الكتاب |
القرآن على ضوء الصحيفة السجادية |
تأليف |
الشيخ فادي الفيتروني |
إعداد ونشر |
جمعية القرآن الكريم |
الطبعة |
الأولى: 1435هـ 2014م - لبنان - بيروت |
موقع جمعية القرآن الكريم |
www.qurankarim.org |
بريد جمعية
القرآن
الكريم |
info@qurankarim.org |
يقول عزَّ وجل: ﴿
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ
رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن
قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾
[1]
.
هذه الآية القرآنيّة وغيرها من الآيات تظهر أن
تزكية النفس من أهمّ أهداف الأنبياء(عليهم
السلام)، إذ لولا الأخلاق، لما فهم الناس
الدّين ولَما استقامت دنياهم: وكما قال
الشّاعر:
وإنما الأُمم الأخلاق ما بَقيتْ |
فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذَهبوا |
فلا يُعتبر الإنسان إنساناً إلاّ بأخلاقه،
وإلاّ سوف يصبح حيواناً ضارياً كاسراً، يحطّم
ويكتسح كلّ شيء، وخصوصاً وهو يتمتّع بالذّكاء
الخارق، فيثير الحروب الطّاحنة، لغرض الوصول
لأهدافه الماديّة غير المشروعة، ولأجل أن يبيع
سلاحه الفتّاك، يزرع بذور الفُرقة والنّفاق
ويقتل الأبرياء!
نعم، يمكن أن يكون متمدّناً في الظّاهر، إلاّ
أنّه لا يميّز الحلال من الحرام، ولا يفرّق
بين الظّلم والعدل، ولا الظّالم والمظلوم، ولا
الحق والباطل!
فالآية تشير إلى أنّ بعث الرسول ليُعلِّم
الأخلاق هي من علامات حضور الباري تعالى في
واقع الإنسان لتفعيل عناصر الخير في وجدانه،
وأنَّ النقطة المعاكسة (للتربية والتعليم) هي
الضّلال المبين، فهي تبين مدى اهتمام القرآن
الكريم بالسلوك الأخلاقي للإنسان في حركة
الحياة.
فكما أشرنا أنَّ بعض الآيات القرآنيّة تقرّر
حقيقةً واحدةً، ألا وهي، أنّ إحدى الأهداف
المهمّة، لبعثة النّبي الأكرم(صلى الله عليه
وآله وسلم)، هو تزكية النّفوس وتربيّة
الإنسان، وبلورة الأخلاق الحسنة، في واقعه
الوجداني، بحيث يمكن أن يقال: إنّ تلاوة
الآيات وتعليم الكتاب والحكمة التي أشارت
إليها الآية المباركة السابقة، تعُد مقدمة
لمسألة تزكية النّفوس وتربية الإنسان، والذي
بدوره يشكّل الغاية الأساسيّة لعلم الأخلاق
وهذه الآيات منها:
قوله تعالى: ﴿
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ
أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ
لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾
[2]
.
نجد في الآية أنَّ إرسال رسول يُزكيهم
ويُعلّمهم الكتاب والحكمة، هي من المنن
والمواهب الإلهيّة العظيمة، التي منّ الله بها
علينا، وهي دليل آخر على أهميّة الأخلاق.
وقوله سبحانه: ﴿
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ
يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ
تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ﴾
[3]
.
ويمكن تعليل تقدم كلمة: «التزكية»، على:
«التعليم»، من حيث إنّ «التّزكية» هي الهدف
والغاية النهائيّة، وإن كان «التّعليم» من
الناحية العمليّة مقدمٌ عليها.
وهذه الآية نزلت بعد آيات تغيير القبلة، من
القدس الشّريف إلى الكعبة المشرّفة، حيث عُدَّ
هذا التغيير من النّعم الإلهيّة الكبرى، وأنّ
هذه النعمة هي كإرسال الرسول للتعليم
والتّزكية وتعليم الإنسان أُموراً لم يكن
يعلمها ولن يتمكن من الوصول إليها إلاّ عن
طريق الوحي الإلهي
[4]
.
وإن نظرنا لقوله عزَّ وجل: ﴿
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً
مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ ﴾
[5]
. وتقديمها لكلمة التّعليم على التّزكية، فهي
ناظرةٌ إلى المسألة من حيث الترتب العملي
الطبيعي لها، باعتبار أنّ التّعليم مقدمةٌ
«للتربية والتّزكية».
وهذه الآية تتحدث عن أنّ إبراهيم الخليل (عليه
السلام)، وبعد إكماله لبناء الكعبة، طلب من
الباري تعالى: أن يخلق من ذريّته أُمّةً
مسلمةً؛ وأن يبعث فيهم رسولاً من ذريّته،
ليزكّيهم في دائرة التربية الأخلاقيّة،
وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ.
ولهذا نرى أنّ الآيات المتقدمة، كلّ منها تنظر
إلى المسألة من منظارها الخاص.
وليس بعيداً احتمال رأيٍ آخر، من التّفسير في
الآيات المباركة، وهو أنّ الغرض، من التّقديم
والتّأخير الحاصل لهذين الكلمتين: (التّربية
والتعليم)، باعتبار أنّ إحداها تؤثّر في
الأُخرى، يعني كما أنّ التعليم الصّحيح يكون
سبباً في الصّعود بالأخلاق، وتزكية النّفوس،
تكون تزكية النفوس هي الأُخرى مؤثّرة في رفع
المستوى العلمي، لأنّ الإنسان بوصوله للحقيقة
العلميّة، يكون قد تطهر من «العناد» و«الكِبر»
و«التّعصب الأعمى»، حيث تكون الأخيرة مانع من
التّقدم العلمي، ومعها سوف يُران على قلبه على
حد تعبير القرآن الكريم، ولن يرى الحقيقة كما
هي في الواقع.
وفي سورة الشمس نجد أن القرآن الكريم، وبعد
ذكر أحدَ عشرَ قَسَماً مهماً، وهي من أطول
الأقسام في القرآن، - قسماً بالشّمس والقمر
والنّجوم والنفس الإنسانية -، وبعد ذلك يقول
سبحانه: ﴿ قَدْ
أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن
دَسَّاهَا ﴾
[6]
.
وهذا التأكيد المتكرّر والشّديد في هذه
الآيات، يدلّ على أنّ القرآن الكريم، يولّي
أهميّةً بالغةً لمسألة الأخلاق، وأنّ التّزكية
هي الهدف الأهم للإنسان، وتكمن فيها كلّ القيم
الإنسانيّة، بحيث تكون نجاة الإنسان بها.
ونفس المعنى أعلاه ورد في قوله تعالى: ﴿
قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ
اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾
[7]
، واللّطيف فيها أَنّ ذكر التّزكية جاء قبل
الصلاة، وذكر الله تعالى، إذ لولا التّزكية
وصفاء الرّوح لا يكون للصّلاة معنى، ولا لذكر
الله سبحانه.
وجاء في ذكر لُقمان الحكيم، حيث عبّر عن علم
الأخلاق بالحكمة، فقال: ﴿
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ
اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾
[8]
.
وبالنّظر للآيات الشّريفة، نرى أنّ خصوصيّة:
«لقمان الحكيم»، هي تربية النّفوس والأخلاق،
ومنها يتّضح أنّ المقصود من الحكمة هنا، هو
الحكمة العمليّة وتعاليمها المؤدّية إليها،
وبعبارة أُخرى يعني: «التّعليم» لأجل
«التّربية».
ويجب الانتباه إلى أنّ أصل معنى «الحكمة» هو
لجام الفرس، وبعدها أطلقت على كلّ شيء رادع،
وباعتبار أنّ العلوم والفضائل الأخلاقيّة،
تردع الإنسان عن الرّذائل فأطلقت عليها هذهِ
الكلمة.
النّتيجة:
نستوحي من هذهِ الآيات الاهتمام الكبير للقرآن
الكريم بالمسائل الأخلاقيّة وتهذيب النفوس،
باعتبارها مسألةً أساسيّةً، تنشأ منها وتبتني
عليها جميع الأحكام والقوانين الإسلاميّة، فهي
بمثابة القاعدة الرّصينة والبناء التحتي، الذي
يقوم عليه صرح الشّريعة الإسلاميّة.
نعم إنّ التّكامل الأخلاقي للفرد والمجتمع، هو
أهم الأهداف التي تعتمد عليه جميع الأديان
السّماوية، إذ هو أساس كلّ صلاح في المجتمع،
ووسيلة رادعة لمحاربة كلّ أنواع الفساد
والانحراف، في واقع الإنسان والمجتمع البشري
في حركة الحياة.
أهميّة الأخلاق في الرّوايات الإسلاميّة:
لقد أولت الأحاديث الشّريفة لهذه المسألة
أهمية بالغةً سواء كانت في الروايات الواردة
عن الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)
أم عن طريق الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)،
ونورد بعضاً منها:
1 ـ الحديث المعروف عن الرسول الأكرم (صلى
الله عليه وآله وسلم): «إِنّما بُعثتُ
لأُتممَ مكارمَ الأخلاقِ»
[9]
.
ونرى أن كلمة «إنّما» تفيد الحصر، يعني أنّ
كلّ أهداف بعثة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه
وآله وسلم)، تتلخص في التّكامل الأخلاقي.
2 ـ وجاء في حديث عن أمير المؤمنين(عليه
السلام)، حيث قال: «لَو كُنّا لا
نَرجو جنّةً ولا ناراً ولا ثواباً ولا
عِقاباً، لكان يَنبغي لَنا أن نُطالِبَ
بِمكارمِ الأخلاقِ فإنّها ممّا تَدُلُّ على
سبيلِ النجاحِ»
[10]
.
يبيّن لنا هذا الحديث أهمية الأخلاق وفضائلها،
إذ هي ليست سبباً في النجاة في الأُخرى فقط،
بل هي سبب لصلاح الدّنيا أيضاً.
وبعبارة أُخرى: أنّ الباري تعالى هو المعلم
الأكبر للأخلاق، و هو مربّي النّفوس، ومصدر
لكلّ الفضائل، والقرب منه تعالى لا يتمّ إلاّ
بالتّحلي بالأخلاق الإلهيّة.
وعلى هذا نرى أنّ كلّ فضيلة يتحلى بها
الإنسان، تؤدي إلى تعميق العلاقة بينه وبين
ربّه، وتقربه من الذّات المقدّسة أكثر فأكثر.
وحياة المعصومين (عليهم السلام) كلّها تبيّن
هذهِ المسألة، فإنّهم كانوا دائماً يدعون إلى
الأخلاق، والتّحلي بالفضائل، وهم القُدوة
الحسنة في سلوك هذا الطريق
[11]
، ونحن سنتعرض لدعاء مكارم الأخلاق للإمام
السجاد (عليه السلام).
وكان من دعائه (عليه السلام) في مكارم الأخلاق
ومرضي الأفعال:
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، وَبَلِّغْ بِإيماني أكْمَلَ
الإيمانِ، وَاجْعَلْ يَقيني أفْضَلَ اليَقينِ،
وَانْتَهِ بِنِيَّتي إلى أحْسَنِ النِيّاتِ،
وَبِعَمَلي إلى أحْسَنِ الأعْمالِ، اللّهُمَّ
وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتي، وَصَحِّحْ بِما
عِنْدَكَ يَقينِي، وَاسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ
ما فَسَدَ مِنِّي، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِني ما يَشْغَلُنِي
الاهْتِمامُ بِهِ، وَاسْتَعْمِلْني بِما
تَسْألُني غَداً عَنْهُ، وَاسْتَفْرِغْ أيّامي
فيما خَلَقْتَني لَهُ، وَأغْنِني وَأوْسِعْ
عَلَيَّ في رِزْقِكَ، وَلا تَفْتِنِّي
بِالبَطَرِ، وَأعِزَّني وَلا تَبْتَلِيَنِي
بِالكِبْرِ، وَعَبِّدْني لَكَ وَلا تُفْسِدْ
عِبادَتي بِالعُجْبِ، وَأجْرِ لِلنّاسِ عَلى
يَديَ الخَيْرَ وَلا تَمْحَقْهُ بِالمَنِّ،
وَهَبْ لي مَعالِيَ الأخْلاقِ، وَاعْصِمْني
مِنَ الفَخْرِ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلى
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلا تَرْفَعْني في
النّاسِ دَرَجَةً إلاّ حَطَطْتَني عِنْدَ
نَفْسي مِثْلَها، وَلا تُحْدِثْ لي عِزّاً
ظاهِراً إلاّ أحْدَثْتَ لي ذِلَّةً باطِنَةً
عِنْدَ نَفْسي بِقَدَرِها، اللّهُمَّ صَلِّ
عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمَتِّعْني
بِهُدىً صالِحٍ لا أسْتَبْدِلُ بِهِ،
وَطَريقَةِ حَقٍّ لا أزيغُ عَنْها، وَنِيَّةِ
رُشْدٍ لا أشُكُّ فيها، وَعَمِّرْني ما كانَ
عُمْري بِذْلَةً في طاعَتِك، فَإذا كانَ
عُمْري مَرْتَعاً لِلشَّيْطانِ فَاقْبِضْني
إليك قَبْلَ أنْ يَسْبِقَ مَقْتُكَ إليَّ، أوْ
يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ، اللّهُمَّ لا
تَدَعْ خِصْلَةً تُعابُ مِنِّي إلاّ
أصْلَحْتَها، وَلا عائبَةً أُؤَنَّبُ بِها
إلاّ حَسَّنْتَها، وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ
ناقِصَةً إلاّ أتْمَمْتَها، اللّهُمَّ صَلِّ
عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأبْدِلْني
مِنْ بِغْضَةِ أهْل الشَّنَآنِ المَحَبَّةِ،
وَمِنْ حَسَدِ أهْل البَغْي المَودَّةَ،
وَمِنْ ظِنَّةِ أهْل الصَّلاحِ الثِّقَةَ،
وَمِنْ عَداوَةِ الأدْنَيْنِ الوَلايَةَ،
وَمِنْ عُقوُقِ ذَوِي الأرْحامِ المُبَرَّةَ،
وَمِنْ خِذلانِ الأقْرَبِينَ النُّصْرَةَ،
وَمِنْ حُبِّ المُدارينَ تَصْحيحَ المِقَةِ
