الكتاب |
الفوز العظيم والخسران
المبين في القرآن الكريم |
تأليف |
الشيخ عارف هنديجاني فرد |
إعداد ونشر |
جمعية القرآن الكريم |
الطبعة |
الأولى: 1435هـ 2014م - لبنان - بيروت |
موقع جمعية القرآن الكريم |
www.qurankarim.org |
بريد جمعية
القرآن
الكريم |
info@qurankarim.org |
إذا كان الفوز المبين، والعظيم، يكمن في أن
يتبع الإنسان الهدى الإلهي الذي جاء به
الأنبياء والرسل، والذي هو أساس تحقيق الإنسان
فيما استخلف فيه ولأجله، كما قال الله تعالى:﴿
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَن
تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ
﴾
[1] ، فإنّ
الخسران المبين ليس شيئاً غير أن يكون الإنسان
قد خاف وحزن بما اختاره من بدائل لهدى الله
تعالى، وقد قيل للإمام علي ذات يوم، صف لنا
العاقل، فقال (عليه السلام): هو الذي يضع
الشيء مواضعهُ، قيل: فصف لنا الجاهل: قال: قد
فعلت»
[2] ،
وهذا يعني أنّ الجاهل هو الذي لا يضع الشيء
مواضعهُ، فكان ترك صفته صفة له، إذ كان بخلاف
وصف العاقل ..
وهكذا، يمكن أن يُقال فيمن خسر دينه ودنياه،
أنّه لم يفز فيهما بما آتاه الله تعالى من
نعَم ظاهرة وباطنة، فكان حاله كحال الإنسان
الجاهل عن علم، الذي يأتي بالذنب والمعصية
ويخاطر بنفسه في معصية ربه، وفي المجمع عن
الإمام الصادق (عليه السلام): «كل ذنب عمله
العبد وإن كان عالماً فهو جاهل حتى خاطر بنفسه
بمعصية ربه، فقد حكى الله سبحانه قول يوسف
لإخوته ﴿
هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ
وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ
﴾
[3]
،
فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية
الله تعالى.
إذن، الخسران المبين، هو عدم الفوز بما جاء به
الأنبياء، واتّباع الهوى، وغير ذلك مما ينعكس
خوفاً وحزناً وخسراناً مبيناً في الدنيا
والآخرة، ونحن إنّما نمهّد لهذا الفصل في ضوء
ما عرضنا له في مباحث الفوز العظيم، وكان من
الممكن تضمين هذا الفصل في المباحث السابقة،
إلاّ أنّنا وجدنا أنّ هناك الكثير من المطالب
التي يمكن الاستقلال في بحثها، بل رأينا أنّ
هذا الفصل يمكن أن يكون كتاباً مستقلاً لما
ينطوي عليه هذا المبحث من إشارات ولطائف
قرآنية تدعو الباحث إلى مزيد من التدبّر في
سياق الآيات لاستخلاص الكثير من النتائج
والعبر. كما أنّ مما دفعنا إلى الاستقلال في
هذا المبحث أيضاً، هو أننا لم نجد في سياق
آيات الفوز العظيم ما يجمع الخسران معه،
وإنّما اقتصرت الآيات على ترشيد الإنسان إلى
ما يكون به الفوز عظيماً ومبيناً، وكبيراً،
إضافة إلى مباحث الرضا والرضوان، وغير ذلك مما
اهتدينا إليه في المباحث السابقة.
لذا، فإنّ هذا المبحث يتضمّن معالجة وافية إن
شاء الله تعالى لموضوع الخسران المبين في
القرآن الكريم، على النحو الذي نستطيع معه
تظهير المعاني الحقيقة الكامنة في كثير من
السياقات القرآنية، على اعتبار أنّ الخسران له
علاقة بالنفس الإنسانية، تماماً مثلما أن
الفوز يعني فوز الإنسان في نفسه ودينه، وذلك
من منطلق أن الآيات في موضوع الخسران جاءت على
نحو الاستعارة والتشبيه والتمثيل، لتدلّل على
أن الفوز أو الخسران لا يكون بما يتوفّر عليه
الإنسان من تقنيات مادية، بل بما يكون له من
فوز في الدين، وفي كل ما هو روحي وإنساني
وأخلاقي، إذ لا اعتبار، كما هو ظاهر الكثير من
الآيات القرآنية، لما يفوز أو يخسر به الإنسان
مادياً، وهذا ما سنعرض له في مبحث اللغة إن
شاء الله تعالى.
لقد ذكر العلامة المجلسي في بحار الأنوار، كما
ذكرنا في المبحث السابق، أنّه في اتّباع
الهُدى الإلهي يكون الفوز العظيم، وفي تركه
الخطأ الكبير والخسران المبين
[4] ،
وهذا هو منطلق البحث أساساً، لأنّ قيمة
الإنسان فيما استخلف فيه أن يكون على بصيرة
مما شهد به في عالم روحه قبل أن يكون على ما
عليه من اختلاط بعالم الدنيا، وما يمكن أن
يجود به هذا العالم على الإنسان من شهوات
وملذّات، وبمقدار ما يكون للإنسان من ثبات في
عالم روحه وشهادته بمقدار ما يكون قادراً على
الاهتداء بأمر الله تعالى، وقد استخلف الإنسان
ليكون حرّاً مختاراً، وهو إنّما طلب الحريّة
لنفسه ليكون حاملاً للأمانة التي حملها
الإنسان وكان ظلوماً جهولاً..
[5] .
إذن، من عالم الحق الشهادة، ومن حيث المبدأ
يكون المنتهى، ولهذا، قال الإمام علي (عليه
السلام): رحم الله امرءاً علم من أين، وفي
أين، وإلى أين، وهو قولٌ ينطوي على مدلولات
هامة في سياق تحوّلات الإنسان نحو مصيره
المحتوم، والذي جعله الله تعالى، بما يؤول
إليه، مرتبطاً بما يهتدي به الإنسان في طيّ
مراحل وجوده، وفي كشف معالم خلوده. هناك حيث
يكون للإنسان معنى الفوز والخسران، إذ لا عبرة
بشيء في هذا العالم إلاّ أن يكون موصلاً إلى
الغاية، ومحققاً للفوز في الدنيا والآخرة، وقد
بينّا في بحوثنا السابقة أنّ حقيقة الفوز
إنّما تكون بما يبقى للإنسان، ويبقى الإنسان
له من أعمال صالحة، وإيمان يشكّل رأسمالاً حقيقياً
للإنسان في كلّ تحوّلاته. أما الخسران المبين،
فهو أن يتحول الإنسان عن ذات نفسه ليكون
خاسراً في الدنيا والآخرة، لأنّ الإنسان فيما
يختاره لنفسه من إيمان وعمل وسلوك غالباً ما
يتوهّم أنه السبيل إلى الفوز الحقيقي، وتكون
النتيجة الخسران المبين، وذلك كلّه إنّما يكون
له بسبب ما اعتقده وهماً، وتلبّس فيه زعماً،
هذا فضلاً عمّا يمكن أن يختاره الإنسان من
متاع وزينة في الدنيا يتعصّب لها ويأخذ به
متاع الغرور إلى أن يكون واهماً أنّ ما هو فيه
من نعمة مادية هو حقيقة النعمة، إلى غير ذلك
مما ابتلي به الإنسان في دار الامتحان، ويكون
مآله فيه إلى الخسران.!؟
وكيف كان، فإنّ تمهيدنا هذا هادف إلى تبيان
معنى أن يكون الإنسان على خسران مبين فيما
يختاره لنفسه، سواء في الدين، أم في الدنيا،
لأنّ سياق الآيات القرآنية يكشف لكل متدبّر
أنّ الحياة الماديّة مهما بلغت للإنسان، لا
تشكّل فوزاً، أو خسراناً حقيقياً، باعتبار
أنّه قد يكون الإنسان على فقر مادي ويكون
فائزاً، وقد يكون على غنىً في الحياة، ويكون
خاسراً، ما يعني أنّ مقياس الفوز والخسارة ليس
ما يتوفّر عليه الإنسان من متاع وزينة، وإنّما
بما يحققه لذاته من إيمان وتقوى، حيث قال الله
تعالى:﴿
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
﴾، فالتقوى هي ميزان
التفاضل، وهذه لا تكون إلاّ في ضوء ما أمر
الله به ونهى عنه. وبما أنّ الله تعالى قد هدى
الإنسان تكويناً وتشريعاً إلى ما تكون به
سعادته، منذ أن استخلفه في الأرض، فإنّه لن
تكون للإنسان تحولاته الحقيقية إلاّ إذا اتبع
هذا الهدى الإلهي وأخذ به في جميع شؤون حياته،
لقوله تعالى:﴿
قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى
﴾، وهذا قول يفيد
الحصر، لكونه ينفي أن يكون الهدى فيما قد
يزعمه الإنسان لنفسه بوحي في هوى نفسه، أو من
شيطانه الذي أقسم على التلبّس بالوسوسة
والاحتناك ليعدل الإنسان عن قصده، كما قال
الله تعالى:﴿
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ
لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ
﴾
[6] .
إنّه هدى الله تعالى الذي فيه منجاة من كل
هلكة، وقد أنعم الله تعالى به على الإنسان في
مواجهة الشيطان، الذي توعّد الإنسان أن يضلّه،
وأن يكون له منه نصيباً مفروضاً، وهذا ما
سنتوقّف عنده مليّاً في هذا المبحث، لكون
الشيطان الذي لعنه الله تعالى، فسق عن أمر
ربّه، وأقسم على تغيير خلق الله تعالى، كما
قال الله تعالى:﴿
لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ
مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً (118)
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ
الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن
يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ
اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً
﴾
[7] . ومن هنا،
ينكشف لنا معنى الخسران المبين ودور الشيطان
فيه، طالما أن الفوز المبين، كما أشرنا
سابقاً، إنّما يمثّل قمّة الانتصار على
الشيطان فيما يوسوس به ويدعو إليه من تغيير
خلافاً لما أمر الله به ونهى عنه، كما أن قمّة
الخسران تتجلّى في كون الإنسان يسمع لهتافه
ويستجيب لندائه، وهذا ما سيكون مثار بحوثنا
المقبلة، التي سنتعرّض من خلالها لجملة من
السياقات القرآنية لاستخلاص الموقف الرسالي
مما يسعى الإنسان إليه في دنياه، ويكون له من
خلاله الفوز أو الخسران، ذلك أنّ الإنسان في
كثير من أموره يختلط عليه الأمر ويعتقد أنّه
على فوز عظيم، ويكون، في حقيقة الأمر، على
خسران مبين، ويحسب أنّه يحسن صنعاً، كما قال
الله تعالى:﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ
أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
[8] .
وانطلاقاً من ذلك، نرى أنّ هذا التمهيد، وأي
تمهيد، لا يمكنه أن يستوعب كامل المطالب التي
يمكن أن يعرض لها الباحث، بل هو مجرّد إشارة
إلى جوهر البحث الذي يراد معالجته في طور
الإشكالية الكبرى، التي أشرنا إليها آنفاً،
وهي إشكالية متقوّمة بما يندفع إليه كل إنسان
في حياته، رغم اختلاف الميول والأهداف عند
البشر، بين مَن يرى أنّ الخسران إنّما يكمن في
التخلّي عن الدنيا لحساب الآخرة، وبين مَن يرى
أن الخسران ليس من متعلّقاته أبداً أن يتخلّى
الإنسان عن الدنيا، لقوله تعالى:﴿
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ
الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ
الدُّنْيَا
﴾
[9]
.
وهكذا، فإنّ الإشكالية ستبقى قائمة ومتحققة
طالما أنّ الإنسان يضطرب في فهم دنياه وآخرته،
في حين أن الآية واضحة فيما ترشد إليه وتدلّل
عليه، فهي لا تمنع الإنسان من الدنيا، بل
تدعوه إليها، ولكنّها في الوقت عينه تطالبه
بأن يتخذ من هذه الدنيا وسيلة وسبيلاً إلى
الآخرة ليكون له الفوز العظيم في الدنيا
والآخرة. أما ما يذهب إليه بعضهم من زهد
وتزهيد في الدنيا، ظنّاً منه أنّ الخسران
المبين كامن في الالتفات إليها، فذلك ليس ممّا
يمكن اعتباره إلاّ إذا أدّت الدنيا بالإنسان
إلى أن تكون منتهى بصره كحال الذي يتبصّر فيها
لذاتها دونما اعتبار لما وراءها. بيد أنّ هذا
الذي نذهب إليه لا يقلّل من قيمة الدنيا وما
جعلها الله تعالى عليه من دار ممرّ لدار مقرّ،
فهي دار لا بدّ من التحقق فيها والتمتّع
بنعيمها، ولكن يبقى الأساس لاعتبار الدنيا هو
ما أمر الله تعالى به، لأنها دار ومستقر إلى
حين، كما أنّها متجر أولياء الله تعالى إلى
رضوانه وليس من الخسران أبداً أن يتوفّر
الإنسان على نعمها طالماً أن النعمة هي طريق
وسبيل إلى الفوز بالآخرة. أما إذا اتبع
الشيطان فيما ادّعاه لنفسه وأقسم عليه، فلا
بدّ أن يكون حال الإنسان إلى الهوان والخسران،
بحيث يكون مصداقاً لقوله تعالى:﴿
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ
نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ
قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ
يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ
﴾
[10] ،
فالدنيا ليست شيئاً نكراً، ولا هي مجرّد دار
امتحان وابتلاء، بل هي دار تطلب بها الآخرة
لما يروى عن الإمام الصادق (عليه السلام)
حينما جاءه أحد أصحابه شاكياً أمره، وقال:
«والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتاها، فقال
(عليه السلام): تحبّ أن تصنع بها ماذا؟ قال:
أعود بها على نفسي وعيالي، وأصلّي بها وأتصدّق
بها وأحجّ وأعتمر، فقال الإمام (عليه السلام):
ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة»، ومثل
هذا نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) في
امتداح الدنيا، بقوله: «نعمَ العون الدنيا على
طلب الآخرة»
[11]
.
[1] سورة
البقرة، الآية: 38. وقال الله تعالى:﴿
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم
مِّنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا
يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
﴾ [طه: 123] .
[2] الإمام علي،
نهج البلاغة، م.س، قصار الحكم: 235.
[3] سورة يوسف،
الآية: 89.
[4] المجلسي،
بحار الأنوار، م. س، ج89، ص25.
[5] إنّ حمل
الأمانة اقتضى أن يكون الإنسان حرّاً، وقد حمل
الإنسان الأمانة باختياره ولم تُعرض عليه،
وهذا من أهمّ الحقائق القرآنية الذي ينبغي
التدبّر فيها، وإذا كان الإنسان ظلوماً
جهولاً، فهذا لا يعني أنّ الإنسان أكره على
حمل الأمانة، وبإمكانه أن ينفي الظلم والجهل
فيما لو اختار أن يكون على مستوى المسؤولية
ومارس حريته فيما أمره الله تعالى به ودعاه
إليه. لأنّ مقتضى الأمانة أن لا يقصّر الإنسان
في إرادته الحرّة، وإلاّ كان ظالماً...
[6] سورة
الأعراف، الآية: 16.
[7] سورة
النساء، الآيتان: 118 ـ 119.
[8] سورة الكهف،
الآيتان: 103 ـ 104.
[9] سورة القصص،
الآية: 77.
[10] سورة
إبراهيم، الآيتان: 28 ـ 29.
[11] انظر:
الشيرازي، مكارم، سؤال وجواب، إعداد الحوزة
العلمية، قم، ط2، 1429هـ، ص37.
يقول ابن منظور: خسر: خِسرَ خَسراً، وخَسَراً
وخُسراناً، وخسارة، وخَسَاراً، وخاسر، والخسار
والخسارة والخَيسَرَى: الضلال والهلاك، والياء
فيه زائدة، وفي التنزيل العزيز:﴿
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ
﴾
[1] ، الفاء:
لفي خسر، لفي عقوبة بذنبه، وأن يخسر أهله
ومنزله في الجنة، وقال الله تعالى:﴿
خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ
الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
[2] ،
وفي الحديث: ليس من مؤمن ولا كافر إلاّ وله
منزل في الجنّة وأهل وأزواج، فمن أسلم سَعِدَ
وصار إلى منزله، ومن كفر صار منزله إلى من
أسلم وسَعِد، وهذا هو مَفاد قوله تعالى:﴿
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
﴾
[3] ،
ويقال: خسر التاجر، وضع في تجارته، أو غنى،
والأول هو الأصل، وأخسر الرجل إذا وافق خسراً
في تجارته...
[4] . وجاء في
المعجم الوسيط، أن خسر الشيء، نقصه، ونسبه إلى
الخسران، وفلان خسّر فلان، أبعد عن الخير، وفي
التنزيل:﴿
فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ
﴾
[5] ، أي غير إبعاد من الخير أي غير تخسير
لكم لا لي
[6] . وأفاد
الطريحي في هذا المعنى، أي كلّما دعوتكم إلى
الهدى ازددتم تكذيباً، فزادت خسارتكم،
والتخسير: الإهلاك، يُقال: خسر الرجل في
تجارته خسارة بالفتح، والخسران المبين، أي
النقصان المبين..
[7] .
وإذا كان لا بدّ من الوقوف على حقيقة المعنى
للخسر والخسران، فإنّ خير من استعرض الكلام
فيه، هو الراغب الأصفهاني، الذي رأى بأن الخسر
والخسران هو انتقاص رأس المال، ويُنسب ذلك إلى
الإنسان، فيقال: خسر فلان، وعلى الفعل، فيقال:
خسرت تجارته، قال الله تعالى:﴿
تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
﴾،
ويستعمل في المقتنيات الخارجة كالمال والجاة
في الدنيا، وهو الأكثر، وفي المقتنيات
النفسية، كالصحة والسلامة والعقل والإيمان
والثواب، وهو الذي جعله الله تعالى الخسران
المبين... وكل خسران ذكره القرآن فهو على هذا
المعنى الأخير دون الخسران المتعلق بالمقتنيات
الدنيوية والتجارات البشرية
[8] .
فالقرآن لم يتحدث عن الخسر والخسران بما هو
نقص في المال والحياة بل بما هو ضلال في
الإيمان والعمل، كما قال الله تعالى:﴿
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ
بِالصَّبْرِ
﴾
[9] ، فالآية
جاءت بتنكير الخسر لتظهر معنى الخسران
ودلالاته في النفس والعمل، كما قال الله
تعالى:﴿
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
﴾ [10]
، ولا شكّ في أنّ خسارة النفس ليست خسارة في
الأثمان، وإنّما هي خسارة في الأعيان، ما يعني
ضرورة التدبّر في حقيقة الاستعارة التي جاء
بها القرآن ليدلّل من خلالها على معنى الخسران
المبين، سواء في الدنيا، أم في الآخرة، ولعلّ
من أفضل مَن عرض لمعنى هذه الاستعارة وما
تفيده من دلالات، هو الشريف الرضي في مجازات
القرآن، حيث رأى، أنّ الخسران المتعارف، إنّما
هو أثمان المبيعات، وذلك يخصّ الأموال والنفوس
إلاّ أنه سبحانه لمّا جاء بذكر الموازين
وثقلها وخِفتها جاء بذكر الخسران بعدها، ليكون
الكلام متفقاً، وقصص الحال متطابقاً، فكأنّه
سبحانه جعل نفوسهم لهم بمنزلة العروض
المملوكة، إذا كانوا يوصفون بأنّهم يملكون
نفوسهم، كما يوصفون بأنهم يملكون أموالهم،
وذكر خسرانهم لها لأنهم عرّضوها للخسارة،
وأحبوا لها عذاب النار، فصارت في حكم العروض
المتلفات، وتجاوزوا حدّ الخسران في الأثمان
إلى حدّ الخسران في الأعيان..
[11] .
إنّ المتدبّر في القرآن الكريم فيما يأتي فيه
من سياق للخسر والخسران، يلحظ حقيقة هذا
المعنى الذي يتجاوز الربح والخسارة في متاع
الدنيا وأموالها، إلى ملاحظة حقيقة ما يكون
فيه الخسران، لأنّ كل خسران في مجال الدنيا
وما يكون فيها يهون مع خسارة الإنسان لنفسه،
وقوله تعالى يدلّل على هذا المعنى ﴿
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾. وكذلك قوله تعالى:﴿
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
﴾، الذي
يفيد عموم الخسارة، بل مطلق الخسارة، إلاّ
الذين ربحوا دينهم وإيمانهم، الذي هو في
الحقيقة رأس مالهم في الدنيا والآخرة.
نعم، هناك آيات عرضت لمعنى انعدام العدالة في
الكيل في الحياة الدنيا، أو في بخس الناس
أشياءهم، أو غير ذلك مما يتعارفه الناس من
موازين في الحياة الدنيا، إلاّ أن الميزان
الحقيقي هو ميزان الأعمال، ولهذا قال الله
تعالى:﴿ هَلْ
نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً
﴾، ولم يقل بالأخسرين
أموالاً، أو أثماناً، كما أنه لم يقل
بالأخسرين عملاً، لكون التمييز لا يأتي إلا
مفرداً، وهذا كلّه إنّما جاء به ليدلّل على أن
الخسارة إنّما تكون شاملة من جميع الجهات فيما
لو خسر الإنسان عمله ورأس ماله الحقيقي، الذي
به أيضاً يكون الفوز بالنفس والعمل معاً.
لذا، فإنّ المتتبّع لسياقات الآيات القرآنية،
يمكن أن يهتدي حتماً إلى حقيقة ما يهتمّ به
القرآن، في مجال الخسر والخسران، وقد أوضح
الإمام علي (عليه السلام) هذا المعنى بقوله:
«معاشر الناس اتّقوا الله، فكم من مؤمَّل لا
يبلُغُهُ، وبانٍ لا يسكنُهُ، وجامع ما سوف
يتركه، ولعلّ من باطل جمعه، ومن حقّ منعه
أصابه حراماً، واحتمل به آثاماً، فباء بوزره،
وقدم على ربّه، أسفاً لاهفاً، قد خسر الدنيا
والآخرة ذلك هو الخسران المبين»
[12] .
فالإمام (عليه السلام) كما نلاحظ، يستعرض
حالات الإنسان في دنياه، ويطالعهُ بالتقوى
فيما أمر به ونهى عنه ليكون فيما آتاه الله
تعالى من مال وجاه من الرابحين غداً، يوم يكون
الثمن موازين الأعمال وخفّة وثقل الميزان، وكل
خسارة دون هذه الخسارة، فهي فوز، لقوله (عليه
السلام): «ما خيرٌ بخير بعده النار، وما شرّ
بشّر بعده الجنّة»
[13] . فالمقياس في الفوز والخسران هو ما
يحصده الإنسان في دنياه لآخرته، ويأخذ به من
أسباب في الإيمان والعمل، كما قال الرسول
الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما
الأعمال بخواتيمها».
