الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
يقول سبحانه:
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ
نَذِيرًا ﴾
، اعلم أنّ الإسلام دين لكافة البشريَّة كما بينت الآية، وآيات أخرى كقوله تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
﴾ ، فلا يخص أمة دون أخرى ولا جيلاً دون جيل، وعلى عاتق كلِّ مسلم الاهتمام ببث الدعوة ونشرها بين الملأ، وتعتبر من أهم الوظائف الدينية وفي صميمها، ولا ريب أنَّ القرآن الكريم هو السند القوي والوثيق لبناء الدعوة ونشر تعاليم الإسلام، وقد نزل بياناً للناس، فكان لا بد أن يبيَّن للناس ويبث بينهم حتى لا ندان بآية الكتمان لما أنزله الله عزَّ وجلَّ من البينات والهدى.
إنّ في القرآن مقاصد عالية ومطالب سامية، هي ذوات أهداف عالمية كبرى، يجب بثها والإعلام عنها لكافة الأنام، وهذا لا يتم إلا بتعميم نشر القرآن وعرضه على العالمين جميعاً، ولا يمكن ذلك إلاَّ بترجمة معانيه إلى كلِّ اللغات الموجودة في العالم كله، ليتعرفوا على تعاليمه لينير قلوبهم فيسلكون طريقه ويعملون به فينالون الفوز والرضوان في الدارين، ونحن في جمعية القرآن الكريم نقوم بعمل متواضع في هذا المجال لتعميم الفائدة وتوصيل الرسالة، يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «اليوم جميع البشر، يحتاجون إلى القرآن»، نسأله سبحانه أن يوفقنا لأداء مسؤوليتنا في هذا المضمار، والحمد لله رب العالمين.
جمعية
القرآن
الكريم
للتوجيه
والإرشاد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ
لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً
(1) الَّذِي
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً
وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2)
وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً
وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا
نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً
(3)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ
وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُواْ ظُلْماً
وَزُوراً (4)
وَقَالُواْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى
عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5)
قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
(6)
وَقَالُواْ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي
فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ
مَعَهُ نَذِيراً (7)
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ
مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً
مَّسْحُوراً (8)
انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا
يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9)
تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ
قُصُوراً (10)
بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ
بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11)
إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا
تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12)
وَإِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ
دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً (13)
لَّا تَدْعُواْ الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُواْ ثُبُوراً
كَثِيراً (14)
قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً
(15) لَّهُمْ
فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً
مَّسْؤُولاً (16)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي
هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّواْ السَّبِيلَ
(17) قَالُواْ
سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ
مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى
نَسُواْ الذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً
(18) فَقَدْ
كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا
نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً
(19) وَمَا
أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ
لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ
وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ
رَبُّكَ بَصِيراً (20)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ
عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ
اسْتَكْبَرُواْ فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْاْ عُتُوّاً كَبِيراً
(21)
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ
لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً
(22)
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ
هَبَاءً مَّنثُوراً (23)
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ
مَقِيلاً (24)
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ
الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً (25)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى
الْكَافِرِينَ عَسِيراً (26)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً
(27) يَا
وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً
(28) لَّقَدْ
أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً
(29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ
إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً
(30)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ
الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً
(31) وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ
تَرْتِيلاً (32)
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ
وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33)
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ
أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً
(34) وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ
وَزِيراً (35)
فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ
بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً
(36) وَقَوْمَ
نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ
وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ
عَذَاباً أَلِيماً (37)
وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ
كَثِيراً (38)
وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلّاً تَبَّرْنَا
تَتْبِيراً (39)
وَلَقَدْ أَتَوْاْ عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ
السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لَا
يَرْجُونَ نُشُوراً (40)
وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا
الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً
(41) إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ
آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً
(42)
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ
عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً
(44)
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ
لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً
(45)
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً
(46) وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً
وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48)
لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا
أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً
(49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ
بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا
كُفُوراً (50)
وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً
(51) فَلَا
تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً
(52) وَهُوَ
الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ
أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً
(53)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً
وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً
(54) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ
عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً (55)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً
(56) قُلْ مَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ
إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (55)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ
بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً
(58) الَّذِي
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ
بِهِ خَبِيراً (59)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَنِ قَالُواْ وَمَا
الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً
(60)
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا
سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً (61)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ
أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
(62)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَاماً
(63)
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً
(64)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ
إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً
(65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً
وَمُقَاماً (66)
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ
وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67)
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ
مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ
مُهَاناً (69)
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَّحِيماً (70)
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ
مَتَاباً (71)
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ
بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً (72)
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ
عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً (73)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَاماً (74)
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ
فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً (75)
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
(76) قُلْ مَا
يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ
فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً
(77)
نزلت هذه السورة في مكة وعدد آياتها سبع وسبعون آية. في الآية الأولى من هذه السورة عبّر المولى تعالى عن القرآن: «بالفرقان»، أي القرآن الذي يفرق بين الحق والباطل، لذلك سميت هذه السورة بسورة «الفرقان».
تتحدث السورة عن المشركين وذرائعهم وحججهم وأجوبتهم الخاوية، كذلك تتحدث عن الأقوام والأمم السالفة كأصحاب الرّس، وعن حسرة الناس يوم القيامة، وعلامات التوحيد وظهور عظمة الله تعالى في الطبيعة، ثمَّ مقارنة المؤمنين مع الكافرين، لكن الجزء الأهم في هذه السورة هو الجزء الذي يشير إلى خصائص «عباد الرحمن» والذي يبدأ في الآية 63 حتى نهاية السورة المباركة.
نسأل الله العلي القدير أن يمن علينا بألطافه في الدنيا والآخرة، ويوفقنا لأن تكون تلاوة هذه الآيات والتدبر فيها وإصلاح سلوكنا وتصرفاتنا على أساس هذه الصفات الرحمانية، فنسعد بذلك في الدنيا والآخرة ونفوز بجنات النعيم، بجوار محمد وآل محمد
(ص).
يقول سبحانه وتعالى:﴿
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ
لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً
(1) ﴾
كلمة (تبارك) تكررت في هذه السورة ثلاث مرات في الآيات (1، 10 و61) وجاءت بالماضي، ويمكن ان تكون من «برك» بمعنى ثبت ودام، ويمكن أن تكون أيضاً من «البركة» بمعنى الخير الكثير، وقيل معناها عظُمت بركاته وكثرت، والمعنى الاجمالي أنَّ الذي انزل القرآن هو منشأ الخيرات والبركات الكثيرة، ونزول القرآن هو مثال هذا الخير وهذه البركة، وأي بركة افضل من القانون الالهي والدستور السماوي الذي نقل البشرية عبر مرّ الدهور والعصور من الظلمات إلى النور، وهو باق ما بقي الدهر.
النزول دفعة واحدة في ليلة القدر، بصورة نزول دفعيّ على قلب الرسول
(ص). ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
. ونزول ثانٍ تدريجي في مدة وقدرها (23 سنة).
﴿ نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ﴾.
كما نقرأ في مكان آخر:
﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى
مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ﴾
.
1- القرآن حقيقة سامية، ومنبعه مبارك:
﴿ تَبَارَكَ
الَّذِي
نَزَّلَ ﴾.
2- نظام الإنسان التكويني: (خلقه) لائق بالتمجيد والتنزيه والثناء:
﴿ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
، كذلك الأمر، بالنسبة للنظام التشريعي، (نزول القرآن وتدوين أحكام الدين) يليق بذلك:
﴿ تَبَارَكَ
الَّذِي
نَزَّلَ ﴾.
3- القرآن أفضل وسيلة لمعرفة الحق من الباطل:
﴿ الْفُرْقَانَ ﴾.
4- لو لم يُبعث الرسل والأنبياء، ولم يكن من كتب سماوية لبقي الإنسان حائراً:
﴿ الْفُرْقَانَ ﴾.
5- جميع الأشخاص لديهم حالة أو نوع من الخضوع والعبودية لشخص ما، لكن المهم أن نكون عبيداً لله تعالى:
﴿ عَبْدِهِ ﴾.
6- رسالة نبي الاسلام رسالة عالمية:
﴿ لِلْعَالَمِينَ ﴾.
7- مهمة الأنبياء
إنذار البشر:
﴿ نَذِيرًا ﴾.
8- أفعال الله تعالى كلها لها أهداف، وهدف نزول القرآن انذار جميع الناس:
﴿ نَزَّلَ
... لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا
﴾.
شهر رمضان هو شهر نزول القرآن حيث يقول تعالى:
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
﴾
، إذن الفرقان هو كتاب هداية، والهداية من عند الله عزَّ وجلَّ، يقول تعالى:
﴿ إِنَّ
عَلَيْنَا
لَلْهُدَى ﴾
.
القرآن الكريم كتاب هداية ونظام، والكتب السماوية جميعها كتب هداية للانسان، لكن القرآن اكملها واسماها، وقوانينه وتعاليمه جاءت لتوصل الإنسان إلى قمة السعادة.
والقرآن الكريم، كما تُحَدِّثنا آياته الشريفة، هو كتاب نور وكتاب هداية مبين، يهدي الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور، وهو شفاء للجسم والروح:
﴿ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ
(15) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
﴾
.
