﴿ يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾
|
اعتبر البعض هذه الآية مرتبطة
بالآيات السابقة وقالوا: حيث إنَّ الاستهزاء والغيبة ناشئان من روح
الاستكبار وتحقير الآخرين تقول هذه الآية: إنَّ ملاك التفوق
والفضل والكرامة هو التقوى.
في هذه الآية جاءت الإشارة إلى
ثلاثة أصول: أصل المساواة، وأصل التعارف بين المسلمين والمجتمعات
الإسلامية، وأصل التقوى.
طبعاً نلاحظ في آيات أخرى في القرآن
الكريم معايير وملاكات أخرى من قبيل العلم والسَّوابق الحسنة،
والأمانة، والقوة، والهجرة.
1 - الذكورة والأنوثة أو كون هذا من القبيلة الفلانية، أو الجماعة
الفلانية أو الشعب الفلاني ليس ملاكاً للفخر والاعتزاز، لأنَّ هذه
الأمور من صنع الله وليست من صنع الإنسان:
«
خلقنا، جعلنا
».
2 - الفروق الموجودة بين المخلوقات أمور حكيمة وهي مخلوقة من أجل
التعارف والتعرف، وليست للتفاخر:
﴿
لِتَعَارَفُواْ
﴾.
3 - الكرامة عند الناس شيء عابر، والمهم هو الكرامة عند الله
تعالى:
﴿
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ
﴾.
4 - على الأتقياء أن لا يطلبوا وأن لا يتوقعوا من الناس شيئاً بحجّة
أنهم أتقياء مكرمين عند الله تعالى، لأن هذه الكرامة مقام معنوي
وهو عند الله
﴿
عِندَ
اللَّهِ
﴾.
5 - إنَّ القرآن الكريم ألغى ورفض جميع أشكال وأنواع التمييز
العرقي، والحزبي، والقومي، والقبلي، والإقليمي، والاقتصادي،
والاجتماعي، والعسكري، وجعل صفة التقوى وحدها معياراً للتفاضل
والإكرام:
﴿
إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
﴾.
6 - إنَّ بسط رقعة النفوذ، والاستعلاء شيء فطري في الإنسان، وقد
جعل الله سبحانه مسير هذه الرغبة الفطرية باتجاه التقوى:
﴿
إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
﴾.
7 - إنَّ الخالق يعرف بصورة أفضل أن العرق والقبيلة ليست ملاكاً
ومعياراً للتقييم، وإنَّ جميع مناشىء التفوق المتعارفة عند الناس
لاغية:
﴿
إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ
﴾.
8 - لا تتظاهروا بالتقوى ولا تدّعوها
ادّعاء فإنَّ الله يعرف كل شيء جيداً:
﴿
عَلِيمٌ خَبِيرٌ
﴾.
﴿
قَالَتِ
الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن
قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي
قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا
يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
|
إنَّ المقصود من
«
الأعراب
» هم
سكان البادية، الذين كان بعضهم مؤمنين، كما نعرف تكريمهم في سورة
التوبة: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
[246].
ولكن بعض هؤلاء كان يرى نفسه أعلى
من الآخرين، ويدّعي الإيمان في حين لم يكن سوى مسلماً عادياً.
[246]
سورة التوبة، الآية: 99.
1 - يجب أن لا نصغي لأي ادّعاء أو شعار أو نصدقه:
﴿
قَالَتِ
الْأَعْرَابُ آمَنَّا
﴾.
2 - يجب لجم الادّعاءات الباطلة والتصدّي لها:
﴿
قُل
لَّمْ تُؤْمِنُواْ
﴾.
3 - على كل أحد أن يلزم حدّه ولا يصف نفسه بأكثر وأعلى ممَّا هو:
﴿
وَلَكِن
قُولُواْ أَسْلَمْنَا
﴾.
4 - الإسلام مرحلة ظاهرية، ولكن الإيمان يرتبط بالقلب:
﴿
فِي
قُلُوبِكُمْ
﴾.