ولهذا، فإنّ ما يذهب إليه أهل اللغة في معنى
الخسر والخسران ليس منحصراً بما تؤديه اللغة،
بل فيما تأتي به الآيات القرآنية التي أوضحت
هذا المعنى على حقيقته، لأنّ ما تعارفه الناس
هو أن يكون الخسران في المقتنيات الخارجة
كالمال والثروة، وهذا ما ادّعاه ويدّعيه أهل
الترف في كل زمان، حيث إنهم يتعصبون لمواقع
آثار النعم، ويدّعون أن الخسران إنّما يكون
بالفقر وعدم التوفّر على المال والثروة، ولكن
القرآن لا يقيم وزناً لذلك، سواء توفّر
الإنسان عليه، أم لم يتوفّر عليه، مبيّناً أنّ
الرأسمال الحقيقي للإنسان، الذي به يخسر ويربح
أو يفوز، هو الإيمان والعمل الصالح والتواصي
بالحق والتواصي بالصبر، فإذا لم يكن الإنسان
على شيء من ذلك، فإنّه يكون خاسراً بكل
المقاييس بما في ذلك مقياس الدنيا، وهذا كلّه
مرتبط بما أفدناه بتمهيدنا لهذا المبحث
بالهُدى الإلهي، الذي هو أساس وسبب كل فوز أو
خسران في الدنيا والآخرة، فإذا أخذ الإنسان به
كان الفوز لنفسه بعمله، وإن لم يأخذ به كانت
له الخسارة المحققة حتى ولو امتلك الدنيا وما
فيها. ولهذا، نجد الإمام (عليه السلام) يعظ
الناس بضرورة أن يتنبّهوا أو ينزجروا عمّا
يظنّونه سبيلاً للفوز، وهو في حقيقته خسران في
الدنيا والآخرة، على نحو ما بيّن الإمام (عليه
السلام) في أنّ التقوى هي مطلع كل خير، وسبب
كل فوز، ومنجاة من كل خسران.
أما ما يعنيه الخسر والخسران في حقيقة
المصطلح، فهو لا يتجاوز ما عرض له أهل اللغة
من أن الخسران المبحوث عنه ليس خسران الأثمان،
وإنّما خسران الإيمان والأعمال، الخسران الذي
تكون النفس ثمناً له في نار جهنّم، والعمل
الذي يؤدّي بصاحبه إلى أن يكون خاسراً في
الدنيا والآخرة، ذلك أنّ قوله تعالى:﴿
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا
كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ
﴾
[14] ، وقوله تعالى: ﴿
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِي
جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾
[15] ،
ناظر إلى الأعمال وليس إلى الأثمان، لأنّ
الدار الآخرة هي دار تجسّم الأعمال،﴿
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾، إذ لا قيمة في تلك الدار لما قد
يحسبه الإنسان فوزاً أو خسراناً، بل القيمة
للعمل الحسن، لقوله تعالى:﴿
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً
لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ
عَمَلاً ﴾
[16]
، إذ لم يقل أكثر عملاً، بل أحسن عملاً، فلا
يكون للمال أو الثروة، أو الجاه دور أو قيمة
فيما تُزان به الأعمال غداً، وحينما نقول
الأعمال، فليس مجرّد الأعمال، وإنّما بما قرنت
به الأعمال من إيمان، كما قال الله تعالى:﴿
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ ﴾. والثقل للموازين إنّما يكون في ذلك
اليوم بحسب الإيمان والأعمال، وليس بالأثمان
والأموال..!؟
إذن، المصطلح للخسر والخسران، هو حقيقة ما
تعارفه الإنسان في سياق العمل، وليس في سياق
حالات الدنيا ومعروضاتها، لأنه ليس من الخسران
أن يخسر الإنسان ماله أو تجارته فيما لو فاز
بنفسه، أو كانت الدنيا، بما توفرت عليه من مال
وزينة ومتاع، سبيلاً إلى النجاة من النار
والفوز في الجنّة، وهذا ما التبس أمره على
كثيرين فيما ظنّوه أنّه فوز في الدنيا،
وقالوا: إنّما نحن في فوز في المال والولد
والثروة والجاه لكون ذلك مما أنعم الله به
علينا، وجعله خاصاً بنا، فلو أنّ الله تعالى
لم يرده لنا لما توفّرنا عليه، ولا كان لنا
سبيل إليه، وبما أنّ الأمر خلاف ذلك، فذلك
دليل على أنه الرضا والفوز، وهذا ما صحّحهُ
القرآن، مبيناً أنّ الفوز والخسران إنّما يكون
في ميزان التقوى والهدى وليس في ميزان المال
والثروة، وهذا ما عبّر عنه الإمام علي (عليه
السلام) بقوله: «فارعوا عباد الله ما برعايته
يفوز فائزكم، وبإضاعته يخسر مبطلكم، وبادروا
آجالكم بأعمالكم، فإنّكم مرتهنون بما أسلفتم،
ومدينون بما قدمتم، وكأن قد نزل بكم المخوفُُ،
فلا رجعة تنالون، ولا عثرة تقالون، استعملنا
الله وإيّاكم بطاعته وطاعة رسوله، وعفا عنّا
وعنكم بفضل رحمته...»
[17] .
كما أنّه يمكن الاستفادة من القرآن ذاته ما
يفيده الخسر والخسران من حيث المصطلح، وخاصة
في قوله تعالى:﴿
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ
عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي
مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ
اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي
غَيْرَ تَخْسِيرٍ
﴾
[18] .
لقد لاحظ أهل اللغة هذا المعنى لمصطلح
الخسران، فيما أفاده ابن منظور، والطريحي،
لجهة ما يعنيه التخسير من إبعاد للرحمة
والمغفرة عن قوم نبيّ الله صالح (عليه
السلام)، وخاصة أنّ القرآن يعرض لهذا المعنى
في سياق ما تفيده الآية المباركة من بينات،
وفيما آتاه الله تعالى من رحمة، وهي النبوّة،
ما يعني أن التخسير المشار إليه ليس مجرّد ثمن
تعارف عليه الناس في الحياة، وإنّما هو البيان
والبصيرة التي انعدمت عند قوم النبيّ صالح
(عليه السلام) من حيث تعبدهم بما كان عليه
الآباء وتقليدهم لهم، فيأتي التخسير في الآية
ليدلّل على ثبات الموقف عند النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم)، وخسارة قومه فيما يزعمونه
لأنفسهم من هداية، ولهذا، قال ابن منظور،
والطريحي، أن التخسير إنما هو لهم وليس للنبي،
لأنّه على بيّنة من ربّه، وقد آتاه الله
النبوّة، فلا يُعقل أن يكون المراد بالتخسير
إبطال ما آتاه الله تعالى إيّاه، كما أفاد
صاحب تفسير الصافي، بل هو تخسير لهم من حيث
عنادهم وعدم اهتدائهم إلى بيّنات الله تعالى
التي جاءهم به النبي صالح (عليه السلام)
[19] .
إذن، الخسر والخسران، سواء من حيث اللغة، أم
من حيث الاصطلاح، له مدلول واحد، هو الاعتبار
له من حيث كونه يلحق بالإنسان من جهة نفسه
وعمله، وليس من جهة ما يكون عليه من فوز
وخسران في المال والثروة. وإذا كان القرآن قد
لحظ هذا المعنى اللغوي، فهو جاء به في صيغة
استعارة ليدلّل من خلاله على أنّ النقص، أو
الهلاك، أو الضلال هو الأساس في جوهر هذا
المصطلح، باعتبار أنّ هذا كلّه لا يكون إلاّ
لجهة النفس وما تؤول إليه من تحولات في الدنيا
والآخرة، هذا فضلاً عمّا يرشد إليه المصطلح من
رأسمال حقيقي لا ينبغي أن يخسره الإنسان في
تحولاته الإنسانية، وهو الإيمان والعمل الصالح
الذي به يُقاس الفوز والخسران، وقوله تعالى:﴿
تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
﴾
[20] ، سواء جاء بمعنى الاستهزاء من
القوم، أم بمعنى إفادة الخسران لهم، ناظر في
دلالته، منطوقاً ومفهوماً، إلى الخسر والخسران
على مستوى الإيمان، وليس على مستوى الأثمان،
والمعروضات التي كانوا يركنون إليها فيما
يعتبرونه فوزاً، فهي كرّة خاسرة بما تؤدّي
إليه من تحولات كانوا يعتقدون أنها لن تكون،
فإذا بها كائنة، لقوله تعالى:﴿
فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ
﴾ [21]
، أحياءً بعدما كانوا أمواتاً.
وهذا إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على أنّ
الاعتبار للخسران إنّما يكون من جهة البيّنات
وعدم الإيمان بها، سواء أكانت تعني المبدأ أم
المعاد، أم ما بينهما لجهة الطاعة أم المعصية
لله تعالى فيما أمر به ونهى عنه، لأنّ الدنيا
هي دار تكليف الإنسان، وكل ما يكون للإنسان
فهو يأتيه بلحاظ كونه مطيعاً، أو عاصياً على
نحو ما بينّا في بحوثنا السابقة، من أنّه لا
فوز ولا خسران إلاّ في ضوء هدى الله تعالى،
وهذا ما ظهّره القرآن جليّاً فيما أتى عليه من
خسران للأنفس دون اعتبار لما هو عليه الإنسان
في ظاهره، وقد بيّن المعصوم (عليه السلام) هذا
المعنى بقوله: «وقد خسرت صفقة عبد لم تجعل له
من حبّك نصيب»
[22]
. فالصفقة هي صفقة فوز وخسران بلحاظ المأمور
به والمنهي عنه، وأبرز دليل على ذلك هو ما أتى
عليه القرآن من قَسَم شيطاني لتغيير دين الله
تعالى ليكون الإنسان، فيما لو اتبعه، خاسراً
في الدنيا والآخرة، وليس مجرّد خسارة في مال
أو جاه، أو غير ذلك، وإنّما خسران مبين فيما
يؤدّي إليه من عذاب أقلّه خسارة النفس والأهل
فيما يصير إليه الإنسان في منتهى أمره من
خسران على مستوى النفس والعمل معاً يوم
القيامة ...
إذا كان الفوز هو الظفر بالخير مع حصول
السلامة، كما أفاد أهل اللغة، فإنّ الخسران هو
الظفر بالشرّ، وإن توهّمه الإنسان خيراً، وهو
الهلاك على مستوى النفس والعمل كما تقدّم
الكلام فيه من أنّ كل خسران لحظه القرآن إنّما
جاء به بلحاظ المعنى والروح وليس بلحاظ الربح
أو الخسارة المادية. كما لا يخفى أيضاً أنّ
القرآن قد لحظ هذا المعنى المادي، فيما أشار
إليه بقوله تعالى:﴿
وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا
تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ
﴾
[23] ، وفيه
إشارة إلى تحرّي العدل في الوزن وترك الحيف
فيما يتعاطاه الإنسان في الوزن
[24] .
وانطلاقاً من ذلك، نرى أنّ الإشارة إلى الوزن
والميزان فيما يتعاطاه الإنسان من تجارات هو
يقرّب إلى الأذهان معنى ميزان الأعمال، ويجعل
الإنسان متحسّساً لحقيقة الخفّة والثقل فيما
أعدّ له من ميزان يوم القيامة، ولهذا نجد
علماء اللغة يمثّلون ويشبّهون على تجارة
الإنسان، ويرون أن الخسر هو انتقاص رأس المال،
وأنّ الربح هو زيادته، فيُقال، خسر فلان، أو
خَسِرت تجارته، وبما أنّ هذا ما يمكن التعويض
فيه لكونه خسارة في المكاسب المادية، فإنّ
هناك خسراناً تحدّث عنه القرآن لا جبر له ولا
تعويض لكونه يتعلق بأعمال الإنسان ونفسه.
ولهذا، نجد القرآن في كثير من الآيات لا يأتي
على تجارة المكاسب، إلاّ بالقدر الذي يهدي
الإنسان إلى ضرورة أن يتحرّى العدالة فيما
يتعاطاه من رزق وتجارة، أمّا ما يتعلّق بخسارة
النفس والعمل وحبط الحسنات، وغير ذلك مما يدخل
في موازين يوم القيامة، فقد جاءت آيات كثيرة
تخرج الخسر والخسران عن كونه شأناً دنيوياً،
لتجعل منه شأناً أخروياً، كما قال الله
تعالى:﴿
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
﴾
[25] ، وقوله
تعالى:﴿
فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ
لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً
﴾
[26] .
وهكذا، فإنّه من خلال ضمّ آيات الخسر والخسران
المبين بعضها إلى بعض، يمكن أن تتظهَّر لنا
مدلولات كثيرة، قد لا يكون بالإمكان استفادتها
من تفسير الآيات فيما لو فسّرنا آية بآية،
باعتبار أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، ويصدّق
بعضه بعضاً، ومن شأن ضمّ الآيات إلى بعضها،
إضافة إلى التدبّر في السياقات الخاصة بها، أن
يخلص الباحث إلى معانٍ أخرى، ودلالات مختلفة
عمّا يمكن استفادته من سياق واحد، أو من آية
واحدة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن
للباحث أن يعرض لسياق آية تحرّي العدالة فيما
يتعاطاه الإنسان من تجارة في حياته الدنيا،
ولكنه لا يستطيع أن يتلمّس معنى الخسارة في
النفس منها، لكونها تعرض لشأن حياتي في ما
يتعاطاه الناس، ويؤدّونه من أعمال وتجارات.
ومن هنا، نرى أنّ القرآن ينتقل بالإنسان
المتدبّر فيه من الخسارة على مستوى الأثمان،
إلى الخسارة على مستوى الأعيان بعد أن يكون
الإنسان قد خسر نفسه وعمله فيما كان منه في
حياته الدنيا، وكثيرون هم الذين خسروا أنفسهم
وأهليهم في الدنيا قبل الآخرة، وبما أنّ هذه
مثال لتلك، فإنّه يمكن للإنسان أن يتمثّل هذا
المشهد وأن يتحسّسه ليدرك معنى أن تكون النفس
هي الخاسرة بعيداً عمّا يكون لها من جاه أو
مال، أو ثروة، أو غير ذلك مما يدّعيه أهل
الخسران في دنياهم قبل آخرتهم
...
لقد أوضح علماء الأصول في بحوثهم أن لمنطوق
القرآن دلالته، كما لمفهومه، وقد أشرنا في
مبحث الفوز إلى أنّ الفرق بين المنطوق
والمفهوم، هو أنّ الأوّل ما دلّ عليه اللفظ في
محلّ النطق، أما المفهوم، فقد اصطلحوا عليه
بأنّه ما دلَّ عليه اللفظ في غير محل النطق.
وفي جميع الأحوال لا بدّ أن يبقى السياق
حاكماً، سواء في المنطوق أم في المفهوم، على
اعتبار أنّ التبادر في النطق قد يكون واضحاً
فيما هو نصّ، في حين أنّه قد لا يكون كذلك
فيما هو ظاهر أو مؤوّل. وتبقى للآيات دلالاتها
من خلال المعنى المتبادر والراجح، لأنّ الراجح
من اللفظ المنطوق، يقدَّم على مرجوحه،
وتوضيحاً لذلك يمكن أن نشير إلى قوله تعالى:﴿
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ
فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ
﴾
[27] . فالباغي
يطلق على معنيين، أحدها مرجوح وهو الجاهل،
والثاني راجح وهو الظالم، لأنّه هو الظاهر
المتبادر من سياقه، وكذلك الحال فيما لو
تدبّرنا قوله تعالى:﴿
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ
﴾
[28] ، فهذه
الآية لا يتبادر منها غير أنّ الله تعالى محيط
بعباده وقادر عليهم، ولا يفارقهم في تدبيره
ورحمته، وهذا صحيح، كما يرى صبحي الصالح، نصل
إليه من طريق اللفظ
[29] .
هذا فيما يتعلّق بالمنطوق، أما المفهوم، فقد
بينّا سابقاً، أنّ علماء الأصول قد اتفقوا في
تعريفه، فقالوا: إنّ المعنى الذهني هو المنفذ
الوحيد لدلالته، ويسمّى مفهوم موافقة إذا وافق
المنطوق في حكمه، ومفهوم مخالفة إذا لم يوافقه
به. فهو إن دلّ على المعنى الأوّل سمّي فحوى
الخطاب، وإذا دلّ على الثاني المساوي سُمّي
لحن الخطاب، كما اتفق العلماء أيضاً، على أنّ
هذا المفهوم، أي مفهوم المخالفة هو على أنواع،
فمنه ما هو وصفي، ومنه ما هو شرطي، ومنه ما هو
حصري ...
[30] .
كان لا بدّ من توضيح هذه المفاهيم لأجل أن لا
يختلط الأمر بين ما هو منطوق بدلالة اللفظ
عليه، وبين ما هو مفهوم بانصراف الذهن إليه،
فنقول: إنّ آيات الخسر والخسران في القرآن،
منطوقاً ومفهوماً، ترشد من خلال سياقاتها
المختلفة إلى أنّ التجارة الحقيقية هي مع الله
تعالى، وأنّ رأس مال الإنسان الحقيقي هو
الإيمان بالله تعالى وتصديقه فيما أوحي به إلى
أنبيائه ورسله من آيات، كما قال الله تعالى:﴿
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ
اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ
بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا
فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ
أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ
مَا يَزِرُونَ
﴾
[31] ، وقوله تعالى:﴿
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ
﴾
[32]
، إذ إنّ هذه الآية يُستفاد منها مفهوم
ومنطوقٌ، أنّ الإنسان خاسر إلى أبد الدّهر
إلاّ أنّ يقيم حقّاً، أو يدفع باطلاً في ضوء
الإيمان والعمل الصالح، وقد بيّن علماء
التفسير أنّ آيات الخسران في كثير من دلالاتها
تخبر عن حال المكذبين بلقاء الله تعالى، الذين
خسروا أنفسهم بما ضيّعوه من أسباب النجاة، كما
قال الله تعالى:﴿
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
﴾
[33] ، إلى
غيرها من الآيات التي تخبر عن حال الخاسرين
الذين اتخذوا من الشياطين أولياء، كما قال
الله تعالى:﴿
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً
وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَّرِيداً
(117) لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ
لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً
مَّفْرُوضاً
﴾
[34]
.
وهكذا، فإنّ مفهوم الخسران في القرآن، كما
يُظهر لنا من سياق الآيات القرآنية، لا يلحظ
ما يمكن أن يلحق بالإنسان من خسارة في الدنيا
إلاّ بمقدار ما يكون لهذه الخسارة من علاقة
بالإيمان والعمل الصالح، فإذا كمل إيمان
الإنسان وعمله، ومن ثمّ نفسه، فإنّه على فوز
عظيم في الدنيا والآخرة، وهذا ما ترشد إليه
آيات القرآن، مفهوماً ومنطوقاً، على اعتبار
أنّ الآيات تظهر مفهوم الخسران لا بالفحوى أو
اللحن وحسب، وإنّما تعطيه أبعاده في الآخرة
على النحو الذي يبدو معه أنّ الخسران يلحق
بالإنسان بسبب عقيدته وإيمانه وعمله، ومن جهة
نفسه، وليس من أية جهة أخرى، وغالباً ما تكون
حالات الإنسان المادية سبباً في هذا الخسران،
يقول الطباطبائي: «إنّ الإنسان إذا أخطأ
الطريق، وأصاب غير الحق وسكن إليه فصار كلّما
لاح له لائح من الحق ضربت عليه نفسه بحجاب
الإعراض وزيّنت له ما هو فيه من الاستكبار
وعصبيّته الجاهلية، فهو أخسر عملاً وأخيب
سعياً، لأنه خسران لا يرجى زواله ولا يطمع في
أن يتبدّل يوماً سعادة، وهو قوله تعالى في
تفسير الأخسرين أعمالاً وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعاً
[35] .
ذلك هو معنى الخسران في القرآن، أنّ الإنسان
تأخذه العزّة بالإثم، ويستكبر عن أمر الله
تعالى، ويكذّب بلقائه، ويتّخذ من الشيطان
وليّاً، ويقتل الناس سفهاً بغير علم، ويُحرّم
ما أحلّ الله، ويُحلّل ما حرّم الله تعالى،
وفضلاً عن ذلك كله، يعبد الله على حرف، إلى
غير ذلك مما انطوت عليه آيات الخسر والخسران،
ومَن كانت هذه حاله في الدنيا، فلا بدّ أن
يكون حاله إلى خسران النفس والأهل يوم
القيامة، وخفّة الميزان، كما قال الله تعالى:﴿
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِي
جَهَنَّمَ خَالِدُونَ
﴾
[36] .
إذن، مفهوم الآيات، وكذلك ما ترشد إليه من
مدلولات في الدنيا والآخرة لجهة ما يؤول إليه
الإنسان من خسران، لا يتوقف المتدبّر لهذه
الآيات عند ما تعنيه من مفاهيم ومدلولات في
الآخرة وحسب، بل هي تكشف له أيضاً عن حالات
الإنسان وخسرانه في الدنيا، لأنّ الدنيا مزرعة
الآخرة، والخسران في الآخرة هو نتيجة لما يكون
عليه الإنسان في دنياه وفي ذات نفسه، فضلاً عن
إيمانه وعقيدته. ولهذا، نجد الكثير من الآيات
القرآنية تتحدّث عن الخسران بلحاظ كون الإنسان
في الدنيا يأتي بالأعمال والأموال التي تؤدّي
به إلى أن يكون خاسراً، تماماً كما تظهر لنا
في معنى الفوز العظيم ومفهومه، إذ ليس يوجد في
البين من فراغ، فإمّا أن يأتي الإنسان بما
يؤدّي به إلى السعادة، وإمّا أن يكون حاله على
خسران مبين في الدنيا والآخرة، وإنّ مما يدلّ
على ما نذهب إليه قوله تعالى:﴿
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ
يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ
نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ
رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن
شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ
فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم
مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾
[37] . فالآية
ناظرة في ظاهرها إلى أن الذين نسوا ما جاء به
الأنبياء والرسل يتمنّون لو أن تكون لهم كرّة
ليعملوا غير الذي كانوا يعملون، وقد بيّن
القرآن أنّه لو كانت لهم هذه الكرّة لكانت
كرّة خاسرة لأنّهم سيعودون إلى ما كانوا عليه
لعلم الله تعالى بهم، وذلك أن الله لا يبدّل
القول لديه وما هو بظلاّم للعبيد.
