أحسن القصص

(142 قصّة قرآنيّة)

 

 جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد

بيروت - لبنان

الطّبعة الأولى، ذو الحجّة 1433هـ // 2012م

 

 

 (121) ـ أدب التّخاطب مع الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

 (132) ـ خادمة السّيّدة الزّهراء (عليها السّلام)

 (122) ـ مثل الاستقامة

 (133) ـ القرآن الكريم محور الحديث

 (123) ـ المباهلة

 (134) ـ بشارة لشيعة أهل البيت (عليهم السّلام)

 (124) ـ حبل الله تعالى

 (135) ـ زهد الوصي (عليه السّلام)

 (125) ـ إكرام اليتيم

 (136) ـ عناد الفراعنة واستكبارهم

 (126) ـ الكوثر

 (137) ـ الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحبّ إلى المؤمن من نفسه

 (127) ـ تذرّع المشركين

 (138) ـ وارث علم الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

 (128) ـ ألف روح فداء الحبيب

 (139) ـ أحبّاء الله تعالى

 (129) ـ زهرة الدّنيا الفانية

 (140) ـ دعاء المضطر

 (130) ـ خطط المنافقين

 (141) ـ المفقودون في الوصال

 (131) ـ شجاعة قنبر

 (142) ـ جيش 313

 


 


121- أدب التّخاطب مع الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)


 

وَفَدَ نفرٌ من تميم وهم عطارد بن حاجب بن زرارة في أشراف من بني تميم، منهم الأقرع بن حابس والزّبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم في وفد عظيم، فلمّا دخلوا المسجد نادوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من وراء الحجرات أن أخرج إلينا يا محمّد، فآذى ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فخرج إليهم فقالوا: جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا، فقال: قد أذنت، فقام عطارد بن حاجب وقال: الحمد لله الّذي جعلنا ملوكًا، الّذي له الفضل علينا والّذي وهب علينا أموالاً عظامًا نفعل بها المعروف وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثر عددًا وعدة، فمن مثلنا في النّاس، فمن فاخرنا فليعدّ مثل ما عددنا ولو شئنا لأكثرنا من الكلام ولكنّا نستحي من الإكثار، ثمّ جلس، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لثابت بن قيس بن شمّاس: قم فأجبه، فقام فقال: الحمد الله الّذي السّماوات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره ووسع كرسيّه علمه ولم يكن شيء قطّ إلاّ من فضله، ثمّ كان من فضله أن جعلنا ملوكًا واصطفى من خير خلقه رسولاً أكرمهم نسبًا وأصدقهم حديثًا وأفضلهم حسبًا، فأنزل الله عليه كتابًا وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله على العالمين، ثمّ دعا النّاس إلى الإيمان بالله فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمة، أكرم النّاس أحسابًا وأحسنهم وجوهًا فكان أوّل الخلق إجابة واستجابة لله حين دعاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فنحن أنصار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وردؤه، نقاتل النّاس حتّى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ومن نكث جاهدناه في الله أبدًا وكان قتله علينا يسيرًا، أقول هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات والسّلام عليكم. ثمّ قام الزّبرقان بن بدر ينشد، وأجابه حسّان بن ثابت، فلمّا فرغ حسّان من قوله قال الأقرع: إنّ هذا الرّجل خطيبه أخطب من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا وأصواتهم أعلى من أصواتنا، فلمّا فرغوا أجازهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأحسن جوائزهم وأسلموا [254] .

وفي ندائهم رسول الله وخطابهم إياه بالطّريقة الّتي آذت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزلت الآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [255] .


 


122- مثل الاستقامة


 

بعد معركة أُحُد نال المسلمين ما نالهم من القتل والجراح، والوهن والحزن، فلمّا رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك شقّ عليه الأمر، فنزلت الآية الكريمة: ﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ  ﴾ [256]  تسلية للمؤمنين لما نالهم.

في ذلك اليوم أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) وفيه ثمانون جراحة من طعنة وضربة ورمية، فجعل الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى وأمير المؤمنين مثل المضغة على نطع، فلمّا رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكى فقال له: « إنّ رجلاً يصيبه هذا في الله لحقٌّ على الله أن يفعل به ويفعل »، فقال مجيبًا له وبكى: بأبي أنت وأمّي الحمد لله الّذي لم يرني ولّيت عنك ولا فررت، بأبي وأمّي كيف حرمت الشّهادة؟ قال: إنّها من ورائك إن شاء الله، قال: فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ أبا سفيان قد أرسل موعدة بيننا وبينكم حمراء الأسد، فقال: بأبي أنت وأمّي والله لو حملت على أيدي الرّجال ما تخلّفت عنك [257] ، قال: فنزل القرآن: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [258] .


 


123- المباهلة


 

كتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان (سورة النّمل): بسم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب من محمّد رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، أمّا بعد فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ـ فإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم فقد آذنتكم بالحرب والسّلام ـ فلمّا قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذعر ذعرًا شديدًا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقرأه، فقال له الأسقف: ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذريّة إسماعيل من النّبوّة فما يُؤمَن أن يكون هذا الرّجل؟ ليس لي في النّبوّة رأي، لو كان رأي من أمر الدّنيا أشرت عليك فيه، وجهدتّ لك، فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلّهم قالوا مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة، وعبد الله بن شرحبيل، وجبار بن فيض، فيأتونهم بخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلمّا وفدوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان سيّدهم الأهتم والعقاب والسّيّد ـ وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون النّاقوس وصلّوا ـ فقال أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا رسول الله هذا في مسجدك ـ فقال: دعوهم، فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: إلى ما تدعو؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله وأنّ عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: قل لهم ما تقولون في آدم أكان عبدًا مخلوقًا يأكل ويشرب ويحدث...؟ فسألهم النّبيّ فقالوا: نعم، قال: فمن أبوه؟ فبهتوا فأنزل الله سبحانه: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ وقوله: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فباهلوني فإن كنت صادقًا أنزلت اللّعنة عليكم وإن كنت كاذبًا أنزلت عليّ، فقالوا: أنصفت فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم السّيّد والعقاب والأهتم: إن باهلنا بقومه باهلناه فإنّه ليس نبيًّا، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة لم نباهله، فإنّه لا يقدم إلى أهل بيته إلاّ وهو صادق، فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غدا محتضنًا بالحسين آخذًا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمِّنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا، قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا، قال: فإنّي أناجزكم، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفَيْ حلّة ألف في صفر وألف في رجب، وثلاثين درعًا عادية من حديد فصالحهم على ذلك [259] .