وَمِنْ رَدِّ المُلابِسينَ كَرَمَ العِشْرَةِ،
وَمِنْ مَرارَةِ خَوْفِ الظّالِمينَ حَلاوَةَ
الأمَنَةِ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ وَاجْعَلْ لي يَداً عَلى مَنْ
ظَلَمَني، وَلِساناً عَلى مَنْ خاصَمَني،
وَظَفَراً بِمَنْ عانَدَني، وَهَبْ لي مَكْراً
عَلى مَنْ كايَدَني، وَقُدْرَةً عَلى مَنَ
اضْطَهَدَني، وَتَكْذيباً لِمنْ قَصَبَني،
وَسَلامَةً مِمَّنْ تَوَعَّدَني، وَوَفِّقْني
لِطاعَةِ مَنْ سَدَّدَني، وَمُتابَعَةِ مَنْ
أرْشَدَني اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، وَسَدِّدْني لأنْ أُعارِضَ، مَنْ
غَشَّني بِالنُّصْحِ، وَأجْزِيَ مَنْ هَجَرَني
بِالبِرِّ، وَأُثيبَ مَنْ حَرَمَني
بِالبَذْلِ، وَأُكافِيَ مَنْ قَطَعَني
بِالصِّلَةِ، وَأُخالِفَ مَنِ اغْتابَني إلى
حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأنْ أشْكُرَ الحَسَنَةَ،
وَأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ، اللّهُمَّ
صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَلِّني
بِحُلْيَةِ الصّالِحينَ وَألْبِسْني زينَةَ
المُتَّقينَ في بَسْطِ العَدْلِ، وَكَظْمِ
الغَيْظِ، وَإطْفاءِ النائِرَةِ، وَضَمِّ أهل
الفُرْقَةِ، وَإصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ،
وَإفْشاءِ العارِفَةِ، وَسَتْرِ العائِبَةِ،
وَلينِ العَريكَةِ، وَخَفْضِ الجَناحِ،
وَحُسْنِ السِّيرَةِ وَسُكُونِ الرِّيحِ،
وَطيبِ المُخالَقَةِ، وَالسَّبْقِ إلى
الفَضيلَةِ وَإيثارِ التَّفَضُّلِ، وَتَرْكِ
التَّعْييرِ، والإفْضالِ عَلى غَيْرِ
المُسْتَحِقِّ، وَالقَوْلِ بِالحَقِّ وَإنْ
عَزَّ، وَاسْتِقْلالِ الخَيْرِ وَإنْ كَثُرَ
مِنْ قَوْلي وَفِعْلي، وَاسْتِكْثارِ الشَّرِّ
وَإنْ قَلَّ مِنْ قَوْلي وَفِعْلي، وَأكْمِلْ
ذلِكَ لي بِدَوامِ الطّاعَةِ وَلُزُومِ
الجَماعَةِ، وَرَفْضِ أهْل البِدَعِ،
وَمُسْتَعْمِلي الرَّأيِ المُخْتَرَعِ،
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَاجْعَلْ أوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ إذا
كَبُرْتُ، وَأقْوى قُوَّتِكَ فِيَّ إذا
نَصِبْتُ، وَلا تَبْتَلِيَنِّي بِالكَسَلِ
عَنْ عِبادَتِكَ، وَلا العَمى عَنْ سَبيلِكَ،
وَلا بِالتَّعَرُّضِ لِخِلافِ مَحَبَّتِكَ،
وَلا مُجامَعَةِ مَنْ تَفَرَّقَ عَنْكَ، وَلا
مُفارَقَةِ مَنِ اجْتَمَعَ إليك، اللّهُمَّ
اجْعَلْني أصُولُ بِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ،
وَأسْألُكَ عِنْدَ الحاجَةِ، وَأتَضَرَّعُ
إليك عِنْدَ المَسْكَنَةِ وَلا تَفْتِنِّي
بِالاسْتِعانَةِ بِغَيْرِكَ إذا اضْطُرِرْتُ،
وِلا بِالخُضُوعِ لِسُؤالِ غَيْرِك إذا
افْتَقَرْتُ، وَلا بِالتَّضَرُّعِ إلى مَنْ
دُونَكَ إذا رَهِبْتُ، فَأسْتَحِقَّ بِذلِكَ
خِذْلانَكَ وَمَنْعَكَ وَإعْراضَكَ، يا
أرْحَمَ الرّاحِمينَ، اللّهُمَّ اجْعَلْ ما
يُلْقِي الشَّيْطانُ في رَوعي مِنَ
التَّمَنِّي وَالتَّظَنِّي وَالحَسَدِ ذِكْراً
لِعَظَمَتِكَ، وَتَفَكُّراً في قُدْرَتِكَ،
وَتَدْبيراً عَلى عَدُوِّكَ، وَما أجْرى عَلى
لِساني مِنْ لَفْظَةِ فُحْشٍ أوْ هَجْرٍ أوْ
شَتْمِ عِرْضٍ أوْ شَهادَةِ باطِلٍ أوْ
اغْتِيابِ مُؤْمِنٍ غائبٍ أوْ سَبِّ حاضِرٍ
وَما أشْبَهَ ذلِكَ نُطْقاً بِالحَمْدِ لَكَ،
وَإغْراقاً فِي الثَّناءِ عَلَيْكَ، وَذَهاباً
في تَمْجيدِكَ، وَشُكْراً لِنِعْمَتِكَ،
وَاعْتِرافاً بِإحْسانِكَ وَإحْصاءً
لِمِنَنِكَ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، وَلا أُظْلَمَنَّ وَأنْتَ مُطيقٌ
لِلْدَفْعِ عَنِّي، وَلا أظْلِمَنَّ وَأنْتَ
القادِرُ عَلى القَبْضِ مِنِّي، وَلا
أضِلَّنَّ وَقَدْ أمْكَنَتْكَ هِدايَتي وَلا
أفْتَقِرَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعي، وَلا
أطْغَيَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُجْدي، اللّهُمَّ
إلى مَغْفِرَتِكَ وَفَدْتُ، وَإلى عَفْوِكَ
قَصَدْتُ، وَإلى تَجاوُزِكَ اشْتَقْتُ،
وَبِفَضْلِكَ وَثِقْتُ وَلَيْسَ عِنْدي ما
يُوجِبُ لي مَغْفِرَتَكَ، وَلا في عَمَلي ما
أسْتَحِقُّ بِهِ عَفْوَكَ، وَما لي بَعْدَ أنْ
حَكَمْتُ عَلى نَفْسي إلاّ فَضْلُكَ، فَصَلِّ
عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ،
اللّهُمَّ وَأنْطِقْني بِالهُدى وَألْهِمْني
التَّقْوى، وَوَفِّقْني لِلَّتي هِيَ أزْكى،
وَاسْتَعْمِلْني بِما هُوَ أرْضى، اللّهُمَّ
اسْلُكْ بِيَ الطَّرِيقَةَ المُثْلى،
وَاجْعَلْني عَلى مِلَّتِكَ أمُوتُ وَأحْيى،
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَمَتِّعْني بِالاقْتِصادِ، وَاجْعَلْني مِنْ
أهْل السَّدادِ، وَمِنْ أدِلَّةِ الرَّشادِ،
وَمِنْ صالِحِي العِبادِ، وَارْزُقْني فَوْزَ
المَعادِ، وَسَلامَةَ المِرْصادِ، اللّهُمَّ
خُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسي ما يُخَلِّصُها،
وَأبْقِ لِنَفْسي مِنْ نَفْسي ما يُصْلِحُها،
فَإنَّ نَفْسي هالِكَةٌ أوْ تَعْصِمَها
اللّهُمَّ أنْتَ عُدَّتي إنْ حَزِنْتُ،
وَأنْتَ مُنْتَجَعي إنْ حُرِمْتُ، وَبِكَ
اسْتِغاثَتي إنْ كَرِثْتُ، وَعِنْدَكَ مِمّا
فاتَ خَلَفٌ، وَلِما فَسَدَ صَلاحٌ، وَفيما
أنْكَرْتَ تَغْييرٌ، فَامْنُنْ عَلَيَّ قَبْلَ
البلاءِ بِالعافِيَةِ، وَقَبْلَ الطَّلَبِ
بِالجِدَةِ، وَقَبْلَ الضَّلالِ بِالرَّشادِ،
وَاكْفِني مَؤُنَةَ مَعَرَّةِ العِبادِ،
وَهَبْ لي أمْنَ يَوْم المَعادِ، وَامْنَحْني
حُسْنَ الإرْشادِ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَادْرَأ عَنيّ بلُطْفِكَ
وَاغْذُني بِنِعْمَتِكَ، وَأصْلِحْني
بِكَرَمِكَ، وَدَاوِنِي بِصُنْعِكَ،
وَأظِلَّنِي في ذَرَاكَ وَجَلِّلْني رِضاكَ،
وَوَفِّقْني إذا اشْتَكَلَتْ عَلَيَّ الأمُورُ
لأهْداها، وَإذا تَشابَهَتِ الأعْمالُ
لأزْكاها، وَإذا تَناقَضَتِ المِلَلُ
لأرْضاها، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، وَتَوِّجْني بِالكِفايَةِ، وَسُمْني
حُسْنَ الوِلايَةِ، وَهَبْ لي صِدْقَ
الهدايَةِ، وَلا تَفْتِنِّي بِالسِّعَةِ،
وَامْنَحْني حُسْنَ الدِّعَةِ، وَلا تَجْعَلْ
عَيْشي كَدّاً كَدّاً، وَلا تَرُدَّ دُعائي
عَلَيَّ رَدّاً، فَإنِّي لا أجْعَلْ لَكَ
ضِدّاً، وَلا أدْعُو مَعَكَ نِدّاً، اللّهُمَّ
صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَامْنَعْني،
مِنَ السَّرَفِ، وَحَصِّنْ رِزْقي مِنَ
التَلَفِ، وَوَفِّرْ مَلَكَتي بِالبَرَكَةِ
فيهِ، وَأصِبْ بي سَبيلَ الهِدايَةِ لِلْبِرِّ
فيما أُنْفِقُ مِنْهُ، اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِني مَؤُونَةَ
الاكْتِسابِ، وَارْزُقْني مِنْ غَيْرِ
احْتِسابٍ، فَلا أشْتَغِلَ عَنْ عِبادَتِكَ
بِالطَّلَبِ، وَلا أحْتَمِلَ إصْرَ تَبِعاتِ
المَكْسَبِ، اللّهُمَّ فَأطْلِبْني
بِقُدْرَتِكَ ما أطْلُبُ، وَأجِرْني
بعِزَّتِكَ مِمّا أرْهَبُ، اللّهُمَّ صَلِّ
عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَصِنْ وَجْهي
بِاليَسارِ، وَلا تَبْتَذِلْ جاهي
بِالإقْتارِ، فَأسْتَرْزِقَ أهْل رِزْقِكَ،
وَأسْتَعْطِيَ شِرارَ خَلْقِكَ، فَأفْتَتِنَ
بِحَمْدِ مَنْ أعْطاني، وَأُبْتَلى بِذَمِّ
مَنْ مَنَعَني، وَأنْتَ مِنْ دُونِهِمْ
وَلِيُّ الإعْطآءِ وَالمَنْعِ، اللَهُمَّ
صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَارْزُقْني
صِحَّةً في عِبادةٍ وَفَراغاً في زَهادَةٍ،
وَعِلْماً في اسْتِعْمالٍ، وَوَرَعاً في
إجْمالٍ، اللّهُمَّ اخْتِمْ بِعَفْوِكَ أجَلي،
وَحَقِّقْ في رَجاءِ رَحْمَتِكَ أمَلي،
وَسَهِّلْ إلى بُلُوغِ رِضاكَ سُبُلي،
وَحَسِّنْ في جَميعِ أحْوالي عَمَلي،
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَنَبِّهْني لِذِكْرِكَ في أوْقاتِ
الغَفْلَةِ، وَاسْتَعْمِلْني بِطاعَتِكَ في
أيّامِ المُهْلَةِ، وَانْهَجْ لي إلى
مَحَبَّتِكَ سَبيلاً سَهْلَةً، أكْمِلْ لي
بِها خَيْرَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، اللّهُمَّ
وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، كَأفْضَلِ ما
صَلَّيْتَ عَلى أحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ قَبْلَهُ
وَأنْتَ مُصَلٍّ عَلى أحَدٍ بَعْدَهُ، وَآتِنا
في الدُّنيا، حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ
حَسَنَةً، وَقِني بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النّارِ
[12]
.
(وَبَلِّغْ بِإيماني): أي: اجعل
إيماني يرتقي ويبلغ. (أحْسَنِ
النِيّاتِ): أي: اجعل نيتي أفضل النيات. (وَفِّرْ
بِلُطْفِكَ نِيَّتي): وَفِّرْ:
كثّر؛ ووَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتي: كثّر
نياتي أو نواياي الحسنة واجعلها خالصة لوجهك
الكريم. (وَاسْتَفْرِغْ أيّامي):
اجعلها فارغة من الأمور غير النافعة.
(وَلا تَفْتِنِّي بِالبَطَرِ):
لا تمتحني بالنظر إلى ما في أيدي الناس. (وَلا
تَبْتَلِيَنِي بِالكِبْرِ):
التكبُّر: هو أن يري الإنسان نفسه كبيراً
عظيماً بالقياس إلي غيره. (وَلا
تُفْسِدْ عِبادَتي بِالعُجْبِ):
العجب: هو استعظام الإنسان نفسه، لاتصافه بخلة
ومزية، كالعلم والمال والجاه والعمل الصالح،
فيفرح بعمله ويعجب به. (وَلا
تَمْحَقْهُ بِالمَنِّ): لا تزيل
ثواب عملي بالمن كالافتخار، والمَنّ: ذكرك
النعمة على غيرك مظهراً بها الكرامة عليه. (وَاعْصِمْني
مِنَ الفَخْرِ): الفخر: يعني الزهو أو
(التعالي) أيضاً لكن من خلال الانتساب إلى سمة
يلتمسها الشخص لذاته الفردية، والاجتماعية:
كما لو يزهو بعلمه، وموقعة مثلاً. (حَطَطْتَني):
خفضتني ووضعتني. (لا أزيغُ
عَنْها): لا أميل، لا انحرف. (رُشْدٍ):
صواب. (بِذْلَةً): مبذولاً.
(مَقْتُكَ إليَّ): المقت؛ الغضب
والبغض الشديد. (خِصْلَةً): الخصلة؛
الصفة. (عائبَةً أُؤَنَّبُ):
أمراً سيئاً أُذم أو أحاسب عليه. (أُكْرُومَةً):
من الكرم والمقصود بها كرائم الأخلاق، أو فعل
الكرم. (الشَّنَآنِ): البغض. (ظِنَّةِ):
الظنة؛ التهمة وسوء الظن. (الأدْنَيْنِ):
الأقربين.
(الوَلايَةَ): المحبة والصداقة. (عُقوُقِ):
العقوق؛ قطع الرحم. (المُبَرَّةَ):
البر، الصلة.
(المُدارينَ): من المداراة، وهي
الملاطفة والملاينة. (المِقَةِ):
المحبة من الذين يحسنون الصحبة.
(المُلابِسينَ): المخالطين. (حَلاوَةَ
الأمَنَةِ): حلاوة الأمن من الظالمين.(يَداً):
قدرة وسلطة.
(مَكْراً): احتيالاً بالحسنى، أو معرفة
بكيفية العلاج. (كايَدَني): مكر بي
وخدعني، وظلمني وقهرني. (قَصَبَني):
عابني. (تَوَعَّدَني): هددني بالسوء. (سَدَّدَني):
هداني، أرشدني.
(وَأُغْضِيَ): أسكت، أصبر، أعفو، أخفض
النظر كناية عن الصفح. (وَكَظْمِ
الغَيْظِ): كظم غيظه؛ ردّه وحبسه وامسك
على ما في نفسه منه. (النائِرَةِ):
العداوة والشحناء. (العارِفَةِ):
المعروف. (وَسَتْرِ العائِبَةِ):
ستر العيوب. (وَلينِ العَريكَةِ):
سلاسة الطبع، الطبيعة. (وَخَفْضِ
الجَناحِ): التواضع. (وَسُكُونِ
الرِّيحِ): المراد به هنا الوقار والرزانة
وحسن الأخلاق. (وَطيبِ المُخالَقَةِ):
التخلق في المعاشرة. (وَإيثارِ
التَّفَضُّلِ): إيثار الآخر بما تفضل به
الله تعالى علي. (وَتَرْكِ
التَّعْييرِ): ترك ذكر عيوب الناس
وتحقيرهم. (البِدَعِ): مفردها بدعة،
والبدعة: المحدث بالدين على غير ما أنزل الله
سبحانه وتعالى والذي يخالف الشريعة الإسلامية.
