تفسير سورة الأحزاب

 

 جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد

 - بيروت - لبنان

الطبعة الأولى، ذو الحجة 1438هـ // 2016م

فهرس الكتاب

الجزء الأول

الجزء الثاني
 مقدمة الجمعية
 سورة الأحزاب
 ملامح سورة الأحزاب

تفسير الآيات

 الآية 1 الآية 2

 الآيتان 3 و 4

الآية 5
 الآية 6 الآية 7

 الآية 8

الآية 9
الآيتان 10 و 11 الآية 12   الآية 13 الآيتان 14 - 15
الآية 16 الآية 17 الآية 18 الآية 19
 الآية 20 الآية 21 الآية 22 الآية 23
  الآية 24 الآية 25  الآيتان 26 و 27 الآية 28
 الآية 29 الآية 30  الآية 31 الآية 32
 الآية 33 الآية 34  الآية 35

 

 


مقدمة الجمعية



اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالِميْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّد وآلِهِ الطَّيِبيْنَ الطّاهِرِيْنَ.
قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (1) .
القرآن الكريم هو الذكر الحكيم والكتاب العظيم والفرقان المبين والقسطاس المستقيم، وهو كتاب الهداية لسعادة البشر، يشتمل على القوانين التي يحتاجها الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية والسياسية، والروحية والمادية. وهو الكتاب المعجز والمعجون الملكوتي الباهر، والموسوعة الربانية المليئة بالعجائب والمحاسن، والدستور السماوي الخالد، الموافق لجميع الأعصار والأمصار، الهادي إلى أعلى طريقة وأحسن أسلوب وسلوك في الحياة، وهو نور من الضلالة بجميع مراتبها، فهو كتاب من عند الله يحتوي على الحقائق الاعتقادية والأخلاقية والأفعال التي يجب الأخذ بها، وهو يشتمل على جميع أسباب الهداية، وهو رسالة الله تعالى إلى عباده أوحاها إلى سيد رسله وخير خلقه وخاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو معجزة الإسلام الخالدة وهو أحسن الخزائن الإلهية.

والقرآن هو الثقل الأكبر الذي قرنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) وهم الثقل الأصغر، وهذان الثقلان خلَّفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته ليكونا سبباً للهداية والنجاة ما إن تمسكوا بهما، والقرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله تبارك وتعالى على رسوله الأعظم خير خلقه وخاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، التدبر والتفكر فيه عبادة من أفضل العبادات وأجلها، دعا إليها ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾.

واعلم أنَّ تفسير القرآن وفهم معانيه هوَ فضل عظيم لا يؤتى إلّا لمن أراد اللهُ بهِ خيراً، فالتفسير علم عظيم مشتمل على علوم وفنون كثيرة، ومستلزم لمقومات عديدة يجب على المفسر أن يتوفر عليها، وإلا فلا يقترب من هذا الحصن المنيع، وليدعه لأهله العلماء الربانيين والأولياء العرفاء الذين تسبق أعمالهم أقوالهم والذين أتعبوا لله أبدانهم، وأسهروا في طلب العلم لياليهم وقضوا فيه أعمارهم.

الاطلاع على التفسير فوائد منها:
١- فهم كلام الله عزَّ وجلّ والمُراد منه؛ وذلك لأنَّ القُرآن الكريم هوَ كلام الله سُبحانهُ وتعالى الذي هوَ المصدر الأوّل للتشريع الإسلاميّ وبدون فهم المصدر التشريعي الأساسي فلن نتمكن من معرفة تعاليم الدين بالشكل المطلوب.
٢- معرفة التفسير يُفيد في استنباط الأحكام الفقهيّة من خلال الآيات، فالتفسير يضعك في قلب الآية ويقوم بتحليلها لك بحيث تستطيع الخروج برؤية فقهيّة سليمة.
٣- يُبيّن لكَ الآيات الناسخة والمنسوخة من خلال فهمك للآيات اللاحقة زمنيّاً والتي نسخت ما قبلها.
٤- علم التفسير يلجأ بك إلى تعلّم بقيّة عُلوم اللغة ومعرفة أسباب النزول والمُتشابه والمُحكم من التنزيل.
٥- يُعين التفسير على حفظ القُرآن الكريم، لأنَّ الحفظ مع الفهم الواضح لآيات القرآن الكريم يجعلك قادراً على سرعة الحفظ مع تثبيت الحفظ لديك لأنّك تعلم ما تحفظهُ جيّداً.