 


124- حبل الله تعالى


 

لمّا ثقل النّبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مرضه دعا عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) فقال: أدعوا لي عمّي ـ يعني العبّاس (رضي الله عنه) ـ فدعي له، فحمله وعليّ (عليه السّلام)، حتّى أخرجاه، فصلى بالنّاس وإنّه لقاعد، ثمّ حمل فوضع على المنبر بعد ذلك، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، حتّى برزت العوائق من خدورها، فبين باك وصائح، ومسترجع، وواجم، والنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخطب ساعة، ويسكت ساعة، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين والأنصار، ومن حضر في يومي هذا وفي ساعتي هذه من الإنس والجنّ، ليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا إنّي قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النّور والهدى، والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شيء، حجّة الله عليكم وحجّتي وحجّة وليّي، وخلفت فيكم العلم الأكبر، علم الدّين، ونور الهدى، وضياءه، وهو عليّ بن أبي طالب، ألا وهو حبل الله: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [260] .


 


125- إكرام اليتيم


 

في كلّ مجتمع يوجد أيتام فقدوا آباءهم منذ صغرهم، ومن الواضح أنّ هؤلاء الصّغار حرموا من طعم العاطفة والمحبّة الأبويّة ولم يتذوّقوها بالقدر الكافي، وهذا الأمر يشكّل ضررًا على شخصيّة هؤلاء الصّغار وقد يؤثّر عليهم سلبيًّا، بحيث يوجِد فيهم خصالاً سيّئة وخطيرة قد تنعكس على المجتمع فيما بعد، فإذا لم يقدم المجتمع على جبر هذا النّقص في المحبّة والحنان فإنّ اليتيم سينشأ ويكبر وفي شخصيّته نقص واضح وهذا يجعله شخصًا غير سليم، قاسي القلب، وأحيانًا قد ينحرف إلى ارتكاب الجرائم، لذلك فإنّ الإسلام المقدّس قد أولى هذه القضيّة اهتمامًا بالغًا وجعل من أهمّ أولويّات برنامجه التّربويّ رفع الحاجات الماليّة والعاطفيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة عند هذه الفئة من المجتمع، خصوصًا فيما يتعلّق بالعاطفة والمحبّة والمسائل الرّوحيّة والشّعوريّة العاطفيّة، فأوصى بذلك وحثّ على القيام به وجعل له الجزاء العظيم.

لقد كان النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحسن إلى اليتامى ويبرّهم ويوصي بهم، وجاء في حديث عن ابن أبي أوفى قال: كنّا جلوسًا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأتاه غلام فقال: غلام يتيم وأخت يتيمة وأمّ لي أرملة أطعمنا ممّا أطعمك الله، أعطاك الله ممّا عنده حتّى ترضى، قال: ما أحسن ما قلت يا غلام، اذهب يا بلال فأتنا بما كان عندنا، فجاء بواحد وعشرين تمرة فقال: سبع لك وسبع لأختك وسبع لأمّك، فقام إليه معاذ بن جبل فمسح رأسه وقال: جبر الله يتمك وجعلك خلفًا من أبيك وكان من أبناء المهاجرين. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): رأيتك يا معاذ وما صنعت، قال رحمته، قال: لا يلي منكم يتيمًا فيحسن ولايته ويضع يده على رأسه إلاّ كتب الله له بكلّ شعرة حسنة، ومحى عنه بكلّ شعرة سيّئة، ورفع له بكلّ شعرة درجة. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من مسح على رأس يتيم كان له بكلّ شعرة تمرّ به على يده نور يوم القيامة. وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنا وكافل اليتيم كهاتَيْن في الجنّة إذا اتّقى الله (عزّ وجلّ)، وأشار بالسّبابة والوسطى [261] .

يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ [262] .

يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) في وصيّته المعروفة: « الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم » [263] .


 


126- الكوثر


 

أجمع المؤرّخون والمفسّرون على أنّ الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أنجب من السّيّدة خديجة (عليه السّلام) من الذّكور القاسم وهو الولد الأكبر، ولد بعد البعثة النّبوية لذلك كُنِّيَ (عليه السّلام) بأبي القاسم، ثمّ ولد له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبد الله ويقال له الطّيب والطّاهر، لكن التّقدير والإرادة الإلهيّة شاءت أن لا يعيش للنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحد من أبنائه الذّكور.

ينقل عن ابن عبّاس: أنَّ العاص بن وائل السّهميّ رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخرج من المسجد فالتقيا عند باب بني سهم وتحدّثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد، فلمّا دخل العاص، قالوا: من الّذي كنت تتحدّث معه؟ قال ذلك الأبتر، وكان قد توفّي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو من خديجة وكانوا يسمّون من ليس له ابن أبتر، فسمَّته قريش عند موت ابنه أبتر وصنبورًا، فنزلت السّورة المباركة: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [264] .

والشّيء العجيب والمعجز في هذه السّورة المباركة أنّها تخبر عن الغيب، وهذا نوع من الاعجاز التّاريخيّ، فلو نظرنا في أيّامنا هذه إلى الواقع لرأينا أنّ أبناء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في العالم يتجاوز عددهم المئة مليون نسمة في حين أن لا خبر عن نسل العاص بن وائل، فمن هو الأبتر؟!.


 


127- تذرّع المشركين


 

بعدما سطع نور الإسلام وبدأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يبشر بالدّعوة والدّين الجديد « الإسلام »، وقف المشركون بوجه انتشار هذه الدّعوة، وعملوا جهدهم لإطفاء نور الإسلام بأعمالهم وأفواههم الملوّثة بشتّى أنواع الموبقات، لكنّ الله تعالى متمّ نوره ولا رادّ لإرادته ولو كره المشركون.

من الأشياء الغريبة والعجيبة الّتي طلبوها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعنوان المعجزات الخارقة أنّهم قالوا: يا محمّد تخبرنا أنّ موسى (عليه السّلام) كان معه عصا يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينًا، وتخبرنا أنّ عيسى (عليه السّلام) كان يحيي الموتى، وتخبرنا أنّ ثمود كانت لهم ناقة، فاتنا بآية من الآيات حتّى نصدّقك، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أيّ شيء تحبّون أن آتيكم به، قالوا: اجعل لنا الصّفا ذهبًا، وابعث لنا بعض موتانا حتّى نسألهم عنك أحقٌّ ما تقول أم باطل وأرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا بالله والملائكة قبيلاً، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدّقونني، قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتّبعنّك أجمعين، وسأل المسلمون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن ينزلها عليهم حتّى يؤمنوا، فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدعو أن يجعل الصّفا ذهبًا فجاءه جبرائيل (عليه السّلام)، فقال له: إن شئت أصبح الصّفا ذهبًا ولكن إن لم يصدّقوا عذّبتهم وإن شئت تركتهم حتّى يتوب تائبهم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): بل يتوب تائبهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية [265] : ﴿ وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ [266] .


