يقول
سبحانه وتعالى:﴿
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا
سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً (61)
﴾
عن الإمام
أبي جعفر
(ع): أنَّ البروج هي الكواكب
. والسراج تعني الشمس لأنَّ نور السراج ينبع من ذاته، وهو منبع وعين للنور، فالمولى تعالى جعل الشمس منبعاً فواراً للنور، في الوقت الذي جعل للقمر صفة الاكتساب، فهو يكتسب نوره من الشمس، يقول تعالى:
﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾
.
1- إنَّ خلق الكواكب والنجوم والشمس والقمر، كلُّ ذلك مظهر للبركات الإلهية:
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي ... ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ
أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
(62)
﴾
كلمة ﴿
خِلْفَةً
﴾ أي ياتي بعضه خلف بعض
.
في رواية عن الإمام الصادق
(ع) أنَّه قال: «كل ما فاتك بالليل فاقضه بالنهار، ثمَّ قرأ:
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ
أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾
.
إنَّ استلهام درس التوحيد من النظام الحاكم على الوجود يتعلق بارداتنا، فما أكثر الأشخاص الذين يقضون عمراً طويلاً بالتحقيق حول ظاهرة ما، غير أنَّهم لا يأخذون منها الدرس والعبرة، لأنَّهم لا يملكون إرادة أخذ العبرة. هؤلاء الأفراد كمن يبقى في محل بيع المرايا ينظر إلى المرآة ولا يرتب ثيابه، في حين أنّ شخصاً قد يعبر أمام محل بيع المرايا وبنظرة واحدة وعابرة يمكنه أن ينتبه إلى أنَّ ياقته منحرفة وغير مرتبة مثلاً، إذن نظرة واحدة كافية لمن يملك الإرادة، من هنا فإنَّ إرادة الاصلاح أيضاً لازمة.
وقد يطرح السؤال التالي: لماذا يمضي بعض العلماء الطبيعيين عمرهم في البحث والتحقيق في الطبيعة وظواهرها، لكنَّهم لا يعرفون الله تعالى؟
والجواب: لأنَّهم لا يملكون قصد وإرادة معرفة الخالق سبحانه، كمثل النجَّار الذي يصنع الكثير من السلالم لكنَّه لا يملك إرادة الصعود على هذه السلالم.
1- على الرغم من أنَّ تعاقب الليل والنَّهار يبدو بالنسبة إلينا شيئاً عادياً، لكن بعين البصيرة يظهر دليل النظام في هذا العالم جلياً:
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ
﴾.
2- إرادة الإنسان أرضية مهيأة لرشده:
﴿ لِمَنْ
أَرَادَ
أَن
يَذَّكَّرَ ﴾.
3- الإنسان موجود مختار ولديه إرادة:
﴿ لِمَنْ
أَرَادَ ﴾.
4- الإنسان يملك فطرة يوقظها التذكر﴿
يَذَّكَّرَ
﴾ والتذكر يستخدم عندما يكون في داخل الإنسان مطلبٌ كان يعلمه ثمَّ نسيه.
5- الليل والنهار نعمة تليق بالشكر:
﴿ أَرَادَ
شُكُورًا ﴾.
شهر رمضان شهر العبوديَّة وعبادة الله تعالى، بحيث يستطيع الإنسان أن ينال مقام القرب من المولى سبحانه بالتسليم لأوامره وتعاليمه ولجم النفس عن الرغبات والميول، مع أنَّ جميع الأيام والشهور والساعات كلُّها لحظات وميادين للتربية والرشد والتكامل والتقرُّب، كما جاء في الآية الشريفة:
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾
، لكن لشهر رمضان خصوصية ليست في الشهور الأخرى.
أ - العبودية والعبادة شكلت الأرضية لعروج الرسول الأكرم
(ص) إلى السماء- الإسراء: 1.
ب ـ العبادة تهيئ الأرضية لنزول الملائكة - البقرة: 23.
ج ـ العبادة تجعل دعاء الإنسان مستجاباً - يس: 60 و 61.
د ـ العبادة سمة شخصية للإنسان وإرادته، فالإنسان الذي تحيط به الغرائز والميول والرغبات من كلِّ جانب، يصبح ذا قيمة عالية عندما يخلع قلبه ويلجم نفسه من هذه الغرائز ويسير إلى الله تعالى.
هـ ـ العبادة تصل جزيرة هذا الإنسان الأرضي الصغيرة بمنبع الوجود وأصله.
و ـ العبادة تعني النظر إلى كلِّ الوجود من الأعلى.
ز ـ العبادة تعنى بفتح الاستعدادات والمؤهلات الروحية والمعنوية والعرفانية الكامنة في وجود الإنسان.
ح ـ العبادة هي تجديد العهد مع الخالق والحفاظ على الحياة المعنوية نضرة متجددة.
ط ـ العبادة تمنع ارتكاب الذنوب والمعاصي وترفع آثارها السيئة، فذكر الله تعالى يحول دون الذنوب.
ق ـ الإنسان من غير عبادة أوضع من الجماد وأسفل من الحيوان، يقول تعالى:
﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ﴾
.
العبادة هدف الخلق:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
. إنَّ أيَّ عمل نقوم به سواء التكسب أو التحصيل العلمي، أو الزواج أو خدمة الناس، أو أيِّ عمل فيه منفعة لنا وللمجتمع، إن كان لأجل مرضاة الله تعالى فهو عبادة، فكلُّ عمل يعد عبادة عندما يكون الدافع لإنجازه مقدساً وشريفاً، وبتعبير القرآن الكريم:
﴿ صِبْغَةَ
اللهِ ﴾
، أي أن يكون العمل مصبوغاً بلون إلهي، أيّ لله تعالى وفي مرضاته.
الأعمال التي نقوم بها على أساس الفطرة والخلقة التي لم تتدنَّس والتي وضعها الخالق سبحانه في كلِّ بشري هي أعمال قيِّمة، والعبادة هي أيضاً من الأمور الفطرية، لذلك نجد أنَّ أقدم آثار البشر المعمارية وأجملها وأحكمها تتعلق بالمعابد والمساجد. وهدف الأنبياء كذلك هو الدعوة إلى روح العبادة والتوجه إلى هذا العمل الفطري القيِّم في المجتمعات البشرية على مدى العصور.
