون الثواب.

 


  جوانب من النعم تغدق على أهل الجنّة

{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} (41)

بيّن سبحانه ما أعدّه لعباده المخلصين من أنواع النعم، حيث جعل لهم التصرف في الرزق وحكم لهم به في الأوقات المستأنفة في كل وقت شيئاً معلوماً مقدّراً.

{فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ} (42)

يفسّر سبحانه الرزق بأنّه (فواكه) وهي جمع فاكهة يقع على الرطب واليابس من الثمار كلها يتفكهون بها ويتنعمون بالتصرف فيها، ومع ذلك هم معظمون مبجلون.

{فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (43)

أي وهم مع ذلك في بساتين فيها أنواع النعيم يتنعّمون بها.

{عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} (44)

أشار سبحانه الى هذه النعمة، وهي استئناس اهل الجنة بمجالس السمر التي يعقدونها مع أصدقائهم في جو ملؤه الصفاء، إذ أن أهل الجنة يجلسون على سرر متقابلة يستمتع بعضهم بالنظر الى وجوه بعض بغبطة وسرور.

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} (45)

أي يحمل الولدان اليهم كؤوساً لا تنقطع ولا تفرغ من ألوان الشراب.

{بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} (46)

وصفها سبحانه بأنها أشربة طاهرة، خالية من ألوان الشياطين، وبيضاء اللون شفافة لأنها في نهاية الرقة مع الصفاء واللطافة النورية، وهي لذيذة ليس فيها ما يعتري خمر الدنيا من المرارة والكراهة.

{لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} (47)

أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها ولا تصيبهم منها وجع في البطن ولا في الرأس، ويقال للوجع غول لأنه يؤدي الى الهلاك، ولا شرابها يفنى ولا بصيرتهم تعمى.

{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} (48)

فواكه وتكريم وسرر وخدم وشراب، وفوق ذلك حور عفيفات جميلات واسعات العيون.

{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} (49)

أي إنهنّ نظيفات وطريفات، وذوات أجسام بيضاء صافية كالبيض الذي مكّنه الريش في العش فلم تمسه الأيدي ولم يصبه الغبار.

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (50)

يعني أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً عن أحوالهم من حين بعثوا الى أن أدخلوا الجنّة فيخبر كل صاحبه بإنعام الله تعالى عليه.

{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} (51)

يتحدث هذا المؤمن من أهل الجنّة الى اخوانه عن جليس له في دار الدنيا كان يسخر من الذين آمنوا بيوم الدين، وأنّه كيف نؤمن بيوم البعث وهو ضلالة وخرافة.

 



 

 (10) - مجمع البيان ج8/ص 681

 (11) - نفس المصدر.

 (12) - الانعام /97

 (13) - يونس /5