الكتاب |
الفوز العظيم والخسران
المبين في القرآن الكريم |
تأليف |
الشيخ عارف هنديجاني فرد |
إعداد ونشر |
جمعية القرآن الكريم |
الطبعة |
الأولى: 1435هـ 2014م - لبنان - بيروت |
موقع جمعية القرآن الكريم |
www.qurankarim.org |
بريد جمعية
القرآن
الكريم |
info@qurankarim.org |
إذا كان الفوز فيما يريده الله تعالى له مفهوم
واحد، أن يكون الإنسان على طاعة الله ورسوله،
ومجاهداً في سبيل الله تعالى، فإنّ هذا الفوز
لم يأتِ بصيغة واحدة في القرآن الكريم، بل
اختلفت مفرداته، بين أن يكون فوزاً عظيماً، أو
فوزاً مبيناً، أو فوزاً كبيراً، كما نرى في
جملة من الآيات، حيث قال الله تعالى:﴿
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ
وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
[1] . وقال سبحانه وتعالى:
﴿ مَّن
يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ
وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾
[2] . وقال الله
تعالى:﴿
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْكَبِيرُ ﴾
[3] .
وهكذا، فإنّ سياق الآيات في الفوز لا يختلف
بين آية وأخرى رغم اختلاف التعبير القرآني
والمفردات القرآنية، حيث نجد أنّ حقيقة الفوز
كامنة في كون الإنسان قد آمن وعمل الصالحات؛
فكان له الرحمة والرضوان من الله تعالى، وصرف
العذاب عنه والفوز بالجنة. وإذا كان الأمر
كذلك، فقد ارتأينا إذاً أن نتحدّث عن أنواع
الفوز في القرآن وأوصافه طالما أن للفوز
مفهوماً واحداً وحقيقة واحدة هي الرضا
والرضوان والفوز بالجنان.
لا شكّ في أن هذا التساؤل قد يبدو مشروعاً
للوهلة الأولى، ولكن الإنسان لا يلبث أن
يتنبّه إلى أنّ أنواع الفوز الملحوظة ليست تلك
المفردات والعبارات القرآنية المختلفة بين
عظيم ومبين وكبير، بل الفوز الملحوظ هو ما
يكون سبيلاً إلى الآخرة، باعتبار أن الفوز ليس
مجرّد تعبير قرآني هادف إلى تبيان المعنى في
الآخرة، وإنّما فيما هو يتعلّق بالفوز في
الحياة الدنيا، لأنّ الدنيا كما بيّن القرآن
هي مزرعة الآخرة، وقنطرة الحقيقة، وكثيراً ما
يلتبس على الإنسان أمره بين أن يرى نفسه
فائزاً في الدنيا فيما يكتسبه من مال وثروة
ومتاع، وبين أن يكون على فوز حقيقي فيما أمر
الله به ونهى عنه، بحيث يكون له العقيدة
والإيمان والرؤية التي يحتكم إليها في تعامله
مع قضايا الحياة وما تزخر به من ملذّات
وشهوات، وقد بيّن القرآن هذا المعنى فيما ذكره
عمّن أرادوا الدنيا ظنّاً منهم أنها نهاية
الحياة ومنتهى الآمال، كما قال أهل الدهر
والتقليد:﴿
إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا
نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ
بِمَبْعُوثِينَ ﴾
[4] .
إذن، بحث الفوز المنشود في هذا الفصل هو ما
يكون عليه الإنسان من اعتبارات حقيقية أو
وهمية في حياته الخاصة أو العامة، إذ إنّ
الكثير من الناس قد اعتبروا أنفسهم فائزين
بمجرّد أن ملكوا المال والثروة، ساهين عن
حقيقة الإملاء والاستدراج التي أخذت بها الأمم
الماضية. وهناك الكثير من الآيات القرآنية
التي تدعو الإنسان إلى الاعتبار بحال الأمم
السالفة وما آلت إليه من خسران مبين، وهذا ما
دعا إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)
بقوله: «اسمعوا ما أتلو عليكم من كتاب الله
المنزل على نبيّه المرسل لتتّعظوا، فإنّه
والله عظة لكم فاتّعظوا بمواعظ الله وازدجروا
عن معاصي الله فقد وعظكم الله بغيركم فقال
لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم):﴿
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي
إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ
لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً
نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ
عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ
أَلَّا تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا
أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ
أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا
فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ
تَوَلَّوْاْ إِلَّا قَلِيلاً مِّنْهُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
﴾ [5]
، أيّها الناس إنّ
لكم في هذه الآيات عبرة لتعلموا أن الله تعالى
جعل الخلافة والإمرة من بعد الأنبياء في
أعقابهم...»
[6] .
وهذا الخطاب من الإمام كاشف عن أن الفوز
الحقيقي إنّما يكون باتباع الأنبياء
والأولياء. أما الفوز الدنيوي، بما هو تحصيل
للذّة، والمال، والسلطة، فذلك ليس من الفوز في
شيء إلاّ أن يكون سبيلاً إلى الله تعالى، بأن
يقوم به الإنسان على وجهه، وأن يؤدّيه
لمستحقّه، بحيث يسمع عن الله تعالى ويعقل عنه
في ما أمر به ونهى عنه.
ومن هنا تتأتّى لنا ضرورة أن نبحث الفوز في
الدنيا والفوز في الآخرة، على أن نقدم لذلك
بما نراه مفيداً في سياق عرضنا لأنواع الفوز،
وذلك من منطلق أن المنهج يفرض على الباحث أن
يكوّن له تأسيسات وخطوات في طريق بحثه يعينه
على تلمّس ما يحتاج إليه في طريق الكشف عن
الحقيقة، أو البرهنة عليها للآخرين، كما يقول
عبد الرحمن بدوي في تعريفه للمنهج
[7] . وقد
سلف القول منّا بأن المنهج يقتضي أن تتحدّد
وجهة البحث من خلال خطوات ومرتكزات أساسية
تعين الباحث على استخلاص النتائج المرجوّة،
وهذا في رأينا يحتاج إلى رؤية تأسيسيّة نلج من
خلالها إلى مباحث الفوز وأنواعه، وهذه الرؤية
يمكن الحديث عنها والتطرّق إليها من خلال مبحث
«حقائق الفوز وقواعد المنهج»، وهو مبحث جدير
بأن يمهّد به للحديث عن حقيقة الفوز في القرآن
من خلال اعتماد الاتجاه الموضوعي الذي يرتكز
إلى التدبّر في النصوص والآيات، على النحو
الذي يمكّن الباحث من استخلاص رؤية، أو
استنتاج موقف من قضيّة إسلامية كانت ولا تزال
موضع اهتمام المفسّرين والباحثين قديماً
وحديثاً، ونعني بها قضيّة الفوز والخسران في
الدنيا والآخرة...
وعليه، فإنّ هذا الفصل يتعرّض لمزيد من
الأقوال لمناقشتها في ضوء الآيات المباركة،
ومن خلال التجربة الإنسانية التي عرضها القرآن
عن الأمم والشعوب، إضافة إلى عرض ما نراه
ضرورياً في سياق التأسيس المنهجي لما نروم
بحثه ونرسم خطواته، لأن القرآن الذي يتحدّث عن
الفوز في الآخرة بما هو فوز عظيم، هو أيضاً
يتحدّث عن فوز حقيقي في الدنيا، يقابله فوز
وهمي، وخادع عبّر عنه الفراعنة والمترفون في
تاريخ الإنسانية.
وهذا الفوز الحقيقي الذي يتحدّث عنه القرآن
الكريم في الدنيا كسبيل إلى الآخرة هو الهُدى
الإلهي، الذي أضافه الله إلى الهدى التكويني،
فيما اختاره الله تعالى للإنسان من تحولات
إيمانية على نحو ما سنرى في مبحث الفوز في
الدنيا، الذي نرى أنه مرتكز أساساً على الأمر
الإلهي والهُدى الإلهي منذ أن هبط آدم إلى
الأرض وجُعل خليفةً لله تعالى فيها.
[1] سورة التوبة، الآية: 72.
[2] سورة الأنعام، الآية: 16.
[3] سورة البروج، الآية: 11.
[4] سورة المؤمنون، الآية: 37.
[5] سورة البقرة، الآية: 246.
[6] را: الشيخ المفيد، محمد بن النعمان،
الإرشاد، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط3، 1979،
ص140.
[7] انظر، بدوي، عبد الرحمن، مناهج البحث
العلمي، م. س،، ص4. يقول بدوي: «إنّ المنهج
العلمي يمكن وصفه بأنه، فنّ التنظيم الصحيح
لسلّة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف
عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، وإمّا من أجل
البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها
عارفين...».
رأينا في تقديم المنهج أنّه لا بدّ من
الارتكاز إلى قواعد، والاستناد إلى خطوات في
طريق البحث، ولعلّنا ألمحنا ـ كما سبق ـ إلى
أن أولى الخطوات والقواعد التي يمكن التأسيس
عليها، هي ما أرشدنا إليه القرآن من أن آدم
استحق أن يكون خليفة في الأرض بعلمه الأسماء،
حيث قال الله تعالى:﴿ وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي
بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
(31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا
إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾
[1]
.
يقول الشيخ المفيد: «إنّ
الله تعالى نبّه
الملائكة على أن آدم أحق بالخلافة منهم، لأنّه
أعلم منهم بالأسماء، وأفضلهم في علم الأنباء.
وقال تقدّست أسماؤه في قصة طالوت: « ﴿
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ
قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُواْ
أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا
وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ
يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ
بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ
يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
[2]
، فجعل جهة حقه إلى التقدم عليهم ما زاده
الله من البسطة في العلم والجسم واصطفائه
إيّاه على كافتهم بذلك، وكانت هذه الأسباب
موافقة لدلائل العقول في أن الأعلم هو أحق
بالتقدم في محل الإمامة عمّن لا يساويه في
العلم»
[3] .
هذا مرتكز أساسي، وخطوة أساسية لا بدّ من
الاستناد إليها في تبيان معنى أن يكون الفوز
عظيماً، أو مبيناً، أو كبيراً، وهي أوصاف، كما
رأينا، وإن كانت تحمل المفهوم ذاته؛ إلاّ أنها
في التعبير القرآني قد نجد لها مسوغاً في سياق
الآيات على نحو ما بينّا في معنى العظيم
ونسبته إلى ما هو كبير الشأن، أو الفعل، سواء
في المعنى الإيجابي، أم في المعنى السلبي كما
تظهر لنا في معنى كيد النساء، أو العذاب، أو
غير ذلك مما توصف به الأشياء فيما لو تجاوزت
حدّ الوصف عند الإنسان. وإذا كانت هذه الخطوة
أساسية في المبحث، فإنّ هناك خطوات أخرى لا
بدّ من الإشارة إليها لتأكيد ما نذهب إليه في
أن الفوز العظيم ليس فوزاً في الآخرة وحسب،
وإنّما هو فوز له بداية، وهذه البداية تجلّت
في كون آدم تعلّم الأسماء وفضّل بالإنباء على
حدّ تعبير الشيخ المفيد. هذا أولاً.
ثانياً: ما أشار إليه الإمام علي (عليه
السلام) في وصيته إلى الإمام الحسن
(عليه السلام) بقوله: «فتفهم يا بُنَيَّ
وصيّتي، واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة،
وأنّ الخالق هو المُميت، وأن المُغني هو
المُعيد، وأن المبتلي هو المعافي، وأنّ الدنيا
لم تكن لتستقر إلاّ على ما جعلها الله عليه من
النعماء والابتلاء، والجزاء في المعاد، أو ما
شاء مما لا تعلم...»