غاية القول: إنّ مفهوم الخسر والخسران في ضوء
ما تقدّم، لا يلتبس فيه الأمر على متدبّر
بصير، سواء أكان اللفظ يدلّ عليه في محلّ
النطق، أم دلّ عليه اللفظ في غير محلّ النطق،
لأنّه مفهوم ظهّره القرآن في ضوء دلالته
الأخروية ليدلّل من خلال ذلك على أن الإنسان
إنّما يكون فائزاً، أو خاسراً في ضوء ما يؤول
إليه من مصير وعاقبة، فإمّا إلى فوز عظيم،
وإمّا إلى خسران مبين، كما قال الله تعالى:﴿
قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ قُل لِّلَّهِ كَتَبَ عَلَى
نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ
﴾
[38] .
قبل الشروع في هذا المبحث لا بدّ من الإشارة
إلى أنّ منهجنا في بحث الفوز والخسران، هو
الارتكاز إلى الاتجاه الموضوعي في فهم الآيات
القرآنية، سواء من خلال سياقها الخاص، أم من
خلال السياق العام، وهذا إضافة إلى ما يقتضيه
البحث من إحاطة ممكنة، بما ذهب إليه أهل العلم
والتفسير في ضوء مناهجهم المختلفة. وهذا
المنهج، كما بينّا سابقاً، في مبحث مبادئ
الفوز وقواعد المنهج، قوامه ضمّ الآيات في
الموضوع الواحد بعضها إلى بعض واستخلاص
رؤية، أو موقف تهدف الآية أو السورة إلى
بيانه، على اعتبار أنّ التفسير التجزيئي أو
الترتيبي قد يكون كافياً لتبيان معنى الآية
فيما تنطوي عليه من مدلولات خاصة، لكنه ليس
كافياً لتبيان الموقف من الموضوع الذي يراد
بحثه، وإنّما لا بدّ من التقدّم خطوة باتجاه
الموضوع لاستكناه حقيقة الموقف القرآني، أو
الرسالي حول قضيّة من قضايا الدنيا والآخرة.
كما أنّه ينبغي الإشارة أيضاً في سياق هذه
الرؤية المنهجية إلى تسجيل ملاحظات عدّة حول
الموضوع الذي نحن بصدد البحث فيه وعنه، فنقول:
إنّ الفقهاء وعلماء التفسير في كثير من
تفاسيرهم وشروحاتهم القرآنية، غالباً ما لحظوا
المعنى، أو المفهوم الخاص للآية، فلم يتوسّعوا
في التفسير ليأتوا على كامل المفردات التي
تتعلق بالخسران في القرآن، باستثناء بعض
المفسرين، ومنهم العلاّمة الطباطبائي، الذي
أعطى هذا الموضوع حيّزاً مهماً في تفسيره،
ولكنه اقتصر فيه على المقارنة بين الآيات من
خلال التعرض للمفردات وما تعنيه في سياقاتها
المختلفة، لأنّ العلاّمة اختار لتفسيره أن
يكون سياقياً ليس إلاّ
[39]
. هذا أولاً.
ثانياً: إنّنا في ضوء ما أسّسنا له من مبادئ
وقواعد منهجيّة، نرى أنّ الآيات القرآنية لم
تأتِ في سياق التوصيف للأحداث، بل هي في مقام
الإخبار على النحو الذي يُستفاد منه أن التحقق
بالخسران ليس لمجرّد حديث عن رؤية أو موقف،
وإنّما هو مصير يلحق بالإنسان في ضوء ما يكون
منه من عقيدة وعمل وسلوك يتحقق به في الدنيا
قبل الآخرة، لأنّ ما يكون له في الآخرة، من
فوز أو خسران، هو جزاء عمله الذي أخبر القرآن
عن أسبابه ومتعلقاته في الدنيا. فالقرآن ليس
كتاباً تنظيريّاً، أو كتاب يرسم ملامح للحياة
كأي كتاب يخطّه الإنسان تبصراً بحاضره
ومستقبله، بل هو كتاب يهدي للتي هي أقوم،
ويبيّن مصائر العباد في الدنيا والآخرة.
ولهذا، نجد أنّ الآيات القرآنية، سواء تحدّثت
أو أخبرت عن أهل الكتاب، أو عن المشركين، أو
عن المنافقين، أو عن الذين آمنوا، أو عن الناس
جميعاً، فهي إنّما تخبر عن تحولات في الماضي
والحاضر والمستقبل، فضلاً عمّا تخبر عنه من
مصائر في الآخرة التي هي دار الحيوان بلغة
القرآن، وهذا ما اقتضي منّا في كثير من
الأحيان أن نلحظ السياق في القرآن مع أسباب
النزول لكون ذلك يوضح للباحث مسار تحوّل
الآية، من حيث هي آية خاصة بمورد معيّن، لتكون
آية حيّة في مطلق الزمان والمكان، لما أفاده
المحقق العلاّمة «معرفة» في التمهيد عن الإمام
الباقر (عليه السلام): «ولو أنّ الآية إذا
نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية،
لما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوله
على آخره ما دامت السماوات والأرض ..»
[40]
. وبما أنّ الأمر ليس كذلك، باعتبار أن المورد
لا يخصص الوارد فلا بدّ أن يكون للآية
القرآنية امتدادها في ضوء ما تتشابه به
الوقائع والحوادث، تماماً كما تتشابه قلوب
الرجال فيما يكون من حق وباطل، ومن خير وشرّ،
كما قال الله تعالى:﴿
كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم
مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ...
﴾
[41]
.
أما الملاحظة الثالثة، التي نودّ الإشارة
إليها، فهي تتعلّق بتقسيمات هذا المبحث، إذ
إنّه سبق للفقهاء والمفسرين أن تباحثوا في شأن
الخسر والخسران والأخسرين كمفردات قرآنية
تنوّعت واختلفت في سياقات متعدّدة ومتنوّعة،
إذ منها ما جاء في سياق واحد، ومنها ما اختلفت
سياقاته وتعددت على نحو ما سنرى في هذا
المبحث. وباختصار نقول: إنّ ما نعنيه باختلاف
السياق، وتعدد أو تنوّع المفردات لم يأتِ في
القرآن لمجرّد الاختلاف في العبارة، وإنّما
لتأكيد موقف، وإظهار رؤية حقيقية حول ما ينبغي
أن يتعلّمه الإنسان ويتدبّر فيه لجهة ما يرمز
إليه اختلاف المفهوم والدلالة، ذلك أنّ ما جاء
فيه السياق لا بدّ أن يكون مثار تدبّر من خلال
الربط بين الأسباب والمسببات، وقد تبدّى لنا
أنّ سياق آية الخسران المبين، تختلف عن سياق
ما جاء به السياق في آية الأخسرين أعمالاً، أو
في آية الذين خسروا أنفسهم، أو آية: ﴿
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
﴾. وأكثر ما يتبدّى لنا هذا المعنى وما يؤدّيه
من حيث المفهوم والدلالة حينما نتبصّر في
حقيقة الموقف إزاء أي تحوّل في الخسر
والخسران، فنلاحظ مثلاً، أنّ قوله تعالى:﴿
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ
الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ ﴾
[42] ، ناظر في
ظاهره إلى أن سوء العذاب إنّما يكون في
الدنيا، وله تعلّق سببي مع الخسران في الآخرة،
بل هو مقدمة، وله تحقق دنيوي بكل ما يؤول إليه
الإنسان في الآخرة. وهكذا، فإنّ ما أردنا بحثه
هو إظهار الفروق والتميّزات التي تكتنفها
الآيات بهدف التعرّف إلى مزيد من الحقائق.
واللطائف القرآنية، لعلّها تشكّل إضافة جديدة
إلى البحوث القرآنية، وقد رأينا أن يقسّم هذا
المبحث إلى قسمين، قسم يتعلّق بالأخسرين
أعمالاً، وآخر بالخسران المبين لما نراه في
ذلك من تمايز في المعنى والمدلول، فضلاً عمّا
يتمايزان فيه من سياق في آيات القرآن الكريم.
لقد بيّن علماء اللغة والتفسير أن الخسران
أبلغ من الخسر، وأنّ الأخسر، على وزن أفعل،
أبلغ من أن يُقال: خسر فلان، باعتبار أن هناك
مَن هو خاسر، ومَن هو أخسر، وهناك رابح، وهناك
أربح، وأحياناً يأتي الخسر أو الخسران بصيغة
مفعول المطلق، كما قال الله تعالى:﴿
خَسِرَ
خُسْرَاناً مُّبِيناً
﴾
مع ما يعنيه المطلق من تأكيد للفعل من جميع
جهاته وحيثياته، ومن يتدبّر في القرآن يرى أن
للمفعول المطلق تمايزاً خاصاً يؤكّد القرآن من
خلاله على ما يريد للإنسان أن يلتفت إليه، كما
في قوله تعالى:﴿
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
﴾، وقوله تعالى:﴿
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾، فالخسر، أو الخسران، سواء جاء بمعنى
الغبن، أو النقص، أو الهلاك، أو الضلال،
يتجاوز معناه كونه مجرّد نقص أو هلاك في مال
أو تجارة إلى خسارة النفس، وخسارة الأعمال،
ولهذا قال الله تعالى:﴿
بِالْأَخْسَرِينَ
أَعْمَالاً ﴾، ولم يقل
الأخسرين أثماناً، أو أموالاً، أو غير ذلك، ما
يدلّل على أنّ العمل وكل ما يأتيه الإنسان
بوحي نفسه وإرادته هو المعيار للحكم عليه
بالخسارة أو الربح، كما في قوله تعالى:﴿
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ
الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت
تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
﴾
[43] .
فالخسران جاء الإنسان من جهة انعدام الهدى،
وليس من جهة ما يكون له من متاع في الدنيا.
وعليه، فإنّ الآيات تلحظ أن يكون للإنسان عذاب
في الدنيا، ولكنها في جوهرها، ومن خلال
سياقها، تظهر أن المسار في الربح والخسارة
إنّما يكون بالنفس والدين، وكل ما عدا ذلك
يأتي تبعاً لذلك، فإذا لم يتوفر الإنسان على
الهُدى والدين والاستقامة فيهما، فلن يكون
بمنأى عن الخسران حتى ولو كانت الدنيا ملك
يديه. وقد لحظ القرآن هذا المعنى، وشرحه
العلاّمة الطباطبائي فيما قابل به بين من لم
يصب مسعاه في الدنيا، ويأمل أن يعوّض عن
خسارته ولديه متسع لذلك
[44]
، وبين من يظنّ أنّه على حق ويمنعه حجاب نفسه
من التبصّر في حقائق الأمور بما يتأتّى له من
إعراض وتزيين وغير ذلك مما يجعله على استكبار
وعصبيّة يمنعانه من أن يرى الحق حقاً والباطل
باطلاً، وهذا هو مفاد:﴿
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ
صُنْعاً
﴾، يقول
العلاّمة الطباطبائي: «وحسبانهم عملهم حسناً
مع ظهور الحق وتبيين بطلان أعمالهم إنّما هو
من جهة انجذاب أنفسهم إلى زينات الدنيا،
فيحبسهم ذلك عن الميل إلى اتباع الحق والإصغاء
إلى داعي الحق
[45]
، ومنادي الفطرة. كما قال الله تعالى:﴿
وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا
أَنفُسُهُمْ ... ﴾
[46]
.
إنّ من يكون شأنه كذلك، فهو حتماً ضالّ عن
السبيل في مسعاه، ولهذا الضلال منشأه في النفس
وليس في الواقع، وهذا يؤكّد لمتأمّل بصير أنّ
حقيقة التجارة هي فيما تربح فيه النفس، وليس
فيما يتوهّمه الإنسان أنّه تجارة رابحة. ولهذا
قال الله تعالى: ﴿ ...
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم
مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ... ﴾
[47]
، فالآية - كما نرى - ناظرة إلى أنّ الرأسمال
الحقيقي في حياة الإنسان هو الإيمان والجهاد
في سبيل الله تعالى، وهذا لا يتنافى إطلاقاً
مع ما أعدّ للإنسان من نعم في دنياه، ولكن
هناك فرقاً كبيراً بين أن تكون النعم المادية
سبيلاً إلى التجارة الرابحة في النفس والعمل،
وبين أن تكون النعم حائلاً بين الإنسان وبين
ما أعدّ له في دار الحيوان.
إذن، الأخسرون أعمالاً، هم الذين ضيّعوا ما
يكتسب به الإيمان، واشتروا الضلالة بالهُدى،
وما ادّعوه لأنفسهم من حسن الصنع، هو عين
الهلاك والضلالة، وهو الذي حال بينهم وبين أن
يكون لهم التجارة الرابحة في الإيمان والجهاد،
وإذا كان ثمّة معنى آخر يمكن تبيانه، فهو ما
أشار إليه القرآن في خطابه للرسول : ﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ
أَعْمَالاً ﴾
[48]
الذي يفيد الأخبار عمّا يؤول إليه أمر هؤلاء
من خلال السعي، وسوء العذاب، وحبط الأعمال،
كما قال الله تعالى: ﴿
فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ
لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
[49]
.
وكما أشرنا سابقاً إلى أنّ الأخبار يمتنع فيها
الكذب، ولا يطاله النسخ، بل إنّ مآلهم إلى ما
أخبر الله تعالى هو حق وصدق، وهذا لا يستفاد
منه أن ضلال السعي وحبط الأعمال لا أثر دنيوي
له، بل له أثر بيِّن، كما قال الله تعالى في
كثير من الآيات إنّ الدنيا رغم ما يكون لهؤلاء
منها من إمهال واستدراج يمكن أن تكون مجالاً
لتعلّق العذاب بهم كما قال الله تعالى:﴿
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ
وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ
﴾
[50]
، يقول الكاشاني في تفسيره
[51]
، والعلامة الطبرسي في جوامع الجامع
[52]
، والشيخ الطوسي في التبيان
[53]
، والعلامة الطباطبائي في الميزان
[54]
، أنّ سوء العذاب هو ما لحق بهم من قتل وأسر
في يوم بدر، ما يعني أن الخسران لحق بهم قبل
أن يكونوا الأخسرين في الآخرة، الذي أفادت
الآية أنّهم أشدّ الناس خسراناً لفوات المثوبة
واستحقاق العقوبة، وهذا ما يفيده السياق أيضاً
حيث سبق الآية الإخبار بأنّ الذين لا يؤمنون
بالآخرة زيّنت لهم أعمالهم فهم يعمهون، وهم
الذين استحقوا أن يكون لهم سوء العذاب في
الدنيا قبل نيلهم ما يستحقون من عقوبة في
الآخرة، والتي هي أخسر لبقائها ودوامها..!؟
هناك آيات كثيرة تفيد هذا المعنى لجهة تحقق
الخسران في الدنيا قبل الآخرة للذين كذّبوا
بلقاء الله تعالى، أو كذّبوا بآيات الله
تعالى، كما في قوله تعالى:﴿
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ
رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ...
﴾
[55]
، وكانت عاقبة أمرهم خسراً بما عصوا وكانوا
يعتدون. وقد بيّن القرآن كيف أنّ كثيراً من
الأمم قد أصابها العذاب في الدنيا قبل الآخرة
كقوم فرعون وعاد وثمود وقوم لوط، وغيرهم كثير
ممن أصابهم القحط والجدب والخسف والطمس وغير
ذلك مما استحقوا به العذاب في الدنيا والخسران
في الآخرة، كما قال الله تعالى:﴿
ذَلِكَ
جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ
وَاتَّخَذُواْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً ﴾
[56]
.
وهكذا، فإنّ الإخبار عن الخسر والخسران في
الدنيا والآخرة هو مما يستحق التوقّف عنده
مليّاً بعد أن تبيّن لنا أن الخسر لا يلحق
بالإنسان من حيث كونه فقيراً أو غنيّاً،
وإنّما بسبب ضلاله وفساده في نفسه ودينه
وعمله، فإذا ما حقّت الخسارة للإنسان في
الدنيا إيماناً وعملاً، فإنّه سيكون الأخسر
غداً، بحيث يكون له الخسران المبين في الدنيا
والآخرة لما أفاده القرآن الكريم بأنّ فتنة
الإنسان في الدنيا، سواء بالمال أو الجاه، أو
الولد، لا منجاة منها إلاّ بالإيمان والتواصي
بالحقّ والصبر، وإلاّ استحال الأمر من الخسر
إلى الخسران المبين، الذي لا خسران بعده، كما
في قوله تعالى:﴿
لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ ﴾
[57] ، بعد
التأكيد والإشارة باسم الإشارة بأنّهم الذين
خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون، إذ
لا أحد أبين وأكثر خسراناً منهم، لكونهم خسروا
بفتنة الدنيا، وبكفران الآخرة، يقول
الطباطبائي: «إنّ فرض أنّهم أخسر بالنسبة إلى
الدنيا، فذلك لكونهم بكفرهم وصدّهم عن سبيل
الله حرموا سعادة الحياة التي يمهدها لهم
الدين للحق فخسروا في الدنيا كما خسروا في
الآخرة لكنهم في الآخرة أخسر لكونها دائمة
مخلّدة. وأما الدنيا فليست إلاّ قليلاً. كما
قال الله تعالى: ﴿
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ
لَمْ يَلْبَثُواْ إِلَّا سَاعَةً مِّن
نَّهَارٍ ...
﴾
[58]
، ولا يخفى أيضاً أنّ الأعمال تشتدّ وتتضاعف
في الآخرة نتائجها...
[59]
.
غاية القول: إنّ الأخسرين أعمالاً ليسوا فقط
أولئك الذين ضلّ سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون
صنعاً، وإنّما يضاف إليهم كل مَن اشترى
الضلالة بالهدى، وكذّب بآيات الله تعالى
ولقائه، وسمع لهتاف الشيطان، كما سنرى في مبحث
الخسران المبين، إذ إنّ الإنسان قد يخسر لسبب
ما في الحياة الدنيا، أو يكون له عذاب بالفتنة
أو ما شابه، مما يعرض للإنسان من بلاء فيما
يأتيه من أعمال، ويختاره من أهداف، فيسدل على
نفسه حجاب المعصية والذنوب والعصبية التي تؤول
به إلى الخسران.
ولهذا فإنّ أكثر الآيات التي جاءت في سياق
إظهار الخسارة قد جاءت بتعبير الهداية، كما
قال الله تعالى:﴿
الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا
كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾
[60]
، ذلك هو معنى الأخسرين أعمالاً، وهؤلاء ليسوا
فقط مَن نزل القرآن فيهم، كقريش، وإنّما هو
لكل من كذّب وتولّى وسعى في الأرض فساداً، كما
بيّن الله تعالى في آية: ﴿
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءَهُمْ ...
﴾، فهم الأخسرون أيضاً لكونهم قد ضيّعوا أسباب
الإيمان بعنادهم وقولهم غير الحق، وهم يعرفونه
أما إذا كانت آية الأخسرين أعمالاً قد نزلت في
فجرة قريش كما أفاد ابن مردويه عن ابن الطفيل
عن أمير المؤمنين، فإنّ آيات أخرى، وهي كثيرة
قد جاءت لتفيد الأخسرين أعمالاً من أهل
الكتاب، ومن كل الناس، وعلى الأخص أولئك الذين
واجهوا الأنبياء وتربّصوا بهم شرّاً، كما قال
الله تعالى: ﴿
وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ
الْأَخْسَرِينَ ﴾، لا في الدنيا
وحسب، بل في الآخرة أيضاً، لكون ظاهر الآية
يُفيد حقيقة الجعل بأنهم في أشدّ الخسارة، بل
هم أخسر من كل خاسر بعد أن عاد سعيهم به
برهاناً قاطعاً عن أنهم على باطل، والنبيّ
إبراهيم (عليه السلام) على الحق، أوجب مزيد
الدرجات له، واستحقاق أشدّ العذاب لهم، على
اعتبار أنّ السياق يبيّن أنّ هذه المشهديّة
للخسران لم تكن إلاّ بعد أن قال الله تعالى: ﴿
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً
عَلَى إِبْرَاهِيمَ
﴾، وهو ما تحقق عياناً لردّ
كيدهم وتحقّق خسارتهم، وهذا الأثر للأخسرين
أعمالاً ليس مخصوصاً بزمان دون زمان، وإنّما
هو لاحظ لكل الأزمنة، ولكل الحالات، فحيث يكون
الحق يكون الفوز العظيم، وحيث يكون الباطل
وادّعاء حسن الصنع والعناد والتكذيب بآيات
الله يكون ليس الخسران وحسب في الدنيا، بل
الخسران في الآخرة، وأشدّ العذاب بما يتوفّر
لهؤلاء من ديمومة العذاب الذي قد يهون معه
عذاب الدنيا، كما قال الله تعالى: ﴿
وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً
﴾
[61]
.
