الكتاب |
القرآن على ضوء الصحيفة السجادية |
تأليف |
الشيخ فادي الفيتروني |
إعداد ونشر |
جمعية القرآن الكريم |
الطبعة |
الأولى: 1435هـ 2014م - لبنان - بيروت |
موقع جمعية القرآن الكريم |
www.qurankarim.org |
بريد جمعية
القرآن
الكريم |
info@qurankarim.org |
يقول تبارك وتعالى: ﴿
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ
اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ
إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا
جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا
اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ
وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ ﴾
[1]
.
تبدأ هذه الآية ببيان مراحل الحياة البشريّة
وكيفيّة ظهور الدّين لإصلاح المجتمع بواسطة
الأنبياء وذلك على مراحل:
المرحلة الأُولى: مرحلة حياة الإنسان
الابتدائيّة حيث لم يكن الإنسان قد ألف الحياة
الاجتماعية، ولم تبرز في حياته التناقضات
والاختلافات، وكان يعبد الله تعالى استجابةً
لنداء الفطرة ويؤدّي له فرائضه البسيطة، وهذه
المرحلة يحتمل أن تكون في الفترة الفاصلة بين
آدم ونوح (عليهما السلام).
المرحلة الثانية: وفيها اتّخذت حياة الإنسان
شكلاً اجتماعيّاً، ولابدّ أن يحدث ذلك لأنّه
مفطور على التكامل، وهذا لا يتحقّق إلاّ في
الحياة الاجتماعيّة.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة التناقضات
والاصطدامات الحتميّة بين أفراد المجتمع
البشري بعد استحكام وظهور الحياة الاجتماعيّة،
وهذه الاختلافات سواء كانت من حيث الإيمان
والعقيدة أم من حيث العمل وتعيين حقوق الأفراد
والجماعات، تحتّم وجود قوانين لرعاية وحل هذه
الاختلافات، ومن هنا نشأت الحاجة الماسّة إلى
تعاليم الأنبياء وهدايتهم.
المرحلة الرابعة: وتتميّز ببعث الله تعالى
الأنبياء لإنقاذ الناس، حيث تقول الآية: ﴿
فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ ﴾ .
فمع الالتفات إلى تبشير الأنبياء وإنذارهم
يتوجّه الإنسان إلى المبدأ والمعاد ويشعر أنّ
وراءه جزاءً على أعماله فيحس أنّ مصيره مرتبط
مباشرةً بتعاليم الأنبياء وما ورد في الكتب
السّماويّة من الأحكام والقوانين الإلهيّة لحل
التناقضات والنّزاعات المختلفة بين أفراد
البشر، لذلك تقول الآية: ﴿
وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُواْ فِيهِ ﴾ .
المرحلة الخامسة: هي التمسّك بتعاليم الأنبياء
وما ورد في كتبهم السماويّة لإطفاء نار
الخلافات والنزاعات المتنوعة (الاختلافات
الفكريّة والعقائديّة والاجتماعيّة
والأخلاقيّة).
المرحلة السادسة: واستمر الوضع على هذا الحال
حتّى نفذت فيهم الوساوس الشيطانيّة وتحرّكت في
أنفسهم الأهواء النفسانيّة، فأخذت طائفة منهم
بتفسير تعليمات الأنبياء والكتب السماويّة
بشكل خاطىء وتطبيقها على مرادهم، وبذلك رفعوا
علم الاختلاف مرّة ثانية. ولكن هذا الاختلاف
يختلف عن الاختلاف السابق، لأنّ الأوّل كان
ناشئاً عن الجهل وعدم الاطّلاع حيث زال وانتهى
ببعث الأنبياء ونزول الكتب السماويّة، في حين
أنّ منبع الاختلافات الثانية هو العناد
والانحراف عن الحقّ مع سبق الإصرار والعلم،
وبكلمة: (البغي)، وبهذا تقول الآية بعد ذلك: ﴿ وَمَا
اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ
مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ
بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ .
المرحلة السابعة: الآية الكريمة بعد ذلك
تُقسّم الناس إلى قسمين: القسم الأوّل
المؤمنون الّذين ينتهجون طريق الحقّ والهداية
ويتغلّبون على كلّ الاختلافات بالاستنارة
بالكتب السماويّة وتعليم الأنبياء، فتقول
الآية: ﴿
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا
اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ
﴾
في حين أنّ الفاسقين والمعاندين ماكثون في
الضلالة والاختلاف.
وختام الآية تقول: ﴿
وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ ﴾ وهذه الفقرة إشارة إلى حقيقة ارتباط مشيئة
الله تعالى بأعمال الأفراد، فجميع الأفراد
الرّاغبون في الوصول إلى الحقيقة يهديهم الله
تعالى إلى صراط مستقيم ويزيد في وعيهم
وهدايتهم وتوفيقهم في الخلاص من الاختلافات
والمشاجرات الدنيويّة مع الكفّار وأهل الدنيا
ويرزقهم السكينة والاطمئنان، ويبيّن لهم طريق
النجاة والاستقامة.
يستفاد من الآية أعلاه ضمنياً أنّ الدين
والمجتمع البشري حقيقتان لا تقبلان الانفصال،
فلا يمكن لمجتمع أن يحيي حياة سليمة دون دين
وإيمان بالله وبالآخرة، وليس بمقدور القوانين
الأرضيّة أن تحلَّ الاختلافات والتناقضات
الاجتماعيّة لعدم ارتباطها بدائرة إيمان الفرد
وافتقارها التأثير على أعماق وجود الإنسان،
فلا يمكنها حل الاختلافات والتناقضات في حياه
البشر بشكل كامل، وهذه الحقيقة أثبتتها بوضوح
أحداث عالمنا المعاصر، فالعالم المسمّى
بالمتطوّر قد ارتكب من الجرائم البشعة ما لم
نرَ له نظيراً حتّى في المجتمعات المتخلّفة
[2]
.
ومن هنا يتّضح لنا مما نستظهره من القرآن
الكريم ومنطق الإسلام في عدم فصل الدّين عن
السّياسة وأنه معني بتدبير المجتمع الإسلامي
وشؤون العلاقات الزوجية والعائلية والجيران
وكثير من الأمور التي تتعلق بالمجتمع، والإمام
السجاد (عليه السلام) طرح من خلال أدعيته
الكثير من الأمور الاجتماعية نذكر منها:
وكان من دعائه (عليه السلام) لأبويه (عليهما
السلام):
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ
وَرَسُولِكَ، وَأهْلِ بَيْتِهِ الّطاهِريِنَ،
وَاخْصُصْهُمْ بِأفْضَلِ صَلَواتِكَ
وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكاتِكَ وَسَلامِكَ،
وَاخْصُصِ اللهُمَّ والِدَيَّ بِالكَرامَةِ
لَدَيْكَ، وَالصَّلاةِ مِنْكَ يا أرْحَمَ
الرّاحِمينَ، الّلهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ: وَألْهِمْنِي عِلْمَ ما يَجِبُ
لَهُما عَلَيَّ إلْهاماً وَاجْمَعْ لي عِلْمَ
ذلِكَ كُلِّهِ تَماماً، ثُمَّ اسْتَعْمِلْنِي
بِما تُلْهِمُنِي مِنْهُ وَوَفِّقْنِي
لِلّنُفُوذِ فِيِما تُبَصِّرُني مِنْ عِلْمِهِ
حَتّى لا يَفُوتَنِي اسْتِعْمالُ شَيْءٍ
عَلَّمْتَنيِهِ، وَلا تَثْقُلَ أرْكانِي عَن
الحُفُوفِ فِيما ألْهَمْتَنِيهِ، الّلهُمَّ
صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَما
شَرَّفْتَنا بِهِ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، كَما أوْجَبْتَ لَنَا الحَقَّ عَلى
الخَلْقِ بْسَبَبِهِ. اللّهُمَّ اجْعَلْني
أهابَهُما هَيْبَةَ السُّلْطانِ العَسُوفِ
وَأبَرُهُما بِرَّ الأمِ الرَّؤُوفِ،
وَاجْعَلْ طاعَتِي لِوالِدَيَّ وَبِرِّي
بِهِما أقَرَّ لِعَيْني مِنْ رَقْدَةِ
الوَسْنانِ، وَأثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ
شَرْبَةِ الّظَمْآنِ حَتّى أوْثِرَ عَلى
هَوايَ هَواهُما، وَأُقّدِّمَ عَلى رِضايَ
رِضاهُما، وَأسْتَكْثِرَ بِرَّهُما بِي وَإنْ
قَلَّ، وَأسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِما وَإنْ
كَثُرَ، اللّهُمَّ خَفِّضْ لَهُما صَوْتِي،
وَأطِبْ لَهُما عَرِيكَتي، وَاعْطِفْ
عَلَيْهِما قَلْبِي، وَصَيِّرْنِي بِهِما
رَفِيقاً، وَعَلَيْهِما شَفِيقاً، اللّهُمَّ
اشْكُرْ لَهُما تَرْبِيَتِي، وَأثِبْهُما عَلى
تَكْرِمَتِي، وَاحْفَظْ لَهُما ما حَفِظاهُ
مِنِّي في صِغَرِي، اللّهُمَّ وَما مَسَّهُما
مِنّي مِنْ أذىً، أوْ خَلَصَ إلَيْهِما عَنِّي
مِنْ مَكْرُوهٍ، أوْ ضاعَ قِبَلِي لَهُما مِنْ
حَقٍّ فَاجْعَلْهُ حِطَّةً لِذُنُوبهِما،
وَعُلُوّاً في دَرَجاتِهِما، وَزِيادَةً في
حَسَناتِهِما، يا مُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ
بِأضْعافِها مِنَ الحَسَناتِ، اللّهُمَّ وَما
تَعَدَّيا عَلَيَّ فيِهِ مِنْ قَوْلٍ، أوْ
أسْرَفا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ، أوْ
ضَيَّعاهُ لي مِنْ حَقٍّ، أوْ قَصَّرا بِي
عَنْهُ مِنْ واجِبٍ فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَهُما
وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِما، وَرَغِبْتُ إليك في
وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُما، فَإِنِّي لا
أتَّهِمُهُما عَلى نَفْسِي، وَلا
أسْتَبْطِئُهُما في بِرِّي، وَلا أكْرَهُ ما
تَوَلَّياهُ مِنْ أمْرِي يا رَبِّ، فَهُما
أوْجَبُ حَقَّاً عَلَيَّ، وَأقْدَمُ إحْساناً
إلَيَّ، وَأعْظَمُ مِنَّةً لَدَيَّ مِنْ أنْ
أُقاصَّهُما بِعَدْلٍ، أوْ أُجازِيَهُما عَلى
مِثْلٍ، أيْنَ إذاً يا إلهي طُولُ شُغْلِهِما
بِتَرْبِيَتي؟! وَأيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِما في
حَراسَتِي؟! وَأيْنَ إقْتارُهُما على
أنْفُسِهِما لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ؟!،
هَيْهاتَ ما يَسْتَوفِيانِ مِنِّي حَقَّهُمَا،
وَلا أُدْرِكُ ما يَجِبُ عَلَيَّ لَهُما، وَلا
أنَا بِقَاضٍ وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا،
فَصَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ، وَأعِنِّي يَا
خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ، َوَوفِّقْني يا
أهْدى مَنْ رُغِبَ إلَيْه، وَلا تَجْعَلْنِي
في أهْل العُقُوقِ لِلآباءِ وَالأُمَّهَاتِ
يَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَاخْصُصْ
أبَوَيَّ بِأفْضَلِ مَا خَصَصْتَ بِهِ آباء
عِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ وَأُمَّهَاتِهِمْ،
يَا أرْحَمَ الرّاحِمِينَ، اللّهُمَّ لا
تُنْسِنِي ذِكْرَهُمَا فِي أدْبَارِ
صَلَواتِي، وَفي آناً مِنْ آناءِ لَيْلي،
وَفي كُلِّ ساعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ نَهَارِي،
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَاغْفِرْ لي بِدُعَائي لَهُما، وَاغْفِرْ
لَهُما بِبِرِّهِما بِي مَغْفِرَةً حَتْماً،
وَارْضَ عَنْهُما بِشَفاعَتِي لَهُما رِضىً
عَزْماً وَبَلِّغْهُما بِالكَرامَةِ مَواطِنَ
السَّلامَةِ، اللّهُمَّ وَإنْ سَبَقَتْ
مَغْفِرَتُكَ لَهُما فَشَفِّعْهُما فِيَّ
وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لي فَشَفِّعْنِي
فِيهِما حَتّى نَجْتَمِعَ، بِرَأفَتِكَ في
دارِ كَرامَتِكَ وَمَحَلِّ مَغْفِرَتِكَ
وَرَحْمَتِكَ إنَّكَ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ،
وَالمَنِّ القَدِيمِ، وَأنْتَ أرْحَمُ
الرّاحِمِينَ
[3]
.