[4] . وهذا الكلام من
الإمام (عليه السلام) ناظر إلى أن الله
تعالى شاء أن تكون الدنيا على ما هي عليه وليس
على الإنسان سوى أن يستجيب لنداء ربه، بحيث
يكون مطيعاً له فيما يأمر به وينهى عنه دونما
اعتراض على ما شاء وقدّر، لأنّ الله تعالى
أعلم بما خلق، وقد شاء أن تكون الدنيا وكل
الوجود على ما هو عليه، وهذا ما عرض له
العلاّمة مطهرّي في مباحثه الفلسفية، مؤكداً
على مشروعية السؤال والجواب فيما يتعلق بالخلق
والوجود، وكل ما ينبغي التساؤل حوله؛ ولا
يفترض أن يأخذ الإنسان إلى الشكّ والاعتراض
على حكمة الخالق. يقول الشهيد مطهري: «وتثبت
أن المتحكّم في عالم الوجود هو العلم والشعور
والإرادة والمشيئة، وليس هذا فحسب، بل إن
النظام الموجود هو النظام الأحسن والأصلح ولا
يمكن أن يكون هناك نظام أحسن وأصلح من هذا
النظام. إنّ العالم الموجود هو أكمل عالم
ممكن...»
[5] . فالله تعالى هو الخالق
والمدبّر، وهو المحيي والمميت، وقد قضت حكمته
وعلمه ومشيئته أن تكون لآدم حيثية حقيقة
الوجود بسبب ما ارتضاه له تعالى، وإذا كان
إبليس قد عصى أمر ربّه وفسق عن أمره، فذلك،
كما يقول أهل الحكمة، وبعبارة اليزدي في معارف
القرآن
[6] ، لم يكن من خارج إرادة الله تعالى،
لأنّ الله تعالى لا يغلبه شيء، وكل شيء مقهور
له، كما قال الله تعالى:﴿ سُبْحَانَهُ
هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
﴾
[7] ، كما أنّ كل شيء في هذا الوجود، كما يرى
العلاّمة اليزدي، له إذن تكويني، فإذا كان
إبليس وغيره ممن تبعه قد خرج عن الإذن
التشريعي، فلن يكون بالإمكان إطلاقاً الخروج
عن الإذن التكويني.
وعليه، فإنّ معنى أن يكون الإنسان خليفة في
الأرض، أن يكون حاملاً للأمانة، وقائماً
بالرسالة، وقد شاء الله تعالى أن يكون للإنسان
اختيار فيما له الخيار فيه، هذا فضلاً عمّا
زُوِّدَ به الإنسان من عقل وإرادة وحريّة
ليكون مسؤولاً عن فعله، ومطيعاً لله تعالى في
أمره ونهيه، وهذا ما يؤسس له العقل لجهة ضرورة
الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر، وقد بيّن
علماء الأصول أنّ ما يؤسس له العقل، ثم يأتي
به الشرع، إنما يكون إرشاداً وليس تأسيساً
لاستحالة اللغو والعبث في أمره وفعله، لأنه
يكون من باب تحصيل الحاصل»
[8] .
ثالثاً: إنّ من القواعد الأساسية التي يمكن
التركيز عليها والاستناد إليها في موضوع الفوز
القرآني، هو ما عرض له القرآن في حقيقته الهدي
الإلهي، فقال الله تعالى:﴿ اهْبِطُواْ
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي
الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
﴾
[9] ، وهذا ناظر إلى حقيقة ما
أُريد للإنسان أن يكون عليه من التزام وتحقق
في الوجود والحياة، بحيث يكون لهبوطه معنى في
مواجهة المعصية من خلال أمر الله تعالى، فيما
أعدّ له من مستقرّ ومتاع في الحياة، وقد بيّن
الله تعالى هذا الأمر بقوله:﴿
قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَن تَبِعَ
هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ ﴾
[10] .
ومن هذه الحقيقة، القاعدة، يتبدّى لنا معنى أن
يكون الفوز في الحياة مؤسساً على هذا الهدى
الذي لا خوف معه ولا حزن، وقد أجاد وأفاد
الثعالبي في الإعجاز والإيجاز فيما ذكره حول
هذا المعنى، فقال: «ولا شيء أضرّ بالإنسان من
الحزن والخوف، لأنّ الحزن يتولّد من مكروه
ماضٍ أو حاضرٍ، والخوف يتولّد من مكروه
مستقبل، فإذا اجتمعا على امرئ لم ينتفع بعيشه،
بل يتبرّم بحياته، والخوف والحزن أقوى أسباب
المرض، مرض النفس. كما أن السرور والأمن، أقوى
أسباب صحتها، فالحزن والخوف موضوعان بإزاء كل
محنة وبليّة، والسرور والأمن موضوعان بإزاء كل
صحة ونعمة هنية، ومن ذلك قال الله تعالى:﴿ أُوْلَئِكَ
لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ
﴾
[11]
، فالأمن كلمة تنبئ عن خلوص
سرورهم من الشوائب كلها، لأنّ الأمن إنّما هو
السلامة من الخوف.. فإذا نالوا الأمن بإطلاق
ارتفع الخوف عنهم، ارتفع بارتفاعه المكروه
وحصل السرور المحبوب»
[12] .
رابعاً: من الحقائق التي لا بدّ من التأسيس
عليها أيضاً، أن يعلم الإنسان مقدار ما أنعم
الله تعالى به عليه من نعم ظاهرة وباطنة، نعم
العقل والنبوة والهداية، حيث قال الله تعالى:
﴿
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولاً ﴾
[13] ، ومن هنا قيل فيما ارتكز
عليه علماء الأصول، فقالوا: بقاعدة قبح العقاب
بلا بيان
[14] ، وطالما أنه لا عذاب إلا بعد
بيان نبوي، فكذلك لا فوز ولا خسران إلاّ بعد
بيان، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَن تَبِعَ
هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ
﴾ وهذا كافٍ للتدليل
على أن الهدف هو تحقيق الإنسان بما يلزمه
للفوز العظيم في الدنيا والآخرة كما بيّنه
الثعالبي من أن انتفاء الخوف والحزن يولد
السرور المحبوب، ويدفع المكروه، فيكون الإنسان
آمناً مطمئناً وسالكاً لطريق الفوز العظيم في
الدنيا والآخرة، باعتبار أن الأمر والنهي
الإلهيين، وكذلك كل تكليف، هو أساس في تحقيق
الفوز، فإذا لم يتبع الإنسان الهدى الإلهي،
فلا بدّ أن يلحق به الخوف والحزن والخسران،
لكون الإيمان هو اطمئنان وسلامة في الدين
والدنيا، وهذا ما بيّنه في آية أخرى، حيث قال
الله تعالى:﴿
يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ
رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ
آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
(35) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا
وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
﴾
[15] ،
وهنا يتبدّى لنا تأسيس آخر لا بدّ من تبيانه،
وهو ما يؤول إليه الاستكبار من عذاب في الدنيا
قبل الآخرة لما يُفيده سياق الآية من خوف وحزن
إلا أن يتّقي الإنسان ويصلح، فيكون له الأمن،
فإذا لم يكن منه ذلك، فلا بدّ أن يلحق به
الخوف والحزن والخسران، وهذا كلّه نار في
الدنيا تأخذ الإنسان بالهمّ والغمّ والبلاء
والمكروه وتدفع به إلى أن يعيش العار والدمار
قبل النار، ذلك هو معنى أن لا يتبع الناس
الهدى، بأن يكون لهم الحزن والخوف والنار، وإن
كانوا يرون في أموالهم وثرواتهم وأولادهم ما
يعتقدون وهماً وخداعاً أنه الفوز، ولكنه في
الحقيقة هو النار والخسران في الدنيا والآخرة.
ولهذا، يقول العلامة الشيخ مصباح اليزدي: «إنّ
الخطاب في الآية موجّه إلى جميع الناس، إذ لا
يتوهّم أن الخطاب خاص بآدم وحوّاء أو إبليس،
ولا علاقة له بسائر الناس، فالآية تبيّن مصداق
اتباع الهداية، فتقول:﴿ فَمَنِ
اتَّقَى وَأَصْلَحَ ﴾ ، وبناءً
على هذا، يصبح موضوع الهداية التشريعية بواسطة
الوحي والنبوّة جزءاً من تقدير خلق الإنسان،
ولا يمكن إسكانه في الأرض من دونها، لأنّ ذلك
خلاف الحكمة الإلهية»
[16] ، وعلى هذا الأساس،
فقد أرسل الرسل إلى الناس، فكان لكل أمّة
رسولها، كما قال الله تعالى:﴿
وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا
نَذِيرٌ ﴾
[17] .
خامساً: من الحقائق والقواعد أيضاً ما خصّ به
الإنسان من هداية تكوينية وتشريعية، كما بيّن
العلامة الطباطبائي في تفسيره
[18] ، والسيد
الخوئي في بيانه
[19] ، والزمخشري في
كشّافه
[20] ، حيث رأوا جميعاً أن كل شيء في
هذا الوجود قد خصّ بالهداية التكوينية، كما
قال الله تعالى:﴿ رَبُّنَا
الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ
هَدَى ﴾
[21]
، وقد تميّز الإنسان في كونه قد خصّ بالهداية
التشريعية، فإذا قيل، وكيف يطلب الإنسان
الهداية وهو مهتدِ. قلنا: إنّ طلب زيادة الهدى
إنّما يكون بمنح الإلطاف، كما قال الله
تعالى:﴿ وَالَّذِينَ
اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدىً ﴾
[22] ، وقد جاء عن
الإمام علي (عليه السلام) قوله في معنى
طلب الهُدى، أي ثبّتنا، وكما يرى الزمخشري أن
صيغة الأمر والدعاء في قوله تعالى:﴿
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
﴾
[23] ، واحدة فكل منهما طلب، وإنّما يتفاوت
في الرتبة
[24] .
هذه هي جملة الحقائق والقواعد التي يمكن
التأسيس عليها في مبحث الفوز في الدنيا
والآخرة، وهي تأسيسات، كما نرى، لا بدّ من
لحاظها في سياق الحديث عن الرؤية القرآنية
الموضوعية في القرآن الكريم، ويمكن للباحثين
أن يُضيفوا مرتكزات أخرى في طريق البحث، لكن
الذي تقدّم يمكن أن يُغنينا عن مزيد من
التفاصيل التي لا طائل منها فيما نحتاج إليه
من تأسيس في سياق البحث عن حقيقة الفوز، طالما
أن ما تقدّم استجمع أهمّ المبادئ والقواعد
التي هي بمثابة الحقائق التي نؤمن بها، على
اعتبار أن القرآن الكريم يفسّر بعضه بعضاً،
ويصدّق بعضه بعضاً، ولا بدّ للباحث أن يأخذ
بهذه الحقائق في البحث القرآني، لأنّ البديل
عن ذلك سيكون التساؤل غير المشروع، والاعتراض
غير المسوّغ، وخاصة من أولئك الذين يستكبرون
عن آيات الله تعالى.
