الكتاب |
القرآن على ضوء الصحيفة السجادية |
تأليف |
الشيخ فادي الفيتروني |
إعداد ونشر |
جمعية القرآن الكريم |
الطبعة |
الأولى: 1435هـ 2014م - لبنان - بيروت |
موقع جمعية القرآن الكريم |
www.qurankarim.org |
بريد جمعية
القرآن
الكريم |
info@qurankarim.org |
يقول سبحانه: ﴿
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ
وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
﴾
[1] .
إذا استنطقنا آيات القرآن الكريم عن قواعد
السياسة في الإسلام، لأجابتنا بأنها لا تخرج
عن ثلاث قواعد أساسية، وهي التالية:
القاعدة الأولى: ولاية الله التي من شأنها جعل
الناس يعتصمون بها، وتحول دون دخولهم في ولاية
الشيطان، وتنفي الطاغوت من حياتهم، وتخلصهم
وتحررهم من الجبت.
فولاية الله شرف الإنسان، لأنها تعني أن
الخالق عزَّ وجل لم يغلَّ يده ولم يكل الناس
إلى أنفسهم. فهو قد شرّفهم وكرمهم بأن جعل هذه
الولاية بمثابة سفينة النجاة وحبل الاعتصام
لهم، فإذا اعتصموا به استطاعوا التعالي على كل
صعوبة في حياتهم.
ولا يخفى أن ولاية الله تعني ولاية الرسول
والأئمة والصالحين من عباده الذين يمثلون ذات
الخط الإلهي، وهي تعني ولاية العدل والزهد
والتقوى والفضيلة والإيثار والفقه.
ولما كانت ولاية الله الركيزة الأولى، فهي
تنسجم أيضاً مع التشريع الصحيح النازل من
السماء، فلا أحد له الحق في التشريع غيره، بل
المشرع الأوحد للإنسان، هو خالق الإنسان لأنه
هو الرب المعبود دون سواه.
القاعدة الثانية: الشورى في الحكم الداخلة في
إطار ولاية الله سبحانه وتعالى، وتبعاً لهذا
أصبح لزاماً على المؤمنين أن يديروا شؤونهم
بالفكر الجمعي، بمعنى اجتماعهم على تبادل ما
يفهمونه من الأفكار القرآنية فيستفيدون من
عقولهم المتنوعة، على أن يشارك الواحد منهم
الآخرين في عقولهم وعلومهم. وبهذه القاعدة
يمكن تركيز الخبرة، وترشيد الحكمة، وتكريس
الجهود، والاقتراب من العدل
[2] .
ونقل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه
قال: «إذا كان أُمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم
سمحاؤكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خيرٌ
لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم،
وأغنياؤكم بخلاؤكم، ولم يكن أمركم شورى بينكم
فبطن الأرض خير لكم من ظهره»
[3] .
مع من تتشاور؟
من المسلم أن للمشورة أهلاً، فلا يصح أن
يستشار كلّ من هب ودب، فرب مشيرين يعانون من
نقاط ضعف، توجب مشورتهم فساد الأمر، وضياع
الجهود، وفشل العمل، والتأخر والسقوط.
فعن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال في هذا
الصدد «لا تدخلن في مشورتك»:
1 ـ بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك بالفقر.
2 ـ ولا جباناً يضعفك عن الأُمور.
3 ـ ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور
[4] .
وظيفة المشير:
كما تأكد الحث في الإسلام على المشاورة فقد
أكدت النصوص على المشيرين أيضاً بأن لا يألوا
جهداً في النصح، ولا يدخروا في هذا السبيل
خيراً، وتعتبر خيانة المشير للمستشير من
الذنوب الكبيرة، بل وتذهب أبعد من ذلك حيث لا
تفرق في هذا الحكم بين المسلم والكافر، يعني
أنه لا يحق لمن تكفل تقديم النصح والمشورة أن
يخون من استشاره، فلا يدله على ما هو الصحيح
في نظره، مسلماً كان ذلك المستشير أو كافراً
[5] .
في رسالة الحقوق عن الإمام زين العابدين علي
بن الحسين L أنه قال: «وحق المستشير إن علمت
له رأياً أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى
من يعلم، وحق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا
يوافقك من رأيه»
[6] .
القاعدة الثالثة: وجوب الدفاع عن النفس
ومقاومة البغي، حيث نجد الله سبحانه وتعالى
يأمرنا في آيات كريمة من سورة الشورى بهذه
القواعد الثلاث. فالمجتمع المؤمن حينما يملك
جوهرة لا تثمن، وهي جوهرة ولاية الله وجوهرة
الشورى، لابد له من الدفاع عما يملك بكل شجاعة
وحزم وصمود
[7] .
ومن السياسات القرآنية إقامة العدل، حيث يؤكد
القرآن الكريم عندما يتحدث عن نفسه: أنه كتاب
لبسط العدالة، يقول عن الأنبياء: ﴿
وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
﴾
[8] .
يريد القرآن القسط والعدل لكل المجتمع البشري،
وليس لقوم أو طبقة أو قبيلة خاصة. ولكي يجذب
الناس إلى نفسه لم يشر إلى العصبيات القومية.
وقال تعالى في آية أخرى: ﴿
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى
أَلَّا تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَىِ ﴾
[9] . حيث توضح أن العدل هو صمام
الأمان في طبيعة العلاقات بين أفراد الإنسانية
جميعاً. وهكذا الأمر بالنسبة لسائر الحكم
القرآنية الخاصة بتبين أصول الحياة.
أيضاً يظهر القرآن سياسته الدفاعية فيقول
تعالى: ﴿
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ
﴾
[10] .
أمر القرآن في هذه الآية الكريمة بمقاتلة
الذين يشهرون السلاح بوجه المسلمين، وأجازهم
أن يواجهوا السلاح بالسلاح، بعد أن انتهت
مرحلة صبر المسلمين على الأذى، وحلّت مرحلة
الدفاع الدامي عن الحقوق المشروعة.
وقال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا
لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ
اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(45) وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا
تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُواْ
كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً
وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ
اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
﴾
[11]
هذه الآيات تظهر ستة أوامر في شأن الجهاد منها
الذكر والدعاء أشار إليه بقوله سبحانه: ﴿
وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ ﴾.
ولا ريب أنّ المراد من ذكر الله هنا ليس هو
الذكر اللفظي فحسب، بل حضور القلب، وذكر عِلمه
تعالى وقدرته غير المحدودة ورحمته الواسعة،
فهذا التوجه إِلى الله يقوّي من عزيمة الجنود
المجاهدين، ويُشعر الجندي بأنّ سنداً قويّاً
لا تستطيع أية قدرة في الوجود أن تتغلب عليه
يدعمهُ في ساحة القتال. وإذا قُتل فسينال
السعادة الكبرى ويبلغ الشهادة العظمى، وجوار
رحمة الله، فذكر الله يبعث على الاطمئنان
والقوّة والقدرة والثبات في نفسه.
بالإِضافة إِلى ذلك، فذكر الله وحبّه يخرجان
حبّ الزوجة والمال، والأولاد من قلبه، فإنّ
التوجه إِلى الله يزيل من القلب كل ما يضعفه
ويزلزله، كما يقول الإِمام علي بن الحسين زين
العابدين(عليه السلام) في دعائه المعروف ـ في
الصحيفة السجادية ـ بدعاء أهل الثغور الذي
سيأتي إن شاء الله تعالى.
وكان من دعائه (عليه السلام) لأهل الثغور
[12]
:
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَحَصِّنْ ثُغُورَ المُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ،
وَأَيِّدْ حُماتَها بِقُوَّتِكَ، وَأسْبِغْ
عَطاياهُمْ مِنْ جِدَتِكَ اللّهُمَّ صَلِّ
عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكَثِّرْ
عِدَّتَهُمْ، وَاشْحَذْ أسْلِحَتَهُمْ
وَاحْرُسْ، حَوْزَتَهُمْ، وَامْنَعْ
حَوْمَتَهمْ وألِّفْ جَمْعَهُمْ، وَدَبِّرْ
أَمْرَهُمْ، وَواتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ
وَتَوَحَّدْ بِكِفايَةِ مُؤُنِهِمْ،
وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ وَأعِنْهُمْ
بِالصَّبْرِ، وَالطُفْ لَهُمْ في المَكْرِ،
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَعَرِّفْهُمْ ما يَجْهَلُونَ، وَعَلِّمْهُمْ
مَا لا يَعْلَمونَ وَبَصِّرْهُمْ مالا
يُبْصِروُنَ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، وَأنْسِهِمْ عِنْدَ لِقائِهِمُ
العَدُوَّ ذِكْرَ دُنْياهُمُ الخَدَّاعَةَ
الغَروُرِ وَامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَراتِ
المالِ الفَتُونِ، وَاجْعَلِ الجَنَّةَ نَصْبَ
أَعْيُنِهِمْ، وَلَوِّحْ مِنْها لأَبْصارِهِمْ
ما أعْدَدْتَ فِيها مِنْ مَساكِنِ الخُلْدِ
وَمَنازِلِ ألكَرامَةِ وَالحُورِ الحِسانِ
وَالأَنْهارِ المُطَّرِدَةِ بِأَنْواعِ
الأَشْرِبَةِ وَالأَشْجارِ المُتَدَلِّيَةِ
بِصُنُوفِ الثَّمَرِ حَتّى لا يَهُمَّ أَحَدٌ
مِنْهُمْ بِالإدْبارِ، وَلا يُحَدِّثَ
نَفْسَهُ عَنْ قَرْنِهِ بِفِرارٍ، اللّهُمَّ
افْلُلْ بِذلِكَ عَدُوَّهُمْ وَاقْلِمْ
عَنْهُمْ أَظْفارَهُمْ، وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ وَاخْلَعْ وَثائِقَ
أَفْئِدَتِهِمْ، وَباعِدْ بَيْنهُمْ وَبَيْنَ
أَزْوِدَتِهِمْ وَحَيِّرْهُمْ فِي سُبُلِهِمْ،
وَضَلِّلْهُمْ عَنْ وَجْهِهِمْ، وَاقْطَعْ
عَنْهُمْ المَدَدَ، وَانْقُصْ مِنْهُمُ
العَدَدَ، وَامْلأ أَفْئِدَتَهُمُ الرُّعْبَ
وَاقْبِضْ أيْدِيَهُمْ عَنِ البَسْطِ،
وَاخْزِمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِِ النُّطْقِ،
وَشَرّدِ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، وَنَكِّلْ
بِهِمْ مَنْ وَرائَهُمْ، وَاقْطَعْ
بِخِزْيِهِمْ أَطْماعَ مَنْ بَعْدَهُمْ،
اللّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحامَ نِسائِهِمْ
وَيَبِّسْ أصْلابَ رِجالِهِمْ، وَاقْطَعْ
نَسْلَ دَوَابِّهِم وَأَنْعامِهِمْ، لا
تَأذَنْ لِسَمائِهِمْ في قَطْرٍ،
وَلأَرْضِهِمْ في نَباتٍ، اللّهُمَّ وَقَوِّ
بِذَلِكَ مَحالَ أهْلِ الإِسْلامِ، وَحَصِّنْ
بِهِ دِيارَهُمْ، وَثَمِّرْ بِهِ
أَمْوالَهُمْ، وَفَرِّغْهُمْ عَنْ
مُحارَبَتِهِمْ لِعِبادَتِكَ، وَعَنْ
مُنابَذَتِهِمْ لِلْخَلْوَةِ بِكَ حَتّى لا
يُعْبَدَ في بِقاعِ الأَرضِ غَيْرُكَ، وَلا
تُعَفِّرَ لأَحَدٍ مِنْهُمْ جَبْهَةٌ دُونَكَ،
اللّهُمَّ اغْزُ بِكُلِّ ناحِيَةٍ مِنَ
المُسْلِمينَ عَلى مَنْ بِإزائِهِمْ مِنَ
المُشْرِكِينَ، وَأمْدِدْهُمْ بِمَلائِكَةٍ
مِنْ عِنْدِكَ مُرْدِفِينَ حَتّى
يَكْشِفُوهُمْ إلى مُنْقَطَعِ التُّرابِ
قَتْلاً في أَرْضِكَ وَأَسْراً، أوْ يُقِرّوُا
بِأنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ
أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ.