صحيح أنَّ حاجة الإنسان إلى القرآن الكريم لا تختص بزمان محدد، لكن يمكن القول وبكل جرأة أنَّ حاجة الإنسان المعاصر إلى آياته النورانية أكثر من أي وقت وأي زمان مضى بمراتب كثيرة. فالإنسان في هذا العصر ابتعد عن ذاته وتغرّب عنها، ونأى بنفسه عن الأخلاق والأحاسيس الإنسانية والعواطف البشرية، وأصبح يعيش في قلق واضطراب، وهو يتعطَّش للحقيقة الأصيلة الخالصة، يبحث عن ماء الحياة، ولن يجده إلا في كتاب الله كتاب النور والهداية.
يقول رسول الرحمة محمد
(ص): «فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنَّه شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنَّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النَّار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له تخوم، وعلى تخومه تخوم، لا تحصى عجائبه، ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى، ومنار الحكمة، ودليل على المعروف (المعرفة ) لمن عرفه»
.
ويقول إمام المتقين شهيد محراب شهر رمضان الإمام علي
(ع): «اعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحدٌ إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان في عمىً»
.
إنَّ كلَّ يوم يمضي من عمر العالم يدرك البشر أنَّهم أكثر حاجة إلى الارتباط بالخالق والوحي والنبوة والكتاب السماوي، الذي هو نور وهداية وتذكر وموعظة وبرهان وشفاء وحكمة وعلم، وسفينة القرآن أكثر أماناً من أيِّ سفينة أخرى، من الأخطار، خصوصاً عند الكلام عن بحر من العلوم، فكلَّما تقدمت العلوم في هذا العالم أصبح القرآن أكثر تجلياً ووضوحاً وبياناً، وظهرت أسراره فهو في اشراق دائم، وقد صرَّح صاحب هذا الكتاب منذ أول نزوله بأنَّه يتحدى المخالفين والخصوم والمعاندين على مدى التاريخ، قديماً وحاضراً ومستقبلاً، أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثل سوره، أو آية من آياته، ولو اجتمعت العقول والأفكار وكان بعضها ظهيراً لبعض، فإنَّهم عاجزون عن ذلك:
﴿ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
﴾
.
القرآن هو الكتاب الذي اهتم بمسائل المجتمع صغيرها وكبيرها البسيطة منها والمهمة، فطرحها للعالم الفاهم وللانسان العادي البسيط، بحيث خضع له الجميع وذلت أعناقهم لمعاجزه وعلومه، لذلك نرى أنَّه من اللائق، بل والواجب، أن نعمل ونجهد لنطوي الطريق للوصول إلى السعادة الأبدية، وذلك بالعمل بهذا الكتاب الذي هو شفاء للصدور والقلوب والأرواح وهدى ورحمة للعالمين، فهو العلاج الشافي للآفات والأمراض الفردية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وسفينة النجاة بين أمواج البلاء المتلاطمة للوصول إلى شاطىء الأمان والسعادة، لكن ما يدعو إلى الأسف اليوم أنَّ القرآن غدا مهجوراً حتى بين المسلمين، فالبعض لا يقدر حتى على تلاوته، والبعض لا يقرؤه، والبعض الآخر محروم من ألطافه وأسراره، وآخرون لا يعملون به وبأحكامه وتعاليمه. إنَّ هذا الهجر سبب أكثر البلايا التي أصابت الأمة الإسلامية، وهذا الكتاب المهجور سوف يشتكي هجره إلى صاحبه وخالقه تعالى، والذي بعث به بالحق نبياً سوف يشكو إلى ربِّه من هجر أمته للقرآن قال الرسول
(ص): ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْآنَ
مَهْجُورًا ﴾
.
يجب أن نعلم أنَّ هذا القرآن ليس كتاباً للتلاوة والتجويد والحفظ وإجراء المسابقات والزينة والاحتفالات، وعند السفر والتشييع، أو وسيلة للقسم والقراءة عند قبور الأموات، وأمثال ذلك فقط، صحيح أن هذه الأمور تشير إلى حضور القرآن في جميع ميادين حياتنا، وأنَّ الناس يحترمونه، لكن ليس هذا هو المطلوب فقط، ولا يجب أن نكتفي بذلك، لأنَّ المسألة التي تعد أكثر أهمية من التلاوة والتجويد، هي التدبر والتفكر والعمل بآياته وأحكامه، وهذا ما أمرنا به الله تعالى، وكل من لا يأتمر بأوامر الله سبحانه فإنَّه يحرم من ألطافه، ويكون في معرض الذم والتقبيح:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
أَقْفَالُهَا ﴾
.
وبمناسبة الحديث عن نزول القرآن في شهر رمضان، نتساءل.
هل أقمنا القرآن حقاً في شهر رمضان؟ كم نستأنس به وبمفاهيمه وإلى أي حد نعرفها؟ هل نقيّم أسلوب حياتنا على أساس القرآن ونعمل لأن تكون جميع حركاتنا وسكناتنا مطابقة لتعاليمه؟ لماذا لا نقرأ تعاليم خالقنا ووصاياه وأحكامه ولا نتأمل بها ونعمل طبقا لذلك؟!.
يقول سبحانه وتعالى:﴿
الَّذِي
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً
وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) ﴾
إنَّ أعلى درجة الحكم والحاكمية لله تعالى، فهو الحاكم على السموات والأرض وكلّ الوجود، وله ملك كلّ شيء، لأنَّ لا وريث له حتى ينتقل الحكم إليه،
﴿ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾، ولا شريك له في ملكه لكي يشاركه في الحكم
﴿ وَلَم يَكُن لَّهُ
شَرِيكٌ ﴾.
المشركون كل يعتقد على نحو ما أنَّ لله ولد، أو أنَّ له شريك، والقرآن الكريم قد ردّ هذه العقيدة الباطلة وعدها نوعاً من الخرافة، وهذا التأكيد تكرر في القرآن مراراً.
1- الله تعالى غني وغير محتاج:
﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ ... لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾.
2- كل المخلوقات تنبع من قدرة واحدة، قدرة الخالق:
﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾.
3- الحكم وتدبر السموات والأرض وما بينهما بيد خالق الوجود:
﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض ِ... وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
﴾.
4- الخلق دقيق جداً وله كتاب وحساب مقدر:
﴿ فَقَدَّرَهُ
تَقْدِيرًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً
وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا
نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً
(3)
﴾
1- الإيمان بالله والاقرار بربوبيته أمر فطري، بحيث أنَّ الإنسان إذا ترك هذا الاقرار ولم يتخذ الله رباً له، فإنَّه سوف ينحرف وسيتَّبع ارباباً باطلة:
﴿ وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آَلِهَةً ﴾.
2- مواجهة المشركين تكون بالبرهان والإستدلال والمنطق؛ لأنَّ العبودية يجب أن تترافق مع التفكر:
﴿ لاَ يَخْلُقُونَ ... وَلَا يَمْلِكُونَ
﴾ فحتى الحيوان يمكنه جلب المنفعة ودفع الضرر عن نفسه لكن الأصنام لا يستطيعون ذلك.
3- من الدلائل والبراهين على عبودية الإنسان، قدرة المولى الخالق تعالى على حل المشاكل وتيسير العسير وفك العقد، غير أن الأصنام لا يملكون أي قدرة على ذلك:
﴿ وَلَا
يَمْلِكُونَ ﴾.
4- دفع الضرر مقدَّم على جلب المنفعة:
﴿ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾.
5- الأصنام ليس لها القدرة على فعل أي شيء من أمور الدنيا والآخرة فهي عاجزة تماماً:
﴿ وَلَا حَيَاةً وَلَا
نُشُورًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ
وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُواْ ظُلْماً
وَزُوراً (4)
﴾
كلمة «إفك» تعني الكذب و «زور» تعني الكلام الباطل والكاذب.
1- الكفار وبدلاً من الاتيان بالدليل يعمدون إلى إلباس الكتب السماوية لباس الكذب:
﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ ﴾.
2- أسلوب الكفار تحقير الكتاب:
﴿ إِنْ
هَذَا ﴾ وتحقير الأنبياء: ﴿
افْتَرَاهُ ﴾.
3- الكفار والمخالفون يعترفون بعظمة القرآن ويقرّون بذلك، بدليل أنَّهم يدّعون أنّ هذا الكتاب لا يمكن لشخص واحد ان يأتي به بل أعانه على ذلك أشخاص آخرون:
﴿ وَأَعَانَهُ
عَلَيْهِ
قَوْمٌ ﴾.
4- يقول
الكفار: إنَّ النبي يستعين بغيره في الكذب والافتراء، وهذا لشدة
بغضهم وحقدهم على الدين ونبيه: ﴿
افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ... ﴾.
5- لا يستطيع الكفار أن يذكروا اسماء اعوان النبي، لأنه لا دليل لديهم ولا مستند:
﴿ قَوْمٌ
آَخَرُونَ ﴾.