إنّنا من خلال هذا المبحث، نستطيع أن نتحدّث
عن الرؤية القرآنية للفوز، وكذلك عن الخسران
في مباحث أخرى من هذه الدراسة، ذلك أن طبيعة
كل بحث تفرض المسلّمات الأساسية في طريق
البحث، وقد رأينا أنّ الحقائق التي تقدّم
ذكرها تظهّر فيها الكثير من ملامح بحثنا
المقبلة، باعتبار أنّ الفوز قد لحظ في جانب
منه فيما عرضنا له عن الهدى الإلهي، ولكن يمكن
إضافة الكثير إلى هذا المبحث من منطلق أن
الهدى الإلهي الذي خص به الإنسان هو الضامن
لحقيقة الفوز، وكل ما عدا ذلك فهو زخرف، لأنّ
القرآن الكريم يربط بين هذا الهدى، وبين الفوز
العظيم، فإذا لم يتوفّر الإنسان عليه، فلن
يكون له الأمن، وبالتالي، فإنّه سيكون موضعاً
للخسران في الدنيا والآخرة، هذا فضلاً عمّا
سيكون له من موت، كما بيّن العلاّمة الشهيد
مطهّري في مبحث إحياء الدين
[25] ، والعلاّمة
مغنيّة في المذاهب الفلسفية
[26] ، والعلاّمة
الصدر في المدرسة القرآنية
[27] إضافة إلى
الكثير من المقولات والحقائق التي عرض لها
المفسّرون في سياق الحديث عن الرؤية القرآنية
الضامنة للحياة الإنسانية، كما في قوله
تعالى:﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ
لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ ﴾
[28] ،
والحياة هنا، ليست تلك الحياة التي يبحث عنها
المترفون والطغاة والمسرفون، بل هي الحياة
الإيمانية التي عبّر عنها القرآن بالهدى
والنور، كما في قوله تعالى:﴿
أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ
وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ
لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾
[29] .
وكيف كان، فإنّ هذا المبحث قدّم رؤية كافية،
كما نرى، حول ما ينبغي استيعابه قبل الشروع في
مبحث الفوز في القرآن، لأنّ العقل عن الله
تعالى والتبصرة بالتجربة هما السبيل الوحيد
لإدراك حقائق الحياة، ومن خلال القرآن أيضاً،
لأنه الكتاب الذي يضيء للإنسان طريق البحث
لاكتشاف الحقيقة، أو على الأقل لوعيها، إن لم
يكن ممكناً التبصّر بالحقائق.
إنّ الفوز كما سنرى، كان وسيبقى سبيله التدبّر
في كتاب الله تعالى، لأنّ الإنسان كثيراً ما
التبس عليه الأمر في تجاربه التاريخية، فلم
يعِ حقيقة الفوز ومتعلقاته، وخاصة أولئك الذين
استكبروا عن آيات الله تعالى، وادّعوا ما لم
ينزل به من الله سلطاناً، ورأوا أن الفوز
إنّما يكون بإدراك العاجل في الدنيا، ساهين عن
أن الدنيا ليست بدار قرار، وإنّما هي دار
اختيار وامتحان للمؤمنين والكافرين على حدٍّ
سواء، وقد قال الله تعالى:﴿ مَّن
كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ
فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ
جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا
مَذْمُوماً مَّدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرَادَ
الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم
مَّشْكُوراً ﴾
[30] . وهذه الآية ـ كما نلاحظ، ناظرة
إلى أنّ الفوز إنّما يكون بالسعي مع الإيمان،
وليس بالكفر والاستكبار، لأنّ السعي المشكور
ليس شيئاً غير أن يكون عمل الإنسان مقبولاً
عند الله تعالى، بل وأكثر من ذلك أن يكون
مضاعفاً لما أضافه القرآن من حسنات لمن اتقى
السيئات، وخشي الله تعالى ولم يخشَ أحداً
سواه، واتّقاه حقّ التقى، وقد روي عن أبي جعفر
(عليه السلام) أنه قال: «مَن شهد أن لا
إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) كتب الله له ألف حسنة»،
وفي رواية ألفي حسنة
[31] ، باعتبار أن الله
تعالى قد نصّ على أنّ أقل الأضعاف هو عشر
أمثالها، وقال الله تعالى:﴿ فَيُضَاعِفَهُ
لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾ ،
وهذا كلّه لا بدّ أن يكون موضع تأمّل وتدبّر
طالما أن الله تعالى هو القائل:﴿ مَن
جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ
فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ ﴾
[32] ، يقول
الكاشاني: «هذا أقلّ ما وعد من الإضعاف هو عشر
أمثالها، وقد جاء الوعد بسبعين، وسبعمئة،
وبغير حساب»
[33] .
غاية القول: إنّ الشكر على السعي من قبل الله
تعالى ليس شيئاً غير أن يكون الإنسان على فوز
في الدنيا والآخرة معاً، لأنّ الدنيا كما سلف
القول، هي دار الامتحان والعمل، وكل ما يكون
للإنسان في الآخرة هو نتيجة عمله، لأنّ الدنيا
دار عمل بلا حساب، والآخرة دار حساب بلا
عمل
[34] .
قال الله تعالى في محكم كتابه:﴿
وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ
أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ
شَهِيداً (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ
مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا
لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً
عَظِيماً ﴾
[35] .
إنّ سياق الآيات المباركة يُرشد إلى أنّ جماعة
من الناس لم يتمنّوا أن يكونوا مع رسول الله
في المحنة أو المصيبة، أو حين الشدائد وتمنّوا
أن يكونوا مع المؤمنين لإصابة الفضل في مال أو
غيره، وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على مدى
حب الحياة وكره الموت، وهم إنّما قالوا ذلك
على وجه إيثار الغنيمة لا على حال المثوبة من
جهة الله تعالى لشكّهم في الجزاء من الله
تعالى، كما أفاد الشيخ الطوسي في التبيان
[36] ،
وفي جميع الأحوال لسنا نهدف في هذا المبحث إلى
الوقوف على ما ذهب إليه المفسرون فيها لكونهم
اختلفوا فيها بين قائل بأن المعني بهذه الآية
هم المنافقون، كما رأى الشيخ الطوسي
[37] ،
والشيخ الطبرسي
[38] ، والكاشاني[39] ،
والزمخشري
[40] ، وبين قائل بأنها تعني المؤمنين
كالعلاّمة الطباطبائي
[41] ، الذي رأى أنّ قوله
تعالى: ﴿
وَإِنَّ مِنكُمْ ... ﴾ ، يدلّ على أنّ هؤلاء
المؤمنين المخاطبين في صدر الآية بقوله: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ... ﴾ على ما هو ظاهر كلمة منكم..،
وقد قدم العلاّمة موقفاً فيما يتعلّق بالأسباب
التي دعت المفسّرين إلى هذا التفسير، معتبراً
ما ذهبوا إليه تصرفاً في ظاهر القرآن من غير
وجه
[42] ، رغم أنّ أكثر المفسرين يذهبون إلى
القول بأنها نزلت في المنافقين، وإنما جمع
بينهم في الخطاب من جهة الجنس والنسب لا من
جهة الإيمان وهو اختيار الجبائي
[43]
، ولعلّنا نستطيع حسم الجدل في وجوه تفسير هذه
الآية مما جاء في سورة الفتح، حيث بيّن تعالى،
كيف أنّ الأعراب وأهل النفاق قد تمنّعوا عن
مرافقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى
مكّة، وإلى الحديبية تحديداً، ولكنهم لما لاح
لهم بارق الفضل من الله تعالى بالمال والغنيمة
رأيتهم يقولون ذرونا نتبعكم، كما قال الله
تعالى:﴿
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ
إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا
نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ
كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا
كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ
فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ
كَانُواْ لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً
﴾
[44] ، وقد
سبق هذه الآية ما يُفيد كفر هؤلاء، كما في
قوله تعالى:﴿ وَمَن
لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا
أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً
﴾
[45] ،
أي ناراً مسعّرة ونكر تهويلاً ووضع الكافرين
موضع الضمير تسجيلاً عليهم بالكفر
[46] . وإذا
كان لا بدّ من حسم الموقف من هؤلاء الذين
ادّعوا الفوز العظيم فيما لو كانوا مع
المؤمنين، فإنّه يكفينا ما نقل عن صادق آل
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما روي عنه
أنه قال: «لو أنّ أهل السموات والأرض قالوا قد
أنعم الله علينا إذ لم نكن مع رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) لكانوا بذلك مشركين»
[47]
.
غاية القول: إنّ الذي يعنينا من سياق الآية هو
ما زعمه هؤلاء من فوز عظيم، حيث رأينا كيف
أنهم قد التبس الأمر عليهم، فندموا على ما
فاتهم من الفضل، لأنهم لم يكونوا على يقين
بالجزاء كما رأينا عند الطوسي قبل قليل، وهذا
كلّه إنّما كان استجابة لهتاف الشيطان بأن لا
يكونوا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)،
ما أدّى بهم إلى أن يعتبروا الفوز كل الفوز،
بل الفوز العظيم في التخلّف عن الجهاد طمعاً
بالحياة والمال وما يماثله! وكثيرون هم الذين
وقعوا في شرك الشيطان، وخذلوا الأنبياء والرسل
والأولياء حرصاً على الحياة وطمعاً في المال
والثروة!؟
لقد ردّ القرآن على هؤلاء حاسماً للموقف بأن
القتال في سبيل الله تعالى هو الفوز العظيم
الذي مدحه الله تعالى مبيّناً أن الذين يشرون
الحياة الدنيا بالآخرة هم الفائزون، ومن يقاتل
في سبيل الله فيُقتل أو يغلِب، هو الفائز
الفوز العظيم والحاصل على الأجر العظيم خلافاً
لما زعمه ويزعمه أهل الكفر والنفاق من فوز
بحطام الدنيا، رغم أن القرآن لا يقف موقفاً
سلبياً من زينة الدنيا ومتاعها، إذ هناك
الكثير من الآيات المباركة التي تدعو الإنسان
إلى أن يأخذ نصيبه من الدنيا، وأن يبتغي فيما
آتاه الله الدار الآخرة، كما قال الله تعالى:﴿
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ
الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ
الدُّنْيَا ... ﴾
[48] ، لسنا نريد
في هذا البحث أن نلج إلى فقه آيات الزينة وما
ذهب إليه علماء التفسير في شأنها من حيث كونها
زينة ممدوحة أو مذمومة، هذا فضلاً عن اختلافهم
حول المزين
[49] ، هل هو الله تعالى؟ أم
الشيطان؟ ولا شكّ أنّ هذا المبحث هو في غاية
الأهميّة فيما لو تسنّى لنا أن ندخل فيه، نسأل
المولى العليّ القدير أن يوفقنا لذلك في بحوث
مقبلة.
إذن، الدنيا ليست بحدّ ذاتها مكسباً، لأنها
ليست دار قرار، ولا دار حيوان، وإنما هي دار
اختبار وامتحان، وإذا كان الأنبياء والأولياء
قد زهدوا فيها، فذلك لم يكن منهم زهداً
بحلالها، أو بطيّباتها، لقوله تعالى:﴿ قُلْ
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي
أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ ﴾
[50] ، إلى غير ذلك من
الآيات التي تدعو الإنسان إلى الزهد والتقوى
والعمل للآخرة من خلال الدنيا، كما قال علي
(عليه السلام) لأولئك الذين أساؤوا فهم
الدنيا وذمّوها من غير معرفة بما يجب أن
يقولوه في معناها، قال الإمام (عليه السلام) :
«إنّ الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن
فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، مسجد
أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلّى ملائكته ومتجر
أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها
الجنّة، فمن ذا يذمّها وقد أذنت ببينها ونادت
بفراقها ونعت نفسها، فشوقت بسرورها إلى
السرور، وحذّرت ببلائها إلى البلاء تخويفاً
وتحذيراً وترغيباً وترهيباً، فيا أيها الذامّ
للدنيا والمغترّ بغرورها متى غرّتك، أبمصارع
آبائك من البلى، أم بمضاجع أمهاتك تحت
الثرى...»
[51] .
وفي كلام آخر يقول الإمام علي (عليه السلام) :
«فإنّما مثل الدنيا مثل السم يأكله من لا
يعرفه»، وقوله (عليه السلام) : «لا حياة إلاّ
بالدين ولا موت إلاّ بجحود اليقين فاشربوا من
العذب الفرات ينبهكم من نومة السبات، وإياكم
والسمايم المهلكات...»