الّلهُمَّ وَاعْمُمْ بِذلِكَ أَعْداءَكَ في
أَقْطارِ البِلاد مِنَ الهِنْدِ وَالرُّومِ
وَالتُّرْكِ وَالخَزَرِ وَالحَبَشِ
وَالنُّوبَةِ وَالزَّنْجِ والسَّقالِبَةِ
وَالدّيالِمَةِ وَسائِرَ أُمَمِ، الشِّرْكِ
الَّذِينَ تَخْفى أسْماؤُهُمْ، وَصِفاتُهُمْ،
وَقَدْ أحْصَيْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ
وَأَشْرَفْتَ عَلَيْهِمَ بِقُدْرَتِكَ،
اللّهُمَّ اشْغَلِ المُشْرِكينَ
بِالمُشْرِكِينَ عَنْ تَناوُلِ أطْرافِ
المُسْلِمينَ، وَخُذْهُمْ بِالنَّقْصِ عَنْ
تَنَقُّصِهِمْ، وَثَبِّطْهُمْ بِالفُرْقَةِ
عَنِ الاحْتِشادِ عَلَيْهِمْ، الّلهُمَّ أخْلِ
قُلُوبَهُمْ مِنَ الأَمَنَةِ، وَأبْدانَهُمْ
مِنَ القُوَّةِ وَأَذْهِلْ قُلُوبَهُمْ عَنِ
الاحْتِيالِ، وَأَوْهِنْ أرْكانَهُمْ عَنْ
مُنَازَلَةِ الرِّجالِ وَجَبِّنْهُمْ عَنْ
مُقارَعَةِ الأَبْطالِ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ
جُنْداً مَنْ مَلائِكَتِكَ بِبَأسٍ مِنْ
بَأسِكَ كَفِعْلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، تَقْطَعْ
بِهِ دابِرَهُمْ وَتَحْصُدْ بِهِ
شَوْكَتَهُمْ، وَتُفَرِّقْ بِهِ عَدَدَهُمْ،
اللّهُمَّ وَامْزُجْ مِياهَهُمْ بِالوَباءِ
وَأطْعِمَتَهُمْ بِالأَدْواءِ، وَارْمِ
بِلادَهُمْ بِالخُسُوفِ، وَألِحَّ عَلَيْها
بِالقُذُوفِ، وَافْرَعْهَا بِالمُحُولِ،
وَاجْعَلْ مِيَرَهُمْ في أَحَصِّ أَرْضِكَ
وَأبْعَدِها عَنْهُمْ، وَامْنَعْ حُصُونَها
مِنْهُمْ، أَصِبْهُمْ بِالجُوعِ المُقِيمِ
وَالسُّقْمِ الأَلِيمِ، اللّهُمَّ وَأَيُّما
غازٍ غَزاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكَ أَوْ
مُجاهِدٍ جاهَدَهُمْ مِنْ أَتْباعِ سُنَّتِكَ
لِيَكُونَ دِينُكَ الأعْلى وَحِزْبُكَ
الأَقْوىَ وَحَظُّكَ الأَوْفى فَلَقِّهِ
اليُسْرَ، وَهَيِّئْ لَهُ الأَمْرَ،
وَتَوَلَّهُ بِالنُّجْحِ، وَتَخَيَّرْ لَهُ
الأَصْحابَ، وَاسْتَقْوِ لَهُ الظَّهْرَ،
وَأسْبِغْ عَلَيْهِ في النَّفَقَةِ،
وَمَتِّعْهُ بِالنَّشاطِ، وَأطْفِ عَنْهُ
حَرارَةَ الشَّوْقِ وَأجِرْهُ مِنْ غَمِّ
الوَحْشَةِ، وَأنْسِهِ ذِكْرَ الأَهْلِ
وَالوَلَدِ، وَآثِرْ لَهُ حُسْنَ النِيَّةِ،
وَتَوَلَّهُ بِالعَافِيَةِ، وَاصْحِبْهُ
السَّلامَةَ، وَأعْفِهِ مِنَ الجُبْنِ،
وَألْهِمْهُ الجُرْأةَ، وَارْزُقْهُ
الشِّدَّةَ، وَأيِّدْهُ بِالِنُّصْرَةِ،
وَعَلِّمْهُ السِّيَرَ وَالسُّنَنَ
وَسَدِّدْهُ فِي الحُكْمِ، وَاعْزِلْ عَنْهُ
الرِّياءَ، وَخَلِّصْهُ مِنَ السُّمْعَةِ،
وَاجْعَلْ فِكْرَهُ وذِكْرَهُ وَظَعْنَهُ
وَإقامَتَهُ فِيكَ وَلَكَ، فإِذا صافَّ
عَدُوَّكَ وَعَدُوَّهُ فَقَلِّلْهُمْ في
عَيْنِهِ، وَصَغِّرْ شَأنَهُم في قَلْبِهِ،
وَأدِلْ لَهُ مِنْهُمْ وَلا تُدِلْهُمْ
مِنْهُ، فَإنْ خَتَمْتَ لَهُ بِالسَّعادَةِ،
وَقَضَيْتَ لَهُ بِالشَّهادَةِ فَبَعْدَ أَنْ
يَجْتَاحَ عَدُوَّكَ بِالقَتْلِ وَبَعْدَ أنْ
يَجْهَدَ بِهِمُ الأَسْرُ، وَبَعْدَ أَنْ
تَأمَنَ أَطْرافُ المُسْلِميِنَ وَبَعْدَ أَنْ
يُوَلِّي عَدُوَّكَ مُدْبِرينَ.
اللّهُمَّ
وَأيُّما مُسْلِمٍ خَلَفَ غَازِياً أَوْ
مُرابِطاً في دارِهِ، أَوْ تَعَهَّدَ
خالِفِيهِ في غَيْبَتِهِ، أَوْ أعانَهُ
بِطائِفَةٍ مِنْ مالِهِ، أَوْ أمَدَّهُ
بِعِتادٍ، أَوْ شَحَذَهُ عَلى جِهَادٍ، أوْ
أتْبَعَهُ في وَجْهِهِ دَعْوَةً، أَوْ رَعى
لَهُ مِنْ وَرَائِهِ حُرْمَةً، فَآجرِ لَهُ
مِثْلَ أجْرِهِ وَزْناً بِوَزْنٍ وَمِثْلاً
بِمِثْلٍ، وَعَوِّضْهُ مِنْ فِعْلِهِ عِوَضَاً
حَاضِراً يَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْع ما قَدَّمَ
وَسُرُورَ ما أَتى بِهِ، إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ
بِهِ الوَقْتُ إلى ما أجْرَيْتَ لَهُ مِنْ
فَضْلِكَ، وَأَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ كَرامَتِكَ،
اللّهُمَّ وَأيُّما مُسْلِمٍ أهَمَّهُ أَمْرُ
الإِسْلامِ وَأَحْزَنَهُ تَحَزُّبُ أَهْلِ
الشِّرْكِ عَلَيْهِمْ فَنَوى غَزْواً، أَوْ
هَمَّ بِجِهادٍ فَقَعَدَ بِهِ ضَعْفٌ، أَوْ
أَبْطَأَتْ بِهِ فَاقَةٌ أَوْ أَخَّرَهُ
عَنْهُ حادِثٌ، أَوْ عَرَضَ لَهُ دُونَ
إِرادَتِهِ مَانِعٌ فاكْتُبِ اسْمَهُ في
العابِدِينَ، وَأَوْجِبْ لَهُ ثَوابَ
المَجاهِدِينَ وَاجْعَلْهُ في نِظامِ
الشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ، اللّهُمَّ صَلِّ
عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وآَلِ
مُحَمَّدٍ، صَلاةً عالِيَةً عَلَى
الصَّلَواتِ، مُشْرِفَةً فَوْقَ التَّحِيّاتِ،
صَلاةً لا يَنْتَهِي أمَدُها، ولا ينقَطِعُ
عَدَدُها، كَأتَمِّ مَا مَضى مِنْ صَلَواتِكَ
عَلى أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ، إِنَّكَ
المَنّانُ الحَمِيدُ المُبْدِئُ المُعِيدُ
الفَعّالُ لِما تُريِدُ
[13] .
(وَحَصِّنْ): اجعله حصيناً أي منيعاً لا يقهر.
(ثُغُورَ): جمع ثغر وهو من البلاد والموضع
الذي يخاف منه هجوم العدو. (وَأَيِّدْ):
قوّاه. (حُماتَها): الحماة: جمع حامي وهو
المدافع والذاب.
(وَأسْبِغْ): عليه نعمته: أفاضها عليه
وأتمها. (جِدَتِكَ): الجدة: الثروة والغنى.
(وَاشْحَذْ): أسلحتهم: اجعلها حادة سريعة
القطع. (حَوْزَتَهُمْ): الحوزة: الجانب
والناحية. (حَوْمَتَهمْ): حومة القتال أشد
موضع فيه وحومة البحر معظمه وأشده.
(وَواتِرْ): تابع وتواترت الخيل إذا جاء يتبع
بعضها بعضاً. (مِيَرِهِمْ): المير: جمع ميرة
وهي جلب الطعام. (وَاعْضُدْهُمْ): أعنهم.
(نَصْبَ أَعْيُنِهِمْ): منصوبة حذاء أعينهم
ومواجهة لهم. (وَلَوِّحْ): لوّح بالشيء:
أبداه وأظهره. (وَالحُورِ): جمع حوراء المرأة
البيضاء من الحور وهو شدّة البياض في العين
وشدّة سوادها. (المُطَّرِدَةِ): الجارية.
(المُتَدَلِّيَةِ): المسترسلة أغصانها بصنوف
الثمر. (بِالإدْبارِ): التولي والفرار.
(قَرْنِهِ): القرن: النظير. (افْلُلْ): يقال
فللت الجيش كسرته وهزمته. (وَاقْلِمْ):
أظفاره: قطع ما طال منها وهو كناية عن
الضعف. (وَاخْلَعْ): الخلع: النزع.
(وَثائِقَ): جمع وثيقه أي قوّي وثبت.
(أَزْوِدَتِهِمْ): جمع زاد على غير القياس
وأزواد هو القياس وهو طعام المسافر.
(وَحَيِّرْهُمْ): اجعلهم لا يهتدون إلى مرادهم. (سُبُلِهِمْ): جمع سبيل وهو الطريق.
(المَدَدَ): الإعانة. (الرُّعْبَ): الخوف.
(وَاخْزِمْ): ألسنتهم: اشددها وأوثقها.
(وَشَرّدِ): التشريد: الطرد والتفريق.
(وَنَكِّلْ): من النكال وهو العقوبة.
(بِخِزْيِهِمْ): الخزي: الذل والهوان.
(عَقِّمْ): يقال عقم الرحم إذا امتنع عن قبول
الولد. (أصْلابَ): فقرات الظهر.
(مَحالَ): على وزن كتاب القدرة والقوة
والكيد وأخذ الأمر بالحيلة. (وَحَصِّنْ):
الحصين: المنيع. (دِيارَهُمْ): من الدار،
البيت أو البلد. (مُنابَذَتِهِمْ): من النبذ
وهو الرمي ونبذ إليه عهده إذا رماه إليه
وكاشفه بالحرب. (وَلا تُعَفِّرَ): عفّر وجهه:
الصقه بالعفر وهو وجه الأرض والتراب.
(جَبْهَةٌ): موضع السجود. (اغْزُ): الغزو:
الغارة على العدو. (ناحِيَةٍ): الناحية:
الجانب. (بِإزائِهِمْ): الإزاء: المقابلة
والمحازاة. (وَأمْدِدْهُمْ): المدد: التقوية
والاعانة.
(مُرْدِفِينَ): متبعين بعضهم بعضا.
(مُنْقَطَعِ): الشيء: ما ينتهي إليه ذلك
الشيء. (وَثَبِّطْهُمْ): ثبطه عنه: إذا شغله
عنه واقعده. (الاحْتِشادِ): الاجتماع.
(أخْلِ): أخليت الإناء: جعلته خالياً أي
فارغاً. (الأَمَنَةِ): الأمن وهو عدم توقع
المكروه. (وَأَذْهِلْ): غفل. (وَأَوْهِنْ):
الوهن: الضعف. (أرْكانَهُمْ): الأركان:
الجوانب المعتمدة. (وَجَبِّنْهُمْ): اجعلهم
جبناء. (مُقارَعَةِ): من القرع وهو الضرب.
(بَأسِكَ): البأس: الشدّة والقوّة.
(دابِرَهُمْ): الدابر: الآخر وقطع دابرهم إذا
استأصلهم ولم يترك منهم أحداً. (وَامْزُجْ):
مزج الشيء بالشيء: خلطه به. (بِالوَباءِ):
بالمرض المعدي. (بِالأَدْواءِ): جمع داء وهو
المرض. (بِالخُسُوفِ): من الخسف وهو غور
الأرض. (وَألِحَّ): على الشيء: إذا لزمه
وداوم عليه. (بِالقُذُوفِ): من القذف وهو
الرمي. (وَافْرَعُها): من الفرع وهو الضرب.
(بِالمُحُولِ): من المحل وهو الجدب.
(مِيَرَهُمْ): المير: الطعام. (أَحَصِّ): من
الحص وهو حلق الشعر ومنه المحاصة داء يتناثر
منه شعر الرأس. (وَالسُّقْمِ): المرض.
(مِلَّتِكَ): الملة: الدين. (سُنَّتِكَ):
السنة: الطريقة والدين. (وَحَظُّكَ): الحظ:
النصيب والسهم. (اليُسْرَ): لقه اليسر: اعطه
التيسير والسهولة. (الظَّهْرَ): المركوب من
الدواب. (وَأسْبِغْ): أوسع. (وَأطْفِ): أطفأت
النار: أخمدتها. (وَأجِرْهُ): أمنه.
(الوَحْشَةِ): ضد الأنس. (الجُرْأةَ):
الشجاعة. (وَسَدِّدْهُ): من السداد وهو
الصواب. (وَظَعْنَهُ): الظعن: الارتحال.
