تفسير سورة مريم

 جمعية القرآن الكريم للإرشاد والتوجيه - بيروت - لبنان

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث

الجزء الرابع

الآيات من 77 إلى 98 48
اللغة والبيان 49
التفسير 49
تفكير خرافي ومنحرف 50
من هم الذين لهم أهلية الشفاعة 51
الله والنبوة 51
الايمان... ومحبوبية المؤمن 53
سبب النزول 53
المصادر 55

 


الآيات من 77 إلى 98

أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)

 


  اللغة والبيان

سنكتب ما يقول: أي أن أقواله محفوظة عليه.

نمدُّ له من العذاب: نزيده منه.

نرثه: المراد بها نسلبه.

ما يقول: إشارة الى المال والولد المذكورين في قول الكافر: «لأوتين مالاً وولداً».

ضدّاً: المراد به الأعداء.

تؤُزهم: تزعجهم.

وفداً: جمع وافد وهو القادم.

ورداً: أي يردون جهنم كما ترد الدواب الماء.

إدّاً: الإدّ الأمر العظيم.

يتفطرن: تتفطر تنشق.

تخرُّ: تسقط.

لدّاً: اللدُّ جمع ألد، وهو الشديد في الخصومة.

ركزاً: الصوت الخفي.

 


  التفسير

  تفكير خرافي ومنحرف

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} (٧٧)

معناه أرأيت هذا الكافر الذي كفر بأدلتنا من القرآن وغيره وهو العاص بن وائل، وقيل غيره، وقيل هو عام فيمن له هذه الصفة، (وقال) لأعطين مالاً وولداً في الجنّة قالها استهزاء.

{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} (٧٨)

معناه أعلم بالغيب حتى يعلم أهو في الجنّة أم لا، أم عهد الله إليه أنه يدخل الجنّة.

{كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} (٧٩)

كلا انه لم يطلع الغيب ولم يتخذ عند الله عهداً، وسنأمر الحفظة باثباته عليه لنجازيه به في الآخرة ونوافقه عليه، ونصل له بعض العذاب بالبعض ونزيده عذاباً فوق العذاب فلا ينقطع عذابه أبداً.

{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} (٨٠)

أي سنسلبه ما لديه من مال وولد، وذلك بموته وإهلاكه، ونبعثه يوم القيامة وحيداً فريداً تماماً كما خلقناه أول مرة.

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} (٨١)

يعني ان هؤلاء الكفار الذين وصفتهم اتخذوا آلهة أي أصناماً عبدوها، ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة.

{كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} (٨٢)

معناه أن المعبودين سيكفرون بعبادة المشركين لها ويكذبونهم فيها كما قال حكاية عنهم تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون، ويكونون عوناً عليهم واعداء لهم يخاصمونهم.

 


 من هم الذين لهم أهلية الشفاعة

{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} (٨٣)

أي (ألم تر) يا محمد (إن) خلينا بينهم وبين الشياطين إذا وسوسوا إليهم ودعوهم الى الضلال حتى أغووهم ولم نحل بينهم وبينهم بالالجاء ولا بالمنع بل سلّطناهم عليهم تزعجهم وتهيجهم وتدفع بهم الى المعاصي.

{فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} (٨٤)

معناه فلتطب نفسك يا محمد ولا تستعجل لهم العذاب فإن مدة بقائهم قليلة فإنا نعد لهم الأيام والسنين، فإنه لا خير في طول الحياة إلا لمن آمن وعمل صالحاً، أما من كفر واجترح السيئات فحياته وبال عليه.

{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} (٨٥)

أي أذكر لهم يا محمد اليوم الذي نجمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته واجتنب معاصيه الى الرحمن أي الى جنته ودار كرامته وفوداً وجماعات.

{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} (٨٦)

أي ونحثّ المجرمين على المسير الى جهنم عطاشاً كالإبل التي ترد عطاشا مشاة على أرجلهم.

{لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} (٨٧)

أي كل من وفى بعهد الله ولم يخنه في كبيرة ولا صغيرة فقد أعطاه الله عهداً بالفوز والنجاة وبالشفاعة لمن هو اهل لها.

 


  الله والنبوة

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً} (٨٨)

هذا اخبار عن اليهود وغيرهم من أهل الكتاب ومشركي العرب، فإن اليهود قالوا عزير ابن الله، وقال غيرهم المسيح ابن الله، وقال مشركو العرب الملائكة بنات الله.

{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} (٨٩)

قل لهم يا محمد لقد جئتم بشيء منكر عظيم شنيع فظيع.

{تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} (٩٠)

أي أرادت السماوات تنشق لعظم فريتهم، وكادت الأرض تنشق، وكادت الجبال تسقط كسراً شديداً.

{أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً} (٩١)

أي بسبب دعوتهم.

{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} (٩٢)

أي ما يصلح للرحمن ولا يليق به اتخاذ الولد وليس من صفته ذلك لأن اثبات الولد له يقتضي حدوثه وخروجه من صفة الالهية واتخاذ الولد يدل على الحاجة تعالى عن ذلك وتقدس.

{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} (٩٣)

أي كل من في السماوات والأرض من الملائكة والانس والجن إلا ويأتي الله سبحانه مملوكاً خاضعاً ذليلاً.

{لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} (٩٤)

أي علم تفاصيلهم واعدادهم فكأنه سبحانه عدّهم إذ لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.

{وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} (٩٥)

أي كل واحد منهم يأتي المحشر والموضع الذي لا يملك الأمر فيه إلا الله سبحانه فرداً وحيداً مفرداً ليس له مال ولا ولد ولا ناصر مشغولاً بنفسه لا يهمّه همّ غيره.

 


  الايمان... ومحبوبية المؤمن

  سبب النزول

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (٩٦)

في تفسير أبي حمزة الثمالي حدثني أبو جعفر الباقر (ع) قال، قال رسول الله (ص) لعلي (ع): «قل اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في قلوب المؤمنين ودّاً فقالهما علي (ع) فنزلت الآية. وعن ابن عباس: أنّها خاصة في علي بن أبي طالب (ع) فما من مؤمن إلا وفي قلبه محبة لعلي (ع).

ولكن لا يمنع أن يكون الامام (ع) أبرز مصاديقها وهي تشمل جميع المؤمنين بحيث إذا أقبل العبد بقلبه الى الله أحبه الله سبحانه فيرزقه مودّة الصالحين ورحمتهم ومحبتهم.

{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} (٩٧)

أي يسرنا القرآن بأن أنزلناه بلسانك وهي لغة العرب ليسهل عليهم معرفته ولو كان بلسان آخر ما عرفوه ومكّناك لتبشر بالقرآن الذين يتقون الشرك والكبائر، وتخبرهم بها تسرّهم مما اعدّه الله لهم.

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} (٩٨)

المعنى انهم ذهبوا فلا يرى لهم عين ولا يسمع لهم صوت وكانوا اكثر اموالاً واعظم أجساماً

واشد خصاماً من هؤلاء فلم يغنهم ذلك لما أردنا اهلاكهم فحكم هؤلاء الكفار حكم أولئك في أنه لا يبقى منهم عين ولا أثر.

والحمد لله رب العالمين، ونسأله أن يرحمنا يوم الدين.

والسلام عليكم ورحمة الله.

 

تم بتاريخ: 15 رمضان المبارك/1429 هـ

بيروت - لبنان

 


  المصادر

القرآن الكريم.

تفسير مجمع البيان، للشيخ ابي علي الفضل بن الحسن الطبرسي.

تفسير الميزان، للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي.

مختصر الميزان في تفسير القرآن، سليم الحسني.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

التفسير الكاشف، للشيخ محمد جواد مغنية.

التفسير المبين، للشيخ محمد جواد مغنية.

تفسير القرآن الكريم، للسيد عبد الله شبر.

ميزان الحكمة، لآية الله محمد الرّي شهري.