[52] ، وقوله (عليه
السلام) : فاشربوا من العذب الفرات، هو إشارة
إلى الإمام نفسه (عليه السلام) ، كونه الإمام
الناطق، والقرآن العيني على حدّ تعبير
العلاّمة آملي في بحوثه القرآنية
[53] . كما
أنّه إشارة منه (عليه السلام) إلى ضرورة
الاهتداء بالقرآن لكونه يشكل مع الإمام الناطق
به والمترجم له حقيقة الهداية الإلهية للبشر،
ولعلّ ما ذهب إليه العلاّمة مطهّري، هو خير ما
يمكن لحاظه في هذه المبحث، وذلك من خلال
تركيزه على أن الإمام (عليه السلام) قد
بيّن حقيقة ما هي عليه الدنيا من معنى، فلا
ينبغي الذمّ لها أو الزهد بها على النحو الذي
يمنع الإنسان من الكدح والجهاد والقيام بأمور
الدين والدنيا، يقول الشهيد مطهري: «إنّ
الانعتاق الذي يدعو إليه الإمام في وصف
الدنيا، لا يعني الانعزال عنها، بل يعني دخول
معركة الحياة بترفّع والتخلّص من كل الذاتيات،
والذوبان التام في المبدأ والتضحية المستمرة
على طريق أهداف الرسالة، إنها تعني ممارسة
الحياة، ممارسة القائد لها لا المنقاد،
والموجه لمسيرتها لا التابع لها، هكذا كان
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) »
[54] .
لقد بيّن الإمام علي (عليه السلام) في
كلامه أن الدنيا هي طريق الفوز الحقيقي
للإنسان، لأنّ الله تعالى أراد لها أن تكون
معبراً لحياة الإنسان في الآخرة، فإذا لم
تؤدِّ بالإنسان إلى السلامة والفوز، فتكون
وبالاً عليه كحال الذين يعتقدون أن الفوز إنما
يكون في لذّاتها وأموالها وفي كل ما لا يبقى
للإنسان، ولا يبقى الإنسان له. ولهذا، نرى
القرآن يركّز على أن اللذّة الحقيقية تكمن في
ما أحلّه الله، وكما يقول مطهّري: «وليس ثمة
لذّة واقعية فيما حرّم الله، وإن خال الإنسان
أنها لذّة، فالحرام وبال بعينه، وليس هناك
لذّة دنيوية تحرم الإنسان من لذّات الآخرة، بل
هي المحرمات التي يخال مرتكبيها أنها لذّة وما
هي بلذّة...»
[55] .
إنّ الخطأ الذي يمارسه الإنسان ضدّ نفسه في
كثير من الأحيان، هو أن يعتبر الفوز العظيم في
لذّة، أو في غنيمة، أو في مكسب مادي، أو أن
يتخذ من الشهوات واللذائذ وزينة الحياة سبيلاً
إلى المعصية والخسران، فإذا لم يعقل الإنسان
حقيقة خلافته في الأرض، ولم يسمع نداء الرحمن
الرحيم الذي جاء به الأنبياء، فإنّه سيكون على
خسران مبين حتماً، وهذا ما سيكون موضوعاً
لبحثنا في الفصول اللاحقة إن شاء الله، وقد
رأينا فيما سبق من تأسيسات وقواعد منهجية
لبحثنا، كيف أن الله تعالى قد ضمن الفوز
العظيم في ما أوحى به إلى الأنبياء والأولياء
باعتبارهم القدوة الحسنة للناس، فلا ينبغي
تجاهل ما كانوا عليه من اختبار وابتلاء في
طريق الهداية لتحقيق الفوز العظيم، في مقابل
أولئك المترفين والفراعنة وأتباعهم الذين
ظنّوا أن الفوز إنّما يكون بالتوفر على
الملذّات والشهوات والتعصب لآثار ومواقع
النعم، الذي أدّى بهم إلى أن يكونوا أسرى
المترفين والطواغيت في كل زمان ينعقون مع كل
ناعق، ويميلون مع كل ريح، ولا يلجأون إلى ركن
وثيق، ثم يدّعون أنّهم على فوز عظيم!! ويوم
القيامة يتحسّرون على ما هم فيه، ويطلبون
العودة ليتبرّأوا من المستكبرين كما بيّن الله
تعالى في سورة البقرة
[56] .
إذن، الفوز في
الدنيا، كما يظنّ بعضهم ليس فوزاً في الحقيقة،
فيما لو كان قوامه ما حرّمه الله تعالى، أو
معصية الله ورسوله، بل هو انخداع بمظاهر
الحياة وجهل بهدفية الخلق من العبور من هذه
الدنيا إلى حيث الخلود، وقد حذّر الأنبياء من
الاستماع إلى هتاف الشيطان الذي يوحي لأوليائه
زخرف القول غروراً، ويدعوهم إلى أن يكونوا من
أصحاب السعير، هذا فضلاً عمّا يدعوهم إليه في
استهزاء واستخفاف، وتحقير للأولياء والصالحين.
فإذا جعل الإنسان من نفسه تعبيراً عن هذا
الشيطان، فلن يكون له فوز حقيقي، حتى ولو فاز
بالدنيا كلها إلاّ أن يقيم حقّاً أو يدفع
باطلاً. كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)
لابن عباس حين سأله ما تساوي هذه الدنيا
عندكم؟ وكان جواب الإمام (عليه السلام)
أنها لا تساوي شيئاً إلاّ أن تكون تعبيراً عن
أمر الله ونهيه وطاعة رسوله وأولي الأمر، من
افترض الله طاعتهم ودعا إلى ولايتهم. أما أن
يدّعي الإنسان الفوز العظيم لمجرّد أنّه تمنّى
أن يكون له شيءٌ من المال، فذلك ليس فوزاً، بل
هو سفه وجهل بحقائق الأمور، ومواطن النعم،
ومدارك الفوز والسلامة...
هناك فرق كبير بين أن يكون الفوز فوزاً
حقيقياً، وبين أن يكون وهماً وانخداعاً
وانجذاباً إلى الحرام، حتى أنه يمكن القول إنّ
الفوز ليس مجرّد التزام عبادي، أو طاعة مجرّدة
عن الواقع، أو زهد في الدنيا بحيث يهرب
الإنسان منها خلافاً لما أمر الله به، بل هو
التزام حقيقي بطاعة الله تعالى ورسوله
وأوليائه في ميدان الحياة.
وعليه، فإنّه لا معنى لأن يترك الإنسان الدنيا
هروباً من المسؤولية، أو خوفاً من القيام بحقّ
الله وعباده، كما أنّه لا معنى لأن ينشد
الإنسان الفقر والحرمان ظنّاً منه أن في ذلك
سبيلاً إلى الفوز في الآخرة، فإنّ ذلك كلّه
ليس من الفوز الحقيقي، لأن الله أمر بالجهاد
في سبيله، ودعا إلى أن تكون الدنيا كما يريد
سبحانه لا كما يريد الإنسان، باعتبار أن الله
تعالى شاء أن تكون الدنيا متجراً للعبادة
ومسجداً للهداية، ومهبطاً للوحي، فيها تكتسب
الرحمة، وفيها تربح الجنّة، وهذا كله إنما
يعني أن يكون الإنسان حيث أمره الله تعالى،
وأن يفتقده حيث نهاه ليكون تعبيراً عن الحق
ودليلاً إليه، يجاهد في سبيل الله تعالى،
ويقوم بالحقوق، ويأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر، ويقيم العدل ويحقق المساواة، ويبذل في
سبيل الله تعالى، ويصبر على الحقوق والنوائب،
كما قال الإمام علي (عليه السلام)
واعظاً للإنسان: «فمن آتاه الله مالاً فليصل
به القرابة، وليحسن منه الضيافة، وليفكّ به
الأسير والعاني، وليعط منه الفقير والغارم،
وليصبر نفسه على الحقوق والنوائب، ابتغاء
الثواب، فإنّ فوزاً بهذه الخصال شرف مكارم
الدنيا ودرك فضائل الآخرة إن شاء الله
تعالى»
[57] .
لاحظ كم هو دقيق وعميق وجليل كلام الإمام علي
(عليه السلام) في وعظ من يعيش الدنيا
ويتنعّم بمالها ومتاعها، فهو لا يدعوه إلى
التخلّي عن الدنيا بل إلى العمل فيها شرط أن
يكون مبصراً بالمال والمآل، وملتفتاً إلى
حقيقة الموت والفناء، بحيث يكون له من ذلك
العبرة والاعتبار، والفوز في الدين والدنيا
والآخرة. ذلك هو معنى الفوز الحقيقي في
الدنيا. أما أولئك الذين فازوا بالشرور
والمعاصي، وتذرّعوا بشتّى الحيل، وقالوا إنّ
بيوتنا عورة إلى غير ذلك مما عرف عن أهل الكفر
والنفاق، وأصابوا ملذّات الدنيا وافتخروا بها
على الفقراء والمساكين، وظنّوا أنّ ما هم فيه
هو من مواطن الرضا والفوز والرضوان، فذلك مما
ردّ عليه القرآن وسمّاه بالمتاع والغرور
والخسران المبين متوعداً أهله وزاعموه بالوبال
والعذاب في جهنّم يصلونها وبئس القرار، كما
قال الله تعالى:﴿
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ
نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ
قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ
يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ
﴾
[58] .
إنّ توهّم الفوز والفخر والتعصّب في الدنيا،
كل ذلك ناشئ من كون المترفين والمنافقين ومن
لحق بهم من أهل المعاصي، قد استغرقتهم الدنيا،
فحالت بينهم وبين أن يكونوا على بصيرة من
أمرهم سواء في الدين، أم في الدنيا.
ولهذا، فهم توهّموا الفوز، بل الفوز العظيم
كما جاء في ذيل الآية المباركة، في حين هو
الخسران المبين، كما بيّن القرآن في كثير من
الآيات، وخاصة في قوله تعالى في سورة الكهف:﴿
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ
وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ
مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ
مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35)
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن
رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً
مِّنْهَا مُنقَلَباً ﴾
[59] .
فالآية ناظرة إلى أن الإنسان قد يكون مؤمناً
بالله تعالى، ولكنه قد يخطئ في طريق الكدح
إليه فيظنّ الخير شرّاً، والشرّ خيراً، أو
الفوز الحقيقي خسراناً، أو العكس، وهذه صورة
من صور البؤس والخذلان والنفاق والخسران، التي
قد يتسبّب بها الإنسان لنفسه حينما يبتعد عن
خطّ النبوّة، ويتعصّب لآثار مواقع النعم،
فيخسر الدنيا والآخرة معاً.
لقد بيّن القرآن الكريم أن الفوز الحقيقي،
إنّما يكون بالطاعة لله ورسوله، والخضوع للسنن
الحاكمة في الوجود، وفي ميدان الاجتماع
الانساني، ولهذا نجد القرآن يعظ الأمة
الإسلامية بغيرها من الأمم، وخاصة بني
إسرائيل، لتتّعظ وتعتبر بما جرى للفائزين،
بحيث تنتبه من رقدة الغفلة، وتسلك سبيل الحق
فيما جاء به الأنبياء وتابعه الأولياء
والأوصياء، وقد سبق أن ذكرنا في بحوثنا حال
أولئك الذين بدّلهم الله تعالى بالحسنة مكان
السيئة ليتّعظوا ويأخذوا بالسنن للاعتبار،
إلاّ أنّهم بعدما عفوا وكثروا. قالوا: لقد مسّ
آباءنا السرّاء والضرّاء، وكانت النتيجة أن
أخذوا بغتة وهم لا يشعرون
[60]
، وهذا إنما كان لهم عقابٌ لما تمادوا بالمعاصي، وظنّوا أن ما
هم فيه من نعمة، هو من عنديّاتهم، وقد سبق
لآبائهم أن تعرّضوا لمثل ذلك دونما اعتبار
بالأحداث والسنن!؟
مما تقدّم، نستطيع القول، إنّ الفوز الحقيقي
في الدنيا لا يكون مجرّد فوز، بل هو التزام في
حياة الإنسان يعبر من خلاله عن الإيمان
والتقوى اتجاه الله والإنسان فضلاً عمّا يكون
لهذا الفوز من آثار في الآخرة، لأن الإيمان في
جوهره حياة للإنسان وسعادة وسلامة يتميّز به
عن سائر المخلوقات. كما قال الله تعالى:﴿
الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ
إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ
الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
[61] .