 


128- ألف روح فداء الحبيب


 

عندما اجتمع المشركون وصمّموا على قتل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هبط جبرائيل الأمين وأخبر الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما عزمت عليه قريش وبطونها، فأمر الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليًّا (عليه السّلام) أن ينام مكانه وقد أحاط المشركون بالدّار يريدون قتل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال له: إتّشح ببردي الحضرميّ الأخضر، ونم على فراشي، فإنّه لا يصل منهم إليك مكروه إن شاء الله تعالى، ففعل ذلك عليّ (عليه السّلام) فأوحى الله تعالى إلى جبرائيل وميكائيل (عليه السّلام): إنّي آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله تعالى إلَيْهما: أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا، فكان جبرائيل عند رأسه، وميكائيل عند رجلَيْه، وجبرائيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا عليّ؟ يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة. فأنزل الله على رسوله وهو متوّجه إلى المدينة في شأن عليّ (عليه السّلام): ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [267] .

وقد هاجر الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخلف أمير المؤمنين (عليه السّلام) بمكّة لقضاء ديونه والودائع الّتي كانت عنده [268] .

يقول الشّاعر المعروف حسّان بن ثابت في ليلة المبيت وغيرها من فضائل أمير المؤمنين (عليه السّلام):

مَن ذا بخاتَمه تصدّقَ راكعًا        وأسرّها في نفسه إسرارا

مَن كانَ باتَ على فراشِ محمّدٍ    ومحمّدٌ أسرى يَؤمُّ الغارا

مَن كان في القرآنِ سُمّيَ مؤمنًا     في تسعِ آياتٍ تُلينَ غزارا


 


129- زهرة الدّنيا الفانية


 

يقول أبو رافع وهو صحابيّ كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ تولّى بيت المال في عهد أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام): « نزل برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ضيف فبعثني إلى يهوديّ، فقال: قل إنّ رسول الله يقول: بعني كذا وكذا من الدّقيق أو أسلفني إلى هلال رجب، فأتيته، فقلت له، فقال: والله لا أبعه ولا أسلفه إلاّ بِرَهْن، فأتيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبرته، فقال: والله لو باعني أو أسلفني لقضيته وإنّي لأمين في السّماء وأمين في الأرض إذهب بدرعي الحديد إليه، فنزلت هذه الآية تسلية له عن الدّني [269] . ﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ ﴿ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [270] .

نعم لقد طلب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قرضًا من رجل يهوديّ، ولا يجب أن نتعجّب لهذا الأمر لأنّ الدّنيا وما فيها لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « والّذي نفس محمّد بيده لو أنَّ الدّنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة (أو ذباب) ما سقى الكافر والفاجر منها شربة من ماء » [271] .


 


130- خطط المنافقين


 

من المعروف أنّ اليهود كانوا وما زالوا من أشدّ أعداء المسلمين والدّين الإسلاميّ، وكانوا يجهدون في مواجهة الدّين الجديد ويضعون لذلك الخطط والمكائد المشؤومة، ومن ذلك أنّهم يوجدون الشّبهات ويبثّونها بين المسلمين ليحرفونهم عن إيمانهم، أو يدخلون الشّك إلى قلوبهم. من هذه الطّروحات والمكائد أنَّه تواطأ اثنا عشر رجلاً من أحبار يهود خيبر وقرى عرينة، وقال بعضهم لبعض: أدخلوا في دين محمّد أوّل النّهار باللّسان دون الاعتقاد واكفروا به آخر النّهار، وقولوا: أنّا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمّدًا ليس بذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في دينه، وقالوا: أنّهم أهل الكتاب وهم أعلم به منّا، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم. ولمّا حوّلت القبلة إلى الكعبة شقّ ذلك على اليهود، فقال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بالله وبما أنزل على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أمر الكعبة وصلّوا إليها أوّل النّهار وارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكّون [272] . فنزلت الآية المباركة: ﴿ وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [273] .


 


131- شجاعة قنبر


 

كان الحجّاج بن يوسف رجلاً فاجرًا فاسقًا قاسي القلب عُيِّن واليًا على الفرات من قبل عبد الملك بن مروان، وكان ينكّل بأصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام). أدخل عليه قنبر مولى أمير المؤمنين (عليه السّلام) يومًا فقال الحجّاج: ما الّذي كنت تلي عليّ بن أبي طالب؟ قال: كنت أوضّيه، فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟ فقال: كان يتلو هذه الآية: ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  ﴾ [274] . فقال الحجّاج: أظنّه كان يتأوّلها علينا؟ قال: نعم. فقال الحجّاج: ماذا تقول إذا أمرنا بقطع عنقك؟ قال: أنال سعادة الشّهادة وتنال بلادة الشّقاوة. فأمر الحجّاج بقتله فاستشهد رحمه الله [275] .


 


132- خادمة السّيّدة الزّهراء (عليها السّلام)


 

كان المسلمون في بداية الدّعوة الإسلاميّة يعيشون في ضائقة معيشيّة لجهة وسائل العيش والمادّة، فكانت حياتهم بسيطة جدًّا ومرهقة، حتّى أنّ السّيّدة فاطمة الزّهراء (عليها السّلام) والّتي كلّما ذكرها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: فداها أبوها، كانت تطحن على الرّحى وتعجن وتخبز وتعدّ الطّعام لزوجها وأولادها حتّى أرهقت وتورّمت يداها، حتّى أنّ عليًّا (عليه السّلام) قال: اشتكي ممّا أندى بالقُرَب، فقالت فاطمة (عليها السّلام): والله إنّي أشتكي يدي ممّا أطحن بالرّحى. وكان عند النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أسارى فأمرها أن تطلب من النّبيّ خادمًا، فدخلت على النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسلّمت عليه ورجعت، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): ما لكِ؟ قالت: والله ما استطعت أن أكلّم رسول الله من هيبته، فانطلق عليّ معها إلى النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال لهما: جاءت بكما حاجة؟ فقال عليّ (عليه السّلام): مجاراتهما، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لا ولكنّي أبيعهم وأنفق أثمانهم على أهل الصّفة، ولمّا ذكرت حالها وسألت جارية بكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا فاطمة والّذي بعثني بالحقّ إنَّ في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام ولا ثياب ولولا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت، يا فاطمة إنّي لا أريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية وإنّي أخاف أن يخصمك عليّ بن أبي طالب يوم القيامة بين يدَي الله (عزّ وجلّ) إذا طلب حقّه منك، ثمّ علّمها صلاة التّسبيح، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): مضيت تريدين من رسول الله الدّنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة، فلمّا خرجت فاطمة (عليها السّلام) من عنده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنزل الله سبحانه على رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ يعني عن قرابتك وابنتك فاطمة (عليهما السّلام) ابتغاء، يعني طلب رحمة من ربّك، يعني رزقًا من ربّك ترجوها: ﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ يعني قولاً حسنًا، فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جارية إليها للخدمة وسمّاها فضّة [276] .