﴿ أَنِ
اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾
.
إنَّ للعبادة أصل وجذر فطري في وجود الإنسان، حتى ولو كان هذا الإنسان غافلاً، وحتى أولئك الذين لا يعبدون الله، ويعبدون المال والجاه والزوجة والأبناء ويحملون أفكار وعبادة المدارس والطرق المختلفة، فإنَّ في أعماق وجودهم توجد فطرة العبادة، لأنَّ من الاحساسات العميقة في الإنسان الميل إلى اللاّ نهاية والعشق للكمال والرغبة في البقاء، وما يؤمّن هذه الأحاسيس والميول الفطرية الموجودة في الإنسان هي العلاقة مع الخالق تعالى وعبادته، فالعبادة هي العلاقة التي تربط الإنسان بمنبع الكمالات والأنس بالمحبوب الحقيقي، وتمنحه اللجوء إلى القدرة اللامتناهية.
العبادة غذاء الروح، مثلما الطعام غذاء البدن، فكما أنَّ أفضل غذاء للبدن ما يجذبه البدن ويهضمه، كذلك فإنَّ أفضل العبادة ما تجذبها الروح، يعني ما تقوم على النشاط وحضور القلب.
يقول الرسول الأعظم
(ص): «أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه، وباشرها بجسده وتفرغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر؟»
.
1 ـ العبادة راحة القلوب واطمئنانها:
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
.
2 ـ العبادة شكر لله سبحانه:
﴿ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾
.
3 ـ العبادة تحول دون ارتكاب المعاصي:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾
.
أ- تمنح الإنسان عزاً وافتخاراً: يقول الامام زين العابدين
(ع) في مناجاته المعروفة: (إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً)
.
ب- الإحساس بالقدرة: (الله اكبر) و
﴿ إِنَّ
اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فالإنسان الذي يعبد رباً قديراً أكبر من كلِّ شيء وقادراً على كلِّ شيء يشعر بالقوة والقدرة في مواجهة جميع الطواغيت والمستكبرين.
ج- تمنح الصبر والعزِّة: والعزَّة هنا بمعنى عدم قبول نفوذ الأعداء أو الشعور بالانكسار أمامهم، لأنَّ مدرسة الأنبياء مبنية على الاتصال بالعزيز المطلق والقدرة اللامتناهية، وهذا يمنح الإنسان الذي يتصل بالله تعالى العزَّة والصبر، من هنا نرى أنَّ أولياء الله تعالى يستمدون القوَّة والصبر عبر هذا الارتباط الذي تمثله الصلاة، خصوصاً في الأوقات الحرجة والمقاطع الحساسة.
د- عامل التربية: صحيح أنَّ الصلاة هي عامل ارتباط روحي ومعنوي، غير أنَّ الإسلام قوّم هذه الروح في قوالب سلسلة من البرامج التربوية، من هذه السلسلة، طهارة الثياب، والتوجه نحو القبلة، والقراءة السليمة، بالإضافة إلى إباحة المكان واللباس وكلُّ ذلك يدخل ضمن شروط صحة الصلاة، وهذه الشروط في الحقيقة تتعلق بالجسد وليس بالروح، فإذا تأملنا جيداً في هذه الشروط نلاحظ أنَّ كلَّ واحد منها له دور مؤثر في تربية الإنسان.
هـ- الولاية على العالم: من بركات العبادة أنَّها تجعل الإنسان رويداً رويداً وخطوة خطوة ـ يتسلط على العالم، وبيان ذلك:
يقول تعالى:
﴿ إَن تَتَّقُواْ
اللهَ
يَجْعَل لَّكُمْ
فُرْقَانًا ﴾
. والفرقان: تشخيص الحق من الباطل.
ويقول في موضع آخر:
﴿ وَيَجْعَل
لَّكُمْ
نُورًا ﴾
. ثمَّ يقول في آية أخرى:
﴿ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ﴾
، من هنا يتبين أنَّ الإنسان في ظل العبادة والعبودية الخالصة للمولى تعالى يتلقى الأنوار والفيض الإلهي ويؤتى الحكمة فيملك القدرة على معرفة الحقّ من الباطل والتمييز بينهما، كذلك القدرة على مواجهة المشاكل والمصاعب التي تواجهه وحلها. ثمَّ في مراحل أخرى يستطيع أن يتحكَّم بالطبيعة من حوله لكن بشكل صحيح ومتوازن، وبالتالي يصل إلى درجة التسلط على العالم وإعمال الولاية عليه.
العبادة الحقيقيَّة القيِّمة هي العبادة التي تترافق مع معرفة القائد الإلهي وولايته، وليست العبادة السطحية الفارغة من المعنى الحقيقي.
يحدثنا التاريخ في زمن أمير المؤمنين
(ع) أنَّ هذا الإمام ابتلي بجماعة كانوا في الظاهر من العابدين المصلين عرفوا في التاريخ بفرقة المارقين «الخوارج»، كانت جباههم معفرة من كثرة السجود وطوله، لكنَّهم وقفوا في مواجهة الإمام علي
(ع). كذلك الأمر بالنسبة إلى الإمام الحسين (ع) فلا يظننَّ أحد أنَّ الذين اجتمعوا في كربلاء لقتل سبط الرسول
(ص) كانوا جميعهم من تاركي الصلاة، كلا، هذا الأمر ليس صحيحاً، لقد كانوا ممن يصلون الجماعة.
إنَّ العبادة الواقعية المقبولة عند المولى تعالى يجب أن يصاحبها معرفة القائد الحق وطاعته، لذلك نقرأ في الروايات أنَّ الله سبحانه قد أوجب الحج ليجتمع الناس حول بيته العتيق فيلاقون إمامهم المعصوم ويجتمعون به في ذلك المكان المقدس، فيكون ارتباطهم به وثيقاً ومعرفتهم به قريبة، لكن للأسف ما نراه اليوم هو اجتماع الملايين في الكعبة لكن قلوبهم متفرقة وأفكارهم مشتتة، فإذا أقيمت العبادة تحت ظل القيادة الالهية وبرعايتها، فإنَّ الظلم والطاغوت سوف يزول من الوجود، يقول تعالى:
﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآَتُواْ الزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ
الرَّسُولَا ﴾
.