(صافَّ): قابله في الصف. (وَصَغِّرْ): من
الصغار وهو الحقارة. (شَأنَهُم): أمرهم
وحالهم. (وَلا تُدِلْهُمْ): أدال له: جعل
الغلبة له وأدال منه جعل الغلبة عليه
والإدالة الغلبة. (يَجْتَاحَ): يهلك عدو لك
ويستأصله من الجايحة وهى آفة تهلك الأموال
والثمار. (يَجْهَدَ): يتعب. (خَلَفَ): خلفه:
جعله خليفة بعده. (مُرابِطاً): المرابطة: لزوم
ثغر المسلمين مدة من الزمن. (خالِفِيهِ): من
تخلف عنه من أهله في بلده. (بِطائِفَةٍ):
الطائفة: القطعة والجزء. (بِعِتادٍ): العتاد:
آلة الحرب من سلاح ودواب وغيرها.
(شَحَذَهُ): على كذا: إذا حمله عليه وساقه
فيه. (وَجْهِهِ): الوجه: الجهة. (حُرْمَةً):
ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه.
(فَاقَةٌ): الفقر والحاجة. (المَنّانُ):
المن: العطاء.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَحَصِّنْ) أي: قوّ من الحصانة بمعنى التقوية
والاحتفاظ (ثُغُورَ المُسْلِمِينَ) حتى لا
يتمكن الأعداء من مهاجمة المسلمين وأذيتهم
(بِعِزَّتِكَ) فإن العزيز الغالب في سلطانه
يتمكن من التقوية والتعزيز الثغور هنا تعم
وتشمل كل مكان يخاف منه هجوم العدو سواء أكان
الجنوب بين لبنان والكيان الصهيوني أم كان
بعيدا عن الحدود، فانَّ مراد الإمام هنا
والقصد هو الاستعداد والتسلح بسلاح العدو
والقوّة الرادعة له عن العدوان أياً كان
نوعها، فان الذى يتبدل ويتغير هو الشكل
والمظهر لا أصل الفكرة والجوهر، قال تعالى:
﴿
وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن
قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ
﴾
[14] (وَأَيِّدْ
حُماتَها) أي: الذين يحمون الثغور ويحفظونها
(بِقُوَّتِكَ) والتأييد: بمعنى التقوية ولا
يخفى أن في الحماة كانوا مؤمنين كما أن فيهم
من كان يجهل الحق فالدعاء لمثله في موقعه
(وَأسْبِغْ عَطاياهُمْ) أسبع الله عليك
النعمة: أتمها، وعطاياهم: رواتبهم وتحسين
حالهم، أي: أوسع عليهم العطاء (مِنْ جِدَتِكَ)
أي من غناك والجدة: الغنى والقدرة، والمعنى
سهل عليهم الطريق لحياة أفضل.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ) أي: عددهم (وَاشْحَذْ
أسْلِحَتَهُمْ) أي: اجعل حدها قاطعاً سريع
النفوذ (وَاحْرُسْ) أي: احفظ (حَوْزَتَهُمْ)
أي: حدودهم ونواحيهم (وَامْنَعْ حَوْمَتَهمْ)
أي: ساحتهم التي يحام حولها، امنعها عن وصول
الأعداء (وألِّفْ جَمْعَهُمْ) حتى يتألف بعضهم
ببعض (وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ) بأن يكون أمرهم
ضد الأعداء بالتدبير والتخطيط (وَواتِرْ
بَيْنَ مِيَرِهِمْ) واتر: تابع، والميرة:
الغذاء المنقول من بلد إلى آخر، والمراد هنا
أن تكون الطريق إلى الجنود سالكة آمنة كي يصل
اليهم جميع ما يحتاجون إليه من نجدة وسلاح
وغذاء (وَتَوَحَّدْ بِكِفايَةِ مُؤُنِهِمْ)
أي: أكفهم وحدك كي لا يحتاجوا إلى سواك
(وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ) أي: كن قوتهم
وعضدهم في نصرك لهم (وَأعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ)
حتى يصبروا على الأعداء بعونك (وَالطُفْ
لَهُمْ في المَكْرِ) بأن يمكروا للأعداء
بلطفك، والمكر علاج الأمر بوجه خفي على العدو.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَعَرِّفْهُمْ ما يَجْهَلُونَ) من أمور دينهم
والأمور المرتبطة بالحرب من خططه وأصول
القتال وما أشبه (وَعَلِّمْهُمْ مَا لا
يَعْلَمونَ) ولعلَّ المراد بالعلم: معرفة
الكليات وبالمعرفة: الجزئيات، ولذا يقال: عرفت
زيداً ولا يقال علمته (وَبَصِّرْهُمْ مالا
يُبْصِروُنَ) أي: أرهم مصالحهم التي لا يرونها
بدون لطفك الخاص.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَأنْسِهِمْ عِنْدَ لِقائِهِمُ العَدُوَّ
ذِكْرَ دُنْياهُمُ الخَدَّاعَةَ) أي: الكثيرة
الخداع والكذب (الغرور) التي تغر الإنسان، حتى
لا يظنون بأنفسهم في الحرب لمحبتهم للدنيا
(وَامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَراتِ المالِ
الفَتُونِ) أي: ما يخطر بقلبهم من حب المال
الذي يفتنهم ويصرفهم عن الاقتحام في الحرب،
لئلا يقتلوا فتفوتهم أموال الدنيا (وَاجْعَلِ
الجَنَّةَ نَصْبَ أَعْيُنِهِمْ) أي: أمامهم
حتى يرغبوا فيها ولا شيء كالجنة التي فيها ما
يلذ الأعين، وتشتهي الأنفس. وفي نهج
البلاغة: كل نعيم دون الجنَّة فهو محقور.
ولذا سأل الإمام أن يعرّف سبحانه المجاهدين
بحقيقه الجنَّة ونعيمها كما بشرهم بها كي
يكونوا على علم بقيمة الصفقة، وأنها لمنفعتهم
الذاتية وللعلو من شأنهم دنيا وآخرة،
فيبذلون الثمن بنفس راضية تمام الرضا
(وَلَوِّحْ) أي: أشر (مِنْها) أي: من الجنة
(لأَبْصارِهِمْ) أي: عيون المجاهدين (ما
أعْدَدْتَ فِيها مِنْ مَساكِنِ الخُلْدِ) أي:
المنازل الباقية للإنسان أبد الآبدين
(وَمَنازِلِ الكَرامَةِ) التي يكرم الإنسان
فيها (وَالحُورِ) جمع حوراء وهي المرأة
البيضاء (الحِسانِ) جمع حسنة أي: الجميلة
بدناً وأخلاقاً (وَالأَنْهارِ المُطَّرِدَةِ)
أي: الجارية التي يطرد بعضها بعضاً
(بِأَنْواعِ الأَشْرِبَةِ) فإن في أنهار الجنة
الماء والعسل واللبن والخمر وغيرها
(وَالأَشْجارِ المُتَدَلِّيَةِ) أي: المتعلقة
(بِصُنُوفِ الثَّمَرِ) أي: أقسامه (حَتّى لا
يَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالإدْبارِ) بأن
يريد الفرار عن الزحف (وَلا يُحَدِّثَ
نَفْسَهُ عَنْ قَرْنِهِ) أي: الشجاع المقابل
له في الحرب (بِالفِرارٍ) وعن قرنه، متعلق
بالفرار أي: بالفرار عن قرنه.
بعد أن دعا الإمام (عليه السلام) للمجاهدين
المدافعين عن الحرية والكرامة والأرواح
والأموال والأ وطان - دعا على الأشرار
الأقذار الذين يعتدون على عباد الله وبلاده،
ويثيرون الحروب والفتن، وينهبون الأقوات،
ويشردون الآمنين، دعا عليهم وإن انتسبوا
إلى الإسلام.
وقال: (اللّهُمَّ افْلُلْ) أي: اكسر
(بِذلِكَ) الثبات للمسلمين (عَدُوَّهُمْ)
المحارب لهم، إشارة إلى ثبات أهل الثغور
وصبرهم على الجهاد وعدم فرارهم من الزحف
(وَاقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفارَهُمْ) فإن السبع
لو قلم ظفره لم يتمكن من إيذاء الفريسة، وهذا
كناية عن كسر شوكة الأعداء وتقليل قوتهم
(وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
أَسْلِحَتِهِمْ) بابتعادهم عن الأسلحة حتى لا
يتمكنوا من مقابلة المسلمين وهو كنايه عن
حصارهم والإحاطة بهم ومنع الإمداد عنهم
(وَاخْلَعْ وَثائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ) أي:
الأمور التي أحكمت قلوبهم من كثرة العدد ووفرة
السلاح وما أشبه ذلك، ومعنى الخلع الفزع،
وبتعبير آخر: املأ قلوبهم بالخوف من جيش
المسلمين، وبالقنوط من النصر والنجاة
(وَباعِدْ بَيْنهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ)
جمع زاد بمعنى طعام المسافر أي: بعد زادهم حتى
لا يكون لهم زاد (وَحَيِّرْهُمْ فِي
سُبُلِهِمْ) أي: طرقهم حتى لا يعلمون أي السبل
أحسن لهم، بحيث لايستطيعون حيلة، و لايهتدون
إلى النصر سبيلا (وَضَلِّلْهُمْ عَنْ
وَجْهِهِمْ) حتى إذا أرادوا وجهاً وجهته
أعزفوا عنه إلى غير ما لا يفيدهم، واعم
أبصارهم وقلوبهم عمّا يضمرون ويقصدون
(وَاقْطَعْ عَنْهُمْ المَدَدَ) الجيش ونحوه
الذي يمدهم ويساعدهم (وَانْقُصْ مِنْهُمُ
العَدَدَ) أي: عددهم بالموت أو الفرار أو
المرض أو ما أشبه (وَامْلأ أَفْئِدَتَهُمُ)
جمع فؤاد بمعنى القلب (الرُّعْبَ) أي: الخوف
من المسلمين (وَاقْبِضْ أيْدِيَهُمْ عَنِ
البَسْطِ) حتى لا يتمكنوا من مد أيديهم لأذى
المسلمين (وَاخْزِمْ) أي: أخرس
(أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ) حتى لا
يتمكنوا أن ينطقوا ضد المسلمين (وَشَرّدِ
بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي: بسبب فرار
الأعداء الأباعد بواسطة تفريق هؤلاء المقتربين
من ثغور المسلمين (وَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ
وَرائَهُمْ) النكال بمعنى العذاب أي: عذب بسبب
هؤلاء الذين وقع فيهم القتل والتشريد، الكفار
الذين وَراءَهُمْ، لأنهم يغتمون لتفريق ووقوع
القتل والأسر فيهم (وَاقْطَعْ بـِ) سبب
(خِزْيِهِمْ) وانهزامهم (أَطْماعَ مَنْ
بَعْدَهُمْ) من الكفار، فإن سائر الكفار إذا
شاهدوا نكال هؤلاء قطع رجاؤهم في النيل من
المسلمين. ما زال الدعاء على الذين يسعون في
الأرض فساداً... ومن كف أذاه عن الناس فهو
حمى الشريعة الإلهية المحمدية حتى ولو كان
جاحداً لأنَّ حسابه على خالقه الذي قال تعالى
لنبيه الكريم: ﴿
مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ
﴾
[15] . وقال
سبحانه: ﴿
إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ
عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
[16] وفوق ذلك
سمح الإسلام للمسلمين أن يحسنوا لمن يخالفهم
في العقيدة إذا هو كفّ شرّه وضرّه كما في
قوله تعالى: ﴿
لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ
يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
﴾
[17] وقوله عزَّ وجل:
﴿
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ
فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ
﴾
[18]
.
(اللّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحامَ نِسائِهِمْ) حتى
لا تحمل أولاداً يزيدون عدد الكفار (وَيَبِّسْ
أصْلابَ رِجالِهِمْ) أصلاب: جمع صلب بضم
الصاد، والمراد به سلسلة فقرات الظهر التى
تمتد من أعلاه إلى أسفله، ودعاء الإمام (عليه
السلام) عليهم بالعقم لنسائهم ورجالهم، لأنَّ
الحيَّة لاتلد إلا حيَّة قال تعالى: ﴿
إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ
وَلَا يَلِدُواْ إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً
﴾
[19] (وَاقْطَعْ
نَسْلَ دَوَابِّهِم) جمع دابة كالفرس وما أشبه
(وَأَنْعامِهِمْ) جمع نعم هي الإبل والبقر
والغنم، وكانت هذه الدواب من أهم الوسائل
والاسباب للإنتاج والمواصلات، ودعا عليها
الإمام (عليه السلام) لأنهم كانوا يستعينون
فيها ويتقوون بها في الحرب والقتال. (لا
تَأذَنْ) يا رب (لِسَمائِهِمْ في
قَطْرٍ) أي:
إمطار المطر (وَ«لا» لأَرْضِهِمْ في نَباتٍ)
أي: إخراج عشب، فامنع عنهم بركات السموات
والأرض.