6- إنَّ خداع عوام الناس عن طريق التحقير والتهمة ومنع الهداية لهو ظلم لأنفسهم وللآخرين:
﴿ ظُلْمًا
وَزُورًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَقَالُواْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى
عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5)
قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
(6)
﴾
كان الكفار يشْكِلون على مضمون القرآن، ويدّعون أنَّه لم يأت بجديد، بل ليس أكثر من أساطير قديمة عفى عليها الزمن:
﴿ أَسَاطِيرُ
الْأَوَّلِينَ ﴾، كذلك الأمر كانوا يتهمون الرسول بأنَّه اكتتب آيات القرآن:
﴿ اكْتَتَبَهَا ﴾، وله في ذلك اعوان يساعدونه فهي: ﴿
تُمْلَى
عَلَيْهِ
﴾.
1- يجب مراعاة الأمانة في بيان مطالب المخالفين:
﴿ وَقَالُواْ
أَسَاطِيرُ
الْأَوَّلِينَ ﴾.
2- الجواب المناسب للذين ينطقون بالترهات والادعاءات الواهية:
﴿ قُلْ ﴾.
3- القرآن الكريم ليس من صنع البشر، بل أرسله الذي يعلم بجميع أسرار الوجود والخلق، وهو خالق هذا الوجود:
﴿ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ ... ﴾
4- إنَّ باب التوبة مفتوح حتى لأولئك الذين يرمون القرآن بالادعاءات الواهية بأنَّه أساطير الأولين، ويتهمون الرسول بالكذب:
﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾.
5- العفو ليس كافياً، بل الرحمة واللطف:
﴿ غَفُورًا
رَّحِيمًا ﴾.
6- نزول القرآن مظهر الرحمة وباب لتلقي المغفرة والرحمة الالهيتين:
﴿ أَنزَلَهُ ... غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَقَالُواْ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي
فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ
مَعَهُ نَذِيراً (7)
﴾
في هذه الآية ينتقد الكفارُ رسولَ الله
(ص) لأنَّه مثل الآخرين من البشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وفي الآية (20) من هذه السورة يأتي الجواب، بأن جميع الأنبياء قبل محمد
(ص) كانوا بشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، فإذا كانت المسألة بالتذرع فإنَّ التعلق بالذرائع من أسهل الأمور.
1- بعض الأشخاص يعدّون «الكمال الإنساني» نقصاً وعيباً:
﴿ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ ﴾.
2- الدعوة إلى الله تعالى لا تتنافى اطلاقاً مع إحراز مسائل دنيوية تتعلق بحياة البشر:
﴿ الرَّسُولِ
يَأْكُلُ ...
وَيَمْشِي ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ
مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً
مَّسْحُوراً (8)
﴾
في الآية السابقة اعترض الكفار على الرسول
(ص)، وكانوا يتوقعون أنَّ النبي لا يجب أن يكون لديه حاجات جسدية، فيأكل ويشرب ويمشي في قضاء حاجاته كالبشر العاديين:
﴿ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
﴾. في هذه الآية يعترض الكفار على الرسول لأنَّه ليس من المرفهين الأغنياء، فيتوقعون أنَّ النبي يجب أن يكون من المترفين الأغنياء وأصحاب البساتين فيمشي بين الناس وليس له حاجة:
﴿ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ ﴾، غافلين عن أنَّ الشخص المرفه الغني كيف يمكنه أن يكون قائداً للفقراء والمستضعفين والمعذبين في الأرض وأسوة حسنة لهم؟!
1- أصحاب الدنيا وأتباعها ينظرون ـ حتى إلى الرسول
(ص) ـ من زاوية مادية صرفة: ﴿ يُلْقَى
إِلَيْهِ
كَنزٌ ﴾.
2- التذرع في مواجهة عمل الأنبياء ظلم:
﴿ وَقَالَ
الظَّالِمُونَ ﴾. وهذا النوع من الظلم هو السبب في حرمان الإنسان نفسه من الهداية، وهو أيضاً عامل لتخريب الآخرين وانحرافهم:
﴿ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا
﴾.
3- الكفار والظالمون والأعداء في كل لحظة لديهم ذرائع:
﴿ يَأْكُلُ ـ وَيَمْشِي ـ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ ـ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ
﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا
يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9)
﴾
في هذه الآية يمكن الاستنتاج أنَّ الأشخاص الذين يتذرعون بذرائع شتى ويطرحون توقعات واهية ليست في محلها من أجل الصد عن السبيل القويم ومنع ارشاد الأنبياء وهدايتهم، لن يوفقوا في هدفهم.
1- النظر بدقة وتمعن إلى ذرائع الأعداء وادعاءاتهم:
﴿ انظُرْ ﴾.
2- ضرب المثل والتشبيه في غير محلهما ارضية مناسبة للانحراف والضلال، ويجب التأمل في ذلك:
﴿ فَضَلُّواْ ﴾.
3- إن ترك منطق الرسول وعدم الالتفات إلى معجزته وكلماته والذهاب وراء المال والمقام والتذرع هو ضلال واضح مبين:
﴿ فَضَلُّواْ ﴾.
4- التذرع والتوقعات التي لا مكان لها تستطيع أن تلوث المحيط بحيث لا يستطيع بعدها الناس تشخيص الطريق:
﴿ فَضَلُّواْ
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
سَبِيلًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ
قُصُوراً (10)
﴾
في الآيات السابقة
أظهر الكفار حججهم وتوقعوا أنَّ النبي يجب أن يمتلك الكنوز والبساتين، في هذه الآية يقول تعالى في رده على حججهم: «لو شاء الله لجعل للرسول بدل البستان بساتين وبدل القصر قصوراً».
يقول أمير المؤمنين
(ع) في خطبة القاصعة: «ولو أراد الله سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم، أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العِقْيان، ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السماء، ووحوش الأرض لفعل، ولو فعل لسقط البلاء، وبطل الجزاء... ولو كانت الأنبياء اهل قوة لا ترام، وعزة لا تضام، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال، وتشد إليه عقد الرحال، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار... ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة»
.
1- الله هو منبع البركات:
﴿ تَبَارَكَ ﴾.
2- حياة الأنبياء تكون على أساس المصلحة الإلهية:
﴿ إِن
شَاءَ جَعَلَ ﴾.
3- الفقر والغنا في يد الله تعالى:
﴿ إِن
شَاءَ جَعَلَ
لَكَ ﴾.
4- إرادة الله عزَّ وجلَّ ماضية فإن شاء فعل، وهي لا تقبل التخلف:
﴿ إِن
شَاءَ جَعَلَ ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ
بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11)
﴾
كلمة «السعير» تعني النار المستعرة الملتهبة الحارقة.
1- إنَّ تذرع الكفار ينبع من عدم اعتقادهم بيوم القيامة:
﴿ بَلْ
كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ ﴾.
2- تكذيب المعاد مسألة خطيرة جداً، لذلك تكررت:
﴿ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَ ﴾.
3- الجنة والنار خلقتا قبلاً واعدتا مسبقا:
﴿ وَأَعْتَدْنَا ﴾.
4- الذنب الكبير (التكذيب بالقيامة)، يستتبع عذاباً كبيراً (نار حارقة):
﴿ كَذَّبَ
- سَعِيرًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا
تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12)
وَإِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ
دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً (13)
﴾
كلمة ﴿
تَغَيُّظًا
﴾ بمعنى اظهار الغيظ وشدة الغضب بحيث يترافق احياناً مع الضجيج. وكلمة
﴿ وَزَفِيرًا ﴾ صوت النفس عند الشدة وضيق الصدر من شدة الحزن والغم، وهذا يدل على شدة التهاب النار وغليانها. أما كلمة
﴿ مُقَرَّنِينَ ﴾ فتعني مصفدين بالأغلال، و ﴿
ثُبُورًا ﴾ أي الويل والهلاك.
نار جهنم كبيرة جداً بحيث إذا سئلت يوم القيامة
﴿ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾
، لكن مع وجود هذه الوسعة في جهنم إلا أنَّ الكفار يضيق عليهم المكان ويلقون في مكان ضيّق من النار، ومثال ذلك المسمار في الحائط فمع سعة الحائط إلا أنَّ المسمار يدق فيه، فيضيق عليه المكان. جاء في الحديث النبوي الشريف،
أنَّه (ع) قال: «والذي نفسي بيده انهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط»
.
إنَّ الغفلة عن الله عزَّ وجلَّ يستتبع ضيقاً شديداً في الدنيا والآخرة، في الدنيا
﴿ يَجْعَلْ
صَدْرَهُ
ضَيِّقًا
حَرَجًا ﴾
.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾
، وفي الآخرة.
﴿ وَإِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا ﴾ الآية مورد البحث. من جهة أخرى نجد العكس، فالإيمان بالله سبحانه يستتبع وسعة في الدنيا:
﴿ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾
، وفي الآخرة:
﴿ حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾
.
يقول الإمام الصادق
(ع): في هذه الآية أنَّ المراد من
﴿ مَكَانٍ
بَعِيدٍ ﴾ من مسافة سفر عام كامل.
1- جهنَّم لها نوع من الادراك والإحساس بحيث ترى الناس:
﴿ رَأَتْهُمْ ﴾.
2- المعاد جسماني وهو بحاجة إلى حيِّز مكاني:
﴿ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾.
3- أهل النار مصفدون بالأغلال ولا مجال للفرار ابداً:
﴿ مُقَرَّنِينَ ﴾.
4- يلقى بأهل النار في جهنَّم بشكل تحقيري:
﴿ أُلْقُواْ ﴾. ولم يقل: ﴿
دَخَلُواْ ﴾.