5 - يجب أن نتحدّث مع الذين يدّعون الكمال بنحو لا يؤدي إلى يأسهم
من الوصول إلى الكمال:
﴿
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ
﴾.
6 - طريق الوصول إلى الكمال مفتوحة:
﴿
وَإِن
تُطِيعُواْ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ ...
﴾.
7 - لقد جاءت إطاعة النبي (ص) إلى جانب إطاعة الله تعالى، وهذه
علامة على عصمة رسول الله (ص) إذاً تجب طاعته من دون تردّد:
﴿
وَإِن
تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
﴾.
8 - إنَّ الله عادل فلا يظلم أحداً حقّه وأجره مثقال ذرّة، وصاحب
الإدارة والتدبير هو الذي لا يبخس أحداً حقّه ولا ينقص منه مثقال
ذرّة:
﴿
لَا
يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً
﴾.
الفرق بين
الإسلام والإيمان: |
1 - التفاوت في
العمق:
إنَّ الإسلام صبغة ظاهرية، ولكنَّ
الإيمان تمسّك قلبي، وقد روي عن الإمام الصادق (ع) في قول الله
تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ
اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
[247] أنه قال: « الصبغة »:
الإسلام. وقال في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ فَقَدِ
اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾
[248]: « هي الإيمان بالله وحده لا شريك
له »
[249].
2 - التفاوت
والفرق في الدوافع:
قد يكون الدافع إلى الإسلام هو
المحافظة على المنافع المادية أو الوصول إليها، ولكن الدافع إلى
الإيمان هو حتماً معنويّ.
قال الإمام الصادق (ع) في هذا
المجال: « الإسلام به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح، والإيمان
ما وقر في القلوب »
[250] ويكون عليه الأجر الأخروي « والثواب
على الإيمان »
[251].
3 - التفاوت
والفرق في العمل:
إنَّ الإسلام بدون العمل أمر ممكن
ولكن الإيمان يجب أن يكون مقروناً بالعمل كما جاء في الحديث: « الإيمان
إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل »
[252].
وعلى هذا الأساس الإسلام موجود في
الإيمان، ولكن لا يوجد الإيمان في الإسلام « الإسلام يشرك
الإيمان والإيمان لا يشرك الإسلام »
[253].
وفي حديث آخر شبه الإسلام بالمسجد
الحرام، وشبه الإيمان بالكعبة، لأجل أن الكعبة في وسط المسجد
الحرام، وليس المسجد الحرام في الكعبة
[254].
4 - التفاوت
والفرق في القضايا السياسية والاجتماعية:
سُئل الإمام الصادق (ع) عن الفرق بين
الإسلام والإيمان فأجاب (ع) قائلاً: « الإسلام هو الظاهر الذي
عليه الناس: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً
عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر
رمضان، فهذا الإسلام، والإيمان هذا الأمر (أي الإمامة) مع
هذا »
[255].
5 - التفاوت في
الرتبة:
فإننا نقرأ في حديث: « الإيمان
فوق الإسلام بدرجة، والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى
بدرجة وما قسم في الناس شيء أقلّ من اليقين »
[256].
[247]
سورة البقرة، الآية: 138.
[248]
سورة البقرة، الآية: 256.
﴿
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ ﴾
|
1 - القرآن لا يكتفي بأن يبين ملاك التكامل ومعياره:
﴿
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
﴾ بل ويشير إلى
الأسوة والقدوة أيضاً: ﴿ إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ... ﴾.
2 - الإيمان بالنّبي الأكرم (ص) إلى جانب الإيمان بالله تعالى:
﴿
آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
﴾.
3 - علامة الإيمان الواقعي هي الاستقامة والثبات في طريق الدين
وعدم التردّد والشكّ فيه:
﴿
ثُمَّ
لَمْ يَرْتَابُواْ
﴾.
4 - الإيمان أمر باطني، وهو يعرف من آثاره:
﴿
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ... وَجَاهَدُواْ ...
﴾.