(اللّهُمَّ وَقَوِّ بِذَلِكَ) الذي تفعل
بالكفار من الضعف، وهو إشارة إلى نزول الكوارث
والنكبات بالأعداء الطغاة (مَحالَ أهْلِ
الإِسْلامِ) أي: قوتهم وشدتهم (وَحَصِّنْ
بِهِ) أي: بضعف الكفار (دِيارَهُمْ) فإن ضعف
الأعداء يوجب قوة المسلمين (وَثَمِّرْ
بِهِ أَمْوالَهُمْ) لأن الأسواق تبقى للمسلمين إذا
ضعف الكفار بعدم المطر وما أشبه
(وَفَرِّغْهُمْ عَنْ مُحارَبَتِهِمْ) بأن تكبت
الأعداء حتى يفرغ المسلمون عن محاربتهم ولا
يحتاجون إلى ذلك (لِعِبادَتِكَ) فيكون
للمسلمين الوقت الكافي للطاعة والعبادة
(وَعَنْ مُنابَذَتِهِمْ) أي: مضاربتهم
ومحاربتهم، المعنى: انصر المجاهدين في سبيلك
على الطغاة المعتدين كي يتفرغوا للعمل من أجل
حياة أفضل... وإن قال قائل: لا شيء أفضل من
الجهاد. جوابه: ليس الجهاد غاية في نفسه، بل
وسيلة ليعيش الناس في اخاء وهناء لا في حرب
وشقاء، ليتعاونوا يداً واحدة على ما فيه لله
تعالى رضاً، ولعباده خير وصلاح
(لِلْخَلْوَةِ بِكَ) في حال العبادة آناء
الليل وأطراف النهار (حَتّى لا يُعْبَدَ في
بِقاعِ الأَرضِ) جمع بقعة بمعنى القطعة
(غَيْرُكَ) من الأصنام وما أشبه (وَلا
تُعَفِّرَ لأَحَدٍ مِنْهُمْ جَبْهَةٌ دُونَكَ)
بأن يكون كل تعفير وسجود على الأرض لأجلك لا
لسواك، (اللّهُمَّ اغْزُ بِكُلِّ ناحِيَةٍ
مِنَ المُسْلِمينَ) الغزو: هو الجهاد والهجوم
على العدو (على من بإزائهم من المشركين) حتى
يهاجم كل طرف من بلاد الإسلام على من في قباله
من بلاد الكفر، والإمام (عليه السلام) يدعو
الله سبحانه أن يسهّل لأنصار الحق والعدل
سبيل الغزو والغلبة على أعدائه وأعداء
الإنسانية جمعاء (وَأمْدِدْهُمْ بِمَلائِكَةٍ
مِنْ عِنْدِكَ مُرْدِفِينَ) بعض أولئك
الملائكة رديف بعض وفي عقبهم (حَتّى يَكْشِفُوهُمْ) أي: يهزموا الكفار (إلى
مُنْقَطَعِ التُّرابِ) أي: المحل الذي تخلص
الأرض وتصل إلى البحر أو المراد أقاصي البلاد،
يقتلونهم (قَتْلاً في أَرْضِكَ
وَأَسْراً) لمن
بقي منهم، المعنى: انصر اللهم المحقين على
المبطلين حتى لا يبقى على وجه الأرض من
بدايتها إلى نهايتها- أحد في أرضك من المعتدين
والمفسدين (أوْ يُقِرّوُا بِأنَّكَ أَنْتَ
اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ
لا شَرِيكَ لَكَ) بأن يصيروا مسلمين أو يتوبوا
ويكفوا عن الفساد والضلال.
(الّلهُمَّ وَاعْمُمْ بِذلِكَ) الذي طلبت منك
من نصرة المسلمين وخذل الكفار (أَعْداءَكَ)
جميعاً (مِنَ الهِنْدِ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ
وَالخَزَرِ) وهم قسم من الترك سموا بذلك لضيق
أعينهم، إذ الخزر بمعنى ضيق العين (وَالحَبَشِ
وَالنُّوبَةِ وَالزَّنْجِ) قسم من السودان في
أطراف خط الاستواء (والسَّقالِبَةِ) وهم
قريبون من بلاد المغرب (وَالدّيالِمَةِ) بلاد
مازندران فإن هؤلاء كانوا كفاراً إلى زمان
الإمام (عليه السلام) وإنما دخلوا في الإسلام
بعد ذلك تدريجاً (وَسائِرَ أُمَمِ الشِّرْكِ
الَّذِينَ تَخْفى أسْماؤُهُمْ، وَصِفاتُهُمْ)
انصر المسلمين على جميعهم يا رب (وَقَدْ
أحْصَيْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ) أي: بعلمك
الواسع (وَأَشْرَفْتَ عَلَيْهِمَ) أي: قدرت
عليهم (بِقُدْرَتِكَ) الشاملة.
«يشير الإمام (عليه السلام) بقوله هذا إلى
حديث جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله
وسلم) الذى رواه الكثير من المسلمين من كافّة
المذاهب الإسلامية وهو: «لو لم يبق من الدنيا
الا يوم واحد لبعث الله عزَّ وجل رجلا من أهل
بيتي يملؤها- أي يملأ الدنيا- عدلاً كما ملئت
جوراً». وفي العديد من الروايات: أن الله
سبحانه يخرج من ذريه محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) رجلا يسهل له كل عسير، ويذلل له كل
صعب، ويقرب به كل بعيد، ويقهر به كل جبار
عنيد، ويسوق به بركات السموات والأرض،
ولايظلم أحد احداً، و لايخاف شيء من شيء،
ولايراق محجمة دم، وتستوى الأرزاق بين
الناس، ويقتسمون بالسوية، ويكون الجميع على
أحسن حال، وإذا سافر إنسان إلى مكان بعيد
لايصحب معه زاداً ولا مالاً... إلى كل ما لا
عين رأت ولا أذن سمعت
[20] .
ورب قائل: هذا كلام حلو وجميل، ولكنه مجرد
حلم ووهم، وهل يمكن أن تقوم للبشر حياة على
غير حرب ونهب وحسد وحقد وتكاثر وتفاخر؟
الجواب: أجل، يمكن بكل توكيد، وأن ذلك لواقع
لا محالة ولو بعد مئة حين وحين، أوّلاً لأن
دوام الحال من المحال، وبخاصة في الأحوال
الاجتماعية. ثانيا: لأنه من صنع الإنسان،
وهو قادر على التحويل والتغيير، فكم من أمة
خرجت من الظلمات إلى النور، من الغار إلى أرقى
الحضارات، فوحدت الصفوف بعد الشتات والتفتيت،
وأصبحت قوّة ترجى وتخشى في العالم كله بعد أن
كانت لا شيء يذكر.
وهل من عاقل على وجه الأرض يستطيع القول
والجزم بأنّ كرامة الإنسان لن تقوم لها- بعد
اليوم- قائمة، وأن الثورات الإصلاحية قد ذهبت
إلى غير رجعة؟... وما خروج المهدي المنتظر
إلا ثورة على الفساد في الأرض وعلى كل ضار
ومفترس يعيش أو يحاول العيش على دماء
المستضعفين. وإذن فأين الخرافة والسخافة؟
وعلام الهجمات والحفلات بالدس والافتراء
والسخرية والاستهزاء؟»
[21] .
(اللّهُمَّ اشْغَلِ المُشْرِكينَ
بِالمُشْرِكِينَ) بأن يحارب بعضهم بعضاً (عَنْ
تَناوُلِ أطْرافِ المُسْلِمينَ) حتى ينشغلوا
عن أذى المسلمين وتناولهم بالحرب (وَخُذْهُمْ)
أي: المشركين (بِالنَّقْصِ عَنْ
تَنَقُّصِهِمْ) أي: انقص المشركين حتى لا
يتمكنوا من تنقيص المسلمين بقتل رجالهم وأسر
نسائهم ونهب أموالهم، إن الطغاة ملأوا الدنيا
فساداً وعدوانا، فخذهم يا إلهي بالنقص
والتنقص من الأموال والأنفس كي يأمن العباد
والبلاد من شرّهم وجورهم (وَثَبِّطْهُمْ)
أي: فل عزيمتهم (بِالفُرْقَةِ) بأن تفرق
كلمتهم (عَنِ الاحْتِشادِ) والاجتماع
(عَلَيْهِمْ) أي: على المسلمين، والمعنى أوقع
العداوة والبغضاء بين العتاة المعتدين،
وأشغلهم بأنفسهم عن الحشد والجمع لحرب
الآمنين.
(الّلهُمَّ أخْلِ قُلُوبَهُمْ مِنَ
الأَمَنَةِ) أي: واملأ قلوبهم بالفزع والهلع
من قوّة المسلمين وهيبتهم... والأمنة بمعنى
الأمن، وأما الآية اليوم فهي معكوسة،
فالمسلمون هم الذين يخافون أن يتخطفهم الذئاب
وكل ذي ناب، لا لشيء إلا لأنهم عصوا الله في
نصحه وقوله: ﴿
وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ ﴾
[22]
(وَأبْدانَهُمْ مِنَ القُوَّةِ) حتى لا يكون
لهم قوّة المقاومة، والقوَّة اليوم للعلم
والفطنة والمخترعات لا للسواعد والعضلات
(وَأَذْهِلْ قُلُوبَهُمْ) أي: اغفلها (عَنِ
الاحْتِيالِ) عن التجسس والتأمر والدعايات
الكاذبة ضد المسلمين (وَأَوْهِنْ أرْكانَهُمْ)
أي: أطرافهم كاليد والرجل (عَنْ مُنَازَلَةِ
الرِّجالِ) أي: محاربة رجال المسلمين
(وَجَبِّنْهُمْ) أي: ألق الجبن والخوف في
قلوبهم. (عَنْ مُقارَعَةِ الأَبْطالِ) أي:
محاربتهم وذلك لأن كل محارب يقرع الآخر بسيفه
ورمحه وما أشبه، ودعاؤه (عليه السلام) كناية
عن طلب إضعاف قوّة العدو بشتى مظاهرها حيث لا
منازلة اليوم بين الرجال والأبطال، بل بين
القواعد العسكرية والأساطيل البحرية والجوية
والأسلحة بكافة أنواعها (وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ جُنْداً مَنْ مَلائِكَتِكَ
بِبَأسٍ) وشدة (مِنْ بَأسِكَ) أي: من الشدّة
التي هي من عندك (كَفِعْلِكَ) بالكفار (يَوْمَ
بَدْرٍ) حيث أنزلت على المسلمين الملائكة
فأخذوا يحاربون الكفار (تَقْطَعْ بِهِ) أي:
بالجند من الملائكة (دابِرَهُمْ) أي: عقبهم
ومن بقي منهم حتى لا يبقى منهم أحد
(وَتَحْصُدْ بِهِ شَوْكَتَهُمْ) أي: عزهم
وجاههم، كما تحصد العشب (وَتُفَرِّقْ
بِهِ عَدَدَهُمْ) حتى لا يكونوا مجتمعين ضد
المسلمين.
(اللّهُمَّ وَامْزُجْ مِياهَهُمْ بِالوَباءِ)
فإن جراثيم الوباء تأتي إلى الماء فمن شرب منه
تمرض به (وَأطْعِمَتَهُمْ بِالأَدْواءِ) جمع
داء أي: الأمراض، فإن الجراثيم قد تدخل
الأطعمة فمن أكل منها مرض، ودعاء الإمام
(عليه السلام) يومىء إلى أنَّ الأمراض كلها أو
جلها ترجع إلى الأطعمة والأشربة، ولا ريب في
ذلك عند أهل الاختصاص. وفي الحديث الشريف:
«المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء،
وعودوا بدناً ما اعتاد» وإنما كانت المعدة
بيت الداء، لأنها مستودع الغذاء طعاماً
وشراباً. وبالمناسبة كان القدامى يتصارعون
ويتطاحنون على الماء تماماً كما هي الحال
الآن بين الدول الكبرى في التنافس والتسابق
إلى الذهب الأسود (وَارْمِ بِلادَهُمْ
بِالخُسُوفِ) أي: بأن تخسف في الأرض، والمعنى
أن تنشق الأرض وتبتلع ما على ظهرها مما
يملكون ويقتنون، قال سبحانه: ﴿
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ
﴾
[23] (وَألِحَّ
عَلَيْها بِالقُذُوفِ) بريح
عاصفة قاصفة لاتبقى ولاتذر لهم من شيء،
وبتعبير آخر: أكثر عليها بالرمي بالبلايا
والخراب، والقذوف: جمع قذف، كأن المرض شيء
يقذف ويرمى إليهم وكذا سائر أقسام البلاء
(وَافْرَعْها) أي: فرقها (بِالمُحُولِ) جمع
محل بمعنى الجدب والقحط، فإن البلاد إذا أجدبت
تفرق أهلها (وَاجْعَلْ مِيَرَهُمْ) جمع ميرة
بمعنى الطعام يجلب من بلد لآخر (في أَحَصِّ
أَرْضِكَ) ) في أكثرها جدباً وأقلها خيراً،
وبتعبير آخر: أخلاها من العشب والنبات، وهذا
كناية عن قلّة الطعام (وَأبْعَدِها عَنْهُمْ)
حتى تكلفهم كثيراً في نقلها ويصعب عليهم أمرها
(وَامْنَعْ حُصُونَها مِنْهُمْ) أي: امنع حصون
الأرض والأقوات من أن يصلوا إليها ويتحصنوا
بها (أَصِبْهُمْ) من الإصابة بمعنى الإيصال
(بِالجُوعِ
المُقِيمِ) فيهم (وَالسُّقْمِ) أي:
المرض (الأَلِيمِ) أي: المؤلم.