ونحن في جمعية القرآن الكريم اخترنا لكم تفسير سورة الأحزاب الحاوية على دروس وبصائر وتأملات وفوائد عظيمة، ونكات رائعة، ومواعظ نافعة، ومفاهيم إسلامية رفيعة، مما يحيي القلوب ويزيد المؤمن إيمانا واطمئنانا ويشرح الصدور ويملؤها هداية ونورا.
وقد استطاع صاحب هذا التفسير أن يغور في فهم القرآن الكريم بدقة وعمق، ويكشف عن أسرار الآيات الشريفة في هذه السورة وغيرها، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياه للاستفادة من هذا الكتاب بالتدبر والعمل, فالله ولي التوفيق هو حسبنا ونعم الوكيل.
 

جمعية القرآن الكريم

للتوجيه والإرشاد


(1) سورة محمد، الآية: ٢٤.

 


سورة الأحزاب


 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (5) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً (7) لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا إِلَّا يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً (15) قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً (16) قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَاتَلُواْ إِلَّا قَلِيلاً (20) لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22) مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً (23) لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (50) تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً (52) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُواْ وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً (53) إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54) لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (59) لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62) يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَاْ (66) وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَاْ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (73)
 

 


ملامح سورة الأحزاب


 

 
نزلت سورة الأحزاب في المدينة وعدد آياتها ٧٣ آية.
في السنة الخامسة للهجرة اجتمع يهود المدينة والمنافقون المندسون بين المسلمين ومشركوا مكة وتوحدوا واتّفقوا سرّاً لقتال المسلمين. في مقابل هذا الهجوم حفر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه خندقاً حول المدينة. عرفت هذه المعركة بمعركة الأحزاب من جهة، لأنّ عدّة مجموعات اتّحدت فيها لقتال المسلمين، ومن جهة أخرى عرفت بمعركة الخندق لأن المسلمين حفروا خندقاً حول مدينتهم دفاعاً عنها.

في هذه السورة ١٧ آية منها تتحدث عن معركة الأحزاب، في الآيات ٢٠- ٢٢ - تكررت كلمة الأحزاب ثلاث مرات، لذلك سميت بسورة الأحزاب، بالإضافة إلى معركة الأحزاب، تتحدث السورة حول مواضيع ومسائل؛ كالظهار والطلاق في الجاهلية، وأحكام ادعاء الابن، والحجاب، والمعاد.
 

 


الآية (1)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1)

 


جاءت كلمة «أيها» بعد حرف النداء «يا»، وهذا خاص بالموارد التي يراد منها جلب انتباه الآخرين غير المخاطب أيضاً، فعندما يُقال: «يا رسول الله» يكون المخاطب وحده رسول الله، لكن عندما يُقال: «يا أيها الرسول» يكون المخاطب عموم الناس (1) .
 

 


١- لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مقام خاص عند الله تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ أما سائر الأنبياء في القرآن فقد نودوا بأسمائهم؛ يا إبراهيم ! يا نوح! يا موسى ! يا يحيى!، لكن لم يرد في القرآن «يا محمد».

٢- الرسول الأكرم بحاجة إلى الموعظة: «يا أيها النبي اتق الله».

٣- الأمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحقيقة هو أمر للاتباع: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾.

٤- نمنع المنكر بإحياء المعروف: بداية الطاعة لله تعالى ثم عدم إطاعة الكافرين والمنافقين ﴿ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾.

٥- إن اتّباع الكافرين والمنافقين يعني عدم التقوى: ﴿ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾.

٦- الكفار والمنافقون يتربّصون بالأنبياء، وفي اعتبارهم لفت نظرهم بأيّ نحو ممكن «لا تطع الكافرين والمنافقين».

٧- يمكن مواجهة الانحرافات والأفكار السيئة والفاسدة عندما تكون التقوى متينة ﴿ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ ﴾.

٨- إن الكفار والمنافقين في خط وخندق واحد: ﴿ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾.

٩- إطاعة الله تعالى العليم الحليم لها مبرراتها وأسبابها الحكيمة: «عليماً حكيماً» لكنّ إطاعة الكافرين والمنافقين الذين لا علم لديهم ولا حكمة لا مبرر لها؛ ﴿ اتَّقِ اللَّهَ .... عَلِيماً حَكِيماً ﴾.

١٠- منبع الأحكام والتعاليم الإلهية المبنية على ترك إطاعة الكفار والمنافقين هو علمه وحكمته تعالى: ﴿ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ .


 


الآية (2)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2)

 

١- عندما ترى طريق الانحراف، افتح طريقاً من النور، أولاً طرد الشياطين لتحل محله الملائكة: «لا تطع .. واتبع».