5 - الإيمان بدون عمل ليس سوى شعاراً:
﴿
وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ
﴾، إيمان الخائفين والبخلاء ليس
إيماناً واقعياً.
6 - الجهاد في الثقافة الإسلامية يجب أن يكون بالمال والنفس وأن
يكون في سبيل الله:
﴿
وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
﴾، الذين يتهربّون من الذهاب
إلى ميادين الجهاد بدفع مبلغ من المال أو القيام بأعمال صعبة ليسوا
مؤمنين واقعيين.
هناك أربع آيات ابتدأت في القرآن الكريم بجملة:
﴿
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ
﴾
وهي تبين ملامح
وسيماء المؤمنين الحقيقيين وهذه الآيات هي:
1 - ﴿ إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ
قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ
إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
[257].
2 - ﴿ إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا
كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى
يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾
[258].
3 - ﴿
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾.
سورة الحجرات، الآية: 10.
4 - والآية الأخرى هي الآية الحاضرة.
ولو أننا جعلنا هذه الآيات الأربع
بعضها إلى جانب بعض، نكتشف بالنظر إليها في مكان واحد ملامح وسيماء
المؤمنين الصادقين الحقيقيين، وهم الذين قال عنهم الله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ
هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾
[259] وقال: ﴿ أُوْلَئِكَ
هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾.
وعلى هذا الأساس فالمؤمنون
الحقيقيّون هم:
1 - من وجلت قلوبهم، وتحرّكت ونبضت
لله تعالى لا للمال ولا للمنصب: ﴿ إِذَا
ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾.
2 - هم الّذين يتوجّهون في حركة
مستمرة ودائمة ودؤوبة نحو الكمال، فلا توقُّف عندهم، وهم الملتزمون
تجاه الأوامر الإلهيّة، المحبّون لها، العاملون بها عن شوق ورغبة: ﴿ وَإِذَا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾.
نعم هناك في المقابل من تكون قلوبهم
قاسية: ﴿
كَالْحِجَارَةِ
﴾
[260]، أو من تكون لهم حركة تراجعيّة أو
يرجعون إلى الأعقاب: ﴿ آمَنُواْ ثُمَّ
كَفَرُواْ ﴾
[261]، وبعضهم له حركة دائرية أي أنهم يدورون
حول المطالب المادية ونداءات الغريزة، فيدورون حول هذه المحاور،
وقد شبّهوا بحمار الطاحونة الذي يدور حول نفسه.
3 - سندهم الوحيد هو الإيمان بالله
تعالى، فلا يتكّلون على المعاهدات المالية ولا على الغرب أو الشرق:
﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾.
4 - في النظام الاجتماعي يختارون القائد الإلهي الربّاني ولا
يتحرّكون من دون أمره وإذنه، وهم أوفياء له:
﴿
وَإِذَا
كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى
يَسْتَأْذِنُوهُ
﴾.
5 - إيمانهم إيمان ثابت مستقر، إيمانهم قائم على أساس العلم والعقل والفطرة، وهم لعلمهم بما
يعملونه وصلوا إلى درجة اليقين، ولم تؤثر فيهم الدعايات المضادة
ولم تزلزلهم الحوادث المختلفة سلباً وإيجاباً: ﴿
ثُمَّ
لَمْ يَرْتَابُواْ﴾.
6 - هم الذين يدافعون عن عقيدتهم ودينهم بالنفس والمال كلما اقتضى
الأمر ذلك، واحتاج الدين إلى نصير:
﴿
وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
﴾.
[257]
سورة الأنفال، الآية: 2.
[258]
سورة النور، الآية: 62.
[259]
سورة الأنفال، الآيات: 4 - 74.
[260]
سورة البقرة، الآية: 74.
[261]
سورة النساء، الآية: 137.
الثبات على
الإيمان:
إنَّ ما هو الأهم من الإيمان هو:
الاستقامة والثبات عليه، وقد بيّن القرآن الكريم ذلك بعدة تعابير:
1 - ﴿ قَالُواْ
رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ ﴾
[262].
2 - ﴿ فَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾
[263]، وهي وصيّة يعقوب (ع) لأولاده.