(اللّهُمَّ وَأَيُّما غازٍ) ومحارب حاربهم،
الغزو: السير إلى العدو وقتاله في عقر داره
(مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكَ) أي: أهل دينك،
والملة: الشريعة الدينية وأيضاً تطلق على
الدين بوجه عام (أَوْ مُجاهِدٍ جاهَدَهُمْ
مِنْ أَتْباعِ سُنَّتِكَ) أي: التابعين لدينك
وسنتك والمراد بها الشريعة والإسلام، والجهاد
أعم وأشمل من الغزو (لِيَكُونَ دِينُكَ
الأعْلى وَحِزْبُكَ الأَقْوىَ وَحَظُّكَ
الأَوْفى) والأكثر من سائر الحظوظ، أي: كان
قصد الغازي والمجاهد ترفيع كلمة الإسلام، ولما
دعا الإمام (عليه السلام) لأهل الثغور وحماة
الحدود، دعا لكل من غزا وجاهد لنصرة الحق
وإعزازه وخذلان الباطل وإذلاله (فَلَقِّهِ
اليُسْرَ) أي: يسر له الأمر (وَهَيِّئْ
لَهُ الأَمْرَ) في جهاده وغزوه (وَتَوَلَّهُ
بِالنُّجْحِ) أي: اشمله بعنايتك ورعايتك،
واكتب له الفوز والنجاح في جهاده
(وَتَخَيَّرْ لَهُ الأَصْحابَ) أي: اختر له
أصحاباً - من أهل الصدق والوفاء لا من أهل
الكذب والرياء - يساعدونه في جهاده وغزوه
(وَاسْتَقْوِ لَهُ الظَّهْرَ) أي: قوّ ظهره،
والمراد بالظهر هنا كل ما يركب من سيارة أو
فرس تبعاً للزمان وتطوره (وَأسْبِغْ
عَلَيْهِ في النَّفَقَةِ) اغنه من فضلك، ووسع عليه من
رزقك لكي تكون نفقته واسعة زائدة (وَمَتِّعْهُ
بِالنَّشاطِ) بأن يكون نشيطاً في جهاده
ومحاربته (وَأطْفِ عَنْهُ حَرارَةَ الشَّوْقِ)
بأن لا تضره حرارة باطنه فإن أكثر ما يضر
المزاج حرارة الاشتياق فألهمه الصبر على فراق
الأهل والصحب والوطن (وَأجِرْهُ) أي: احفظه
(مِنْ غَمِّ الوَحْشَةِ) أي: الحزن الذي
ينتاب الإنسان المستوحش فإن في الجهاد وحشة
وهولاً (وَأنْسِهِ ذِكْرَ الأَهْلِ
وَالوَلَدِ) حتى لا يذكرهم فيهتم ويغتم لذلك،
فأنس اللهم وحشته، وارحم غربته (وَآثِرْ) من
الإيثار بمعنى الاختيار (لَهُ حُسْنَ
النِيَّةِ) حتى تكون نيته نية حسنة توجب
الثواب، ومعنى حسن النيه في الجهاد أن يكون
خالصاً لوجه الله الكريم (وَتَوَلَّهُ
بِالعَافِيَةِ) بأن تعافيه من الأمراض النفسية
والبدنية فامنن عليه بعافية الدنيا والآخرة
(وَاصْحِبْهُ السَّلامَةَ) في دينه وعقله
وقلبه وجسمه حتى يذهب ويرجع سالماً
(وَأعْفِهِ مِنَ الجُبْنِ) أي: بعده عنه حتى
لا يجبن، أبداً لا نجاح مع الجبن في أي شيء
(وَألْهِمْهُ الجُرْأةَ) بأن يكون جريئاً في
الإقدام والمحاربة، فالجرأة العاقلة مع الصبر
فهي سبيل الفوز والفلاح، قال الإمام
أميرالمؤمنين (عليه السلام): «قرنت الهيبة
بالخيبة، والحياء بالحرمان» (وَارْزُقْهُ
الشِّدَّةَ) فيكون شديداً على الأعداء
(وَأيِّدْهُ) أي: قوّه (بِالِنُّصْرَةِ) بأن
تنصره على أعدائه (وَعَلِّمْهُ السِّيَرَ
وَالسُّنَنَ) السير جمع سيرة وهي الكيفية التي
سار عليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في
مختلف أموره، والسنن جمع سنّة وهي الأحكام
الإسلامية، والمعنى سهل عليه سبيل العلم
النافع، بخاصة المعرفة بسير الصالحين المصلحين
وسنة النبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)،
وغني عن البيان أنَّ لهذه المعرفة قيمتها في
التوجيه والتمييز بين ما ينبغي فعله وما
يجب تركه (وَسَدِّدْهُ فِي الحُكْمِ) حتى إذا
حكم يكون حاكماً بالعدل والحق (وَاعْزِلْ
عَنْهُ الرِّياءَ) حتى لا يكون مرائياً في
أعماله وجهاده (وَخَلِّصْهُ مِنَ
السُّمْعَةِ)
حتى لا يعمل لأجل أن يسمع الناس به فيمدحوه
(وَاجْعَلْ فِكْرَهُ وّذِكْرَهُ وَظَعْنَهُ)
الظعن: السير والرحيل أي: سفره (وَإقامَتَهُ
فِيكَ) أي: في رضاك (وَلَكَ) أي: لأجلك،
والمعنى: اجعل جميع أقواله وأفعاله ومقاصده
فيما يرضيك بحيث لايقدم بل ولايعزم على
ارتكاب المحارم واكتساب المآثم (فإِذا
صافَّ عَدُوَّكَ وَعَدُوَّهُ) أي: وقف في الصف
المقابل له (فَقَلِّلْهُمْ) أي: الأعداء (في
عَيْنِهِ) فإن الإنسان إذا رأى العدو قليلاً
تجرأ في محاربته أكثر وبتعبير آخر اجعله في
قلب المعركة يخشاك ولا يخشى سواك (وَصَغِّرْ
شَأنَهُم في قَلْبِهِ) حتى لا يرى لهم شأناً
يذكر فيخاف منهم (وَأدِلْ لَهُ
مِنْهُمْ) أي:
غلبة عليهم، فيقال أدال له، أي: أعطاه الدولة،
والمعنى انصر الطيبين على الخبثاء المعتدين،
لا عكس (وَلا تُدِلْهُمْ مِنْهُ) أي: لا تأخذ
الدولة من هذا الشخص للأعداء (فَإنْ خَتَمْتَ
لَهُ بِالسَّعادَةِ) بأن سعد في آخر عمره حيث
قتل (وَقَضَيْتَ لَهُ بِالشَّهادَةِ) وسمي
الشهيد شهيداً لحضور ملائكة الرحمة عنده أو
غير ذلك مما ذكروه (فَـ) افعل ذلك به (بَعْدَ
أَنْ يَجْتَاحَ عَدُوَّكَ بِالقَتْلِ)
الاجتياح القتل والاستئصال (وَبَعْدَ
أنْ يَجْهَدَ بِهِمُ الأَسْرُ) بأن يتعبوا في
أسرهم (وَبَعْدَ أَنْ تَأمَنَ أَطْرافُ
المُسْلِميِنَ) أي: أطراف بلادهم (وَبَعْدَ
أَنْ يُوَلِّي عَدُوَّكَ مُدْبِرينَ) منهزمين،
فليكن ذلك ثمنا لانتصار الحق والعدل على
الظلم والفساد. وفي شتى الأحوال فإن الله
سبحانه لايأذن بالحرب والقتال لمجرد الغضب
والعاطفه، وبلا تعقل وتدبر ولا إعداد
العدة. وقديماً قيل: «لايفل الحديدَ إلا
الحديدُ».
(اللّهُمَّ وَأيُّما مُسْلِمٍ
خَلَفَ غَازِياً) أي: تخلف من بعده بأن صار خليفةً
مجاهداً في سبيل الله (أَوْ) خلّف (مُرابِطاً)
وهو الذي يذهب إلى الثغر ليبقى فيه ناظراً إلى
أعمال العدو (في دارِهِ) كأن بقي زيد خليفة في
دار عمرو المجاهد أو المرابط. وبعد أن دعا
الإمام (عليه السلام) لكل جندي وفدائي يدافع
بنفسه عن دينه ووطنه، دعا للكفيل الذي يخلف
هذا المجاهد في داره وأهله، يرعاهم، ويقوم
بحوائجهم في غيابه (أَوْ تَعَهَّدَ
خالِفِيهِ)
أي: من خلف المجاهد ورائه كأن تعهد زيد أهل
عمرو المجاهد، وبتعبير آخر: أي تردد وتفقد
أهل المجاهد أو كفيلهم، وسأله عن حالهم،
وعرض الخدمة والمساعدة (في غَيْبَتِهِ) أي:
في حال غيبة المجاهد وابتعاده عن أهله (أَوْ
أعانَهُ) أي: أعان المجاهد أو المرابط
(بِطائِفَةٍ مِنْ مالِهِ) أي: بجملة منه (أَوْ
أمَدَّهُ بِعِتادٍ) العدة الحربية والآلة
(أَوْ شَحَذَهُ) أي: ساقه وحمله ورغبه (عَلى
جِهَادٍ) العدو (أوْ أتْبَعَهُ في وَجْهِهِ
دَعْوَةً) بأن دعا له أمام وجهه وقبل ذهابه،
بالنصرة وغيرها (أَوْ رَعى لَهُ مِنْ
وَرَائِهِ) بعد ذهاب المجاهد (حُرْمَةً) كأن
رد الاغتياب عنه أو نحو ذلك، من حفظ مكانته
وكرامته في غيابه (فَآجرِ) أي: أعط يا رب
الأجر (لَهُ) أي: هذا الذي فعل بالمجاهد أحد
تلك الأفعال التي ذكرناها (مِثْلَ أجْرِهِ)
أي: مثل أجر ذلك المجاهد (وَزْناً بِوَزْنٍ
وَمِثْلاً بِمِثْلٍ) حتى يكون أجره على قدر
عمله، وبتعبير آخر: كل من أعان مجاهداً أو
أدخل عليه السرور أو على ذويه بجهة من الجهات-
فاكتب له أجر المجاهد بالذات، ولا تنقصه عنه
شيئاً، فإن خزائنك تفيض ولا تغيض
(وَعَوِّضْهُ) يا رب (مِنْ فِعْلِهِ) الذي فعل
بهذا المجاهد (عِوَضَاً حَاضِراً) في الدنيا
(يَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْع ما قَدَّمَ) يقال
تعجل به، إذا أخذه بسرعة أي: يأخذ بسرعة فائدة
العمل الذي قدمه إلى آخرته، إلى خدمة المجاهد
ليوجب أجر الآخرة (وَ) يتعجل به (سُرُورَ ما
أَتى بِهِ) أي: يأخذ بعض سرور عمله، هنا في
الدنيا، قبل الآخرة ويبقى هذا النفع والسرور
لديه (إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ الوَقْتُ
إلى) الآخرة التي فيها (ما أجْرَيْتَ لَهُ
مِنْ فَضْلِكَ، وَأَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ
كَرامَتِكَ) من الثواب والأجر.
(اللّهُمَّ وَأيُّما مُسْلِمٍ أهَمَّهُ أَمْرُ
الإِسْلامِ) وتقدمه على الأديان الأخرى
(وَأَحْزَنَهُ تَحَزُّبُ أَهْلِ الشِّرْكِ)
واجتماعهم (عَلَيْهِمْ) أي: على المسلمين
(فَنَوى غَزْواً، أَوْ هَمَّ بِجِهادٍ) ولا
يخفى أن مفهوم الجهاد أعم من مفهوم الغزو، وإن
كان تقابلهما يوجب صرف الغزو إلى قسم ضعيف من
الجهاد والجهاد إلى قسم أقوى (فَقَعَدَ
بِهِ ضَعْفٌ) عرض له مانع من مرض أو عجز مادي أو أي
شيء- لم يقدر معه على الخروج (أَوْ أَبْطَأَتْ
بِهِ فَاقَةٌ) أي: فقر (أَوْ أَخَّرَهُ
عَنْهُ) أي: عن الغزو أو الجهاد (حادِثٌ) حدث
له (أَوْ عَرَضَ لَهُ دُونَ إِرادَتِهِ) أي:
قبل وصوله إلى إرادته (مَانِعٌ) فلم يتمكن من
الجهاد (فاكْتُبِ) اللهم (اسْمَهُ
في العابِدِينَ) الذين عبدوا لك فإن الجهاد من
أفضل أقسام العبادة (وَأَوْجِبْ
لَهُ ثَوابَ المَجاهِدِينَ وَاجْعَلْهُ في
نِظامِ الشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ) لأنه عقد قلبه
على الجهاد، قال سبحانه: ﴿
وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ
الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى
اللَّهِ ﴾
[24] وفي الحديث الشريف:
«من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة
كاملة، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب
عليه» وقال تعالى: ﴿
يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
﴾
[25] . وما من شك أن نية الخير بمجردها
خير، وقد ورد أن نية الخير خير من عمله.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ
وَرَسُولِكَ و) صلِّ على (آَلِ
مُحَمَّدٍ، صَلاةً عالِيَةً عَلَى الصَّلَواتِ) بأن تكون
أشرف من سائر أنحاء عطفك ورحمتك على غيرهم من
الناس (مُشْرِفَةً فَوْقَ التَّحِيّاتِ) من
[حياة] أصله بمعنى حيا، ثم استعمل في مطلق
الترحيب والتكرمة لدى الملاقات (صَلاةً لا
يَنْتَهِي أمَدُها) أي: امتدادها (ولا
ينقَطِعُ عَدَدُها) لكثرة أعدادها (كَأتَمِّ
مَا مَضى مِنْ صَلَواتِكَ عَلى أَحَدٍ مِنْ
أَوْلِيَائِكَ) يعني تكون هذه الصلاة على
الرسول وآله على غرار تلك الصلاة الأتم
(إِنَّكَ المَنّانُ الحَمِيدُ) أي: ذو المنة،
المحمود في إنعامه (المُبْدِئُ) الذي تبدي كل
شيء وتوجده (المُعِيدُ) الذي تعيد الإنسان بعد
فنائه، أو هو مطلق بالنسبة إلى إعادة كل شيء
يعاد بعد فنائه (الفَعّالُ لِما
تُريِد) فكل
شيء تريده تفعله، لا يمتنع عليك شيء.