٢- الطريق الوحيد للوصول إلى التقوى هو اتباع الوحي (في الآية السابقة قال تعالى): ﴿ اتَّقِ اللَّهَ ﴾ في هذه الآية قال: «اتبع ما يوحى إليك».

٣- الوحي شأن من شؤون الربوبية: (من ربك). إن اتباع الوحي وسيلة للتربية والرشد: «ربك».

٤- الإيمان بالعلم الإلهي أقوى مبنى لاتباع الوحي: «واتبع .. إن الله .. خبيرا».


 


الآيتان (3) و (4)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)

 


• الأدعياء جمع «دعي» وهو الذي يدعى ولد فلان وهو ليس بولده.

• الظهار أن يقول الرجل لزوجته أنت عليّ كظهر أمي، وكان العرب في الجاهلية يعدون هذا الكلام بمنزلة الطلاق، وللتوضيح أكثر يراجع كتب الفقه.

• القرآن ينسب الأحاسيس والميول والعواطف إلى القلب.

 


١- إن عدم إطاعة الكفار والمنافقين من جهة، وإطاعة الوحي من جهة أخرى دونه عقبات ومشكلات، والطريق لمواجهة ذلك التوكل على الله تعالى: (لا تطع ... واتبع ... وتوكل).

٢- يجب أن نسعى من أجل بيان دليل الأحكام والتعاليم: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ من وجد الله فماذا فقد ؟.

٣- إن الميول القلبية والفطرية للإنسان شيء واحد ليس أكثر، وما يقوله الإنسان أو يعلمه خلافاً لذلك، يعد نفاقاً شخصياً وليس إرادة لله تعالى: ﴿ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ ﴾.

٤- لا يمكن أن يجتمع حبّان متضادّان في قلب واحد: ﴿ مِّن قَلْبَيْنِ ﴾ إن اتباع الوحي ومحبة الله، لا يجتمع مع ولاية الكفار والمنافقين واتّباعهم.

٥- إن علاقة الوالدين بالأبناء علاقة حقيقية وطبيعية، وليست عقداً ولا مجاملة. لا تكون الزوجة كالأم: ﴿ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ ولا يُصبح الولد الدعي كالولد الحقيقي ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ﴾.

٦- من وظائف الأنبياء محو الخرافات من المجتمع: ﴿ وَمَا جَعَلَ .. ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾.

٧- الوحي الإلهي هو المعيار الفاصل بين الحق والباطل، وليست العادات والآداب الاجتماعية: ﴿ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ ﴾.


 


الآية (5)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (5)

 


١- يجب نسب الأفراد إلى آبائهم الحقيقييّن، وحفظ العلاقة الرابطة بهؤلاء الآباء: ﴿
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ﴾ (إثبات اسم الوالد في هوية الأفراد).

٢- يجب أن نتعامل مع الأشخاص مجهولي الآباء بكل احترام ومحبة وأخوة: ﴿ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾، بعض الأشخاص يقعون في الأسر بأيدي المسلمين ولكن المسلمين لا يعرفون آباءهم).

٣- الأخوة في الدين مصطلح قرآني: ﴿ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾.

٤- ادعوا العبيد الذين يتحررون ولا تعلمون آباءهم بالموالي: ﴿ وَمَوَالِيكُمْ ﴾.

٥- تعمد ارتكاب الجرم، والنية والعلم كل ذلك مؤثر: ﴿ أَخْطَأْتُم ﴾ - ﴿ تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾.

٦ -تعمد تغيير نسبة الهوية يعد جرماً: ﴿ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾.

٧- الله تعالى يعفو عن الخطأ غير المتعمد، ويشمل العبد بالرحمة والغفران: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم ... وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾.

٨ - إن مغفرة المولى تعالى مترافقة مع رحمته وشفقته: ﴿ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾.


 


الآية (6)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6)

 


• جاء في تفسير مجمع البيان: «آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الناس (الأنصار والمهاجرين)، فكان يؤاخي بين الرجلين فإذا مات أحدهما ورثه الثاني منهما دون أهله، فمكثوا بذلك حتى نزلت الآية: ﴿ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ ... وَالْمُهَاجِرِينَ ﴾ فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة والهجرة، وورث الأدنى فالأدنى من القرابات» (2) .

• روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد غزوة تبوك وأمر الناس بالخروج قال قوم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا، فنزلت هذه الآية ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ (3) .

• في يوم غدير خم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتنصيب الإمام علي (عليهم السلام) خليفة له، وذلك بأمر من المولى تعالى فقال: «أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، ثم أوجب لأمير المؤمنين (عليهم السلام) ما أوجبه لنفسه عليهم من الولاية، فقال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» وهذا ما تبيّنه الآية الشريفة.