 


133- القرآن الكريم محور الحديث


 

القرآن كتاب الله والمعجزة الخالدة ورسالة النّبيّ المسدّد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتم الرّسل والأنبياء، وهو دستور المسلمين والبشريّة جمعاء على مدى العصور والأزمنة.

قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [277] . لذلك يتوجّب على المسلمين واتّباع الدّين الحقّ أن يستفيدوا من هذا الكتاب حقّ الاستفادة وذلك بالرّجوع إلى العالِمِين به والرّاسخين في العلم وهم أهل البيت (عليهم السّلام) ومدرستهم الخالدة، فمدرستهم هي الدّليل الواضح والنّور الّذي يضيء السّبل في مسير البشريّة ومسيرة تعلُّم القرآن وفهم تعاليمه وآياته.

عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) إذا حدّثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله، ثمّ قال: وفي حديثه إنَّ الله نهى عن القيل والقال، وفساد المال وكثرة السّؤال، فقيل: يا بن رسول الله وأين هذا من كتاب الله؟ قال: إنَّ الله يقول: ﴿ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وقال: ﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ وقال: ﴿ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ يستفاد من هذه الأخبار بعد ضمّ بعضها إلى بعض أنَّ السّفه مقابل للرّشد، كما ذكره الأصحاب [278] .


 


134- بشارة لشيعة أهل البيت (عليهم السّلام)


 

لكلّ إنسان في هذه الدّنيا هدف يعمل لأجله ولأجل تحقيقه، والبشريّة وحتّى الوجود بشكل عام له هدف وغاية، والخلق إنّما وجد لغاية وهدف أيضًا، فعندما يتعرّف الإنسان حقيقة إلى هدفه الأصليّ والنّهائيّ يسعى لأجل تحقيقه والوصول إلى كماله.

فالمدارس الماديّة من جهتها تعدّ أنّ الهدف النّهائيّ هو الرّفاهية في الحياة والتّمتّع بكلّ ما فيها من نِعَم، بغضّ النّظر عن الوسيلة لذلك، لكنّ المدرسة الإلهيّة (مدرسة الإسلام) تعدّ أنّ الهدف النّهائيّ هو التّوحيد الّذي يمرّ عبر التّجذّر بالدّين والقيم الحقّة السّامية، ونشر الأمن والأمان وتحكُّم قواعد العبوديّة وأصولها. وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [279] ، فالعبادة « عبادة الله الواحد » هي الهدف من الخلق.

والعبادة هذه حاجة إنسانيّة والله غنيّ عن عبادة البشر، لكنّ الإنسان يحتاجها في طيّ مسيره التّكامليّ للوصول إلى الكمال النّفسيّ والجسديّ. العبادة الّتي تربّي الإنسان وتهذّبه وتؤدّبه وتربّي روحه وباطنه، العبادة الخالية من أيّ نوع من الشّرك (العلنيّ والخفيّ)، العبادة الّتي تنفي كلّ ما عدا الله (عزّ وجلّ)، وتمحق كلّ قانون غير قانونه وحكم غير حكمه وتطرد حكم الشّيطان ووساوسه وهوسه.

وهكذا عبادة لا يمكن أن تكون إلاّ في ظلّ حكومة صالحة وحكم ينفّذ قوانين الله وأحكامه، وحكّام مؤمنين صالحين، من هنا كان الوعد الإلهيّ الحتميّ بتشكيل هكذا حكومة وإقامة مثل هذه الدّولة، وهذا وعد للمؤمنين الصّالحين. يقول المولى (عزّ وجلّ): ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [280] .

عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليهم السّلام) أنّه قرأ الآية، وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت، يفعل ذلك بهم على يدَيْ رجل منّا، وهو مهديّ هذه الأمّة، وهو الّذي قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم (واحد) لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا.

وروي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السّلام) قال: فعلى هذا يكون المراد بالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات النّبيّ وأهل بيته. فقوله: (عليه السّلام) هم والله شيعتنا يفعل ذلك بهم يعني تبديل الخوف بالأمن إنّما يكون لهم [281] .

وجاء في ينابيع المودّة لذوي القربى لحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحنفيّ: وقوله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ . عن إسحاق بن عبد الله عن الإمام زين العابدين (عليه السّلام) قال: هذه الآية نزلت في القائم المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف). وأيضًا قال: قوله تعالى: ﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ أي إنّ قيام قائمنا لحقّ: ﴿ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾. وروي عن الباقر والصّادق (عليهما السّلام) في قوله تعالى: ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ ﴾. قالا: نزلت في القائم (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) وأصحابه.

وفي تفسير العيّاشيّ: إنّ عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) قرآ آية: ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ ﴾ قال: والله هم محبينا أهل البيت، يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منّا، وهو مهديّ هذه الأمّة.

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يأتي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً، كما مُلِئت ظلمًا وجورًا [282] .


 


135- زهد الوصيّ (عليه السّلام)

 

لمّا نزلت الآية الشّريفة: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ [283] . وفيها توبيخ للكفّار لمّا فضّلوا التّمتّع بالطّيبات واللّذات، آثر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) الزّهد والتّقشّف واجتناب التّرفّه والنّعمة.

يقول عمر بن الخطّاب استأذنت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدخلت عليه في مشربة أمّ إبراهيم وأنَّه لمضطجع على خصفة وأنَّ بعضه على التّراب وتحت رأسه وسادة محشوّة ليفًا فسلّمت عليه، ثمّ جلست فقلت: يا رسول الله أنت نبيّ الله وصفوته وخيرته من خلقه وكسرى وقيصر على سرر الذّهب وفرش الدّيباج والحرير، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أولئك قوم عجّلت طيباتهم وهي وشيكة الانقطاع وإنّما أخّرت لنا طيّباتنا.

وقال عليّ بن أبي طالب عليه أفضل الصّلوات في بعض خطبه: والله لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل ألا تنبذها، فقلت: أعزب عنّي فعند الصّباح يحمد القوم السّرى.