وانطلاقاً من ذلك، نرى أنّما يمكن أن يعتبره
بعضهم فوزاً فيما قد يصيبه من مال وغنيمة، هو
اعتبار ناشئ عن كون الإنسان لم يهتدِ إلى أمر
الله تعالى، واتبع الآباء فيما كانوا عليه من
تقليد وترف وعصبية وحميّة جاهلية، فأدّى به
ذلك إلى أن يكون واهماً في فوزه، وظالماً في
حكمه، وقد بيّن القرآن كيف أن القرى ﴿
كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا
رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا
اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا
كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾، ما يعني أن الكفر بالنعم له آثاره في
الدنيا أيضاً، ويجدر بالناس أن يعتبروا
ويتّعظوا بمصائر الأمم السالفة ليكونوا في
مأمن عمّا قد يتعرضون له بما يصنعون جهلاً
وسفهاً، فلا يخدعون بالأوهام، بل يعتبرون
بالسنن، ويتخذون من هدى الله تعالى سبيلاً
ودليلاً إلى الفوز المبين في الدنيا والآخرة،
وهذا ما سيكون موضع بحثنا في المبحث التالي.
إذن، الفوز في الدنيا، هو فوز في الحياة
الإنسانية، قبل أن يكون فوزاً عظيماً في
الجنّة. وهذا ما يفترض أن يعيه الإنسان جيداً
في مسيرته الإنسانية وتحولاته الاجتماعية.
وإذا كان الأمر كذلك في الدنيا، فما يكون عليه
الحال في الآخرة؟ لا شكّ في أن الحال سيكون
فوزاً على فوز ونوراً على نور، لأنّ الدين هو
فطرة وناموس قبل أن يكون شريعة تأمر وتنهى،
وهذا ما عبّر عنه الفقهاء والمفسرون بالفطرة
الإنسانية التي لا تبديل لها، كما قال الله
تعالى:﴿ لَا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ ﴾
[62] .
وهكذا، فإنّ معنى أن يفوز الإنسان في حياته،
أو أن يكون على دعوى الفوز فيما يدّعيه لنفسه
من مال وثروة أن يستوعب هدفيّة الخلق، بحيث
يعلم، كما يرى الشهيد مطهري (قده)، أن الغاية في
الحياة تعود للإنسان وليس لله تعالى، فالله
تعالى لا يؤدي الأفعال لتحقيق هدف وكمال، أو
لسدّ نقص فيه، فإنّ فعله تعالى لا يعني
الانتقال من النقص إلى الكمال. ومن هنا،
والكلام لمطهّري، فإنّ مفهوم الحكمة بالنسبة
إليه ليس هو انتخاب أفضل الأهداف واتخاذ أفضل
الوسائل لتحقيق الأهداف في أعماله، فهذا
المفهوم للحكمة يصدق على الإنسان وليس على
الله تعالى، والحكمة الإلهية تعني أن عمله هو
إيصال الموجودات إلى كمالها وغاياتها، وعمله
هو الإيجاد. وعلمه هو التدبير والتكميل ورفع
كل موجود إلى كماله
[63] .
غاية القول: إنّ ما نراه في ما يزعمه أهل
الفوز لأنفسهم، ليس فوزاً حقيقياً، بل هو وهم
يقوم على حبّ المال والثروة وليس على حبّ الله
تعالى والطاعة له. ولا شكّ في أنّ كل فوز لا
يؤسس له في ضوء المبادئ والقواعد التي عرضنا
لها في بداية هذا الفصل، فلن يكون فوزاً
حقيقياً، لأنّ الفوز الحقيقي هو الذي يوفّر
للإنسان سعادته وسلامته وأمنه في الدنيا، ولا
يضير هذا الفوز أن يكون الإنسان على بلاء وفقر
ومرض وحرمان، لأنّ الأنبياء كانوا كذلك، ولم
يكونوا على خوف وحزن، بل كانوا على أمن وسلام
وطمأنينة وفوز في الدنيا قبل الآخرة.
وإذا كان
بعضهم يتساءل عن سبب الفصل بين الفوز في
الدنيا والفوز في الآخرة في مبحثنا هذا،
فإنّنا نجيبه بأن السبب هو ضرورة أن يعلم
الإنسان أنه منذ أن هبط إلى الأرض ليكون له
فيها مستقرّ ومتاع إلى حين، كانت الغاية ولا
تزال تكميل هذا الإنسان وهدايته إلى سبيل
سعادته وتأمين الفوز له في الدنيا تمهيداً لما
أعدّ له في الآخرة من الفضل والرضوان. وهذا ما
رأينا أنه قابل للبحث والفصل بين ما يظنّه
الإنسان فوزاً وبين الفوز الحقيقي، بحيث يعلم
الإنسان أن شرط فوزه وكماله، هو أن يكون على
هدى من ربه. وأنّ ما اختاره الله تعالى في
حكمته للإنسان هو أن يكون على خطى الأنبياء
والأولياء كادحاً إلى ربّه، كما قال الله
تعالى:﴿ يَا
أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى
رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ﴾
[64] . وبما
أن الكدح لا يكون من خارج هذه الدنيا، فذلك
دليل على أن ما يزعمه بعض الواهمين والمنافقين
من فوز ليس فوزاً، وإنّما هو انخداع شيطاني،
وانجذاب إبليسي هادف إلى تخسير الإنسان في
الدنيا والآخرة، ولهذا، قال الله تعالى هادياً
ومنذراً:﴿
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ
يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
[65] .
قلنا: إنّ مسوّغ الفصل بين الفوز في الدنيا
والفوز في الآخرة، هو التمايز بين ما يراه
الإنسان المؤمن قولاً وفعلاً، وبين ما يراه
المنافق أو المترف في حقيقة الفوز، وقد رأينا
أن الوهم والطمع في المال والثروة كان سبباً
في إطلاق الفوز العظيم على مطامع الدنيا
وملذّاتها. وفي هذا المبحث سنحاول قدر
المستطاع توضيح معنى الفوز في سياق الرؤية
القرآنية، لكون أكثر الآيات قد جاءت به لتؤكّد
على تحققه للمؤمنين في الآخرة بلحاظ كونه
متواصلاً مع الفوز في الدنيا. وهنا تكمن
أهميّة وحقيقة هذا الفوز. ولعلنا أيضاً وفقنا
إلى عرض الأسس والقواعد التي تساعدنا في توضيح
ما أبهم على الباحثين في بحث هذا الموضوع،
وخاصة لجهة تبيان الحقائق التي يرتكز إليها،
والخطوات التي ينبغي اعتمادها للخلوص بهذا
المبحث إلى النتائج المرجوّة. بيد أنّ هذا لا
يعني أن ما عرضنا له في المبحث السابق يتصادم
مع هذا المبحث، بل يتقاطع معه، وذلك من خلال
جملة الآيات التي تحدثت عن الفوز في الآخرة
كامتداد حقيقي للفوز في الدنيا، لأن الدنيا
بذاتها، وفيما جعلت عليه وله لا تشكّل ضمانة
خلاص ما لم تكن الغاية الوصول إلى الرحمة
الإلهية والرضوان الإلهي في الجنّة.
ولا شكّ أيضاً في أنّ ما عرضنا له في المبحث
السابق حول ما اقتضته حقيقة الهبوط الآدمي إلى
الأرض، والقيام بمهمة الخلافة والتكليف كما
أراد الله تعالى، هو مرتكز أساسي في هذا
المبحث لما ذهب إليه الفقهاء وعلماء التفسير
من أن اتباع الهدى الإلهي في الدنيا، كما في
قوله تعالى:﴿
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً
﴾ ، يشكّل أساساً لكل فوز سواء في
الدنيا، أم في الآخرة. يقول العلامة المجلسي
في بحار الأنوار: «إنّ في اتّباع ما جاء به
الأنبياء الفوز العظيم، وفي تركه الخطأ
المبين، إذ جعل في اتباع أمره خير الدنيا
والآخرة لما احتوى عليه كتاب الله تعالى من
أمر وزجر، وحدود، وسنن، وأمثال، وأحكام،
وتعاليم، وقصص وغير ذلك مما هو حجّة على الخلق
إلى يوم القيامة»
[66] .
إنّ في كلام
المجلسي ما يؤكد على أن الفوز إنّما هو في
القرآن الكريم، وفيما جاء به الأنبياء، وما
الآخرة إلاّ عالمٌ لتجلّي
الأعمال، بحيث يكون للناس فيها جزاء أعمالهم.
فإذا فازوا في الدنيا بأمر الله تعالى، فإنّ
الفوز في الآخرة يكون لهم مضاعفاً لقوله
تعالى:﴿
الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ
اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
﴾
[67] .
ومما يجب أن يُعلم أيضاً، ويُستند إليه في
سياق التدليل على تحقق هذا الفوز في الدنيا
على النحو الذي يكون متواصلاً مع الآخرة، قوله
تعالى:﴿
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
(63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ
لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾
[68] .
لقد سبق القول في معنى انتفاء الخوف والحزن
وما يكون لذلك من أثر في حياة الإنسان، وفي
هذه الآية يرشد السياق إلى أن البشرى للذين
آمنوا ليست مجرّدة، أو بشرى منعزلة عن عالم
الآخرة، بل هي بشرى واحدة تجمع بين الدنيا
والآخرة، وذلك لاستحالة الفصل في حقيقة هذه
البشرى، إذ لا يعقل أن يكون الإنسان مبشراً في
الآخرة، وغير متوفّر على البشرى في الدنيا،
فهي حقيقة واحدة، جعلت الدنيا مرتكزاً وسبباً
لها، لأنّ الذين اتقوا هم الذين اتّبعوا أمر
الله تعالى وهداه، فكان لهم الأمن والسلام
والفوز المبين في الدنيا قبل الآخرة. وهنا
نسأل: هل البشرى هي غير الأمن والسلام والفوز
في الدنيا والآخرة؟!
وهنا ينبغي لعاقل أن يتدبّر جيداً معنى قوله
سبحانه:﴿
وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ . يتّقون ماذا؟ يقول علماء التفسير وقولهم
حق، إنّ معنى﴿
لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ
﴾ في
استحقاق هذا الفوز﴿
لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
﴾ يتّقون طاعة غيره، وغير
أوليائه، فجزاهم على ذلك بما صنعوا، فقال الله
تعالى:﴿
لَهُمُ الْبُشْرَى﴾ قبال أعدائهم الذين
خسروا الدنيا والآخرة
[69] ، وهذا الكلام له
مدلوله في السياق القرآني، ومن خلال ضمّ
الآيات بعضها إلى بعض، كما رأينا في الاتجاه
الموضوعي التوحيدي، باعتبار أن الهدى الإلهي
ليس مجرداً عن سياقاته، بل كامناً في الآيات
القرآنية، كما قال الله تعالى:﴿
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ ... ﴾
[70] ، وقال الله تعالى:﴿
أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ
وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ... ﴾
[71] ، إلى غير ذلك من الآيات
التي تكشف عن أن الهدى الإلهي الذي يفوز
الإنسان به، هو هدى حقيقي وله مصاديقه في
الواقع الإنساني، فلا يُقال: إنّ الإيمان
بالله واليوم الآخر وبالأنبياء والعدل وغير
ذلك مما هو من الأصول كافٍ لأن يوصل الإنسان
إلى البشرى، أو إلى الفوز العظيم، بل لا بدّ
أن يكون هذا الهدى على تطبيق كامل في النظرية
والتطبيق معاً، وإنّ أحداً لا يمكنه أن يبدّل
كلمات الله تعالى لتكون له بشرى فيما يريد هو،
بل تكون له فيما يريده الله تعالى للإنسان،
وقد أراد الله تعالى للإنسان أن يكون مؤمناً
وعاملاً للصالحات ومطيعاً لأولياء الله تعالى،
ومتقياً لأعدائه على النحو الذي يجعله مستحقاً
لهذه البشرى ولهذا الفوز، وبما أن مقتضى
منهجنا أن تضمّ الآيات إلى بعضها في موضوع
الفوز.