ومن علامات العبادة والصفات التي عدّها المولى تعالى لعباد الرحمن ما يلي:
في هذه الآيات اثنا عشرة صفة لعباد الرحمن، بعضها صفات اعتقادية وبعضها اجتماعية والبعض الآخر أخلاقية.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَاماً
(63)
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً
(64)
﴾
لعلَّ المراد من كلمة «يمشون» ليس فقط نوع الحركة والسير، بل يتعداه إلى أسلوب الحياة المعتدلة. و﴿
هَوْنًا
﴾ تعني التواضع والمداراة والطبع اللين وتعني أيضاً السكينة والوقار.
عن أبي عبد الله
(ع) قال: «هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر»
.
أمَّا كلمة «سلام» فتعني هنا سلام الوداع لأقوالهم غير المتروية، وليس سلام التحيَّة الذي هو علامة المحبَّة ورابطة الصداقة. والخلاصة، أنَّه السلام الذي هو علامة الحلم والصبر والعظمة. كما كان جواب إبراهيم الخليل
(ع) لعمه عندما طرده قال: «سلام عليك سأستغفر لك»
.
«يبيتون» يعني يقومون بالليل في الصلاة سجداً، سواء الليل كله أو جزءاً منه، كما يقال في المبيت في منى حيث يبيت الحجاج في هذه المنطقة ليلة الحادي عشر والثاني عشر في شهر ذي الحجة، والفقهاء يحسبون مقدار البيتوتة في منى نصف الليل.
في خطبة لأمير المؤمنين علي
(ع) يصف فيها شيعته: «أما الليل فصافون اقدامهم تالون لأجزاء القرآن»
.
1- أعلى مقام للإنسان مقام العبودية لله:
﴿ وَعِبَادُ
الرَّحْمَنِ ﴾، لأنَّ الانتساب إلى اللاّنهاية يرفع الإنسان إلى مقامات عالية.
2- سلوك كل إنسان هو علامة شخصيته:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَن ِ... يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾. فالإنسان العابد للرحمن يجب أن تتجلى فيه مظاهر الرحمة مثل «السلام والتواضع والبيتوتة و...».
3- الإسلام دين جامع، وبرنامجه يشتمل حتى على كيفية المشي وطريقة السلوك:
﴿ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾.
4- إيمان الإنسان واعتقاده يؤثر في سلوكه الشخصي:
﴿ وَعِبَادُ
الرَّحْمَنِ ...
يَمْشُونَ ﴾.
5- التواضع ثمرة العبودية وأول علاماتها:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ... يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا
﴾.
6- الإيمان هو منبع المداراة والحلم والطبع اللين عند عباد الرحمن، وليس الخوف والضعف:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ ... ﴾.
7- الوقار واللين من أبرز صفات المؤمن:
﴿ يَمْشُونَ ... هَوْنًا ﴾.
8- التواضع لازم عند جميع فئات الناس، الكبير والصغير، المرأة والرجل، العالم والجاهل:
﴿ يَمْشُونَ ... هَوْنًا ... قَالُوا سَلَامًا ﴾.
9- يجب عدم مقابلة الجاهلين بالمثل:
﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ فإذا كان جواب الجاهلين
﴿ سَلَامًا ﴾ فكيف إذا كان الجواب للصالحين، فهو أولى.
10 - المدارة والحلم والصبر من الصفات البارزة للمؤمن:
﴿ قَالُوا
سَلَامًا ﴾ يقول البعض: إنَّ الجواب في مقابل الجاهلين والبلهاء هو السكوت لكن القرآن يقول الجواب هو:
﴿ سَلَامًا ﴾.
11- يجب أن يكون التواضع في العمل:
﴿ يَمْشُونَ ... هَوْنًا ﴾ وكذلك في المخاطبة: ﴿
قَالُوا سَلَامًا ﴾، وأيضا في العبادة:
﴿ سُجَّدًا
وَقِيَامًا ﴾.
12-عليكم أن لا تجادلوا الجاهلين والحمقى:
﴿ قَالُوا
سَلَامًا ﴾ فهم يقولون ما في شأنهم، لكن أنتم قولوا قولاً كريماً وبعلم.
13-أفضل أوقات العبادة الليل، فبين الليل والصلاة والمناجاة علاقة وطيدة وخاصة:
﴿ يَبِيتُونَ
لِرَبِّهِمْ ﴾ فهذا الوقت فيه فضاء هادىء وتمركز الفكر، وبعيد عن الرياء.
14-إحياء الليل والدوام على العبادة من علامات عباد الرحمن الخاصين: (فعل يبيتون مضارع وهذا يدل على الدوام والاستمرار).
15- إنَّ ما يمنح العبادة قيمه هو الاخلاص:
﴿ لِرَبِّهِمْ ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ
إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً
(65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً
وَمُقَاماً (66)
﴾
كلمة ﴿
غَرَامًا ﴾ في الأصل بمعنى المصيبة، والألم الشديد الذي لا يفارق الإنسان، ويطلق «الغريم» على الشخص الدائن، لأنَّه يلازم الإنسان دائماً من أجل أخذ حقه. ويطلق «الغرام» أيضاً على العشق والعلاقة المتوقدة التي تدفع الإنسان بإصرار باتجاه عمل أو شيء آخر، ونطلق هذه الكلمة على جهنَّم «لأنَّ عذابها شديد ودائم لا يزول»
. والخلاصة: أنَّ المعنى عذاب لازم وملّحُ ودائم غير مفارق.
1- إذا كنتم ممن يحييون الليل فإياكم والغرور:
﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ ... ﴾.
2- ذكر المعاد من خصائص عباد الرحمن:
﴿ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ﴾.
3- عباد الرحمن الخلَّص، يخافون من جهنَّم قبل أن يطمعوا بالجنَّة:
﴿ يَبِيتُونَ ... يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ
﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ
وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67)
﴾
كلمة «قوام» تعني الحد الوسط، وقيل هو العدل والاستقامة و«قِوام» بالكسر ما يقوم به الأمر ويستقر. والمعنى أنَّه كان انفاقهم بين الاسراف والإقتار لا اسرافاً يدخلون به حد التبذير، ولا تضييقاً يصيرون به في حد المانع، والقوام هو الحد الممدوح.