• أولوية الرسول وولايته على المؤمنين تشمل مسائل الحكم، والمسائل الجمعية والفردية، وجميع الأمور: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى ﴾.

• كما نقرأ في الآية ٣٦ من هذه السورة قوله تعالى: «ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى... لهم الخيرة «وقد ورد في الحديث النبوي الشريف أن هذه الولاية والطاعة ملزمة على الناس له وللأئمة من بعده، فألزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد».

• يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «والذي نفسي بيدي لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين» (4) .

 


١- الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له الولاية الكاملة على المؤمنين، وولايته على الناس أكبر من ولايتهم على أنفسهم، ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾، فالدين في المجتمع الإسلامي دين ولائي وقيادي.

٢- قبول ولاية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لازمة الإيمان بالله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى ﴾.

٣- احترام زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واجب: «أزواجه أمّهاتهم» حتى بعد وفاته صلوات الله عليه وآله، لا يحق لأحد الزواج بأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

٤- إن منزلة أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (أمهات المؤمنين) ليست سبباً لكي يرث الناس ﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾.

٥- قرابة الرحم أولى لبعضهم من بعض: ﴿ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾.

٦- لا تكن قوانين الإرث الثابتة مانعاً من تفقد أحوال الأصدقاء المحرومين وفعل المعروف معهم: ﴿ إِلَّا أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً ﴾.

٧- أولوية الأرحام والقرابة في الإرث تأتي بعد العمل بالوصية: ﴿ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ .. ﴾ ﴿ إِلَّا أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً ﴾. فإذا أوصى شخص بأن يضع قسماً من ماله في خدمة أصدقائه من المؤمنين فالأولى العمل بالوصية، بعد ذلك يقسم الإرث على الأرحام.

٨- يجب أن يعمل بقوانين الحقوق والإرث بين الأرحام بصورة جدية: ﴿ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ .

٩- إن وضع القوانين وضبط الأمور وإثباتها هو عمل إلهي: ﴿ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ .


 


الآية (7)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً (7)

 


• لقد خصت هذه الآية بالذكر خمسة أنبياء عظام، وهم أنبياء أولو العزمٍ (عليهم السلام) الذين نزلت عليهم كتب وشرائع سماوية؛ وهم يتمتعون بمنزلة خاصة عند الله سبحانه. وبالطبع فقد ذكر في البداية اسم نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بياناً لعظمته ومقامه الذي لا يرقى إليه أي نبي.

• كذلك ذكر اسم أم عيسى (عليه السلام) لبيان مقامها الخاص، وولادة عيسى (عليه السلام) المعجزة، ولتثبيت فكرة ولادته من غير أب في أذهان الناس.
 

 


١- من الضروري معرفة التاريخ والسنن الإلهية من أجل تهيئة الأرضية الروحية والتربوية، فإن كنا أخذنا منك (يا محمد) الميثاق فقد كنا أخذناه من النبيين من قبلك، وهذه سنة إلهية. (أخذنا من النبيين).

٢- إذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾ فهذا يعني أن في عهدته مسؤولية كبيرة وميثاقا شديدا ﴿ أَخَذْنَا ... مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ ﴾. فكل من لديه مقام أعلى، تكون مسؤوليته ووظيفته أشد وأصعب (فالمولى تعالى قد أخذ الميثاق من جميع الأنبياء، لكنه أخذ ﴿ مِّيثَاقاً غَلِيظاً ﴾ من الأنبياء.


 


الآية (8)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (8)

 


• لعل المقصود من كلمة الصادقين هم (الأنبياء)، وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى أخذ منهم الميثاق وسوف يسألهم عنه يوم القيامة، أو لعل المراد أن المولى تعالى أخذ الميثاق الغليظ من الأنبياء في تبليغ الوحي للناس، لكي يسأل الناس عن صدق إيمانهم وكفرهم يوم القيامة.

• للصادقين في القرآن الكريم مكانة خاصة، فقد أورد القرآن هذه الكلمة بعبارات مختلفة تدل على هذا المقام الخاص مثيل قوله: ﴿ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ (5) و ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (6) و ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (7) .

• ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إذا سئل الصادق عن صدقه على أي وجه قاله، فيجازى بحسبه، فكيف يكون حال الكاذب؟» (8)

• وردت كلمة الصادقين في مقابل الكافرين بدلاً من المؤمنين، وهذا يعني أن الصدق لازمة الإيمان ولا تنفك عنه.


 

 

١- إن أخذ الميثاق الإلهي له هدف، وهو الفصل بين الصادقين والكافرين: ﴿ لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ - وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ .


 


الآية (9)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)

 

• تتحدث هذه الآية والآيات التي تليها والتي تبلغ بمجموعها ١٧ آية عن معركة الأحزاب التي وقعت في العام الخامس للهجرة، حيث اجتمع اليهود والمشركون والمنافقون وأرادوا أن يقضوا على الإسلام والى الأبد، ويقتلوا الرسول ويقضوا على المسلمين ويغيروا على المدينة ويقتلعوا جذوة الإسلام. غير أن الله متمّ نوره ولو كره الكافرون، فاجتمع المسلمون وأخذوا برأي سلمان الفارسي المحمدي، وذلك بموافقة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). فحفروا حول المدينة خندقاً، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أوّل من ضرب معولاً في حفر الخندق. وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كلما ضرب الحجر بمعوله خرجت شرارة، فبشرهم بانتصار الإسلام وانتشاره في المعمورة. في هذه المعركة أرسل المولى سبحانه على المهاجمين ريحاً شديدة اقتلعت خيامهم وأتلفت وسائلهم وألقت في قلوبهم الرعب، وأرسل سبحانه الملائكة لعون المسلمين.
 

 


١- الإيمان والعمل شرط لتلقي المدد الإلهي: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ المسلمون حفروا الخندق وتجهزوا للدفاع فنزل العون الإلهي.

٢- ذكر النعم مطلب إلهي ﴿ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ ﴾ فذكر النعم الإلهية والمدد الغيبي ترفع من معنويات المجاهدين.

٣- الإنسان معرض لنسيان النعم لذلك يحتاج إلى التذكير: ﴿ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ ﴾.

٤- يجب مواجهة الجنود بالجنود: ﴿ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ - فَأَرْسَلْنَا ... وَجُنُوداً ﴾.

٥- النصر من عند الله تعالى (9) : ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ﴾.

٦- بإرادة المولى تعالى تتحول الريح إلى جنود: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً ﴾.

٧- الملائكة تدعو للمؤمنين وتبشرهم وتمدهم: ﴿ فَأَرْسَلْنَا - وَجُنُوداً ﴾.

٨- إذا رأى الله سبحانه أننا قمنا بوظيفتنا وعملنا بواجبنا، فإنّه ينزّل علينا مدده الغيبيّ:﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ﴾.


 


الآيتان (10) و (11)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً (11)

 


١- نتذوق حلاوة اللطف الإلهي عندما يتجسد أمامنا المشهد المرّ: ﴿
إِذْ جَاؤُوكُم - وَإِذْ زَاغَتِ ﴾.

٢- يجب على المسلمين مراقبة جميع حدود الوطن: ﴿ فَوْقِكُمْ - أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾.

٣- الحالات الروحية تؤثر في الجسد، فالخوف يجعل العيون والقلوب تفقد عملها الطبيعي، مثاله: ﴿ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ﴾.

٤- بعض المؤمنين يعتريهم سوء الظن بالله تعالى بمجرد ظهور أحداث صعبة وشديدة: ﴿ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ ﴾.

٥- المؤمن معرّض للبلاء والامتحان: ﴿ اابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.

٦- الحرب، الخوف، والشروط الصعبة، كل ذلك من وسائل الامتحان ﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ ﴾.

٧- في الحرب وعند الشدائد تعرف المعادن وتميّز النفوس. ﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ ﴾ ففي ميادين الحرب لا خبر عن المنافقين والمدعين التّنَوُّر الفكري.

٨- ثبات الإنسان رهين ثبات روحيته، فإذا اهتزت الروحية تزلزل الإنسان: ﴿ وَزُلْزِلُواْ ﴾.


 


الآية (12)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)


١- المنافقون يسعون دائما في التبليغ: ﴿
يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ ﴾.

٢- إن تضعيف روحية المجاهدين وتثبيط عزائمهم هي علامة النفاق والانحراف ﴿ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ .. ﴾ .

٣- بعض من أصحاب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا مبتلين بالشك والتردد، وهناك آخرون منهم كانوا منافقين و متقلبين ﴿ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً .. ﴾ .


 


الآية (13)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (13)

 


١- هناك مجموعة من المنافقين تصر على تضعيف المؤمنين ببث الشائعات ﴿
قَالَت طَّائِفَةٌ ... لَا مُقَامَ لَكُمْ ﴾ وهناك مجموعة تفر من الجبهة ﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ﴾.

٢- لا يجب أن نغفل عن تبليغات المنافقين التي تثبّط همة المجاهدين ﴿ لَا مُقَامَ لَكُمْ ﴾.

٣- قائد الحرب كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ ﴾.

٤- يجب على القوى المسلمة أن تكون منظمة جداً، فلا يحق لأي شخص الخروج من الصف من دون إجازة ﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ ﴾.