ويسمى هذا الدعاء بالجوشن الصغير، والجوشن
بمعنى الدرع، وكان من دعائه (عليه السلام) في
دفع كيد الأعداء ورد بأسهم:
إِلهي هَدَيْتَني فَلَهَوْتُ، وَوَعَظْتَ
فَقَسَوْتُ، وَأَبْلَيْتَ الجَميلَ
فَعَصَيْتُ، ثُمَّ عَرَفْتُ مَا أَصْدَرْتَ
إِذْ عَرَّفْتَنيهِ، فَاسْتَغْفَرْتُ
فَأقَلْتَ، فَعُدْتُ فَسَتَرْتَ، فَلَكَ إِلهي
الحَمْدُ، تَقَحَّمْتُ أَودِيةَ الهَلاكِ،
وَحَلَلْتُ شِعابَ تَلَفٍ، تَعَرَّضْتُ فيها
لِسَطَواتِكَ وَبِحُلُولِها لِعُقُوباتِكَ،
وَوَسيلَتي إِلَيْكَ التَّوْحيدُ،
وَذَرِيعَتِي أنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ
شَيْئاً، وَلَمْ أتَّخِذْ مَعَكَ إِلهاً،
وَقَدْ فَرَرْتُ إِلَيْكَ بِنَفْسي،
وَإِلَيْكَ مَفَرُّ المُسيءِ وَمَفْزَعُ
المُضَيِّعِ لِحَظِّ نَفْسِهِ المُلْتَجِئِ
فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ انْتَضى عَلَيَّ سَيْفَ
عَداوَتِهِ، وَشَحَذَ لِي ظِبَةَ مُدْيَتِهِ،
وَأَرْهَفَ لِي شَبا حَدِّهِ، وَدافَ لِي
قَواتِلَ سُمُومِهِ، وَسَدَّدَ نَحْوِي
صَوائِبَ سِهامِهِ، وَلَمْ تَنَمْ عَنِّي
عَيْنُ حَراسَتِهِ، وَأضْمَرَ أَنْ يَسُومَنِي
المَكْرُوهَ، وَيُجَرَّعَنِي زُعافَ
مَرارَتِهِ، فَنَظَرْتَ يا إِلهي إِلى ضَعْفي
عَنِ احْتِمالِ الفَوادِحِ، وَعَجْزِي عَنْ
الانْتِصارِ مِمَّنْ قَصَدَني بِمُحارَبَتِهِ،
وَوَحْدَتي فِي كَثيرِ عَدَدِ مَنْ ناواني،
وَأرْصَدَ لِي بِالبَلاءِ فيما لَمْ أُعْمِلْ
فيهِ فِكْرِي، فَابْتَدَأتَنِي بِنَصْرِكَ،
وَشَدَدْتَ أزْرِي بِقُوَّتِكَ، ثُمَّ
فَلَلْتَ لِي حَدَّهُ، وَصَيَّرْتَهُ مِنْ
بَعْدِ جَمْعٍ عَديدٍ وَحْدَهُ، وَأَعْلَيْتَ
كَعْبِي عَلَيْهِ، وَجَعَلْتَ مَا سَدَّدَهُ
مَرْدُوداً عَلَيْهِ، فَرَدَدْتَهُ لَمْ
يَشْفِ غَيْظَهُ وَلَمْ يَسْكُنْ غَليلُهُ،
قدْ عَضَّ عَلى شَوَاهُ وَأَدْبَرَ مُوَلِيّاً
قَدْ أَخْلَفَتْ سَراياهُ، وَكَمْ مِنْ باغٍ
بَغانِي بِمَكائِدِهِ وَنَصَبَ لِي شَرَكَ
مَصائِدِهِ، وَوَكَّلَ بي تَفَقُّدَ
رِعايَتِهِ، وَأَضْبَأَ إِلَيَّ إِضْباءَ
السَّبُعِ لِطَرِيدَتِهِ انْتِظاراً
لانْتِهازِ الفُرْصَةِ لِفَرِيسَتِهِ، وَهُوَ
يُظْهِرُ لِي بَشاشَةَ المَلَقِ، وَيَنْظُرُني
عَلى شِدَّةِ الحَنَقِ، فَلَمَّا رَأَيْتَ يا
إلهي تَبَارَكْتَ وَتَعالَيْتَ دَغَلَ
سَرِيرَتِهِ وَقُبْحَ مَا انْطَوى عَلَيْهِ،
أرْكَسْتَهُ لأُمِّ رَأسِهِ فِي زُبْيَتِهِ،
وَرَدَدْتَهُ في مَهْوى حُفْرَتِهِ،
فَانْقَمَعَ بَعْدَ اسْتِطالَتِهِ ذَلِيلاً
فِي رِبَقِ حِبالَتِهِ الَّتي كانَ يُقَدِّرُ
أَنْ يَراني فيها وَقَدْ كادَ أَنْ يَحُلَّ
بِي لَوْلا رَحْمَتُكَ ما حَلَّ بِساحَتِهِ،
وَكَمْ مِنْ حاسِدٍ قَدْ شَرِقَ بي
بِغُصَّتِهِ، وَشَجِيَ مِنِّي بِغَيْظِهِ
وَسَلَقَني بِحَدِّ لِسانِهِ وَوَحَرَني
بِقَرْفِ عُيُوبِهِ، وَجَعَلَ عِرْضي غَرَضاً
لِمَراميهِ، وَقَلَّدَني خِلالاً لَمْ تَزَلْ
فيهِ، وَوَحَرَني بِكَيْدِهِ، وَقَصَدَني
بِمَكيدَتِهِ، فَنادَيْتُكَ يَا إلهي
مُسْتَغيثاً بِكَ، واثِقاً بِسُرْعَةِ
إِجابَتِكَ، عالِماً أَنَّهُ لا يُضْطَهَدُ
مَنْ أوى إلى ظِلِّ كَنَفِكَ، وَلا يَفْزَعُ
مَنْ لَجَأَ إلى مَعْقِلِ انْتِصارِكَ،
فَحَصَّنْتَني مِنْ بَأْسِهِ بِقُدْرَتِكَ
وَكَمْ مِنْ سَحائِبِ مَكْرُوهٍ جَلَّيْتَها
عَنِّي، وَسَحائِبِ نِعَمٍ أَمْطَرْتَها
عَلَيَّ، وَجَداوِلِ رَحْمَةٍ نَشَرْتَها،
وَعافِيَةٍ ألْبَسْتَها وَأَعْيُنِ أَحْداثٍ
طَمَسْتَها، وَغَواشِيَ كُرُباتٍ كَشَفْتَها،
وَكَمْ مِنْ ظَنٍّ حَسَنٍ حَقَّقْتَ، وَعَدَمٍ
جَبَرْتَ وَصَرْعَةٍ أَنْعَشْتَ وَمَسْكَنَةٍ
حَوَّلْتَ، كُلُّ ذلِكَ إِنْعاماً
وَتَطَوُّلاً مِنْكَ، وَفي جَميعِهِ
اِنْهِماكاً مِنِّي عَلى مَعاصيكَ، لَمْ
تَمْنَعْكَ إِساءَتي عَنْ إِتْمامِ
إِحْسانِكَ، وَلا حَجَرَني ذلِكَ مِنِ
ارْتِكابِ مَساخِطِكَ، لا تُسْأَلُ عَمَّا
تَفْعَلُ، وَلَقَدْ سُئِلْتَ فَأَعْطَيْتَ،
وَلَمْ تُسْأَلْ فَابْتَدَأتَ، وَاسْتُميحَ
فَضْلُكَ فَما أَكْدَيْتَ، أَبَيْتَ يا
مَوْلايَ إِلاَّ إِحْساناً وَامْتِناناً
وَتَطَوُّلاً وَإنْعاماً، وَأَبَيْتُ إِلاّ
تَقَحُّماً لِحُرُماتِكَ، وَتَعَدِّياً
لِحُدُودِكَ وَغَفْلَةً عَنْ وَعِيدِكَ،
فَلَكَ الحَمْدُ إلهي مِنْ مُقْتَدِرٍ لا
يُغْلَبُ وَذي أَناةٍ لا َتْعَجَلُ، هَذا
مَقامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسُبُوغِ النِّعَمِ
وَقابَلَها بِالتَّقْصيرِ، وَشَهِدَ عَلى
نَفْسِهِ بِالتَّضْيِيعِ، اللّهُمَّ فَإنِّي
أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِالمُحَمَّدِيَّةِ
الرَّفيعَةِ، وَالعَلَوِيَّةِ البَيْضاءِ،
وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِما أنْ تُعيذَني
مِنْ شَرِّ كَذا وَكَذا، فَإنَّ ذلِكَ لا
يَضيقُ عَلَيْكَ فِي وُجْدِكَ، وَلا
يَتَكَأََّدُكَ في قُدْرَتِكَ، وأنْتَ على
كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ فَهَبْ لِي يا إلهي مِنْ
رَحْمَتِكَ وَدَوامِ تَوْفيقِكَ ما
أَتَّخِذُهُ سُلَّماً أعْرُجُ بِهِ إلى
رِضْوانِكَ وَآمَنُ بِهِ مِنْ عِقابِكَ، يا
أرْحَمَ الرّاحِمينَ
[26] .
(فَلَهَوْتُ): اللهو: الاشتغال بما يستمتع به
مما لا يعنيه عما يعنيه. (وَوَعَظْتَ): الوعظ:
زجر مقترن بالتخويف. (وَأَبْلَيْتَ): أعطيت.
(أَصْدَرْتَ): الإصدار: خلاف الإيراد يقال
أصدرت الإبل إذا أتيت بها للشرب وأصدرتها إذا
صرفتها. (فَأقَلْتَ): عفوت. (فَعُدْتُ): رجعت.
(تَقَحَّمْتُ): دخلت. (شِعابَ): جمع شعب
الطريق في الجبل أو مسيل الماء. (تَلَفٍ):
التلف: الهلاك. (لِسَطَواتِكَ): السطوة: البطش
بشدة. (وَذَرِيعَتِي): الذريعة: الوسيلة.
(فَرَرْتُ): فرَّ: هرب. (المُضَيِّعِ):
التضيع: إهمال الشيء حتى يذهب.
(لِحَظِّ): الحظ: النصيب. (المُلْتَجِئِ):
التجاء إليه: اعتصم به. (انْتَضى): السيف جرده
وسله. (وَشَحَذَ): السيف أحده ورقق شفرته.
(ظِبَةَ): حد السيف ونحوه. (مُدْيَتِهِ):
بتثليث الميم الشفرة. (وَأَرْهَفَ): أرهفت
السيف: رققته. (شَبا): السنان: طرفه المحدود.
(حَدِّهِ): حده: طرفه المحدود والحدّة في
الإنسان البأس. (وَدافَ): خلط. (وَسَدَّدَ):
سدد السهم: وجهه إليه. (يَسُومَنِي): يطلب لي
ويريد. (وَيُجَرَّعَنِي): الجرعة: من الماء
كاللقمة من الطعام ويجرعني أي يشربني شيئاً
فشيئاً. (زُعافَ) الزعاق: الماء المر الغليظ
الذي لا يطاق شربه. (الفَوادِحِ): المصائب
الشديدة. (ناواني): عاداني.
(وَأرْصَدَ): الإرصاد: الانتصار وقيل هو مع
العداوة. (أزْرِي): الأزر: القوّة الشديدة.
(فَلَلْتَ): كسرت وثلمت. (عَديدٍ): كثير.
(كَعْبِي): الكعب: في الأصل للعظم الناتىء فوق
قدم الإنسان أو عند ملتقى الساق والقدم وهنا
كناية عن الشرف والعلو. (سَدَّدَهُ): وجهه
نحوي. (غَيْظَهُ): الغيظ: الغضب الشديد.
(غَليلُهُ): الغليل: حرارة العطش ويطلق على
الحقد. (شَوَاهُ): أطراف أصابعه.
(سَراياهُ): السرايا: جمع سرية قطعة من الجيش.
(باغٍ): ظالم. (بَغانِي): طلبني.
(بِمَكائِدِهِ): خدعه. (شَرَكَ): الشرك: حبائك
الصائد. (مَصائِدِهِ): جمع مصيدة آلة الصيد.
(تَفَقُّدَ): تفقدت الشيء: طلبته عند فقده
وغيبته. (إِضْباءَ): استتر واختفى ليخدع.
(لِطَرِيدَتِهِ): الطريدة: الفريسة- الصيد.
(لانْتِهازِ): انتهز الأمر: اغتنمه.
(الفُرْصَةِ): الحالة التي يتمكن فيها من
المطلوب. (بَشاشَةَ): طلاقة الوجه.
(المَلَقِ): التملق: التودد والتلطف.