(وَألْهِمْنِي): الإلهام: أن يلقي الله في
النفس أمراً. (لِلّنُفُوذِ): العمل النافذ
الموصل إلى القصد. (لا يَفُوتَنِي): لا يذهب
عني. (الحُفُوفِ): الإحاطة
والاعتناء.(العَسُوفِ): الظالم الجبار.
(أقَرَّ): يقال: قرَّت عينه، إذا فرح.
(الوَسْنانِ): الشديد النعاس.(عَرِيكَتي):
العريكة؛ الطبع، أو الخلُق.(حِطَّةً): سبباً
لمحو.(تَبِعَتِهِ): العقاب التابع لذلك
الإثم.(أُقاصَّهُما): أي أطلب لهما
القصاص.(إقْتارُهُما): من الإقتار: التضيق في
النفقة. (وَلا أنَا بِقَاضٍ): لا استطيع
القضاء.(العُقُوقِ): يقال ولد عاق: أي عاص
لوالديه تارك الشفقة عليهم والإحسان
إليهم.(فِي أدْبَارِ صَلَواتِي): في أواخر
صلواتي.(آناً مِنْ آناءِ لَيْلي): وقت من
أوقات ليلي.(عَزْماً): بكل قوّة وعزيمة.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ
وَرَسُولِكَ) تقديم العبد لعله لمقابلة قول
اليهود والنصارى في أنبيائهم أنهم أولاد الله
وشركائه (وَأهْلِ بَيْتِهِ الّطاهِريِنَ) من
الآثام والأخطاء (وَاخْصُصْهُمْ
بِأفْضَلِ صَلَواتِكَ وَرَحْمَتِكَ
وَبَرَكاتِكَ وَسَلامِكَ) الصلوات: العطف، والرحمة: إنزال
الخير، والبركة: الاستمرار والدوام في الخير،
والسلام: السلامة من البلايا والآفات
(وَاخْصُصِ اللهُمَّ والِدَيَّ) الإمام الحسين
(عليه السلام) والسيدة العظيمة شاه زنان بنت
يزدجرد الملك، أم الإمام (عليه السلام)
(بِالكَرامَةِ لَدَيْكَ) بأن تكرمهما
(وَالصَّلاةِ مِنْكَ) بأن تلطف عليهما (يا
أرْحَمَ الرّاحِمينَ).
(الّلهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ:
وَألْهِمْنِي) الإلهام الإلقاء في القلب
(عِلْمَ ما يَجِبُ لَهُما عَلَيَّ إلْهاماً)
حتى أعرف تكليفي بالنسبة إلى أبويَّ من
الاحترام والإكرام وما أشبه. ملاحظة: «العلم
بالحلال والحرام لا ينبع من داخل الإنسان
وأوهامه، وإنما يوخذ من الوحي أو ما يمضيه
الوحي ويقرّه، ولذا طلب الإمام (عليه
السلام)من الله سبحانه أن يرشده ويهديه إلى
ما يجب عليه لوالديه، ويتلخص هذا الواجب
بطاعتهما في كل شيء إلا في معصية الله حيث لا
طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وبهذا نجد
تفسير قوله تعالى: ﴿
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ
حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
[4]
(وَاجْمَعْ لي عِلْمَ ذلِكَ) الواجب (كُلِّهِ
تَماماً) حتى أعرف كل جزئي من الأمور الواجبة
علي بالنسبة إليهما (ثُمَّ اسْتَعْمِلْنِي)
أي: وفقني للعمل (بِما تُلْهِمُنِي
مِنْهُ)
أي: من ذلك الشيء الواجب علي، فالإمام (عليه
السلام) بعد أن طلب من الله تعالى الهداية إلى
العلم بالواجبات سأله التوفيق إلى العمل بموجب
العلم، لأن الهدف الأساس من كل علم هو التنفيذ
والتطبيق، سئل الإمام جعفر بن محمد (الصادق
(عليهما السلام)) عن قوله تعالى: ﴿
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ
﴾ . فقال: «إن الله تعالى يقول للعبد يوم
القيامة: أكنت عالماً؟ فإن قال: نعم قال له:
أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنت جاهلا قال
له: أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه وذلك الحجة
البالغة»
[5]
. (وَوَفِّقْنِي لِلّنُفُوذِ) أي: العمل
النافذ الواصل إلى المقصود (فِيِما تُبَصِّرُني) وتريني (مِنْ
عِلْمِهِ) أي: علم
الشيء الذي يجب علي (حَتّى لا يَفُوتَنِي
اسْتِعْمالُ شَيْءٍ عَلَّمْتَنيِهِ) بل أتعلم
الكل وأعمل بالكل (وَلا تَثْقُلَ
أرْكانِي)
المراد بالثقل هنا الكسل والفتور وبالاركان
أعضائي وجوارحي (عَن الحُفُوفِ) أي: الإحاطة
والاعتناء والخدمة (فِيما ألْهَمْتَنِيهِ) بأن
لا يثقل الاعتناء والعمل علي أعضائي،
والمعنى: هب لي من لدنك قوة ونشاطاً في طاعة
والدي ومرضاتهما.
(الّلهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَما
شَرَّفْتَنا بِهِ) أي: افعل التشريف بالرسول
كما فعلت التشريف بنا بسببه (صلى الله عليه
وآله وسلم) أي: بميراثنا لعلمه، وعملنا
بسنته، وسيّرنا على طريقته، لا بمجرد
الانتساب إليه، قال سبحانه: ﴿
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ
﴾
[6]
، وقوله تعالى: ﴿
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
﴾
[7]
. وسئل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله
وسلم) عن أحب الناس إلى الله؟ فقال: «أنفعهم
للناس». (وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
كَما أوْجَبْتَ لَنَا الحَقَّ عَلى الخَلْقِ
بْسَبَبِهِ) فإن الله أوجب حق آل الرسول على
الخلق، وذلك بسبب انتسابهم إلى الرسول(صلى
الله عليه وآله وسلم) يشير بهذا إلى قوله
تعالى: ﴿ قُل
لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾
[8]
وما وجبت هذه المودة إلا لأن أهل البيت
(عليهم السلام) امتداد لجدهم الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم) علماً وعملاً وسيرة
وسريرة.
(اللّهُمَّ اجْعَلْني أهابَهُما هَيْبَةَ
السُّلْطانِ العَسُوفِ) أي: أهاب والدي مثل
هيبتي من السلطان الظلوم الجبار، فالإمام
(عليه السلام) يهاب والديه على دنوه منهما
وعلمه بأنهما أرأف به من نفسه. ولا غرابة،
أنها هيبة التعظيم والتقدير، لا هيبة الخوف
من العقاب العسير، هيبة الأبوة التى لايشعر
بها إلا العارفون، وهذا لا ينافي كونهما
توفيا، لأنَّ البر والعقوق يشملان ما بعد
الموت أيضاً كما ورد في الأحاديث. كانت فاطمة
(عليها السلام) بضعة من النبي(صلى الله عليه
وآله وسلم)، وأحب الخلق إلى قلبه (صلى الله
عليه وآله وسلم)، ومع هذا كانت تقول: ما
استطعت أن أكلم أبي من هيبته (وَأبَرُّهُما
بِرَّ الأمِ الرَّؤُوفِ) بولدها (وَاجْعَلْ
طاعَتِي لِوالِدَيَّ وَبِرِّي بِهِما أقَرَّ
لِعَيْني مِنْ رَقْدَةِ الوَسْنانِ) البر:
الإحسان، يقال: قرّ عينه إذا فرح وذلك لأنَّ
الفرحة تقر عينه ولا تتحرك هنا وهناك لتجد
الملجأ كما في الإنسان الخائف، ولا شيء عند
الأبوين أغلى وأثمن من بر الابن بهما، علما
بأنه وفاء لدين سابق... ومع هذا يسعدان به
سعادة الغارس بثمرات غرسه، وبهذه السعادة
نفسها يشعر الابن البار إذا تأكد من سعادة
أبويه به، ورضاهما عنه، والرقدة النوم،
والوسنان الشديد النعاس الذي تهفو نفسه إلى
النوم (وَأثْلَجَ لِصَدْرِي) أي: أكثر إبراداً
(مِنْ شَرْبَةِ الّظَمْآنِ) فإن الظامئ الشديد
العطش إذا شرب الماء البارد ارتاح وثلج صدره
(حَتّى أوْثِرَ) وأُقدم (عَلى
هَوايَ هَواهُما) أي: ميلهما (وَأُقّدِّمَ
عَلى
رِضايَ رِضاهُما) فأترك ما أحب لأجل الإتيان
بما يحبان (وَأسْتَكْثِرَ بِرَّهُما بِي
وَإنْ قَلَّ) أي: اجعله كثيراً في نظري وإن كان في
الواقع قليلاً (وَأسْتَقِلَّ بِرِّي
بِهِما)
أي: اجعله في نظري قليلاً (وَإنْ كَثُرَ) في
الواقع، وذلك حتى استكثر من البرِّ بهما،
«وليس هذا تواضعا، بل إيماناً وعظمة نفس،
وشعوراً حياً بمسؤولية التكليف، وهو أمره
تعالى: ﴿
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾
[9]
وكل شيء قليل في جنب الله والشكر له لمن قرن
شكره بشكره. وهكذا العظيم يستصغر الحسنة منه
وإن كبرت، ويستكبر السيئة وإن صغرت على
العكس تماماً من الحقير، وفي الحديث الشريف:
«المؤمن يرى ذنبه فوقه كالجبل، يخاف أن يقع
عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه
فاطاره»
[10]
.