(الرَّأيِ المُخْتَرَعِ): الرأي
الجديد الذي يخالف الإسلام. (نَصِبْتُ):
من النصب؛ التعب الشديد. (أصُولُ
بِكَ): أستقوي بك وأستعد منك القدرة. (وَأتَضَرَّعُ):
أتوسل وأتذلل. (المَسْكَنَةِ): الفقر.
(وَلا تَفْتِنِّي): ولا تبتلني.
(رَهِبْتُ): خفت وارتعبت.
(رَوعي): الروع: القلب. (وَالتَّظَنِّي):
اعمال الظن في ما لا ينبغي التوهم. (هَجْرٍ):
الهُجر: القبح في الكلام، الإفحاش في النطق. (وَإغْراقاً):
الإغراق: الانحراف، المبالغة. (مُطيقٌ):
قادر، مستطيع. (القَبْضِ مِنِّي):
الأخذ بيدي، أو إمساكي عن الظلم. (وُسْعي):
غناي.
(وُجْدي): قدرتي وظفري. (وَفَدْتُ):
قدمت. (تَجاوُزِكَ): تتجاوز عني. (المُثْلى):
أفضل الطرق وهو الإسلام والإيمان. (مِلَّتِكَ):
دينك. (بِالاقْتِصادِ): وهو اتخاذ
الطريقة المثلى بالتدبير. (أهْل
السَّدادِ): أهل الصواب من القول والعمل.
(أدِلَّةِ الرَّشادِ): الدالين
الناس إلى الهدى والصلاح. (وَسَلامَةَ
المِرْصادِ): المرصاد؛ الطريق أو
المكان الذي يرصد فيه العدو، وسلامة المرصاد
هنا تعني السلامة عند مراقبة الأعمال. (عُدَّتي):
أي ما أعددته من فضلك ودفاعك عني، أوما أعددته
لحوادث الدهر الأيام، ذخري. (مُنْتَجَعي):
المنتجع: الموضع الذي يطلبه الناس في طلب
الكلأ، والمقصود بها هنا أي أنت أملي من الخير
والعطية.
(كَرِثْتُ): اشتد بي الغم وبلغت بي
المشقة، أصابتني كارثة. (بِالجِدَةِ):
الجدة؛ الغنى. (مَؤُنَةَ): المؤنة:
التعب والشدّة. (مَعَرَّةِ): المعرَّة؛
الأذى والإساءة. (وَادْرَأ): ادفع عني
المكاره. (وَاغْذُني): أعطني الغذاء. (وَأظِلَّنِي
في ذَرَاكَ): احمني في حرزك
وسترك وحصنك.
(وَجَلِّلْني رِضاكَ): اشملني
برضاك. (اشْتَكَلَتْ): لم أعد أعرف
خيرها من شرها. (وَسُمْني): أولني،
اجعل حسن الولاية سمتي وعلامتي. (وَلا
تَفْتِنِّي): لا تمتحني. (الدِّعَةِ):
الخفض والسعة في العيش، الراحة والهناء. (مَلَكَتي):
ما أملكه. (إصْرَ): الإصر: الحمل
الثقيل، الشدّة والثقل. (بِاليَسارِ):
اليسر، أو الغنى. (جاهي): وجاهتي. (بِالإقْتارِ):
بأن تقتر وتضيق علي الرزق، أو لا تجعلني أفقد
جاهي بسبب الفقر. (فَأفْتَتِنَ): أي
ابتلى بشكره وقد قبح عمله. (زَهادَةٍ):
أي وفر لي وقتاً أتفرغ فيه لعبادتك. (وَوَرَعاً
في إجْمالٍ): الورع عن الشبهات
بدون الإسراف في الورع كما أهل الوسوسة. (سُبُلي):
طرقي. (أيّامِ المُهْلَةِ):
أيام الدنيا الباقية، الوقت والفراغ فيها. (سَبيلاً):
طريقاً. (وَقِني): أي احمني وادفع عني.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ؛ وَبَلِّغْ بِإيماني أكْمَلَ الإيمانِ)
أي: أوصل إيماني واجعله يرتقي ويبلغ إلى
الدرجة الأخيرة من الإيمان، بحيث يعمل حامله
بموجب إيمانه، ويؤثره على ميوله وأهوائه
ويتجشم الصعاب من أجله لا لشيء إلاّ طاعة لأمر
الله تعالى ليكون من أصحاب الجنَّة قال
سبحانه: ﴿
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ ﴾
[13]
(وَاجْعَلْ يَقيني) بالأصول (أفْضَلَ
اليَقينِ) وهو العلم بالشيء كما هو في
واقعه، ولا يحتمل النقيض بحال تماماً كيقين
الإمام أمير المؤمنين الذي قال: «لَوْ
كُشِفَ لي الْغِطاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقيناً»،
ويقين الذين وصفهم بقوله: «فَهُمْ
وَاَلْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ
فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَهُمْ وَاَلنَّارُ
كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا
مُعَذَّبُونَ» (وَانْتَهِ بِنِيَّتي
إلى أحْسَنِ النِيّاتِ، وَبِعَمَلي إلى
أحْسَنِ الأعْمالِ) النية مصدر
العمل ومفتاحه، وبها يقاس، إن خيراً فخير،
وإن شراً فشر لحديث «إنما الأعمال بالنيات
إنما لكل امرىء ما نوى» أما حسن النية فالمراد
به أن تكون خالصة لوجه الله وحده، بعيدة عن
شائبة الرياء غير متطلعة إلى جزاء أو ثناء
تماماً كما قال سبحانه حكاية عن الأبرار
والآل الأطهار (عليهم السلام): ﴿
لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً
﴾
[14]
. وفقرات الدعاء تعني أن أي مستوى من الإيمان
أو اليقين أو النية الحسنة والعمل الصالح، لا
يشكل نهاية ولا حداً أخيراً، وإنما يبقى أفق
الكمال والتقدم مفتوحاً أمام الإنسان، لتحقيق
الأحسن والأكمل والأفضل.
(اللّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتي)
التوفير: التكثير، والمراد به هنا التمام
والكمال من كل الوجوه. من جهة حب الخبر لكل
الناس، وجهة السلامة من الحقد والحسد
والتضحية بكل نفيس في نصرة الحق ومقاومة
الباطل وأهله... وغير ذلك من السير على صراط
الخير والحق والإخلاص (وَصَحِّحْ
بِما عِنْدَكَ) أي: بالآخرة (يَقينِي)
حتى يكون يقيناً صحيحاً بالجنة والنار وسائر
الأمور، كعلم الإنسان بحلال الله وحرامه وأن
يبتعد عن الخطأ فيهما (وَاسْتَصْلِحْ)
أي: أصلِح (بِقُدْرَتِكَ ما فَسَدَ
مِنِّي) فساداً في العقيدة أو فساداً في
العمل أو ما أشبه ذلك ، فالمؤمن يحذر من أن
تتسلل إلى قلبه نية تفسد عمله، فيخسر الثواب
الأخروي، فأسألك الهداية والتوفيق لما فيه
صلاح دنياي وآخرتي.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَاكْفِني ما يَشْغَلُنِي الاهْتِمامُ بِهِ)
كأمور المعاش وما أشبه، وذلك حتى لا أشتغل
بهذه الأمور فلا أتمكن من أداء حقك والقيام
بأمرك، وحتى أكون كما قال تعالى: ﴿
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا
بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ
الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ
وَالْأَبْصَارُ ﴾
[15]
(وَاسْتَعْمِلْني بِما تَسْألُني غَداً
عَنْهُ) أي: وفقني لأن أعمل بالطاعة التي
تسأل في يوم القيامة عنها هل أديتها أو لا؟
قال تعالى: ﴿ إِنَّا
أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ
يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ
وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ
تُرَاباً ﴾
[16]
، فالمولى تعالى لايسأل غداً ويحاسب إلا على
فعل الحرام وترك الواجب، وقال سبحانه: ﴿
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
﴾
[17]
يدل بظاهره على العموم والشمول لكل خاطر
ومنظور ومسموع حتى ولو كان مباحا، ومثله
في العموم حديث «يسأل المرء غداً عن عمره
فيما أفناه، وجسمه فيما أبلاه، وماله مما
اكتسبه وفيما أنفقه».
وتوضيح ذلك: أن المسؤول هنا هو العاصي
والمطيع والهدف من السؤال الثواب والعقاب،
ولا طاعة ومعصية إلا مع الواجب والحرام،
وعليه يكون المراد بالآية والحديث وغيرهما
من النصوص، خصوص الأفعال التي بها يستحق
الثواب أو العقاب ومهما يكن فعلينا أن ننتفع
بهذه الحكمة البالغة فلا نتجشم البحث عن أشياء
لانسأل عنها غداً، ولا تمت إلى الحياة بسبب،
كالبحث والسؤال عن طول آدم وقصره ووزنه،
وعن نوع الشجرة التى أكل منها ومكان الجنة
التى كان فيها، والأرض التى هبط عليها، وعن
خلق الملائكة والجن، ولون عصا موسى (عليه
السلام) وطول نخلة مريم (عليها السلام)
وعيسى(عليه السلام)... وما إلى ذلك من مضغ
الكلمات ومضيعة الأوقات
[18]
. (وَاسْتَفْرِغْ أيّامي) أي:
اجعلها فارغة عن الأمور غير النافعة (فيما
خَلَقْتَني لَهُ) بأن أنصرف إلى العبادة التي
أمرت بها قال سبحانه: ﴿
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ ﴾
[19]
(وَأغْنِني) بحلالك عن حرامك، وبفضلك
عمن سواك، حتى لا أحتاج إلى الناس (وَأوْسِعْ
عَلَيَّ في رِزْقِكَ)
وسبّب لي رزقاً من قبلك،حتى أتمكن من تناول
الرزق،إنّك على كلّ شيء قدير، إذ قد يكون
الإنسان غنياً لكنه ضيق الرزق (وَلا
تَفْتِنِّي بِالبَطَرِ) إلى ما في
أيدي الناس، فإن الإنسان يفتتن بعدم الرضا بما
قسم الله له إذا نظر إلى ما في أيدي الناس،
ويحتمل أن يكون المراد أن يكون رزقه سبحانه
نظراً واستدراجاً وإن كانت النسخة (بالبطر)
كان المعنى الطغيان بالنعمة وصرفها في غير
وجهها (وَأعِزَّني) أي: اجعلني عزيزاً
(وَلا تَبْتَلِيَنِي
بِالكِبْرِ) أي: بالتكبر فإن مَن صار
عزيزاً يتكبر غالباً قال تعالى لهم: ﴿
قِيلَ ادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى
الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾
[20]
(وَعَبِّدْني لَكَ) أي: وفقني
لعبادتك (وَلا تُفْسِدْ
عِبادَتي بِالعُجْبِ) والعجب: أن
يفرح الإنسان بعمله ويظن أنه أتى بما طلب منه،
وهذا موجب لفساد العبادة وعدم قبولها لديه
سبحانه، وقد نهت الشريعة عنه، وحذّرت منه. قال
تعالى: ﴿ فَلَا
تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ
اتَّقَى ﴾
[21]
. (وَأجْرِ لِلنّاسِ عَلى يَديَ الخَيْرَ
وَلا تَمْحَقْهُ) أي: تبطله (بِالمَنِّ)
بأن أمن عليهم فإن المنّة تفسد عمل الخير كما
قال سبحانه: ﴿ لَا
تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ
وَالْأَذَى ﴾
[22]
، وبتعبير آخر: كل عاقل يود بفطرته أن يكون
محسناً لا مسيئا، وهل من شيء أعظم من صنع
الخير للناس، وأن يجري على يدك خلاص
المكروبين من المصائب والشدائد؟ قال سبحانه:
﴿ وَأَمَّا مَا
يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
﴾
[23]
وقوله تعالى: ﴿ ...
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
[24]
. وجاء في الروايات: «أهل المعروف في
الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر
في الدنيا أهل المنكر في الآخرة... اصنع
المعروف إلى أهله وغير أهله، فان لم يكن من
أهله فكن أنت من أهله». (وَهَبْ
لي مَعالِيَ الأخْلاقِ) أي:
الأخلاق الفاضلة الرفيعة أنَّ حياة الإنسانيه
لا تستقيم وتنسجم، وشرورها لاتنتهي وتنحسم
إلا برعاية أبرز القيم الأخلاقية من الحق
والعدل والمساواة... لقد بلغ العلم العملي
والتقدم المادي الغاية والنهاية، فهل ربحت
الانسانية شيئا من هذا التقدم؟ كلا، العكس هو
الصحيح، فأين القيادة الصالحة و العدالة
الاجتماعية والسلام والرفق بالإنسان؟ وأين
الرخاء والحب والإخاء؟ أبدا لا شيء سوى
الموت والاذلال والحرمان وتشريد الشعوب
وتكثير الأرامل والأيتام! (وَاعْصِمْني
مِنَ الفَخْرِ) حتى لا أفتخر
على الناس بأني صاحب أخلاق حسنة، وأبلغ ما قيل
فيمن يفخر ما جاء في نهج البلاغة: «ما لابن
آدم والفخر؟ أوله نطفة وآخره جيفة لايرزق
نفسه ولايدفع حتفه... تولمه البقة، و تقتله
الشرقة، وتنتنه العرقة.
بعد ما قال الإمام (عليه السلام): «هب
لي معالي الأخلاق» ضرب
مثلاً من هذه المكارم والمعالي بأسلوب الدعاء
وقال: (اللّهُمَّ صَلِّ عَلى
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَلا تَرْفَعْني في
النّاسِ دَرَجَةً) بأن أكون رفيعاً عندهم
وفي نظرهم (إلاّ حَطَطْتَني
عِنْدَ نَفْسي مِثْلَها)
بأن أزداد تواضعاً بقدر الرفعة، حتى لا أترفّع
وأتكبر (وَلا تُحْدِثْ لي عِزّاً ظاهِراً)
عند الناس (إلاّ أحْدَثْتَ لي ذِلَّةً
باطِنَةً عِنْدَ نَفْسي) حتى أرى نفسي
ذليلاً أمام عظمتك لا أملك شيئاً (بِقَدَرِها)
أي: بقدر تلك العزة التي أحدثتها لي عند
الناس، فالطاعة لله سبحانه تدخل الإنسان في
دائرة العزّة والعكس بالعكس، يقول الإمام
الصادق (عليه السلام): «من أراد عزاً بلا
عشيرة، وغنىً بلا مال، وهيبة بلا سلطان،
فلينتقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته»
[25]
.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمَتِّعْني بِهُدىً صالِحٍ
لا أسْتَبْدِلُ بِهِ) أي: زدني من
هداك ما أصلح به أمر آخرتي ودنياي، لا أتخذ
بدلاً دونه (وَطَريقَةِ حَقٍّ لا
أزيغُ عَنْها) أي: لا أنحرف (عَنْها)
إلى طرق الباطل، بل أثبت عليها، وأضحي في
سبيلها بكل غال وعزيز (وَنِيَّةِ
رُشْدٍ لا أشُكُّ فيها)
أي: ومتعني بنية صافية خالصة من شائبة الشك
والارتياب (وَعَمِّرْني ما
كانَ عُمْري) أي: ما دام عمري (بِذْلَةً)
أي: مبذولاً (في طاعَتِك)
وعبادتك، ويومىء هذا إلى أنَّ الإمام (عليه
السلام) لاينظر إلى الحياة من حيث هي نظرة
المتشائم أو المتفائل، بل يقيس حياة الإنسان
الفرد بأعماله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وفي الحديث: «ينقطع أجر الميت من الدنيا
إلابثلاث خصال: كتاب ينتفع به، أو ولد صالح
يستغفر له، أو صدقة جارية». والصدقة
الجارية تشمل كل ما فيه للناس خير وصلاح بجهة
من الجهات كشق الطرقات وحفر الآبار والأنهار
والمستشفيات ومصانع الكساء والغذاء.(فَإذا
كانَ عُمْري مَرْتَعاً لِلشَّيْطانِ)
المرتع: محل رعي البهائم، شبّه به العمر الذي
ينقضي بالعصيان كأنه مرتع للشيطان يأخذ منه ما
يشاء كما تلتهم البهيمة من المرتع ما تشاء من
الأعشاب (فَاقْبِضْني إليك)
بإماتتي (قَبْلَ أنْ
يَسْبِقَ مَقْتُكَ) أي: غضبك (إليَّ)
بأن يتقدم المقت على الموت (أوْ
يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ)
فلا أكون قابلاً للعفو والمغفرة لاستحكام
الغضب.