فلا بدّ أن نعرض لجملة من الآيات التي
توضح مطلبنا، من هذه الآيات، قوله تعالى:﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً (70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
(71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ
كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾
[72] ، وكما نلاحظ أن سياق هذه الآيات يأتي على
التقوى والقول السديد في سياق واحد مع الطاعة
لله ورسوله، ثم جاء عرض الأمانة ليدلّل على أن
المطلوب من الإنسان أن يكون وفيّاً لأمر الله
ونهيه، بحيث يحمل الأمانة بصدق وإخلاص. وإذا
كان العلماء والفقهاء قد رأوا أنّ المقصود هو
عموم الأمانة فيما كلّف به الإنسان من تكاليف،
فقد رأوا أيضاً أنه ما من عام إلاّ وقد خص.
وقد جاء في المعاني عن الإمام الرضا (عليه
السلام) في هذه الأمانة، قال : «الأمانة
الولاية من ادّعاها بغير حق فقد كفر»
[73] ، وفي الكافي عن الإمام الصادق
(عليه السلام) ، «إنّها ولاية أمير المؤمنين
(عليه السلام)»
[74] ، وبغض النظر عمّا اشتملت
عليه الروايات وأسباب النزول، فإنّه لا يسع
الباحث إلاّ أن يتدبّر في سياق هذه الآية
ليعلم أن تخصيص الأمانة بالولاية والإمامة لا
ينافي صحة إرادة عمومها لكل أمانة وتكليف
وشمول الإنسان كل مكلف لما عرفت من تعميم
المعاني وإرادة الحقائق على حدّ تعبير
الكاشاني في تفسيره
[75] . ثمّ إنّه ما معنى أن يكون الإنسان
مطيعاً لله ورسوله، غير أن يكون الإنسان على
بيّنة مما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) ؟ لقوله
تعالى:﴿ وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ ﴾ فهل
دلّنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيّن
لنا معنى الأمانة التي عرضت وحملها الإنسان
وكان ظلوماً جهولاً؟ هل هي التكاليف، أو جملة
الأمانات، أو الولاية؟ هل هي التوحيد أو
العقل؟ أو غير ذلك مما عرض له مكارم الشيرازي
في تفسير الأمثل
[76]
؟
وكيف لنا أن نتعرّف إلى خصوص ما يذهب إليه
السياق، طالما أن كلّ شيء قد بيّنته السنّة
النبويّة، وهذا ما جاء في كتاب سُليم بن قيس،
فإنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد علم
الناس ليس فقط الصلاة والزكاة والحجّ وغير ذلك
من العبادات وحسب، وإنّما علمهم أيضاً أن
يعرفوا ولاة أمرهم ليكونوا مطيعين لهم في كل
زمان ومكان، فلا يُعقل أن يكون الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) قد بيّن للناس معنى﴿
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
﴾ ، ولم يبيّن لهم معنى قوله تعالى:﴿
أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ
وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾
فالعجب كل العجب مما يذهب إليه كثير من
العلماء الذين وصل الأمر ببعضهم إلى أن يقول
بأن الذي عنده علم الكتاب هو عبد الله بن
سلام، وغيره من الصحابة
[77] ، وكأن قوله (صلى الله عليه وآله
وسلم): «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»، لم يكن
معروفاً ولا مشهوراً...؟.
إنّ طاعة الله ورسوله في سياق الآية، ثم عرض
الأمانة، ثم الفوز العظيم، كل ذلك إن دلَّ على
شيء، فإنّه يدلّ على تحقيق الفوز العظيم في
الدنيا وفق شروطه التي أفصح عنها البيان
النبوي في كثير من الآيات والأحاديث، فلا
يُقال: إنّ الكتاب كافٍ بذاته لتحقيق هذا
الفوز طالما أن القرآن يهدي إلى التي هي أقوم،
أي إلى الإمام الهادي إلى سبيل الله، وكيف لا
يكون هذا الأمر صحيحاً، وقد بيّن القرآن أنّ
لكل قوم هادٍ، كما في قوله تعالى:﴿
إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ
هَادٍ ﴾
[78] ، إضافة إلى كثير من الآيات
التي توضح في سياقاتها المختلفة أن الفوز
العظيم لا يتحقق ما لم يؤخذ بشرطه وشروطه
والإمامة هي من شروط هذا الفوز فيما لو أراد
الإنسان فوزاً وخلاصاً وسلامة في الدنيا
والآخرة...
لقد سبق لنا أن عرضنا في مفهوم الفوز المبين
إلى آية السابقين الأولين من المهاجرين
والأنصار، وهي آية، كما ـ رأى العلماء ـ تفيد
في سياقها أن شرط الفوز العظيم فيها هو
الاتباع بإحسان للأولياء والصالحين، حيث قال
الله تعالى:
﴿ وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
[79] .
وقال الله تعالى:﴿
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ
حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ
وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ
اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ
الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
[80] .
وقال الله تعالى:﴿
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾
[81] .
هناك ثلاثة عشر آية من القرآن الكريم جاءت
بلفظ ومفردة الفوز العظيم، وثلاث آيات بلفظ،
وفوزاً عظيماً، وآيتان بلفظ، الفوز المبين،
إضافة إلى آيات كثيرة جاءت بلفظ «الفائزون»،
وغير ذلك مما ختمت به آيات كثيرة، وكلها جاءت
في سياق الإيمان والطاعة والجهاد وعمل
الصالحات والتقوى، والاتباع بإحسان.. فإذا
أراد الباحث أن يضمّ هذه الآيات بحيث يجمع
بينها لبحث موضوع الفوز في القرآن، كما هي
محاولتنا في هذا البحث، فإنّه إن فعل ذلك لا
بدّ أن يخلص إلى النتائج الآتية، وهي:
أولاً: إنّ الفوز العظيم في الآخرة، إنّما
يكون في ضوء حركة الإنسان ووعيه وإيمانه في
الحياة الدنيا، ونقصد بالحركة الواعية أن يكون
الإنسان مطيعاً لله ورسوله، وقائماً بأمر الله
تعالى في الحياة كما أراد الله تعالى.
ثانياً: إنّ سياق الآيات في كثير منها يُفيد
أن تحقق الفوز في الدنيا يجب أن يسبق ما وعد
به الإنسان في الآخرة، وهذا الفوز لكي يتحقق
لا بدّ أن يتوفر الإنسان على شروط وخصائص
ومواصفات بيّنها الهُدى الإلهي فجعلها شرطاً
لكل فوز في الدنيا والآخرة، ولا بدّ من اتباع
الهدى الإلهي حتى لا يضلّ الإنسان ولا يشقى،
وهذا لا يكون إلاّ بالتوفّر على شروط الفوز من
خلال الطاعة والولاية، وقد بيّن الشيخ الطوسي
في تهذيب الأحكام
[82] ، والشيخ المفيد في
الإفصاح
[83] ،
والعلامة المجلسي في البحار
[84] ، أنَّ شراء الأنفس من المؤمنين
لا يكون لمجرّد الجهاد بالنفس والمال، وإنّما
يكون بالتوفر على مواصفات﴿
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ
السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ
الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ
اللَّهِ ﴾ ، لكون هذه الآية جاءت
جواباً على سؤال لرسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم)، هل الآية هي لكل من جاهد في سبيل
الله، أو لقوم دون قوم؟ فقال الإمام أبو
جعفر(عليه السلام) : إنّه لما نزلت هذه الآية
على رسوله سأل بعض أصحابه عن هذا فلم يجبه،
فأنزل الله تعالى عليه عقب ذلك الآية وما
تشتمل عليه من مواصفات، حيث أبان الله تعالى
بها صفات المؤمنين الذين اشترى منهم أنفسهم
وأموالهم، فمن أراد الجنّة فليجاهد في سبيل
الله على هذه الشرائط، وإلاّ فهو من جملة من
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
« ينصر الله هذا الدين بقوم لا خلاق لهم
»
[85] . ومثل هذا الكلام أيضاً يمكن أن
يسمعه الباحث حول قوله تعالى:﴿ وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
بِإِحْسَانٍ .. ﴾ .
يقول الشيخ المفيد: «إنّ الله
سبحانه لا يعد
أحداً بالثواب إلاّ على شرط الإخلاص والموافاة
بما يتوجه الوعد بالثواب عليه، وأجل من أن
يُعرى ظاهر اللفظ بالوعد عن الشروط لما في
العقل من الدليل على ذلك. وإذا كان الأمر
كذلك، فالحاجة ماسة إلى ثبوت أفعال الجميع في
السبق والطاعة لله تعالى في امتثال أوامره
ظاهراً وباطناً على وجه الإخلاص ثم الموافاة
بها على ما ذكرنا حتى يتحقق لهم الوعد بالرضوان
والنعيم المقيم والفوز العظيم
[86] ،
فأين يتاه بالذين يأخذون
بالآيات وفق الرأي والهوى، ويطلقون العنان
لأقلامهم ليقولوا على الله تعالى غير الحق؟ بل
أين هم مما تنطوي عليه آيات الفوز العظيم،
والفوز المبين، والفوز الكبير، من معانٍ
ودلالات تحتّم على كل فقيه، أو باحث أن يتدبّر
فيها ليدرك حقيقة ما يعنيه بيع النفس لله
تعالى، أو أن يكون الإنسان من السابقين
الأولين!؟، أو من الصادقين؟
وكيف كان، فإنّ ما نروم تبيانه في هذا المبحث،
هو أن نستوفي الفكرة الأساسية منه، وهي أن
الإنسان لكي يفوز فوزاً عظيماً، فلا بدّ أن
يكون ممن وصفتهم الآيات، وهنا السؤال الحقيقي،
كم هو عدد أولئك الذين ثقلت موازينهم وربحوا
في تجارة البيع والشراء مع الله تعالى، كما هو
مفاد قوله تعالى:﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ
أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ
عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً
فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾
[87] .
ذلكم هو بيت القصيد، أن يكون الإنسان على
تجارة رابحة في ميدان الإيمان والجهاد لتكون
له جنّات عدنٍ، باعتبار أن الفوز ليس منحةً
إلهية للإنسان بمعزل عمّا يكون عليه في حياته،
ذلك أن الله تعالى لا يخلف في الميعاد، وقد
توعّد العاصين بأن يكونوا في جهنّم، كما قال
الله تعالى:﴿
مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا
لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ
جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا
مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ﴾
[88] .
أما من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن،
فأولئك كان سعيهم مشكوراً، والشكر هو الإثابة
على العمل والقبول له، وقد روي عن النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم): «ومن أراد الآخرة
فليترك زينة الحياة الدنيا»
[89] ، فهو لم يقل طيّبات الدنيا،
وإنّما قال الزينة بما هي حرام وإثم ومعصية
لله تعالى.