وروى محمّد بن قيس عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) أنَّه قال: والله إن كان عليّ (عليه السّلام) ليأكل أكلة العبد ويجلس جلسة العبد وإن كان يشتري القميصَيْن فيخيِّر غلامه خيرهما ثمّ يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه، ولقد ولي خمس سنين، ما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أورث بيضاء ولا حمراء، وإن كان ليطعم النّاس على خبز البرّ واللّحم وينصرف إلى منزله فيأكل خبز الشّعير والزّيت والخلّ، وما ورد عليه أمران كلاهما لله (عزّ وجلّ) فيه رضى إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه ولقد اعتق ألف مملوك من كدّ يمينه تربت منه يداه وعرق فيه وجهه وما أطاق عمله أحد من النّاس بعده وإن كان ليصلّي في اليوم واللّيلة ألف ركعة وإن كان أقرب النّاس شبهًا به عليّ بن الحسين (عليه السّلام) ما أطاق عمله أحد من النّاس بعده، ثمّ أنَّه قد اشتهر في الرّواية أنَّه (عليه السّلام) لمّا دخل على العلاء بن زياد بالبصرة يعوده، قال له العلاء: يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد لبس العباءة وتخلّى من الدّنيا فقال (عليه السّلام): علَيَّ به، فلمّا جاء به، قال: يا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث أما رحمت أهلك وولدك أترى الله أحلّ لك الطّيّبات وهو يكره أن تأخذها أنت أهون على الله من ذلك، قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك، قال: ويحك إنّي لست كأنت إنَّ الله تعالى فرض على أئمّة الحقّ أن يقدّروا أنفسهم بضعفة النّاس كي لا يتبيّغ بالفقير فقره [284] .


 


136- عناد الفراعنة واستكبارهم


 

لمّا آمنت السّحرة ورجع فرعون مغلوبًا وأبى هو وقومه إلاّ الإقامة على الكفر، قال هامان لفرعون: إنَّ النّاس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه، فحبس كلّ من آمن به من بني إسرائيل فتابع الله عليهم بالآيات وأخذهم بالسّنين ونقص من الثّمرات، ثمّ بعث عليهم الطّوفان فضرب دورهم ومساكنهم حتّى خرجوا إلى البرّيّة وضربوا الخيام وامتلأت بيوت القبط ماء ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة، وأقام الماء على وجه أرضهم لا يقدرون على أن يحرثوا، فقالوا لموسى: أدعو لنا ربّك أن يكشف عنّا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف عنهم الطّوفان فلم يؤمنوا، وقال هامان لفرعون: لئن خلّيت بني اسرائيل غلبك موسى وأزال ملكك وأنبت الله لهم في تلك السّنة من الكلأ والزّرع والثّمر ما أعشبت به بلادهم وأخصبت، فقالوا: ما كان هذا الماء إلاّ نعمة علينا وخصبًا، فأنزل الله سبحانه عليهم في السّنة الثّانية وفي الشّهر الثّاني الجراد فجردت زروعهم وأشجارهم حتّى كانت تجرد شعورهم ولحاهم وتأكل الأبواب والثّياب والأمتعة وكانت لا تدخل بيوت بني إسرائيل ولا يصيبهم من ذلك شيء، فعجّوا وضجّوا وجزع فرعون من ذلك جزعًا شديدًا، وقال: يا موسى ادع لنا ربّك أن يكشف عنّا الجراد حتّى أخلّي عن بني إسرائيل، فدعا موسى (عليه السّلام) ربّه فكشف عنه الجراد بعدما أقام عليهم سبعة أيّام من السّبت إلى السّبت، وقيل إنّ موسى (عليه السّلام) برز إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت الجراد من حيث جاءت حتّى كأن لم يكن قط، ولم يدَعْ هامان فرعون أن يخلّي عن بني إسرائيل، فأنزل الله تعالى عليهم في السّنة الثّالثة وفي الشّهر الثّالث القمل والجراد وهو الجراد الصّغار الّذي لا أجنحة له وهو شرّ ما يكون وأخبثه، فأتى على زروعهم كلّها واجتثّها من أصلها فذهبت زروعهم ولحس الأرض كلّها وقيل أمر موسى أن يمشي إلى كثيب أعفر بقرية من قرى مصر تدعى عين الشّمس، فأتاه فضربه بعصاه فانثال عليهم قملاً فكان يدخل بين ثوب أحدهم فيعضّه، وكان يأكل أحدهم الطّعام فيمتلىء قملاً، فكان الرّجل يخرج عشرة أجربة إلى الرّحى فلم يردّ منها ثلاثة أقفزة فلم يصابوا ببلاء كان أشدّ عليهم من القمل، وأخذت أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ولزمت جلودهم كأنّه الجدريّ عليهم ومنعتهم من النّوم والقرار، فصرخوا وصاحوا، فقال فرعون لموسى: أدع لنا ربّك لئن كشفت عنّا القمل لأكفّنّ عن بني إسرائيل، فدعا موسى (عليه السّلام) حتّى ذهب القمل بعدما قام عددهم سبعة أيّام من السّبت إلى السّبت، فنكثوا فأنزل الله عليهم في السّنة الرّابعة وفي الشّهر الرّابع الضّفادع فكانت تكون في طعامهم وشرابهم وامتلأت منها بيوتهم وأبنيتهم فلا يكشف أحد ثوبًا ولا إناءً ولا طعامًا ولا شرابًا إلاّ وجد فيه الضّفادع وكانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم ما فيها، وكان الرّجل يجلس إلى ذقنه الضّفادع ويهمّ أن يتكلّم فيثب الضّفدع في فيه (فمه) ويفتح فاه لأَكْلَتِه فيسبق الضّفدع أَكْلَتَه إلى فيه، فلقوا منها أذى شديدًا، فلمّا رأوا ذلك بكوا وشكوا إلى موسى (عليه السّلام) وقالوا: هذه المرّة نتوب ولا نعود، فادع الله أن يُذْهِب عنّا الضّفادع فإنّا نؤمن بك ونرسل معك بني اسرائيل فأخذ عهودهم ومواثيقهم، ثمّ دعا ربّه فكشف عنهم الضّفادع بعدما أقام عليهم سبعًا من السّبت إلى السّبت، ثمّ نقضوا العهد وعادوا لكفرهم، فلمّا كانت السّنة الخامسة أرسل الله تعالى عليهم الدّم، فسال ماء النّيل عليهم دمًا، فكان القبطيّ يراه دمًا والإسرائيليّ يراه ماء فإذا شربه الإسرائيلي كان ماء وإذا شربه القبطيّ كان دمًا وكان القبطيّ يقول للاسرائيليّ خذ الماء في فيك وصبّه في فيّ فكان إذا صبّه في فم القبطيّ تحوّل دمًا، وإنَّ فرعون اعتراه العطش حتّى إنّه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرّطبة فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه دمًا فمكثوا في ذلك سبعة أيّام لا يأكلون إلاّ الدّم ولا يشربون إلاّ الدّم، فأتوا موسى (عليه السّلام)، فقالوا: ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذا الدّم فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فلمّا دفع الله عنهم الدّم لم يؤمنوا ولم يخلّوا عن بني إسرائيل  [285] .

﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [286] .


 


137- الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحبّ إلى المؤمن من نفسه


 

كان مولى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويُدعى ثوبان شديد الحبّ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قليل الصّبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيّر لونه ونحل جسمه، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا ثوبان ما غيّر لونك، فقال: يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع، غير أنّي إذا لم أرك اشتقت اليك حتّى ألقاك، ثمّ ذكرت الآخرة فأخاف إنّي لا أراك هناك لأنّي عرفت أنّك ترفع مع النّبيّين وإنّي إن أُدخلت الجنّة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنّة فذاك حتّى لا أراك أبدًا، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): والّذي نفسي بيده لا يؤمننّ عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه وأبوَيْه وأهله وولده والنّاس أجمعين، وقيل إنّ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قالوا: ما ينبغي لنا أن نفارقك فإنّا لا نراك إلاّ في الدّنيا وأمّا في الآخرة فإنّك ترفع فوقنا بفضلك فلا نراك فنزلت الآية الشّريفة [287] : ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً [288] .


 


138- وارث علم الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)


 

يقول تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدىً وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ [289] .

عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: « كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جالسًا في مسجده في رهط من أصحابه، فيهم أبو بكر، وأبو عبيدة، وعمر، وعثمان، وعبد الرّحمان، ورجلان من قرّاء الصّحابة ... (إلى قوله) حاكيًا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): وقد أوحى إليّ ربيّ جلّ وتعالى أن أذكّركم بأنعمه، وأنذركم بما اقتصّ عليكم من كتابه، وأملى ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ﴾ الآية، ثمّ قال: قولوا الآن قولكم: ما أوّل نعمة رغّبكم الله وبلاكم بها؟ فخاض القوم جميعًا فذكروا نعم الله الّتي أنعم عليهم وأحسن عليهم بها من المعاش، والرّياش، والذّريّة، والأزواج إلى ساير ما بلاهم الله (عزّ وجلّ) من أنعمه الظّاهرة، فلمّا أمسك القوم أقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على عليّ (عليه السّلام) فقال: يا أبا الحسن، قل، فقد قال أصحابك، فقال: وكيف لي بالقول ـ فداك أبي وأمّي ـ وإنّما هدانا الله بك! قال: ومع ذلك فهات، قل، ما أوّل نعمة بلاك الله (عزّ وجلّ) وأنعم عليك بها؟ قال: أن خلقني ـ جلّ ثناؤه ـ ولم أك شيئًا مذكورًا، قال: صدقت. فما الثّانية؟ قال: أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيًّا لا مواتًا، قال: صدقت. فما الثّالثة؟ قال: أن أنشأني ـ فله الحمد ـ في أحسن صورة، وأَعْدَل تركيب، قال: صدقت. فما الرّابعة؟ قال: أن جعلني متفكّرًا راغبًا، لا بلهة ساهيًا، قال: صدقت. فما الخامسة؟ قال: أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها، وجعل لي سراجًا منيراً، قال: صدقت. فما السّادسة؟ قال: أن هداني الله لدينه، ولم يضلّني عن سبيله، قال: صدقت. فما السّابعة؟ قال: أن جعل لي مردًّا في حياة لا انقطاع لها، قال: صدقت. فما الثّامنة؟ قال: أن جعلني ملكًا مالكًا لا مملوكًا، قال: صدقت. فما التّاسعة؟ قال: أن سخّر لي سماءه وأرضه، وما فيهما وما بينهما من خلقه، قال: صدقت. فما العاشرة؟ قال: أن جعلنا سبحانه ذكرانًا قوّامًا على حلائلنا لا إناثًا، قال: صدقت. فما بعدها؟ قال: كثرت نعم الله يا ـ نبيّ الله ـ فطابت، ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾، فتبسّم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: ليهنئك الحكمة، ليهنئك العلم ـ يا أبا الحسن ـ فأنت وارث علمي، والمبيّن لأمّتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبّك لدينك، وأخذ بسبيلك فهو ممّن هُدِيَ إلى صراط مستقيم، ومن رغب عن هداك، وأبغضك، وتخلاّك لقى الله يوم القيامة لا خلاق له... والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة [290] .


 


139- أحبّاء الله تعالى


 