(اللّهُمَّ لا تَدَعْ خِصْلَةً تُعابُ
مِنِّي) أي: صفة تكون موجبة لعيبي (إلاّ
أصْلَحْتَها) بأن وفقتني لإصلاحها (وَلا
عآئبَةً) أي: صفة توجب عيبي (أُؤَنَّبُ
بِها) أي: أوبخ بسبب تلك العائبة (إلاّ
حَسَّنْتَها) بإزالة تلك العائبة (وَلا
أُكْرُومَةً فِيَّ ناقِصَةً)،
الأكرومة من الكرم كأُعجوبة من العجب، والمراد
بها: كرائم الأخلاق (إلاّ
أتْمَمْتَها) بتوفيقي أن أتصف بها.
ملاحظة: كل خصال الإمام (عليه السلام) وصفاته
عالية زاكية، لا عيب فيها ولا ريب، ولكن
نفسه الكبيرة ترى الكثير من خيرها وفيضها
قليلاً وحقيراً.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ
مُحَمَّدٍ؛ وَأبْدِلْني مِنْ بِغْضَةِ أهْل
الشَّنَآنِ) الشنآن: البغض، أي: الذين
يبغضونني ولا يحبونني، أجل يا رب بدل بغضهم (المَحَبَّةِ)
حتى يحبوني، الحب فضيلة، بل أصل الفضائل لأنه
المنهج المرسوم لعلاقة الإنسان بخالقه وبأخيه
الإنسان، ومعنى حب العبد لله سبحانه أن يحب
ما أحب الله، ويبغض ما أبغض، ولايخاف فيه
لومة لائم. وفي الأشعار: «أن المحب لمن يحب
مطيع». ولا معنى لحب الناس بعضهم بعضاً إلا
الإخوة و المساواة والتكافل والتضامن، وبه
تستقيم الحياة، ويعيش الفرد والجماعة في دعة
وأمان. وفي الحديث الشريف: «لا تدخلون
الجنة حتى تؤمنوا، ولاتؤمنوا حتى تحابوا...
الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من أحسن
لعياله» (وَمِنْ حَسَدِ
أهْل البَغْي) أي: الظلم (المَودَّةَ)
بأن يحبوني عوض حسدهم، يطلب الإمام (عليه
السلام) من الله سبحانه أن يبدل بغض الحاسدين
له بالمودة (وَمِنْ ظِنَّةِ
أهْل الصَّلاحِ) أي: سوء ظنهم بي
فإن أهل الصلاح يسيئون الظن بالإنسان (الثِّقَةَ)
بأن أكون موثوقاً لديهم يحسنون بي الظن (وَمِنْ
عَداوَةِ الأدْنَيْنِ) جمع أدنى
وهم السفلة من الدون (الوَلايَةَ) أي:
يتولونني ويحبونني (وَمِنْ عُقوُقِ
ذَوِي الأرْحامِ) وعقوقهم قطعهم
معي وكرههم لي (المُبَرَّةَ) أي: البر،
بأن يبروني ولا يقاطعونني (وَمِنْ
خِذلانِ الأقْرَبِينَ) جمع أقرب،
والظاهر أن المراد به: كل من قرب إلى الإنسان
بالصداقة سواء كان رحماً أم لا، وخذلانهم
تركهم للإنسان وعدم نصرتهم له (النُّصْرَةَ)
بأن ينصرونني (وَمِنْ حُبِّ
المُدارينَ) من المداراة بمعنى الملاطفة
والملاينة بدون أن يكون ذلك منبعثاً عن صميم
القلب (تَصْحيحَ المِقَةِ) أي:
المحبة، بأن يحبوني حباً صحيحاً، فما تقدم
يشير إلى أنَّ الإمام (عليه السلام) يطلب من
الله سبحانه أن يبدل بغض الحاسدين له بالمودة،
وتهمة الصالحين له بالثقة به، وعداوة
القرابة بالحب، وعقوق الأولاد بالطاعة،
وخذلان الأقربين بالمناصرة، وحب المداراة
بحب الموالاة والخوف بالأمن (وَمِنْ
رَدِّ المُلابِسينَ) أي:
المخالطين للإنسان (كَرَمَ
العِشْرَةِ) أي: حسن المعاشرة، والمراد
بردّهم إهانتهم لي فمعناه أبدلني سوء معاشرة
من يخالطني ويجالسني بحسن عشرته لأن معنى
الرد عدم القبول، ومعنى الملابسين المخالطين
والمعاشرين (وَمِنْ مَرارَةِ
خَوْفِ الظّالِمينَ) فإن للخوف مرارة على
النفس (حَلاوَةَ الأمَنَةِ) هي:
بمعنى الأمن.
ضع مع الدعاء شيئاً من القطران «وقد تسأل:
الظاهر من كلام الإمام (عليه السلام) أن
الدعاء وحده كاف واف لايجاد المعدوم وخلقه أو
تحويل الضد الموجود إلى ضده دون أن يقوم
الداعي بأية حركة علماً بأنَّ النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) قال لصاحب الناقة: اعقلها
وتوكل، وأن علياً (عليه السلام) قال لمن
يداوي ناقته الجرباء بالدعاء فقط: ضع مع
الدعاء شيئا من القطران، وقال سبحانه: ﴿
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا
السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
﴾
[26]
.
الجواب: أن حديث «اعقلها وتوكل» يأمر
الأعرابي بشيئين: الأوّل: أن يربط الناقة كيلا
تتحرك. والثاني: أن يتوكل على الله في أمر
بقائها معقولة. وهذا هو بالذات ما فعله
الإمام، فقد روى الرواة في سيرته وفضائله أنه
كان يدرأ السيئة بالحسنة، أما دعاؤه هذا فهو
تعبير عن التوكل على الله في كف شر كل ذي شر»
[27]
.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ
وَاجْعَلْ لي يَداً عَلى مَنْ ظَلَمَني)
أي: قوَّة أتمكن بها من دفع ظلمه، وظيفة
المظلوم أن يلتمس العلة لردع الظلم عنه، فإن
خذلته الوسائل السلمية واستطاع قتل الظالم
فعل، ولا شيء عليه، فقد جاء في كتاب الوسائل
باب الجهاد: أن رجلاً قال للإمام الباقر (عليه
السلام): اللص يدخل على بيتي يريد نفسي
ومالي؟ فقال الإمام (عليه السلام): اقتله...
فأشهد الله ومن سمع أنَّ دمه في عنقي. وعن
النبى الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): من
قتل دون عقال من ماله فهو شهيد. وما من شك أن
الساكت عن ظالمه وهو قادر على مقاومته فقد
ظلم نفسه، وما ربك بظلام للعبيد. وأخيراً
لو علم الظالم أن المظلوم يستميت دون حقه
لتحاماه.
(وَلِساناً عَلى مَنْ
خاصَمَني) حتى أتمكن من رد اعتداءاته
اللسانية (وَظَفَراً بِمَنْ
عانَدَني) المعاندة: المعاداة، أي: اجعل
لي الظفر على عدوي (وَهَبْ لي مَكْراً)
أي: معرفة بكيفية العلاج (عَلى مَنْ
كايَدَني) أي: يكيدني، أي على من أضمر
لي المكر والخداع، ومجمل المعنى هب لي قوّة
أبطل بها مكر الماكرين وكيد الشياطين، قال
سبحانه: ﴿
وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ
خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾
[28]
، أي أنَّ الله سبحانه أبطل مكرهم، وعاقبهم
عليه عقاب الماكرين (وَقُدْرَةً
عَلى مَنَ اضْطَهَدَني) الاضطهاد: الظلم،
أي: اجعل لي قدرة أتمكن بها من رد الظلم (وَتَكْذيباً
لِمنْ قَصَبَني) أي: عابني كذبا
وافتراء بأن أقدر على تكذيبه (وَسَلامَةً
مِمَّنْ تَوَعَّدَني) أي: وعدني
بالسوء، حتى أسلم منه (وَوَفِّقْني
لِطاعَةِ مَنْ سَدَّدَني) أي: هداني
وأرشدني إلى الخير والصلاح (وَمُتابَعَةِ
مَنْ أرْشَدَني) أي: دلني على
طريق الرشاد والصلاح.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَسَدِّدْني) أي: وفقني (لأنْ أُعارِضَ
مَنْ غَشَّني بِالنُّصْحِ) أقابل وأكافىء
بالخير من أراد بي سوءاً، بأن أنصحه عوض أن
غشَّني، ولا يخفى أن هذه الخصلة وما تليها من
أفضل مكارم الأخلاق وأصعبها، وكل ما ذكر
الإمام السجاد (عليه السلام) وعدّد في دعائه
هذا من مكارم الاخلاق ومعاليها، فقد مارسه
بالفعل طول حياته، وحرص عليه حرصه على صومه
وصلاته، ولايختلف في ذلك اثنان من الذين
عاصروا وذكروا هذا الهادي المهدي في رواية أو
كتاب. (وَأجْزِيَ مَنْ
هَجَرَني) وقطعني (بِالبِرِّ) بأن
أبرّه ولا أقطع عنه برّي، كان الإمام السجاد
(عليه السلام) يطوف بالليل متنكرا على بيوت
الفقراء، يوزع عليهم الدراهم والدنانير، ومن
بينهم ابن عم له، وكان إذا أعطاه يأخذ المال
ويقول: ابن عمي علي بن الحسين لا يواصلني،
فلا جزاه الله عني خيرا، فيتحمل الإمام (عليه
السلام) ولايعرّفه بنفسه، واستمر الإمام في
العطاء، واستمر هو على هذا الدعاء حتى انتقل
الإمام إلى الرفيق الأعلى وانقطعت الصلة،
فعندها عرف المصدر (وَأُثيبَ مَنْ
حَرَمَني بِالبَذْلِ) بأن أعطي
ثواب الحرمان وجزاءه، بأن أبذل لذاك الإنسان،
كان هشام بن إسماعيل والياً على المدينة في
عهد الإمام (عليه السلام) وكان أشد الناس
قسوة على زين العباد وأهله حتى قاسوا منه
ألواناً من الأذى والتنكيل، ولما عزله
الوليد بن عبد الملك أوقفه الناس، وأتاح لكل
من ظلمه وأساء إليه أن يقتص منه كيف شاء،
فقال هشام: لا أخاف إلا من علي بن الحسين
لعلمه بما صنعت يداه، ولما مر به الإمام
(عليه السلام) سلم عليه، وقال: طب نفساً منا
ومن كل من يطيعنا، فان أعجزك المال لتذب به
عن نفسك فعندنا منه ما يسعفك ويسعدك. فقال
هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
(وَأُكافِيَ مَنْ قَطَعَني)
وابتعد عني (بِالصِّلَةِ) أي: بأن أصله
وأقترب إليه (وَأُخالِفَ مَنِ اغْتابَني
إلى حُسْنِ الذِّكْرِ) بأن أذكره بالذكر
الحسن في مقابل اغتيابه لي، وقف على علي بن
الحسين (عليه السلام) رجل من أهل بيته فأسمعه
وشتمه، فلم يكلمه، فلمّا انصرف قال لجلسائه:
لقد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن
تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردّي عليه.
فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب أن يقول له
ويقول. فأخذ نعليه ومشى وهو يقول:﴿
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ
النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
﴾، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً.
قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل، فصرخ به، فقال:
قولوا له هذا علي بن الحسين. قال: فخرج
متوثباً للشر، وهو لا يشكّ أنّه إنما جاء
مكافئاً له على بعض ما كان منه. فقال له علي
بن الحسين: يا أخي إنّك وقفت عليّ آنفاً وقلت
وقلت فإن كنت قلت ما في فأستغفر الله منه، وإن
كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك. قال: فقبّل
الرجل بين عينيه، وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك
وأنا أحق به
[29]
. (وَأنْ أشْكُرَ الحَسَنَةَ)
التي يحسن بها إلي أحد (وَأُغْضِيَ
عَنِ السَّيِّئَةِ) الإغضاء:
الإغماض، والسيئة الشيء السيئ الذي يأتي الناس
به تجاه الإنسان، أجزي من أحسن بالإحسان، ومن
أساء بالغفران.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَحَلِّني بِحُلْيَةِ الصّالِحينَ) أي:
زيِّني بزينتهم (وَألْبِسْني زينَةَ
المُتَّقينَ) أي: أهل التقوى والخوف من
الله تعالى (في بسط العدل) هذا تفسير للحلية
والزينة، والمراد: أن أعدل بين الناس جميعاً (وَكَظْمِ
الغَيْظِ،) فإذا غضبت أكظم غضبي
وأُخفيه (وَإطْفاءِ النائِرَةِ)
النائرة: العداوة الواقعة بين الناس،
وإطفاؤها: إخمادها حتى تذهب وتصفو القلوب،
كانت بعض جواريه تهيِّىء له ماء وضوئه، فسقط
الإبريق من يدها على وجه الإمام و أدماه،
ولما نظر إليها قالت: والكاظمين الغيظ. قال:
كتمت غيظي. قالت: والعافين عن الناس. قال:
عفوت عنك. قالت: والله يحب المحسنين. قال:
اذهبي أنت حرة لوجه الله. (وَضَمِّ
أهل الفُرْقَةِ) الذين تفرق بعضهم
عن بعض، بأن أجمعهم وأضم بعضهم إلى بعض (وَإصْلاحِ
ذاتِ البَيْنِ) بأن أصلح بين
الناس، وذات بمعنى الصفة، كأن بينهم صفة سيئة
فأصلحها، لقد كرم الله سبحانه بني آدم، وضمن
لهم دوام الكرامه بشرط أن لايتنازعوا
ويتصارعوا كما نص القرآن الكريم حيث قال
سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ
مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
[30]
، وقال تعالى: ﴿
وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا
تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ ﴾
[31]
، ولكنهم رفضوا هذا الشرط، وأبوا إلا الصراع
والنزاع، فقتل قابيل أخاه هابيل، واستمر
الاقتتال من يومهما إلى اليوم وحتى اليوم
الأخير، وصدقت نبوءة الملائكة حيث: ﴿
قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ
فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾
[32]
والإمام يسأل الله سبحانه العون على إصلاح
ذات البين، عسى أن يخفف من حدة القتل
والقتال.