مما تقدّم، نستطيع القول: إنّ سياق الآيات
القرآنية في الفوز العظيم يرشد إلى أن هناك
أفراداً في الأمة، في كل أمة، يستحقون أن
يكونوا في مصاف ما أعدّ لهم من النعيم المقيم،
لأن المواصفات التي تعرض لها الآيات تستبطن
الإجابة على كثير من الأسئلة التي قد يخطر
لبعضهم أن يسألها أو يناقش بشأنها، وذلك أن
الآيات فيما تبدأ به وتنتهي إليه من فوز عظيم،
أو مبين، أو كبير، هي غالباً ما ترشد إلى
الأنبياء والأولياء والتابعين لهم بإحسان، بل
إنها في كثير من سياقاتها ترشد إلى المصداق
الأكبر في مجال التحقق الحياتي للإنسان، على
اعتبار أن لكل وصف مصاديقه، كما قال الله
تعالى:﴿
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ
الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ
تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾
[90]
.
فالآية، كما نرى، تأتي على ذكر الصدق في
القول والعمل، وكلّنا يعلم أن مصداق هذا الوصف
له تجلّياته في القرآن الكريم، كما قال الله
تعالى:﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ
﴾
[91] ، وهذا أمر إلهي يقضي
باتباع الصادقين
[92] ، وهل يمكن أن يأمر الله تعالى بإطاعة من
يأتي بالذنب أو المعصية، أو غير ذلك مما نهى
الله عنه؟ وقد بيّن علماء الأصول أنه أمر
يستحيل أن يجتمع مع نهي في كلام الله تعالى
وفي فعل واحد؛ ما يعني أن يكون الصادق قدوة
ومعصوماً، وهذا الإنسان المعصوم هو المصداق
الأبرز فيما ترشد إليه الآية من صدق ونفع،
ويمكن للباحث أن يتأمّل فيما ذكره المفيد في
فهم هذا الكلام الإلهي ومدلوله في المسائل
العكبرية
[93] .
إنّ الله تعالى لا يأمر وينهى في فعل واحد،
فهذا أمر لا يقبل من الإنسان، فكيف يقبل من
الله تعالى. وعليه، فإنّ معنى أن يكون الفوز
محققاً للإنسان، أن يكون لهذا الفوز قدوة في
حياة الإنسان، وإلاّ استحال تحقيق هذا الفوز.
ولهذا، فإنّ الله تعالى قد خلق الخليفة قبل
الخليقة، وجعله قبل الخلق ومع الخلق، وبعد
الخلق
[94] ، هذا الخلق إنّما كان من الله
تعالى بهدف إيصال الإنسان إلى كماله من خلال
الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر الذين أذهب
الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. وإن كنّا قد
أغفلنا الحديث عن بعض المطالب، فذلك لم يكن
سهواً منّا عن التفصيل في سياق هذا المبحث،
وإنّما أردنا أن نوضّح الحقيقة التالية، وهي
أن الفوز العظيم لا بدّ أن تكون الدنيا منطلقه
وصيرورته تمهيداً للآخرة، وقد أخفق الكثيرون
في تحقيق هذا الفوز لكونهم اختاروا غير سبيل
المؤمنين، وزهدوا في الدنيا على غير وجه
اليقين، واختاروا أن يكونوا من الخاسرين، فكان
لهم ما أرادوا فيما اختاروه لأنفسهم من اجتهاد
في الدين والدنيا، كما قال الله تعالى:﴿
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى
الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ
النَّارِ ﴾
[95] . أما الذين
اتبعوا سبيل الله تعالى، فلهم جنّات عدنٍ، كما
قال الله تعالى:﴿
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ
الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ
آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ
السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
﴾
[96] .
[1] سورة البقرة، الآيتان: 31 ـ 32.
[2] سورة البقرة، الآية: 247.
[3] الشيخ المفيد، الإرشاد، م. س، ص104.
[4] الإمام علي، المعجم المفهرس لألفاظ نهج
البلاغة، محمد دشتي، دار الأضواء، بيروت،
1986، الكتاب: 31.
[5] مطهري، مرتضى، المفهوم التوحيدي للعالم،
دار التيار الجديد، بيروت، 1985، ص80.
[6] اليزدي، محمد تقي المصباح، معارف القرآن،
تعريب الخاقاني، الدار الإسلامية، بيروت، ط1،
1989، ج1، ص261.
[7] سورة الزمر، الآية: 4.
[8] يقول محمد رضا المظفّر في أصول الفقه:
«إنّ كل ما ورد على لسان الشرع من الأوامر في
موارد المستقلات العقلية لا بدّ أن يكون
تأكيداً لحكم العقل لا تأسيساً» انظر: أصول
الفقه، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط2، 1990، ج1،
ص207.
[9] سورة البقرة، الآية: 36.
[10] سورة البقرة، الآية: 38.
[11] سورة الانعام، الآية: 82.
[12] الثعالبي، أبو منصور (429هـ)، الإعجاز
والإيجاز، دار النفائس، بيروت، ط1، 1992، ص15
ـ 16.
[13] سورة الإسراء، الآية: 15.
[14] مغنية، محمد جواد، علم أصول الفقه، م. س،
ص257.
[15] سورة الأعراف، الآيتان: 35 ـ 36.
[16] اليزدي، محمد تقي المصباح، معارف القرآن،
م.س، ج4، ص16.
[17] سورة فاطر، الآية: 24.
[18] الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان،
م. س، ج7، ص357، وج4، ص32 ـ 33، وج11، ص355.
[19] الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير
القرآن، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط3، 1974،
ص420.
[20] الزمخشري، تفسير الكشاف، م. س، ج1، ص24.
[21] سورة طه، الآية: 50.
[22] سورة محمد، الآية: 17.
[23] سورة الفاتحة، الآية: 6.
[24] الزمخشري، الكشاف، م. س، ج1، ص25.
[25] يقول الأستاذ الشهيد مطهري: «إنّ الحياة
التي ينشدها القرآن هي التي يخرج الإنسان بها
من الظلمات إلى النور، ومن ظاهرة الموت التي
تجعل الإنسان أرضاً صلدة غير قابلة لتقبّل
كلمة الحق إلى ظاهرة الحياة التي يستجيب فيها
لأمر الله تعالى، لكن هذه الاستجابة لا تحقّق
فيمن انعدمت فيه كل مظاهر الحياة الإنسانية،
كما قال الله تعالى:﴿
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ
الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ
الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ
﴾
[النمل: 80] .
انظر: مطهري، إحياء الفكر في الإسلام، دار
التيّار الجديد، بيروت، ط3، 1986، ص22 ـ 23.
[26] مغنية، محمد جواد، مذاهب فلسفية، دار
التيّار الجديد، بيروت، ط4، 1984، ص40.
[27] الصدر، محمد باقر، المدرسة القرآنية،
الدار العالمية، بيروت، ط1، 1989، ص43، ورا:
كتاب الصدر، الإسلام يقود الحياة، دار
التعارف، بيروت، ط1، 1990، ص43. وقا: مع محمد
يوسف موسى، الإسلام والحياة، دار العصر
الحديث، بيروت، ط2، 1991، ص215.
[28] سورة الأنفال، الآية: 24.
[29] سورة الأنعام، الآية: 122.
[30] سورة الإسراء، الآيتان: 18 ـ 19.
[31] انظر: الخوئي، حبيب الله الهاشمي، منهاج
البراعة في شرح نهج البلاغة، طهران، المطبعة
الإسلامية، ط4، ج12، 1360، ص37.
[32] سورة الأنعام، الآية: 160.
[33] الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، مكتب
الإعلام الإسلامي، طهران، 1418هـ، ط1، ج1،
ص355.
[34] قال الإمام علي (عليه السلام) : ألا إنّ
الآخرة قد أقبلت والدنيا قد أدبرت، ولكل منهما
بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من
أبناء الدنيا، فإنّ كل ولد سيلحق بأمّه يوم
القيامة، وإنّ اليوم عمل بلا حساب، وغداً حساب
بلا عمل».
انظر: الديلمي، الحسن بن محمد، إرشاد القلوب،
الوفاة القرن الثامن، ط2، 1415هـ، قم،
انتشارات الشريف الرضي، ج1، ص191.
[35] سورة النساء، الآيات: 72 ـ 74.
[36] الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق
نصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، طهران،
ط1، 1409، ج3، ص255.
[37] م. ع، ص256.
[38] الطبرسي، تفسير مجمع البيان، (ت 548)،
مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، 1995م، ج3، ص129.
[39] الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج1،
ص221.
[40] الزمخشري، الكشاف، م. س، ج1، ص522.
[41] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان، م. س،
ج4، ص428.
[42] قد يتعجب الباحث مما ذهب إليه العلاّمة
الطباطبائي بان المفسرين تصرّفوا في ظاهر
اللفظ من غير وجه!؟ وإذا كان لنا من رأي في
كلام العلاّمة، فإنّنا نرى أنّ ما ذهب إليه
يحتاج إلى مناقشة أيضاً من عدّة وجوه.
أولاً: هو يرى أن الآية تخاطب المؤمنين ولا
وجه لصرفها إلى المنافقين، ويرى أيضاً أن الذي
دعا المفسرين إلى التصرف بظاهر اللفظ من غير
وجه هو حسن الظنّ بالمسلمين في صدر الإسلام
وكل من لقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
وآمن به، والبحث التحليلي فيما ضبطه التاريخ
من سيرتهم مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
يضعّف هذا الظنّ. را: الميزان، م. س، ج4، ص429
ـ 430.
ثانياً: إن خلاصة رأي العلامة الطباطبائي، هي
أن هؤلاء لم يكونوا منافقين، بل كانوا ضعفاء
الإيمان، ويسوّغ لرأيه بأن مجتمع صدر الإسلام
كان مجتمعاً فاضلاً يتقدمه رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم)، وكان حال هذا المجتمع
كحال كل المجتمعات فيه الصالح والطالح،
وبعبارة العلاّمة حرفياً: «إنّ مؤمني صدر
الإسلام كسائر الجماعات البشر فيهم المنافق
والمريض قلبه والمتّبع هواه والطاهر سرّه».
ثالثاً: يستدلّ العلاّمة على صوابية رأيه
بجملة من الآيات من بينها آيات سورة الفتح:﴿
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ
مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ ، وآية سورة النساء
التالية للآيات موضوع المناقشة:
﴿
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ...
﴾ وهو يرى أنّ في هذه الآية
بالذات ما يفيد أن هؤلاء جميعاً كانوا مؤمنين،
قد شروا بإسلامهم لله تعالى الحياة الدنيا
بالآخرة!..
إنّ مناقشة رأي العلاّمة يقتضي منا ملاحظة
أمرين: الأول: هو ما أشار إليه العلاّمة في
أول تفسير الآيات حيث رأى أنّ النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) خرج إلى أُحد في ألف رجل ثم
رجع منهم ثلاثماية من المنافقين مع عبد الله
بن أبي... را: الميزان، ج4، ص420. الثاني: إنّ
العلاّمة نفسه يرى أن مجتمع صدر الإسلام كسائر
المجتمعات البشرية فيه المنافق والمريض
والطاهر ومتّبع الهوى، فإذا كان الحال كذلك،
فلما يرد العلاّمة قول المفسرين فيما ذهبوا
إليه بأن الآية تعني المنافقين، هذا أولاً.