3 - ﴿ اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ وقد فسّرت هكذا: أي أَدِم لنا السير في الطريق المستقيم.
4 - ﴿ وَتَوَفَّنَا
مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾
[264].
5 - ﴿ تَوَفَّنِي
مُسْلِماً ﴾
[265].
6 - ﴿ فَمُسْتَقَرٌّ
وَمُسْتَوْدَعٌ ﴾
[266].
قال الإمام الصادق(ع): « المراد من « المستقر » في هذه
الآية ما ثبت من الإيمان والمراد من « المستودع »
المعار أي الذي هو كالعارية المستردة »
[267].
[262]
سورة فصلت، الآية: 30.
[263]
سورة البقرة، الآية: 132.
[264]
سورة آل عمران،الآية: 193.
[265]
سورة يوسف، الآية: 101.
[266]
سورة الأنعام، الآية: 98.
[267]
ميزان الحكمة: الإيمان.
عوامل ثبات
الإيمان:
العوامل الموجبة لثبات الإيمان هي:
1 - التقوى والورع، قال الإمام
الصادق (ع) في جواب من سأل: ما الذي يثبت الإيمان: « الذي يثبته
فيه الورع، والذي يخرجه الطمع »
[268].
2 - الاستمداد من الله سبحانه، إنّ
ما هو ضروري لأجل ثبات الإيمان في القلب هو الإستمداد من الألطاف
الإلهيّة، لأن الله تعالى يأمر ملائكته بأن يثبتوا المؤمنين على
الإيمان: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى
الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾
[269].
وقال في مكان آخر: ﴿ وَرَبَطْنَا
عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾
[270].
3 - معرفة التاريخ وأخذ العبرة منه
من أسباب ثبات الإيمان وعوامله: ﴿
وَكُلّاً نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ
بِهِ فُؤَادَكَ
﴾
[271].
[268]
بحار الأنوار: ج70، ص681.
[269]
سورة الأنفال، الآية: 12.
[270]
سورة الكهف، الآية: 14.
[271]
سورة هود، الآية: 120.
﴿
قُلْ
أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
|
كان البعض يحلفون للنّبي (ص) بأن
إيمانهم به إيماناً صادقاً، فنزلت هذه الآية تصرّح بأنَّه لا حاجة
إلى الحلف واليمين، فإن الله تعالى يعلم بكل شيء.
إنَّ عرض الإيمان والمعتقدات على
أولياء الله سبحانه إن كان بهدف التقييم والتصحيح، أو لأجل حصول
الإطمئنان، كان عملاً محموداً جداً، وهذا هو الذي فعله العالم
التقيّ والمحدّث الجليل السيد عبد العظيم الحسني الّذي عرض عقائده
على الإمام الهادي (ع).
أما إذا كان عرض العقائد رياء
كالمخاطبين في هذه الآية فهو أمر يستدعي التوبيخ والتنديد.
1 - إنَّ التظاهر عند النّبي (ص) هو في
الحقيقة تظاهر عند الله تعالى.
فمع أنَّ تلك الجماعة تظاهرت بإيمانها عند رسول الله (ص) ولكن
القرآن الكريم يقول:
﴿
أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ
﴾.
2 - لا ينبغي لنا الادّعاء والتظاهر أمام الله سبحانه الذي يعلم كل
شيء:
﴿
أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ ... وَاللَّهُ يَعْلَمُ
﴾.
﴿
قُلْ
أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
3 - إنَّ الله تعالى عالم موجد الأشياء كما هو عالم بخصوصيات كل
شيء:
﴿
يَعْلَمُ ... وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
﴾. يمكن أن يعلم المحافظ على مخزن بكل البضائع الموجودة في
ذلك المخزن، ولكنه لا يعلم ممّ يتركب كل واحد من هذه الأشياء، أو
ما هو أثر كل واحد منها على وجه الدّقة والتحديد.