5- صراخ أهل جهنَّم وصياحهم يسمع من مكان بعيد:
﴿ دَعَوْا
هُنَالِكَ
ثُبُورًا ﴾. وهنالك تفيد البعد.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
لَّا تَدْعُواْ الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُواْ ثُبُوراً
كَثِيراً (14)
قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً
(15)
﴾
1- ليس للكفار يوم القيامة من مغيث:
﴿ وَادْعُواْ ثُبُورًا كَثِيرًا ﴾.
2- الجنَّة خالدة:
﴿ جَنَّةُ
الْخُلْدِ ﴾.
3- الوعد بالجنة قطعي وحتمي:
﴿ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾.
4- من طرق معرفة الحق المقارنة بين الحق والباطل:
﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ
﴾.
5- الخوف والرجاء، والتبشير والانذار، إلى جانب بعضه يعد مؤثراً:
﴿ ثُبُورًا كَثِيرًا ... جَنَّةُ الْخُلْدِ ﴾.
6- إنَّ مفتاح الدخول إلى الجنَّة «في
كلِّ أمر» هو التقوى:
﴿ جَنَّةُ
الْخُلْدِ ...
وعِدَ
الْمُتَّقُونَ ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
لَّهُمْ
فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً
مَّسْؤُولاً (16)
﴾
ليس هناك من شك في أبدية الجنَّة وخلود المؤمن فيها، وقد ذكر الخلود في آيتين متتاليتين.
الإنسان في هذه الدنيا قد يصل إلى بعض مراده بعد مدَّة من الجهد والسعي، لكن في الآخرة يصل إلى كلِّ ما يريد ويطلب بإرادة الله عزَّ وجلَّ.
الله تعالى صادق الوعد وكلُّ وعوده محققة:
﴿ وَعْدًا
مَّسْئُولًا ﴾، فالإنسان يعِدْ: ﴿
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ ...
﴾، لكن المؤمنين فقط يراعون وعودهم وعهودهم ويعملون بها: ﴿
وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ... مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ...
﴾.
1- المتقون في الجنَّة لهم ما يشاؤون، وكلّ ما يطلبون يصل إليهم:
﴿ لَهُمْ
فِيهَا
مَا يَشَآؤُونَ ﴾. فالوصول إلى كامل الرغبات ليس ميسراً في الدنيا، وتحقيق المبتغى الكامل وتمام المراد فقط في الجنَّة، وهذا ما يستفاد من مجيء كلمة «لهم» قبل كلمة
﴿ مَا
يَشَآؤُونَ ﴾.
2- في الجنَّة:
﴿ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونََ ﴾، لكن في النار:﴿
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا
يَشْتَهُونَ
﴾، لا تُحقق لهم أي رغبة.
3- الله عزَّ وجلَّ أخذ على نفسه العمل بما وعد:
﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي
هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّواْ السَّبِيلَ
(17)
﴾
عرّف القرآن الكريم عوامل الضلال والانحراف بما يلي:
1- رفيق السوء:
﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ
الذِّكْرِ ﴾
.
2- اتباع الهوى:
﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ ﴾
.
3- العلماء المنحرفون:
﴿ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللهِ
﴾
.
4- القادة والحكام الضَّالون:
﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ ﴾
.
5- الشيطان:
﴿ إِنَّهُ
عَدُوٌّ
مُّضِلٌّ
مُّبِينٌ ﴾
.
6- الأكثرية الضَّالة:
﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ
﴾
.
7- الآباء الضَّالون:
﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا ـ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ
﴾
.
1- السؤال يكون أحياناً للاستفسار والفهم:
﴿ فَاسْأَلُواْ
أَهْلَ
الذِّكْرِ ﴾
.
2- ويكون أحياناً للتوبيخ:
﴿ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ
﴾
. والمراد هو توبيخ اتباع عيسى
(ع) والله تعالى يعلم أنَّه لم يقل لهم ذلك، لكن السؤال من باب التوبيخ والعتاب لهم لما فعلوه من اتخاذ عيسى وأمه
(عليها السلام) إلهين وشريكين لله تعالى.
1- يوم القيامة يتم استجواب المشركين وما يعبدون من دون الله تعالى:
﴿ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ ... فَيَقُولُ ... ﴾.
2- يوم القيامة تبعث موجودات غير الإنسان وتحشر لكي تتم الحجة:
﴿ وَمَا
يَعْبُدُونَ ﴾ كالأصنام وغيرها.
3- يوم القيامة تحشر الأصنام ولها شعور وتملك الاحساس فيتم توجيه الخطاب اليها لكي لا يبقى عذرٌ للانكار:
﴿ أَأَنتُمْ ﴾، يذكر- بناء لبعض الآيات- أن جميع الموجودات يوم القيامة تملك شعوراً وإحساسا.
4- إنَّ عبادة الله الواحد امر فطري موجود في جميع البشر، أما انحراف البشر فهو أمر عارض:
﴿ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ ... أَمْ هُمْ ضَلُّواْ ﴾. وإنَّ كلمة ﴿
السَبِيلِ
﴾ علامة واضحة على أنَّ الطريق الحقيقي هو هذا الطريق الطبيعي الفطري.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
قَالُواْ
سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ
مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى
نَسُواْ الذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً
(18)
﴾
كلمة «بور» تعني الفساد والهلاك والعمل الباطل، والأرض البور التي ليس فيها زرع.
-
كلمة
«سبحانك» تستخدم في موردين، الأوَّل: عند التعجب، والثاني: في التسبيح والتنزيه للباري تعالى.
-
النسيان إذا كان عارضاً وللحظات قليلة وخارج الارادة فهو معفو عنه، لكن إذا طال على أثر الغفلة والانغماس في الشهوات والأهواء وحب الدنيا، فهو مذموم مقبوح من قبل المولى عزَّ وجلَّ، بل يكون عرضة للقهر والعذاب الإلهي.
-
المعبودون من دون الله من الجمادات يقولون لا يليق أن نتخذ ولياً من دون الله سبحانه، لكن البشر نسوا الذكر وضلّوا واتخذوا اولياء من دون الله عزَّ وجلَّ.
1- المال والثروة ومتاع الدنيا: ما ورد في الآية مورد البحث.
2- الأولاد والعائلة:
﴿ لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ
﴾
.
ج - التجارة:
﴿ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ
﴾
.
د - الشيطان:
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ
﴾
.
1- المعبودون يتكلمون يوم القيامة، ويدافعون عن أنفسهم:
﴿ قَالُواْ ﴾.
2- الله عزَّ شأنه لا يمنع نعمه حتى عن المنحرفين والكفّار:
﴿ وَلَكِن
مَّتَّعْتَهُمْ ﴾.
3- المال خطير عندما يكون سبباً في نسيان الله وذكره سبحانه، وليس المال سيئاً وخطيراً مطلقاً:
﴿ مَّتَّعْتَهُمْ... حَتَّى نَسُواْ ﴾.
4- عندما تعيش الأقوام مرفهة لعدَّة أجيال، فإنَّ ذلك يهيىء الأرضية أكثر لنسيان الله والقيامة:
﴿ وَآبَاءهُمْ ﴾.
5- لا يجب التطلع إلى مال المرفهين وثرواتهم ومظاهرهم، فكل ذلك فانٍ وزائل:
﴿ وَكَانُواْ
قَوْمًا
بُورًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
فَقَدْ
كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا
نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً
(19)
﴾
لقد بين الله تعالى في القرآن آثاراً للظلم، ومن جملة ذلك:
1- عدم الفلاح:
﴿ لَا يُفْلِحُ
الظَّالِمُونَ ﴾ فالمولى عزَّ وجلَّ لا يوفق الظالمين في الوصول إلى أهدافهم ومؤامراتهم.
2- الحرمان من الألطاف الالهية:
﴿ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
﴾.
3- العذاب الكبير: الآية مورد البحث:
﴿ نُذِقْهُ
عَذَابًا
كَبِيرًا ﴾ وكذلك: ﴿
أَلَا
إِنّ َ الظَّالِمِينَ
فِي
عَذَابٍ مُّقِيمٍ ﴾
.
4- عدم إمكانية الافتداء في مقابل العذاب:
﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْاْ بِهِ ﴾
.
5- عدم قبول العذر:
﴿ لَا يَنفَعُ
الظَّالِمِينَ
مَعْذِرَتُهُمْ ﴾
.
6- الأسوأ من عدم قبول العذر، عدم الاجازة لتقديم العذر:
﴿ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ
فَيَعْتَذِرُونَ ﴾.
1- المعبودون الخياليون والأصنام لا يستطيعون نصراً ولا عوناً، ليس هذا وحسب، بل يخطئونكم ويكذبونكم:
﴿ فَقَدْ
كَذَّبُوكُم ﴾.
2- الإنسان المشرك لا يتمتع بأي حماية أو نصرة في يوم القيامة، وهو عاجز عن القيام بأي عمل من أجل نجاة نفسه:
﴿ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا
وَلَا
نَصْرًا ﴾.
3- المشرك ظالم، فجملة
﴿ وَمَن
يَظْلِم ﴾ جاءت في سياق ﴿
وَمَن
يُشْرِكْ ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَمَا
أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ
لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ
وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ
رَبُّكَ بَصِيراً (20)
﴾
1- من السنن الإلهية إرسال الأنبياء:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.