(وَإفْشاءِ العارِفَةِ) أي:
إكثار المعروف، وعارفة بمعنى الصفة المعروفة،
مقابل المنكر (وَسَتْرِ العائِبَةِ)
بأن أستر الصفة الموجبة للعيب، ولا أظهرها،
كما هي عادة العيابين للناس. يهتم علماء
الطبيعة بالكشف عن كنوزها وأسرارها، وعلماء
النفس بملكاتها وغرائزها، ويبحث الفقهاء عن
حلال الله وحرامه... وهكذا كل فرد من
العلماء وغيرهم يبحث وينقب عمّا يتصل بحقله
وما هو من أهله. وأيضا هكذا اللئيم الخبيث
يحصر نشاطه ويكرس جهده للكشف عن عيوب الناس
وعوراتهم، فإن رأى سيئة طار بها فرحا، وأشاع
وأعلن، وإن رأى حسنة كتم ودفن... على العكس
من الطيب الفاضل حيث يتجاهل السيئات، و يعلن
الحسنات كما قال الإمام (عليه السلام). وفي
الأشعار:
من تكن نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود
شيئاً جميلا
(وَلينِ العَريكَةِ) بمعنى
الطبيعة مقابل الطبيعة الخشنة والأخلاق السيئة
(وَخَفْضِ الجَناحِ) كما يخفض
الطائر جناحه لأمه، وهو كناية عن الرفق
والتواضع (وَحُسْنِ السِّيرَةِ)
السيرة: السلوك والطريقة التي يسير عليها
الإنسان (وَسُكُونِ الرِّيحِ)
كأن الإنسان ذا الخلق السيئ والحيرة تهب
أرياحه الشديدة, أما حسن الخلق اللين فهو ساكن
الريح لا يؤذي الناس وهو الوقار (وَطيبِ
المُخالَقَةِ) أي: حسن التخلق في
المعاشرة (وَالسَّبْقِ إلى
الفَضيلَةِ) بأن أسبق سائر الناس إلى
اقتناء الفضائل من فعل الواجبات والمستحبات
وترك الشبهات والمحرمات (وَإيثارِ
التَّفَضُّلِ) أي: الذي تفضل الله علي،
أُوثر غيري به، بأن أقدم الناس، وبتعبير آخر
التفضل: العطاء ابتداء لا جزاء ومثله الإفضال
على غير المستحق.
(وَتَرْكِ التَّعْييرِ) عيره
بفعله: قبّح فعله وأعابه به، والمعنى:أن لا
أُعيّر الناس بما هم فيه من مذام الصفات أو ما
أشبه، وما من شك أن التعيير بالذنب ذنب، لأنه
تزكية للنفس ورضى عنها، ولقول الرسول الأعظم
(صلى الله عليه وآله وسلم): «من أذاع فاحشة
كان كمبتدئها- أي فاعلها- ومن عيّر مؤمناً
بشيء لم يمت حتى يركبه». وفي نهج
البلاغة: «لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ
بِذَنْبِهِ فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَلاَ
تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ
فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ»
[33]
(والإفْضالِ عَلى غَيْرِ
المُسْتَحِقِّ) الذي لا يستحق الفضل،
وقد ورد: اصنع الخير فإن كان الآخذ من أهله
فهو من أهله وإن لم يكن من أهله فأنت لذلك
أهل، وقيل: إن الجملة عطف على التعيير، أي:
ترك الإفضال على غير المستحق، لما ورد من أن
المعروف يجب أن يكون في موضعه (وَالقَوْلِ
بِالحَقِّ) أي: أن أقول الحق (وَإنْ
عَزَّ) وقلّ الحق، والقائل به، عندما
دعا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى
الإسلام كان أهل الأرض بكاملهم على غير دينه،
ومن هنا قالوا له: ﴿
إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾
[34]
وكل المصلحين والمحقين مجانين عند أهل الجهل
والضلال (وَاسْتِقْلالِ الخَيْرِ)
أي: أرى الخير الذي صدر مني قليلاً (وَإنْ
كَثُرَ مِنْ قَوْلي وَفِعْلي، وَاسْتِكْثارِ
الشَّرِّ وَإنْ قَلَّ مِنْ قَوْلي وَفِعْلي)
فإن من العجب أن يرى الإنسان قوله وفعله الذين
صدرا منه جهة الخير، كثيراً، «إن ابليس تعرض
لموسى (عليه السلام) في الساعة التي كان يناجي
فيها ربه، فقال له أحد الملائكة: ويحك ماذا
ترجو منه وهو على هذه الحال؟ قال: ما رجوت من
أبيه وهو في الجنة»
[35]
. والقصد من هذا المثال التحذير من ألاعيب
الشيطان وأنه لاييأس من الزهّاد والعبّاد،
بل يحاول أن يخرجهم عن حد الإيمان والاعتدال
إلى التطرف والغرور، فيريهم الخير القليل من
أعمالهم كثيراً، والشر الكثير منها قليلا!
وما من شك أن الغرور يجعل الحسنات سيئات.
وفي الحديث الشريف: «من رأى أنه مسيء فهو
محسن» وفي معناه قول الإمام أميرالمؤمنين
(عليه السلام): «سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ
خَيْرٌ عِنْدَ اَلَلهِ مِنْ حَسَنَةٍ
تُعْجِبُكَ»
[36]
لأن الإعجاب بالحسنة يجر إلى السيئات،
وكراهية السيئة يبعث على فعل الحسنات. (وَأكْمِلْ
ذلِكَ) الذي ذكرت وطلبت من الصفات
الفاضلة (لي بِدَوامِ
الطّاعَةِ) بأن أطيعك إطاعة دائمة، وهي
الانقياد لأمر الله تعالى ونهيه، وتدوم هذه
الطاعة وتكمل بلجام النفس عن معاصي الله
سبحانه (وَلُزُومِ الجَماعَةِ)
أي: جماعة أهل الإيمان، بأن لا أشذ عنهم،
المراد بهذا اللزوم عدم الخروج على جمع الشمل
ووحدة الكلمة، وضرورة التعاون مع الجميع على
المصلحة العامة، ومن شق العصا بقصد الفتنة
والتفرقة فقد برىء الإسلام منه لحديث رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من
خرج قيد شبر عن الجماعة فقد خلع
ربقة الإسلام عن عنقه، ومات ميتة جاهلية»
[37]
. (وَرَفْضِ أهْل البِدَعِ)
جمع بدعة بكسر الباء بمعنى الإحداث في الدين
من غير دليل، والمطلوب أن أتركهم ولا أكون
معهم (وَمُسْتَعْمِلي الرَّأيِ
المُخْتَرَعِ) بأن أرفض من له آراء
مخترعة جديدة لا تمت إلى الدين بصلة.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَاجْعَلْ أوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ إذا
كَبُرْتُ) فإن الإنسان إذا كبر يعجز عن
طلب الرزق ويحتاج إلى الزيادة فيه ليقوم بجميع
شؤونه (وَأقْوى قُوَّتِكَ فِيَّ إذا
نَصِبْتُ) من النصب بمعنى التعب، ومعنى
ذلك النشاط النفسي، حتى يكون التعب البدني
زائلاً بسببه ولا أتوقف عن العمل، وتجدر
الإشارة إلى أن قوة الله سبحانه على نسق واحد
كماً وكيفاً لا شيء منها أقوى من شيء سواء
تعلقت بخلق الكون أم البعوضة، وعليه يكون
المعنى: ادخر القسم الأوفى مما كتبت لي عندك
من القوّة إلى يوم عجزي وإعيائي. (وَلا
تَبْتَلِيَنِّي بِالكَسَلِ عَنْ عِبادَتِكَ)
بأن لا أكسل عن العبادة والطاعة، كما هو
الغالب في الناس، ولا سبب موجب للتواني
والتثاقل عن عبادة الله إلا ضعف العقيدة.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «إيّاك
والكسل والضجر، فإنَّهما مفتاح كل شر، وإنك
إذا كسلت لم تؤد حقاً، وإذا ضجرت لم تصبر على
حق»
[38]
. (وَلا العَمى عَنْ
سَبيلِكَ) بأن أرى الطريق الموصل إلى
رضوانك، لا كأهل الضلال الذي لا يرون طريق
الحق، والعمى المقصود هنا ترك الحق والانحراف
عنه جهلاً أو ضلالا، وسبيل الله صراطه إلى
دينه وشريعته (وَلا بِالتَّعَرُّضِ
لِخِلافِ مَحَبَّتِكَ) بأن
أتعرض بالإتيان ما يخالف أمرك، من المناهي،
ولاتبتلني بالتهالك على الدنيا وحطامها.
(وَلا مُجامَعَةِ مَنْ تَفَرَّقَ عَنْكَ)
لا بموالاة من عاداك، بأن أصادق الذين
يخالفونك (وَلا مُفارَقَةِ مَنِ اجْتَمَعَ
إليك) ولا معاداة من والاك، بأن أفارق
الذين يوافقون أمرك.
(اللّهُمَّ اجْعَلْني أصُولُ بِكَ) أي:
أهاجم الأعداء بسبب نصرك لي وعونك (عِنْدَ
الضَّرُورَةِ) أي حين ما اضطر إلى
المصاولة، بتعبير آخر، هب لي من لدنك إيماناً
راسخاً ويقيناً صادقاً أعتصم به في ساعة
العسرة من اللجوء إلى غيرك (وَأسْألُكَ
عِنْدَ الحاجَةِ) بأن لا أحتاج
إلى من سواك، ولا أسال سواك، لأنك أنت وحدك
الفعال لما يريد (وَأتَضَرَّعُ إليك)
الضراعة: التذلل والطلب (عِنْدَ
المَسْكَنَةِ) أي: الفقر، ويسمى المسكين
مسكيناً: لأن الفقر قد أسكنه عن حركات
الأغنياء، والمعنى: اجعلني قوياً وقادراً
حتى لا أتضرع وأخضع إلا لك (وَلا
تَفْتِنِّي) أي: لا تبتليني (بِالاسْتِعانَةِ
بِغَيْرِكَ إذا اضْطُرِرْتُ)
بأن أستعين بسواك، وذلك بأن لا يتلطف سبحانه
بقضاء الحاجة حتى يحتاج الإنسان إلى سؤال سوى
الله تعالى (وِلا بِالخُضُوعِ
لِسُؤالِ غَيْرِك) بأن أخضع
لسؤال إنسان دونك (إذا افْتَقَرْتُ)
واحتجت (وَلا بِالتَّضَرُّعِ إلى مَنْ
دُونَكَ إذا رَهِبْتُ) أي: بأن أطلب من
غيرك رفع خوفي، وذلك فيما إذا لم يعجل سبحانه
رفع ما يخاف منه الإنسان (فَأسْتَحِقَّ
بِذلِكَ) الالتجاء إلى من سواك (خِذْلانَكَ)
بأن تخذلني وتتركني وشأني لا تهتم بأمري (وَمَنْعَكَ)
قضاء حاجتي (وَإعْراضَكَ) عني ( يا
أرْحَمَ الرّاحِمينَ).
(اللّهُمَّ اجْعَلْ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ
في رَوعي) الروع: القلب (مِنَ
التَّمَنِّي) للأشياء التي لا يليق التمني
إياها (وَالتَّظَنِّي) أي: أن أعمل
الظن فيما لا ينبغي، وأصل التظنن من الظن، ثم
أُبدلت إحدى النونين ياءً (وَالحَسَدِ)
للناس، والمعنى أسالك اللهمَّ أن تعصمني من
الأهواء والأفكار السوداء ومن كل ما يوسوس
به الشيطان، واجعل مكان ذلك (ذِكْراً
لِعَظَمَتِكَ) بأن أذكرك دائماً، وذكر
الله سبحانه حسن على كل حال سواء أكان القلب
متجها إليه تعالى ومقبلا عليه أم مشغولاً عنه
بغيره لإطلاق قوله تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ
اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾
[39]
وأحسن أنواع الذكر ترك المحرمات وفعل
الخيرات (وَتَفَكُّراً في
قُدْرَتِكَ) فإن التفكر في قدرته سبحانه
من أفضل الطاعات، لأنه يؤدي حتماً إلى معرفة
الخالق والإيمان بعظمته، قال سبحانه:
﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً
﴾
[40]
فقد ربط سبحانه الإيمان به وبحكمته، بالتأمل
والتفكر. وفي الحديث عن رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم): «تفكروا في
خلق الله، ولا تفكروا في الله فتهلكوا»
[41]
. (وَتَدْبيراً عَلى
عَدُوِّكَ) بأن أفكر وأدبر في كيفية قمع
أعداء الدين، فكل من لايؤمن شره، ولايرجى
خيره فهو عدو لله وللإنسانية، قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم): شر الناس من
تخاف الناس من شره
[42]
. ومعنى التدبير على عدو الله مقاومته
والعمل على صده وردعه (وَ) اجعل يا رب
(ما أجْرى) الشيطان، أي: يريد
إجراءه (عَلى لِساني مِنْ
لَفْظَةِ فُحْشٍ) لفظه الفحش
القبيح من القول، وهو ما ينفر الطبع عنه سواء
كان سبّاً أم لا (أوْ هَجْرٍ)
هو السبّ الذي يوجب الهجران (أوْ
شَتْمِ عِرْضٍ) العرض: ما يكون
مورد اعتزاز الإنسان من أهل أو زوجة أو شرف أو
ما أشبه . (أوْ شَهادَةِ
باطِلٍ) مخالف للحق، قال سبحانه في وصف
المؤمنين: ﴿
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا
مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً
﴾
[43]
(أوْ اغْتِيابِ مُؤْمِنٍ
غائبٍ) والغيبة: ذكرك أخاك ما يكره،
قال تعالى: ﴿ وَلَا
يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ
مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾
[44]
. (أوْ سَبِّ) مؤمن (حاضِرٍ
وَما أشْبَهَ ذلِكَ) من
نقائص الأقوال، والمعنى أسألك اللهمَّ أن
تعصم لساني عن النطق بأي قبيح ومكروه، واجعل
مكان ذلك (نُطْقاً بِالحَمْدِ
لَكَ) بأن أحمدك في السرّاء والضرّاء
(وَإغْراقاً فِي الثَّناءِ
عَلَيْكَ) الإغراق: المبالغة، أي:
مبالغة وتكثراً في مدحك والإطناب والامعان في
ذلك (وَذَهاباً) أي: ذهاباً قولياً،
كقوله تعالى: ﴿
وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ
﴾
[45]
(في تَمْجيدِكَ) من المجد:
بمعنى الرفعة (وَشُكْراً
لِنِعْمَتِكَ) بأن أشكر نعمك التي تفضلت
بها علي (وَاعْتِرافاً بِإحْسانِكَ)
إلي (وَإحْصاءً لِمِنَنِكَ) جمع
منّة: بمعنى النعمة الموجبة للإنسان.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛
وَلا أُظْلَمَنَّ) أي: لا يظلمني الناس (وَأنْتَ
مُطيقٌ لِلْدَفْعِ عَنِّي)
أي: لك قدرة بأن تدفع الظلم عني، لايريد
الإمام (عليه السلام) بدعائه هذا أن يسكت
المظلوم عن ظالمه، ويدع أمره إلى الله
سبحانه، بل المراد أن لايسلط عليه من يظلمه
ويمكنه من الاعتداء عليه (وَلا
أظْلِمَنَّ) لاتسلطني ظالماً على أحد (وَأنْتَ
القادِرُ عَلى القَبْضِ
مِنِّي) بأن تأخذ بيدي حتى لا أتمكن من
ظلم أحد (وَلا أضِلَّنَّ) عن
طريق الهداية، بل امنعني عن الظلم بالهداية
منك والعناية. والدليل على إرادة هذا المعنى
قوله بلا فاصل: (وَقَدْ أمْكَنَتْكَ
هِدايَتي) فأنت قادر على أن تهديني إلى
العدل وترك الظلم (وَلا
أفْتَقِرَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعي) أي:
غناي، وثروتي.