(اللّهُمَّ خَفِّضْ لَهُما صَوْتِي) حتى لا
أتكلم معهما برفعة الصوت فإنه خلاف الأدب،
وبتعبير آخر: غض الصوت وخفضه من الآداب
الشرعيه والعرفية، بخاصة عند مخاطبة الكبار
وأهل المكانة، قال سبحانه: ﴿
وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ
الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾
[11]
(وَأطِبْ لَهُما كَلَامِي) حتى لا أتكلم معهما
بكلام خشن، قال سبحانه: ﴿
فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا
تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً
كَرِيماً ﴾
[12]
فالكلمة الطيبة بوجه عام كالشجرة الطيبة:
﴿ أَصْلُهَا
ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾
[13]
(وأَلِنْ لَهُما عَرِيكَتي) أي: طبعي حتى
أكون ليناً لطيفاً معهما لافَظًّاً غليظاً
(وَاعْطِفْ عَلَيْهِما قَلْبِي) حتى تكون
عاطفتي إليهما وميلي فيهما (وَصَيِّرْنِي
بِهِما رَفِيقاً) ذا رفق ومداراة
(وَعَلَيْهِما شَفِيقاً) أخاف من وصول الأذى
والمكروه إليهما، والمعنى في كل الجمل التوفيق
لأن أفعل بهما تلك الأمور.
(اللّهُمَّ اشْكُرْ لَهُما
تَرْبِيَتِي) بأن
تتفضل بإعطائهما العوض في مقابل تربيتهما
إياي، وكما جاء في الدعاء: اَللّهُمَّ اغْفِرْ
لي وَلِوالِدَيَّ وَارْحَمْهُما كَما
رَبَّياني صَغيراً، اِجْزِهما بِالإحسانِ
إِحْساناً وَبِالسَّيِّئاتِ غُفْراناً
(وَأثِبْهُما) أي: أعطهما واجزل لهما الأجر
والثواب (عَلى تَكْرِمَتِي) أي: في مقابل
إكرامهما لي وعلى ما لقيا من التعب والعناء
في سبيلي رضيعاً وصبيا (وَاحْفَظْ لَهُما ما
حَفِظاهُ مِنِّي في صِغَرِي) فإنهما حفظاني في
صغري، قال رجل للنبي (صلى الله عليه وآله
وسلم): إنَّ أبوي بلغا من الكبر عتيا، وأنا
أولى منهما- اباشر- ما وليا مني في الصغر فهل
قضيت حقهما؟ قال: لا، فإنهما كانا يفعلان ذلك
وهما يحبان بقاءك، وأنت تفعله، وتريد
موتهما.
(اللّهُمَّ وَما مَسَّهُما مِنّي) أي: كل ما
أصابهما بسببي ومن جهتي (مِنْ أذىً) بيان [ما]
(أوْ خَلَصَ) أي: وصل (إلَيْهِما
عَنِّي مِنْ مَكْرُوهٍ) وتعب (أوْ
ضاعَ قِبَلِي) أي: من
جهتي وعندي (لَهُما مِنْ حَقٍّ) فلم أؤد الحق
المفروض عليّ لهما (فَاجْعَلْهُ حِطَّةً) أي:
سبباً لوضع ومحو (لِذُنُوبهِما) التي أذنباها
(وَعُلُوّاً في دَرَجاتِهِما) لمقامهما عندك،
بحيث يكون شقاؤهما بي في الدنيا سبباً
لسعادتهما في الآخرة (وَزِيادَةً في
حَسَناتِهِما) أي: أعمالهما الصالحة (يا
مُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ بِأضْعافِها مِنَ
الحَسَناتِ) لمحو السيئات العديد من الطرق،
منها التوبة، ومنها إصلاح ذات البين وكل عمل
نافع مفيد للفرد والجماعة، ومنها المرض فإنه
يحط السيئات، ويحتها حت الأوراق، على حد
تعبير نهج البلاغة، ومنها العدوان حيث يتحمل
المعتدي سيئات المعتدى عليه، وأيضا يأخذ هذا
حسنات ذاك.
(اللّهُمَّ وَما تَعَدَّيا) أي: الأبوان
(عَلَيَّ فيِهِ) الضمير عائد إلى [ما] (مِنْ
قَوْلٍ) بيان [ما] أي: القول الذي تعديا في
ذلك القول علي (أوْ أسْرَفا عَلَيَّ فِيهِ
مِنْ فِعْلٍ) بأن فعلا بالنسبة إليّ فعلاً غير
جائز، كما لو ضرباني فوق حقي (أوْ ضَيَّعاهُ
لي مِنْ حَقٍّ) بأن كان حقي فلم يوصلاه إليّ
إضاعة منهما له (أوْ قَصَّرا بِي
عَنْهُ)
الضمير عائد إلي [ما] المفهوم من العطف (مِنْ
واجِبٍ) بأن وجب عليهما شيء تجاهي فقصّرا ولم
يسوياه وخلاصة ذلك: فكما أوجب سبحانه حقوقاً
للوالدين على الولد، أوجب أيضا حقوقاً له
عليهما، ومن أهمل وقصر استحق اللوم
والعقاب والداً كان أو ولداً، والإمام
السجاد (عليه السلام) يتجاوز ويتنازل عمّا
افترضه الله تعالى له على أبويه، وحملهما من
حقه أياً كان نوعه ويكون، وعبّر عن هذا
التسامح والتجاوز بقوله: (فَقَدْ وَهَبْتُهُ
لَهُما وَجُدْتُ بِهِ) من الجود (عَلَيْهِما)
حتى لا يكونا من جهتي مسؤولين (وَرَغِبْتُ
إليك) أي: طلبت منك (في وَضْعِ
تَبِعَتِهِ)
أي: العقاب التابع لذلك الإثم (عَنْهُما)
أسألك اللَّهُمّ أن لا تؤاخذ أَبَوَيَّ على أي
شيء يتصل بي من قريب أو بعيد (فَإِنِّي
لا
أتَّهِمُهُما عَلى نَفْسِي) بأنهما ضيّعا حقي
وإنما قلت ما قلت من [وما تعديا] إلخ، على
سبيل الفرض (وَلا أسْتَبْطِئُهُما في بِرِّي)
أي: لا أقول أنهما أبطآ في الإحسان إليّ، فهما
عندي وفي عقيدتي من الناصحين المخلصين لا
توانٍ منهما في حقي ولا تقصير (وَلا
أكْرَهُ
ما تَوَلَّياهُ مِنْ أمْرِي) أي: ما عملاه معي
وفي شؤوني، ومهما أتى من المحبوب محبوب،
والعكس بالعكس (يا رَبِّ؛ فَهُما أوْجَبُ
حَقَّاً عَلَيَّ) من أن أقول فيهما شيئاً من
الاتهام بالاستبطاء وما أشبه، لي حق ولهما
حق، ولكن حقهما أقدم وأعظم (وَأقْدَمُ
إحْساناً إلَيَّ) من كل محسن، بعد الله سبحانه
(وَأعْظَمُ مِنَّةً لَدَيَّ مِنْ أنْ
أُقاصَّهُما بِعَدْلٍ) بأن أطلب من الحاكم
العادل أن يأخذ منهما حقي قصاصاً، فإنه لا
مقاصة عادلة إلا مع المساواة، و لا مكان لها
بين المنعم والمنعم عليه. ومن هنا يقتل
الولد بوالده، ولايقتل الوالد بالولد (أوْ
أُجازِيَهُما عَلى مِثْلٍ) ما فعلا بي (أيْنَ
إذاً) أي: إذا أردت مقاصتهما ومجازاتهما (يا
إلهي طُولُ شُغْلِهِما بِتَرْبِيَتي)؟ وهل لي
أن أُجازيهما بمثل هذه التربية الطويلة
(وَأيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِما في حَراسَتِي)
وحفظي (وَأيْنَ إقْتارُهُما على أنْفُسِهِما
لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ) في المأكل والمشرب
وما أشبه، لقد تحملا الضيق والشدة لأعيش في
سعة، والتعب والعناء لأكون في راحة، والذل
والهوان من أجل سعادتي (هَيْهاتَ) بفتح التاء
وكسرها وضمها: اسم فعل بمعنى بعُدَ، أن
أتمكن من مقابلتهما بمثل حقهما (ما
يَسْتَوفِيانِ مِنِّي حَقَّهُمَا) إذ حقهما
أكبر من أن يمكن أن أُجازيهما بالمثل (وَلا
أُدْرِكُ ما يَجِبُ عَلَيَّ لَهُما) من الحق
(وَلا أنَا بِقَاضٍ) أي: بقادر على قضاء
(وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا) أي: ما يجب عليَّ
في مقابل خدمتهما، فأنا أُقر وأعترف بالعجز
عن القيام بحقهما مهما اجتهدت وبالغت، لأنه
جسيم وعظيم.