2- التعرّف إلى التاريخ يسقط السلاح من يد المتذرعين، ويكون سبباً في مواساة الرسول الأكرم
(ص) أيضاً: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ ... إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ
الطَّعَامَ
﴾.
3- جميع الأنبياء عاشوا حياة بشرية:
﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ ﴾.
4- المربي والمعلم يجب أن يتواجد بين الناس ويعيش بينهم:
﴿ وَيَمْشُونَ
فِي الْأَسْوَاقِ ﴾.
5- حياة الأنبياء البسيطة امتحان للناس:
﴿ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً
﴾. فلو أنَّ الأنبياء عاشوا حياة الملوك والسلاطين وكانوا يملكون القصور والذهب والخدم والحشم، لاجتمع الناس حولهم وتبعوهم بسبب حب الدنيا وطلبها، وهذا النمط من الاتباع ليس له قيمة. إنَّما القيمة الحقيقية في أن يتبع الإنسان شخصاً عادياً في الظاهر ويطيعه.
6- واحدة من وسائل الامتحان والفتن، هم الناس أنفسهم:
﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ﴾، فأحياناً يكون الشخص غنياً ليتبين أمره أيشكر أم يكفر ويطغى، وآخر يكون فقيراً ليمتحن أيصبر أم يحسد الأغنياء.
7- الصبر هو مفتاح التوفيق في الامتحانات الإلهية:
﴿ فِتْنَةً
أَتَصْبِرُونَ ﴾.
8- فلسفة الامتحانات الالهية تربية البشر:
﴿ رَبُّكَ ﴾.
9- الامتحانات الإلهية لا تكشف أي مسألة للمولى تعالى ولا تزيده علماً، لأنَّه بكلِّ شيء عليم وبصير ومحيط:
﴿ وَكَانَ
رَبُّكَ بَصِيرً ﴾، فالامتحانات الإلهية تهدف إلى تفتح الخصال الإنسانية الباطنية وبروزها، لأنَّ العذاب والعقاب يكون على أساس بروز هذه الخصال وظهورها، فليس من المعقول أن يمنح الشخص أجراً على علم أو فن يملكه، بل يمنح الأجر عندما يظهر هذا العلم وهذا الفن ويتبلور في قالب عملي؛ وعند ذلك يستحق الجزاء.
10 - العلم بأنّا جميعاً تحت نظر الله سبحانه وفي عينه عامل في إيجاد الصبر:
﴿ أَتَصْبِرُونَ
وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ
عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ
اسْتَكْبَرُواْ فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْاْ عُتُوّاً كَبِيراً
(21)
﴾
«العتو» هو أسوأ أنواع الظلم.
يطلق على يوم القيامة يوم «اللقاء» ففي ذلك اليوم ترتفع الموانع وتزول الغفلة والجهل، ويرى جميع الناس العظمة الالهية بأعينهم:
﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾
.
1- عدم الاعتقاد باليوم الآخر والمعاد هو الأساس التي تقوم عليه الذرائع والمتذرعون في مواجهة الأنبياء:
﴿ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا ... ﴾.
2- إنَّ مجرد الرجاء بلقاء الله وباليوم الآخر كافٍ لبناء الإنسان في طاعته لله تعالى واللقاء
﴿ لَا يَرْجُونَ ﴾، كذلك الأمر بالنسبة إلى أكثر السعي فإنَّه يكون رجاء الوصول إلى الهدف.
3- يوم القيامة يوم لقاء اللطائف الالهية أو القهر الالهي، بحسب ما يقدم كلّ إنسان لذلك اليوم واللقاء:
﴿ لِقَاءَنَا ﴾.
4- الكفار يصدقون الملائكة:
﴿ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ ﴾.
5- الماديون ينظرون إلى كلِّ المسائل من منظار مادِّي وهم يطلبون رؤية الله تعالى بالعين المجردة:
﴿ نَرَى
رَبَّنَا ﴾.
6- إنَّ منبع الطغيان والاستكبار هو الغرور الباطني والاستكبار النفسي:
﴿ اسْتَكْبَرُواْ
فِي أَنفُسِهِمْ ﴾، «إنَّ كلَّ إناء بما فيه ينضح».
7- المعاصي والطغيان لكل درجات:
﴿ عُتُوًّا
كَبِيرًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ
لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً
(22)
﴾
في الآية السابقة كان الحديث عن المستكبرين الذين لا يرجون لقاء الله ويتوقعون نزول الملائكة عليهم، في هذه الآية يبين المولى عزَّ وجلَّ أنَّ الملائكة سوف تنزل عليهم، لكن بدل أن تحمل إليهم النور والوحي، سوف تحمل إليهم أشد أنواع التهديد والعذاب، وهذا اليوم هو يوم موتهم كما الحديث الشريف عن الامام الباقر
(ع)، حيث يأمر المولى سبحانه ملك الموت بأن ينزل ويقبض أرواح الكافرين، وعندما تصل أرواحهم إلى حناجرهم تضربهم الملائكة على وجوههم وأدبارهم
.
كلمة الحجر بمعنى (المنع)، ويقال للعقل (حِجر) لأنَّه يمنع الإنسان من التخلف:
﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ﴾
.
رؤية الله تعالى شيء محال، لكن رؤية الملائكة في ظروف خاصة شيء ممكن:
﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ
﴾. كذلك نقرأ في آيات أخرى حول رؤية الملائكة وتكلمهم مع البشر، حيث يسلِّمون على المؤمنين يوم القيامة وكذلك حديثهم مع الكافرين...
المجرمون (الذين يتوقعون نزول الملائكة عليهم) لا تأتيهم البشرى من أي جهة:
﴿ لَا
بُشْرَى
يَوْمَئِذٍ
لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ
هَبَاءً مَّنثُوراً
(23)
﴾
«الهباء» يعني التراب الناعم (ما يرى من ذرات الغبار في شعاع الشمس) و«منثورا» يعني المبعثر والمتفرق. يشبِّه القرآن الكريم عمل الكفار بالرماد الذي تذروه الرياح وتبعثره:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ
اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ
مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ﴾
.
وفي آية أخرى يشبِّه القرآن الكريم عمل الكفار بالسّراب الذي يحسبه الظمآن ماء.
ورد في الروايات مصاديق كثيرة حول هذه المسألة، وقد تحدثت بعض هذه الروايات عن أشخاص يصلُّون ويصومون لكنَّهم لا يتورعون عن أكل الحرام، أو ممن يكنُّون البغض والحقد لأمير المؤمنين علي
(ع) ومحبِّيه، وهؤلاء من مصاديق الذين تذهب أعمالهم هباءً منثوراً.
1- في يوم القيامة تتجسد أعمال الإنسان:
﴿ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً ... ﴾.
2- جميع أعمال المجرمين تذهب هباءً:
﴿ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ ... هَبَاءً ﴾.
3- لا يجب أن نطمئن إلى عملنا وسعينا، فكم من عمل يبقى بلا أثر ولعلَّ عاقبتنا تكون عاقبة سوء:
﴿ هَبَاءً ﴾.
4- إنَّ النية والحافز هما روح العمل الذي ينجزه الإنسان، فالعمل من دون عقيدة صحيحة وإخلاص لا فائدة منه، فهو عبث:
﴿ هَبَاءً
مَّنثُورًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ
مَقِيلاً (24)
﴾
كلمة (مقيل) تعني المكان الذي يؤوى إليه للاستراحة، وهي أيضاً بمعنى الاستراحة وسط النهار.
التشويق والبشارة أمر ضروري إلى جانب التحذير والإنذار:
﴿ هَبَاء مَّنثُورًا – خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ
الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً (25)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى
الْكَافِرِينَ عَسِيراً (26)
﴾
كانت السماء في البداية دخاناً:
﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ ﴾
، ثمَّ أنَّها في المستقبل سوف تتلاشى:
﴿ تَشَقَّقُ
السَّمَاءُ ﴾.
يوم القيامة لا شيء ينفع الكافرين، لا الواسطة ولا الأعذار، ولا الأولاد والأقرباء والمقام والأموال، لذلك فهو يوم ثقيل عليهم.
بالنسبة إلى كلمة «الغمام» فيحتمل أن يكون المعنى أنَّ السماء تتشقق مع الغمام، فتشقق السماء مترافق مع الغمام. أما جملة:
﴿ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا ﴾ فيستفاد منها أن نزول الملائكة في يوم القيامة غير متوقع ويكون نزولاً خاصاً...
1- المالكية والحاكمية الالهية أمر حقيقي وواقعي وليس اعتبارياً وعارضاً ولا ظالماً:
﴿ الْمُلْكُ
يَوْمَئِذٍ
الْحَقُّ ﴾.
2- يوم
القيامة يوم تجلي الرحمة الإلهية: ﴿
الْمُلْكُ
يَوْمَئِذٍ
الْحَقُّ
لِلرَّحْمَنِ
﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً
(27) يَا
وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً
(28) لَّقَدْ
أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً
(29)
﴾
«الخذلان» تطلق عندما يأمل الإنسان في حماية شخص آخر، ثمَّ هذا الشخص يتركه، خصوصاً عند الشدَّة.