عن الإمام أبي عبد الله
(ع) قال: «أربعة لا يستجاب لهم دعوة رجل فاتح فاه جالس في بيته فيقول: يا رب ارزقني، فيقول له: ألم آمرك بالطلب، ورجل كانت له امرأة يدعو عليها، يقول: يا رب ارحمني منها، فيقول: ألم أجعل أمرها بيدك، ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: يا رب ارزقني، فيقول: ألم آمرك بالاقتصاد، ورجل كان له مال فأدانه بغير بينة، فيقول: ألم آمرك بالشهادة»
.
ورد في الكتاب المبين قوله تعالى:
﴿ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ
﴾
.
وقال أيضاً:
﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ
﴾
.
تلا أبو عبد الله
(ع) هذه الآية:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا
وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾. قال: فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده، فقال: هذا الاقتار الذي ذكره الله عزَّ وجلَّ في كتابه، ثمَّ قبض قبضة أخرى فأرخى كفّه كلّها، ثمَّ قال: هذا الاسراف، ثمَّ أخذ قبضة أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال: هذا القوام
.
1- الإنفاق بالنسبة لعباد الرحمن تكليف ومسألة قطعية:
﴿ إِذَا
أَنفَقُواْ
... ﴾، وكلمة «إذا» في اللغة العربية تفيد العمل أما كلمة «لو» فتفيد عدم العمل.
2- يجب أن تترافق أعمال العبادة (صلاة الليل والخوف من الله مع الانفاق وتفقد أحوال المحرومين):
﴿ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ ... أَنفَقُواْ ﴾.
3- الإنسان مالك لكن له حدود في الانفاق:
﴿ لَمْ يُسْرِفُواْ ﴾.
4- الإسراف ليس جائزاً حتى في الانفاق:
﴿ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ ﴾.
5- عباد الله
﴿ الرَّحْمَنِ ﴾ بعيدون عن صفة البخل: ﴿
وَلَمْ
يَقْتُرُواْ ﴾.
6- المسلمون معتدلون في حياتهم:
﴿ وَكَانَ
بَيْنَ
ذَلِكَ قَوَامًا ﴾.
7- الوسطية في العبادة والإنفاق جيدة وقيمة:
﴿ قَوَامًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ
مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68)
﴾
«الإثم» و«آثام» في الأصل بمعنى الأعمال التي تمنع وصول الإنسان إلى المثوبة، ثمَّ أطلقت على كلِّ ذنب، لكنَّها هنا بمعنى جزاء الذنب. وقال بعضهم أيضاً: إنَّ «إثم» بمعنى الذنب و «آثام» بمعنى عقوبة الذنب
.
في هذه الآية طرحت مسألة قتل النفس والزنا وقد جاء في الروايات أنَّ هذه الأعمال من الذنوب الكبيرة. ويعد قتل النفس من الكبائر
﴿ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾. والقتل إلا بالحق تشمل الموارد التالية:
1- قصاص القاتل.
2- الفاحشة بالمحرم.
3- فاحشة الكافر بالمسلمة.
4- إكراه المرأة على الفاحشة.
5- الفاحشة من المحصن والمحصنة.
6- ادعاء النبوة.
7- سب النبي
(ص) وشتمه وتوهينه.
8- المسلم السَّاحر.
9- المفسد والمحارب.
10-المرتدّ.
11- الخارج على إمام زمانه العادل.
12- المشرك المحارب
.
1- أشد الغرائز خطراً على الإنسان بحيث تجره إلى ارتكاب المعصية غريزتي الغضب والشهوة، ويجب على المؤمن أن يسيطر على غرائزه:
﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ - وَلَا يَزْنُونَ ﴾.
2- الأوامر القرآنية في موضوع تجنب الشرك والزنا والقتل، ليست فقط من باب الموعظة، بل قانونية تستلزم معاقبة المخالفين بشدة:
﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾.
3- القانون بحاجة إلى من يضمن تنفيذه:
﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾.
4- العقاب الالهي حتمي وقطعي:
﴿ يَلْقَ
أَثَامًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ
مُهَاناً (69)
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَّحِيماً (70)
﴾
إنَّ مضاعفة العذاب الذي يستحقه المجرمون لا يتنافى مع العدل الإلهي، لأنَّ العذاب المضاعف يستحق في ظروف حيث تكون للذنوب آثار مشؤومة وسيئة مضاعفة. فمن يرتكب الفاحشة مثلاً يرتكب المعصية ويجر الطرف الآخر إلى ذلك، ويمكن أن ينتج عن هذا الفعل الولد الحرام بحيث يكون لذلك عواقب وتبعات سيئة جداً، وفي القتل أيضاً فإنَّ القاتل يزهق أرواح الآخرين، ويحيل أفراد عوائلهم أيتاماً من غير معيل، وبذلك يصبح المجتمع من دون أمن. إنَّ كلّ واحد من هذه الأفعال والعناوين يستحق العقاب، كذلك حين نرى أنَّ بعض الأشخاص يبتدعون في المجتمعات سنة سيئة، فكل من يعمل بهذه السنة على مدى التاريخ آثم، والإثم يلحق بموجد السنة السيئة أيضاً وهذا ثابت لا شك فيه.
في عيون أخبار الرضا
(ع): قيل لرسول الله
(ص): يا رسول الله هلك فلان، يعمل من الذنوب كيت وكيت، فقال رسول الله
(ص): بل قد نجا ولا يختم الله تعالى عمله إلا بالحسنى، وسيمحو عنه الله السيئات، ويبدلها له حسنات، إنَّه كان مرَّة يمرُّ في طريق عرض له مؤمن قد انكشفت عورته وهو لا يشعر فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل، ثمَّ أنّ ذلك المؤمن عرفه في مهواه فقال له: اجزل الله لك الثواب وأكرم لك المآب ولا ناقشك الحساب، فاستجاب الله له فيه، فهذا العبد لا يختم له إلا بخير بدعاء ذلك المؤمن، فاتصل قول رسول الله
(ص) بهذا الرجل فتاب وأناب وأقبل إلى طاعة الله عزَّ وجلَّ فلم يأتي عليه سبعة أيام حتى أغير على سرح المدينة فوجه رسول الله
(ص) في أثرهم جماعة ذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم
.
