وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ
عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ
نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى
عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ
خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن
يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ
عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ
اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُواْ
فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ
مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ
عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) وَالَّذِينَ
اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ
مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى
وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لاَ تَقُمْ فِيهِ
أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ
أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن
يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ
أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ
أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ
فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي
بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ
قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ
الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ
وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ
فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111).
مَرَدُوا على النفاق: أي ثبتوا
عليه، واتقنوا أساليبه يقال: شيطان مارد ومريد أي عاتٍ وعنيد.
سكن: المراد بالسكن هنا راحة النفس
واطمئنانها.
مُرجون: الإرجاء التأخير.
ضراراً: الضرار طلب الضرر ومحاولته.
إرصاداً: الارصاد الارتقاب.
شفا: الحرف، يقال: اشفى على كذا إذا
دنا منه.
الجرف: جانب الوادي الذي ينجرف
بالماء، وأصله الاجتراف.
هارٍ: من الانهيار.
{وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ
عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ} (100)
ليس مدلول الآية أن من صدق عليه أنه
مهاجر أو أنصاري أو تابع، فإن الله قد رضي عنه رضاً لا سخط بعده
أبداًَ وأوجب في حقه المغفرة والجنة سواء أحسن بعد ذلك أو أساء،
إتقى او فسق فالحكم بالآية مقيد بالإيمان والعمل الصالح، بمعنى ان
الله سبحانه إنما يمدح من المهاجرين والأنصار والتابعين من آمن به
وعمل صالحاً.
{وَمِمَّنْ
حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ
نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى
عَذَابٍ
عَظِيمٍ} (101)
أي ممن حولكم أو حول المدينة من
الأعراب الساكنين في البوادي، منافقون مرنوا على النفاق، ومن اهل
المدينة منافقون معتادون على النفاق لا تعلمهم انت يا محمد نحن
نعلمهم، سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم.
{وَآخَرُونَ
اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ
سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (102)
يعني ومن الأعراب جماعة آخرون
مذنبون لا ينافقون مثل غيرهم، بل اعترفوا بذنوبهم، لهم عمل صالح
وعمل اخر سيّئ خلطوا هذا بذلك من المرجو ان يتوب الله عليهم إن
الله غفور رحيم.
{خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (١٠٣)
خاطب سبحانه النبي (ص) وأمره بأخذ
الصدقة من أموال هؤلاء التأبين تشديداً للتكليف وليست بالصدقة
المفروضة بل هي على سبيل الكفارة للذنوب التي أصابوها، وتطهيراً
لهم وتكفيراً لسيئاتهم، وإدع لهم بقبول صدقاتهم كما يقول الداعي
آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت.
{أَلَمْ
يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (١٠٤)
إستفهام يراد به التنبيه على ما يجب
أن يعلم فالمخاطب إذا رجع الى نفسه وفكّر فيما نبّه عليه علم وجوبه
وإنما وجب أن يعلم أن الله يقبل التوبة لأنه إذا علم ذلك كان ذلك
داعياً الى فعل التوبة والتمسك بها والمسارعة إليها وما هذه صورته
يجب العلم به ليحصل به الفوز بالثواب والخلاص من العقاب والسبب فيه
أنهم لما سألوا النبي (ص) أن يأخذ من أموالهم ما يكون كفارة
لذنوبهم إمتنع من ذلك إنتظاراً لإذن من الله سبحانه فيه فبيّن الله
أنه ليس قبول التوبة الى النبي (ص) وإن ذلك الى الله عزّ إسمه فإنه
الذي يقبلها ويقبل الصدقات ويضمن الجزاء عليها، ويهب الرحمة
والمغفرة لمن تاب.
{وَقُلِ
اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
(١٠٥)
وقل يا محمد: اعملوا ما شئتم من عمل
خيراً أو شراً فسيشاهد الله سبحانه حقيقة عملكم ويشاهده رسوله
والمؤمنون "وهم شهداء الأعمال" ثمّ تردون الى الله عالم الغيب
والشهادة يوم القيامة فيريكم حقيقة عملكم.
{وَآَخَرُونَ
مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا
يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (١٠٦)
أي مؤخرون موقوفون لما يرد من أمر
الله تعالى فيهم، فأمرهم عندكم على هذا أي على الخوف والرجاء، ولا
سبب عندهم يرجح لهم جانب العذاب أو جانب المغفرة، فأمرهم يؤول الى
أمر الله ما شاء واراد فيهم فهو النافذ في حقهم.
{وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى
وَاللَّهُ
يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
(١٠٧)
إن جماعة من بني عمرو بن عوف بنو
مسجد قُبا وسألوا النبي (ص) أن يصلي فيه فصلى فيه، فحسدهم جماعة من
بني غنم بن عوف وهم منافقون فبنوا مسجداً الى جنب مسجد قبا ليضروا
به ويفرقوا المؤمنين، وينتظروا لأبي عامر الراهب الذي وعدهم ان
يأتيهم بجيش من الروم، وقد أخبر الله سبحانه عنهم أنهم ليحلفن إن
أردنا من بناء هذا المسجد إلاّ الفعلة الحسنى، وشهد تعالى بكذبهم.
{لَا تَقُمْ
فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ
يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ
يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (١٠٨)
أي لا تقم للصلاة في مسجد الضرار
ابداً، أقسم، لمسجد قبا الذي هو مسجد أسس على تقوى الله من أول يوم
أحق وأحرى أن تقوم فيه للصلاة، وذلك أن فيه رجالاً يحبّون التطهّر
من الذنوب أو من الارجاس والأحداث والله يحب المطهرين وعليك أن
تقوم فيهم.
{أَفَمَنْ
أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ
خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ
فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ} (١٠٩)
يعني أنه لا يستوي عمل المتقي وعمل
المنافق فإن عمل المؤمن المتقي ثابت مستقيم مبني على اصل صحيح ثابت
وعمل المنافق ليس بثابت وهو واهٍ ساقط وقد شبه سبحانه بنيانهم على
نار جهنم بالبناء على جانب نهر هذا صفته فكما ان من بنى على جانب
هذا النهر فإنه ينهار بناؤه في الماء ولا يثبت فكذلك بناء هؤلاء
ينهار ويسقط في نار جهنم، ويتركهم وما اختاروا.
{لَا
يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ
إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
(١١٠)
المعنى أن أهل مسجد ضرار امتلأت
قلوبهم حقداً وغيظاً بسبب هدمه، ولا يزال هذا الحقد والغيظ يفتك في
قلوبهم حتى يقطعها ارباً إرباً.
{إِنَّ
اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم
بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي
التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ
مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم
بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111)
الله سبحانه يذكر في الآية وعده
القطعي للذين يجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم بالجنة ويذكر
أنه ذكر ذلك في التوراة والإنجيل كما يذكره في القرآن، وقد جعله في
قالب التمثيل، فصور ذلك بيعاً، وجعل نفسه مشترياً والمؤمنين
بائعين، وأنفسهم وأموالهم سلعة ومبيعاً، والجنة ثمناً، والتوراة
والإنجيل والقرآن سنداً للمبايعة، وهو من لطيف التمثيل، ثم يبشر
المؤمنين ببيعهم، ويهنئهم بالفوز العظيم.
التَّائِبُونَ
الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ
السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ
الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ (112) مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي
قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ
الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ
إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ
لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ
لأوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا
بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ
إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللّهَ لَهُ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم
مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (116) لَقَد تَّابَ
الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ
قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ
رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ
حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ
وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ
مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ
إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ
الصَّادِقِينَ (119) مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ
حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ
اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ
فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ
وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ
عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
(120) وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ
يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ
أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (121) وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ
فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ
وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ (122).
لأوّاه: الأواه كثير التأوه والتحسر
مأخوذ من أوه كلمة توجع.
العسرة: الشدة والضيق.
الزيغ: الميل.
خلّفوا: تخلفوا وتأخروا.
الرحب: السعة ومنه مرحباً أي وسعك
المكان.
النصب: التعب.
المخمصة: المجاعة.
الموطىء: الأرض.
النفر: الخروج للجهاد.
الفرقة: الجماعة الكثيرة.
الطائفة: الجماعة القليلة.
التفقه: تعلّم الفقه.