إنّ سياق آية: ﴿
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعاً
﴾
[62]
، يشير بصراحة إلى أوضاع ومراتب هؤلاء الذين
يرون حسن الصنع لأعمالهم، فجاء اسم الإشارة
ليوضّح دلالة السياق لنفهم أنهم ليسوا مجرّد
أناس أخطأوا الهدف، وضلّوا السبيل، بل أناس
واعون ومدركون لما يؤدّونه من قول وفعل في
الحياة الدنيا، وهذا ما يفيده ظاهر دلالة
اللفظ في محل النطق، حيث نجد التساؤل عن
الأخسرين أعمالاً: ﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ
أَعْمَالاً
﴾، ثم يأتي
الجواب، فإنهم الذين ضلّ سعيهم، وكفروا بآيات
الله ولقائه، كما قال الله تعالى: ﴿
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ
رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَزْناً (105) ذَلِكَ
جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ
وَاتَّخَذُواْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً
﴾،
إنّه جواب كاشف عمّا يؤول إليه هؤلاء من مصير،
سواء في الدنيا، أم في الآخرة، كما جرى مع
النبي إبراهيم وسائر أنبياء الله تعالى، الذين
حقّ القول في أعدائهم في الدنيا قبل الآخرة
بالعذاب والهوان لقوله تعالى:
﴿
فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ لفظ الأخسرين لم
يأتِ إلا لانتفاء التماثل بين أن يكون الإنسان
خاسراً، أو أخسر للدلالة على تحقق مرتبة
هؤلاء في كونهم متميّزين عمّن حقّت له الخسارة
فيما يأتيه من فعل أو قول.، قد يكون في
الدنيا، أو في الآخرة، ولكن لا يكون له الجزاء
في جهنّم على نحو ما يكون لمن كذّب وكفر بآيات
الله تعالى، وهذا ما أجاب به العلاّمة اليزدي
على تساؤل لماذا هم الأخسرون؟ قال: «إنّهم
الذين بطلت أعمالهم في الحياة الدنيا لكنهّم
يظنّون واهمين أنّ أعمالهم حسنة جداً.. فإذا
كان هؤلاء من المستضعفين فكرياً فمن المرجوّ
أن لا ينالهم العذاب، وعلى أي حال إن خسر
هؤلاء فهم خاسرون وليسوا أخسرين، فأخسر الناس
من كانوا ذوي عقل وشعور وفهم عالٍ جدّاً،
لكنّهم رغم ذلك يكفرون ويفرحون بأعمالهم، أي
يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً. فهم ليسوا
الأخسرين لأنهم يعلمون قبح أعمالهم لكنّهم
يتمادون في ذنوبهم وعصيانهم. إنّما لكونهم
يظنّون أنهم يقومون بأعمال حسنة، ويبقى الجواب
عن هؤلاء متعلّقاً، كما يرى العلاّمة، بسنّة
شديدة ومؤلمة من سنن الله تعالى، إذ من سننهِ
تعالى أن يصل الأمر بالإنسان إلى مستوى أن
يفقد القدرة على تمييز الحسن من القبيح جرّاء
سوء العمل والذنب، بالرغم من أنّه من أهل
العلم والمعرفة، لكنّه يقع في الضلال، ويدّعي
حسن الصنع والصواب، كما قال الله تعالى:﴿
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ
عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى
بَصَرِهِ غِشَاوَةً
﴾
[63] ،
وهذه
سنّة بالغة الإنذار، وتستحقّ التأمّل بالنسبة
للعلماء، فإذا لم نعمل بلوازم علمنا ونؤثر
الضلال عامدين، فإنّ الله يعاقبنا في الدنيا
والآخرة، وقد قال أمير المؤمنين (عليه
السلام): «ربّ عالم قتله جهله وعلمه معه لا
ينفعه». إنّ من جملة النماذج التي يقدّمها
العلاّمة اليزدي في القرآن، نموذج بلعام بن
باعورا الذي كان عالماً بآيات الله تعالى،
وعنده الاسم الأعظم، ولكنه انسلخ من آيات الله
تعالى واتّبع هواه، فكان من الغاوين
[64]
.
كما نلاحظ أيضاً أنّ آية الأخسرين أعمالاً لم
تأتِ على مفردة الخسران المبين، وهذا ربما
يعود إلى أنّ مرتبة الخسران المبين، هي المصير
الأسوأ للذين يعملون على تغيير خلق الله تعالى
كما أقسم الشيطان، وهذا ما سيكون موضع بحثنا
في البحوث القادمة لتبيان مع الخسران المبين
الذي استحقه ويستحقه كل من اتخذ الشيطان
وليّاً من دون الله تعالى، كما قال الله
تعالى:﴿
وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن
دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً
مُّبِيناً
﴾
[65] ، لا شكّ
في أنّ لهذه الآية دلالتها الخاصة، وتمايزها
الخاص عن آية الأخسرين أعمالاً الذين لهم
مواطن لقاء كثيرة مع الذين أقسموا على تغيير
خلق الله تعالى وأمره ونهيه. وربما تكون آيات
سورة النساء، مفسَّرة بآيات سورة الكهف، نظراً
لما للشيطان من دور في تزيين الأعمال لتظهر
للإنسان بحسن الصنع، كما قال الله تعالى:﴿
وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾
[66]
، وقوله تعالى:﴿
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ
﴾
[67]
، وقوله تعالى:﴿
وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم
مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
[68]
. وهنا تبدو لنا اللطيفة القرآنية حول
الأخسرين أعمالاً الذين بلغ بهم الأمر حدّ
العلم والبصيرة بما يأتونه من أفعال وفساد،
فاستحقوا جزاء جهنّم لكونهم الأخسرين أعمالاً
بما أتوا به من أعمال وهم متمكنين من النظر
والاستبصار ولكنهم لم يفعلوا، ولم يرعووا عن
أعمالهم، فصحّ فيهم قوله تعالى:﴿
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ
عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى
بَصَرِهِ غِشَاوَةً
﴾
[69]
. وختاماً نقول: لعلّنا أحكمنا الكلام في ما
تدبّرنا به من آيات، فإن كان صواباً فهو
بتوفيق من الله تعالى، وإن كان خطأً فهو من
أنفسنا، نسأله التوفيق والعصمة والهداية.
نعم، هناك سياقات مختلفة للآيات القرآنية،
فمنها ما جاء متفقاً، ومنها ما جاء ليفيد
المزيد من الخسران للإنسان فيما لو كذّب بآيات
الله تعالى ولقائه، كما جاء في إفادة الأخسرين
للمزيد من العذاب، لأنّ الآية ذاتها جاءت في
سياق آخر، لتفيد الخسران في الآخرة أيضاً، كما
في قوله تعالى: ﴿
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا
جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْخَاسِرُونَ
﴾
[70]
، وهذه الآية، كما نلاحظ تضيف مدلولات أخرى
إلى قوله تعالى:﴿
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ
وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالْآخِرَةِ
هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ
يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا
كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ
أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا
كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا
كَانُواْ يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ
عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (21) لَا
جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ
﴾
[71]
. فالآية جاءت بعبارة الأخسرين لتفيد مضاعفة
العذاب والعقوبة بحقّ الذين يصدّون عن سبيل
الله تعالى، في حين أنّ سياق الأولى جاء ليفيد
تحقق الخسارة لكون سياق الأولى يفيد الطبع على
القلوب، والغفلة عن التدبّر في عاقبة الأمر،
أمّا سياق الآية الثانية، فهو يكشف عن مداليل
أخرى تتجاوز إيثار الحياة والغفلة إلى الصدّ
عن سبيل الله، فهم يستجمعون في نفوسهم
وسلوكهم، في القول والفعل، ما يوجب لهم ديمومة
العذاب والخسران الأكبر، لأنّ الفرق بين الخسر
والخسران هو أن الخسران أبلغ وأقوى من الخسر،
ولهذا اختلف التعبير باختلاف السياق، ولأجل أن
لا نطيل الكلام ندعو الباحثين إلى التدبّر في
سياق آيات الخسران في القرآن، سواء جاءت بلفظ
الخاسرين، أم بلفظ «الخاسرون»، أم الأخسرون،
أم الخسر، كما في قوله تعالى:﴿
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ
﴾،
إلى غير ذلك من الآيات التي لا بدّ من أن تلحظ
في سياقاتها، ذلك أن كل آية لها ما يميّزها عن
سواها فيما تأتي به من سياق، ويبقى السؤال
الأبرز والأهمّ فيما نحن بصدده، هو، هل أن
الخسران ينجبر بالتوبة قبل الموت؟
لا شكّ في أنّ ما تحدّثنا عنه في المبحث
السابق عن الفوز قد أجاب عن مضمون هذا السؤال،
ولكن يمكن إضافة ما هو مناسب إلى ما تقدّم
فنقول: إنّ التوبة فيما لو حصلت قبل معاينة
الآخرة، فإنّ الله يقبل التوبة عن عباده،
لكونه التوّاب الرحيم، وقابل التوبة وغافر
الذنب، وقد سبقت رحمته غضبه، ولكن هذه الرحمة
الواسعة، وهذه التوبة عن العباد تبقى مرهونة
بما يقدم عليه العبد من أوبة قبل أن يحق القول
فيه ويدخل في ضمير الخبر الإلهي بالعذاب. أمّا
إذا لم يبادر العبد إلى التوبة قبل الموت،
وكانت المعاصي والذنوب تصدر عنه وتأتي منه
باستكبار وتعنّت وعناد وغير ذلك مما يدخله في
دائرة الجرأة على الله تعالى، فإنّ توبة الله
عنه قد لا تكون محقّقة نظراً للإخبار بأن
الذين يعملون السيئات حتى يعاينون الآخرة
والذين يموتون وهم كفّار، قد أعدّ الله تعالى
لهم العذاب الأليم، وكما يقول العلاّمة شبّر:
«إنّ الله تعالى نفى التوبة عمّن سوّفها إلى
حضور الموت ومن مات كافراً، وسوّى بينهما في
نفيهما لمجاوزة كل منهما وقت التكليف
والاختيار...»
[72]
، هذا فضلاً عن أن إخبار الله تعالى لا يطاله
النسخ، ولا يبدّل القول لديه، فمن استحق
العذاب كان له العذاب، ومَن استحقّ التوبة
والرحمة كان له ذلك بحيث يعود الله تعالى عليه
بالمغفرة والرحمة. أما القول: بأنّ هذا العذاب
هو حقّ لله تعالى وله أن يسقطه رحمة بعباده،
ولغناه عنه، فذلك يصحّ من قائله ارتكازاً لسعة
رحمة الله تعالى، ولكن الخبر الإلهي يبقى
متقدّماً على هذا وقد توعّد الكفّار
والمنافقين والمشركين وكل مَن واجه الأنبياء
بأن يكونوا في جهنّم خالدين وصدق الله العظيم،
بقوله: ﴿
أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ
مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْخَاسِرُونَ
﴾
[73] .
وقوله تعالى:﴿
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ
يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... ﴾
[74]
.
أجمع المفسّرون لكتاب الله تعالى على أنّ
مفهوم الخسر والخسران المبين له دلالات كثيرة
ومتنوّعة في القرآن، وقد سبق القول، أنّ هذا
التنوّع في معنى الخسران ناشئ عن كون الاختلاف
في السياق يحتّم ملاحظة هذا التنوّع في
المدلولات على اعتبار أنّ سياق الآيات
القرآنية تارة يلحظ الجانب الاجتماعي
والسياسي، وبشكل عام الجانب الدنيوي بالهداية
إلى تحرّي العدالة في الوزن، وعدم الحيف..
وطوراً يلحظ الجانب الروحي والمعنوي والمصيري
للإنسان. ومن هنا كان بحث أهل اللغة فيما
يعنيه الخسر والخسران في مختلف السياقات
القرآنية، تماماً كما فعل الدامغاني في قاموس
القرآن، الذي كشف أن الخسر في القرآن يأتي على
خمسة أوجه وهي: العجز
[75]
، والغبن
[76]
، والضلال
[77]
، والنقصان
[78]
، والعقوبة
[79]
. وبما أنّ موضوع بحثنا في هذه الفقرة هو
الخسران المبين، فلا بدّ أن نكتفي بالبحث عمّا
يعنيه الخسران المبين من ضلال وعقوبة، لأنّه
ليس من فراغ أن يأتي القرآن بمفردات الخسران
المبين، وهذا ما كان موضع عنايتنا في البحوث
السالفة فيما أشرنا إليه من فوز عظيم، وفوز
مبين، وهنا في هذا المبحث نجد أنّ القرآن لم
يأتِ على استعمال مفردات الخسران الكبير، أو
الخسران العظيم، بل اكتفى بذكر وإطلاق الخسران
المبين على ما يؤول إليه الإنسان في دنياه
وآخرته من غبن ونقصان وضلال وعقوبة، لأنّ
الخسران المبين يستجمع كل هذه المعاني بما
تنطوي عليه من تحققات ومتعلّقات في الدنيا
والآخرة، باعتبار أنّ الخسران المبين ليس بعده
خسران أبداً، وهذا ما لحظه أهل اللغة والتفسير
فيما انطوت عليه كلمات وحروف الخسران المبين،
فهي خمس كلمات: ﴿
أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
﴾، وتشتمل على أنّ: أداة التنبه، وذلك
بالإشارة إليه، وهو: تأكيده بأداة الحصر، وأل
تعريفه، والخسران المبين: وصفه بأنّه بيّن
وواضح وليس بعده خسران أبداً
[80]
.
ولكي لا يتكرّر الكلام، ويحدث الإطناب فيما
نروم بيانه، فإننا سنكتفي بإيراد جملة من
الآيات التي يدلّل فيها السياق على أن الخسران
لا بدّ أن يتمايز بين أن يكون نقصاناً في
الدنيا فيما يتعاطاه الإنسان من رزق وتجارة،
وبين أن يكون غبناً وضلالاً وعقوبة للإنسان في
دنياه وآخرته حتى ولو كان رابحاً في تجارات
الدنيا ومكاسبها. قال الله تعالى في محكم
كتابه:﴿
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى
حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ
بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ
عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ
﴾
[81]
، وقال الله تعالى:﴿
فَاعْبُدُواْ مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ
إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ
أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ
﴾
[82]
.
فالآية الأولى، كما تبيّن للمفسّرين، تأتي في
سياق ذكر أوصاف الناس وما يكونون عليه من حال
ومنطق ومجادلة بغير علم، بين قائل بغير علم
ومتّبع لكل شيطان مريد، وبين مجادل بغير علم
ولا هُدى، ولا كتاب منير، وبين مَن يعبد الله
على حرف، كما هو مفاد الآية موضوع البحث، فهي
تشير إلى أنّ الخسران يلحق به في الدنيا
والآخرة لكونه على طرف أو شكّ في دينه، كالذي
يكون على طرف الجيش، فإن أحس على ظفر قرَّ
وإلاّ فرَّ، على حدّ تفسير الكاشاني
[83]
.
يقول الشيخ الطبرسي في تفسير الآية: «لما تقدم
ذكر الكفار وما تعاطوه من جدال، ذكر سبحانه
حال مقلّدة الضلال والدعاة إلى الضلال، فقال
عزَّ من قائل:﴿
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى
حَرْفٍ
﴾، أي على ضعف
في العبادة ونفاق فيها..»
[84]
. فإذ كان حال المنافق الذي يعبد الله تعالى
بلسانه دون قلبه، أو يكون على شكّ في عبادته
كما جاء عن مجاهد
[85]
، يؤول إلى الخسران المبين في الدنيا والآخرة،
فما يكون حال الآخرين من الكفار وغيرهم ممن
أشرك بالله تعالى واتخذ من الشيطان وليّاً؟
فالمنافق، إذا أصابه خير اطمأنّ به، وإن
أصابته فتنة انقلب على وجهه، أي رجع عن دينه
إلى الكفر فخسر الدنيا بفراقه، وخسر الآخرة
بنفاقه، ذلك هو الخسران المبين، أي الضرر
الظاهر لفساد عاجله وآجله على حدّ تعبير الشيخ
الطبرسي في البيان
[86]
.
وإلى مثل هذا ذهب المفسرون الأعلام؛
الطباطبائي والزمخشري، والطبري، فهؤلاء رأوا
بأنّ الخسران المبين إنّما يأتي لهذا الإنسان
من حيث كونه اختار الدين لتكون له الدنيا، فإن
أصابها اطمأنّ إلى عبادة ربّه بذلك الخير، وإن
خسرها انقلب على دينه وارتدّ بكفره، اعتقاداً
منه بأنّ الدين والعبادة لله تعالى هو سبب
خسرانه. وهنا تبدو لنا ملحوظة مثيرة للعجب
فعلاً وتحتاج إلى مزيد تأمّل وتدبّر، وهي ما
أشار إليه العلامة الطباطبائي بقوله: «وهذا
صنف من الناس غير المؤمنين الصالحين، وهو الذي
يعبد الله تعالى بانياً عبادته على جانب واحد
دون كلّ الجوانب وهو جانب الخير ولازمه
استخدام الدين للدنيا..»
[87]
، إذ نجد العلاّمة يحكم على الأصناف الثلاثة
الذين ذكرهم القرآن موصّفاً لمقالاتهم، بأنهم
غير مؤمنين
[88]
، دون الإشارة إلى حقيقة حالهم وما هم عليه،
من نفاق أو كفر، أو شرك أو غير ذلك، وإن كنّا
نرى أنّ السياق قد أشار، كما يرى العلّامة
الطباطبائي، إلى أنّ الآيات تذكر أصنافاً من
الناس مصرّين على الباطل مجادلين في الحق، أو
متزلزلين فيه وتصف حالهم وتبين ضلالهم، ثُم
تذكر المؤمنين وأنّهم مهتدون في الدنيا منعمون
في الآخرة. وقد لا يكون من الخطأ في القول
بأنّ هؤلاء يصحّ وصفهم بالنفاق بدلاً من القول
بأنهم غير مؤمنين لما أفاده الشيخ الطوسي في
التبيان عن الحسن، أن الذي يعبد الله على حرف
هو المنافق الذي يعبد الله تعالى بلسانه دون
قلبه. وهنا نعرض للكلام بهدف الملاحظة ليس
إلاّ...
ثمّ إنّ مما يعزّز رؤيتنا لما نذهب إليه من
توصيف، هو ما عرضت له آية الزمر في قوله
تعالى:﴿
فَاعْبُدُواْ مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ
إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ
أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ ﴾
[89]
، الذي يفيد تحقق كامل الخسران الذي لا خسران
بعده أبداً، وهذا ما يجعله متمايزاً عن خسران
الذين يعبدون الله تعالى على حرف الذين تبيّن
خسرانهم في الدنيا والآخرة بنقصان حظوظهم
وذهاب رأس مالهم، فكان الخسران مبيناً فيما
وصفوا به من عدم إيمان ونفاق. أما الذين خسروا
أنفسهم وأهليهم، فقد جاء التوصيف لحالهم
بالنفس والأهل في الدنيا والآخرة بإضافة
التنبيه إلى خسرانهم المطلق بحيث لا يكون لهم
معه أي أمل ورجاء فيما يؤولون إليه من مصير في
الآخرة، وهذا ما ذهب إليه الطباطبائي بقوله:
«إنّ الخسران أبلغ من الخسر، وخسران النفس هو
إيرادها مورد الهلكة، والشقاء بحيث يبطل منها
استعداد الكمال بتفويتها السعادة، بحيث لا
يطمع فيها وكذلك خسارة الأهل
[90]
، إذ في الآية تعريض بالمشركين المخاطبين
بقوله تعالى:﴿
فَاعْبُدُواْ مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ
﴾، فالظاهر من الآية
أنّها تتجاوز فيما تضمنته من خسران مبين حالة
الدنيا وما يطمع فيها من تعويض، للخسران، إلى
خسارة النفس والأهل، فجاء الخسران مبيناً لها
بتوصيف مختلف عن آية الحجّ لإظهار مدلولات
أخرى منها دوام العذاب والخلود في النار على
نحو ما بيّن العلاّمة الطباطبائي بأنّ الخسران
المتعلق بالدنيا في مال أو جاه سريع الزوال
منقطع الأجل بخلاف خسران يوم القيامة الدائم
الخالد، الذي لا زوال له ولا انقطاع. نعم هناك
تلاقٍ بين ظاهر الآيتين، إلاّ أنّ آية الزمر
أضافت النفس والأهل ودوام العذاب والهلاك
لإظهار أن الشرك والكفر مآله ليس إلى مجرّد
خسران كيفما اتفق في الدنيا والآخرة، وإنّما
إلى خلود في جهنّم التي يستبدل فيها بيع
الأثمان ببيع الأعيان على ما أفاد الشريف
الرضي في تبيان معنى وحقيقة الاستعارة في قوله
تعالى:﴿
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
﴾ وقد تقدّم الكلام في
مبحث اللغة فيما تضيفه الاستعارة من دلالة
ومعنى، فليراجع في مكانه.
إنّ معنى أن يكون الخسران مبيناً في الدنيا
والآخرة، أو في النفس والأهل، أو في الدين
والدنيا، أن يتبيّن للإنسان معنى أن يكون على
خسارة ملحوقة بالجبر والتعويض بحيث يكون لها
خلف من مال أو جاه، أو على خسارة لا انقطاع
لها لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا هو مفاد
جملة من الآيات القرآنية التي عبرت في ظاهرها
عن الخسران في الآخرة ولكنها في الباطن تستبطن
معنى العذاب والخسران في الدنيا أيضاً على نحو
ما بينّا فيما أرشدنا إليه من لحوق العذاب
والخسران بأمم كثيرة فسقت عن أمر ربها، وكان
العذاب الأكبر لإبليس الذي أبى أن يسجد لآدم،
واختار أن يكون على رأس الخاسرين فيما انتهجه
من سبل لإغواء الإنسان وصرفه عن مسار العبودية
لله تعالى، وبما أقسم عليه من إضلال واحتناك،
وتغيير في خلق الله تعالى، ما جعله مستحقاً
للعنة الإلهية، وأن يكون مطروداً من رحمة الله
تعالى. لقد بيّن الله تعالى في القرآن أن
بداية الخسران لبني آدم كانت وتكون في أن
يسمعوا لهتاف الشيطان، ويستمعوا لندائه، بعد
أن بيّن لهم أنّه العدوّ، كما في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ
عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ
لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ
﴾
[91]
، وقوله تعالى: ﴿
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ
أَن لَّا تَعْبُدُواْ الشَّيْطَانَ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
﴾
[92]
.
هناك آيات كثيرة تدعو الإنسان إلى أن لا يتخذ
من الشيطان وليّاً، لأن تولّي الشيطان يُخرج
الإنسان عن كونه مطيعاً لله تعالى، ليكون من
حزب وجماعة الشيطان، كما قال الله تعالى:﴿
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ
فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى
عَذَابِ السَّعِيرِ
﴾
[93]
. فالآيات التي تعرض لأهداف الشيطان، هي إنّما
تؤكّد على أنّ ما يهدي إليه ليس فيه إلاّ
الخسران المبين، باعتبار أنّ الإنسان على خيار
بين أن يهتدي بهدى الشيطان إلى عذاب السعير،
وبين أن يهتدي بهدى الله تعالى الذي أوحى به
بقوله تعالى:﴿
قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَن تَبِعَ
هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ ﴾
[94]
.