وبعد، فمن أراد أن يستدرك ما فرط من حقّ
أبويه بعد موتهما، فليستغفر الله تعالى لهما،
ويقض دينهما، إن كان عليهما شيء منه لله
سبحانه أو للناس وإلا تصدّق عنهما بما
يستطيع. وجاء في الحديث: من الأبرار يوم
القيامه رجل بر والديه بعد موتهما. (فَصَلِّ
عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ، وَأعِنِّي يَا خَيْرَ
مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ) في قضاء حقهما
(وَوَفِّقْني يا أهْدى مَنْ رُغِبَ إلَيْه)
أي: يا من هو أكثر قدرة على الهداية ممن
يرغبون الناس في هدايتهم، وفقني واهدني لكيفية
القيام بحقهما، نلاحظ أنَّ كل أدعية أهل البيت
(عليهم السلام) ومناجاتهم، تهدف إلى طلب
الهداية والعون والتوفيق للعلم بالحق
والخير والعمل بموجبه، لانَّ التوفيق هو
الأصل والمنطلق لكل نفع وصلاح دنيا وآخرة
(وَلا تَجْعَلْنِي) يا رب (في
أهْل العُقُوقِ
لِلآباءِ وَالأُمَّهَاتِ) بأن أكون في صفّ مَن
عقه أبوه أو أمّه، حيث لم يؤدّ حقهما فعقاه
وبعداه عن قربهما غضباً عليه، ولا أدري كيف
يعق الولد والديه، وهو على علم اليقين أنهما
أرحم به من نفسه، وأنهما يضحيان بالنفس
والنفيس من أجله، ولايجزي الإحسان بالإساءة
إلا من فيه طبع الحية والعقرب.
(يَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ)
الظرف متعلق بـ[لا تجعل] والمراد بذلك اليوم
القيامة (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا يظلمهم
الله سبحانه في جزائهم بأن يزيد في عقاب
المسيء أو ينقص من ثواب المحسن.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ
وَذُرِّيَّتِهِ) قيل: الذرية أخص من الآل، لأن
الآل لكل ذي رحم، والذرية للنسل فقط. ولكن
المراد هنا العكس، لأن القصد من كلمه الآل في
الصلاة عليه وعليهم، المعصومون (عليهم
السلام) بالخصوص، أما الصلاة على الذرية فتعم
كل مؤمن صالح من نسل الرسول الأعظم (صلى الله
عليه وآله وسلم) فهي شاملة للآل ولغيرهم
(وَاخْصُصْ أبَوَيَّ بِأفْضَلِ مَا خَصَصْتَ
بِهِ آباء عِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ) ما تخص به
المقربين لديك من المغفرة والفضل والرحمة
(وَأُمَّهَاتِهِمْ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) تفضل عليهما بأحسن رحمة وأفضل
ثواب.
(اللّهُمَّ لا تُنْسِنِي
ذِكْرَهُمَا فِي أدْبَارِ صَلَواتِي) بأن أدعو لهما في دبر كل
صلاة بالخير والرحمة والغفران (وَفي آناً
مِنْ آناءِ لَيْلي) أي: وقتاً من أوقاته (وَفي
كُلِّ ساعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ نَهَارِي) الساعة
جزء من اليوم، لا الساعة المصطلحة.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَاغْفِرْ لي) بسبب (دُعَائي
لَهُما) فإن
الإنسان إذا دعا لأبويه كان مطيعاً لله الذي
أمر ببرهما، فيكون ذلك سبباً لغفران ذنوب
الابن (وَاغْفِرْ لَهُما) بسبب (بِرِّهِما
بِي مَغْفِرَةً) فإن الأبوين إذا برّا الأولاد كان
ذلك سبباً لمغفرتهما لأن الله سبحانه أمر
ببرهما له فيكونان مطيعين لله تعالى، اجعل
ثوابي عندك على البر بهما، وثوابهما على البر
بي- مغفرتك ورحمتك لي ولهما (حَتْماً) أي:
قطعية، غفراناً محتوماً (وَارْضَ عَنْهُما
بِشَفاعَتِي لَهُما رِضىً عَزْماً) أي: تقصد
يا رب ذلك الرضا بكل قوة وعزيمة
(وَبَلِّغْهُما بِالكَرامَةِ) أي: بسبب إكرامك
لهما (مَواطِنَ السَّلامَةِ) من الآخرة، التي
يسلم الإنسان فيها من العقاب والنكال وتكرم
وتفضل عليهما بالجنة.
(اللّهُمَّ وَإنْ سَبَقَتْ
مَغْفِرَتُكَ لَهُما) بأن غفرت لهما (فَشَفِّعْهُما
فِيَّ)
أي: اجعلهما شفيعين لي لأن الإنسان الذي لا
ذنب له يتمكن من شفاعة المذنب (وَإنْ
سَبَقَتْ
مَغْفِرَتُكَ لي) بأن غفرت لي قبلهما
(فَشَفِّعْنِي فِيهِما) بأن تقبل شفاعتي لهما
وتتجاوز عن سيئاتهما، بتعبير آخر، إن تك
منزلتهما لديك أعلى وأرفع من مكانتي فارحمني
بشفاعتهما، وإن تك منزلتي أعلى فارحمهما
بشفاعتي (حَتّى نَجْتَمِعَ) جميعاً الولد
والوالدان في جنانك، ونسعد برضوانك.
(بِرَأفَتِكَ) ولطفك (في دارِ
كَرامَتِكَ)
الجنة (وَمَحَلِّ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ
إنَّكَ) يا رب (ذُو الفَضْلِ
العَظِيمِ) ومن
له فضل عظيم يتمكن من الجمع بين الآباء
والأولاد وشفاعة بعضهم لبعض (وَالمَنِّ
القَدِيمِ) فمن قديم الدهر تمن علينا باللطف
(وَأنْتَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ) إذ كل راحم
دونك بالرحمة.
وخلاصة ما تقدّم أنَّ للوالدين حقوقاً
تمتاز عن كثير من الحقوق حتى عن حق المؤمن على
المؤمن ولو كان الأبوان مشركين كما في نص
القرآن الكريم قال تعالى: ﴿
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً
﴾
[14]
.
وكان من دعائه (عليه السلام) لوِلْدِه (عليهم
السلام):
اللّهُمَّ وَمُنَّ عَلَيَّ بِبَقاءِ
وُلْدِي، وَبِإصْلاحِهِمْ لي وَبِإمْتاعِي
بِهِمْ، إلهي امْدُدْ لي في أعْمارِهِمْ،
وَزِدْ في آجالِهِمْ وَرَبِّ لي صَغِيرَهُمْ
وَقَوِّ لي ضَعِيفَهُمْ وَأصِحَّ لي
أبْدانَهُمْ وَأدْيانَهُمْ وَأخْلاقَهُمْ،
وَعافِهِمْ في أنْفُسِهِمْ وَفي جَوارِحِهِمْ
وَفي كُلِّ ما عُنِيتُ بِهِ مِنْ أمْرِهِمْ،
وَأدْرِرْ لِي وَعَلى يَدِي أرْزاقَهُمْ،
وَاجْعَلْهُمْ أبْراراً أتْقِياء بُصَراءَ
سامِعِينَ مُطِيعِينَ لَكَ، وَلأوْلِيائِكَ
مُحِبِّينَ مُناصِحِينَ، وَلِجَمِيعِ أعْدائكَ
مُعانِدِينَ وَمُبْغِضِينَ، آمِينَ، اللّهُمَّ
اشْدُدْ بِهِمْ عَضُدِي، وَأقِمْ بِهِمْ
أوَدي، وَكَثِّرْ بِهِمْ عَدَدِي، وَزَيِّنْ
بِهِمْ مَحْضَرِي، وَأحْيِ بِهِمْ ذِكْرِي،
وَاكْفِنِي بِهِمْ في غَيْبَتي، وَأعِنِّي
بِهِمْ عَلى حاجَتِي وَاجْعَلْهُمْ لي
مُحِبِّينَ، وَعَلَيَّ حَدِبِينَ مُقْبِلينَ
مُسْتَقِيمينَ لِي، مُطِيعينَ غَيْرَ عاصِينَ
وَلا عاقِّينَ وَلا مُخالِفينَ وَلا
خاطِئِينَ، وَأعِنِّي عَلى تَرْبِيَتِهمْ
وَتَأدِيِبِهِمْ، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ
مَعَهُمْ أوْلاداً ذُكُوراً، وَاجْعَلْ ذلِكَ
خَيْراً لِي وَاجْعَلْهُمْ لِي عَوْناً عَلى
ما سَألْتُكَ وَأعِذْني وَذُرِّيَّتِي مِنَ
الشَّيْطانِ الرَّجِيِم، فَإنَّكَ خَلَقْتَنا
وَأمَرْتَنا وَنَهَيْتَنا، وَرَغَّبْتَنا فِي
ثَوابِ ما أمَرْتَنا، وَرَهَّبْتَنا عِقابَهُ،
وَجَعَلْتَ لَنا عَدُوّاً يِكِيدُنا
سَلَّطْتَهُ مِنّا عَلى ما لَمْ تُسَلِّطْنا
عَلَيْهِ مِنْهُ، أسْكَنْتَهُ صُدُورَنا
وَأجْرَيْتَهُ مَجارِيَ دِمائِنا، لا يَغْفُلُ
إنْ غَفَلْنا، وَلا يَنْسى إنْ نَسِينا،
يُؤْمِنُنا عِقابَكَ، وَيُخَوِّفُنا
بِغَيْرِكَ، إنْ هَمَمْنا بِفاحِشَةٍ
شَجَّعَنا عَلَيْها وَإنْ هَمَمْنا بِعَمَلٍ
صالِحٍ ثَبَّطَنا عَنْهُ، يَتَعَرَّضُ لَنا
بِالشَّهَواتِ، وَيَنْصِبُ لَنا بِالشُّبُهاتِ
إنْ وَعَدَنا كَذَبَنا، وَإنْ مَنّانا
أخْلَفَنا، وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّا كَيْدَهُ
يُضِلَّنا، وَإلا تَقِنا خَبالَهُ
يَسْتَزِلَّنا، اللّهُمَّ فَاقْهَرْ
سُلْطانَهُ عَنّا بِسُلْطانِكَ حَتّى
تَحْبِسَهُ عَنّا بِكَثْرَةِ الدُّعاءِ لَكَ
فَنُصْبِحَ مِنْ كَيْدِهِ في المَعْصُومِينَ
بِكَ، اللّهُمَّ أعْطِنِي كُلَّ سُؤْلِي،
وَاقْضِ لِي حَوائِجِي، وَلا تَمْنَعْنِي
الإجابَةَ وَقَدْ ضَمِنْتَها لِي، وَلا
تَحْجُبْ دُعائِي عَنْكَ وَقَدْ أمَرْتَنِي
بِهِ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِكُلِّ ما
يُصْلِحُنِي في دُنْيايَ وَاخِرَتِي ما
ذَكَرْتُ مِنْهُ وَما نَسِيتُ، أوْ أظْهَرْتُ
أوْ أخْفَيْتُ أوْ أعْلَنْتُ أوْ أسْرَرْتُ،
وَاجْعَلْنِي في جَمِيعِ ذلِكَ مِنْ
المُصْلِحِينَ بِسُؤالي إيّاكَ، المُنْجِحِينَ
بِالطَّلَبِ إليك غَيْرِ المَمْنُوعِينَ
بِالّتَوَكُّلِ عَلَيْكَ، المعُوَّدِيِنَ
بِالتَعَوُّذِ بِكَ، وَالرّاغِبِينَ فِي
التِّجارَةِ عَلَيْكَ المُجارِينَ بِعِزِّكَ،
المُوسَعِ عَلَيْهِمُ الَرِزْقُ الحَلالُ مِنْ
فَضْلِكَ، الواسِعِ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ
المُعَزِّينَ مِنَ الذُّلِّ بِكَ،
وَالمُجارِينَ مِنَ الظُلْمِ بِعَدْلِكَ،
وَالمُعافَيْنَ مِنَ البَلاءِ بِرَحْمَتِكَ،
وَالمُغْنَيْنَ مِنَ الفَقْرِ بِغِناكَ،
وَالمَعْصُومِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالزَّلَلِ
وَالخَطَأ بِتَقْواكَ وِالمُوَفَّقِينَ
لِلْخَيْرِ وَالرُّشدِ وَالصَّوابِ
بِطاعَتِكَ، وَالمُحالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
الذُّنُوبِ بِقُدْرَتِكَ، التَّاركِينَ
لِكُلِّ مَعْصِيَتِكَ، السّاكِنِينَ فِي
جِوَارِكَ، اللهُمَّ اعْطِنا جَمِيعَ ذلِكَ
بِتَوْفِيقِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَأعِذْنا مِنْ
عَذابِ السَّعِيرِ، وَاعْطِ جَمِيعَ
المُسْلِمينَ وَالمُسْلِماتِ وَالمُؤْمِنِينَ
وَالمُؤْمِناتِ مِثْلَ الَّذي سَألْتُكَ
لِنَفْسِي وَلِوُلْدي في عَاجِلِ الدُّنْيا
وَاجِلِ الاخِرَةِ، إنَّكَ قَرِيِبٌ مُجِيبٌ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ عَفُوٌّ غَفُورٌ رَؤُوفٌ
رَحِيمٌ، وَاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفي
الاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ[15]
.