٥- من الضروري شعور المجاهد بالأمن الفكري والأسري، فالمنافقون قد يتخذون تلك الهواجس ذريعة لترك الجبهة والفرار ﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾.

٦- لا يمكن للشخص (المجاهد) أن يوفق ما لم يخلع قلبه من المنزل والحياة ﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾.

٧- المنافق شخص جبان ومتذرّع دائماً؛ فهو لا يملك الشهامة لاتخاذ موقف صريح، بل يتذرع بشتى الذرائع ﴿ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ  ﴾.

٨- العدو كثيراً ما يتخذ الدين وسيلة ضد الدين؛ فذريعة المنافقين كانت حفظ الأسرة والناموس، وهذا أمر شرعي وديني. ﴿ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ  ﴾.

٩- الوحي يفضح أفكار المنافقين الوضيعة ﴿ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً ﴾.


 


الآيتان (14) و (15)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا إِلَّا يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً (15)

 

 

• من شروط الإيمان بالله ورسوله عدم الفرار من الجبهة والحرب ﴿ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ﴾. فهذا الأمر سيكون مورداً للسؤال من قبل المولى تعالى ﴿ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً ﴾.

 


١- العدو يستعين دائماً بمنافقي الداخل لإيجاد الفتنة ﴿
سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ ﴾.

٢- المنافقون يرجعون عن الحق بسهولة، ويتوجهون إلى العدو لمساعدته ببث الفتنة ﴿ لَآتَوْهَا ﴾.

٣- إن قبول طلب الكافرين (بإحداث الفتنة) بصورة عجولة ومن غير تفكر هي علامة انعدام الهوية ﴿ سُئِلُواْ ... وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا إِلَّا يَسِيراً ﴾.

٤- ليس المهم التعهد، بل المهم الوفاء بالعهد ﴿ عَاهَدُواْ اللَّهَ - لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ﴾.

٥- لا تتخذن عهد الله غير مبالين به لأنه من المؤكد أننا سوف نسأل عن ذلك ﴿ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً ﴾.


 


الآية (16)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً (16)

 

 

1- لا يمكن الفرار من قدر الله تعالى، والموت حتميّ لا فرار منه ﴿ لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ﴾.

2- من الحماقة أن نخسر السعادة الأبدية بسبب التمتع بالحياة أياماً معدودة ﴿ لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾.


 


الآية (17)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (17)

 


• أراد الله تعالى في مسألة السوء في الآية أن يقول التالي: إن اختيار الإنسان نفسه وقيامه بأعمال سيئة (كالفرار من الجبهة) يجره إلى العذاب الإلهي والسوء الذي سيبتلي به، ولأن جميع الأعمال تتم بإرادة الله سبحانه.
لذلك تنسب هذه البلاءات وهذا السوء إلى الله تعالى.
 

 


1- الوجدان يستيقظ بطرح الأسئلة ﴿
قُلْ مَن ... يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ ﴾.

2- الرحمة والعذاب، السوء والحسن، يصل إلى الإنسان في مدار إرادة الله تعالى ﴿ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً - أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ﴾، لا شك أن إرادة السوء أو الرحمة تتعلق بالحكمة.


 


الآية (18)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً (18)

 


• في القرآن إشارة إلى أنواع الأخوّة:

أ- الأخوة الطبيعية من طريق الوالدين.

ب- الأخوّة الدينية (التآخي في الدين) ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (10)

ج- الأخّوة السياسية والحزبية الواردة في هذه الآية.

د - الأخّوة السلوكية التي تحصل باتباع السلوك والأثر، كالمبذّرين ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ (11) .

المراد من جملة ﴿ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ ﴾ دعوة المنافقين للمسلمين ضعاف الإيمان لترك الجبهة.

 

 

1- الله يعلم جميع حركات وتبليغات العدو السيئة ﴿ يَعْلَمُ اللَّهُ ﴾.

2- المنافقون الجبناء يفرون من الجبهة ويسعون لمنع الآخرين من الحضور من الجبهات ﴿ الْمُعَوِّقِينَ ... وَالْقَائِلِينَ ﴾.

3- إن أي نوع من تثبيط عزيمة المجاهدين يعد ذنباً عند الله سبحانه ﴿ يَعْلَمُ اللَّهُ ... وَالْقَائِلِينَ ... هَلُمَّ إِلَيْنَا ﴾.

4- ليس المهم الالتحاق بالجبهة، المهم البقاء والمشاركة في الحرب ﴿ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾.


 


الآية (19)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19)

 


• كلمة ﴿
أَشِحَّةً ﴾ جمع: شحيح من الشُّح وتعني البخل المترافق مع الحرص.