وبما أنّه مع الهدى الإلهي لا خوف ولا خسران،
فذلك دليل على أنّ الله تعالى أراد للإنسان أن
يتوفّر على كل ما يحقق له الفوز والرضوان في
الدنيا والآخرة، خلافاً لما يهدي إليه الشيطان
ويعد به من أمانٍ وغرور، وغير ذلك مما يتصيّد
به الإنسان في سيرة حياته الدينية والدنيوية،
فتكون عاقبة أمره خسراً، لأنّ أكبر الخسران
إنّما يكون في اتّباع الشيطان، كما جاء في
قوله تعالى:﴿
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً
وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَّرِيداً
(117) لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ
لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً
مَّفْرُوضاً (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ
وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ
اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ
وَلِيّاً مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ
خُسْرَاناً مُّبِيناً (119) يَعِدُهُمْ
وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ
إِلَّا غُرُوراً
﴾
[95]
، فالآيات، كما يتبدّى لنا من ظاهرها، توصّف
للإنسان حقيقة ما هو عليه الشيطان من أهداف
ومساعٍ للحيلولة دون أن يكون للإنسان ما يفوز
به من رحمة الله تعالى، سواء في العلم أم في
العمل، ذلك أنّ الشيطان منذ الهبوط الآدمي
أقسم على إضلال العباد واحتناكهم ليكونوا
جنوداً له
[96]
، وقد جاء في كثير من الروايات أن للشيطان
القسم الأكبر من الناس لما يرون فيه من تجسيد
للشهوات والمعاصي، وغير ذلك مما ينسجم مع
أمراض قلوبهم وهوى نفوسهم، وقد ذكر الكاشاني
عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)،
كما في المجمع، في تفسير الصافي، أن في هذه
الآية ما يشير إلى أنّ تسعة وتسعين في النار
وواحد في الجنّة، وفي رواية أخرى من كل ألف
واحد لله تعالى وسائرهم للنار وإبليس»
[97]
.
وبغضّ النظر عمّا تفيده الروايات، فإنّ لنا في
سياق الآيات غنيّ عن أيّ بيان طالما أن
المعصوم (عليه السلام)، سواء النبي الأكرم
(صلى الله عليه وآله وسلم) أم الإمام (عليه
السلام) قد بيّن أنّ الشيطان هو العدوّ، وقد
سبق له أن أقسم لآدم وحواء، ودلاَّهما بغرور،
ولكن الله تعالى مَنَّ على آدم وبنيه بما
يمكنهم من اتباع الهدى الإلهي، حيث قال الله
تعالى:﴿
فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ
فَتَابَ عَلَيْهِ
﴾
[98]
، وهنا يبدو لنا سرّ الموقف، وعظيم الهداية في
أن يتحوّل الإنسان من خلال مواجهته للشيطان
إلى وليّ لله تعالى فيما يختاره لنفسه من هدى،
وفيما يؤدّيه من أعمال صالحات من شأنها أن
تدفع بالشيطان إلى اليأس عمّا في أيدي عباد
الله تعالى، كما قال الله تعالى:﴿
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي
لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ
وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا
عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ
هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ
إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ
﴾
[99]
.
ذلك هو معنى التوبة، وأن نتبع الهدى الإلهي
ليكون للإنسان الفوز، وإلاّ فإنّ البديل هو
الخسران المبين. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ
هذه الآية هي الوحيدة في القرآن الذي جاء
التعبير فيها مطلقاً، إذ تمّ تأكيد الفعل فيها
من خلال المجيء بالمصدر، وهذا يفيد في علم
اللغة والبيان، أن الخسران فيما لو تحقّق
باتباع الشيطان، يكون مطلقاً ومن جميع جهاته
وحيثياته، فلا يكون منه منجى، لا في الدنيا
ولا في الآخرة، وقد يحق لنا إبداء الأسف فيما
عرض له كثير من الفقهاء وعلماء التفسير حول
الآية، مقتصرين فيها على سبب النزول وما كان
يقوم به المشركون من عبادة الأصنام، وتغيير
لخلق الله تعالى فيما كانوا يأتون به من أعمال
باطلة، وشقّ لآذان الأنعام، رغم أنّ الآية
تفيد الإخبار بأنّ الشيطان أقسم بأن يصرف
العباد عن عبادة الله تعالى ليكونوا مطيعين له
فيما يأمرهم به وينهاهم عنه، كما أفاد الطبري
[100]
، باعتبار أنّ كل من أطاع الشيطان فهو من
نصيبه، وهذا ما عبّر عنه بقوله سبحانه
وتعالى:﴿
وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ
نَصِيباً مَّفْرُوضاً
﴾
[101]
.
إنّ تأويل الآية فيما تعنيه من عموم ثابت
يتجاوز تنزيل القرآن، أو ما عبّر عنه في
القرآن الخاص في سبب النزول، ويشير إلى أبعاد
أخرى تتجاوز شقّ الآذان، وإخصاء البهائم، وحلق
اللحى، ليكون لها مدلولات أخرى على مستوى
الدين والرؤية والحضارة الإنسانية، لأنّ خلق
الله تعالى هو كل ما خلقه الله تعالى وجعله
للإنسان، سواء في التكوين، أم في التشريع، على
اعتبار أنّ ما نعيشه اليوم من تحوّلات يكشف
بما لا مجال للشكّ فيه أن الإنسان يتغيّر في
دينه ودنياه، وفي ذات نفسه، قبل اجتماعه
وسياسته وحضارته، وفي كل شؤون حياته الخاصة
والعامة وهذا ما للشيطان دور كبير فيه، وكل
مَن اتخذ من الشيطان وليّاً، فقد اختار أن
يكون من جملة من يعمل على تفسير خلق الله
تعالى على نحو يظهر فيه عالم الإنسان بمظهر
الشيطان، بدل أن يظهر بمظهر الرحمن كما أراد
الله تعالى له. ولا شكّ في أنّ ما يعضد رأينا
هذا ما جاءت به آيات قرآنية كثيرة عمّا توعّد
به الشيطان بني آدم أن يجلب عليهم بخيله ورجله
وأن يشاركهم في الأموال والأولاد، وأن يهديهم
إلى عذاب السعير بما يطيعونه فيه من شهوات
وملذّات ومعاصٍ تؤدّي بهم إلى جهنّم، وهذا ما
عبّر عنه القرآن بالخسران المبين الذي لا
خسران بعده أبداً.
وعوداً على بدء، وتأسيساً على مباحث الفوز،
نرى أنّ مرتكز البحث في الخسران المبين هو هذه
الآية التي يُمكن التدبّر فيها على النحو الذي
يساعد الإنسان على استكشاف ملامح التغيير الذي
توعّد به الشيطان من خلال القرآن
[102]
لأنّ ما كان مألوفاً ومعهوداً عند المشركين في
زمن نزول الآية هو هذا الذي ذكره علماء
التفسير، ولكن الأئمة المعصومين (عليهم
السلام) أوضحوا أنه لا يمكن تقييد الآية بما
كان عليه الإنسان في زمن نزول الآية، وإنّما
لا بدّ من تدبّرها وفهمها في سياق التحولات
الإنسانية، لما رآه علماء الأصول من أن المورد
لا يخصص الوارد، وأنّ العبرة بعموم اللفظ لا
بخصوص السبب، ولا بدّ أن تجري الآية في حياة
البشر ليكون لها مصاديق كثيرة في عالم تحولات
الإنسان، ولا شكّ في أن أبرز مصاديق هذه الآية
فيما نحن عليه اليوم من تغيير في خلق الله
تعالى، سواء في السنن الدائرة في المجتمع، أم
في الأحكام والتعاليم الإسلامية، أم في مجال
التكوين لجهة ما آل إليه التطوّر الصناعي
والعلمي من مفاسد في البرّ والبحر بما كسبت
أيدي الناس، فإنّ ذلك كلّه مما يمكن حمل الآية
عليه من حيث ما تنطوي عليه من عموم ثابت لا
بدّ من تأويله في سياق وحدة النصّ مع التجربة
الإنسانية، وهذا ما ذهبنا إليه في بحوث سابقة
فيما أكّدنا عليه من ضرورة توحيد النصّ مع
التجربة، لأنّ هذا هو مقتضى المنهج والاتجاه
الموضوعي في تفسير القرآن، إضافة إلى كون
القرآن لم ينزل ليكون نصّاً جامداً أو معبّراً
عن حالة إنسانية خاصة في الزمان والمكان،
وإنّما هو نصّ مطلق ومقدّس يجري في حياة البشر
مجرى الشمس والقمر كما بيّن الأئمة في كثير من
الروايات أشار إلى بعضها صاحب البرهان في
تفسير القرآن
[103]
.
غاية القول: إنّ الخسران المبين الذي تلحظه
الآية ليس مجرّد خسران في أحوال الإنسان
الخاصة، وإنّما هو خسران على مستوى الدين
والدنيا، والروح والمادة، بل على مستوى السماء
والأرض، وعلى مستوى الدنيا والآخرة. ولهذا،
جاء بالمصدر ليفيد هذا المعنى بحيث ينتبه
الإنسان إلى ضرورة أن لا يستجيب لنداء الشيطان
لأنه ملعون وهادف إلى تبديل الرؤية الإنسانية
وتغيير خلق الله الذي لا تبديل له كما قال
الله تعالى:﴿
فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ
﴾
[104]
.
وتأسيساً على ذلك، فإنّ الخسران المبين الذي
يمكن أن يلحق بالإنسان بسبب إطاعته للشيطان،
سبيله هو ما يختاره الإنسان بإرادته، فلا
يُقال لماذا خلق الشيطان؟ ولماذا أُبقي إلى
الوقت المعلوم؟ ولماذا سلّطه الله على بني
آدم؟ وغير ذلك من الأسئلة التي أجاب عليها
العلماء بما يكفي للردّ عليها كما بيّن
العلاّمة الشيرازي في كتابه سؤال وجواب
[105]
.
إنّ السبيل الوحيد لتلافي هذا الخسران المبين
أن يتحقّق الإنسان بأمر الله تعالى، بحيث يتخذ
من الشيطان عدوّاً له بدل أن يكون وليّاً له،
وأن يستجيب لنداء الحياة الذي جاء به القرآن،
كما قال الله تعالى:﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
﴾
[106]
، إذ من خلال هذه الاستجابة يحول الإنسان بينه
وبين أن يكون للشيطان سبيل عليه، هذا فضلاً
عمّا تحقّقه هذه الاستجابة من موانع تحفظ
للإنسان فطرته التي فطر عليها، وتؤهّله لأن
يبقى خلق الله تعالى بعيداً عن هوى الشيطان
وإغوائه ليستمرّ الإنسان على هدى الله تعالى،
قائماً بأمر الخلافة، ومحققاً لروح الهداية
فيما خصّه الله تعالى به من عقل وروح وإرادة
واختيار، وغير ذلك مما حصّن به الإنسان ليقوم
بمهام الخلافة في الأرض، ويمنع من تزيين
وإغواء الشيطان، بحيث يحفظ لنفسه مكانها
وفوزها في الدنيا والآخرة. أمّا إذا ضيّع هذا
الهدى، واتبع الشيطان، وتردّى أمره في
الغواية، فإنّ ذلك من شأنه أن يؤدّي به إلى
الخسران المبين، الذي مآله أولاً وأخيراً إلى
تبديل المكان في الجنّة إلى مكان في النار،
كما قال الله تعالى:﴿
إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ
أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ ﴾
[107]
، وإنّ أدنى تأمّل في ضمّ هذه الآية إلى آية
النساء وما جاء بها من قَسَم شيطاني، لا بدّ
أن يظهر أن هذه الآيات تفسّر بعضها بعضاً
لكونها تنطوي على الخسران المبين المؤكّد
بأداة التنبيه والحصر، هذا فضلاً عمّا تظهره
من وحدة في الخطاب مع المشركين وما يكون لهم
من خسران مبين في الدنيا والآخرة.
وعموماً يمكن القول: إنّ هذا المبحث وإن لم
نتمكّن فيه من استيفاء كامل المعاني التي
نحتاج إليها في فهم وتفسير الخسران المبين،
إلاّ أنّنا بعون الله استطعنا التدبّر في جملة
من الآيات التي توضّح هذا المفهوم، وكما قلنا
سابقاً: إنّ الحديث عن الفوز العظيم، هو بحدّ
ذاته حديث عن الخسران المبين، لأنّ عدم الفوز
بذاته هو خسران، ولكن درجات الفوز والخسران هي
التي احتاجت منّا المزيد من البحث والتدبّر.
وبحق نقول: إنّ كثيراً من المباحث القرآنية
يحتاج إلى إعادة نظر من قبل الباحثين، لأنّ
معظم ما تأمّلنا فيه من بحوث لم يلحظ النصّ مع
التجربة، بل اكتفى بعرض الآية من خلال سبب
النزول، وفي سياقها الخاص، ولا ندّعي أنّنا قد
وفينا البحث حقه، بل ندّعي أنّ الكلام في
التجربة وفيما هو عام وثابت لا بدّ أن يلحظ
معاً في البحث القرآني، ذلك أنّ كل آية مثلما
هي تحتاج إلى التعرّف على سبب نزولها، فهي
كذلك تحتاج إلى أن تظهّر في ضوء التجربة
الإنسانية والتحوّلات الزمانية للإنسان
باعتبار أنّ النصّ القرآني هو نصّ مطلق ومقدّس
ويحتاج إلى مزيد من التدبّر، وخاصة في مباحث
الفوز والخسران نظراً لما احتوى عليه القرآن
من آيات بخصوصهما، وهذا ما دعانا إلى أن يكون
لنا موقف أو رؤية في ما عرضنا له من مباحث في
طيّات هذا المبحث، وقد يكون ممكناً الفصل بين
الفوز والخسران طالما أن القرآن قد عرض لهما
في سياقين مختلفين، جاعلاً إيّاهما على طرفي
نقيض باستثناء سورة العصر التي شملتها في سياق
واحد
[108]
.
فالآيات إمّا أنّها تشير إلى الفوز العظيم وما
يكون به هذا الفوز، وإمّا أن تلحظ الخسران
المبين وما يكون به هذا الخسران، ومثلما أنّ
الفوز إنّما يكون بالطاعة لله ورسوله فإنّ
الخسران إنّما يكون بالطاعة للشيطان
والاستجابة له في تغيير خلق الله تعالى من
خلال الاستجابة لندائه في معصية الله تعالى،
وفي تحويل وتبديل رؤية الإنسانية من كونها
رؤية إلهية هادفة وكادحة في سبيل ربّها، لتكون
رؤية شيطانية هادفة إلى تغيير خلق الله تعالى،
الذي يتجاوز مجرّد التغيير في الأشياء ليكون
تغييراً في الأرواح والنفوس، فضلاً عن التغيير
في مجالات وميادين الحياة في السياسة
والاقتصاد والاجتماع وفي الثقافة والحضارة،
ولعلّ من أهمّ ما يدلّ على مانذهب إليه هو ما
تحوّل إليه العالم اليوم في ضوء ما تعاهده
الشيطان، من خسران على مستوى الحياة الإنسانية
إذ لم يبق مجال من المجالات إلاّ ومدّ الشيطان
يده إليه ليكون مؤثراً فيه، إن لم يكن صانعاً
له، كما ظهر لنا في مقولات العولمة، والحضارة،
وثورة العلم والتطوّر، وغير ذلك مما أسفرت عنه
حضارة المادة من تحولات أفقدت الإنسان روحه
ومعناه، وجعلت منه آلة تحرّكه كيفما تشاء بدل
أن تكون هذه الآلة محكومة للإنسان.
وهكذا، فإنّ حضارة اليوم بما آلت إليه من
تطوّر مادي، هي خير تعبير عن مقولة الشيطان
وقَسَمه في أن يغيّر خلق الله تعالى، من
الخير إلى الشرّ، ومن الحقّ إلى الباطل، ومن
الحسنة إلى السيئة، فكان له ما أراد بحيث يبدو
عالمنا اليوم كأنّ لا نبي جاء، ولا وحي نزل،
بما آل إليه أمر الإنسان من تحوّل باتجاه
المادة على حساب الروح والقيم والمبادئ
والأهداف والفضيلة، ما أدّى بالإنسان إلى أن
يكون على خسران مبين في الدنيا والآخرة، ونعوذ
بالله من الشيطان الرجيم.
قال الله تعالى:﴿
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ﴾
[109]
.
فالآية، كما نرى، ترسم ملامح عامة، وتبيّن
مقاصد كبرى عرض لها القرآن الكريم في آياته
المباركة، وقد توقف المفسرون مليّاً عندها،
ذاهبين مذاهب شتّى في تفسيرها، بين قائل بأن
القسم يعني صلاة العصر لفضلها كما رأى
الزمخشري
[110]
، وبين قائل: إنّه قَسَم بالدهر الذي تقع فيه
الحوادث والأفعال، كما رأى العلامة مغنيّة
[111]
، وهناك من المفسرين مَن رأى أنّه قَسَم بعصر
طلوع الإسلام كما ذهب إليه العلامة الطباطبائي
[112]
، أو بعصر النبوّة، كما أفاد الفيض الكاشاني
[113]
، إلى غير ذلك من الأقوال التي لا حصر لها عند
المفسّرين ولا نرى من المناسب أن نعرض لجميع
الآراء طالما أن الهدف من هذه الخاتمة هو
تبيان حقيقة ما ترسمه السورة من معالم، وترمي
إليه من أهداف وغايات تخدم الإنسان في مسيرته
في الدنيا والآخرة، باعتبار أنّ السورة
المباركة تعرض للمفهومين، مفهوم الخسر بما هو
نقص وهلاك وضلال، ومفهوم الفوز بما هو طاعة
لله ورسوله في الدنيا ونجاة في الآخرة من خلال
الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر.
ثم إنّ السورة المباركة، كما بيّن علماء
التفسير ليست بصدد إثارة التكهّنات، أو تحيير
العلماء بما أقسمت به من عصر، ذلك أن القَسَم
الذي جاء بالقرآن لا يمكن فصله عن السياق
العام للسور التي يأتي بها، تماماً كما أوضح
العلامة الطباطبائي في تفسير سورة المرسلات
[114]
، والزمخشري في سورة التين
[115]
، وغيرهم أيضاً
[116]
، من أن القَسَم له معناه في سياق السورة،
فإذا أمعنّا النظر في السياق في سورة المرسلات
لعرفنا من الآيات الأولى أنها تعني الرياح
المتعاقبة الهبوب، لكن الآيات الأخرى ونعني
بها الملقيات ذكراً، عذراً أو نذراً، صريحة في
الملائكة النازلين على الرسل، وكما يقول
العلامة الطباطبائي: «إن حمل جميع الصفات
الخمس في مطلع سورة المرسلات على إرادة
الرياح.... يحتاج إلى تكلّف شديد في توجيه
الصفات الثلاثة الباقية، وخاصة الصفة
الأخيرة... فالوجه هو الغضّ عن هذه الأقاويل
وحمل المذكورات على إرادة الملائكة..»
[117]
، وإلى مثل هذا ذهب الزمخشري في تفسيره سورة
التين، فرأى أنّ سياق سورة التين والزيتون
وطور سينين وهذا البلد الأمين، لا يسمح بأن
يفسّر التين والزيتون بخلاف ما يلحظه السياق،
باعتبار أنّ الطور هو المكان الذي نودي منه
موسى (عليه السلام)، والبلد الأمين هو مكّة.
فينبغي أن نقول بأنّ التين والزيتون يمكن
تفسيرهما أيضاً بلحاظ المكان، يقول الزمخشري:
«ومعنى القَسَم بهذه الأشياء الإبانة عن شرف
البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير
والبركة بسكن الأنبياء والصالحين، إذ إنّ منبت
التين والزيتون مهاجر إبراهيم (عليه السلام)،
ومولد عيسى (عليه السلام) ومنشؤه، والطور
المكان الذي نودي منه موسى (عليه السلام)،
ومكّة البيت الذي هو هدىً للعالمين ومولد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومبعثه
[118]
.
ومن هنا، لا يسعنا إلاّ أن نستغرب ما ذهب إليه
الزمخشري في قَسَم والعصر دون أن يلحظ السياق
الذي جاء فيه هذا القَسَم، وهذا الاستغراب
يدفع بنا إلى التأمّل جيداً في سياق السورة
المباركة لنرى أنّه قَسَم لا بدّ أنّه يخدم
سياق الآيات في السورة، طالما أجمع العلماء
على أنها تلخّص جميع المعارف القرآنية وتجمع
شتات المقاصد القرآنية في أوجز بيان على حدّ
تعبير العلامة الطباطبائي
[119]
.
وهنا نسأل: هل سياق الآيات في سورة العصر
يُفيد القَسَم بصلاة العصر، أو بآخر النهار،
كما أقسَمَ بأوله، كما في قوله تعالى:﴿
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا
﴾
؟ وهل يمكن القول بأنّه قَسَم بالزمان والدهر
لما يتضمّنه هذا الدهر من أعمال وأفعال محمودة
يقوم بها الإنسان؟
لقد ذهب العلامة مغنية إلى هذا الرأي، بقوله:
«فأقسَمَ الله بالدهر لينبّه على أن الزمان لا
يذمّ، وإنّما هو ظرف للحسنات والسيئات ولشؤون
الله الجليلة من خلق ورزق وإعزاز وإذلال،
وإنّما يذمّ ما فيه من أفعال ممقوتة»
[120]
.
إنّ مناقشة أقوال العلماء وطرح الأسئلة حول ما
عرضوا لها ليس هادفاً إلى توهين الآراء بقدر
ما هو محاولة جادّة من قبلنا لاستكشاف ملامح
هذه السورة من خلال الإشارة إلى القَسَم بلحاظ
السياق العام للسورة، وكما هو الظاهر منها، هو
قَسَمَ بعصر القرآن كما أفاد العلامة
الطباطبائي، ولكننا نضيف إليه ما لم يتنبّه له
العلاّمة، فيما عرض له من أقوال للمفسرين،
وكأنه لم يرجّح هذا الأمر على نحو التأكيد له،
بل اكتفى بمجرّد استنساب الرأي، وهذا ما لا
نرى له وجهاً، لأنّ السورة، كما أفاد العلاّمة
نفسه تجمع شتات مقاصد القرآن، فكيف يقسم
بالعصر، وقد ترافق هذا القَسَم في كثير من
السور مع القَسَم بالقرآن، كما في قوله تعالى:
﴿ ص
وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ
﴾
[121]
، وقوله تعالى:﴿
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ
﴾
[122]
، فما المانع أن نجزم بأنَّ القَسَم هو قَسَم
بعصر القرآن بحيث لا تترك مجالاً للقيل والقال
في تفسير هذا القَسَم؟ وهل ثمّة مانع أن نجزم
بذلك وقد بيّنت الروايات عن أئمة أهل البيت
(عليهم السلام) أن المستثنى في الآية هم
الصفوة من خلق الله تعالى
[123]
، وأنّ عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
مشمول في هذا القَسَم بالعصر لما فيه من تمام
ظهور الحق على الباطل
[124]
، وأنّ التواصي بالحق والتواصي بالصبر، هو
التواصي بالولاية والصبر عليها
[125] ، إلى
غير ذلك ممّا اشتملت عليه الروايات؟ ونحن
بمعزل عمّا نراه من جري وتطبيق للآيات، نرى
أنّ القَسَم وجوابه، المستثنى منه، لا يمكن أن
يأتي، أو يفيد بأقل ما يعنيه المستثنى في
السورة، فإذا كان المستثنى هم الصفوة وأهل
الكمال في الخَلق والخُلُق، فلا يعقل أن لا
يكون القَسَم تعبيراً عن هذا الكمال، وعن هذه
الصفوة باعتبارها الترجمة الحقيقية لكمال
القرآن؟ وهل القَسَم بالعصر بما هو قَسَم
بالصلاة أو الدهر، أو بآخر النهار يتناسب مع
سياق السورة وما تفيده من استجماع المعارف
والحقائق القرآنية؟ أليس ممكناً القول بأنّ
القَسَم هو قَسَم يتلاءم تماماً مع القرآن
وعصره بما هو عصر النبوّة والإسلام والكمال
المتحقق للصفوة من خلق الله تعالى؟
ولا شكّ في أنّ هذا القَسَم بالعصر هو قَسَم
حقيقي بالقرآن دون استنساب لذلك، ولعلّ ما ذهب
إليه الطوسي الفيلسوف نصير الدين في نقد
المحصّل يكشف عن هذه الحقيقة بما هي تعبير عن
الكمال بداية ونهاية يقول:﴿
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ
﴾، أي
في الاشتغال بالأمور الطبيعية والاستغراق
بالمشتهيات النفسانية، ﴿
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ
﴾، أي
الكاملين في القوة النظرية، ﴿
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
﴾، أي
الكاملين في العلوم العملية،﴿
وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ
﴾، أي الذين
يكملون عقول الخلائق بالمعارف النظرية،﴿
وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ
﴾، أي الذين يكملون الخلائق بتلقي المقدمات
الخلقية...»