ورد في الروايات أنَّ القائد الإلهي هو مصداق «الذكر» والإضلال عن «الذكر» يعني الضلال عن القائد الحق.
لقد اهتم الإسلام بمسألة اتخاذ الصاحب، وكانت له توصيات كثيرة حول المصاحبة، وقد شجع على مصاحبة أفراد ونهى عن مصاحبة آخرين، وهنا الموضوع يحتاج إلى بحث مستقل، لكن نشير هنا إلى بعض العناوين الفرعية لهذا الموضوع:
في هذا البحث المختصر إشارة إلى بعض الروايات والأحاديث التي تتحدث عن الصاحب والمصاحبة، علماً بأنَّ الآيات والروايات التي تتحدث عن طرق معرفة الصاحب أو الصديق، وحدود الصداقة، واستمرارها، أو قطع الصداقة، والدوافع إلى إقامتها وآداب معاشرة الأصحاب وحقوق الصحبة كثيرة، ولا مجال لذكرها في هذا البحث.
1- قال رسول الله
(ص): «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»
.
2- «الوحدة خير من رفيق السوء»
.
3- يقول أمير المؤمنين
(ع): «الصديق أقرب الأقارب»
.
4- يقول الإمام الصادق
(ع): «لا تسمِّ الرجل صديقاً سمة معرفة حتى تختبره بثلاث: تغضبه فتنظر غضبه يخرجه من الحق إلى الباطل، وعند الدينار والدرهم، وحتى تسافر معه»
.
كذلك وردت آيات وأحاديث مفصلة حول اتخاذ الخليل والصديق والرفيق، وكتب الأدباء ونظم الشعراء في ذلك الكثير.
1- الحسرات الباطنية تؤثر في الأعمال والسلوك عند الإنسان بحيث تجعل الإنسان يعض على يديه:
﴿ يَعَضُّ
الظَّالِمُ ﴾.
2- ترك طريق الأنبياء ظلم:
﴿ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ وهو ظلم لنفسه وظلم للأنبياء.
3- عذاب يوم القيامة شديد:
﴿ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ وليس يعض على اصبع أو يد واحدة بل يعض على يديه.
4- يوم القيامة يستيقظ الضمير ويستيقظ الوجدان:
﴿ يَعَضُّ
ـ يَقُولُ ﴾.
5- الندم دليل على أنَّ الإنسان مختار، ولو كان الإنسان مجبوراً لم يكن للندم معنى:
﴿ يَا لَيْتَنِي ﴾.
6- الصداقة والرفقة غير المشروعة اليوم تحمل في طياتها خطراً على الغد:
﴿ يَا لَيْتَنِي ﴾ الصداقة مؤثرة على مستقبل الإنسان.
7- الإيمان وحده ليس كافياً، يجب أن يترافق مع اتباع الأنبياء:
﴿ مَعَ
الرَّسُولِ ﴾.
8- الاتصال والارتباط مع الأنبياء هو طريق النجاة، حتى ولو كان هذا الارتباط قليلاً:
﴿ سَبِيلً ﴾.
9- لا يتسع القلب إلى رفيقين (متناقضين) وحبين:
﴿ رفقة النبي ورفقة الإنسان الضال ﴾، ﴿
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
...
لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً
﴾.
10 - الرفقاء المنحرفون من عوامل الشيطان وجنوده:
﴿ فُلَانًا خَلِيلًا ... وَكَانَ الشَّيْطَانُ ﴾.
11- أسماء الأشخاص ليست مهمة، المهم أفعالهم:
﴿ فُلَانًا ـ أَضَلَّنِي ﴾.
12- علامة رفيق السوء الإضلال والغفلة:
﴿ أَضَلَّنِي
عَنِ الذِّكْرِ ﴾.
13- تتغلب أحياناً عواطف الصداقة والرفقة على الاستدلال والمنطق:
﴿ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ
إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً
(30)
﴾
«الهجر والهجران»: مفارقة الإنسان غيره إما بالبدن، أو باللسان أو بالقلب، وقوله تعالى:
﴿ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورً ﴾ فهذا هجر بالقلب أو بالقلب واللسان
.
يجب أن تكون العلاقة بين الإنسان والقرآن الكريم علاقة دائمة وفي جميع أبعاد الحياة، وكلمة «هجر» تستخدم حيث تكون العلاقة بين الإنسان والشيء ضعيفة.
يجب أن نسعى في جميع الاتجاهات لكي نرفع الهجر عن القرآن الكريم، ونجعله محوراً في جميع أبعاد حياتنا، فيكون محورنا العلمي والعملي، وبذلك يرضى الرسول الأكرم
(ص).
إنَّ عدم قراءة القرآن، وتفضيل غير القرآن على القرآن، وعدم جعله محوراً في جميع شؤوننا، بالاضافة إلى عدم التدبر فيه، وعدم تعليمه للآخرين والابتعاد عن العمل به، كلُّ ذلك من مصاديق هجر القرآن، حتى أنَّ من يتعلم القرآن ويدرسه، وينحّيه جانباً، فلا يتعهده ولا ينظر إليه يعدُّ ممن اتخذ القرآن مهجوراً.
هذه الآية تتحدث عن شكوى رسول الله
(ص) يوم القيامة، غير أنَّه لا يدعو على أمته لأنَّه بعث رحمة للعالمين.
ورد عن الإمام الرض
(ع)، أنّه قال: «أمر الناس بالقراءة في الصلاة: لئلا يكون القرآن مهجوراً ومضيعاً، وليكون محفوظاً مدروساً فلا يضمحل ولا يُجهل»
.
وروي عن رسول الله
(ص) أنَّه قال: «يا ابن عباس إذا قرأت القرآن ترتله ترتيلاً، قال: وما الترتيل؟ قال: بينه تبياناً ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذه هذّ الشعر، فقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكون هم أحدكم آخر السورة»
.
أ: يقول العلامة ملاّ صدرا (قده) في مقدمة تفسيره سورة الواقعة: «لقد طالعت كتب الحكماء، وتعمقت فيها حتى ظننت أني شيء (أني إنسان)، لكن عندما تبصرت قليلاً وجدت نفسي خالياً من العلوم الحقيقية والواقعية، فخطر في ذهني أن أتدبر في القرآن وروايات الرسول الأكرم
(ص) وأهل بيته (ع)، وتيقنت أنَّ عملي كان بلا أساس، لأنِّي كنت أقف طوال عمري في الظل بدلاً من الوقوف في النور، لقد شعرت بالغصَّة تملأ قلبي وروحي، وتشعل فؤادي ناراً، حتى أدركتني الرحمة الالهية وأخذت بيدي، وفتحت أمامي أبواب معارف القرآن، فبدأت بتفسير القرآن والتدبر فيه، فطرقت باب منزل الوحي، حتى فتح بابه وانزاح الستار عنه، ورأيت الملائكة تقول لي:
﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾.
أما الآن وقد شرعت بكتابة أسرار القرآن، فإنّي أقرّ بأنَّ القرآن بحر عميق لا يمكن سبره إلا باللطف الإلهي والعناية السماوية، لكن ماذا أفعل؟ لقد ضاع العمر، وهزل البدن، وانفطر القلب، ورأسمالي قليل، ووسائل عملي ناقصة، وروحي صغيرة وضعيفة.
ب: يقول الفيض الكاشاني (قده) في رسالة الإنصاف: «لقد غرقت لمدة طويلة في مطالعة مجادلات المتكلمين ومحاوراتهم، وبذلت جهوداً كثيرة في ذلك، غير أنَّ هذه البحوث كانت وسائل جهلي، ولقد تعمقت لفترة طويلة في تعلم الفلسفة والتبحر فيها، ووجدت في أحاديث الفلاسفة سمواً وعلواً وتحليقاً في الفضاء، فقضيت مدَّة من الزمن بين حديث لهذا ومقال لذاك، وكتبت الكتب والرسائل، فكنت أجمع بين حديث الفلاسفة والمتصوفة والمتكلمين واربط فيما بينها، لكني لم اصدق أياً منها، ولم يكن في أي من هذه العلوم دواء علتي، ولم أجد فيها ما يروي ظمأي، فخفت على نفسي، وفررت إلى الله تعالى وأنبت إليه، حتى هداني المولى عزَّ وجلَّ من طريق التعمق بالقرآن والأحاديث الشريفة».
ج: يقول الإمام روح الله الموسوي الخميني
(قده) : «إنِّي أقول لكم بكل حزم ومن دون مجاملة، إنِّي أتأسف لعمري الذي ذهب أدراج الرياح، أنتم يا ابناء الاسلام الشرفاء وجهوا الحوزات والجامعات نحو القرآن ومسائله وأبعاده المختلفة والكثيرة، واجعلوا تدريس القرآن في كلِّ فروعه وعلومه محط أنظاركم، ومحل هدفكم الأعلى ومقصدكم الأسمى، ولا تجعلوه في الحاشية، ولا تصلوا إلى حيث تندمون على عملكم أيام الشباب وتأسفون على العمر الضائع، بعدما يكون قد دب الشيب في رؤوسكم والضعف والعجز في أبدانكم، فتندمون في أواخر أعماركم (لا سمح الله) كما ندم كاتب هذه الكلمات»
.
1- الرسول الأكرم
(ص) واحد من الذين يشكون يوم القيامة: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ ﴾.