ثانياً: إذا كانت آيات سورة الفتح التي استدل
بها على إيمان هؤلاء ونفي النفاق عنهم، فلماذا
لم يلحظ العلاّمة ما جاء في السورة ذاتها عن
الذين تخلفوا عن الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) في البداية، ثم عزموا على اللحاق به بعد
أن اطمأنّوا إلى الغنيمة، وقالوا
﴿
بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لَا
يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ ، بعد أن ظنّوا أن لن ينقلب الرسول
والمؤمنون إلى أهليهم أبداً، أليس في هذه
الآية ما يدلّ على نفاقهم!؟
فإذا قال العلاّمة: إنّ سياق الآيات يُفيد
أنهم أهل إيمان ولسنا ننفي حالة النفاق عن بعض
أفراد المجتمع الإسلامي بعد أن صرحنا بذلك،
ومقتضى علم التفسير أن تكون أمناء على تفسير
النصّ.
قلنا: صحيح هذا الكلام، ولكن من يقول أن ما
تذهبون إليه ليس صرفاً للظاهر عن وجهه طالما
اعترفتم أنّ عبد الله بن أبي المنافق قد رجع
مع المنافقين وليس مع المرضى أو الظالمين، أو
الضعفاء من أهل الإيمان! كما أن ما تذهبون
إليه من تفريع آية القتال من الحثّ على
الجهاد، فإنّ هؤلاء جميعاً مؤمنون هو أول
الكلام وليس آخره، وسورة الفتح مثلما أنها
تتحدّث عن صفات المؤمنين وفضائلهم الاجتماعية
المطلقة، هي أيضاً تتحدّث عن المنافقين،
فلماذا تستدل بها على إيمانهم ولا نستدل بها
على نفاق من تمنّى أن يكون مع المؤمنين للفوز
بالغنيمة؟ والله أعلم بحقائق الأمور.
[43] الطبرسي، مجمع البيان، م. س، ج3، ص129.
[44] سورة الفتح، الآية: 15.
[45] سورة الفتح، الآية: 13.
[46] شبّر، عبد الله، تفسير القرآن، مؤسسة
الأعلمي، بيروت، ط1، 2009، ص643.
[47] يقول العلامة الطباطبائي في فهم كلام
الصادق (عليه السلام) : إنّ المراد بالشرك في
كلامه (عليه السلام) ، الشرك المعنوي لا الكفر
الذي يسلب ظاهر أحكام الإسلام ممّن تلبّس به.
انظر: الميزان، م. س، ج4، ص433.
[48] سورة القصص، الآية: 77.
[49] را: الشريف الرضي، حقائق التأويل، مؤسسة
البعثة، إيران، 1406هـ، ج1، ص168.
[50] سورة الأعراف، الآية: 32.
[51] را: الشيخ المفيد، الإرشاد، م. س، ص157.
[52] م. ع، ص156.
[53] انظر: آملي، جوادي، الإمام علي الرضا
والقرآن، دار الصفوة، بيروت، ط1، 1994، ص81 ـ
85.
[54] مطهري، مرتضى، إحياء الفكر في الإسلام،
م. س، ص46.
[55] م. ع، ص47.
[56] قال الله تعالى:﴿
وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ
لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا
تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ
اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ
وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ
﴾ [البقرة: 167] .
[57] الإمام علي (عليه السلام) ، المعجم
المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، م. س، الخطبة:
142.
[58] سورة إبراهيم، الآيتان: 28 ـ 29.
[59] سورة الكهف، الآيات: 34 ـ 36. هناك لطيفة
قرآنية يجدر بالباحث التدبّر بها والاستيقـاظ
لها، حيث نرى أن القرآن في سورة النساء بيّن
حال المنافقين فيما ذهبوا إليه، حيث قال الله
تعالى:﴿
وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ
أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ
شَهِيداً ﴾ ، وفي سورة الكهف، آية 36، قال الله
تعالى:﴿
وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ
خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً ﴾ إذ في الآية الأولى يقول
المنافق:﴿
وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ
خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً ﴾ ،
وفي هذه يقول المتكبّر:﴿
قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ
أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً ... ﴾
فما السرّ يا ترى بأن هؤلاء يؤمنون بالله
تعالى وينسبون النعمة والفضل له، ثم تراهم لا
يعبرون عن هذا الإيمان في الظاهر، بحيث يكون
فعلهم انعكاساً وتعبيراً عن إيمانهم؟ يقول
العلاّمة مغنية في الإجابة على هذا السؤال:
«إنه نفاق بإظهار الإسلام والإيمان بالرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) وإضمار الكفر
بنبوّته، وهذا لا يتنافى مع الإقرار بالخالق،
فما كلّ من آمن بالله آمن بالنبي (صلى الله
عليه وآله وسلم)، وقد أخبر الله أن من الناس
مَن يؤمن به، وفي الوقت نفسه يؤمن بغيره، أو
بمن يقرّبه إليه زلفى؛ كما قال الله تعالى:﴿
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا
وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ .
ومن هذه اللطيفة القرآنية نعود بالكلام إلى
العلاّمة الطباطبائي لنؤكّد له أن آيات سورة
النساء لم يتصرف بها الفقهاء وعلماء التفسير
على النحو الذي يكون فيه التصرف بالظاهر على
غير وجه، بل هو وجه حقيقي لمنطوق ومفهوم الآية
المباركة، التي قد يصحّ القول فيها أنها تعني
المنافقين ليس إلاّ...
انظر: مغنية، محمد جواد، تفسير الكاشف، دار
العلم للملايين، بيروت، ط3، 1981، ج2، ص376.
[60] قال الله تعالى:﴿
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن
قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
(42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا
تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُواْ مَا
ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا
فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم
بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ
﴾ [الأنعام: 42 ـ 44] .
[61] سورة الأنعام، الآية: 82.
[62] سورة الروم، الآية: 30.
[63] مطهري، مرتضى، المفهوم التوحيدي للعالم،
دار التيّار الجديد، بيروت، 1985، ص80.
[64] سورة الانشقاق، الآية: 6.
[65] سورة النور، الآية63.
[66] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار (ت
1111)، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1983م، ج64، ص55.
[67] سورة التوبة، الآية: 20.
[68] سورة يونس، الآيات: 62 ـ 64.
[69] انظر: المازندراني، محمد صالح، شرح أصول
الكافي، (ت 1081هـ)، طهران، ج1، 222.
[70] سورة المائدة، الآية: 55.
[71] سورة النساء، الآية: 59.
[72] سورة الأحزاب، الآيات: 70 ـ 72.
[73] الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج1،
ص270، يروي عن القمي أنّ الأمانة هي الولاية
والإمامة والأمر والنهي، والدليل على أن
الأمانة هي الإمامة، قوله تعالى:﴿
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58] .
[74] انظر: البحراني، هاشم، البرهان في تفسير
القرآن، دار الهادي، بيروت، ط4، 1992، ج3،
ص331.
[75] م. ع، ص250.
[76] الشيرازي، ناصر مكارم، تفسير الأمثل،
مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، 2007، ج10، ص494.
[77] انظر: الواحدي النيسابوري، (ت 418هـ)
تحقيق صفوان عدنان، ط1، 1415هـ، دمشق، دار
القلم، ج1، ص302. والعجب العجاب أن يُقال في
قوله تعالى:﴿
وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ ، هم مؤمنو أهل الكتاب
وكانت شهادتهم قاطعة لقول أهل الخصوم...
وقالوا عن قتادة: هو عبد الله بن سلام وسلمان
الفارسي، وآخرون قالوا: هو الله تعالى باعتبار
أن السورة مكية وعبد الله أسلم في المدينة أما
الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، فهو يقول:
عن أبي سعيد الخدري قال: سألت رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) عن قوله تعالى:﴿
وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب». را:
ج1، ص400، مرجع سابق.
[78] سورة الرعد، الآية: 7.
[79] سورة التوبة، الآية: 100. في الكافي
والعياشي عن الإمام الصادق (عليه السلام)
قوله: فبدأ بالمهاجرين الأولين على درجة سبقهم
ثم ثنّى بالأنصار، ثم ثلّث بالتابعين بإحسان
فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده
(رضي الله عنهم) بقبول طاعتهم وارتقاء أعمالهم
(ورضوا عنه) بما نالوا من نعمه الدينية
والدنيوية... وذلك هو الفوز العظيم.
[80] سورة التوبة، الآية: 111.
[81] سورة الحديد، الآية: 12.
[82] الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام،
تحقيق حسن الخرسان، دار الكتب الإسلامية، ط4،
1356هـ، ج6، ص130.
[83] الشيخ المفيد، الإفصاح في إمامة أمير
المؤمنين، تحقيق مؤسسة البعثة، قم، ط1،
1410هـ، ج1، ص148.
[84] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، م. س،
ج89، ص35.
[85] الطوسي، تهذيب الأحكام، م. س، ج89، ص35.
[86] المفيد، الإفصاح، م. س، ج1، ص78.
[87] سورة الصف، الآيات: 10 ـ 12.
[88] سورة الإسراء، الآية: 18.
[89] في المجمع عن النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) في معنى الآية:﴿
مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا
﴾ بعمله
افترضه الله عليه لا يريد به وجه الله والدار
الآخرة، عجّل له ما يشاء الله من عرض الدنيا
وليس له ثواب الآخرة، وذلك أن الله تعالى
يؤتيه ذلك ليستعين به على الطاعة فيستعمله في
المعصية فيعاقبه الله عليه».
را: الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج2،
ص210.
[90] سورة المائدة، الآية: 119.
[91] سورة التوبة، الآية: 119.
[92] هناك جملة من الآيات التي يستكشف الباحث
من خلالها أن الصادقين قد عرّفوا في القرآن
على النحو الذي لا يبقى مجالاً للشك بأن
الصادق الذي يأمر الله تعالى باتباعه هو
المؤمن على هدى الله، وهنا نسأل هل من الصدفة
أن يكون رقم آية:﴿
يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ ﴾ ، هو ذاته رقم آية:﴿
وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ ؟ هذا للتدبّر، ثم إن جملة الآيات كما
أشرنا توضّح أن من يتوفّر على صفاتها لا يكون
أي انسان اتفق، بل هو الإنسان الذي يأمر الله
تعالى باتباعه. والآيات هي الآتية:
قال الله تعالى:﴿
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ
وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15] .
وقال الله تعالى:﴿
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُواْ مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ
وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
﴾ [الحشر: 8] .
وقال الله تعالى:﴿
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ
قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى
حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ
الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ ﴾
[البقرة: 177] .
[93] يقول الشيخ المفيد في المسائل العكبرية
في تفسير قوله تعالى:﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ
﴾ .
وقد ثبت أن المنادَى به غير المنادَى إليه،
وأن المأمور بالاتباع غير المدعو إلى اتباعه،
فدلّ ذلك على أن المأمورين باتباع الصادقين
ليسوا هم الأمة بأجمعها، وإنّما هم طوائف
منها، وأن المأمور باتباعه غير المأمور
بالاتباع، ولا بدّ من تمييز الفريقين بالنص،
وإلاّ وقع الالتباس وكان فيه تكليف ما لا
يطاق، فلمّا بحثنا عن المأمور باتباعه وجدنا
القرآن دالاً عليه في قوله تعالى:﴿
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ
قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى
حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ
الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ ﴾ . فذكر سبحانه فعالاً تقتضي
لصاحبها بمجموعها التصديق والصدق، ودلّ على
أنه عنى بالصادقين الذين أمروا باتباعهم من
جمع الخلال التي عددناها دون غيره.. ولم نجد
أحداً كملت له هذه الخصال المذكورة في القرآن
من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
إلاّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ...
را: أجوبة المسائل الحاجبية أو المسائل
العكبرية، للشيخ المفيد، محمد بن النعمان،
مجمع البحوث الإسلامية، بيروت، ط1، 992، ص61 ـ
62.
[94] را: الصدوق، محمد بن بابويه، كمال الدين
وتمام النعمة، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1،
1991، ص16.
[95] سورة غافر، الآية: 6.
[96] سورة غافر، الآيتان: 8 ـ 9.