(الحَنَقِ): الغيظ الشديد. (دَغَلَ): بالتحريك
الفساد والريبة. (سَرِيرَتِهِ): السريرة: ما
يسره الإنسان ويضمره. (أرْكَسْتَهُ): قلبه
على رأسه. (لأُمِّ رَأسِهِ): أم الرأس: الدماغ
وقيل الجلدة الرقيقة التي تكون على الدماغ.
(زُبْيَتِهِ): الزبية: بالضم حفرة تحفر في
موضع عال يصاد فيها الأسد ونحوه.
(حُفْرَتِهِ): الحفرة: بالضم الحفيرة ما يحفر
من الأرض. (فَانْقَمَعَ): القمع: القهر
والاذلال. (اسْتِطالَتِهِ): الاستطاله:
الترفع والعلو. (رِبَقِ): جمع ربقة وهي
العروة في الحبل تشد بها الحيوانات.
(حِبالَتِهِ): الحبالة: الشرك الذى يصطاد به.
(شَرِقَ): شرق بريقه غص به.
(بِغُصَّتِهِ): والغصة: بالضم ما نشب في
الحلق واعترض فلم يجر فيه. (وَشَجِيَ):
الشجي: ما يعترض في الحلق من عظم وغيره.
(بِغَيْظِهِ): الغيظ: شدة الغضب.
(وَسَلَقَني): سلقه بلسانه: خاطبه بما يكره.
(وَوَحَرَني): الوحر: امتلاء الصدر من الغيظ.
(بِقَرْفِ): القرف: التهمة. (عِرْضي): العرض:
ما يصونه الإنسان ويحامي عنه أن يعاب.
(غَرَضاً): الغرض: الهدف. (لِمَراميهِ): سهامه
التى يرميها. (وَقَلَّدَني): القلادة: ما يجعل
في العنق. (خِلالاً): الخلال: جمع خلة وهي
الخصلة. (يُضْطَهَدُ): الاضطهاد: القهر.
(أوى): إليه: التجاء إليه. (ظِلِّ): أصله
الفيء ويستعمل في العز. (كَنَفِكَ): الكنف:
بفتحتين الجانب. (يَفْزَعُ): الفزع: الخوف.
(مَعْقِلِ): المعقل: الملجأ. (سَحائِبِ): جمع
سحابة وهي الغيمة. (جَلَّيْتَها): كشفتها.
(وَجَداوِلِ): جمع جدول النهر الصغير.
(نَشَرْتَها): أجريتها وبسطها.
(أَحْداثٍ): الأحداث: النوائب.
(طَمَسْتَها): الطمس: المحو وإزالة الأثر.
(وَغَواشِيَ): جمع غاشية من غشيه يغشاه إذا
ستره وغطاه. (كُرُباتٍ): الغموم. (وَعَدَمٍ):
العدم: بفتحتين وبالضم والسكون الفقر.
(جَبَرْتَ): أصلحت ما انكسر.
(وَصَرْعَةٍ): الصرعة: الوقوع على الأرض.
(أَنْعَشْتَ): أنعشه: أقامه ورفعه.
(وَتَطَوُّلاً): التطول: الإفضال.
(اِنْهِماكاً): انهمك في الأمر: جد فيه وألح.
(حَجَرَني): منعني. (مَساخِطِكَ): من السخط
وهو الغضب. (وَاسْتُميحَ): استمحته سماحة:
سألته العطاء. (أَكْدَيْتَ): أكدى: منع وجحد
وبخل. (أَبَيْتَ): امتنعت. (تَقَحُّماً):
تقحم الأمر: دخل فيه بدون روية ولا تأمل.
(لِحُرُماتِكَ): الحرمات: بضمتين جمع حرمة ما
حرّمه الله تعالى. (وَعِيدِكَ): الوعيد:
التهديد. (أَناةٍ): الأناة: عدم العجلة.
(بِسُبُوغِ): سبغت النعمة: اتسعت وفاضت.
(بِالتَّضْيِيعِ): التضييع: الإهمال وعدم
التحفظ على الشيء حتى يهلك. (الرَّفيعَةِ):
العالية الشريفة. (وُجْدِكَ): غناك. (وَلا
يَتَكَأَّدُكَ): لا يصعب ولا يشق عليك.
(أعْرُجُ): العروج: الصعود.
(إِلهي هَدَيْتَني فَلَهَوْتُ) أي: لعبت ولم
أعمل حسب مقتضى الهداية من العمل الصالح
(وَوَعَظْتَ فَقَسَوْتُ) أي: قسى قلبي فلم
أعمل حسب العظة، يقول (عليه السلام) في موضع
آخر: إلهِي إلَيْكَ أَشْكُو قَلْبَاً
قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً،
وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ مُتَلَبِّساً،
وَعَيْنَاً عَنِ الْبُكاءِ مِنْ خَوْفِكَ
جامِدَةً، وَإلى ما تَسُرُّها طامِحَةً. (وَأَبْلَيْتَ
الجَميلَ)
أي: أعطيت العطاء الجميل (فَعَصَيْتُ) عوض أن
أشكرك (ثُمَّ عَرَفْتُ مَا
أَصْدَرْتَ) أي: ما
أعطيتني، أي: تنبهت إلى عطائك وإحسانك لي
(إِذْ عَرَّفْتَنيهِ) معرفة كاملة
(فَاسْتَغْفَرْتُ) لك عما سلف مني (فَأقَلْتَ)
أي: تبت علي وقبلت معذرتي (فَعُدْتُ) أي: رجعت
إلى عصيانك بعد التوبة (فَسَتَرْتَ) ذنبي ولم
تفضحني (فَلَكَ إِلهي الحَمْدُ) على كل ذلك
(تَقَحَّمْتُ) أي: ألقيت نفسي دفعة في
(أَودِيةَ الهَلاكِ) جمع وادي: الصحارى
الموجبة لهلاك السائر فيها والمراد بها محلات
المعصية (وَحَلَلْتُ) أي: دخلت ونزلت (شِعابَ
تَلَفٍ) جمع شعب وهو الصدع في الجبل، أي:
الشعاب الموجبة لتلف الإنسان (تَعَرَّضْتُ فيها) أي: في تلك الأودية والشعاب
(لِسَطَواتِكَ) أي: لأقسام أخذك وانتقامك
(وَبِحُلُولِها) أي تعرضت بحلول تلك الشعاب
والأودية (لِعُقُوباتِكَ) بي (وَوَسيلَتي
إِلَيْكَ) في نجاتي والعفو عني (التَّوْحيدُ)
فإني موحد لك (وَذَرِيعَتِي) أي وسيلتي في
نجاتي من عذابك (أنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ
شَيْئاً) أي لم أجعل لك شريكاً بل وحدتك
(وَلَمْ أتَّخِذْ مَعَكَ
إِلهاً) كما يفعل
المشركون (وَقَدْ فَرَرْتُ إِلَيْكَ) يا رب
(بِنَفْسي) والمراد بالفرار: الالتجاء إليه
تعالى حتى لا يعاتبه بذنبه (وَإِلَيْكَ
مَفَرُّ المُسيءِ) فإن الشخص الذي يسيء ويذنب
لا ملجأ له إلا إليه تعالى، في موضع آخر يقول
(عليه السلام): «يا سَيِّدي اِنْ وَكَلْتَني
اِلى نَفْسي هَلَكْتُ، سَيِّدي فَبِمَنْ
أَسْتَغيثُ إنْ لَمْ تُقِلْني عَثَرْتي، فَإلى
مَنْ أفْزَعُ إنْ فَقَدْتُ عِنايَتَكَ في
ضَجْعَتي»
[27] (وَمَفْزَعُ
المُضَيِّعِ لِحَظِّ نَفْسِهِ) فإن الإنسان بعصيانه قد ضيع
حظ نفسه من السعادة والرفعة (المُلْتَجِئِ)
أي: الذي يلتجئ ويلوذ فراراً من المكروه الذي
يوشك أن يصل إليه.
(فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ انْتَضى) أي: سل وأخرج
من غمده (عَلَيَّ سَيْفَ عَداوَتِهِ،
وَشَحَذَ) أي: حدّه حتى يقطع سريعاً (لِي
ظِبَةَ مُدْيَتِهِ) المدية: السكين العظيمة
والظبة طرفها (وَأَرْهَفَ) أي: رقق ليقطع
بسرعة، ولا يكون كليلاً (لِي شَبا
حَدِّهِ)
أي: طرف حدة سكينه (وَدافَ) أي: مزج بماء
ونحوه (لِي قَواتِلَ سُمُومِهِ) أي: سمومه
القتالة (وَسَدَّدَ نَحْوِي) أي: وجه إلى
جانبي (صَوائِبَ سِهامِهِ) أي: سهامه الصائبة
(وَلَمْ تَنَمْ عَنِّي عَيْنُ
حَراسَتِهِ) فهو
يحرسني ويراقب أعمالي وأحوالي ليلاً ونهاراً
(وَأضْمَرَ) أي: نوى (أَنْ يَسُومَنِي
المَكْرُوهَ) سامه أي: أورد عليه ما يكره
(وَيُجَرَّعَنِي) أي: يشربني جرعة جرعة
(زُعافَ مَرارَتِهِ) الزعاف السم ونحوه،
والإضافة للصفة إلى الموصوف أي: مرارة زعافه
(فَنَظَرْتَ يا إِلهي إِلى ضَعْفي عَنِ
احْتِمالِ الفَوادِحِ) جمع فادحة: بمعنى الشيء
الثقيل والمصيبة وما أشبه (وَعَجْزِي عَنْ
الانْتِصارِ مِمَّنْ قَصَدَني بِمُحارَبَتِهِ)
أي: لا أقدر على أن أغلب من يريد محاربتي
(وَوَحْدَتي فِي كَثيرِ عَدَدِ مَنْ ناواني)
المناواة: بمعنى المعاداة، و مثله قول والده
سيد الشهداء (عليه السلام) يوم كربلاء: وإني
زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد، وكثرة العدو،
وخذلان الناصر (وَأرْصَدَ لِي
بِالبَلاءِ)
أي: راقبني لأن يصب عليّ البلاء والمكروه
(فيما لَمْ أُعْمِلْ فيهِ
فِكْرِي) أي: لم أدر
وجه البلاء الذي يريد أن يوجهه نحوي
(فَابْتَدَأتَنِي بِنَصْرِكَ) بأن نصرتني
ابتداءً (وَشَدَدْتَ أزْرِي) أي: ظهري
(بِقُوَّتِكَ) وكفايتك (ثُمَّ
فَلَلْتَ لِي حَدَّهُ) أي: كسرت لي سورته وشدته، والفل ضد
الشحذ (وَصَيَّرْتَهُ مِنْ بَعْدِ
جَمْعٍ عَديدٍ) أي: أنصاره المتعددة (وَحْدَهُ)
متوحداً (وَأَعْلَيْتَ كَعْبِي) الكعب: الرجل
(عَلَيْهِ) وهذا كناية عن تمام الاستيلاء
(وَجَعَلْتَ مَا سَدَّدَهُ) أي: وجهه نحوي من
السهام (مَرْدُوداً عَلَيْهِ) بأن جرح نفسه
بسهمه (فَرَدَدْتَهُ) أي: ذلك الشخص، في حال
كونه (لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ) وغضبه بأذيتي بل
بقي غيظه في صدره (وَلَمْ يَسْكُنْ
غَليلُهُ)
أي: حرارة غيظه للانتقام مني، قال تعالى: ﴿
قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾
[28] (قدْ
عَضَّ عَلى شَوَاهُ) أي:
أطراف بدنه، فإن الغضبان يعض على أنامله وما
أشبه حين شدة الغضب (وَأَدْبَرَ مُوَلِيّاً
قَدْ أَخْلَفَتْ سَراياهُ) جمع سرية: وهي
القطعة من الجيش أي: أخلفه عسكره الذي هيأه
للانتقام مني (وَكَمْ مِنْ باغٍ) أي: ظالم
(بَغانِي) أي: ظلمني (بِمَكائِدِهِ) جمع مكيدة
(وَنَصَبَ لِي شَرَكَ مَصائِدِهِ) الشرك:
الحبالة التي توضع للصيد، والمصائد جمع مصيدة
وهي آلة للصيد، والإضافة للبيان (وَوَكَّلَ
بي تَفَقُّدَ رِعايَتِهِ) أي: أخذ يراقبني دائماً
(وَأَضْبَأَ إِلَيَّ) أي: أشرف علي ينظرني
ويراقبني (إِضْباءَ السَّبُعِ
لِطَرِيدَتِهِ)
هي الفريسة التي يطاردها الصياد ليأخذها،
ينتظر (انْتِظاراً لانْتِهازِ
الفُرْصَةِ)
يقال: انتهز الفرصة، إذا اغتنمها
(لِفَرِيسَتِهِ) أي: الشيء الذي يفترسه ويصيده
(وَهُوَ يُظْهِرُ لِي بَشاشَةَ المَلَقِ) أي:
بشاشة المتملق لأن يقربني إلى نفسه، وكذا كل
من يريد الخدعة يظهر الحب ويبطن البغضاء
(وَيَنْظُرُني عَلى شِدَّةِ الحَنَقِ) أي: شدة
الغيظ فنظر إلي هكذا لا كنظر المحب (فَلَمَّا
رَأَيْتَ يا إلهي تَبَارَكْتَ وَتَعالَيْتَ)
أي: لك الثبات والعلو (دَغَلَ سَرِيرَتِهِ)
أي: فساد ضميره وباطنه علي (وَقُبْحَ مَا
انْطَوى عَلَيْهِ) أي: أضمره (أرْكَسْتَهُ)
أي: رددته (لأُمِّ رَأسِهِ) أي: مقلوباً على
رأسه، وأم الرأس: هي الدماغ، واللام بمعنى
على، أي: على أم رأسه كقوله تعالى: ﴿
يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ ﴾
[29] (فِي
زُبْيَتِهِ) أي: حفرته التي حفرها
لأجل إلقائي فيها (وَرَدَدْتَهُ في
مَهْوى)
أي: محل الهوي والسقوط (حُفْرَتِهِ) التي
حفرها لي (فَانْقَمَعَ بَعْدَ
اسْتِطالَتِهِ)
أي: انقلع عن إيذائي بعد أن تكبر وطغى
(ذَلِيلاً فِي رِبَقِ حِبالَتِهِ) الحبالة:
المصيدة المصنوعة من الحبل، والربق كعذب، جمع
ربق بالكسر: حبل فيه عدة عرى تربط به البهائم
(الَّتي كانَ يُقَدِّرُ) ويتصور (أَنْ
يَراني فيها) أي: في تلك الربق (وَقَدْ
كادَ) وقرب
(أَنْ يَحُلَّ بِي) البلاء الذي أراده (لَوْلا
رَحْمَتُكَ ما حَلَّ بِساحَتِهِ) [ما] موصولة،
أي: البلاء حل ونزل بساحة ذلك العدو.