1- في بعض الحالات، ومنها أن يكون الإنسان شخصية اجتماعية مميزة:
نقرأ في القرآن الكريم أنَّ المولى تعالى خاطب نساء الرسول
(ص) بقوله: ﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ...
﴾
.
ويقول أيضاً:
﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء ... ﴾
.
2- وفي حالات أخرى يضاعف العذاب لجهة ارتباطها بالزمان والمكان: فقد ورد في الروايات أن ارتكاب المعصية يوم الجمعة يضاعف عذابها والعمل الحسن في هذا اليوم مضاعف أجره. (كذلك فالمعصية في الأماكن المقدسة يختلف عنها في الأماكن العادية).
3- أحياناً يوسم الذنب بعنوان «مفتاح الذنوب»: فبالإضافة إلى انحراف الشخص المذنب نفسه، فقد ينحرف الآخرون بسببه وينجرون إلى المعصية، كما يقول تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ... يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ
﴾
.
1- عذاب الآخرة كمّي
﴿ وَيَخْلُدْ ﴾ ونوعي ﴿
مُهَانًا ﴾.
2- ليس في الإسلام طريق مسدود، بل هناك – دائماً - للمذنب طريق عودة:
﴿ إِلَّا
مَن تَابَ ﴾.
3- عند ارتكاب الذنب يذهب الإيمان وعند التوبة يعود:
﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ ﴾.
4- التوبة عبارة عن ثورة مكتملة الجوانب وليست حركة سطحية ولفظية، فالعمل الصالح علامة التوبة الحقيقية:
﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
﴾.
5- التوبة الحقيقية والإيمان الواقعي يبدلان أعمال الإنسان ويصلحان سلوكه الفاسد:
﴿ وَعَمِلَ
عَمَلًا
صَالِحًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ
مَتَاباً (71)
﴾
1 ـ التوبة الحقيقية هي التوبة المترافقة مع العمل الصالح:
﴿ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾.
2 ـ التائب ضيف الله تعالى:
﴿ يَتُوبُ
إِلَى اللهِ ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ
بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً (72)
﴾
كلمة «شهد» لها معنيان: «الحضور» و«الإخبار» و«الشهادة»، ويمكن الاستفادة من المعنيين في هذه الآية، فمن جهة عباد الرحمن لا يشهدون شهادة الزور ومن جهة أخرى لا يحضرون مجالس اللهو.
كلمة «زور» تعني العمل الباطل في قالب الحق، وفي التفاسير تعني الشهادة بالباطل والكذب، وأيضاً بمعنى الغناء واللهو الذي يلوث القلب والروح. وقد ورد في بعض الروايات أنَّ المراد من «الزور» في «يشهدون الزور» مجالس الغناء.
جاء في
تفسير مجمع البيان: ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا
﴾ واللغو المعاصي كلّها أي مرّوا به مرّ الكرماء الذين لا يرضون
باللغو لأنَّهم يجلون عن الدخول فيه والاختلاط بأهله... والتقدير
إذا مرّوا بأهل اللغو وذوي اللغو مرّوا منزّهين أنفسهم معرضين عنهم
فلم يجاروهم فيه ولم يخوضوا معهم في ذلك فهذه صفة الكرام يقال
تكرَّم فلان عمَّا يشينه إذا تنزّه وأكرم نفسه عنه وقيل مرورهم
كراماً هو أن يمرّوا بمن يسبّهم فيصفحون عنه وبمن يستعين بهم على
حق فيعينونه وقيل هم الذين إذا أرادوا ذكر الفرج كنوا عنه عن أبي
جعفر (ع)
.
عن أبي عبد الله
(ع) ذكر حديثاً طويلاً يقول فيه: وفرض الله على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرَّم الله وأن يعرض عمَّا لا يحل له مما نهى الله عزَّ وجلَّ عنه، والإصغاء إلى ما أسخط الله في ذلك:
﴿ وَقَدْ
نَزَّلَ
عَلَيْكُمْ
فِي
الْكِتَابِ ﴾ إلى أن قال (ع) قال تعالى:
﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ فهذا ما فرض على السمع من الإيمان أن لا يصغى إلى ما لا يحل له وهو عمله وهو من الإيمان
.
1- ليس ارتكاب المعصية حراماً فقط، بل الحضور في مجالس اللغو والفحشاء والمشاركة فيها حرام أيضاً:
﴿ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾.
2- ليس كل حضور ومشاركة في المجالس يعد قيماً، فأحياناً يكون الانزواء عن المجتمع أفضل:
﴿ لَا
يَشْهَدُونَ
الزُّورَ ﴾.
3- إنَّ أي نوع من اللغو - سواء في الكلام أو العمل أو الميول والرغبات - ممنوع:
﴿ مَرُّواْ
بِاللَّغْوِ ﴾، فعباد الله لهم أهداف معقولة ومفيدة ولا يصرفون أعمارهم في الأعمال الباطلة وغير المفيدة.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ
عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً (73)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَاماً (74)
﴾
يجب أن يكون الإيمان على أساس الاطلاع والمعرفة والتّبصر، فنحن نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى:
﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا
مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ﴾
.
وهذا يعني أنَّ المؤمنين يتفكرون في خلق السماوات والأرض أولاً، ثمَّ بعد ذلك يقرّون أنَّ هذا الخلق ليس عبثاً ولا باطلاً، لذلك نرى في هذه الآية ـ مورد البحث ـ أنَّ المؤمنين إذا مرّوا بآيات الله أو ذكّروا بها لم يمرّوا بها صمّاً وعمياناً.
1- من صفات عباد الرحمن العبودية والبصيرة والإطلاع والتفكر:
﴿ إِذَا ذُكِّرُواْ ... لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا
﴾. فهم مؤمنون مطلعون بصيرون.
2- الإنسان مسؤول عن زوجته وأولاده ويجب أن يسعى في حسن عاقبتهم ويدعو إلى ذلك:
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا ... ﴾.