﴿
يَمُنُّونَ
عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ
إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ
هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾
|
كان بعض المسلمين مثل طائفة بني
أسد يمنّون بإسلامهم على رسول الله (ص)، ويقولون: نحن آمنّا برسول
الله (ص) من دون قتال وسفك دماء، وعليك أن تعرف قدرنا إذاً يا رسول
الله (ص)، فنزلت هذه الآية تنهاهم عن هذا العمل.
لقد نوّه الله تعالى بنعمة الإيمان
في هذه الآية، وفي الآية 164 من سورة آل عمران، والآية 5 من سورة
القصص، منّ الله سبحانه على الناس بأن جعل المستضعفين ورثة الأرض،
وهذا يدل على أن أهم النعم هي نعمة الهداية ونعمة القيادة
المعصومة، ونعمة الحكومة الحقة.
1 - إنَّ الاهتداء إلى الإسلام نعمة
إلهيّة كبرى، وإنَّ قبول إسلام الناس منّة من جانب الله تعالى: ﴿ بَلِ
اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ ﴾.
2 - إنَّ الله تعالى لا يحتاج إلى إسلامنا ولا إلى إيماننا ولا إلى
عباداتنا:
﴿
لَّا
تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ...
﴾.
3 - إنَّ علامة الإيمان الصادق هو أن نرى أن المنّة لله سبحانه
علينا، لا أن نمنّ نحن على الله عزَّ وجلَّ:
﴿
إِن
كُنتُمْ
صَادِقِينَ ... لَّا تَمُنُّواْ ... بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ
﴾، أجل
المسلم الواقعي يعتبر نفسه مديناً لله لا دائناً.
4 - إنَّ المنَّ على النّبي هو في
الحقيقة منٌّ على الله تعالى، إنَّ الله سبحانه يرد على المنّ على
النبي بنحو كأنه من يمنّ على الله تعالى: ﴿ يَمُنُّونَ
عَلَيْكَ ... بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ ﴾.
أجل إنَّ الله تعالى يدافع عن نبيّه،
ولا يرضى أن يمنَّ أحد من الناس عليه، ولا يرضى أن يكون (ص) مديناً
لأحدٍ.
5 - أنتم تمنّون على الله سبحانه
بمرحلة الإسلام ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ
أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾ ولكن
الله تعالى يمنُّ عليكم بما هو أعلى وأغلى وهي مرحلة الهداية
والاهتداء: ﴿
أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَان ِ﴾.
مع أنَّ مرحلة الإيمان أعلى درجة من
مرحلة الإسلام.
6 - المقصد النهائي والغاية القصوى
للتكامل الإنساني هو الإيمان الواقعي ﴿ هَدَاكُمْ
لِلْإِيمَانِ ﴾ لا التظاهر بالإسلام، لأن المنافقين كانوا مسلمين في
الظاهر.
﴿ إِنَّ
اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
|
1 - في مدار التوحيد فإنَّ التقييم
والتثمين لا يكون على أساس التظاهر والمنّ والشعارات، بل على أساس
الإخلاص القلبي والذي يختص العلم به بالله سبحانه ﴿ إِنَّ
اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، فمن كان هذا مبلغ علمه كيف لا يعلم
كيفية ونوعية إيماننا الباطني.
2 - إنَّ الإيمان بالعلم الإلهيّ
والبصيرة الإلهيّة ضمان للتقوى لدى الإنسان، فنحن إذا علمنا أنهم
يصورون أعمالنا ويسجّلون كلامنا بدّقة من خلال كوّة فإننا سوف
نتحفظ كثيراً في تصرفاتنا وأحاديثنا.
3 - إنَّ علم الله سبحانه جاء مضافاً
إلى كونه بصيراً، وهذا يعني أن علم الله تعالى علماً إجمالياً أو
سطحياً أو يقتصر على بعد واحد وأنه قابل للتردّد والشكّ أو إنّه
مؤقت: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ...
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
الّلهمّ وفقنا لتلاوة القرآن الكريم
والتدبر فيه والعمل به وإبلاغه إلى الآخرين، وارحم المؤلف
والقارىء يا أرحم الراحمين.
|