(وَكَمْ مِنْ حاسِدٍ قَدْ شَرِقَ بي
بِغُصَّتِهِ) يقال: شرق بالماء إذا عقد في
حلقه فلم ينزل وسبب للشارب موتاً أو ألماً،
وكأن الحسد كالماء يبقى في حلق الحاسد فيسبب
له الألم والانهيار (وَشَجِيَ) الشجى: الألم
من المصيبة وأصله من الشجو: وهو ما اعترض في
الحلق من عظم ونحوه (مِنِّي بِغَيْظِهِ) وغضبه
(وَسَلَقَني) أي: أذاني (بِحَدِّ
لِسانِهِ)
أي: بطرف لسانه الذي هو كحد السيف
(وَوَحَرَني) أي: أغاظني (بِقَرْفِ
عُيُوبِهِ)
أي: عيوبه التي اكتسبها بأن نسبها إلي مع أنها
كانت له (وَجَعَلَ عِرْضي) العرض: ما يحترمه
الإنسان من ذاته وأهله وما أشبه (غَرَضاً
لِمَراميهِ) أي: لرميه بالسوء والكلام البذيء
والمرامي جمع مرمى، بمعنى الرمي (وَقَلَّدَني)
أي: نسب إلي وجعلها كالقلادة لي (خِلالاً) أي:
صفات جمع خلة (لَمْ تَزَلْ فيهِ) أي: معائب هي
له نسبها إلي (وَوَحَرَني بِكَيْدِهِ) أي:
أغاظني وأذاني بكيده ومكره الذي يكيدني به
(وَقَصَدَني بِمَكيدَتِهِ) هي بمعنى الكيد،
وهما بمعنى التدبير الخفي لأذى شخص غافل.
(فَنادَيْتُكَ يَا إلهي مُسْتَغيثاً بِكَ) أي:
أطلب منك الغوث والحفظ (واثِقاً بِسُرْعَةِ
إِجابَتِكَ) لي في إنقاذي منه (عالِماً
أَنَّهُ لا يُضْطَهَدُ) أي: لا يظلم (مَنْ
أوى) أي: اتخذ المأوى والمحل (إلى
ظِلِّ كَنَفِكَ) أي: إحاطتك وطرف رحمتك (وَلا
يَفْزَعُ) أي: لا يخاف (مَنْ لَجَأَ) واستغاث
ولاذ (إلى مَعْقِلِ) أي: محل الحرز والحفظ
(انْتِصارِكَ) أي: نصرتك له (فَحَصَّنْتَني)
أي: حفظتني (مِنْ بَأْسِهِ) وأذاه
(بِقُدْرَتِكَ) عليه (وَكَمْ مِنْ سَحائِبِ
مَكْرُوهٍ) جمع سحاب كأن المكروه يظلل الإنسان
ويشتمل عليه كما يظل السحاب (جَلَّيْتَها) أي:
أذهبتها وكشفتها (عَنِّي) فلم يصل المكروه إلي
(وَسَحائِبِ نِعَمٍ) النعم التي كالسحاب في
اشتمالها على الإنسان مظللة له (أَمْطَرْتَها
عَلَيَّ) فصرت ذا نعمة بواسطتها (وَجَداوِلِ
رَحْمَةٍ نَشَرْتَها) جداول جمع (جدول) وهو
النهر، ونشرتها أي: أجريتها (وَعافِيَةٍ) من
البلايا (ألْبَسْتَها) إياي فإن العافية تشمل
الإنسان كما يشمل اللباس (وَأَعْيُنِ
أَحْداثٍ) أي: الأمور المحدثة التي توجب الشدة
والبلاء، وأعين جمع عين وهي منبع الماء
(طَمَسْتَها) أي: أذهبتها ومحوتها حتى لم تجر
تلك العين وتسبب أذيتي (وَغَواشِيَ) أي:
الكربة والهم التي تغشى وتشمل الإنسان
(كَشَفْتَها) أي: رفعتها فلم تغشني تلك
الكربة.
(وَكَمْ) يا رب (مِنْ ظَنٍّ
حَسَنٍ) ظننت بك
حسناً في قضاء حاجتي وما أشبه (حَقَّقْتَ) أي:
فعلت ذلك الشيء المظنون (وَعَدَمٍ) أي: فقر
وفاقة (جَبَرْتَ) فأبدلته غنى (وَصَرْعَةٍ)
أي: سقطة (أَنْعَشْتَ) بأن أخذت يدي حتى قمت
من تلك الصرعة (وَمَسْكَنَةٍ) أي: فقر
(حَوَّلْتَ) عني إلى غناي (كُلُّ
ذلِكَ) الذي
فعلت بي من الإحسان (إِنْعاماً وَتَطَوُّلاً)
أي: تفضلاً (مِنْكَ) علي بلا استحقاق مني
(وَفي جَميعِهِ) أي: جميع ذلك الذي فعلت بي من
الإحسان كنت أقابل إحسانك باقتراف الآثام
(اِنْهِماكاً) واشتغالاً (مِنِّي
عَلى مَعاصيكَ) فلم أكن أنقلع عن العصيان شكراً لما
تفعل بي من الإحسان (لَمْ تَمْنَعْكَ) يا رب
(إِساءَتي) وعصياني لك (عَنْ إِتْمامِ
إِحْسانِكَ) إلي (وَلا حَجَرَني) أي: لم
يمنعني (ذلِكَ) الإحسان (مِنِ
ارْتِكابِ مَساخِطِكَ) جمع مسخط، بمعنى الشيء الذي يوجب
سخطك وغضبك.
(لا تُسْأَلُ) يا رب (عَمَّا
تَفْعَلُ) لأنك
الرب الذي ليس فوقه أحد يسأله عن أعماله وكل
أعمالك على وجه الصواب والحكمة، فلا موقع
للسؤال عن علة ما عملت (وَلَقَدْ سُئِلْتَ) يا
رب مختلف أنواع فضلك وإحسانك (فَأَعْطَيْتَ)
وتفضلت بما سألوا (وَلَمْ تُسْأَلْ) عن بعض
الحوائج (فَابْتَدَأتَ) كما أن الطفل لا يسأل
حوائجه من الله تعالى لكنه سبحانه يعطيه ما
يحتاج من العافية والرزق وما أشبه
(وَاسْتُميحَ فَضْلُكَ) أي: استعطي، من
الاستماحة بمعنى الاستعطاء والطلب (فَما
أَكْدَيْتَ) أي: أرددت السائل (أَبَيْتَ يا
مَوْلايَ إِلاَّ إِحْساناً) بالناس
(وَامْتِناناً) أي: جعل المنة عليهم بالعطاء
(وَتَطَوُّلاً) أي: تفضلاً (وَإنْعاماً) أي:
إعطاء للنعم (وَأَبَيْتُ) أنا (إِلاّ
تَقَحُّماً لِحُرُماتِكَ) أي: دخولاً فيها
(وَتَعَدِّياً لِحُدُودِكَ) حدوده سبحانه:
أحكامه (وَغَفْلَةً عَنْ وَعِيدِكَ) أي: جعلت
نفسي كالغافل عما أوعدت من العقاب والنكال لمن
عصاك.
(فَلَكَ الحَمْدُ إلهي مِنْ مُقْتَدِرٍ لا
يُغْلَبُ) أي: لا يتمكن أحد من الغلبة عليه،
و(من) للبيان (وَذي أَناةٍ) أي: صاحب حلم (لا َتْعَجَلُ) بالعقوبة لمن عصاك (هَذا
مَقامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسُبُوغِ النِّعَمِ) أي: أني
قائم في محل المعترف بأنك أوسعت في نعمك عليّ
(وَقابَلَها بِالتَّقْصيرِ) أي: قابلت نعمك
بأن قصرت في أداء شكرها (وَشَهِدَ عَلى
نَفْسِهِ بِالتَّضْيِيعِ) أي: بأنه ضيع ما وجب
عليه ولم يقم به.
(اللّهُمَّ فَإنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ
بِالمُحَمَّدِيَّةِ الرَّفيعَةِ) أي: الملة
المحمدية التي هي أرفع من كل ملة، والمراد:
دين الإسلام، والعمل بالسنة المحمدية (صلى
الله عليه وآله وسلم) أي قوله وفعله وتقريره:
﴿ مَّن
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ
﴾
[30] (وَالعَلَوِيَّةِ
البَيْضاءِ) أي: الطريقة العلوية المنسوبة إلى
علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي الموالاة
له (عليه السلام) قال (صلى الله عليه وآله
وسلم): «من كنت مولاه فعلي مولاه» أي من يطع
علياً (عليه السلام) فقد أطاع الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم)، التي هي بيضاء، لا لوث
فيها (وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ
بِهِما) أي:
جاعلاً النبيّ والوصي شفيعين لي عند توجهي
إليك (أنْ تُعيذَني) وتحفظني (مِنْ
شَرِّ كَذا وَكَذا) أي: الشيء الذي أخاف شره والداعي يذكر
المخوف منه مكان (كذا وكذا) وتكرار اللفظة
باعتبار تعدد الحاجات (فَإنَّ ذلِكَ) الذي
طلبت منك من أن تعيذني (لا يَضيقُ عَلَيْكَ
فِي وُجْدِكَ) أي: فيما تجده وتقدر عليه (وَلا
يَتَكَأَّدُكَ) أي: لا يثقلك (في
قُدْرَتِكَ)
فإن قدرتك عظيمة لا يثقل عليها شيء (وأنْتَ
على كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ) تقدر على إتيانه
وقضائه.
(فَهَبْ لِي يا إلهي مِنْ رَحْمَتِكَ وَدَوامِ
تَوْفيقِكَ) أي: توفيقك الدائم (ما
أَتَّخِذُهُ سُلَّماً أعْرُجُ بِهِ) أي: أصعد
بسبب تلك الرحمة وذلك التوفيق (إلى رِضْوانِكَ) أي: رضاك بأن أعمل الصالحات حتى
ترضى عني (وَآمَنُ بِهِ مِنْ
عِقابِكَ) فلا
تعاقبني (يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ) أي: أرحم من
كل راحم.
[1] سورة الشورى ، الآية: 38 .
[2] في رحاب القرآن: ص39 .
[3] تفسير أبي الفتوح الرازي.
[4] نهج البلاغة: كتابه (عليه السلام) وعهده
لمالك الأشتر.
[5]
الأمثل: ج2 ، ص753
.
[6]
تفسير نور
الثقلين: ج 1 ، ص 405.
[7] في رحاب القرآن: ص39 .
[8] سورة الحديد ، الآية: 25 .
[9] سورة المائدة ، الآية: 8 .
[10] سورة البقرة ، الآية: 190 .
[11] سورة الأنفال ، الآية: 45 .
[12] الثغر: ما يلي
دار الحرب، أو بعبارة اليوم: حدود البلاد التي
يترصد فيها الجيش، لئلا يصل من الأعداء أذى
إلى داخل البلاد.
[13]
الدعاء السابع
والعشرون الصحيفة السجاديّة .
[14] سورة الأنفال ، الآية: 60 .
[15] سورة الأنعام ، الآية: 52 .
[16] سورة الغاشية ، الآيتان: 25 – 26 .
[17] سورة الممتحنة ، الآية: 8 .
[18] سورة البقرة ، الآية: 193 .
[19] سورة نوح ، الآية: 27 .
[20] انظر كتاب
البحار للمجلسى: ج 13.
[21] في ظلال الصحيفة السجادية: موضع الشرح .
[22] سورة الأنفال ، الآية: 46 .
[23] سورة القصص ، الآية: 81 .
[24] سورة النساء ، الآية: 100 .
[25] سورة الشعراء ، الآيتان: 88 - 89 .
[26]
الدعاء التاسع والأربعون من الصحيفة
السجادية .
[27]
مفاتيح الجنان: من دعاء أبي حمزة الثمالي
.
[28] سورة آل عمران ، الآية: 119 .
[29] سورة الإسراء، آية: 107.
[30] سورة النساء ، آية: 80 .