• وكلمة ﴿ سَلَقُوكُم ﴾ تعني الغلبة، أي أنهم يريدون بتبليغهم وأشواك ألسنتهم أن يغلبوا المسلمين ويهزموهم، أما كلمة ﴿ حِدَادٍ ﴾ جمع: حديد فتعني الحاد والخشن.

 

 

1- المنافقون لا يتمنون الخير لكم أبداً، فعند الخطر يبخلون بالمساعدة والحضور في الجبهات ﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ﴾ وعند زوال الخطر يحرصون على جمع الغنائم ﴿ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾.

2- في الأزمات يفقد المنافقون توازنهم ﴿ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ ... تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ ﴾.

3- الحالات الروحية تظهر على وجه الإنسان وتترك فيه أثراً ﴿ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ ﴾.

4- المنافقون عادة قليلو العمل كثيرو الثرثرة، فهم أجبن الناس عند الحرب، وفي حالات الشدائد، وأكثر المتطلبين وقت الراحة والسكون ﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ - أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْر ﴾.

5- من علامات المنافقين البارزة: الجبن، البخل، حدة اللسان، وكثرة المتطلبات والتوقّع الذي ليس بمكانه ﴿ أَشِحَّةً - تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ - بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ﴾.

6- حبط أعمال المذنبين والسيئين قائم على الحكمة، وعلى أساس عمل الإنسان نفسه ﴿ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ﴾.

7- النفاق عامل لحبط العمل ﴿ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ﴾.

8- إن سلوك المنافقين المتمثل (بالبخل وحدة اللسان والجبن وتثبيط المؤمنين لعدم الحضور في الجبهة و..) لا يستطيع أن يوجد مشكلة لإرادة الله سبحانه ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾.


 


الآية (20)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَاتَلُواْ إِلَّا قَلِيلاً (20)

 

 

كلمة (إعرابي) تطلق على العربي الذي يسكن البادية؛ وكلمة (بادون) جمع (بادي) تطلق على الشخص الذي يقطن في البادية.

 


1- الأشخاص الجبناء وضعيفو الإيمان -دائماً- يتصورون العدو أقوى من المسلمين؛ فالمنافقون كانوا يظنون أن أحزاب اليهود والمشركين لن يرجعوا حتى يفتحوا المدينة ﴿
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ ﴾.

2- إن خسران النفس يسلب الإنسان فهم الواقع ﴿ يَحْسَبُونَ ... لَمْ يَذْهَبُواْ ﴾.

3- ضعيفو الإيمان يرجحون الحياة في المجتمعات البعيدة من الثقافة على الحياة في المجتمعات الدينية ﴿ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ ﴾ (يتمنون لو أنهم يعيشون في البادية، بعيداً عن المدينة).

4- ضعيفو الإيمان يستأنسون بقراءة الجرائد والاستماع إلى الأخبار بدلاً من الحضور في الميادين العامة للمجتمع ﴿ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ﴾.

5- ضعيفو الإيمان ليسوا أهل حرب ولا أهل استقامة ﴿ مَّا قَاتَلُواْ إِلَّا قَلِيلاً ﴾.


 


الآية (21)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)

 


• (أسوة) تعني القدوة والاقتداء بالآخرين في أعمال الخير والسلوك الحسن، وهذه الكلمة وردت في القرآن الكريم مرتين مرة في شأن نبي الله إبراهيم (عليه السلام) في مسألة البراءة من الشرك والمشركين، ومرّة أخرى في شأن الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك في الآيات المرتبطة بمواجهة الأعداء.

• إن دور النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في معركة الأحزاب يعد مثالاً للقادة المؤمنين: توجيه المقاتلين، ومنحهم الأمل، وحفر الخندق، والشعارات الحماسية، ومواجهة العدو في الصف الأمامي والصمود. يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في تلك المعركة: «كنا إذا حمي الوطيس اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يكن منا أقرب إلى العدو منه» (12)

• هذه الآية من الآيات التي تتحدث عن حرب الأحزاب؛ غير أن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أفضل أسوة حسنة، وأكمل للمؤمنين في جميع شؤون الحياة، وليس فقط في الحرب والقيادة.

 

 

1- ليس هناك من شك في الأسوة بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ لَّقَدْ ﴾.

2- الأسوة بالرسول لا تنحصر بزمان فهي دائمة ﴿ كَانَ

3- إن فعل وقول وسكوت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حجة على الجميع ﴿ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾.

4- التعريف بالقدوة والمثال يعد من أساليب التربية ﴿ لَكُمْ - أُسْوَةٌ ﴾.