{التَّائِبُونَ
الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ
السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ} (١١٢)
يصف سبحانه المؤمنين الذين اشترى
منهم الأنفس والأموال بأوصاف هي: (التائبون) أي الرجعون الى طاعة
الله والمنقطعون إليه النادمون على ما فعلوه من القبائح، والذين
يعبدون الله وحده ويتذللون له بطاعته في اوامره ونواهيه، والذين
يحمدون الله على كل حال والصائمون والمّؤدون للصلاة المفروضة التي
فيها الركوع والسجود، وأما بالنسبة الى دورهم في المجتمع فهم آمرون
بالمعروف وناهون عن المنكر ثم هم قائمون بطاعة الله يؤدون فرائضه
وأوامره ويجتنبون نواهيه لأن حدود الله أوامره ونواهيه، ثم امر
سبحانه نبيّه أن يبشر المصدقين بالله المعترفين بنبوته بالثواب
الجزيل والمنزلة الرفيعة خاصة إذا جمعوا هذه الأوصاف. وقد روي أن
هذه صفات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لأنه لا يكاد يجمع هذه
الأوصاف على تمامها وكمالها غيرهم ولقي الزهري علي بن الحسين (ع)
في طريق الحج فقال له تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت الى الحج والله
سبحانه يقول (إن الله اشترى من المؤمنين) الآية فقال (ع) له أتم
الآية الأخرى (التائبون العابدون) الى آخرها ثم قال إذا رأينا
هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج.
{مَا كَانَ
لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا
لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (١١٣)
معناه ان النبي والذين آمنوا بعد ما
ظهر وتبيّن بتبيين الله لهم أن المشركين أعداء الله مخلّدون في
النار، لم يكن لهم حق يملكون به أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا
أولي قربى منهم.
{وَمَا
كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ
وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ
لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}
(١١٤)
أي وأما استغفار إبراهيم لأبيه
المشرك فإنه ظن أنه ليس بعدو معاند لله وإن كان مشركاً فاستعطفه
بوعد وعده إياه فاستغفر له، فلما تبين له أنه عدو الله معاند على
شركه وضلاله تبرّأ منه.
{وَمَا كَانَ
اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ
لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
(١١٥)
تهديد للمؤمنين بالاضلال بعد
الهداية إن لم يتقوا ما بين الله لهم أن يتّقوه ويجتنبوا منه، وهو
بحسب ما ينطبق على المورد ان المشركين أعداء الله لا يجوز
الاستغفار لهم والتودد إليهم، فعلى المؤمنين أن يتقوا ذلك وإلاّ
فهو الضلال بعد الهدى.
{إِنَّ
اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ
وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}
(١١٦)
أي إن الله سبحانه هو الذي يملك كل
شيء وبيده الموت والحياة فإليه تدبير كل أمر فهو الوليّ لا وليّ
غيره.
{لَقَد
تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا
كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ
إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (117)
المراد بالتوبة على النبي (ص) محض
الرجوع اليه بالرحمة، ومن الرجوع اليه بالرحمة، الرجعة الى امته
بالرحمة، فالتوبة عليهم توبة عليه فهو (ص) الواسطة في نزول الخيرات
والبركات الى أمته وفي المجمع ذكر أن الآية نزلت في غزوة تبوك وما
لحق المسلمين فيها من العسرة حتى همّ قوم بالرجوع ثم تداركهم لطف
الله سبحانه.
{وَعَلَى
الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ
عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ
أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ
إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (118)
الآية نزلت في شأن كعب بن مالك
ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وذلك انهم تخلفوا عن رسول الله
(ص) ولم يخرجوا معه الى تبوك لا عن نفاق ولكن عن توان، فلما قدم
النبي (ص) المدينة جاءوا إليه واعتذروا فلم يكلمهم النبي (ص)
وهجرهم الناس فضاقت عليهم المدينة وخرجوا الى الجبال يتضرعون الى
الله ويتوبون اليه فقبل الله توبتهم.
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ
الصَّادِقِينَ} (119)
الآية تأمر المؤمنين بالتقوى واتباع
الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وجهادهم.
{مَا كَانَ
لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن
يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ
بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ
ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ
يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ
عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ
اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (120)
الآية تسلب حق التخلف عن النبي (ص)
من أهل المدينة والأعراب الذين حولها، ثم تذكر أن الله قابل هذا
السلب منهم بأنه يكتب لهم في كل معصية تصيبهم في الجهاد من جوع
وعطش وتعب وفي كل أرض يطأونها فيغيظون به الكفار او نيل نالوه
عملاً صالحاً فإنهم محسنون والله لا يضيع اجر المحسنين.
{وَلاَ
يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ
وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (121)
ثم ذكر تعالى ان نفقاتهم صغيرة
يسيرة كانت او كبيرة خطيرة، وكذا كل واد قطعوه، فإنه مكتوب لهم
محفوظ لأجلهم ليجزوا به أحسن الجزاء.
{وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن
كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي
الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (122)
لا يجوز لمؤمني البلاد ان يخرجوا
الى الجهاد جميعاً، فهلاّ نفر وخرج الى النبي (ص) طائفة من كل فرقة
من فرق المؤمنين ليتحققوا الفقه والفهم في الدين، فيعملوا به
لأنفسهم ولينذروا بنشر معارف الدين قومهم إذا رجعت هذه الطائفة
اليهم لعلهم يحذرون ويتقون.
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ
الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ
اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ
فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ
كَافِرُونَ (125) أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي
كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ
هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ
انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ
يَفْقَهُون (127) لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ
حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129).
الذين يلونكم: أي من كانت بلادهم
قريبة لبلدكم.
الغلظة: الشدة.
عزيز عليه: أي شاق عليه.
عنتُّم: العنت الشدة والمشقة.
حريص: الحرص على الشيء الشح به
لشديد الرغبة به.
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم
مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ
أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (123)
أي قاتلوا من قرب منكم من الكفار
الأقرب منهم فالأقرب في النسب والدار وليحسوا منكم الشجاعة
(واعلموا ان الله مع المتقين) يعينهم وينصرهم ومن كان الله سبحانه
ناصره لم يغلبه أحد.
{وَإِذَا مَا
أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ
هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ
إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (١٢٤)
معناه (وإذا ما أنزلت سورة) في
القرآن يقول المنافقون للمؤمنين الذين في ايمانهم ضعف أيكم زادته
هذه السورة يقيناً وبصيرة، فأما المؤمنون المخلصون فزادتهم تصديقاً
بالفرائض مع ايمانهم بالله ووجه زيادة الايمان أنهم كانوا مؤمنين
بما قد نزل من قبل وآمنوا بما أنزل الآن (وهم) يسرون ويبشر بعضهم
بعضاً قد تهلّلت وجوههم وفرحوا بنزولها.
{وَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى
رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} (١٢٥)
أي (وأما الذين في قلوبهم) شك ونفاق
(فزادتهم) نفاقاً وكفراً الى نفاقهم وكفرهم لأنهم يشكّون في هذه
السورة كما شكّوا فيما تقدمها من السور فذلك هو الزيادة وسمي الكفر
رجساً على وجه الذم له وأنه يجب تجنبه كما يجب تجنب الارجاس واضاف
الزيادة الى السورة لأنهم يزدادون عندها رجساً ومثله كفى بالسلامة
داء، وقد ادّاهم شكّهم فيما أنزل الله تعالى من السور الى أن ماتوا
على كفرهم وآبوا شرّ مآب.
{أَوَلَا
يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ
مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُون}
(١٢٦)
أي ما لهم لا يتفكّرون ولا يعتبرون
وهم يرون أنهم يبتلون ويمتحنون كل عام مرة أو مرّتين فيعصون الله،
ولا يخرجون من عهدة المحنة الالهية وهم لا يتوبون ولا يتذكّرون،
ولو تفكّروا في ذلك انتبهوا لواجب امرهم وأيقنوا أن الاستمرار على
هذا الشأن ينتهي بهم الى تراكم الرّجس على الرّجس والهلاك الدائم
والخسران المؤبد.
{وَإِذَا مَا
أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ
مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} (١٢٧)
يعني أنهم عند نزول سورة قرآنية،
ينظر بعضهم الى بعض نظر من يقول: هل يطلع على ما بنا من القلق
والاضطراب أحد، ثم انصرفوا عن النبي (ص) في حال صرف الله قلوبهم عن
وعي الآيات الالهية والايمان بها بسبب أنهم قومٌ لا يفقهون الكلام
الحق، ومراد الله بخطابه لأنهم لا ينظرون فيه.
{لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
(١٢٨)
أي جاءكم رسول من جنسكم من البشر
ومن أوصافه أنه يشق عليه ما يلحقكم من الضرر بترك الايمان وحريص
على من لم يؤمن أن يؤمن، وأنه رؤوف رحيم بالمؤمنين منكم خاصة، فيحق
لكم أن تطيعوا أمره.
{فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
(١٢٩)
أي وإن تولوا عنك وأعرضوا عن قبول
دعوتك وذهبوا عن الحق فقل: الكافي هو الله فإنه القادر على كل شيء
فلا كافي سواه لأنه الله لا إله غيره به وثقت وعليه اعتمدت وهو
ربُّ الملك العظيم في السماوات والأرض.
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من
العاملين بمفاهيم هذه السورة وغيرها بأن يجعلنا من المجاهدين
والشهداء في سبيله ومن المتوكلين عليه في كل أمورنا إنه هو السميع
المجيب.
والحمد لله رب العالمين
|