[126]
.
إذن الكمال المستثنى في الآية، هو الكمال
النظري والعملي للصفوة من خلق الله تعالى، ولا
بدّ أن يكون القَسَم في مستوى هذا الكمال،
وليس هو إلاّ عصر القرآن والنبوّة والإمامة،
وإن شئتَ فقل: هو عصر الإسلام عقيدة وشريعة
ونظام حكم وحياة الذي يتجلّى غداً بعصر الظهور
الذي يكون فيه تمام التجلّي للحق على الباطل.
إنّ ما نذهب إليه من رأي لا نرى أنّه قابل
للمعارضة، أو الردّ بادّعاءالجري أو التطبيق،
أو التأويل للآيات بخلاف ما يظهره السياق في
السورة المباركة، لأنّ القرآن هو الكتاب
الكامل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا
من خلفه، وكذلك الصفوة من خلق الله تعالى، فهي
صفوة محققة بالكمال، وقد قرنها النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) بالقرآن، فمن أخذ به،
فقد أخذ بحظّ وافر في الدنيا والآخرة، ومَن
زعم أن القرآن هو حسبنا، فليس له إلاّ أن
يبيّن لنا معنى آية التطهير وسائر الأحاديث
النبويّة بحق أهل البيت (عليهم السلام)، فضلاً
عمّا يفيده السياق في سورة العصر لجهة ما
تتضمّنه من كمال وجمع لشتات المقاصد القرآنية
التي لا تجتمع إلاّ فيمن جعله الله تعالى
قرآناً عينياً، في جانب القرآن العلمي، كما
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا
أيها الناس إنّي تارك فيكم كتاب الله وعترتي
أهل بيتي، فتمسّكوا بهما لن تضلّوا أبداً،
فإنّ اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليّ أنّهما
لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»
[127]
.
أمّا ما ذهب إليه أهل التفسير من مذاهب في
تفسير الخسران في الآية، أو في تفسير الإنسان،
هل هو جنس الإنسان؟ أو الجماعة الكافرة؟ أو
غير ذلك مما لا يستحق التأمّل فيه لما ينطوي
عليه من جهل بمنطوق الكلام ومفهومه، حيث رأينا
بعض المفسّرين يذهب إلى القول بالناسخ
والمنسوخ في الآية، كما قال ابن حزم الأندلسي
[128]
، أو كما قال أبو جعفر النحاس بأنّ الإنسان في
الآية هو الجماعة الكافرة
[129]
، فكل هذا لا يعبأ به فيما لو أردنا الموضوعية
في تفسير آيات الله تعالى، هذا فضلاً عمّا ذهب
إليه آخرون من تنزيل الآيات على الأشخاص في
زمن الرسالة، كما جاء في شواهد التنزيل، فكل
هذا يمكن المناقشة فيه، لكنه يخالف ظاهر آيات
سورة العصر، لأنّ الآية ليست بمورد الحديث عن
شخص في زمن الرسالة بمقدار ما تنبّه إلى ضرورة
التعرّف إلى مَن يكون به وفيه كمال الدين
والرسالة في مطلق الزمن، وإلاّ فما تكون فائدة
القَسَم واستجماع المعارف والحقائق في سورة
واحدة هي سورة العصر ليبيّن الله تعالى من
خلالها أنّ كل إنسان خاسر إلى آخر الدهر ما لم
يكن له مَن يكمله في إيمانه وعمله، كما أفاد
الفيلسوف الطوسي في نقد المحصّل.
كما يمكن التساؤل أيضاً حول ما ذهب إليه
العلاّمة الطباطبائي لجهة عدم الإشارة إلى
كمال الإيمان والعمل الصالح، حيث اكتفى
بتفسيره بذكر الإيمان والعمل الصالح وما
يستوجبانه من أمور؛ دون الإتيان على معنى
الكمال في الصفوة المشار إليها في الروايات،
ولعلّ إهماله لهذا الأمر ناشئ من خشيته من
الخروج عن حدّ التفسير إلى التطبيق، أو إلى
الجري
[130]
، فاكتفى بالسياق العام للسورة وما تفيده من
استثناء للأفراد أو المتلبسين بالإيمان
والأعمال الصالحة، رغم أنّ العلاّمة نفسه
توقّف مليّاً عند ظاهر قوله تعالى:﴿
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
﴾
مبيّناً أنه التلبّس بجميع الأعمال الصالحة
فلا يشمل الاستثناء للفساق بترك بعض الأعمال
الصالحات من المؤمنين ولازمه أن يكون الخسر
أعمّ من الخسر في جميع جهات الحياة كما في
الكافر المعاند للحق المخلّد في العذاب،
والخسر في بعض الجهات في حياة المؤمن الفاسق،
الذي لا يخلد في النار وينقطع عنه العذاب
بشفاعة ونحوها
[131]
.
وهذا الكلام من العلاّمة يفيد أنّ الاستثناء
يلحظ حقيقة التمايز في الإيمان والعمل الصالح
الذي لا يكون بتمامه وكماله إلاّ لمن اصطفاه
الله تعالى وجعله سابقاً بالخيرات بإذن الله،
فيكون المعنى المتحصّل هو كمال القوانين
النظرية والعمليّة لمن خصّه الله تعالى بهذا
الاستثناء مقابل الخسر الذي نكره الله تعالى
لإفادة إبهام الخسر مقابل تفصيل سبب الربح
والفوز، يقول شبّر في تفسيره: «إنّ إيهام سبب
الخسر، وتفصيل سبب الربح إشعاراً بأن ما عدا
المذكور يوجب الخسر، وبتناهي ستره وكرمه إذ
ظهر الجميل وستر القبيح»
[132]
.
كما أنّه لا يعقل أيضاً أن يتوقّف العلماء عند
مفاد قوله تعالى:﴿
وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ
بِالصَّبْرِ
﴾، دون
التدبّر فيما يفيده الاستثناء من فوز عظيم
فيما لو توفّر الإنسان على شروطه من خلال
تولّي الصالحين والصادقين، وهذا ما نرى أنّ
العلاّمة شبّر قد لحظه في تفسيره بأنّ ما عدا
الاستثناء يوجب الخسر. وبما أنّ الإيمان
والعمل الصالح والحق والصبر والتواصي بهما لا
يكون كيفما اتفق، فإنّه لا بدّ من تحقّق
الشروط والمواصفات التي تخرج الإنسان عن كونه
خاسراً ليكون على فوز مبين، وهذا لا يكون
محققاً إلاّ بتولّي من جُعل قيّماً على الدين.
وعِدلاً للقرآن وقد تكون فائدة تكرار التواصي
الالتفات إلى أنّ في الأمر تمايزاً حقيقياً
ينسجم مع القَسَم الإلهي ومع حقيقة الاستثناء
بأنّ مَن يتواصون بالحق والصبر ليسوا مجرّد
أشخاص يقومون بهذا الأمر، وإنّما هم أشخاص
متمايزون لكونهم عطفوا على الذين آمنوا وعملوا
الصالحات، وتكرّر ذكر التواصي لإفادة حقيقة
هذا التمايز في الصفات والخصائص لمن استثني من
الخسران الذي نكّر تعظيماً، لما أفاده
الزمخشري بأن الخسر والخسران، كما الكفر
والكفران
[133]
، وهو يفيد الخسران المبين في مقابل الفوز
العظيم لمن آمن وعمل صالحاً وتواصى بالحق
وتواصى بالصبر، وقد استوفينا البحث في أن
الفوز العظيم لا يكون إلاّ لمن رضي الله عنه
ورضوا عنه، ولمن خصّوا برضوان من الله أكبر،
ذلك هو الفوز العظيم. وهذا ما لحظه الطباطبائي
بقوله: «إنّ الخسر للتعظيم
ويحتمل التنويع أي
نوع من الخسر غير الخسارات المادية والجاهية،
كما قال الله تعالى:﴿
الَّذِينَ خَسِرُواْ
أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ ﴾».
لذا، فإنّ ما يُستدل عليه من ظاهر الآيات
وبحسب المنطوق والمفهوم معاً، هو أن الخسر في
سورة العصر ليس مجرّد الخسر في شيء من
الأشياء، وإنّما الخسران المبين الذي يقابل
الفوز العظيم الذي استحقه أهله بالاستثناء في
السورة المباركة. وإنّ كل ما عدا المذكور في
الآية يوجب الخسر على هذا النحو الدنيوي
والأخروي معاً، كما أفاد شبّر في تفسيره،
ويمكن أن نضيف إلى هذا ما ذكره العلاّمة
الطباطبائي في تفسيره عن اهتمام السورة
المباركة بذكر التواصي والتكرار فيه، يقول:
«ثم التواصي بالحق في العمل الصالح ذكره بعد
العمل الصالح من قبيل ذكر الخاص بعد العام
اهتماماً بأمره، كما أنّ التواصي بالصبر في
التواصي بالحق ذكره بعده من ذكر الخاص بعد
العام اهتماماً بأمره، وتؤكّد تكرار ذكر
التواصي حيث قال الله تعالى:﴿
وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ
بِالصَّبْرِ
﴾ إذ لم
يقل وتواصوا بالحق والصبر..»
[134]
.
أليس في هذا الكلام ما يدلّل بأنّ سياق الآيات
في سورة العصر، وكما هو الظاهر منها مفهوماً
ومنطوقاً، أن المستثنين ليسوا مجرّد أفراد
متلبسين بالإيمان والعمل الصالح، بل أشخاص
متميزون بالكمال، وجاء القَسَم بعصر القرآن
والإسلام ليدلّل على أنّ هؤلاء الأشخاص هم على
اقتران حقيقي مع هذا القَسَم، وإذا كان لا بدّ
من تجاوز الخسران، بل الخسران المبين، فلا بدّ
أن يكون هؤلاء القدوة والأسوة للناس في تحقيق
الإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق
والتواصي بالصبر، لأنّ الصفوة المختارة من خلق
الله تعالى هي التي تجسّد الكمال الحقيقي فيما
فصّلت فيه الآية تظهيراً لكمال هؤلاء على سائر
الخلق من البشر، ولعلّ ما ألمح إليه العلاّمة
شبّر مفيد لهذا المعنى وناطق به، بأنّ الذي
يوجب الخسر هو أن لا يكون أهل الصفوة أئمة
القوم فيما يأتونه من إيمان وعمل صالح،
ويؤدّونه من أعمال وسلوك، ويلتزمون به من
أخلاق في حياتهم وفي سلوكهم، ذلك هو معنى
الخسر والفوز في سورة العصر، أن يختار الإنسان
الآخرة على الدنيا، والعقيدة على المال
والسلطة والجاه، وأن يكون على بيِّنة من قَسَم
الله تعالى، الذي رأى فيه العلاّمة الطباطبائي
حجّة على تحقق مدلوله في الواقع، إذ هو تعالى
أقسم بالعصر إنّ الإنسان لفي خسر إلاّ الذين
آمنوا وعملوا الصالحات...»، فأفاد القَسَم
بهذه الحجّة أنّ مدلولها واقع لا محالة
[135]
.
وعليه، فإنّ مقتضى الفوز والخسران، كما أشرنا،
أن يكون الإنسان على بيّنة من أمره في دينه
ودنياه، وفيمن يتولاّه، وإذا كانت الروايات قد
أفادت أن المستثنى هم الصفوة من خلقه، فذلك
إنّما أكدت عليه لتظهير المدلول الحقيقي للآية
بأن الإيمان والعمل الصالح لا يكونان من
الإنسان لمجرّد أن يريدهما الإنسان، وإنّما لا
بدّ من هادٍ إليهما، كما في قوله تعالى:﴿
إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ
هَادٍ
﴾
[136]
، هذا فضلاً عمّا أفادته الروايات من حقيقة
لامتداد الرسول والرسالة في حياة الإنسان حتى
ظهور قائم آل محمد (عليه السلام) الذي به يكون
تمام الدين وكمال النعمة في ضوء ما نستفيده من
روايات المسلمين قاطبة، وهذا يؤكّد لنا أنه
ليس في الروايات ما نحتاج إلى بذل الجهد فيه
لتأويله طالما أجمع المسلمون على ما تنطوي
عليه الآيات من عموم ثابت في تأويلها، كما
أفاد «معرفة» في تمهيده، والطباطبائي في
تفسيره، وكما هو الحال فيما استجمع من روايات
واستظهر من دلالات في كتاب البرهان في تفسير
القرآن للعلاّمة البحراني، فهؤلاء جميعاً يرون
أن الآيات تجري في حياة البشر مجرى الشمس
والقمر، ومثلما أن الفوز المبين يكون في اتباع
تعاليم الإسلام، بل في طاعة الله وطاعة رسوله
(صلى الله عليه وآله وسلم) فكذلك الخسران،
والخسران المبين فإنّه يكون في تكذيب آيات
الله تعالى.
وهكذا، فإنّ أي باحث لا يسعه إلاّ أن يتدبّر
في سياق الآيات القرآنية ليستظهر منها حقيقة
الموقف الرسالي، باعتبار أنّ القرآن يوضّح
الكثير من الدلالات، ويدعو الإنسان إلى
التعرّف إلى ما يرضي الله تعالى، وإلاّ استحقّ
أن يكون من الخاسرين، وقد أشرنا في مباحث هذه
الدراسة القرآنية أنّ أهمّ مفاتيح بناء مفهومي
الخسر والفوز بالنسبة للأفراد والأمم، هو
تكوين رؤية واضحة لما يحبّه الله تعالى، وما
يكرهه، لأنّ الفوز المبين، والعظيم، والكبير،
والرضوان، هو في ما يحبّه الله تعالى، وإنّ كل
خسران مبين، هو فيما يكرهه الله تعالى، فإذا
ما تعرّف الإنسان إلى هذه الحقيقة، وانطلق
منها في بناء منظومته الإنسانية بكل ما تنطوي
عليه الحياة من مجالات وميادين في الثقافة
والحضارة، فضلاً عن الاجتماع والسياسة، إلى
غير ذلك مما تحفل به حياة الإنسان من قيم
ومبادئ، فإذا ما تعرّف الإنسان إلى ذلك كلّه،
فإنّه يمكنه حينئذٍ أن يؤسّس لحياة الفوز
والرضوان في الدنيا والآخرة، لأنّ كل شيء، كما
أفاد الصنعاني في تفسير سورة العصر، هو بشرطه
وشروطه، ولا يُطاع الله من حيث يُعصى، ولا
يفوز الإنسان من حيث يخسر أو العكس، بل فيما
جاء به النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله
وسلم)، بذلك فقط يكون الفوز العظيم، بأن
تستوفي شروط هذا الفوز بحيث يعتبر بالأمم
السالفة التي لم يختلف أمر الله تعالى إليها
عمّا خصَّت به كل أمّة من أمر ونهي، لأنّ رضا
الله واحد، وسخطه واحد، كما قال مولى الموحدين
وأمير المؤمنين وسيّد الوصيين، وقائد الغرّ
المحجّلين، وإمام المتقين علي بن أبي طالب
(عليه السلام)، في فضل القرآن والتقوى: «فهذا
أمر زاجر، وصامت ناطق، حجّة الله على خلقه آخذ
عليه مثاقهم، وارتهن عليه أنفسهم، أتمّ نوره
وأكمل دينه، وقبض نبيّه (صلى الله عليه وآله
وسلم) وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى،
فعظموا فيه سبحانه ما عظم من نفسه، فإنّه لم
يخفَ عنكم شيئاً من دينه، ولم يترك شيئاً رضيه
أم كرهه إلاّ وجعل له علماً بادياً، وآية
محكمة تزجر عنه، أو تدعو إليه، فرضاه فيما بقي
واحد، وسخطه فيما بقي واحد، واعلموا أنه لم
يكن يرضَ بشيء سخطه على من كان قبلكم، ولن
يسخط عليكم بشيء رضيه ممن كان قبلكم، وإنّما
تسيرون في أثر بيّن، وتتكلمون برجع قول قد
قاله الرجال من قبلكم، قد كفاكم مؤونة دنياكم
وحثّكم على الشكر وافترض من ألسنتكم الشكر..»
[137]
.
إذن، الرضا والسخط هما ملاك الفوز والخسران،
وحال اللاحقين، كحال السابقين، فمن أخذ بأمر
الله تعالى كان له الفوز، ومن أعرض عنه خسر
الخسران المبين. كيف لا، وقد قال الرسول
الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «معاشر
الناس قد حان خفوقُ مني من بين أظهركم...
معاشر الناس ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه
به خيراً، أو يصرف عنه شرّاً، إلاّ العمل.
أيها الناس: لا يدّعِ مدّعٍ ولا يتمنَّ
متمنٍّ، والذي بعثني بالحق نبيّاً، لا يُنجي
إلاّ عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت، اللهمَّ هل
بلّغت
[138]
؟!
لقد فرض سياق الكلام الاستطراد قليلاً
لاستيفاء البحث حقه فيما ينبغي أن يعلمه
الإنسان من رضا وسخط، وأمر ونهي، على اعتبار
أنّ الروايات عن الأئمة قد لحظت القَسَم
الإلهي في هذا الجانب، فرأت أنّ العصر هو عصر
خروج القائم (عليه السلام)، وأنّ الذي هو في
خسر هم أعداء الدين الذين استحقوا الخسران
فيما أغضبوا الله تعالى فيه. ونحن وإن كنّا
نخالف بعض المفسرين فيما ذهبوا إليه، ونناقش
العلاّمة الطباطبائي في موضوع السياق لا
للاعتراض عليه، إنّما نفعل ذلك بهدف إخراج
موضوع البحث في تأويل الروايات عن التطبيق
الذي لا يراه العلامة الطباطبائي ضرورياً وفاق
منهجه في التفسير، إلاّ أنّ رأينا الحاسم في
موضوع القَسَم لم يتوضّح بعد، وهذا ما سنوجز
الكلام فيه في ضوء الروايات عن الأئمة (عليهم
السلام)، حيث نرى أنّ القَسَم في سورة العصر
يأتي في سياق الآية لا ليُفيد فريضة صلاة
العصر، أو حقيقة الزمن بما هو ظرف للأعمال، بل
ليؤكّد على أن عصر الإسلام والقرآن له
تجلّياته الحقيقية في الإيمان والعمل الصالح
والتواصي بالحق والصبر، وهذا ما يقتضي أن يكون
له مصاديق كبرى في تاريخ الإسلام لكونه
الرسالة الخاتمة، وقد بيّن الأئمة (عليهم
السلام) أن الاستثناء جاء ليرشد إلى أهل
الصفوة ممن استحقوا أن يكونوا أولياء على هذا
الدين وعصره، الذي استدار كهيئته يوم خلق الله
السماوات والأرض.
وهنا يمكن لنا أن نعرض لرؤية لا نأتي بها
بخلاف الظاهر من دون دليل، باعتبار أن القَسَم
القرآني كما تجلّى في مطالع الكثير من السور
والآيات، قَسَم لم يلحظ جزئيات الخلق والتكوين
بقدر ما هو هادف إلى تبيان معنى القَسَم في
ضوء الحقيقة التي يرشد إليها من خلال السياق
العام، إذ إنّ القَسَم لا يختلف بين أن يكون
قَسَماً في الأرض أو في السماء، في التين
والزيتون، أو في العصر، أو في الليل وما سجى،
أو في الشمس وضحاها. إنّه قَسَم واحد من الله
تعالى بمخلوقاته، سواء في التكوين، أم في
التشريع، وقد بيّن سبحانه في سورة الواقعة،
أنّه قَسَم عظيم، بقوله تعالى:﴿
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ
(76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي
كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ
إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن
رَّبِّ الْعَالَمِينَ
﴾
[139]
.
وانطلاقاً من ذلك، نرى أنّه مثلما هو قَسَم
بمواقع النجوم، فإنّ هذه النجوم ليست مختصّة
بنجوم التكوين ومواقعها وحسب، بل هو إضافة إلى
ذلك، قَسَم بمواقع النجوم أيضاً في عالم
التدوين والتشريع، بدليل أنّه جاء في سياق
الحديث عن مواصفات القرآن، وهذا ما يمكن أن
نسحبه على عمومات القَسَم القرآني، بحسب ما
جاء فيه من سياق، وقد أوضح علماء التفسير هذا
المعنى في تفسير الآيات، كما بيّن أعلام
التفسير، الطبرسي، والطوسي، والكاشاني،
والطباطبائي، وغيرهم كثير ممّن ربط بين ما
يعنيه القَسَم من أخبار وصدق، وبين القرآن بما
هو نجوم تنزيل من ربّ العالمين. يقول الشيخ
الطوسي: «وإنّه لقَسَم لو تعلمون عظيم، إخبار
من الله تعالى بأنّ القَسَم الذي ذكره بمواقع
النجوم، سواء في التكوين، أم في التشريع،
لقَسَم عظيم لو تعلمون عظيم لانتفعتم بعلمه،
والقَسَم جملة من الكلام يؤكّد بها الخبر بما
يجعله في قَسَم الصواب دون الخطأ... وأضاف
الطبرسي إلى فائدة الطوسي بأنَّ القَسَم هو
فعل الحال، وهذا يدلّ على أنّ جميع ما في
القرآن من الأقسَام إنّما هو حاضر الحال لا
وَعْدُ الأقسام... ولذلك حملت لا على الزيادة
في قوله: فلا أقسم بمواقع النجوم».