3- الإسلام يهتم لبناء الأسرة والأطفال ويحث الإنسان على الدعاء لإنجاب الذرية الصالحة:
﴿ رَبَّنَا
هَبْ
لَنَا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ
فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً (75)
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
(76)
﴾
«الغرفة» تطلق على الأقسام العليا من البناء، ومنازل الطبقات العليا، وهي هنا كناية عن أعلى منازل الجنَّة والدرجة الرفيعة.
1- الجنَّة لها ثمن:
﴿ يُجْزَوْنَ ...
بِمَا
صَبَرُواْ ﴾.
2- العبودية لله تعالى بحاجة إلى الصبر والمثابرة والثبات:
﴿ بِمَا
صَبَرُواْ ﴾.
تبين هذه الآيات اثنتي عشرة صفة من صفات عباد الرحمن الخاصة، بحيث ترتبط هذه الصفات بجوانب اعتقادية وأخلاقية واجتماعية، ويتعلق بعض منها بالفرد والبعض الآخر بالجماعة، وهي مجموعة من أعلى القيم الإنسانية وأسماها.
1- الصفة الأولى: التواضع ونفي الكبر والغرور والتعالي الذي يبدو في جميع أعمال الإنسان وفي حركاته وسلوكه، وحتى في طريقة مشيته، لأنَّ الملكات الأخلاقية تظهر من خلال الأعمال والسلوكيات الظاهرة من الأقوال والحركات، بحيث يمكن تشخيص قسم من أخلاق الإنسان من أسلوب مشيته، فعباد الرحمن أشخاص متواضعون والتواضع مفتاح الإيمان، في حين أنَّ التكبر والغرور مفتاح الكفر.
ولقد أمر الله عزَّ وجلَّ نبيه:
﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ
الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾
.
2- الصفة الثانية: الحلم والصبر:
﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾. وهذا الجواب علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة وليس الناشىء من الضعف، فهو سلام الوداع لأقوالهم الواهية النابعة من الجهل، وليس سلام التحية الذي هو علامة المحبة والصداقة.
إذن هو سلام تتمظهر فيه علامة الحلم والصبر والعظمة، عظمة عباد الرحمن الروحية، وهو التحمل وسعة الصدر الذي يستطيع المؤمن معهما أن يطوي طريق عبودية الله تعالى.
3- الصفة الثالثة: العبادة الخالصة لله:
﴿ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾. فهؤلاء العباد نهضوا في عتمة الليل حيث الناس نيام يبتغون الراحة، وحيث لا مجال للتظاهر والرياء، قاموا بقلوب عامرة وروح مبتهجة ليذكروا الله ويتعبدوا بالسجود والقيام، ويناجوا المحبوب الأزلي.
4- الصفة الرابعة: الخوف من الله تعالى، الخوف من عذابه:
﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ... ﴾. الشديد الدائم.
إنَّ قلوب عباد الرحمن الخلّص مملوءة بالخوف من المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، الخوف الباعث على القوَّة في الحركة لأداء التكاليف الدينية والعملية بأفضل صورة، لأنَّ هذا الخوف يوجه الإنسان من داخله نحو إنجاز الأوامر والتكاليف الإلهية، فيصبح محركاً باطنياً ومحفزاً داخلياً، فيرى مع ذلك نفسه دائماً مقصرة أمام خالقها سبحانه وتعالى.
5- الصفة الخامسة: الاعتدال والتوازن والابتعاد عن الافراط والتفريط، قولاً وعملاً، خصوصاً في الانفاق، فلا اسراف ولا تقتير:
﴿ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ ... بَيْنَ
ذَلِكَ قَوَامًا ﴾.
إنَّ الانفاق أحد الأعمال الضرورية لكلِّ إنسان، لكن الكلام في كيفية الانفاق، إنَّ انفاقهم إنفاق عادل ومتوازن بعيد عن الاسراف والبخل.
6- الصفة السادسة: هي التوحيد الخالص البعيد عن كلِّ أنواع الشرك والتعددية في العبادة:
﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾. قد أنار التوحيد قلوبهم وطهَّر أرواحهم وأفكارهم من كلِّ شائبة وشرك، فسمت نفوسهم وخضعت لله سبحانه.
7- الصفة السابعة: الطهارة من التلوث بدماء الأبرياء:
﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
﴾. إنَّ جميع الأنفس البشرية محترمة في الأصل، ولا يجوز إراقة دمائهم إلا بالحق ومع وجود الأسباب والعلل التي ترفع هذا الاحترام. فعباد الرحمن لا يعتدون ولا يريقون الدماء البريئة ولا يقتلون النفس التي حرم الله تعالى.
8- الصفة الثامنة: العفاف وعدم التلوث بالفحشاء:
﴿ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ لقد اختاروا طريق الطهر والنقاء والعفاف، فحفظوا فروجهم إلا ما أحل لهم.
9- الصفة التاسعة: احترام حقوق الغير وحفظها، فهم لا يشهدون بالباطل مطلقاً:
﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾، ولا يميلون إلى الانحراف والكذب والظلم لأنَّها مصاديق «الزور»، كذلك لا يحضرون مجالس اللغو والغناء والباطل، لأنَّ من معاني الشهود «الحضور»، وهذا يعني أنَّ عباد الرحمن لا يتواجدون في مجالس الباطل، لأنَّ هذه المجالس ليس فيها سوى اللعب واللهو وشرب الخمور والكذب والغيبة وأمثالها.
10- الصفة العاشرة: الجدّية وامتلاك الهدف الايجابي في الحياة، فهذه الصفة تجعلهم بعيدون عن اللاّمبالاة والعبث واللهو، فهم لا يحضرون مجالس الباطل ولا يلوثون أنفسهم باللغو:
﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ أنفسهم كبيرة، وقلوبهم عامرة، وأرواحهم طاهرة، إذا اعترضهم عمل أو قول باطل، مروا بمحاذاته مرور اللامبالي، وهذا يدل على عدم الرضا الداخلي على هذا العمل وهذا القول، فهم عظماء لا تؤثر عليهم أجواء اللهو والفساد والباطل.