(وَمُنَّ عَلَيَّ): أنعم علي. (وَبِإمْتاعِي
بِهِمْ): منفعتي بهم واستمتع بالشيء: انتفع
به. (امْدُدْ لي في أعْمارِهِمْ): مدَّ الله
في عمره: أمهل له وطول له. (آجالِهِمْ): جمع
أجل وهو مدّة العمر.
(عُنِيتُ بِهِ): اهتممت به. (وَأدْرِرْ
لِي):
أكثر وزد ووسع، والرزق الدار الذي يتجدد
شيئاً فشيئاً من در اللبن إذا زاد وكثر.
(أبْراراً): البر: خلاف الفاجر وهو كثير
الخير. (بُصَراءَ): بصير به: عليم.
(مُطِيعِينَ): مذعنين منقادين. (اشْدُدْ): من
الشد وهو التقوية. (عَضُدِي): العضد ما بين
المرفق إلى الكتف. (أوَدي): اعوجاجي.
(مَحْضَرِي): المحضر: مكان الحضور.
(ذِكْرِي): الذكر: الصيت والذكر الجميل.
(وَأعِنِّي): أعانه: ساعده. (حَدِبِينَ):
متعطفين.
(عاقِّينَ): من العقوق وهو الإساءة أو عدم
الإحسان. (وَأعِذْني): أجرني بحفظك.
(الرَّجِيِم): المطرود. (يِكِيدُنا): من
الكيد. (بِفاحِشَةٍ): الفاحشة: الذنب الكبير،
الزنا. (شَجَّعَنا): جرأنا وأقدمنا عليه.
(ثَبَّطَنا): عن الأمر أقعدنا ومنعنا عنه.
(وَيَنْصِبُ لَنا): نصب لنا: أشار علينا بأمر
لا بد من فعله. (مَنّانا): من التمني وهو
طلب أمر لا يحصل. (تَقِنا): من وقاه بمعنى
حفظه. (خَبالَهُ): الخبال: الفساد
والهلاك.(يَسْتَزِلَّنا): من الزلة وهو
الخطأ.(سُؤْلِي): مطلوبي.
(وَاقْضِ لِي حَوائِجِي): قضى حاجته:
أنجزها.(الإجابَةَ): أجاب الله دعاءه: قبله
واستجابه.
(ضَمِنْتَها لِي): كفلتها لي.(تَحْجُبْ):
حجبته: منعته. (وَامْنُنْ عَلَيَّ): تفضل
علي.(المعُوَّدِيِنَ): عوَّدته: صبَّرته له
عادة. (المُجارِينَ): المحفوظين.
(المُعَزِّينَ): المكرمين. (وَالمُعافَيْنَ):
من العافيه وهي السلامة من الآفات.
(البَلاءِ): الامتحان والاختبار.
(وَالمُغْنَيْنَ): من الغنى. (وَالزَّلَلِ):
السقوط، والانحراف عن الحق. (وَالرُّشدِ):
الهدى. (وَالمُحالِ): المحول باسم مفعول من
حال بمعنى حجز. (السَّعِيرِ): جهنم أو لهبها.
(اللّهُمَّ وَمُنَّ عَلَيَّ بِبَقاءِ وُلْدِي)
في الحياة، فالوالد يتمنى طول الحياة لولده،
لأنه امتداد لوجوده وذكره وأجله وعمره
(وَبِإصْلاحِهِمْ لي) حتى يكونوا صلحاء، أي:
اجعلهم من أهل الإيمان والصلاح كي يطيعوك
شاكرين، ويسمعوا مني غير عاصين (وَبِإمْتاعِي
بِهِمْ) بأن أتمتع وأتلذذ بوجودهم (إلهي
امْدُدْ لي في أعْمارِهِمْ) حتى تطول أعمارهم
(وَزِدْ في آجالِهِمْ) المراد بالأجل: مدة
بقاء الشخص، لا آخر زمان بقائه لكي أتقوى بهم
في شيخوختي، ويخدموني في ضعفي وعلتي
(وَرَبِّ لي صَغِيرَهُمْ) أي: مدني بالعون من
فضلك على تربيتهم تربية صالحة نافعة، حتى
يكبر.
(وَقَوِّ لي ضَعِيفَهُمْ) حتى يقوى (وَأصِحَّ
لي أبْدانَهُمْ) كي لا يمرضون (وَأدْيانَهُمْ)
كي لا ينحرفون (وَأخْلاقَهُمْ) حتى لا يحوموا
حول الرذيلة (وَعافِهِمْ في أنْفُسِهِمْ) حتى
تطهر أنفسهم من أدران الرذيلة (وَفي جَوارِحِهِمْ) وأعضائهم حتى لا تصاب بمرض أو
عاهة (وَفي كُلِّ ما عُنِيتُ بِهِ مِنْ
أمْرِهِمْ) أي: أسالك يا إلهي أن يكون أولادي
بالكامل أصحاء أقوياء وأبرارا أتقياء...
وليس معنى هذا أن يهمل الوالد شأن أولاده
بالمرة، ويترك تدبيرهم لله تعالى وهو واقف
ينظر ويتفرج، بل معناه أن يأخذ للأمر أهبته
من أجلهم ويكافح بلا كلل وملل، في سبيلهم
متوكلاً على الله مستعيناً به في التوفيق
وبلوغ الغاية، والله سبحانه لايضيع أجر من
أحسن عملا، كيف وقد أمر بالجهاد والنضال
وقال فيما قال: ﴿
وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ
عَمَلَكُمْ ﴾
[16]
وندد بمن يعيش كلاً على سواه في قوله تعالى:
﴿ وَضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا
أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ
كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ
لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ﴾
[17]
.
وما من شك أنَّ من ترك الكدح والعمل مع
طاقته وقدرته بزعم الاتكال على الله- فقد
تمرد على أمره تعالى، ووضع رأيه فوق مشيئة
الخالق وإرادته من حيث يريد أو لايريد،
وتواتر عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله
وسلم): «اعقلها وتوكل» وقال حكيم قديم: إنَّ الله سبحانه أمرنا بالتوكل عليه في
العمل لا في البطالة والكسل. وبكلام آخر أن
التربية من صنع الإنسان، ولها أسس وقوانين
تماماً كالصناعة والزراعة وغيرهما، والإمام
(عليه السلام) في دعائه هذا يسأل الله سبحانه
أن يمهّد له السبيل إلى التنفيذ والقيام بما
فرضه عليه من تربية الأولاد والعناية بهم
والكدح من أجلهم (وَأدْرِرْ) من الدر: بمعنى
الاستمرار في نزول المطر أو اللبن أو ما أشبه
(لِي) أي: لأجلي (وَعَلى يَدِي
أرْزاقَهُمْ)
أي: بواسطتي حتى يكثر رزقهم أي؛ ما داموا
صغاراً وأطفالاً حتى إذا بلغوا أشدهم سعوا في
الأرض وأكلوا من كد اليمين. وفيه إيماء إلى
أنه ينبغي للإنسان أن يحتاط ويحترز من أن
يترك أيتاماً بلا مال ولا راع وكفيل، وفي
الحديث: «إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم
عالة يتكففون الناس»
[18]
وقريب منه قوله تعالى:
﴿
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ
نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن
فَضْلِهِ ﴾
[19]
. واجهل خلق الله بالله ودينه وسنته
وشريعته، من ترك العلاج للشفاء، والسعي
للرزق زاعماً- بلسان حاله وأفعاله- أنه قد
أخذ من الله عهدا أن يعطيه ما يحتاج بمجرد نية
التوكل دون أن يسرح ويتزحزح! إن الله سبحانه
هو الذي يشفي المريض، ما في ذلك ريب، ولكن
بالعلاج، ويطعم الجائع ولكن بالسعي تماماً
كما يخلق الشجرة من النواة والليل والنهار
من دوران الأرض... وهكذا كل ما في السموات
والأرض من أسباب ومسببات، ترد إلى السبب
الأول الذي خلق فسوى والذي قدَّر فهدى.