إنّ القَسَم بالعصر في سورة العصر، يأتي في
سياق القَسَم العام العظيم بمواقع النجوم في
التكوين والتشريع، ولهذا نجد أنّ القَسَم
اختلفت سياقاته في التعبير القرآني، بين أن
يكون في خلقه التكويني، أو في خلقه التشريعي،
كما قال الله تعالى: ﴿
وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ
﴾، وقوله تعالى:
﴿ يس (1)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ
﴾، إلى غير ذلك مما لا يمكن فهمه
إلاّ في سياقه، فإذا قلنا: إنّه من غير الممكن
أن يأتي السياق للآيات بأقلّ مما يعنيه
القَسَم في السورة، فهذا لا يكون بخلاف الظاهر
في غير دليل، لأنّ الروايات ربطت بين عصر
الظهور، والولاية والصبر عليها، بل بين الصفوة
من خلق الله تعالى، وبين القَسَم باعتباره
قَسَماً عظيماً بالعصر القرآني والإسلامي،
وإذا لم يكن هذا مقبولاً منّا، فلماذا يريدون
لنا أن نقبل بما يذهبون إليه من تأويل للعصر
بأنّه الصلاة، أو الزمن، أو غير ذلك مما
يُتكلّف شديداً في الذهاب إليه؟ رغم أنّ
الرواية ظاهرة الدلالة، مفهوماً ومنطوقاً،
بأنّ العصر هو عصر الإمامة والولاية، والصفوة
من أهل الله تعالى، فإذا لم نقل بذلك، فإنّه
لا يبقي للروايات ثمّة ظهور، ولا نكون منها
على خير أو شرّ، لا في الحاضر ولا في
المستقبل، وهذا مخالف تماماً لما روي عن
الإمام الباقر (عليه السلام) في أنّ الآية لها
حياة في تأويل القرآن. كما لها حياة في
تنزيله، وهذا أمر من الأهميّة والوضوح بمكان.
يبقى أن نقول: إنّ سياق سورة العصر يفيد أنّ
الذين آمنوا وعملوا الصالحات، مع علمنا بأنّ
الخسر في الآية هو أعمّ من أن يكون في جميع
الجهات، كما في حالة الكفار والمعاندين، أو من
بعض الجهات كما في المنافقين، أو العصاة الذين
لا يخلدون في النار، وليس من عبث أبداً أن
يقابل المعصوم في الرواية بين عصر خروج
القائم، وبين أعدائه الذين قال فيهم الله
تعالى: ﴿
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
﴾، وهذا ما رأينا أنه يخدم
رؤيتنا فيما نذهب إليه من أن العصر في السورة
يتلاءم تماماً مع سياق الآيات فيما أفادته من
إيمان وعمل صالح وتواصي بالحق وتواصي بالصبر،
هذا فضلاً عمّا استجمعه الاستثناء من معنى
لهؤلاء الذين وصفتهم الروايات المقدّسة
بالصفوة من خلقه ممن آمنوا حقّ الإيمان،
وألزموا كلمة التقوى، كما قال الله تعالى: ﴿
وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾، وكانوا أحقّ بها، وأهلها، وهؤلاء
هم مصداق الآية لحقيقة الاستثناء، فهل يُقال
لنا بعد الذي تقدّم أنه توجيه بالرأي، أو
تطبيق الرواية، أو جرى بخلاف الظاهر؟ أم أنّ
ما نذهب إليه يتلاءم تماماً مع سياقات القَسَم
الإلهي العظيم بأنّ القرآن هو كتاب كريم مكنون
لا يمسّه إلاّ المطهّرون الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر.
وهل لأحد أن يعترض على فهمنا بأنّ القَسَم
بمواقع النجوم، هو قَسَم بالقرآن أيضاً
باعتباره أنزل نجوماً، فكان له هذا المعنى في
خلق الله تعالى طالما أنّ لله تعالى أن يُقسم
بما يشاء من خلقه، وقد أقسَمَ بالعصر ليظهر
معنى التكامل بين هذا القَسَم وبين الذين
آمنوا وعملوا الصالحات، وقد رأينا كيف أنّ
الفيلسوف الطوسي قد فسّر الآيات بما يفيد
حقيقة الكمال للصفوة في الإيمان والعمل معاً.
وهذا ما نرى له وجهاً في سياق الرؤية العامة
للقرآن، وفي ظهور الرواية والسياق الخاص لسورة
العصر، التي تبيّن أن الخسران إلى آخر الدهر
إنّما يكون لأعداء الله تعالى، وأنّ الفوز
العظيم، هو لأوليائه الذين هم المصداق الأبرز
للاستثناء في سورة العصر.
كما أشرنا أيضاً إلى ما لحظه العلاّمة شبّر في
تنكيره للخسر، وتفصيل في وجوه الربح، فأرشد
إلى أنّ لهذا دلالته في السياق القرآني لكونه
يُفيد بأنّ كل مَن لم يكن على صفات الاستثناء
حقاً، وواقعاً، وعملاً، لا بدّ أن يكون
خاسراً، هذا فيما لو كان التنكير في الخسر
للتعظيم. أما إذا كان للتنويع، فإنّ دلالاته
تكون أوسع وأعمق، كما بيّن العلامة
الطباطبائي، في ما لحظه عن تجاوز الخسران في
الدنيا وما يكون به إلى خسران الأهل والأنفس
في الآخرة، الذي هو الأخسر لكونه خلوداً في
جهنّم، كما قال الله تعالى: ﴿
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا
ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
﴾.
ومن الله التوفيق وعليه التكلان
أنجز هذا الكتاب يوم ولادة السيدة فاطمة
الزهراء (عليها السلام) وهو يوم المرأة
المسلمة وولادة الإمام الخميني (قده) وذلك
بتاريخ 20/جمادى الآخرة/ 1435هـ.
الشيخ عارف هنديجاني فرد
1 ـ القرآن الكريم.
2 ـ نهج البلاغة.
3 ـ إبراهيم عصمت مطاوع، أصول التربية، دار
المعارف، القاهرة، 1980م.
4 ـ ابن البطريق، الأسدي الحلي، العمدة، تحقيق
جامعة المدرسين، قم، 1406هـ.
5 ـ ابن بابويه، محمد بن علي، من لا يحضره
الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1413هـ.
6 ـ ابن حزم الأندلسي، الناسخ والمنسوخ في
القرآن، تحقيق عبد الغفار البنداري، دار الكتب
العلمية، بيروت، 1416هـ.
7 ـ ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف
العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم)، جماعة المدرسين، قم، 1404هـ.
8 ـ ابن شهر آشوب، مازندراني، متشابه القرآن
ومختلفه، انتشارات بيدار، قم، 1410هـ.
9 ـ ابن منظور، محمد بن مكرم،لسان العرب، دار
المعارف، القاهرة،(دون تاريخ).
10 ـ أبو القاسم الخوئي، البيان في تفسير
القرآن، مؤسسة الاعلمي، بيروت، 1974م.
11 ـ أبو جعفر النحاس، معاني القرآن، دار
الكتب العلمية، بيروت، جامعة ام القرى، 1409م.
12 ـ أبو منصور الثعالبي، الاعجاز والايجاز،
دار النفائس، بيروت، 1992م.
13 ـ الأشعري، أبو الحسن، علي بن اسماعيل،
مقالات الإسلاميين، دار المعارف، 1985م.
14 ـ باقر العلوم، مجموعة الامام الحسين (عليه
السلام) دعاء عرفة، طهران، 1425هـ.
15 ـ البيضاوي، عبد الرحمن بن محمد الشيرازي،
أنوار التنزيل وأسرار التأويل، دار
احياءالتراث، بيروت، 1998م.
16 ـ جمال الدين القاسم، قواعد التحديث في
فنون مصطلح الحديث، بيروت، دار الكتب العلمية،
(دون تاريخ).
17 ـ جوادي آملي، الإمام علي بن موسى الرضا
(عليه السلام) والقرآن، دار الصفوة، بيروت،
1994م.
18 ـ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، مؤسسة
الاعلمي، بيروت،(لا-ت).
19 ـ حسن المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن،
طهران، 1410هـ.
20 ـ الحلي، احمد بن فهد، عدة الداعي ونجاح
الساعي، قم، (دون تاريخ).
21 ـ الحويزي، تفسير نور الثقلين، تحقيق هاشم
المحلاتي، مؤسسة اسماعيليان، قم، 1912م.
22 ـ الخوئي، حبيب الله الهاشمي، منهاج
البلاغة في شرح نهج البلاغة، طهران، 1360هـ.
23 ـ الدامغاني، الحسين بن محمد،قاموس القرآن،
دار العلم للملايين،بيروت، 1985م.
24 ـ داود بن سليمان الغازي، مسند الرضا (عليه
السلام) تحقيق الجلالي، مكتب الاعلام
الاسلامي، طهران، (دون تاريخ).
25 ـ الديلمي، الحسن بن محمد، ارشاد القلوب،
انتشارات الشريف الرضي، قم، 1415هـ.
26 ـ الراغب الاصفهاني، معجم مفردات ألفاظ
القرآن الكريم، بيروت، (دون تاريخ).
27 ـ الزمخشري، تفسير الكشاف، دار احياء
التراث، بيروت، (دون تاريخ).
28 ـ زيدان عبد الباقي، قواعد البحث
الاجتماعي، مطبعة السعادة، القاهرة، 1880م.
29 ـ زين الدين بن محمد،المعروف بالشهيد
الثاني، مسكن الفؤاد. مؤسسة آل البيت (عليهم
السلام) لإحياء التراث، مطبعة قم،1417هـ.
30 ـ السبزواري، الملا هادي، شرح الأسماء،
مؤسسة انتشارات، 1375هـ.
31 ـ السيوطي، الحافظ جلال الدين، الاتقان في
علوم القرآن، القاهرة، 1941م.
32 ـ شبر عبدالله، تفسير القرآن، مؤسسة
الاعلمي، بيروت، 2009م.
33 ـ شبر عبدالله، حق اليقين في معرفة أحوال
الدين، مطبعة العرفان، صيدا، بيروت،1352هـ.
34 ـ الشريف الرضي، تلخيص البيان في مجازات
القرآن، دار الأضواء، بيروت، 1986م.
35 ـ الشريف الرضي، حقائق التأويل. مكتب
الاعلام الاسلامي، طهران، 1418هـ.
36 ـ الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير
الجامع بين فني الرواية والدراية في علم
التفسير، مطبعة عالم الكتب، (دون تاريخ).
37 ـ الشيرازي، مكارم، تفسير الأمثل، مؤسسة
الاعلمي، بيروت، 2007م.
38 ـ الشيرازي، مكارم، سؤال وجواب، ملخصات من
تفسير الأمثل، دار الكتب الاسلامية، بيروت،
1429م.
39 ـ صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن،دار
العلم للملايين، 1959م.
40 ـ الصدوق، محمد بن بابويه، كمال الدين
وتمام النعمة، مؤسسة الاعلمي، بيروت، 1991م.
41 ـ الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان،
مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1991م.
42 ـ الطبرسي، جوامع الجامع، تحقيق مؤسسة
النشر الاسلامي، قم، 1420هـ.
43 ـ الطبرسي، محمد بن جرير، المسترشد، تحقيق
المحمودي، قم، 1415هـ.
44 ـ الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن
تأويل آي القرآن، دار الفكر، بيروت، 1995م.
45 ـ الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين،
الناشر دار مرتضوي، طهران، 1417هـ.
46 ـ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق
العاملي، مكتب الاعلام الاسلامي،
طهران،1409هـ.
47 ـ عبد الرحمن العيسوي، مناهج البحث العلمي،
دار الراتب الجامعية، 1937م.
48 ـ عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث
الاسلامي،الكويت، وكالة المطبوعات، 1977م.
49 ـ عبد السلام هارون، سيرة ابن هشام، دار
الرسالة، دمشق، (دون تاريخ).
50 ـ عبد الهادي الفضلي، أصول البحث، الجامعة
العالمية للعلوم الاسلامية، دار المؤرخ
العربي، 1992م.
51 ـ الغزالي، أبو حامد، منهاج العابدين الى
جنة رب العالمين،دار البشائر الإسلامية،
بيروت،1997م.
52 ـ الفيروز أبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب،
القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1986م.
53 ـ القاضي النعمان المغربي، شرح الاخبار،
تحقيق الجلالي، قم، (دون تاريخ).
54 ـ القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام
القرآن، تحقيق أبو اسحاق ابراهيم، دار احياء
التراث، بيروت، 1985م.
55 ـ الكاشاني،الفيض، تفسير الصافي. مؤسسة ال
البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، مطبعة
قم، 1417هـ.
56 ـ الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي،
درا الحديث، قم، 1429هـ.
57 ـ كمال الحيدري، الاعجاز، دار فراقد،
إيران، 1426هـ.
58 ـ المازندراني، محمد صالح، شرح أصول
الكافي، طهران، (دون تاريخ).
59 ـ محمد باقر الصدر، الاسلام يقود الحياة،
دار التعارف، بيروت، 1990م.
60 ـ محمد باقر الصدر، التفسير الموضوعي،
الدار العالمية، بيروت، 1989م.
61 ـ محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية،
الدار العالمية، بيروت، 1989م.
62 ـ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، مؤسسة
الوفاء، بيروت، 1983م.
63 ـ محمد بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في
تفسير القرآن،
64 ـ محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الاحكام،
تحقيق حسن الخرسان، دار الكتب الاسلامية،
بغداد، 1356هـ.
65 ـ محمد تقي المصباح، اليزدي، معارف القرآن،
تعريب الخاقاني، الدار الاسلامية، بيروت،
1989م.
66 ـ محمد تقي مصباح اليزدي، العقيدة
الاسلامية،دار الحق، بيروت، 1994م.
67 ـ محمد تقي مصباح اليزدي، السير الى الله
تعالى، ترجمة الخاقاني، دار الولاء، بيروت،
2008م.
68 ـ محمد جلال شرف، ومحمد محمد قاسم، قراءات
في فلسفة العلوم، دار المعرفة الجامعية،
الاسكندرية، (دون تاريخ).
69 ـ محمد جواد مغنية، تفسير الكاشف، دار
العلم للملايين، بيروت، 1981م.
70 ـ محمد جواد مغنية، مذاهب فلسفية، دار
اليتار الجديد، بيروت، 1984م.
71 ـ محمد جواد مغنية،علم أصول الفقه في ثوبه
الجديد، دار التيار الجديد، بيروت، 1988م.
72 ـ محمد رضا المظفر، أصول الفقه، مؤسسة
الاعلمي، بيروت 1990م.
73 ـ محمد ري شهري، ميزان الحكمة، تحقيق دار
الحديث، طهران، (دون تاريخ).
74 ـ محمد معرفة، تلخيص التمهيد، دارالميزان،
بيروت، 1991م.
75 ـ محمد مهدي الآصفي، في رحاب الامام الحسين
(عليه السلام)، المجمع العلمي لأهل البيت
(عليهم السلام)، 1423هـ.
76 ـ محمد يوسف موسى، الاسلام والحياة، دار
العصر الحديث، بيروت، 1991م.
77 ـ مرتضى مطهري،احياء الفكر في الاسلام. دار
التيار الجديد، بيروت، 1986م.
78 ـ مطهري، مرتضى، المفهوم التوحيدي للعالم،
دار التيار الجديد، بيروت، 1985م.
79 ـ مطهري، مرتضى، المفهوم التوحيدي للعالم،
دار التيار الجديد،بيروت، 1985م.
80 ـ المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، كاظم
محمدي ومحمود دشتي، دار الأضواء، بيروت،
1986م.
81 ـ المعجم الوسيط، إنتشارات ناصر خسرو،
طهران، اخراج مجموعة باحثين،دون تاريخ.
82 ـ المفيد، محمد بن النعمان، أجوبة المسائل
الحاجبية، مجمع البحوث الاسلامية، بيروت،
1992م.
83 ـ المفيد، محمد بن النعمان، الافصاح في
امامة امير المؤمنين، تحقيق مرسسة البعثة، قم،
1410هـ.
84 ـ المفيد، محمد بن النعمان، أوائل
المقالات، دار الكتاب الاسلامي، بيروت، 1983م.
85 ـ المفيد، محمد بن نعمان، الارشاد، مؤسسة
الأعلمي، بيروت، 1979م.
86 ـ نصير الدين الطوسي، كتاب تلخيص المحصّل،
دار الاضواء،بيروت، 1985م.
87 ـ هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن،
دار الهادي، بيروت، 1992م.
[1] ابن منظور، لسان العرب،
م. س، ج2، ص1156.
[2] سورة الحج، الآية: 11.
[3] سورة الزمر، الآية: 15.
ابن منظور، لسان العرب، م. س، ج2، ص. ن.
[4] م. ع، ص. ن.
[5] سورة هود، الآية: 63.
[6] المعجم الوسيط، م. س،
ج1، ص233.
[7] الطريحي، فخر الدين،
مجمع البحرين، مادة «خسر»، م. س، ج2، ص347.
[8] الراغب الأصفهاني، معجم
ألفاظ مفردات القرآن الكريم، م. س، ص148.
[9] سورة العصر، الآيتان: 2
ـ 3.
[10] سورة الزمر، الآية:
15.
[11] الشريف الرضي، تلخيص
البيان في مجازات القرآن، دار الأضواء، بيروت،
ط2، 1986، ص142.
[12] الإمام علي (عليه
السلام)، نهج البلاغة، م. س، قصار الحكم: 344.
[13] م. ع. قصار الحكم:
387.
[14] سورة الأعراف، الآية:
9.
[15] سورة المؤمنون،
الآية: 103.
[16] سورة الكهف، الآية:
7.
[17] الإمام علي (عليه
السلام)، نهج البلاغة، م.س. الخطبة: 190.
[18] سورة هود، الآية: 63.
[19] قال صاحب تفسير
الصافي: «أنّ البيّنة هي البصيرة، والرحمة هي
النبوّة، ولكن الذي لا نرى له وجهاً، هو ما
ذهب إليه العلاّمة المفسّر من معنى للتخسير،
بين أن ينسب إلى القوم، أو غير أن يخسر النبي
بإبطال ما منحه الله به، وهذا لا يستفاد من
ظاهر الآية، لأنّ مَن يُؤتى النبوّة لا يحتمل
في حقه نسبة التخسير إليه.
را: الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج3،
ص. ن.
[20] سورة النازعات،
الآية: 12.
[21] سورة النازعات،
الآية: 14.
[22] دعاء عرفة، للإمام
الحسين (عليه السلام)، موسوعة الإمام الحسين،
تحقيق باقر العلوم، طهران، 1425، ط1، ص315.
[23] سورة الرحمن، الآية:
9.
[24] الراغب الأصفهاني،
معجم ألفاظ القرآن الكريم، م. س، ص147
[25] سورة الزمر، الآية:
15.
[26] سورة الكهف، الآية:
105. الطباطبائي، الميزان، م.س، ج13، ص147
[27] سورة البقرة، الآية:
173.
[28] سورة الحديد، الآية:
4.
[29] را: صبحي الصالح،
مباحث في علوم القرآن، م. س، ص310، وقا: مع
العلاّمة مغنيّة، علم أصول الفقه، م. س، ص105.
[30] م. ع، ص315. إنّ الذي
يعنينا في هذا المبحث هو مفهوم الموافقة
والمخالفة دون غيره لما يذهب إليه بعض علماء
الأصول من تضعيف وتوهين لأنواع أخرى لا طائل
للتوقّف عندها.
[31] سورة الأنعام، الآية:
31.
[32] سورة العصر، الآيات:
1 ـ 3.
[33] سورة البقرة، الآية:
146.
[34] سورة النساء،
الآيتان: 117 ـ 118.
[35] الطباطبائي، الميزان،
ج13، ص394.
[36] سورة المؤمنون،
الآية: 103.
[37] سورة الأعراف، الآية:
53.
[38] سورة الأنعام، الآية:
12.
[39]
انظر الطباطبائي، الميزان، م. س، ج1، ص10.
[40]
يقول العلاّمة معرفة: «لقد قاتل رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) على تطبيق القرآن
الخاص حسب مورد نزوله، وقاتل الإمام علي (عليه
السلام) على تطبيقه العام على مشابه القوم،
كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«إنّ فيكم مَن يقاتل على تأويل القرآن كما
قاتلت على تنزيله، وهو الإمام علي (عليه
السلام)».
را: معرفة، محمد، تلخيص التمهيد، دار الميزان،
بيروت، ط1، 1991م، ص463.
[41]
سورة البقرة، الآية: 118.
[42]
سورة النمل، الآية: 5.
[43]
سورة البقرة، الآية: 16.
[44]
الطباطبائي، الميزان، م. س، ج13، ص394.
[45]
م. ع، ص. ن.
[46]
سورة النمل، الآية: 14.
[47]
سورة الصف، الآيتان: 10 ـ 11.
[48]
سورة الكهف، الآية: 103.
[49]
سورة الكهف، الآية: 105.
[50]
سورة النمل، الآية: 5.
[51]
الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج2،
ص215.
[52]
الطبرسي، جوامع الجامع، تحقيق مؤسسة النشر
الإسلامي، قم، 1420، ج2، ص699.
[53]
الطوسي، التبيان، م. س، ج18، ص75.
[54]
الطباطبائي، الميزان، م. س، ج13، ص394.
[55]
سورة الكهف، الآية: 105.
[56]
سورة الكهف، الآية: 106.
[57]
سورة هود، الآية: 22.
[58]
سورة الأحقاف، الآية: 35.
[59]
الطباطبائي، الميزان، م. س، ج13، ص294.
[60]
سورة يونس، الآية: 45.
[61]
سورة الإسراء، الآية: 72.
[62]
سورة الكهف، الآية: 104.
[63]
سورة الجاثية، الآية: 23.
[64]
را: اليزدي، محمد تقي المصباح، السير إلى الله
تعالى، ترجمة الخاقاني، دار الولاء، بيروت،
ط1، 2008، ص261 ـ 262.