(وَلا أطْغَيَنَّ) الطغيان على
الناس بظلمهم (وَمِنْ عِنْدِكَ
وُجْدي) وقدرتي، فلا تمكنني من الطغيان
بعدم تهيئة أسبابه لي، وبتعبير آخر لاتجعلني
بما أنعمت علي من السعة واليسار كالذي أشرت
إليه بقولك: ﴿
كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن
رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾
[46]
.
(اللّهُمَّ إلى مَغْفِرَتِكَ
وَفَدْتُ) أي: جئت طالباً غفرانك، فإن
الوفود إلى الشخص الذهاب إليه (وَإلى
عَفْوِكَ قَصَدْتُ) أي: قصدت مريداً عفوك
(وَإلى تَجاوُزِكَ اشْتَقْتُ) فإني
مشتاق أن تتجاوز عني (وَبِفَضْلِكَ
وَثِقْتُ) أي: أنا مطمئن بأنك تتفضل علي،
فالعفو والمغفرة والتجاوز كلمات معانيها
متقاربة ومتشابكة، ومثلها وفدت وقصدت
واشتقت، ومجمل المعنى لا شيء أحب إليّ من
منك علي بالصفح والمسامحة علماً مني بأنه (لَيْسَ
عِنْدي ما يُوجِبُ لي مَغْفِرَتَكَ) فإني
لم أعمل عملاً أستحق بذلك غفرانك (وَلا في
عَمَلي ما أسْتَحِقُّ بِهِ عَفْوَكَ)
عن ذنوبي (وَما لي) أي: ليس لي
شيء (بَعْدَ أنْ حَكَمْتُ
عَلى نَفْسي) بالإساءة والظلم (إلاّ
فَضْلُكَ) بأن تتفضل علي بالغفران
والعفو.
(فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛
وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ؛ اللّهُمَّ)
بالمغفرة مجاناً بدون أن أكون أستحق ذلك (وَأنْطِقْني
بِالهُدى): بأن يكون كلامي هداية
للناس، أو يكون نطقي نطق الهادين، لا نطق
الضالين بالجهل والضلال والهوى. وفي نهج
البلاغة: «اَللِّسَانُ سَبُعٌ إِنْ خُلِّيَ
عَنْهُ عَقَرَ أي: جرح»
[47]
. (وَألْهِمْني التَّقْوى) أي:
أوقع في قلبي خوفك وتقواك وهي بمعنى العدالة
وأصدق علامة تدل عليها أن تكبح هواك عن
الحرام حيث لا أحد يراك إلا الله سبحانه (وَوَفِّقْني
لِلَّتي هِيَ أزْكى) أي:
للطريقة التي هي أطهر الطرق وأنماها، وأقدس
الاعمال و أنماها ما فيه مصلحة الفرد أو
الجماعة... أبدا لا هدف للدين إلا الإنسان
وخيره وإسعاده والمساواة بين جميع أفراده
في الحقوق والواجبات قال تعالى: ﴿
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ
رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً ﴾
[48]
ومعنى هذا أن كل ما فيه للناس خير وصلاح فهو
من الإسلام في الصميم، وأيضا معنى هذا أن
الإسلام لايرفض سائر الأديان والفلسفات
والمذاهب جملة وتفصيلا، بل يرفض ما فيها من
شر وضرر ويقر ما فيها من خير ونفع، ونجد
هذا صريحاً واضحاً في العديد من الآيات
بالإضافة إلى آية الخير السابقة، قوله سبحانه:
﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ ﴾
[49]
وقوله عزَّ وجل:﴿
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾
[50]
. (وَاسْتَعْمِلْني بِما هُوَ أرْضى)
أي: وفقني لأن أعمل بالأمر الذي هو أكثر رضاً
لك (اللّهُمَّ اسْلُكْ بِيَ الطَّرِيقَةَ
المُثْلى) مؤنث أمثل: بمعنى الأحسن
والأعدل، أي: وفقني لأن أسألك أحسن الطرق (وَاجْعَلْني
عَلى مِلَّتِكَ) أي: طريقتك والملة:
الدين (أمُوتُ وَأحْيا) حتى
تكون حياتي وموتي كما تحب وترضى، والحياة
عليه: الدوام والاستمرار على أداء فرائضه
واجتناب محارمه حتى النفس الأخير. وفي نهج
البلاغة: «فَمِنَ اَلْإِيمَانِ مَا يَكُونُ
ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي اَلْقُلُوبِ،
وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ بَيْنَ
اَلْقُلُوبِ وَ اَلصُّدُورِ إِلَى أَجَلٍ
مَعْلُومٍ».
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَمَتِّعْني بِالاقْتِصادِ) الاقتصاد: هو
التوسط بين الإفراط والتفريط، من القصد بمعنى
الوسط ومعنى متعني: وفقني لأن أتوسط في أموري
كلها، اجعلني كما قال تعالى: ﴿
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ
يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ
بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾
[51]
والقوام: الوسط والاستقامة (وَاجْعَلْني
مِنْ أهْل السَّدادِ)
أي: الاستحكام في الأمور ومن أهل الحق والصدق
في القول والفعل (وَمِنْ أدِلَّةِ
الرَّشادِ) أي: الذين يدلون الناس على
ما يرشدهم (ومن صالحي العباد) غير الفاسدين
منهم بل من السامعين المطيعين لأمرك ونهيك
والداعين لدينك وصراطك (وَارْزُقْني
فَوْزَ المَعادِ) بأن أفوز
بالجنان والثواب في القيامة (وَسَلامَةَ
المِرْصادِ) المرصاد: المحل الذي يجلس
المراقب ليرصد الإنسان، والمقصود السلامة من
جهنم حيث أطلق سبحانه كلمة مرصاد عليها في
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ
جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً ﴾
[52]
ومعنى سلامته أن أكون سالماً منها بالنسبة
إليه.
(اللّهُمَّ خُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسي ما
يُخَلِّصُها) بالاستيلاء بالبلايا الموجبة
لمحو ذنوب الإنسان، أو الاشتغال بالطاعة، فإنه
أخذ الله تعالى من نفس الإنسان، إذ تعرف النفس
في الطاعة (وَأبْقِ لِنَفْسي مِنْ نَفْسي
ما يُصْلِحُها) من العافية والأسباب التي
توجب صلاحها من النشاط وما أشبه، بعض الناس
ينسى نصيبه من الدنيا، وينصرف بكله إلى
العبادة صياماً وقياماً، ومن أقوال الصوفية
أو شطحاتهم: «تخلَ عن نفسك وتعال»! وكيف
يتخلى الإنسان عن معدته وغريزته؟ وفي
المقابل يتعبد القسم الآخر للدنيا كل التعبد،
ويوثرها على دينه وآخرته، والأول أفرط
وافسد بطغيان آخرته على دنياه، والثاني قصّر
وأضرّ بطغيان دنياه على آخرته! والإمام
(عليه السلام) يقف موقفاً وسطاً بين هذين،
ويقول بأسلوب الدعاء: إن خلاص النفس ونجاتها
من غضب الله وعذابه، بفعل الواجبات وترك
المحرمات وكفى. وهذا معنى قوله: «خذ
لنفسك من نفسي ما يخلّصها» ومتى أدت
النفس لله تعالى كل ما عليها، فلها أن تسرح
وتفرح بزينة الحياة الدنيا والطيبات من
الرزق كما نصت قوله تعالى: ﴿
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ
وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
(14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن
ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ
رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ
مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾
[53]
. و بهذا نجد تفسير قوله: «وابق لنفسي من نفسي
ما يصلحها» وفيه إيماء إلى أن النفس لاتصلح
بالضغط والحرمان، ومن هنا جاء النهي في قوله
تعالى: ﴿ وَلَا
تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾
[54]
. (فَإنَّ
نَفْسي هالِكَةٌ أوْ تَعْصِمَها) أي: إلاّ
أن تحفظها عن الآثام والمعاصي، فمعناه أن
التوازن والتعادل بين كفة العمل للآخرة وكفة
العمل للدنيا صعب مستصعب إلا بحبل من الله
تعالى وتوفيقه .
(اللّهُمَّ أنْتَ عُدَّتي إنْ
حَزِنْتُ) أي: إن أحزنني أمر فإني قد
أعددت فضلك ودفاعك عني فأنت المفزع والملجأ
إن اشتدت الأزمات، وضاقت الحلقات (وَأنْتَ
مُنْتَجَعي) أي: محل أملي (إنْ
حُرِمْتُ) أي: حرمني الناس عن الخيرات
والعطايا (وَبِكَ اسْتِغاثَتي إنْ
كَرِثْتُ) أي: إن اشتدت بي الهموم
وثقلت علي المكاره فلا أستغيث إلا بك إن نزلت
بي كارثة (وَعِنْدَكَ مِمّا فاتَ
خَلَفٌ) بأن تعطيني عوض كل خير كان
مني، أي إذا افتقد عبدك نعمه عوضته بغيرها ففي
نهج البلاغة: «فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ
رَابِحٍ وَمَزِيدٍ خَاسِرٍ» (وَلِما
فَسَدَ صَلاحٌ) بأن تصلح ما فسد
مني فإنَّ لكل داءٍ دواءٍ إلا الحماقة والهرم
حتى الأدمغة السوداء تداوى بعملية غسل الدماغ
(وَفيما أنْكَرْتَ تَغْييرٌ)
بأن تنكره مني، وذلك بهدايتي حتى لا أعمل بذلك
المنكر، فأنت يا إلهي القادر بتوفيقك وهدايتك
أن تغير ما تنكره مني من أفعالي إلى ما تحب
وترضى.(فَامْنُنْ عَلَيَّ قَبْلَ
البلاءِ بِالعافِيَةِ) بأن تعافيني من
موجبات البلاء، حتى لا ينزل عليّ البلاء (وَقَبْلَ
الطَّلَبِ) أي قبل أن تطلب مني الشيء (بِالجِدَةِ)
بأن أجده حتى إذا طلبت أعطيتك إياه، مثلاً قبل
أن تطلب مني الصلاة في الآخرة، وفقني لأن أصلي
وأكون واجداً للصلاة، وهكذا بالغنى، أي أغنني
بخيرك عن غيرك كيلا اشتغل بطلب الرزق عن
عبادتك (وَقَبْلَ الضَّلالِ
بِالرَّشادِ) أي: أرشدني قبل أن يخطفني
الباطل فأُضل (وَاكْفِني مَؤُنَةَ
مَعَرَّةِ العِبادِ) المؤنة:
المشقة، والمعرَّة: العيب، أي: اكفني التي
ترد علي من مكروهات الناس، أي: الأعمال
المكروهة التي يفعلونها بالنسبة إليَّ من السب
والإيذاء، وبتعبير آخر: ادفع المشقة والشدة
التي تنالني من لغو الناس وعيبهم علي بالفقر
ونحوه. (وَهَبْ لي أمْنَ يَوْم
المَعادِ) حتى أكون آمناً هناك لا خائفاً
من أهواله وأثقاله (وَامْنَحْني) أي:
أعطني (حُسْنَ الإرْشادِ) أي:
الإرشاد الحسن إلى الحق والصواب.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، وَادْرَأ) أي: ادفع المكاره (عَنيّ
بلُطْفِكَ) وإحسانك (وَاغْذُني
بِنِعْمَتِكَ) أي: أعطني الغذاء، وفي
روايات الأئمة الأطهار (عليهم السلام): غذانا
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعلم (وَأصْلِحْني
بِكَرَمِكَ) حتى لا أكون فاسداً (وَدَاوِنِي
بِصُنْعِكَ) أي: داوني عن الأمراض
الروحية وأعطني السلامة من كل آفة وشدة بحسن
صنيعك بي (وَأظِلَّنِي في
ذَرَاكَ) أي: اجعل ظلك علي، والمراد بالظل
العطف والرحمة والعز والسلطان، وذرى بمعنى
الحفظ والحرز والارتفاع، والمعنى احفظني
بحفظك، واحرزني وامنع عني السوء بعزك
وسلطانك (وَجَلِّلْني) أي اشملني (رِضاكَ)
حتى يشملني رضاك شمولاً كاملاً (وَوَفِّقْني
إذا اشْتَكَلَتْ عَلَيَّ الأمُورُ) التبست
واشتبهت فلم أعرف خيرها من شرها (لأهْداها)
أي: أحسنها في هدايتي ولأقربها إلى الحق
والصواب (وَإذا تَشابَهَتِ الأعْمالُ)
فلم يعرف حسنها من قبيحها (لأزْكاها)
أي: أحسنها زكاة وطهارة (وَإذا
تَناقَضَتِ المِلَلُ) جمع ملة، بأن
كانت هناك ملل ومذاهب مختلفة ومتناقضة (لأرْضاها)
لك حتى أتبعها لما فيها من الخير والرشد
والصواب (اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، وَتَوِّجْني بِالكِفايَةِ)
بأن تكفيني أموري وما يشغلني الاهتمام به،
وتكون الكفاية كتاج على رأسي توجب عزي ورفعة
رأسي (وَسُمْني) من وسم يسم بمعنى:
علّمه بالعلامة (حُسْنَ الوِلايَةِ)
أي: اجعل سيمائي وعلامتي أني حسن الولاية لك،
أو حسن ولايتك ونصرتك لي (وَهَبْ لي صِدْقَ
الهدايَةِ) أي: هداية صادقة ظاهري وباطني
كلاهما عليها (وَلا تَفْتِنِّي)
أي: لا تمتحني (بِالسِّعَةِ) فإن
الإنسان ليطغى أن رآه استغنى (وَامْنَحْني
حُسْنَ الدِّعَةِ) الدعة: الخفض والسعة
في العيش، أي: هب لي دعة حسنة (وَلا
تَجْعَلْ عَيْشي كَدّاً كَدّاً) أي:
شديداً شديداً جهداً وتعباً وشقاءً ووصباً
(وَلا تَرُدَّ دُعائي عَلَيَّ رَدّاً)
بأن لا تستجيبه غضباً علي (فَإنِّي لا
أجْعَلْ لَكَ ضِدّاً) أي: مضاداً في
ربوبيتك (وَلا أدْعُو مَعَكَ نِدّاً)
أي: مثلاً لك، بل أعبدك وأدعوك وحدك لا شريك
لك، آمنت بك، وبرئت ممن عبد سواك، وجزاءً
لهذا، فاستجب دعواتي السابقة، ويفهم ذلك من
[الفاء] .