(وَاجْعَلْهُمْ أبْراراً) جمع بر: وهو العامل
بالصالحات (أتْقِياء) التقي: هو الذي يتجنب
المعاصي (بُصَراءَ) يبصرون طريق الحق
(سامِعِينَ) لأقوالك (مُطِيعِينَ
لَكَ) أوامرك
يا رب (وَلأوْلِيائِكَ) الذين أمرت بإطاعتهم
(مُحِبِّينَ) لك، ولأوليائك، ولي
(مُناصِحِينَ) أي: ينصحون الناس ويرشدونهم
(وَلِجَمِيعِ أعْدائكَ مُعانِدِينَ) يقابلونهم
بالعناد والإصرار في صدهم (وَمُبْغِضِينَ)
البغض بمعنى العداء (آمِينَ) أي: اللهم استجب
ما دعوتك وما تقدم.
(اللّهُمَّ اشْدُدْ بِهِمْ
عَضُدِي) كناية عن
تقويته بهم (وَأقِمْ بِهِمْ أوَدي) الأود:
الاعوجاج أي: ما اعوج من أموري (وَكَثِّرْ
بِهِمْ عَدَدِي) حتى أعَد وأهلي كثير
(وَزَيِّنْ بِهِمْ مَحْضَرِي) أي: مجلسي
(وَأحْيِ بِهِمْ ذِكْرِي) فإن الأولاد يحيون
ذكر الآباء (وَاكْفِنِي بِهِمْ في غَيْبَتي)
حتى أن يقوموا بمهمّاتي (وَأعِنِّي بِهِمْ
عَلى حاجَتِي) فيعينوني في حوائجي بأن توفقهم
لذلك (وَاجْعَلْهُمْ لي مُحِبِّينَ) يحبوني لا
مثل بعض الأولاد الذين يكرهون آبائهم
(وَعَلَيَّ حَدِبِينَ) أي: يعطفون عليّ يقال
محتدب عليه إذا تعطف (مُقْبِلينَ) نحوي
(مُسْتَقِيمينَ لِي) بأن يكونوا في أمورهم
مستقيمين لا ينحرفون إلى هنا وهناك (مُطِيعينَ
غَيْرَ عاصِينَ) لي، أو لله تعالى (وَلا
عاقِّينَ) بأن يعملوا أعمالاً تورث عقوقهم، أو
أنهم يعيقوني ويقطعوا صلتي (وَلا مُخالِفينَ
وَلا خاطِئِينَ) أي: آثمين لي، أو لله تعالى
(وَأعِنِّي عَلى تَرْبِيَتِهمْ) تربية حسنة
(وَتَأدِيِبِهِمْ) حتى يكونوا ذا أدب (وبرهم)
بأن أبرهم وأحسن إليهم (وَهَبْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ مَعَهُمْ أوْلاداً ذُكُوراً) آخرين
(وَاجْعَلْ ذلِكَ) الإعطاء (خَيْراً
لِي) لا
أن يكون الإعطاء شراً (وَاجْعَلْهُمْ لِي
عَوْناً عَلى ما سَألْتُكَ) بأن تجعل أولادي
أعواناً في أعمالي الصالحة السابقة التي طلبت
منك أن تعطنيها.
(وَأعِذْني) أي: احفظني (وَذُرِّيَّتِي
مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيِم) أي: المرجوم باللعن،
وأصل الرجم: الرمي بالحجارة (فَإنَّكَ
خَلَقْتَنا وَأمَرْتَنا) بفعل الواجبات
(ونهيتنا) عن فعل المحرمات (وَرَغَّبْتَنا فِي
ثَوابِ ما أمَرْتَنا؛ وَرَهَّبْتَنا) أي:
خوفتنا (عِقابَهُ) أي: العقاب التابع لترك
الأوامر (وَجَعَلْتَ لَنا عَدُوّاً
يِكِيدُنا)
أي: يكيد لإخراجنا من الهدى إلى الضلال
(سَلَّطْتَهُ مِنّا عَلى ما لَمْ تُسَلِّطْنا
عَلَيْهِ مِنْهُ) فإن الشيطان مسلط على
الإنسان وليس الإنسان مسلطاً على الشيطان
(أسْكَنْتَهُ صُدُورَنا) أي: قلوبنا التي هي
في الصدور فقد ورد أن في القلب لمتين: لمة من
الملائكة ولمة من الشياطين (وَأجْرَيْتَهُ
مَجارِيَ دِمائِنا) فإن الشيطان للطافة جسمه
يدخل كل منفذ (لا يَغْفُلُ) الشيطان عنا (إنْ
غَفَلْنا) نحن عنه (وَلا يَنْسى) أمرنا (إنْ
نَسِينا) أمره (يُؤْمِنُنا عِقابَكَ) إذ
الشيطان يسهل في نظر الإنسان عقاب الله تعالى
(وَيُخَوِّفُنا بِغَيْرِكَ) إذ يقول مثلاً: لو
لم تفعل المعصية الفلانية كنت في ضنك من العيش
وهكذا (إنْ هَمَمْنا بِفاحِشَةٍ) بأن أردنا
إتيانها (شَجَّعَنا عَلَيْها) وحثنا على
إتيانها (وَإنْ هَمَمْنا بِعَمَلٍ صالِحٍ
ثَبَّطَنا) أي: فل عزمنا (عَنْهُ) حتى لا
نعمله (يَتَعَرَّضُ لَنا بِالشَّهَواتِ) أي:
يشغلنا بها ويزينها في نفوسنا، يشير بهذا إلى
جهاد النفس التي تحاول التغلب بالهوى على
العقل والتقوى (وَيَنْصِبُ لَنا) حبائله
ومصائده (بِالشُّبُهاتِ) أي: يلقي في قلوبنا
الشبهات الموجبة لإعزافنا عن الدين، كأنها
حباله، يظهر لنا الأفكار الخاطئة التي تلبس
الحق ثوب الباطل والباطل ثوب الحق، وتوقع
السذج البسطاء في الشك والحيرة (إنْ
وَعَدَنا كَذَبَنا) فإنه يعدنا بالأماني لكنه كاذب في
ذلك، قال سبحانه: ﴿
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ
الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
[20]
(وَإنْ مَنّانا أخْلَفَنا) أي: إذا قال مثلاً:
اعملوا كذا حتى تصلوا إلى الأمر المرغوب فيه،
لم يف بوعده (وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّا كَيْدَهُ
يُضِلَّنا) ويصرفنا عن الطريق، اقتباس من قوله
تعالى في قصة يوسف (عليه السلام): ﴿
وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ
إِلَيْهِنَّ ﴾
[21]
أي: إن لم تُعنِّي على نفسي أكن من الجاهلين
(وَإلا تَقِنا) من الوقاية بمعنى: الحفظ
(خَبالَهُ) أي: فساده (يَسْتَزِلَّنا) أي:
يوقعنا في الزلة والعثرة والخطايا (اللّهُمَّ
فَاقْهَرْ سُلْطانَهُ عَنّا بِسُلْطانِكَ) بأن
ترد سلطته بقوتك وسلطتك عليه، وهب لنا من لدنك
صبراً عن الحرام، ونصراً على الهوى حتى
لانعصيك في جميع الحالات (حَتّى تَحْبِسَهُ
عَنّا بِكَثْرَةِ الدُّعاءِ لَكَ) أي: بسبب
كثرة دعائنا لك في خلاصنا منه، فقد حثثت على
الدعاء، ووعدت بالإجابة، وقد دعونا أن
تصدعنا كل مكروه، وتوسلنا بك وأكثرنا، فكن
لدعائنا مجيباً، ومن ندائنا قريبا
(فَنُصْبِحَ مِنْ كَيْدِهِ في المَعْصُومِينَ
بِكَ) الذين عصمتهم وحفظتهم عن كيده إليهم.
(اللّهُمَّ أعْطِنِي كُلَّ سُؤْلِي) أي: كل ما
أسأل (وَاقْضِ لِي حَوائِجِي) حتى لا أحتاج
بعدها إلى غيرك (وَلا تَمْنَعْنِي الإجابَةَ
وَقَدْ ضَمِنْتَها لِي) حيث قلت: ﴿
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ ﴾
[22]
(وَلا تَحْجُبْ) أي: لا تمنع (دُعائِي
عَنْكَ)
حتى كأنه لم يصل إليك (وَقَدْ أمَرْتَنِي
بِهِ) أي: بالدعاء (وَامْنُنْ عَلَيَّ بِكُلِّ
ما يُصْلِحُنِي في دُنْيايَ وَآخِرَتِي) أي:
بسبب صلاح الدارين لي (ما ذَكَرْتُ
مِنْهُ)
الضمير عائد إلى [ما] (وَما نَسِيتُ، أوْ
أظْهَرْتُ أوْ أخْفَيْتُ) أي: دعوتك في طلبها
ظاهراً بلساني أو مخفياً في نفسي (أوْ
أعْلَنْتُ أوْ أسْرَرْتُ) بأن أظهرت للناس أو
أخفيت من الناس (وَاجْعَلْنِي في
جَمِيعِ ذلِكَ) الذي طلبت (مِنْ المُصْلِحِينَ
بِسُؤالي إيّاكَ) بأن أريد الإصلاح بما تتفضل
عليّ به، لا أن أريد الإفساد (المُنْجِحِينَ
بِالطَّلَبِ إليك) النجاح الظفر بالشيء أي:
أكون ناجحاً في طلبي بأن تقضي لي ذلك (غَيْرِ
المَمْنُوعِينَ بِالّتَوَكُّلِ
عَلَيْكَ) أي:
لا أمنع عن التوكل عليك، أو لا أمنع عن حاجتي
بسبب توكلي عليك: ﴿
وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ ﴾
[23]
(المعُوَّدِيِنَ) أي: أكون من الذين اعتادوا
(بِالتَعَوُّذِ بِكَ) والالتجاء إليك، ولقد
عودت الذين يتعوذون بك ويلوذون، أن لا تردهم
خائبين (وَالرّاغِبِينَ فِي التِّجارَةِ
عَلَيْكَ) فإن تجارة الإنسان على الله سبحانه،
لأن الإنسان يتجر بالأعمال الصالحة، ويريد
الجزاء والثواب منه سبحانه، قال سبحانه: ﴿
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم
مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
[24]
(المُجارِينَ) أي: المحفوظين من الأعداء
(بِعِزِّكَ) أي: بسبب عزك متمكنين من الإجارة
(المُوسَعِ عَلَيْهِمُ الَرِزْقُ الحَلالُ
مِنْ فَضْلِكَ) لا باستحقاق مني (الواسِعِ)
إما صفة الرزق، أو صفة الإنسان نفسه والمراد:
سعة أموره (بِجُودِكَ) أي: بسبب جودك
(وَكَرَمِكَ) عليّ (المُعَزِّينَ) من أعزه:
إذا أكرمه (مِنَ الذُّلِّ بِكَ) أي: بسببك
وبطاعتك، وكم من أناس طلبوا العزّ بالنسب
والثراء والخداع والرياء فاتضعوا وذلوا
(وَالمُجارِينَ مِنَ الظُلْمِ) أجاره: بمعنى
حفظه من الظلم الذي يقع عليه (بِعَدْلِكَ)
الذي يحفظ المظلوم من أن يظلمه
(وَالمُعافَيْنَ مِنَ البَلاءِ
بِرَحْمَتِكَ)
عافاه: إذا حفظه من البلاء (وَالمُغْنَيْنَ
مِنَ الفَقْرِ بِغِناكَ) أي: الغنى من عندك
(وَالمَعْصُومِينَ) أي: المحفوظين (مِنَ
الذُّنُوبِ وَالزَّلَلِ) جمع زلة بمعنى العثرة
(وَالخَطَأ بِتَقْواكَ) أي: بالتقوى التي
تهبها لي (وِالمُوَفَّقِينَ لِلْخَيْرِ
وَالرُّشدِ) ضد الضلال (وَالصَّوابِ) ضد الخطأ
(بِطاعَتِكَ) أي: بسبب أن توفقني لطاعتك، فإن
من وفقته للطاعة يوفق للخير والرشد والصواب
(وَالمُحالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الذُّنُوبِ
بِقُدْرَتِكَ) أي: الذي أُحيل بينه وبين الذنب
حتى لا يذنب (التَّاركِينَ لِكُلِّ
مَعْصِيَتِكَ، السّاكِنِينَ فِي جِوَارِكَ)
أي: في الآخرة، أو المراد: في الدنيا،
والمراد: المحل المحفوظ بسببك، وجواراته في
الآخرة محل رحمته وكرامته، ومن سكن في جوار
العظيم الكريم فهو في حرز حارز، وحصن مانع من
كل سوء.