[65]
سورة النساء، الآية: 119.
[66]
سورة النمل، الآية: 24.
[67]
سورة الأنعام، الآية: 43.
[68]
سورة العنكبوت، الآية: 38.
[69]
سورة الجاثية، الآية: 23.
[70]
سورة النحل، الآيتان: 108 ـ 109.
[71]
سورة هود، الآيات: 19 ـ 22.
[72]
شبّر، عبد الله، تفسير القرآن، م. س، ص123.
[73]
سورة الأعراف، الآية: 99.
[74]
سورة النساء، الآية: 17.
[75]
قال الله تعالى:﴿
فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن
يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم
بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [يوسف: 15] ، فهذا من الخسر بما هو
عجز...
[76]
قال الله تعالى:﴿
إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ
أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
﴾ [الزمر:
15] ، فالآية ناظرة إلى الخسر بما هو غبن بأن
يصير الأهل والأنفس للغير...
[77]
قال الله تعالى:﴿
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
﴾ [العصر: 2] ، يعني
لفي ضلال، ومثله قوله تعالى:﴿
فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً
﴾
[النساء: 119] .
[78]
قال الله تعالى:﴿
وَلَا تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ
﴾ [الرحمن: 9] ، يعني
لا تنقصوا الميزان، كقوله تعالى:﴿
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ
يُخْسِرُونَ
﴾
[المطففين: 3] ، أي تنقصون.
[79]
قال الله تعالى:﴿
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
﴾ [الزمر: 65]
، أي لحوق العقوبة بالإنسان بسبب ذلك، ومثله
قوله تعالى:﴿
وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
﴾ [الأعراف: 23]
، أي في العقوبة.
[80]
ابن منظور، لسان العرب، م. س، مادة خسر، وقا:
مع الراغب الأصفاني، م. س، ص147.
[81]
سورة الحج، الآية: 11.
[82]
سورة الزمر، الآية: 15.
[83]
الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج2،
ص78.
[84]
الطبرسي، مجمع البيان، م. س، ج7، ص64.
[85]
م. ع، ص. ن.
[86]
م. ع، ص. ن.
[87]
الطباطبائي، الميزان، م.س، ج14، ص350.
[88]
م. ع، ج14، ص351.
[89]
سورة الزمر، الآية: 115. م. ع، ج14، ص351.
[90]
م. ع، ص. ع.
[91]
سورة فاطر، الآية: 6.
[92]
سورة يس، الآية: 60.
[93]
سورة الحج، الآية: 4.
[94]
سورة البقرة، الآية: 38.
[95]
سورة النساء، الآيات: 117 ـ 120.
[96]
لم تختلف الروايات عن الأئمة في تفسير القسم
الشيطاني بأن يُغيّر خلق الله تعالى، بل هي
متّفقة على أنّ المقصود هو تغيير أمر الله
تعالى، أو دين الله تعالى، وقد جاء في البرهان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله
تعالى:﴿
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ
اللَّهِ
﴾، قال أمر الله بما أمر به،
وعن جابر، عن أبي جعفر، أنّه أمر الله بما أمر
به، وعنه أيضاً (عليه السلام)، قال: دين الله،
وقال الطبرسي في قوله تعالى:﴿
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ
﴾، أي
أمر الله.
را: هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن،
م.س، ج1، ص416.
وإذا كان لنا من كلمة في ما أجمعت عليه
الروايات، فإنّنا نرى أن دين الله تعالى هو
المقصود بالقسم الشيطاني، لأنّ هدى الله تعالى
كامن في هذا الدين، لقوله تعالى:﴿
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَنِ
اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
﴾، وفي آية أخرى:﴿
فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ
﴾.
وبما أنّ الشيطان لا يريد للإنسان أن يهتدي
إلى أمر الله تعالى، فإنّه يهتف بالإنسان أن
يكون رهن أمره وطاعته لصرفه عمّا تكون له به
السعادة والأمن في الدنيا والآخرة، وهو أمر
الله تعالى الذي به تكون سعادة الإنسان وفوزه.
وقد رأينا في بحوثنا في هذا الكتاب، أنّ
الشيطان في ما أقْسَمَ به وعليه يعد الإنسان
ويمنّيه ويدفع به إلى أن يكون على عزّة
واستكبار وكفر وطغيان في كل شأن من شؤون
الحياة، وقبل ذلك في نفس الإنسان، لأنّ النفس
هي موطن الكبر والاستعلاء، فإذا استحكم إبليس
بها كان له ما أراد، باعتبار أن البداية في
الامتحان والبلاء كانت مما جرى بين آدم
وإبليس، كما قال الإمام علي (عليه السلام):
«إنّ الله تعالى استأدى الملائكة وديعته
لديهم، وعهد وصيته إليهم في الإذعان بالسجود
له، والخنوع لتكرمته، فقال عزّ وجلّ:﴿
اسْجُدُواْ لِآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا
إِبْلِيسَ ﴾ وقبيله، اعترتهُمُ الحميّة، وغلبت عليهم
الشقوة وتعزّزوا بخلقة النار، واستوهنوا خلقة
الصلصال، فأعطاه الله تعالى النظرة استحقاقاً
لسخطه واستتماماً للبليّة وإنجازاً للعدّة،
فقال الله تعالى:﴿
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ
﴾. إذن،
هذه هي خطى إبليس ودوره في اعتراض الإنسان في
علمه وعمله ليحول بينه وبين أمر ربّه بما أمر
به من طاعة ونهى عنه من معصية، وقول الإمام
(عليه السلام): «إنّ جماعة إبليس تعزّزوا
بخلقة النار، وغلبت عليهم الشقة، مفيد لسر ما
هو عليه الشيطان من دعوة إلى النار، لأنّ
التعزّز بخلقة النار هو في الحقيقة دعوة
إليها، ومن تجلّيات هذه الدعوة ما يُمنّي به
الشيطان أولياءه فيسمعون له ويهتفون بدعوته
إلى تغيير خلق الله تعالى، كما هو حال الإنسان
في كل زمان، وخاصة في عصرنا الحديث، حيث نرى
كيف أنّ الإنسان تحوّل في ظلّ الحضارة الحديثة
التي جسّد فيها الإنسان كامل المعنى الشيطاني
بما أقدم عليه من تغيير لدين الله تعالى، سواء
على مستوى الفطرة، أم على مستوى الشريعة
والأحكام والتعاليم والأنظمة، فلم يبقَ شيء
إلاّ وطالته يد التغيير الشيطاني، وخاصة على
المستوى النفسي والأخلاقي، فضلاً عن العلمي،
حيث تحول العلم إلى أداة لتدمير الإنسان بدل
من إحيائه، وأصبحت الحضارة عبئاً على الإنسان
بدلاً من أن تكون خادمة له، بل حوّلته عن كونه
إنساناً ليكون آلة، وشوّهته في نفسه قبل
واقعه، وهذا هو جوهر الأمر الإلهي بلسان
الروايات. ذلك أن سلامة النفس وحياة الفطرة هي
التي تمنع الشيطان من أن يكون له دور أو تأثير
في حياة الإنسان وواقعه، وهذا ما ألمح إليه
الإمام الصادق (عليه السلام) فيما روي عنه من
أن الأمر هو الفطرة، وقد أصاب العلاّمة
الشيرازي في تفسيره لهذا الأمر، حيث قال: «إنّ
الضرر والتغيير إذا طال النفس والفطرة
والتوحيد، فإنّه لا يمكن التعويض عنه، باعتبار
أن القسم الشيطاني ليس مجرّد قسم ظاهري،
وإنّما قسم هادف إلى إلحاق الأذى بالإنسان
وبأساس سعادته الذي هو التوحيد وحياة الفطرة،
يقول الشيرازي: «إن الشيطان يعكس له الحقائق،
ويستبدلها بمجموعة من الأوهام والوساوس التي
تؤدّي إلى تغيير طبيعة الإنسان، وحينما تتغيّر
طبيعة الإنسان يتحوّل عن سعادته ليكون أسير
شهواته، وقد أكّدت الآية المباركة مبدأً
كلياً، وهو إنّ أي إنسان يعبد الشيطان ويتّخذ
منه وليّاً لنفسه، فقد ارتكب إثماً وذنباً
واضحاً، إذ تقول الآية:﴿
وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن
دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً
مُّبِيناً
﴾. وقد بينّا سابقاً معنى أن يتّخذ الشيطان من
العباد نصيباً مفروضاً، ويكفي أن نذكر كلام
الإمام (عليه السلام) في توصيف حالة من يعبد
الشيطان، يقول الإمام (عليه السلام): «اتخذوا
الشيطان لأمرهم ملاكاً، واتخذهم له أشراكاً،
فباض وفرخ في صدورهم، ودبّ ودرج في جحورهم،
فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم...» وهل لهذا من
معنى غير أن يكون الشيطان، هو هذا الإنسان
الذي تحوّل في ذات نفسه ليكون في علمه وعمله
تعبيراً عن هذا الشيطان الذي يجسّده الإنسان
نفسه في كثير من أعماله ومعاصيه، وأكثر ما
يتجلّى هذا فيما آل إليه الإنسان في تحوّلات
إنسانية واجتماعية وأخلاقية أخرجته عن كونه
إنساناً ليكون شيطاناً يتعزّز بالنار، ويدعو
إلى العار، وتكون النتيجة العار والنار معاً
في جهنّم كما قال الله تعالى:﴿
أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا
يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً
﴾.
را: الشيرازي، مكارم، تفسير الأمثل، م. س، ج3،
ص312 ـ 313.
[97]
الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج2،
ص75.
[98]
سورة البقرة، الآية: 37.
[99]
سورة الحجر، الآيات: 39 ـ 42.
[100]
الطبري، ابن جرير، (ت 310هـ)، جامع البيان عن
تأويل آي القرآن، دار الفكر، 1415هـ، بيروت،
ج5، ص382.
[101]
سورة النساء، الآية: 118.
[102]
نلاحظ أن القرآن الكريم قد اشتمل على كثير من
الآيات التي تكشف عن أهداف المسعى الشيطاني في
حياة الإنسان منذ الهبوط الآدمي إلى يوم الوقت
المعلوم، اليوم الذي أعطاه الله تعالى
للشيطان، كما قال الإمام علي (عليه السلام):
«فأعطاه الله النظرة استحقاقاً للسَّخطة،
واستتماماً للبليّة، وإنجازاً للعدّة، فقال:﴿
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ
﴾، ثم أسكن سبحانه آدم داراً
أرغد فيها عيشه، وآمن فيها محلَّته، وحذّره
إبليس عداوته، فاغترَّه عدُوَّهُ نفاسةً عليه
بدار المقام، ومرافقة الأبرار، فباع اليقين
بشكّه، والعزيمة بوهنه، ثم بسط الله سبحانه له
في توبته، ولقّاه كلمة رحمته ووعده المرَدّ
إلى جنّته، فأهبطه إلى دار البليّة، وتناسل
الذريّة... وهكذا، فإنّ المسعى الشيطاني كان
ولا يزال هادفاً إلى احتناك الذريّة، وقد أبى
أكثر الناس إلاّ أن يكونوا أولياء له يقومون
بأمره، ويعبّرون عن مشروعه الطغياني في الأرض
لما ذهبنا إليه من أن الشيطان ليس وهماً،
وإنّما هو حقيقة مجسّدة بجنود إبليس وقبيله،
على نحو ما بينّاه في بحوثنا السابقة بأنّ
الدنيا استقرّت على هذا الصراع بين بني آدم
والشيطان منذ أن جعل الإنسان خليفة وتساءل
الملائكة بشأنه. ولهذا فإنّ الروايات عن
الأئمة المعصومين (عليهم السلام) قد لحظت هذا
المعنى، وفسّرت الآيات بما يُفيد أن الشيطان
نافذ في الصدور خفياً، ونافث في الأذان
نجيّاً، فأضلّ وأردى، ووعد فمنّى، وزيّن بشأن
الجرائم، وهوّن موبقات العظائم، حتى إذا
استدرج قرينتهُ، واستغلق رهينته، انكر ما زين،
واستعظم ما هوّن، وحذّر ما أمن». إنّنا في ضوء
ما تقدّم يمكن لنا أن نفهم بعض ما جاء في
الروايات أن الشيطان له من الناس النسبة
العظمى، وأن من كل ألف واحد لله تعالى، وسائر
الناس لإبليس، وهذا المضمون من الروايات هادف
إلى تبيان مدى نفوذ إبليس، وليس إلى تعداد
حصري للناس، ويمكن لمتأمّل بصير أن يستكشف هذا
المعنى القرآني في قوله تعالى:﴿
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ
عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ
إِلَّا قَلِيلاً
﴾ [الإسراء: 62] ، وقوله
تعالى:﴿
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ
ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ
الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ
عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ
مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ
مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ حَفِيظٌ
﴾ [سبأ: 20 ـ 21]
. هناك آيات كثيرة تعرض لحالة الناس مع إبليس
وجنوده وما يكون للشيطان من أثر وفعل في
أقوالهم وأفعالهم، ويكفي في هذا السياق أن
نتفهّم معنى الروايات في ضوء ما جاء به القرآن
حول حقيقة الشيطان ودوره وشدّة نفوذه فيمن
جعلوا له سبيلاً عليهم، ولو أنّهم اتقوا
وتذكّروا لما مسّهم طائف من الشيطان، ولكنهم
نسوا فأخذ منهم مأخذه، وبلغ منهم مأمله، وكان
له ما أراد، وقد بيّنت الروايات وجهة هذا
الصراع في الحياة الدنيا إلى يوم الوقت
المعلوم، حيث جاء عن النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) كما في البرهان أنه لما استقرّ
آدم (عليه السلام) على الأرض، «قال آدم (عليه
السلام)، ربِّ هذا الذي جعلت بيني وبينه
العداوة لم أقوَ عليه وأنا في الجنّة، وإن لم
تعنّي عليه لم أقوَ عليه، فقال الله تعالى:
«السيئة بالسيئة، والحسنة بعشر أمثالها إلى
سبعماية، قال ربِّ: زدني، قال لا يولد لك ولد
إلاّ جعلت معه ملكين يحفظانه، قال ربِّ زدني،
قال التوبة معروضة في الجسد ما دام فيه الروح،
قال ربِّ زدني. قال: اغفر الذنوب ولا أبالي.
قال حسبي، فقال إبليس: هذا الذي كرمته عليَّ
وفضّلته وإن لم تفضّل عليّ لم أقوَ عليه، قال
لا يولد له ولد إلاّ ولك ولدان. قال ربِّ
زدني. قال: تجري منه مجرى الدم في العروق، قال
زدني. قال: تتخذ أنت وذريّتك في صدورهم مساكن،
قال ربِّ زدني. قال: تعدهم وتمنّيهم وما يعدهم
الشيطان إلا غرورا».
را: البحراني، هاشم، البرهان في تفسير القرآن،
م. س، ج1، ص416.
إذن، هي الدنيا بكل وجوه الصراع فيها، بين
الحق والباطل، وبين آدم وإبليس ولكلّ منهما
جنود، وقد تجلّت رحمة الله تعالى في أنّه فتح
باب التوبة لعباده قاهراً لإبليس، فإذا ما
اختار الإنسان أن يكون جنداً لإبليس ولساناً
له، فما يكون على الإنسان المؤمن إلاّ أن
يتذكّر أنّه في امتحان، وأنّ قيمته وجوهر
إنسانيته يكمن في هذا الامتحان، وأن ينتصر على
الشيطان في صراعه، وأن يحقّ الحقّ في وجوده،
بحيث لا يكون لإبليس مجري في عروقه، طالما أن
إبليس قد أعطى النظرة استحقاقاً للسّخطة،
واستحقاقاً للبليّة، وإنجازاً للعدّة، والله
تعالى غالب على أمره، وقد جعل الله تعالى لكل
شيء قدراً،﴿...
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ
مَخْرَجاً
﴾،﴿
إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ
﴾،﴿
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ
إِلَّا قَلِيلاً
﴾ [النساء: 83] .
[103]
البحراني، هاشم، البرهان في تفسير القرآني، م.
س، ج3، ص245.
[104]
سورة الروم، الآية: 30.
[105]
الشيرازي، مكارم، سؤال وجواب، م. س، ص347.
[106]
سورة الأنفال، الآية: 24.
[107]
سورة الزمر، الآية: 15.
[108]
سنتحدّث في خاتمة الفصل عن الفوز والخسران من
خلال سورة العصر التي اشتملت عليهما في سياق
واحد، باعتبار أنّ هذه السورة قد لحظت المقاصد
الكبرى، ولخصت الموقف على النحو الذي يمكن
الإنسان من استكشاف ملامح الرؤية القرآنية
العامة حول ما ينبغي الإيمان به والعمل له
لتجنّب الخسران في الدنيا والآخرة، وهذا ما
قضت به حقيقة الاستثناء في السورة، رغم أنّ
آيات القرآن كلها قد قابلت بينهما في سياقاتها
المختلفة، لتظهّر أنّ ما يكون به الفوز العظيم
يستدعي نفي ما عداه باعتباره سبيلاً لأهل
الإيمان مقابل سبيل أهل الكفر والنفاق والذين
يعبدون الله على حرف... وهذا ما سنعرض له
بالتفصيل في خاتمة الكتاب إن شاء الله تعالى
...
[109]
سورة العصر، الآيات: 1 ـ 3.
[110]
الزمخشري، تفسير الكشاف، م. س، ج4، ص787.
[111]
مغنية، محمد جواد، تفسير الكاشف، م. س، ج7،
ص607.
[112]
الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، م. س،
ج2، ص410.
[113]
الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج5،
ص372.
[114]
الطباطبائي، الميزان، م. س، ج20، ص159.
[115]
الزمخشري، تفسير الكشاف، م. س، ج4، ص729.
[116]
الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، م. س، ج10،
ص405.
[117]
الطباطبائي، الميزان، م. س، ج20، ص159 ـ 160.
[118]
الزمخشري، الكشاف، م. س، ج4، ص787.
[119]
الطباطبائي، الميزان، م. س، ج20، ص410.
[120]
مغنية، الكاشف، م. س، ج7، ص607.
[121]
سورة ص، آية: 1.
[122]
سورة يس، الآيتان: 1 ـ 2.
[123]
جاء في البرهان، عن أبي عبد الله (عليه
السلام) في قوله تعالى:﴿
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ
﴾، قال: استثنى الله سبحانه
أهل صفوته من خلقه حيث قال الله تعالى:﴿
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ
﴾ بولاية أمير المؤمنين (عليه
السلام)، ﴿
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
﴾،
أي أدّوا الفرائض، ﴿
وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ
﴾ أي بالولاية﴿
وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ
﴾ أي وصّوا ذراريهم ومن خلق بعدهم
بها والصبر عليها.
انظر: البحراني، هاشم، البرهان في تفسير
القرآن، م. س، ج4، ص504.
[124]
سُئِلَ الإمام الصادق (عليه السلام) عن قوله
تعالى: ﴿
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ ﴾، قال: العصر عصر خروج القائم (عليه
السلام)، ﴿
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
﴾، يعني أعداءنا، ﴿
وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ
﴾، أي بالإمامة، ﴿
وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ
﴾، يعني في العسرة.
انظر: البرهان في تفسير القرآن، م. س، ج4،
ص504.
[125]
البحراني، هاشم، البرهان في تفسير القرآن، م.
س، ج4، ص504.
[126]
الطوسي، الخواجة، نصير الدين، (ت 674هـ)،
فيلسوف ومتكلّم ورياضي، أبو جعفر بن محمد بن
الحسن، الملقّب بنصير الدين، كتاب تلخيص
المحصّل، المعروف بنقد المحصل، دار الأضواء،
بيروت، ط2، 1985، ص517.
[127]
انظر: كتاب سُليم بن قيس، الهلالي الكوفي،
تحقيق محمد الزنجاني (الوفاة ق 1)، ط، 1422هـ،
إيران، ص201. وقا: مع داود بن سليمان الغازي،
مسند الرضا، تحقيق محمد الجلالي (ت 203هـ،
1418هـ، ط1، مكتب الإعلام الإسلامي للنشر،
ص68.
[128]
من العجب العجاب أن نقرأ في كتاب الناسخ
والمنسوخ لابن حزم الأندلسي، أنّ قوله
تعالى:﴿
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ
﴾، منسوخ بقوله تعالى:﴿
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ ﴾، وكأنه لا يدري أن الخبر يمتنع فيه
النسخ!؟
را: ابن حزم الأندلسي، الناسخ والمنسوخ في
القرآن (456)، تحقيق عبد الغفار البذاري، ط1،
1416هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، ص611.
[129]
أبو جعفر النحاس، معاني القرآن، (ت 338هـ)،
تحقيق العامري، جامعة أم القرى، ط2، 1409هـ،
ج4، ص259.
[130]
نلاحظ في تفسير العلاّمة الطباطبائي وفاق
منهجه في التفسير أنّه لا يأخذ كثيراً
بالتطبيق، بل يركّز على السياق بلحاظ أسباب
النزول والروايات القطعية في الدلالة. ولهذا
نجده يقول: وطبق في ذيل الرواية الإيمان على
الإيمان بولاية الإمام علي (عليه السلام)
والتواصي بالحق على توصياتهم ذرّياتهم
وأخلافهم بها، دون تعقيب منه، وهذا لا يتنافى
مع منهج الطباطبائي في قبول العموم الثابت في
الآيات من منطلق أنّ المورد لا يخصص الوارد.
انظر: الميزان، م. س، ج20، ص412.
[131]
م. ع، ص411.
[132]
شبّر، عبد الله، تفسير القرآن، م. س، ص772.
[133]
الزمخشري، الكشاف، م. س، ج4، ص787. يقول: «إنّ
الناس في خسران إلاّ الصالحين، لأنهم اشتروا
الآخرة بالدنيا، وتواصوا بالحق، بالأمر الثابت
الذي لا يسوَّغ إنكاره من توحيد الله وطاعته
واتّباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا والرغبة
في الآخرة، وتواصي بالصبر من المعاصي وعلى
الطاعات، وعلى ما يبلو به عباده.
[134]
الطباطبائي، الميزان، م. س، ج20، ص412.
[135]
الطباطبائي، الميزان، م. س، ج20، ص163.
[136]
سورة الرعد، الآية: 7.
[137]
الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، م. س،
الخطبة: 183.
[138]
الشيخ المفيد، الإرشاد، م. س، ص96.
[139]
سورة الواقعة، الآيات: 75 ـ 80.