قال أبو عبد الله (عليه السّلام): إنّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفَيْ عام، فجعل أعلاها وأشرفها (أرواح) محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ والحسن والحسين (عليه السّلام) والأئمّة صلوات الله عليهم، فعرضها على السّماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم، فقال الله تبارك وتعالى للسّماوات والأرض والجبال: هؤلاء أحبّائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمّة بريّتي، ما خلقت خلقًا هو أحب إليّ منهم، لهم ولمن تولاّهم خلقت جنّتي، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري، فمن ادّعى منزلتهم منّي ومحلّهم من عظمتي عذّبته عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين، وجعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري، ومن أقرّ بولايتهم ولم يدع منزلتهم منّي ومكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جناتي، وكان لهم فيها ما يشاؤون عندي، وأبحتهم كرامتي، وأحللتهم جواري، وشفّعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي، فولايتهم أمانة عند خلقي، فأيّكم يحملها بأثقالها ويدّعيها لنفسه (دون خيرتي)؟ فأبت السّماوات والأرض والجبال أن يحملنها، وأشفقن منها من ادّعاء منزلتها وتمنّي محلّها من عظمة ربّهم، فلمّا أسكن الله (عزّ وجلّ) آدم (عليه السّلام) وزوجته الجنّة قال لهما: ﴿ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾ يعنى شجرة الحنطة ﴿ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ فنظرا إلى منزلة محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة بعدهم فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة فقالا: ربّنا لمن هذه المنزلة؟ فقال الله جلّ جلاله: إرفعا رؤوسكما إلى ساق العرش، فرفعا رؤوسهما، فوجدا أسماء محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسن والأئمّة (عليهم السّلام) مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبّار جلّ جلاله، فقالا: يا ربّنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك وما أحبّهم إليك وما أشرفهم لديك؟ فقال الله جلّ جلاله: لولاهم ما خلقتكما، هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سرّي، إيّاكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتمنّيا منزلتهم عندي ومحلّهم من كرامتي، فتدخلان بذلك في نهيي وعصياني فتكونا من الظّالمين، قالا: ربّنا ومن الظّالمون؟ قال: المدّعون لمنزلتهم بغير حقّ، قالا: ربّنا فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتّى نراها كما رأينا منزلتهم في جنّتك، فأمر الله تبارك وتعالى النّار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النّكال والعذاب وقال (عزّ وجلّ): مكان الظّالمين لهم المدّعين لمنزلتهم في أسفل درك منها، كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وكلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب، يا آدم ويا حوّاء لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري، وأحلّ بكما هواني ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ وحملهما على تمنّي منزلتهم فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتّى أكلا من شجرة الحنطة، فعاد مكان ما أكلا شعيرًا فأصل الحنطة كلّها ممّا لم يأكلاه، وأصل الشّعير كلّه ممّا عاد مكان ما أكلاه، فلمّا أكلا من الشّجرة طار الحليّ والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانَيْن، ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ قال: اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنّتي من يعصيني، فهبطا موكولَيْن إلى أنفسهما في طلب المعاش، فلمّا أراد الله (عزّ وجلّ) أن يتوب عليهما جاءهما جبرائيل (عليه السّلام) فقال لهما: إنّكما إن ظلمتما أنفسكما بتمنّي منزلة من فُضِّل عليكما فجزاؤكما كما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله (عزّ وجلّ) إلى أرضه، فسلا ربّكما بحقّ الأسماء الّتي رأيتموها على ساق العرش حتّى يتوب عليكما، فقالا: اللّهمّ إنا نسألك بحقّ الأكرمين عليك محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة إلا تبت علينا ورحمتنا، فتاب الله عليهما إنَّه هو التّوّاب الرّحيم، فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من (أمّتهم) فيأبون حملها ويشفقون من ادّعائها، وحملها الإنسان الّذي قد عرف بأصل كلّ ظلم منه إلى يوم القيامة وذلك في قول الله (عزّ وجلّ): ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [291] .


 


140- دعاء المضطر


 

الدّعاء إضافة إلى أنّه عبادة، فهو وسيلة لبناء النّفس وتكاملها، ونافذة إلى النّجاة، وصلة الوصل بين العبد وخالقه، فعندما تسدّ جميع الأبواب والطّرق والأسباب الظّاهرية بوجه الإنسان، فإنَّ الله تعالى هو الوحيد الّذي يستطيع أن يفتحها ويقذف نور الأمل في قلب الإنسان، فإذا وصل الإنسان إلى مرحلة اليأس بحيث تقفل بوجهه السّتائر الظّاهرية، فإنَّ مسبّب الأسباب يفتح له أبواب الرّحمة الإلهيّة ويريه ساحل النّجاة، خصوصًا إذا ما دعاه العبد بقلب طاهر ونيّة خالصة.

يقول تعالى: ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [292] .

إذا وصلت البشريّة إلى حالة الاضطرار، وجمعت لها شروط الاستجابة، فإنَّ المولى تعالى يجيبها، والاضطرار له أبعاد وتجلّيات عديدة من أهمّها: عندما تصل البشريّة إلى حالة من السّوء ينعدم فيها الأمن والعدل والمساواة الاجتماعيّة، ويعمّ الفساد والظلم والقهر، عند ذلك لا بدّ من منجي للبشريّة يخلّصها من كلّ الموبقات والفساد والظّلم وينشر راية العدل والمساواة والمحبّة بين جميع البشر، وهذا الأمر لا يتحقّق إلاّ على يد وليّ من أولياء الله ذخره الله تعالى لمثل هذه الحالة.

ورد في كثير من الرّوايات والتّفاسير أنَّ الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) هو المضطر في كتاب الله تعالى.

قال أبو جعفر (عليه السّلام): والله لكأنّي أنظر إلى القائم وقد استند ظهره إلى الحجر، ثمّ ينشد حقّه إلى أن قال: هو والله المضطر في كتاب الله في قوله: ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ ﴾ فيكون أوّل من يبايعه جبرائيل (عليه السّلام) ثمّ الثّلاثمائة والثّلاثة عشر رجل [293] .

وعن الإمام الصّادق (عليه السّلام): « نزلت في القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هو والله المضطر إذا صلّى في المقام ركعتَيْن ودعا إلى الله عزّ وجلّ فأجابه ويكشف السّوء ويجعله خليفة في الأرض » [294] .


 


141- المفقودون في الوصال


 

إنّ حركة العالم الماديّة تدور حول محور العلل والأسباب، فوجود كلّ شيء بحاجة إلى علّة توجده، وإنجاز أيّ عمل له سبب يسبّبه، وحركة أيّ متحرّك له محرّك وبحساب ومقدار، فالنّجوم والكواكب والشّموس كلّها تدور وتسبّح في فلك محدّد وبحركة مقدّرة متناسقة في نظام قد وضعه لها خالقها، بحيث لا تحيد عنه أبدًا إلاّ بإذنه.

غير أنّه وفي بعض الحالات تخرج بعض الأعمال والمسائل في العالم عن دائرة الحسابات البشريّة ومقاييسها، وتنصاع لإرادة خالقها ومشيئته، فإذا أراد المولى تعالى شيئًا ﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾، فتصبح نار النّمرود بردًا وسلامًا، ويخرج من الصّخر الأصّم ينابيع الماء، وينشقّ البحر بأمره، وترجع الشّمس من مغيبها بإرادته ويولد عيسى النّبيّ (عليه السّلام) من غير أب، وينشقّ القمر نصفَيْن بإشارة من إصبع الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويولد طفل من أب عجوز بلغ 112 سنة من عمره وأمّ عاقر عجوز، وغير ذلك من الأمور والمعاجز.

إنّ ذلك على الله سبحانه هيّن يسير: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [295] .

إنّ هذا الأمر ينطبق على الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) وأصحابه، بحيث تحصل بعض المسائل الخارجة عن حسابات البشر وتصوّرهم. فالرّوايات كلّها تشير إلى اجتماع أصحاب الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) وعددهم 313 نفرًا يأتون من جميع أقطار العالم في ساعة واحدة، يجتمعون حوله ويبايعونه، فعندما تنقشع غيوم الغيبة عن شمس الإمامة ويظهر قائم آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحضر له الأصحاب من أماكن بعيدة وبمعجزة خارقة، أمّا كيف يحصل ذلك؟

عن الإمام أبي جعفر (عليه السّلام): « يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف ».