(اللهُمَّ أعْطِنا جَمِيعَ
ذلِكَ) الذي
طلبناه، إشارة إلى كل ما تقدم من صحه الأبدان
والأديان إلى وفرة الأرزاق والسكنى في جوار
الرحمن (بِتَوْفِيقِكَ وَرَحْمَتِكَ؛
وَأعِذْنا) أي: احفظنا (مِنْ عَذابِ
السَّعِيرِ) يقال: سعرت النار، إذا التهبت
(وَاعْطِ جَمِيعَ المُسْلِمينَ وَالمُسْلِماتِ
وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ) إما عطف
بيان، أو من عطف الخاص على العام، والدعاء
للمسلمين حتى غير المؤمنين منهم يراد به الذين
أسلموا ولم يعاندوا شرائط الإيمان فإن أكثر
المسلمين جاهلون بالحق (مِثْلَ الَّذي
سَألْتُكَ لِنَفْسِي وَلِوُلْدي) المراد جنس
الولد، ختم الإمام دعاءه هذا بالرجاء أن يوفق
سبحانه ويسهل السبيل إلى ما ذكر وسأل لنفسه
ولذويه وأهل التوحيد، لأن من أخص خصائص
المؤمن أن يكون تعاونيا مع الجميع.
وفي
الحديث: «المؤمن يحب لغيره ما يحب لنفسه...
المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» (في
عَاجِلِ الدُّنْيا وَآجِلِ الآخِرَةِ) أي:
الآخرة التي هي آجلة مؤخرة (إنَّكَ قَرِيِبٌ
مُجِيبٌ) إنك قريب بالعلم تعلم ما سألناك
وتجيب سؤالنا (سَمِيعٌ) دعواتنا (عَلِيمٌ)
بمقاصدنا (عَفُوٌّ) عن الذنوب (غَفُورٌ) سائر
الخطايا (رَؤُوفٌ) بالعباد، الرأفة أدق من
الرحمة (رَحِيمٌ) وهو الذي يرحم بعباده، لا
الرحمة في القلب، فالله سبحانه ليس محلاً
للحوادث - كما ثبت في علم الكلام، فإذا أطلقت
هذه الكلمة على الله سبحانه أريد بها العطاء
والإفاضة لرفع الحاجة، ومن هنا قيل بالنسبة
إليه سبحانه: «خذ الغايات واترك المبادئ»
فالرحمة لها «مبدأ» وهو الوصف الانفعالي الخاص
الذي يعرض على القلب و«منتهى» وهو العطاء
والإفاضة، فإذا أطلق هذا الوصف على الله
سبحانه أريد بهم «غايته» لا «مبدؤه» (وهكذا
بالنسبة إلى الصفات الأخرى التي هي من هذا
القبيل) (وَآتِنا) أي: أعطنا (في
الدُّنْيا حَسَنَةً) المراد: جنسها (وَفي
الآخِرَةِ حَسَنَةً) كأن المراد بها: الجنة لقوله
(وَقِنا) أي: احفظنا من (عَذابَ
النّارِ)
بفضلك وكرمك، إنك سميع مجيب.
وكان من دعائه (عليه السلام) لجيرانه وأوليائه
إذا ذكرهم:
اّللّهُمَّ صّلِّ عّلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَتَوَلَّني في جِيرانِي وَمَوالِيّ
العارِفِينَ بَحَقِّنا، وَالمُنابِذيِنَ
لأعْدائِنا بِأَفْضَلِ وَلايَتِكَ
وَوَفِّقْهُمْ لإقامَةِ سُنَّتِكَ، وَالأَخْذِ
بِمَحَاسِنِ أَدَبِكَ في إرفَاقِ
ضَعِيِفِهِمْ، وَسَدِّ خِلَّتِهِمْ،
وَعِيادَةِ مَرِيضِهِمْ، وَهِدايَةِ
مُسْتَرشِدِهِمْ وَمُناصَحَةِ مَسْتَشِيرِهِمْ
وَتَعَهُّدِ قادِمِهِمْ، وَكِتْمانِ
أسْرارِهِمْ، وَسَتْرِ عَوْراتِهِمْ،
وَنُصْرَةِ مَظْلوُمِهِمْ، وَحُسْنِ
مُواسَاتِهِمْ بِالماعُونِ، وَالعَوْدِ
عَلَيْهِمْ بِالجِدَةِ وَالإفْضَالِ،
وَإعْطاءِ مَا يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ
وَاجْعَلْنِي الّلهُمَّ أجْزِي بِالإِحسانِ
مُسيئَهُمْ، وأُعْرِضُ بِالتَّجاوُزِ عَنْ
ظالِمِهِمْ، وَأسْتَعمِلُ حُسْنَ الظَّنِّ في
كآفَّتِهِمْ، وَأتَوَلّى بِالبِرِّ
عامَّتَهُمْ، وَأغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ
عِفَّةً، وَأُلِينُ جانِبِيِ لَهُمْ
تَواضُعاً، وَأرِقُّ عَلى أَهْلِ البَلاءِ
مِنْهُمْ رَحْمَةً، وَأُسِرُّ لَهُمْ
بِالغَيْبِ مَوَدَّةً، وَأُحِبُّ بَقاءَ
الِنّعْمَةِ عِنْدَهُمْ نُصْحاً، وَاوُجِبُ
لَهُمْ ما أوُجِبُ لِحامَّتِي وَأََرْعى
لَهُمْ ما أَرْعى لِخاصَّتِي، اللّهُمَّ صَلِّ
عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَارْزُقْنِي مِثْلَ
ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَاجْعَلْ لِي أَوْفىَ
الحُظُوظِ فِيما عِنْدَهُمْ وَزِدْهُمْ
بَصِيرَةً في حَقِّي، وَمَعْرِفَةً بِفَضْلِي
حَتّى يَسْعَدُوا بِي وَأَسْعُدَ بِهِمْ،
آمِينَ رَبَّ العالَمِيِن
[25]
.
(وَتَوَلَّني): أعني. (وَمَوالِيّ): التابعين
لي، الناصرين، المعينين، المحبين.
(وَالمُنابِذيِنَ): من النبذ وهو طرح الشيء
ورميه، وهو هنا المعاندين والمخالفين.
(إرفَاقِ): من الرفق: العطف واللين.
(خِلَّتِهِمْ): حاجتهم وفاقتهم. (وَعِيادَةِ
مَرِيضِهِمْ): زيارته. (وَتَعَهُّدِ): تعهدت
الشيء: تفقدته وجددت العهد به أي اللقاء به
ومنه عهدي به قريب أي لقائي. (عَوْراتِهِمْ):
جمع العورة وهي كل ما يستره الإنسان أنفة أو
حياء. (مُواسَاتِهِمْ): المواساة: مصدر آسيته
بنفسي أي سويته بها. (بِالماعُونِ): الماعون:
قيل هو المعروف كله وقيل اسم جامع لما لا
يمنع في العادة. (وَالعَوْدِ): العطف والتطول
والإحسان. (بِالجِدَةِ): الجدة: الغنى
والثروة. (وَالإفْضَالِ): الزيادة والاكثار.
(وأُعْرِضُ): أعرضت: أضربت ووليت عنه.
(وَأغُضُّ بَصَرِي): غض بصره: خفضه وكسره.
(عِفَّةً): الكف عمّا لا يحل. (وَأرِقُّ عَلى
أَهْلِ البَلاءِ): اعطف وتحنن على المبتلين
والمصابين. (مَوَدَّةً): العطف والمحبة.
(لِحامَّتِي): خاصتي من أهلي وولدي من حم
الشيء يحم حماً أي قرب ودنى. (الحُظُوظِ): جمع
حظ وهو النصيب. (بَصِيرَةً): علم وخبرة.
(اّللّهُمَّ صّلِّ عّلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَتَوَلَّني في جِيرانِي) أي: اقض حاجتي في
باب جيراني التي أطلبها منك بالإحسان إليهم
(وَمَوالِيّ) جمع مولى بمعنى الصديق والعبد
وما أشبه ـ هنا ـ وإن كان المنصرف منه إذا لم
تكن ثمة قرينة، الأولى بالتصرف كقوله: ﴿
اللَّهُ مَوْلَاَكُمْ ﴾
[26]
، ولكن المراد بالموالى هنا من دان و تشيع
لأهل البيت (عليهم السلام) (العارِفِينَ
بَحَقِّنا) أهل البيت من الوصاية والخلافة
والإمامة، أما حقهم فالمراد به الطاعة فيما
يقولون والتمسك بهم تماماً كالتمسك بالقرآن
الكريم لحديث الثقلين: «إني تارك فيكم الثقلين
ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله،
وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ ألا
هذا عذب فرات فاشربوا، وهذا ملح أجاج
فاجتنبوا»
[27]
.