2- انتقاد الأشخاص الذين هجروا القرآن علانية:
﴿ اتَّخَذُواْ ... ﴾ ولم يقل: كان عندهم مهجوراً.
3- إنَّ جمع القرآن الكريم وتدوينه قد حصل أيام الرسول الأكرم
(ص) وفي حياته، لذلك تشير الآية الكريمة إلى: ﴿
هَذَا الْقُرْآنَ ﴾. فالقرآن وقع في مورد الخطاب.
4- التلاوة الظاهرية ليست كافية، بل يجب رفع الهجر عن القرآن:
﴿ مَهْجُورًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ
الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً
(31)
﴾
1- الصراع بين الحق والباطل والتضاد بينهما في مدار الإرادة الإلهية:
﴿ وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَا ﴾.
2- هناك دائماً لكلِّ منادٍ بالحق وقائل به مخالف وعدو:
﴿ لِكُلِّ
نَبِيٍّ
عَدُوًّا ﴾.
3- مواساة النبي الأكرم
(ص) من خلال النظر إلى مشاكل الآخرين: (الأنبياء) ﴿
لِكُلِّ
نَبِيٍّ
﴾.
4- الإنسان يغرق بداية في المعاصي ويتلوث بالذنوب، ثمَّ يتحول رويداً رويداً إلى عدو للأنبياء:
﴿ عَدُوًّا
مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾.
5- الإنسان ينحرف عن مسير الحق وينفصل عنه بالذنوب والمعاصي:
﴿ مِّنَ
الْمُجْرِمِينَ ﴾ و«جَرَم» في الأصل بمعنى القطع والفصل.
6- الصِّعاب تصقل الإنسان وتربيه:
﴿ جَعَلْنَا
ـ بِرَبِّكَ ﴾.
7- الطريق الوحيد للانتصار على الأعداء التمسك بالهداية والنصرة الإلهية:
﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾.
8- يجب أن نتوكل على الله سبحانه في مواجهة المخالفين:
﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾.
9- الله تعالى هو الكافي في الهداية والحماية، فلماذا التعلق بالآخرين؟:
﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾.
10 - - الأنبياء أيضاً بحاجة إلى هداية الله عزَّ وجلَّ:
﴿ وَكَفَى
بِرَبِّكَ
هَادِيًا ﴾.
11 -الإنسان يحتاج في المواجهة بين الحق والباطل إلى مسألتين: الهداية والقدرة:
﴿ هَادِيًا
وَنَصِيرًا ﴾. (الهداية لمعرفة الحق والقدرة للانتصار على الباطل).
12- الهداية والنصرة من شؤون الربوبية:
﴿ بِرَبِّكَ
هَادِيًا
وَنَصِيرًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿ وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ
تَرْتِيلاً (32)
﴾
المخالفون والمتذرعون يأتون كلَّ لحظة بذريعة، والهدف تبرير عدم إيمانهم، فمرة يقولون: لولا أنزل علينا الملائكة وتارة يطلبون رؤية الله، ومرة أخرى يقولون لو أنَّ للرسول كنز أو جنَّة يأكل منها، ثمَّ في هذه الآية يأتون بذريعة جديدة:
﴿ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ !.
1- النزول التدريجي عامل لارتباط الرسول الأكرم
(ص) الدائم والمستمر بمنبع الوحي، وأصل لثباته بقوَّة في هذا الطريق، وكذلك ليظهر أنَّ الرسالة ليست شرارة لفترة محددة في الزمان والمكان بمعنى أنَّها ليست مقطعية.
2- الدين الحي والجامع هو الدين الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحوادث والمناسبات، والحوادث والمناسبات بدورها تحدث بمرور الزمن وفي مناسبات مختلفة، وبحسب الظروف لا تظهر دفعة واحدة.
3- إنَّ القيام بجميع الأوامر وترك جميع النواهي دفعة واحدة (فيما لو نزلت جملة واحدة) يشكل عملاً صعباً وشاقاً على عموم الناس، ويسبب عسراً وحرجاً لهم.
4- بما أنَّ كلَّ سورة وآية في القرآن الكريم تشكل بحد ذاتها معجزة، لذلك فإنَّ النزول التدريجي لها يعدّ بمنزلة المعجزات المتعددة التي يعقب بعضها بعضاً، وبالتالي فهي تسلية لقلب الرسول الأكرم
(ص) ومواساة له في مواجهة أذية أعدائه.
5- هناك تفاوت كبير بين نزول كل آية بمناسبة الحاجة التي تنشأ، ونزول جميع الآيات من دون أخذ الحاجات بعين النظر.
6- هناك آيات هي عبارة عن أجوبة في مقابل أسئلة الناس، ومن البديهي أن يطرح السؤال أولاً ثمَّ تنزل الآية للاجابة عليه.
7- بعض الآيات والأحكام نزلت لمدَّة معينة ومحددة، لذلك يجب أن تنزل الآية التي تنسخها فيما بعد، هذا بالاضافة إلى نزول بعض الأحكام التدريجية.
قال النبي الأكرم
(ص) لابن عباس: «يا ابن عباس إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلاً. قال: وما الترتيل؟ قال: بينه تبييناً ولا تنثره نثر الدقل ولا تهذه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه وحرِّكوا به القلوب ولا يكوننَّ همَّ أحدكم آخر السورة»
.
سئل أمير المؤمنين
(ع) عن الترتيل؟ فقال: «حفظ الوقوف وأداء الحروف»
.
روي عن أبي عبد الله
(ع) أنَّه قال: «هو أن تتمكّث فيه وتحسن به صوتك
، ثمَّ قال: قال أمير المؤمنين
(ع): «بيِّنه تبياناً، ولا تهذه هذّ الشعر، ولا تنثره نثر الرمل، ولكن اقرع به القلوب القاسية، ولا يكونن همَّ أحدكم آخر السورة»
.
1- القائد يجب أن يمتلك قلباً مطمئناً وثابتاً وقوياً:
﴿ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾.
2- نتيجة التربية النبوية اطمئنان القلب:
﴿ لِنُثَبِّتَ
بِهِ
فُؤَادَكَ ﴾.
3- التعليم والتربية تدريجي:
﴿ وَرَتَّلْنَاهُ
تَرْتِيلًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ
وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33)
﴾
في هذه الآية خطاب للرسول الأكرم
(ص)، فالمولى تعالى يقول له: كلام المخالفين إما أنَّه باطل فنحن في مقابل ذلك قد جئناك بالحق، أو حق فقد جئناك بكلام حق أظهر وأحسن من كلامهم.
1- القرآن كتاب جامع يجيب على جميع التساؤلات والإشكالات والشبهات:
﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ .. ﴾
2- الأنبياء في مواجهة دائمة مع المخالفين، ومنهجهم مع هؤلاء هو المنطق والاستدلال:
﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ ... ﴾
3- المولى عزَّ وجلَّ يدافع عن الأنبياء، ويطرح كلام الحق في مقابل كلام الكفار الباطل:
﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ
بِمَثَلٍ
إِلَّا
جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ ﴾ ولم يقل: (جئت).
4- الحق ينتصر على الباطل:
﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ ... إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ
تَفْسِيرًا ﴾.
5- يجب أن يكون الكلام منطقياً وحقاً:
﴿ جِئْنَاكَ
بِالْحَقِّ ﴾.
6- هدف الأنبياء نشر الحق واستقراره وثباته:
﴿ جِئْنَاكَ
بِالْحَقِّ ﴾.
7- حديث النبي
(ص) وعلمه من جانب الله سبحانه: ﴿ جِئْنَاكَ ﴾.
8- يجب أن نقابل حديث الآخرين واعتراضاتهم بكلام أفضل:
﴿ وَأَحْسَنَ
تَفْسِيرًا ﴾.
9- كلام المخالفين واستدلالهم ضعيف يتزلزل بسرعة، لأنَّه يفقد رونقه وينهار أمام كلام الحق والتفسير الأحسن:
﴿ بِالْحَقِّ
وَأَحْسَنَ
تَفْسِيرًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ
أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً
(34)
﴾
1- تحقير الأنبياء في الدنيا سبب لتحقير المخالفين يوم القيامة:
﴿ يُحْشَرُونَ
عَلَى
وُجُوهِهِمْ ﴾.
2- أكثر الناس ضلالاً هم الذين يختلقون الاشكالات ويضعون الشبهات في وجه الأنبياء:
﴿ وَأَضَلُّ
سَبِيلًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ
وَزِيراً (35)
فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ
بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً
(36)
﴾
كلمة «تدمير» من «الدمار» ومعناه الهلاك بأمر فيه أعجوبة.
أساليب التبليغ والتربية في القرآن الكريم مختلفة، ففي موضع يقول:
«اذهبا إلى القوم المنحرفين المكذبين» وفي مكان آخر يقول: يجب أن يحضروا ويتحطم غرورهم، كما حصل في قضية النبي سليمان
(ع) مع قوم سبأ وملكتهم، حيث يعبر المولى تعالى على لسان سليمان:
﴿ وَأْتُونِي
مُسْلِمِينَ ﴾.
دروس وبصائر:
1- في مسألة التبليغ يتوجب أحياناً إرسال أشخاص عدة للتبليغ معاً:
﴿ اذْهَبَ ﴾.
2- إتمام الحجة على الضَّالِّين لازمة:
﴿ اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ ﴾.