وعن الرّضا (عليه السّلام): « وذلك والله أن لو قام قائمنا يجمع الله إليه جميع شيعتنا من جميع البلدان [296]  وهو قول أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام): هم المفقودون عن فرشهم وذلك قول الله تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [297] .


 


142- جيش 313

 

هناك رموز خفيّة في بعض الأعداد تثير العجب عند البشر، من هذه الأعداد مثلاً: الأقاليم السّبعة، أيّام الأسبوع سبعة، سورة الحمد في أوّل القرآن وعدد آياتها سبعة، السّماوات السّبع، أبواب جهنّم سبعة، الإنفاق في الإسلام وتشبيهه بالسّنابل السّبع، حلم عزيز مصر بسبع بقرات سمان وسبع عجاف، ثمّ البحار السّبع في سورة لقمان وغيرها من الأمثلة.

من الأعداد العجيبة العدد: 313 والّذي من دلالاته في عدد المحاربين والأنصار « النّصر »، فكلّ جيش يكون عدد أفراده 313، أو فيه إشارة في هذا العدد سيكون النّصر حليفه بمشيئة الله تعالى وعونه.

وفي التّاريخ أمثلة عديدة على ذلك منها: « الحرب بين طالوت وجالوت، في هذه الحرب نصر الله تعالى طالوت بجيش قوامه 313 نفرًا على جالوت الّذي كان معه الآلاف المؤلّفة من الرّجال.

كذلك في معركة بدر الكبرى، بين الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن معه من المسلمين وكان عددهم 313 من جهة، وقريش والمشركين ومن كان يؤازرهم « عشرة آلاف مقاتل » من جهة أخرى، فنصر الله تعالى رسوله وأيّده بهذا العدد القليل، فاستشهد من المسلمين 22 نفرًا، أمّا الأعداء فقتل منهم سبعون وأُسِرَ سبعون وفرّ الباقون.

لقد كانت هذه المعركة درسًا مهمًّا للمسلمين ولمن جاء بعدهم، وأنّ ميزان النّصر في المعارك لا يقوم على الكثرة والقلّة، وهذا ليس معيارًا في الحروب بل المعيار الوقوف مع الحقّ، والإيمان بالقضيّة الّتي تقاتل من أجلها والثّبات والصّبر في المعركة. فكثرة أهل الباطل وامتلاكهم للثّروات والأموال ليس له أثر في مقابل الحقّ وأهله وإن قلّ النّاصر والمال.

يقول تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ ( [298] .

والعدد 313 ينطبق أيضًا على أنصار الإمام صاحب العصر والزّمان « أرواحنا له الفداء » الّذين يجتمعون معه في الكعبة ويبايعونه.

نعم إنّ محبّي أهل البيت وشيعتهم والمستضعفين في الأرض ينتظرون بفارغ الصّبر لكي يتشكّل هذا الجيش، بحيث أشار المولى تعالى في سورة القصص الآية « 5 و 6 » إلى حكم المستضعفين وإقامة دولتهم في الأرض حيث يقول: ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ [299] .

نسأل الله العليّ القدير أن يتمّ نوره بظهور صاحب الأمر (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) وتشكيل ذلك الجيش المؤيّد ويجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يدَيْه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.


[254] تفسير البيان: ج9 ـ 10، ص 194 ـ 195.

[255] سورة الحجرات، الآيات: 2 ـ 5.

[256] سورة آل عمران، الآية: 140.

[257] الاختصاص، الشّيخ المفيد، ص 158.

[258] سورة آل عمران، الآية: 146.

[259] راجع تفسير الميزان: ج3، ص 233 ـ 234، 228 ـ 229.

[260] تفسير البرهان: ج1 ـ ص 306، ج4، ص 228 ـ 234.

[261] تفسير نور الثّقلَيْن: ج5 ـ ص 596 ـ 597.

[262] سورة الضّحى، الآية: 9.

[263] نهج البلاغة: الرّسالة 47.

[264] سورة الكوثر، راجع تفسير مجمع البيان، ج9 ـ 10، ص 836.

[265] تفسير مجمع البيان: ج4 ـ 5، ص 540.

[266] سورة الأنعام، الآية: 109.

[267] سورة البقرة، الآية: 207.

[268] الغدير: الشّيخ المفيد، ج2، ص 47، وتفسير نور الجنان، ج2، ص 150.

[269] تفسير مجمع البيان: ج7 ـ 8، ص 59.

[270] سورة طه، الآية: 131 وسورة الزّخرف، الآيات: 33 ـ 35.

[271] بحار الأنوار: ج61، ص 32، وأعيان الشّيعة: ج4، ص 233.

[272] تفسير مجمع البيان: ج1 ـ 2، ص 773.

[273] سورة آل عمران، الآية: 72.

[274] سورة الأنعام، الآيتان: 44 ـ 45.

[275] راجع تفسير نور الثّقلَيْن: ج1 ـ ص 719.

[276] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج3، ص 120.

[277] سورة النّحل، الآية: 89.

[278] الحدائق النّضرة، المحقّق البحرانيّ، ج20، ص 365 ـ 366، وأصول الكافي، ج1، ص 60.

[279] سورة الذّاريات، الآية: 56.

[280] سورة النّور، الآية: 55.

[281] التّفسير الصّافي، الفيض الكاشانيّ، ج3، ص 444.

[282] ينابيع المودّة، القندوزيّ، ج3، ص 245 ـ 246.

[283] سورة الأحقاف، الآية: 20.

[284] راجع: مجمع البيان، ج 9 ـ 10، ص 133 ـ 134.

[285] تفسير مجمع البيان ج3، 3 ـ 4، ص 721 ـ 722.

[286] سورة الأعراف، الآيات: 132 ـ 134.

[287] تفسير مجمع البيان، ج 3 ـ 4، ص 110 ـ 111.

[288] سورة النّساء، الآيتان: 69 ـ 70.

[289] سورة لقمان، الآية: 20.

[290] الرّهان في تفسير القرآن، ج11، ص13.

[291] بحار الأنوار: ج 26، ص 320.

[292] سورة النّحل، الآية: 62.

[293] تفسير نور الثّقلَيْن: ج1 ـ ص 139.

[294] كنز الدّقائق: ج8 ـ ص 589.

[295] سورة يس، الآية: 82.

[296] معجم أحاديث المهديّ: ج6 ص33.

[297] تفسير القُمّي: ج43 ص9. البقرة: 148.

[298] سورة آل عمران، الآية: 13.

[299] سورة القصص، الآيتان: 5 ـ 6.