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛
وَامْنَعْني؛ مِنَ السَّرَفِ) أي:
الإسراف، بأن تهديني حتى لا أسرف بل اقتصد ولا
أمارس التبذير، قال سبحانه: ﴿
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ
الشَّيَاطِينِ ﴾
[55]
(وَحَصِّنْ) أي: احفظ (رِزْقي
مِنَ التَلَفِ) حتى لا يتلف
وأحتاج إلى الناس (وَوَفِّرْ
مَلَكَتي) أي: ما أملكه (بِالبَرَكَةِ
فيهِ) بأن تجعله مباركاً، وهو الدائم
النامي، من بركت الإبل: إذا نامت وبقيت، وضمير
[فيه] عائد إلى الرزق (وَأصِبْ بي
سَبيلَ الهِدايَةِ) أي: أرشدني
إليها (لِلْبِرِّ) أي: لأعمال البر (فيما
أُنْفِقُ مِنْهُ) حتى يكون
إنفاقي من رزقي في الأمور البرية وفي موضعه
لا في الجهات المحرمة، قيل للإمام علي (عليه
السلام): صِفْ لَنَا اَلْعَاقِلَ فَقَالَ
(عليه السلام): «هُوَ اَلَّذِي يَضَعُ
اَلشَّيْءَ مَوَاضِعَهُ، فَقِيلَ فَصِفْ لَنَا
اَلْجَاهِلَ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ».
(اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ؛ وَاكْفِني مَؤُونَةَ الاكْتِسابِ)
حتى لا أشتغل بالكسب عن الأمور التي هي أفضل
منه: كتعليم العلم والعبادة وما أشبه (وَارْزُقْني
مِنْ غَيْرِ احْتِسابٍ)
بأن لا تحاسبني على ما رزقتني حتى ابتلي يوم
القيامة بالجواب ويطول وقوفي في المحشر، أو
المراد: الرزق الكثير كأنه بلا حساب، اقتباس
من قوله تعالى: ﴿
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
﴾
[56]
. (فَلا أشْتَغِلَ عَنْ عِبادَتِكَ
بِالطَّلَبِ) هذا تفريع على (واكفني) (وَلا
أحْتَمِلَ إصْرَ تَبِعاتِ المَكْسَبِ)
الأمر هو الحمل الثقيل، وتبعات المكسب آثامه
المترتبة عليه. (اللّهُمَّ
فَأطْلِبْني) أي: أعط طلبتي (بِقُدْرَتِكَ
ما أطْلُبُ) منك وأدعوك لأجله،
وبتعبير آخر؛ كن معي في قدرتك وأنا أجلب
الرزق، وأسعى إليه (وَأجِرْني بعِزَّتِكَ
مِمّا أرْهَبُ) أي: احفظني بسلطانك وفضلك
مما أحذر وأخاف.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ؛ وَصِنْ) أي: احفظ (وَجْهي
بِاليَسارِ) أي: الغناء الموجب لصيانة
الوجه، وعدم إراقة ماء الوجه في الطلب من هذا
وذاك (وَلا تَبْتَذِلْ جاهي)
أي: وجاهتي (بِالإقْتارِ) أي: بأن تقتر
وتضيق علي الرزق، وكان رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) يقول: «أعوذ بالله من
الفقر... كاد الفقر يكون كفراً». وقال
الإمام علي (عليه السلام): «الفقر الموت
الأكبر والأحمر... لو كان الفقر رجلاً لقتلته»
(فَأسْتَرْزِقَ أهْل
رِزْقِكَ) بأن أطلب الرزق ممن هم يتعاطون
الرزق منك (وَأسْتَعْطِيَ) أي: أطلب
العطاء (شِرارَ خَلْقِكَ) ولعل
الإتيان بـ[شرار] لأن كثيراً من الأثرياء من
مصاديق [يطغى] (فَأفْتَتِنَ) أي: ابتلي
وامتحن (بِحَمْدِ مَنْ
أعْطاني) ومدحه ولا يليق مدح الشرور (وَأُبْتَلى
بِذَمِّ مَنْ مَنَعَني)
بدون حاجة إلى ذات (وَ) ذلك لأنك (أنْتَ)
يا رب (مِنْ دُونِهِمْ
وَلِيُّ الإعْطاءِ وَالمَنْعِ)
لأن الله هو المقدر للأشياء. وبعد، فإنَّ
الإسلام يرى الفقر من أفتك الأدواء
الاجتماعية، ولا صلة له بصفات الإنسان الفرد
وشخصيته، ولذا أعلن الثورة على المحتكرين
والمستغلين، وعلى كل نظام يؤدي إلى الفقر
والقهر. وكما قال الإمام الصادق (عليه
السلام): «وإنّ الناس ما افتقروا ولا
احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب
الأغنياء».
(اللَهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛
وَارْزُقْني صِحَّةً في عِبادةٍ) بأن أكون
صحيح الجسم واصرف جسمي في عبادتك خالصة لوجهك
الكريم تماماً كعبادة الأحرار (وَفَراغاً
في زَهادَةٍ) أي: اصرف فراغي في
الزهد والنفرة عن الدنيا، وبتعبير آخر: إن
صادفتني ساعة فراغ وبطالة فزهدني وأبعدني
عمّا يوجب العقاب والعذاب (وَعِلْماً
في اسْتِعْمالٍ) بأن يكون لي
علم واستعمال ذلك العلم، لا أن أكون عالماً
بلا عمل، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أنه قال في كلام له: «العلماء رجلان: رجل
عالم أخذ بعلمه فهذا ناج، وعالم تارك لعلمه،
فهذا هالك، وأن أهل النار ليتأذون من ريح
العالم التارك لعلمه، وإن أشد أهل النار ندامة
وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له، وقبل
منه فأطاع الله، فأدخله الله الجنة، وأدخل
الداعي النار بتركه علمه، واتباعه الهوى وطول
الأمل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وطول
الأمل ينسي الآخرة»
[57]
. (وَوَرَعاً في إجْمالٍ)
بأن أكون متورعاً عن الشبهات في اعتدال بدون
أن أكون مسرفاً في الورع كما يفعله أهل
الوسوسة، وبلا تحجر وتزمت الذي أشبه بالسفاهة
والحماقة ومن إليهم.
(اللّهُمَّ اخْتِمْ بِعَفْوِكَ أجَلي)
بأن تعفو عني آخر عمري، ولذا قيل: الأمور
بخواتيمها، ولا خاتمة لحياة الإنسان أحمد من
مرضاة الله تعالى، ولا مصير أكرم وأعظم من
عفوه (وَحَقِّقْ في رَجاءِ
رَحْمَتِكَ) أي في رجائي لرحمتك (أمَلي)
فإني آمل وراجٍ أن تتفضل علي بالرحمة، فحقق
هذا الأمل يا إلهي ولاتقطع رجائي من رحمتك،
ولاتخيب أملي من فضلك (وَسَهِّلْ إلى
بُلُوغِ رِضاكَ سُبُلي) اسلك بي
سبل الهداية إلى العمل بما تحب وترضى، حتى
أتمكن من بلوغ رضاك ولا يشق علي ذلك (وَحَسِّنْ
في جَميعِ أحْوالي عَمَلي) حتى يكون كل
عمل مني حسناً ابقني في عنايتك، ولاتخرجني عن
طاعتك في جميع أطواري وأدواري في سري
وعلانيتي، وفرحي وحزني، وبؤسي ونعيمي،
وشبابي وهرمي. قال الإمام الصادق (عليه
السلام): «المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن
الحق، وإذا رضي لايدخله رضاه في باطل».
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَنَبِّهْني لِذِكْرِكَ في أوْقاتِ الغَفْلَةِ)
فإذا غفلت عن ذكرك نبهتني حتى أتذكرك وأخرج عن
الغفلة، وبتعبير آخر: مهما نسيت وغفلت عن أي
شيء فلا تجعلني ناسياً لإحسانك وغافلاً عن
شكرك وحمدك (وَاسْتَعْمِلْني
بِطاعَتِكَ) بأن وفقني لأن أطيعك (في
أيّامِ المُهْلَةِ) التي تفضلت
بها علي في دار الدنيا وهي مدة العمر، لأن
الأعمال تختم بالموت (وَانْهَجْ لي إلى
مَحَبَّتِكَ سَبيلاً سَهْلَةً) بأن تعيّن
لي سبيلاً سهلاً حتى أتمكن من السير فيه،
ومعنى نهج له خطّ له طريق السير وأرشده إليه،
وبتعبير آخر: أوضح لي أقرب السبل وأسهلها،
وفيها لي خير وصلاح في الدنيا والآخرة (أكْمِلْ
لي بِها) أي: وأكملها إلى ما
فيه رضاً لك، وطاعة بتلك السبيل (خَيْرَ
الدُّنْيا وَالآخِرَةِ) وفيها
لي خير وصلاح في الدنيا والآخرة بسبب سلوكي
لها.
(اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ؛ كَأفْضَلِ ما صَلَّيْتَ عَلى أحَدٍ
مِنْ خَلْقِكَ قَبْلَهُ) وصلاته سبحانه
ترفيعة للدرجات (وَأنْتَ مُصَلٍّ
عَلى أحَدٍ بَعْدَهُ) حتى يكون النبي(صلى
الله عليه وآله وسلم) وآله في أرقى الدرجات (وَآتِنا
في الدُّنيا حَسَنَةً)
أي أعطنا، والمراد بالحسنة جنسها، فلا يقال
كيف جيء بها نكرة تدل على الوحدة، ومن
حسناتها الصحة والأمان (وَفِي
الآخِرَةِ حَسَنَةً) وأحسن
حسناتها الزحزحة عن عذاب الحريق، و أنجح السبل
إلى هذه السعادة وأقربها كف الأذى عن عباد
الله وعياله (وَقِني بِرَحْمَتِكَ
عَذابَ النّارِ) أي احفظني في
الآخرة.
وكان من دعائه (عليه السلام) في الاستعاذة من
المكاره وسيئ الأخلاق ومذام الأفعال:
اللّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ هَيَجانِ
الحِرْصِ، وَسَوْرَةِ الغَضَبِ، وَغَلَبَةِ
الحَسَدِ، وَضَعْفِ الصَّبْرِ، وَقِلَّةِ
القَناعَةِ وَشَكاسَةِ الخُلُق، وَإلْحاحِ
الشَّهْوَةِ، وَمَلَكَةِ الحَمِيَّةِ،
وَمُتابَعَةِ الهَوى، وَمُخالَفَةِ الْهُدى،
وَسِنَةِ الغَفْلَةِ وَتَعاطِي الكُلْفَةِ،
وَإيثارِ الباطِلِ عَلَى الحَقِّ، وَالإصْرارِ
عَلَى المأثمِ، وَاسْتِصْغارِ المَعْصِيَةِ،
وَاسْتِكْبارِ الطّاعَةِ، وَمُباهاتِ
المُكْثِرينَ، وَالإزْراءِ بِالمُقلِّينَ،
وَسُوءِ الوِلايَةِ لِمَنْ تَحْتَ أيْدينا،
وَتَرْكِ الشُّكْرِ لِمَنِ اصْطَنَعَ
العارِفَةَ عِنْدَنا، أوْ أنْ نَعْضُدَ
ظالِماً، أو نَخْذُلَ مَلْهُوفاً، أوْ نَرُومَ
ما ليْسَ لَنا بِحَقٍّ، أوْ نَقُوُلَ في
العِلْمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَنَعُوذُ بِكَ أنْ
نَنْطَوِيَ عَلَى غِشِّ أحَدٍ، وَأنْ نُعْجَبَ
بأعْمالِنا، وَنَمُدَّ في آمالِنا، وَنَعُوذُ
بِكَ مِنْ سُوءِ السَّريرَةِ، وَاحْتِقارِ
الصَغيرَةِ، وَأنْ يَسْتَحْوِذَ عَلَينا
الشَّيْطانُ، أوْ يَنْكُبَنَا الزَّمانُ أوْ
يَتَهَضَّمَنَا السُلْطانُ، وَنَعُوذُ بِكَ
مِنْ تَناوُلِ الإسْرافِ وَمِنْ فِقْدانِ
الكَفافِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَماتَةِ
الأعْداءِ، وَمِنَ الفَقْرِ إلى الأكْفاءِ،
وَمِنْ مَعيشَةٍ في شِدَّةٍ، وَميتَةٍ عَلَى
غَيْرِ عُدَّةٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ
الحَسْرَةِ العُظْمى وَالمُصيبَةِ الكُبْرى،
وَأشْقَى الشَقاءِ، وَسُوءِ المَآبِ وَحِرمانِ
الثَّوابِ، وَحُلولِ العِقابِ، اللّهُمَّ
صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ، وَأعِذْني مِنْ كُلِّ
ذلِكَ بِرَحْمَتِكَ وَجَميعَ المُؤْمِنينَ
وَالمُؤمِناتِ يا أرْحَمَ الرّاحمينَ
[58]
.
(هَيَجانِ): تحرك وانبعاث بقوّة. (الحِرْصِ):
الجشع والبخل وحرص على الشيء اشتد شرهه إليه
وعظم تمسكه وبخله به. (وَسَوْرَةِ
الغَضَبِ): شدته وسورة الخمر حدتها
وسورة السلطان سطوته. (وَشَكاسَةِ
الخُلُق): صعوبة الخلق وسوءه. (وَإلْحاحِ):
المواظبة على طلب الشيء والالحاف. (الحَمِيَّةِ):
الأنفة والإباء. (وَسِنَةِ): ما يتقدم
النوم من الفتور. (الغَفْلَةِ): غيبة
الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره. (وَتَعاطِي):
الشيء إذا أقدم عليه وفعله. (الكُلْفَةِ):
المشقه. (وَإيثارِ): ضد الاستئثار
وهو تقديم غيره على النفس فيما يكون بحاجة
إليه.
(وَالإصْرارِ عَلَى): الشيء
لزومه والمداومة عليه. (المأثمِ):
مصدر بمعنى الإثم وهو الذنب والمعصية. (وَمُباهاتِ):
المباهات: المفاخرة وبهى بهاء معناه حسن
وظرف. (المُكْثِرينَ): أصحاب المال
الكثير. (وَالإزْراءِ): الاحتقار. (بِالمُقلِّينَ):
قليلي المال، الفقراء. (العارِفَةَ):
أصحاب المعروف. (نَعْضُدَ): نعاون
ونناصر. (نَخْذُلَ): نترك نصرته
وإعانته. (مَلْهُوفاً): الملهوف:
المكروب والمضطر، والمتحسر. (نَرُومَ):
نريد ونطلب. (نُعْجَبَ): نزهو ونكبر
يرى نفسه فوق ما هي... (يَسْتَحْوِذَ):
يضم ويجمع. (يَنْكُبَنَا الزَّمانُ):
نكبة الزمان: مصيبته.
(يَتَهَضَّمَنَا): هضمه واهتضمه:
ظلمه. (الإسْرافِ): تجاوز الحد وأفرط
فيه، بذره... (الكَفافِ): من الرزق ما
كفى عن الناس وأغنى. (شَماتَةِ): فرح
ببلية غيره. (الأكْفاءِ): جمع الكفو
وهو النظير والمثل. (شِدَّةٍ): عسر
ومشقة. (عُدَّةٍ): العدَّه:
الاستعداد، وما يعد لحوادث الدهر. (الحَسْرَةِ):
التلهف والتاسف. (المَآبِ): المرجع
والمصير.
(اللّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ
هَيَجانِ الحِرْصِ) أي حركته واستعماله،
والحرص: هو تطلب الشيء المرغوب بكل الوسائل
المشروعة وغير المشروعة، قال النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم): أغنى الناس من لم يكن للحرص
أسيرا
[59]
(وَسَوْرَةِ الغَضَبِ) أي شدته،
والغضب لله تعالى والحق واجب، والمحرم منه
ما قاد صاحبه إلى حرام، وفي وصايا الإمام
الكاظم (عليه السلام): «يا هشام الغضب
مفتاح الشر»
[60]
، وعلاجه أن يتذكر الغاضب غضب الله سبحانه
على من عصاه، قال رجل للنبي (صلى الله عليه
وآله وسلم): يا رسول الله علمني قال: اذهب ولا
تغضب، فقال الرجل: قد اكتفيت بذاك، فمضى إلى
أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً
ولبسوا السلاح، فلما رأى ذلك لبس سلاحه، ثم
قام معهم ثم ذكر قول رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم): «لا تغضب» فرمى السلاح، ثم جاء
يمشي إلى القوم الذين هم عدو قومه، فقال: يا
هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس
فيه أثر فعلي في مالي أنا أوفيكموه، فقال
القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم،
قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب
[61]
(وَغَلَبَةِ الحَسَدِ) بأن يغلب
الحسد على الإنسان حتى يفعل المحرم حسداً،
تعريف الحاسد: هو الذى يتمنى زوال النعمة عن
أهلها، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن
المؤمن يغبط
[62]
ولا يحسد والمنافق
يحسد ولا يغبط»
[63]
. (وَضَعْفِ الصَّبْرِ) حتى لا
يصبر الإنسان في الطاعة أو عند المصيبة، عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الصبر من
الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب
الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب
الإيمان»
[64]
.
(وَقِلَّةِ القَناعَةِ) حتى
يمزجها الإنسان بالحرص، عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: «من رضي من الله باليسير من
المعاش رضي الله منه باليسير من العمل»
[65]
(وَشَكاسَةِ الخُلُق) أي صعوبته
وسيئته، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «خياركم
أحاسنكم أخلاقاً الذين يألفون ويؤلفون»
[66]
(وَإلْحاحِ الشَّهْوَةِ) إلى
الطعام وما أشبه (وَمَلَكَةِ
الحَمِيَّةِ) أي كون الحمية والتعصب في
غير الحق، إلى ملكة راسخة (وَمُتابَعَةِ
الهَوى) أي ميل النفس (وَمُخالَفَةِ
الْهُدى) بأن أخالف طريق الهداية (وَسِنَةِ
الغَفْلَةِ) أي أول الغفلة، فإن
السِنَة: أول النوم ، وكثيراً ما يفتر
الإنسان ويضعف عن طاعة الله تعالى غفلة عن
حسابه وعقابه (وَتَعاطِي
الكُلْفَةِ) بأن أعمل عمل المتكلف، فإنه
سبحانه لا يحب المتكلفين لأنه تصنّع وما أشبه
(وَإيثارِ الباطِلِ عَلَى
الحَقِّ) بأن أُقدم الباطل على الحق (وَالإصْرارِ
عَلَى المأثمِ) أي على الإثم
والعصيان، لا يزدجر من الله سبحانه بزاجر،
ولا يتعظ منه بواعظ (وَاسْتِصْغارِ
المَعْصِيَةِ) لعدِّها صغيرة، فإن من
استصغر المعصية تمادى فيها، قال أمير المؤمنين
(عليه السلام): «أَشَدُّ اَلذُّنُوبِ مَا
اِسْتَخَفَّ بِه صَاحِبُهُ»
[67]
. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «اتقوا
المحقرات من الذنوب فإنها لاتغفر، قلت: وما
المحقرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى
لي لولم يكن لي غير ذلك»
[68]
.
(وَاسْتِكْبارِ الطّاعَةِ) بأن
أعدّ الطاعة كبيرة، فإن ذلك يوجب أن ينظر
الإنسان إلى نفسه نظر الإعجاب والرضا، وذلك من
الصفات الذميمة، قال أمير المؤمنين (عليه
السلام): سَيِّئَةٌ تَسوُؤُكَ خَيْرٌ مِنْ
حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ
[69]
. (وَمُباهاتِ المُكْثِرينَ) أي
المناظرة مع من يكثر في الطاعة، فإن التفاخر
خلاف وظيفة الإنسان الذي يجب أن يرى عمله
ضئيلاً مهما كان كثيراً (وَالإزْراءِ)
أي الاحتقار (بِالمُقلِّينَ) الذين
يعملون قليلاً، فإن ذلك يوجب رضا الإنسان عن
نفسه (وَسُوءِ الوِلايَةِ لِمَنْ تَحْتَ
أيْدينا) بأن ندير الأهل والخدم ومن أشبه
إدارة سيئة (وَتَرْكِ الشُّكْرِ
لِمَنِ اصْطَنَعَ العارِفَةَ)
أي المعروف، عن الإمام زين العابدين (عليه
السلام): «أشكركم لله أشكركم
للناس»
[70]
. وقال الإمام الصّادق(عليه السلام): «من
أنعم الله عليه نعمة فعرفها بقلبه، وعلم أنَّ
المنعم عليه الله تعالى، فقد أدّى شكرها وإن
لم يحرِّك لسانه، ومن علم أنَّ المعاقب على
الذنوب الله فقد استغفر وإن لم يحرّك به لسانه»،
وقرأ: ﴿ وَإِن
تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن
يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
[71]
. (عِنْدَنا) بأن لا نشكره (أوْ أنْ
نَعْضُدَ ظالِماً) أي نكون عضداً وعوناً
له، قال سبحانه: ﴿
وَلَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ
فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾
[72]
(أو نَخْذُلَ مَلْهُوفاً)
كما تحرم إعانة الظالم تجب كفاية إغاثة
الملهوف والمضطر، وقد نفى رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) الإيمان عمن بات متخماً
وجاره طاو إلى جنبه، بأن لا نضره (أوْ
نَرُومَ) أي نقصد (ما ليْسَ
لَنا بِحَقٍّ) بأن نريد الشيء الذي لا حق
لنا فيه، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «هَلَكَ
اِمْرُؤٌ لَمْ يَعْرِفْ
قَدْرَهُ»
[73]
(أوْ نَقُوُلَ في) باب (العِلْمِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ) بأن نقول
قولاً صادراً عن جهل، من يعترف بخطئه فهو صادق
مع نفسه ومع الناس، ومن هنا قيل: الاعتراف
بالخطأ فضيلة وشجاعة. ولا أحد يجرأ على
القول بغير علم إلا منافق أو جاهل بجهله.
(وَنَعُوذُ بِكَ أنْ نَنْطَوِيَ) أي
يكون في قلبنا (عَلَى غِشِّ
أحَدٍ) أي خداعه، عن رسول اللَّه(صلى الله
عليه وآله وسلم): «مَن غَشَّنا فليس
منّا»: الغِشُّ: ضدُّ النُّصْح؛ مِن
الغَشَش، وهو المَشْرَب الكَدِر. وقوله: «ليس
منَّا» أي ليس من أخْلاقِنا ولا على سُنّتِنا
[74]
. (وَأنْ نُعْجِبَ
بأعْمالِنا) بأن نراها حسنة، فإن الإنسان
يلزم أن يكون خائفاً من عمله لعله لم يقبل، لا
أن نفرح ونعجب به (وَنَمُدَّ في
آمالِنا) بأن يكون لنا أمل طويل في
بقاء الدنيا، فإن ذلك يوجب ترك العمل للآخرة،
والأمل نوعان: مذموم إذا بعث إلى العمل للدنيا
فقط، ونسي ما وراءها، وممدوح إذا بعث إلى
العمل للدنيا والآخره معاً. وفي شتى
الأحوال لا حياة بلا عمل، ولا عمل بلا أمل.
وفي الحديث الشريف:: «الأَمَلُ
رَحْمَةٌ لأُمَّتى وَلَولاَ الأَمَلُ ما
(أرضعَتْ) والِدةٌ وَلَدَها وَلاغَرَسَ غارِسٌ
شَجَر»
[75]
..
(وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ السَّريرَةِ)
أي الباطن، قال سبحانه: ﴿
يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
﴾
[76]
(وَاحْتِقارِ الصَغيرَةِ) أي
استسهال أمر المعصية الصغيرة، فإن ذلك يوجب
الإصرار عليها (وَأنْ يَسْتَحْوِذَ
عَلَينا الشَّيْطانُ) أي يستولي
علينا حتى لا نعمل كما أمر الله سبحانه (أوْ
يَنْكُبَنَا) أي يصيبنا (الزَّمانُ)
بمصائبه ونكباته (أوْ
يَتَهَضَّمَنَا) أي يظلمنا (السُلْطانُ)
المراد به الأعم منه ومن أعوانه.
(وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ تَناوُلِ
الإسْرافِ) بأن نعمل بالإسراف، وهو
الزيادة في الأمور من الحد الوسط، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا
أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ
يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً
﴾
[77]
(وَمِنْ فِقْدانِ الكَفافِ)
بأن نفقد المقدار الذي يكفينا في معايشنا حتى
نحتاج إلى أحد، عن رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم)، قال: «اللهم ارزق محمداً وآل
محمدا (عليهم السلام) ومن أحبهم العفاف
والكفاف»
[78]
.
(وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَماتَةِ الأعْداءِ)
بأن نبتلي ببلاء يوجب أن يفرح الأعداء بذلك
ويتكلموا بما يظهر فرحهم (وَمِنَ
الفَقْرِ) والاحتياج (إلى
الأكْفاءِ) جمع كفؤ بمعنى: المثل، بأن
نحتاج إلى أمثالنا (وَمِنْ مَعيشَةٍ
في شِدَّةٍ) بأن يشتد علينا أمر
الرزق (وَميتَةٍ عَلَى
غَيْرِ عُدَّةٍ) بأن نموت قبل أن
نأخذ عدتنا للموت، وهو العمل الصالح.
(وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ الحَسْرَةِ العُظْمى)
وهي حسرة يوم القيامة التي لا تدارك لها (وَالمُصيبَةِ
الكُبْرى) أن نكون من أهل النار (وَأشْقَى
الشَقاءِ) أي أسوأ أقسام الشقاء، وهو
الحرمان عن الجنة (وَسُوءِ المَآبِ)
أي المرجع، بأن يكون ذهابنا إلى الآخرة ذهاباً
سيئاً (وَحِرمانِ الثَّوابِ)
بأن نحرم عن الثواب في الآخرة لعدم العمل
الصالح لنا في الدنيا (وَحُلولِ
العِقابِ) الأخروي بنا.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ.
وَأعِذْني) أي أجرني واحفظني (مِنْ
كُلِّ ذلِكَ) الذي ذكرته من
أقسام السوء للدنيا والآخرة (بِرَحْمَتِكَ)
وفضلك (وَ) أعذ (جَميعَ
المُؤْمِنينَ وَالمُؤمِناتِ) من كل
أقسام الشقاء (يا أرْحَمَ
الرّاحمينَ).
[1]
سورة الجُمعة ، الآية: 2 .
[2]
سورة آل عمران، الآية: 164.
[3]
سورة البقرة ، الآية: 151 .
[4]
ففي جملة: ﴿
وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ
تَعْلَمُونَ ﴾، إشارةً إلى أنّ
الوصول إلى هذا العلم، لا يمكن الاّ بالوَحي.
[5]
سورة البقره ، الآية: 129 .
[6]
سورة الشمس ، الآيتان: 9 - 10 .
[7]
سورة الأعلى ، الآيات: 14 و 15 .
[8]
سورة لقمان ، الآية: 12.
[9]
كنز العمّال: ج 3، ص 16، ح 52175 .
[10]
مستدرك الوسائل: ج 2، ص 283 الطبعة
القديمة.
[11]
الأخلاق في القرآن: ج1 ، ص10 - 15 ، مع
التصرف .
[12]
الدعاء العشرون .
[13]
سورة البقرة ، الآية: 82 .
[14]
سورة الإنسان ، الآية:9 .
[15]
سورة النور ، الآية: 37 .
[16]
سورة النبأ، الآية: 40 .
[17]
سورة الإسراء ، الآية: 36 .
[18]
في ظلال الصحيفة السجادية: موضع الشرح
.
[19]
سورة الذاريات، الآية: 50 .
[20]
سورة الزمر، الآية: 72.
[21]
سورة النجم ، الآية: 32 .
[22]
سورة البقرة ، الآية: 264 .
[23]
سورة الرعد ، الآية: 17 .
[24]
سورة المائدة ، الآية: 32 .
[25]
بحار الأنوار: ج75 ، ص192.
[26]
سورة فصلت ، الآية: 34 .
[27]
في ظلال الصحيفة السجادية: موضع الشرح .
[28]
سورة آل عمران ، الآية: 54.
[29]
البحار: ج2 ، ص19.
[30]
سورة الإسراء ، الآية:70 .
[31]
سورة الأنفال ، الآية: 46 .
[32]
سورة البقرة ، الآية: 30 .
[33]
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: ج13 ،
ص328 .
[34]
سورة الحجر ، الآية: 6 .
[35]
في ظلال الصحيفة السجادية: موضع الشرح .
[36]
شرح نهج البلاغة: ابن ابي الحديد: ج18
، ص175 .
[37]
عوالي اللآلي: ج1 ، ص282 .
[38]
مستدرك سفينة البحار: ج6 ، ص446 .
[39]
سورة الأحزاب ، الآية: 41 .
[40]
سورة آل عمران ، الآية: 191 .
[41]
كنز العمال: 5705 .
[42]
في ظلال نهج البلاغة: ج3 ، ص166 .
[43]
سورة الفرقان ، الآية: 72 .
[44]
سورة الحجرات ، الآية: 17 .
[45]
سورة ص ، الآية: 6 .
[46]
سورة العلق ، الآيتان: 6 - 7 .
[47]
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: ج31 ،
ص344 .
[48]
سورة النحل ، الآية: 30 .
[49]
سورة الأعراف ، الآية: 157 .
[50]
سورة البقرة ، الآية: 185 .
[51]
سورة الفرقان ، الآية: 67 .
[52]
سورة النبأ، الآية: 21 .
[53]
سورة آل عمران، الآيتان: 14 - 15 .
[54]
سورة القصص ، الآية: 77 .
[55]
سورة الإسراء ، الآية: 27 .
[56]
سورة الطلاق ، الآية: 3 .
[57]
الكليني في الكافي؛ ج1 ، ص17 .
[58]
الدعاء الثامن من الصحيفة السجاديَّة .
[59]
بحار الأنوار: ج70 ، ص160 .
[60]
مستدرك سفينة البحار: ج7 ، ص598 .
[61]
الاصول من الكافي: ج2 ، ص303 .
[62]
أي يطلب من الله
تعالى مثل نعمة غيره.
[63]
الاصول من الكافي: ج2 ، ص307 .
[64]
الاصول من الكافي: ج2 ، ص88 .
[65]
الاصول من الكافي: ج2 ، ص138 .
[66]
الاصول من الكافي: ج2 ، ص46 .
[67]
بحار الأنوار: ج70 ، ص364 .
[68]
الاصول من الكافي: ج2 ، ص288 .
[69]
نهج البلاغة: ج4 ، ص13 .
[70]
الاصول من الكافي: ج2 ، ص99 .
[71]
مستدرك سفينة البحار: ج6 ، ص 28 .
[72]
سورة هود ، الآية: 113 .
[73]
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: ج13 ، ص318 .
[74]
غريب الحديث في بحار الانوار: ج3 ، حرف الغين
.
[75]
بحارالانوار: ج74 ، ص173 .
[76]
سورة الشعراء ، الآيتان: 88 - 89 .
[77]
سورة الفرقان ، الآية: 67 .
[78]
مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: ج 11، ص:
378 .