11ـ الصفة الحادية عشر: امتلاك العين الباصرة والأذن السّامعة، بحيث يُعملون هذه الحواس في التأمل والتذكر والتدبر، في خدمة طاعة الله وعبوديّته:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا
عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾.
إنَّ عباد الرحمن يملكون عيوناً باصرة ناظرة في الباطل، متعمقة في الأشياء، وأذناً مرهفة غارقة بلطائف الخالق وحكمه، فهم عرفوا ما يريد الله منهم وعملوا من أجل مرضاته، ولولا ذلك لكانوا همجاً رعاعاً، لا يبصرون ولا يسمعون، فتشتبه عليهم الأمور، كما اشتبهت على غيرهم ممن انحرفوا وضلّوا، وأصبحوا أداة في يد الشياطين وأعداء الدين.
12- الصفة الثانية عشر: الاهتمام بالأسرة الصالحة والتوجه الخاص بتربية أبنائهم، فهم مؤمنون بأنَّهم مسؤولون عن أسرهم وأولادهم في مقابل المولى عزَّ وجلَّ، وهذه مسؤولية عظيمة يترتب عليها مستقبل المجتمع في الدنيا وسعادتهم في الدار الآخرة:
﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ
﴾، والدعاء هنا يدل على ميولهم الداخلية الحقيقية لهذا الأمر، وكذلك إشارة واضحة إلى صفاء سرائرهم وطيب نفوسهم، ورمز واضح لجدهم واجتهادهم، إنّ هكذا أفراد لا يقصّرون في تربية أبنائهم، وبذل كلّ طاقة وجهد في هذا الطريق، لأنَّ مسألة تربية الأبناء وإرشاد الزوجات تعد الركن الأساس في بناء المجتمعات، فإنَّ صلح الأبناء والزوجات صلح المجتمع والعكس صحيح.
على أنَّ عباد الرحمن لا يقفون عند هذا الحد، بل يريدون أن يكونوا أئمة للناس، ونماذج جيدة لهم:
﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾. والحقيقة أنَّ من تجتمع فيه هذه الصفات يليق أن يكون قدوة ونموذجاً حسناً.
بعد اكتمال هذه الصفات والفضائل في عباد الرحمن، يبين المولى تعالى ما أعد لهم من الجزاء والثواب العظيم:
﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ ﴾. لذلك فإنَّ عباد الرحمن بامتلاكهم هذه السجايا الرفيعة استحقوا أن يكونوا في الصف الأول من المؤمنين، وينالوا الدرجات العليا، ومنازل الجنة الرفيعة وهذا الجزاء في الحقيقة هو ثمن الصبر والاستقامة في طريق الله الصعبة، فهم صبروا وتحمَّلوا الصعاب وواجهوا المشكلات الجمّة في طريق الحق، وجاهدوا أنفسهم وأعداءهم، فاستحقُّوا كلَّ هذا المقام العظيم والدرجة الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
قُلْ مَا
يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ
فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً
(77)
﴾
«عبأ» وأصله من العبء، أي: الثقل، كأنَّه قال: ما أرى لكم من وزن وقدر والمعنى لم أبالِ بكم
. يعني أنَّ الله تعالى لا يعد لكم وزناً ولا قدراً ولا يبالي بكم لولا أنَّه يدعوكم إلى الإيمان وإلى الدين ويرسل لكم الرسل وقد فعل ذلك، وقيل معناه لولا دعاؤكم إياه وعبادتكم له وإيمانكم به وتوحيدكم إياه
.
وبالإجمال فإنَّ كلمة «دعاؤكم» لها معنيان:
أ- إنَّ توجهكم إلى الله تعالى ودعاءكم إياه وتضرعكم هو سبب عنايته بكم والتفاته إليكم، كما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله
(ص): «الدعاء مخّ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد»
. في المقابل فإن الله تعالى يعذب الكافرين الذين تركوا الحق وكذبوه ولم يدعوا الله تعالى، بل دعوا من دونه من الأصنام والطواغيت، فحق عليهم العذاب.
ب- دعوة الله تعالى الناس إلى الإيمان، لأنَّ سنة الله سبحانه تقتضي دعوة البشر لقبول الحق وإتمام الحجة ببعث الرسل والأنبياء،
﴿ لَوْلَا
دُعَاؤُكُمْ ﴾ ولولا ذلك لم يكن للناس وزن ولا قيمة عند المولى عزَّ وجلَّ. فالقيمة الحقيقية للبشر تقوم عند إيمانهم وقبولهم الحق، أي قبول دعوة الحق سبحانه لكنكم أيُّها الكفار لم تقبلوا دعوة الحق فلا قيمة لكم عنده سبحانه، والنتيجة أنّ لا خير فيكم ولا أمل، لذلك ستنالون العقاب بما كفرتم وبما رفضتم هذه الدعوة الالهية. يقول تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
.
1- تكذيب الدين يبعث على سقوط قيمة الإنسان:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ ... فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾.
2- الدعاء وسيلة لتحصيل القيمة:
﴿ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ ... لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾.
3- الإنسان من غير الدعاء والهداية لا شيء:
﴿ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ ... لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾.
4- الدعوة إلى الحق من شؤون ربوبية الخالق:
﴿ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾.
5- إنَّ محور الوجود هي المعنويات الروحية:
﴿ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ ... لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾.
لأنَّ الوجود خُلق للانسان، وخلق الإنسان لقبول الحق وعبادة الرحمن تعالى.
6- الإنسان من غير هداية ولا دعاء يكون عملياً قد كذّب الأنبياء:
﴿ لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾.
الدعاء أجمل نغمات الوجود، وأقوى تعلق وارتباط بين الخالق والمخلوق، فالدعاء مجبول في وجود الكائنات ومترافق مع أنفاسها في التسبيح والقنوت:
﴿ كُلٌّ
لَّهُ
قَانِتُونَ ﴾
، وهو الذكر الذي يعد وسيلة الاطمئنان والسكينة:
﴿
أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
. وهو وسيلة الحوار بين الإنسان المحتاج الغارق في النقص مع الخالق المستغني منتهى الكمال، وهو وسيلة الرشد والتكامل والتربية، والمحيي لروح المعرفة، وسبب للعشق والعبادة وإدراك الإنسان لنقصه في الأبعاد الثلاثة: العلم والقدرة والإرادة. والدعاء يجعل الإنسان خاضعاً عن علم ومعرفة أمام الذات المقدسة القادرة والحكيمة والرحيمة، ويهييء الأرضية لصعود الإنسان وترقيه ليحلق عالياً في أوج الملكوت
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
.