3- الانكار والعناد لا يعني منع اللطف الإلهي.فالله سبحانه يرسل إلى القوم المعاندين نبياً لهدايتهم:
﴿ اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ ﴾.
4- تكذيب الأنبياء يعني تكذيب المولى تعالى:
﴿ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا ﴾.
5- نقل سيرة الكفار الماضين وتاريخهم وبيان هلاكهم وتدمير ممالكهم وقراهم، يعد أرضية صالحة للتحذير ونهي الكفار عن المكر في زمن الرسول وفي كل زمن:
﴿ فَدَمَّرْنَاهُمْ ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَقَوْمَ
نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ
وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ
عَذَاباً أَلِيماً (37)
﴾
1- إنَّ تكذيب نبي واحد يعد بمثابة تكذيب جميع الرسل:
﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ ﴾. لأنَّ جميع الأنبياء إنَّما جاؤوا لهدف واحد، هداية الناس إلى الإله الواحد.
2- التاريخ درس وعبرة:
﴿ جَعَلْنَاهُمْ
لِلنَّاسِ
آَيَةً ﴾.
3- إنّ مصير الناس بأيديهم:
﴿ كَذَّبُواْ ... أَغْرَقْنَاهُمْ ﴾.
4- تكذيب الأنبياء ظلم:
﴿ وَأَعْتَدْنَا
لِلظَّالِمِينَ ﴾.
5- تكذيب الأنبياء يتبعه عذاب في الدنيا:
﴿ أَغْرَقْنَاهُمْ ﴾ وعذاب يوم القيامة: ﴿
عَذَابًا
أَلِيمًا ﴾.
يقول
سبحانه وتعالى:﴿
وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ
كَثِيراً (38)
وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلّاً تَبَّرْنَا
تَتْبِيراً (39)
﴾
«القرون» جمع «قرن» في الأصل تعني جماعة من الناس تعيش مع بعضها في زمان واحد ومعين، ويطلق القرن على الفترة الزمانية ما بين 40 إلى 100 سنة.
و«التتبير» تعني التدمير، وكل شيء كسرته وفتتته فقد تبرته.
جاء في التفاسير حول أهل الرس أخبار كثيرة: منها أنَّهم قوم شعيب النبي
(ع). وكذلك أن «الرس» مدينة في «اليمامة»، أو أنَّها بئر في «انطاكية»، وفي بعض الروايات أن الرس هو «نهر
الرس» وغير ذلك من الأخبار.
عن علي بن موسى الرض
(ع) عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي
(ع) قال: أتى علي بن أبي طالب (ع) قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له: عمرو فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا؟ وأين كانت منازلهم؟ ومن كان ملكهم؟ وهل بعث الله عزَّ وجلَّ إليهم رسولاً أم لا؟ وبماذا هلكوا؟ فإنِّي أجد في كتاب الله تعالى ذكرهم ولا أجد غيرهم. فقال له علي
(ع): لقد سألتني عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ولا يحدثك به أحد بعدي إلا عني، وما في كتاب الله عزَّ وجلَّ آية إلا وأنا أعرفها وأعرف تفسيرها، وفي أيِّ مكان نزلت من سهل أو جبل؟ وفي أي وقت من ليل أو نهار؟ وإن هيهنا لعلماً جماً ـ وأشار إلى صدره ـ ولكن طلابه يسير، وعن قليل يندمون لو فقدوني. كان من قصتهم يا أخا تميم: أنَّهم كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبرة يقال لها: شاه درخت، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها: دوشاب، كانت انبتت لنوح
(ع) بعد الطوفان، وإنَّما سمُّوا أصحاب الرَّس، لأنَّهم رسوا بينهم في الأرض، وذلك بعد سليمان بن داوود
(ع)، وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطىء نهر يقال لها: رس، من بلاد المشرق، وبهم سمي ذلك النهر، ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه، ولا أعذب منه، ولا قرى أكثر ولا أعمر منها تسمى احداهن: أبان، والثانية: آذر، والثالثة: دى، والرابعة: بهمن، والخامسة: اسفندار، والسادسة: فروردين، والسابعة: اردي بهشت، والثامنة: خرداد، والعاشرة: تير، والحادية عشر: مهر، والثانية عشر: شهريور. وكانت أعظم مدائنهم اسفندار، وهي التي ينزلها ملكهم، وكان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان، فرعون إبراهيم
(ع)، وبها العين والصنوبرة، وقد غرسوا في كلِّ قرية منها حبَّة من طلع تلك الصنوبرة، فنبتت الحبَّة، وصارت شجرة عظيمة، وحرموا ماء العين والأنهار، فلا يشربون منها ولا انعامهم، ومن فعل ذلك قتلوهم، ويقولون: هو حياة آلهتنا، فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها، ويشربونهم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم. وقد جعلوا في كلِّ شهر من السَّنة في كلِّ قرية عيد يجمع إليه أهلها، فيضربون على الشجرة التي بها كلة
من يريد فيها من أنواع الصور، ثمَّ يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة، ويشعلون فيها النيران بالحطب، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها في الهواء، وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خرُّوا للشجرة سجداً ويبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم، فكان الشيطان يجيء فيحرِّك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي، ويقول: قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفساً وقروا عينا، فيرفعون رؤوسهم عند ذلك، ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف ويأخذون الدست بند، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم، ثمَّ ينصرفون. وإنَّما سميت العجم شهورها بآبانماه وآذرماه وغيرهما، اشتقاقاً من أسماء تلك القرى، لقول أهلها بعضهم لبعض: هذا عيد شهر كذا، وعيد شهر كذا، حتى إذا كان عيد شهر قريتهم العظمى، اجتمع إليه صغيرهم وكبيرهم، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقاً من ديباج عليه من أنواع الصور، له اثنا عشر باباً، كلَّ باب لأهل قرية منهم، ويسجدون للصنوبرة خارجاً من السرادق ويقربون له الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم، فيجيء إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكاً شديداً، ويتكلم من جوفها كلاماً جهورياً، ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم، ومنتهم الشياطين كلها، فيرفعون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف، فيكونون على ذلك اثني عشر يوماً ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة، ثمَّ ينصرفون. فلمَّا طال كفرهم بالله عزَّ وجلَّ وعبادتهم غيره، بعث الله عزَّ وجلَّ إليهم نبياً من بني إسرائيل من ولد يهود بن يعقوب، فلبث فيهم زماناً طويلاً، يدعوهم إلى عبادة الله عزَّ وجلَّ ومعرفة ربوبيته، فلا يتبعونه، فلمَّا رأى شدَّة تماديهم في الغي والضلال، وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح، وحضر عيد قريتهم العظمى، قال: يا رب إنَّ عبادك أبوا إلا تكذيبي والكفر بك، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر، فأيبس شجرهم أجمع، وأرهم قدرتك وسلطانك فأصبح القوم وقد يبس شجرهم، فهالهم ذلك وقطع بهم، وصاروا فرقتين، فرقة قالت: سحر آلهتكم هذا الرجل الذي يزعم أنَّه رسول ربّ السماء والأرض إليكم، ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه، وفرقة قالت: لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيهم ويدعوكم إلى عبادة غيرها، فحجبت حسنها وبهائها لكي تغضبوا لها فتنتصرون منه، فاجمع رأيهم على قتله، فاتخذوا أنابيب طوالا من رصاص واسعة الأفواه، ثمَّ أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء، ثمَّ حفروا في قرارها بئراً ضيقة المدخل عميقة، وأرسلوا فيها نبيهم وألقموا فاهه صخرة عظيمة، ثمّ أخرجوا الأنابيب من الماء، وقالوا: نرجو الآن أن ترضى عنَّا آلهتنا، إذ رأت أنا قد قتلنا ما كان يقع فيها، ويصد عن عبادتها، ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه، فيعود لنا نورها ونضارتها كما كانت. فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم
(ع)، وهو يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي، وعجّل بقبض روحي، ولا تؤخر إجابة دعوتي، حتى مات
(ع)، فقال الله عزَّ وجلَّ لجبرائيل (ع): يا جبرائيل انظر عبادي هؤلاء الذي غرّهم حلمي وأمنوا مكري، وعبدوا غيري وقتلوا رسولي، أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني كيف؟! وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخشَ عقابي وإنِّي حلفت بعزتي لأجعلنهم عبرة ونكالاً للعالمين، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديدة الحمرة، فتحيروا فيها وذُعروا منها وانضم بعضهم إلى بعض، ثمَّ صارت الأرض من تحتهم كحجر كبريت يتوقد وأظلَّتهم سحابة سوداء، فألقت عليهم كالقبة جمرا تلتهب، فذابت أبدانهم في النار كما يذوب الرصاص في النار. فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
.
وقد ورد ذكرهم في نهج البلاغة، حيث يقول الأمير
(ع): «أين أصحاب مدائن الرّس الذين قتلوا الأنبياء».
1- لقد أتمَّ الله تعالى حجته على جميع الأمم:
﴿ وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ﴾.
2- من السنن الإلهية نزول العذاب والغضب على الكفار والمكذبين بعد إتمام الحجة بإرسال الرسل وبنزول الآيات:
﴿ كَذَّبُوا الرُّسُلَ ... وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ﴾.