وآية التطهير: ﴿
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً ﴾
[28]
، وآيه المباهلة: ﴿
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ
عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾
[29]
، وغير ذلك (وَالمُنابِذيِنَ) أي: المعاندين
(لأعْدائِنا بِأَفْضَلِ وَلايَتِكَ) أي: بأفضل
ما تتولى به أحداً وتقضي حوائجه
(وَوَفِّقْهُمْ لإقامَةِ سُنَّتِكَ) أي: دينك
وأصل السنّة الطريقة (وَالأَخْذِ بِمَحَاسِنِ
أَدَبِكَ) أي: أدبك الحسن (في
إرفَاقِ ضَعِيِفِهِمْ) هذا بيان محاسن الأدب، أي:
يرفقوا بضعفائهم (وَسَدِّ خِلَّتِهِمْ) أي:
إصلاح حاجتهم (وَعِيادَةِ مَرِيضِهِمْ) بأن
يعودوا مرضاهم، في أصول الكافي: أن رجلاً دخل
على الإمام الصادق (عليه السلام) فسأله: كيف
خلفت إخوانك؟ فأحسن الثناء عليهم. فقال
الإمام: كيف عيادة أغنيائهم لفقرائهم؟ قال:
قليلة. قال: كيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات
أيديهم؟ قال الرجل: إنك لتذكر أخلاقاً قل ما
هي فيمن عندنا. فقال الإمام: كيف تزعم أن
هولاء شيعة؟
[30]
.
(وَهِدايَةِ مُسْتَرشِدِهِمْ) أي: أن يهدوا
الذين يريدون الهداية والرشاد (وَمُناصَحَةِ
مَسْتَشِيرِهِمْ) بأن ينصحوا من يستشيرهم
ويطلب منهم أن يشيروا عليه بالرأي الصواب
(وَتَعَهُّدِ قادِمِهِمْ) بأن يزوروا من قدم
إليهم من الخارج (وَكِتْمانِ أسْرارِهِمْ) فلا
ينشر بعضهم سر بعض (وَسَتْرِ عَوْراتِهِمْ)
العورة: هي الصفة القبيحة التي تظهر من
الإنسان، وذلك بأن يستر بعضهم عورة بعض
(وَنُصْرَةِ مَظْلوُمِهِمْ) أي: ينصر بعضهم
بعضاً إذا ظلم (وَحُسْنِ مُواسَاتِهِمْ
بِالماعُونِ) والماعون من العون بمعنى العمل
الخيري كالقرض والمساعدة وما أشبه، بأن يواسي
بعضهم بعضاً بالمساعدة، ورد في سفينه البحار:
أن الإمام الكاظم ابن الصادق (عليه السلام)
قال لرجل من الشيعة: كيف أنتم في التواصل
والتواسي؟ قال: على أفضل ما كان عليه أحد.
قال: أيأتي أحدكم إلى دكان أخيه أو منزله عند
الضائقة، فيستخرج كيسه، ويأخذ ما يحتاج إليه،
فلا ينكره؟ قال: لا. فقال الإمام (عليه
السلام): لستم على ما أحب في التواصل.
وكانت
هذه المواساة موجودة عند بعض الصحابة، ولكن
على عهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله
وسلم) (وَالعَوْدِ عَلَيْهِمْ
بِالجِدَةِ) أي:
أن يعطف بعضهم على بعض بالثروة، فيساعده
مالياً، والجدة من [وجد] نحو عدة من [وعد]
(وَالإفْضَالِ) عطف بيان لجدة (وَإعْطاءِ مَا
يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ) بأن يعطي
الواجب عليه، لصديقه قبل أن يسأل الصديق
(وَاجْعَلْنِي الّلهُمَّ أجْزِي
بِالإِحسانِ مُسيئَهُمْ) فمن أساء منهم إليّ أقابله
بالإحسان (وأُعْرِضُ بِالتَّجاوُزِ
عَنْ ظالِمِهِمْ) أي: أعرض من ظالمهم بأن أتجاوز
عنه ولا أقابله بالمثل (وَأسْتَعمِلُ حُسْنَ
الظَّنِّ في كافَّتِهِمْ) أي: جميعهم بأن أحسن
بهم الظن (وَأتَوَلّى بِالبِرِّ
عامَّتَهُمْ)
أي: أبرّ إلى جميعهم، من شروط الإمام أن يكون
أبر الناس بالناس وأرحمهم، قال سبحانه في نبيه
الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
﴾
[31]
(وَأغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ
عِفَّةً) بأن لا
أنظر إليهم الخيانة في أي شأن من شؤونهم، وأغض
عن السيئة، و أشكر الحسنة (وَأُلِينُ
جانِبِيِ لَهُمْ تَواضُعاً) فأكون مسايساً رفيقاً
شفيقاً لهم، قال سبحانه: ﴿
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾
[32]
، وقال تعالى: ﴿
... وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ
﴾
[33]
(وَأرِقُّ) من الرقة في القلب الموجبة للإحسان
إليهم والدعاء لهم فاحنوا عليهم، واعمل جاهدا
من أجلهم (عَلى أَهْلِ البَلاءِ
مِنْهُمْ)
الذي ابتلي بمرض أو فقر أو خوف أو ما أشبه
(رَحْمَةً) بهم (وَأُسِرُّ لَهُمْ
بِالغَيْبِ)
بأن أكتم لهم الخير في غيبي أي قلبي، أو أعلن
لهم بمدائحهم في حال غيابهم، فإن أسر من ألفاظ
الضد يستعمل بمعنى الكتمان والإعلان
(مَوَدَّةً) وحباً لهم (وَأُحِبُّ
بَقاءَ الِنّعْمَةِ عِنْدَهُمْ
نُصْحاً) في مقابل
الحسد الذي هو رجاء زوال نعمة الناس، يعني:
أود لهم بقاء التعمة من الأعماق وأن يعيشوا
في نعيم وأمان مدى الليالي والأيام
(وَأوُجِبُ لَهُمْ ما أوُجِبُ) من الإحسان
والخير والعطف (لِحامَّتِي) أي: أقاربي، بأن
أعاملهم كما أعامل الأقارب (وَأَرْعى
لَهُمْ
ما أَرْعى لِخاصَّتِي) بأن أنظر إليهم كما
أنظر إلى خواصي.
(اللّهُمَّ صَلِّ عَلى
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
وَارْزُقْنِي مِثْلَ ذَلِكَ) الذي طلبت منك
بالنسبة إلى الجيران والموالي (مِنْهُمْ) بأن
يكونوا لي كما أكون لهم (وَاجْعَلْ لِي
أَوْفىَ الحُظُوظِ فِيما عِنْدَهُمْ) بأن يكون
حظي من خيرهم وبرهم أحسن من حظ سواي منهم
مثلاً يكرموني أكثر من إكرامهم لغيري
(وَزِدْهُمْ بَصِيرَةً في
حَقِّي) حتى يعرفوني
حق المعرفة ، في وجوب طاعتي لا لشيء إلا لأهدي
إلى الحق، وبه أعدل وأعمل (وَمَعْرِفَةً
بِفَضْلِي) حتى يقوموا بالواجب من إكرامي،
افعل ذلك كله يا رب بي معهم ، لكي يعرفوا بأني
من خزنة علمك وحفظة دينك الذين عنيتهم بقولك:
﴿
فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ
لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[34]
(حَتّى يَسْعَدُوا بِي) أي: بسببي وبهدايتي
لهم إلى سبيل الله تعالى والرشاد، وفي
الحديث: «لئن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك
مما طلعت عليه الشمس» (وَأَسْعُدَ
بِهِمْ) إذ
المتبادلون العطف والإحسان والحنان يسعد أحدهم
بالآخر أيضاً أسعد بايمانهم وجهادهم في سبيل
طاعتك ومرضاتك (آمِينَ) أي: استجب (
يَا رَبَّ العالَمِيِن) ما طلبت منك ودعوتك.
[1]
سورة البقرة ، الآية: 213 .
[2]
الأمثل: ج2
، ص89 .
[3]
الدعاء الرابع والعشرون من الصحيفة
السجاديَّة .
[4]
سورة العنكبوت ، الآية: 8 .
[5]
بحار الأنوار: ج1 ، ص168 .
[6]
سورة المؤمنون ، الآية: 101 .
[7]
سورة الحجرات ، الآية: 13 .
[8]
سورة الشورى ، الآية: 23 .
[9]
سورة لقمان ، الآية: 14 .
[10]
في ظلال الصحيفة السجادية: موضع الشرح
.
[11]
سورة لقمان ، الآية: 19 .
[12]
سورة الإسراء ، الآية: 23 .
[13]
سورة إبراهيم ، الآيتان: 24 - 25 .
[14]
سورة لقمان ، الآية: 15 .
[15]
الدعاء الخامس والعشرون من الصحيفة
السجادية .
[16]
سورة التوبة ، الآية: 105 .
[17]
سورة النحل ، الآية: 76 .
[18]
مستدرك الوسائل: 14 / 95 ، ب9 من كتاب
الوصايا ، ح2 .
[19]
سورة النور ، الآية: 33 .
[20]
سورة النساء ، الآية: 120 .
[21]
سورة يوسف (ع) ، الآية: 33 .
[22]
سورة غافر ، الآية: 60 .
[23]
سورة الطلاق ، الآية: 3 .
[24]
سورة الصف ، الآية: 10 .
[25]
الدعاء السادس والعشرون من الصحيفة السجاديَّة
.
[26]
سورة آل عمران ، الآية: 150؛ والأنفال ،
الآية: 40 .
[27]
بحار الأنوار: ج2 ، ص100 .
[28]
سورة الأحزاب ، الآية: 33 .
[29]
سورة آل عمران ، الآية: 61 .
[30]
راجع؛ بحار الأنوار: ج71 ،ص253 .
[31]
سورة التوبة ، الآية: 128 .
[32]
سورة آل عمران ، الآية: 159 .
[33]
سورة الحجر ، الآية: 88 .
[34]
سورة النحل ، الآية: 43 .