والله تعالى يحب أن يسمع صوت عبده المؤمن في الدعاء ويحب أن يتكلم عبده معه فيناجيه ويتضرع إليه، يقول تعالى:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ... ﴾
.
لكن السؤال: ما دام الأمر كذلك، فلماذا ندعوا ولا يستجاب لنا؟
الجواب: أن للدعاء آداب وشروط، فقد سئل أمير المؤمنين علي
(ع) عن ذلك فأجاب: «قلوبكم خانت بثمان خصال: أولها: أنَّكم عرفتم الله فلم تؤدوا حقه كما أوجب عليكم، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئاً، والثانية: أنَّكم آمنتم برسوله ثمَّ خالفتم سنته وأمتم شريعته، فأين ثمرة إيمانكم، والثالثة: أنَّكم قرأتم كتابه المنزل عليكم، فلم تعملوا به، وقلتم سمعنا وأطعنا، ثمَّ خالفتم، والرابعة: أنَّكم قلتم أنّكم تخافون من النار، وأنتم كلّ وقت تقدمون إليها بمعاصيكم فأين خوفكم؟ والخامسة: أنَّكم قلتم أنَّكم ترغبون في الجنة وأنتم في كلِّ وقت تفعلون ما يباعدكم منها، فأين رغبتكم فيها؟ والسادسة: أنَّكم أكلتم نعمة المولى ولم تشكروا عليها، والسابعة: أنَّ الله أمركم بعداوة الشيطان وقال
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ فعاديتموه بلا قول، وواليتموه بلا مخالفة، والثامنة: أنَّكم جعلتم عيوب الناس نصب عيونكم، وعيوبكم وراء ظهوركم، تلومون من أنتم أحق باللوم منه، فأيّ دعاء يستجاب لكم مع هذا؟ وقد سددتم أبوابه وطرقه؟ فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم، وأخلصوا سرائركم وأمروا بالمعروف، وأنهوا عن المنكر فيستجيب الله لكم دعاءكم
.
ولما سئل الامام الصادق
(ع) عن سبب عدم استجابة الدعاء أجاب: «احفظ آداب الدعاء...فإن
لم تأت بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة...»
.
1- معرفة الله وتمجيده:
﴿ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴾.
2- حسن الظن بالمولى تعالى:
﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ ﴾.
3- الإصرار على الدعاء:
﴿ أَوَّاهٌ
مُّنِيبٌ ﴾.
4- لقمة الحلال:
﴿ أَيُّهَا
أَزْكَى
طَعَامًا ﴾.
5- حضور القلب:
﴿ مُخْلِصِينَ ﴾.
6- التوسل:
﴿ وَاسْتَغْفَرَ
لَهُمُ
الرَّسُولُ ﴾.
7- الاخلاص:
﴿ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ ﴾.
8- التضرع خفية:
﴿ ادْعُواْ
رَبَّكُمْ
تَضَرُّعًا
وَخُفْيَةً ﴾.
9- المكان المناسب «المقدس» المساجد، تحت قبة مقام الإمام الحسين
(ع). عند قبور العلماء والشهداء والمؤمنين والوالدين و..
10- الأوقات المقدسة:
﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا ﴾.
11- التوبة قبل الدعاء:
﴿ وَقُولُواْ
حِطَّةٌ
نَّغْفِرْ
لَكُمْ ﴾.
12- الدعاء للآخرين.
13- العمل الحسن.
1- البسملة والحمد والثناء على الله تعالى قبل البدء بالدعاء.
2- الصلوات على محمد وآل محمد قبل البدء بالدعاء.
3- صلاة ركعتين قبل الدعاء.
4- التلفظ بلفظ الجلالة في بداية الدعاء.
5- الاقرار بالذنوب قبل الدعاء.
6- الدعاء بعد الصلاة الواجبة.
7- الجلوس والتوجه نحو القبلة ورفع اليدين نحو السماء.
8- أن لا يستصغر شيئاً من الدعاء.
9- حسن الظن باستجابة الدعاء.
10- طلب جميع حاجاتنا من الله تعالى.
11- التيقن باستجابة الدعاء.
12- الانقطاع إلى الله سبحانه عند الدعاء وقطع كل أمل من غيره.
1- عدم مراعاة آداب الدعاء وشروطه.
2- عدم وجود مصلحة في استجابة الدعاء.
3- قد تكون استجابة الدعاء إخلالاً في نظام الخلق.
4- لقمة الحرام.
5- إن الله يحب أن يسمع صوت عبده في الدعاء لذلك لا يستجيب له مباشرة.
6- عدم وجود النية السليمة، ويجب اصلاحها.
7- إذا كان القلب غافلا ولاهياً.
8- الذنوب تمنع الاستجابة.
9- ظلم الآخرين يمنع الاستجابة.
جاء رجل إلى الإمام أمير المؤمنين علي
(ع) فقال: إنِّي دعوت الله فلم أر الاجابة، فقال: لقد وصفت الله بغير صفاته، وإنَّ للدعاء أربع خصال: إخلاص السريرة وإحضار النية، ومعرفة الوسيلة، والإنصاف في المسألة، فهل دعوت وأنت عارف بهذه الأربعة ؟ قال لا، قال: فاعرفهنَّ
إنّ الله تعالى رحمن رحيم وهو أرحم الراحمين، يحب عباده ويحب أن يسمع أصواتهم ومناجاتهم وهو قادر على كلِّ شيء، وقال ادعوني استجب لكم، لكن يجب علينا نحن العباد الخاطئين أن نزيل الموانع وندفع المعوقات من أمام استجابة الدعاء، وذلك بالمعرفة والتوكل والأمل الكبير برحمته تعالى وبحسن الظن به والتيقن أنّه مجيب قريب.
وعلى الله فليتوكل المتوكلون
والحمد لله رب العالمين