5- يجب أن نعرف القدوة الحسنة والجيدة لكي يتبعها الناس، ولا يتخذون بديلاً ﴿ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ ﴾.

6- أفضل وسيلة للتبليغ: الدعوة العملية ﴿ أُسْوَةٌ ﴾.

7- الأشخاص الذين يستطيعون أن يتخذوا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوة حسنة هم أولئك الذين أفعمت قلوبهم بالإيمان، وذكر الله تعالى ﴿ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ ... ﴾.

8- مهما كان المثال والقدوة عزيزاً وكبير الشأن، لا يجب أن ننسى الله عزّ شأنه ﴿ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ ... وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾.


 


الآية (22)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22)

 


• نقرأ في الآية 12 أن المنافقين والذين في قلوبهم مرض يُعدّون أن وعد الرسول غرور؛ لكن في هذه الآية نرى أن المؤمنين يحسبون وعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعداً صادقاً.

• في الآيتين السابقتين ظهر أن مجموعة ضعيفة الإيمان كانت تتمنى لو أنها بعيدة تسكن البادية، لمّا رأت هجوم الأعداء على المؤمنين، أمّا في هذه الآية فإن المؤمنين ازدادوا إيماناً وتسليماً لما رأوا الأعداء.

 

دروس وبصائر


1- الإيمان عامل قدرة ﴿
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُواْ .. ﴾.

2- المنافقون يظنون أن العدو لم يذهب في حين إنه ليس موجوداً ﴿ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ .. ﴾

لكن المؤمنين مع وجود العدو لا يحسبون له حساباً ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُواْ قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾.

3- هجوم الأعداء وهم متحدون ليس بعيداً من حسابات المؤمنين ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ

4- إن كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو كلام المولى تعالى ﴿ وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ

5- الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد أخبر المسلمين بوقوع معركة الأحزاب ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾.

6- المؤمنون يعدّون تحقق الوعد الإلهي ووعد الرسول شيئاً محتوماً ﴿ وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾.

7- الحرب بالنسبة للمؤمن ساحة رشد وترقٍّ ﴿ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً ﴾.

8- المؤمنون لا يخافون العدو مهما بلغ عديده وعدته ﴿ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً ﴾.

9- الإيمان والتسليم درجات ومراتب ﴿ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾.

10- إن تحقق وعد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يزيد من إيمان المؤمنين ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾.

المجرمون (الذين يتوقعون نزول الملائكة عليهم) لا تأتيهم البشرى من أي جهة: ﴿ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾.


 


الآية (23)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً (23)

 


• كلمة (نحب) لها معان عدة، أما في هذه الآية فهي تعني العهد والنّذر والميثاق حتى لو وصل إلى الموت والخطر الكبير.

• المجموعة التي تطلب الرفاه والحياة الرغيدة ﴿ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ ﴾ أما المجموعة التي تنتظر الشهادة فهي ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ﴾.

• يذكر أن الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء كان يقرأ هذه الآية حين وداع الأصحاب وفوق رؤوس الشهداء.

 

 

1- أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنون ليسوا درجة واحدة ﴿ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾.

2- نقل كمالات الآخرين يعد من أساليب التربية ﴿ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ .. ﴾

3- من علامات الصدق في الإيمان الدفاع عن الحق حتى الشهادة ﴿ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾.

4- العهد والوفاء به من علامات الصدق ﴿ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾.

5- تقدير الشهداء رسالة قرآنية ﴿ فَمِنْهُم مَّن قَضَى ﴾.

6- انتظار الشهادة يُعدّ قيمة كبيرة ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ﴾، وهو من صفات المؤمنين الجهوزية للقاء الله سبحانه.

7- باب الشهادة مفتوح دائماً ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِر ﴾.

8- إن شهادة بعض المؤمنين ليست عاملاً لتخاذل المؤمنين الآخرين أو تثبيط عزائمهم ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِر ﴾.

9- المؤمنون الحقيقيون ثابتون على عهدهم مع الله سبحانه، ولا يمكن لشيء، حتى شهادة الأعزاء أن تغير روحيتهم ومعنوياتهم ﴿ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ﴾.


 


الآية (24)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (24)

 


• إذا جاءت كلمة التوبة مع «إلى» فهي تعني توبة العبد إلى الله تعالى (تاب الله)، أما إذا جاءت مع «على» فهي تعني لطف الله تعالى لعباده ﴿
يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾.
 

 


1- الحوادث الصعبة والشديدة هادفة وذلك من أجل أن تتفتح استعدادات الإنسان، فيصل بالعمل والجهد إلى جزائه ﴿
لِّيَجْزِيَ ﴾.

2- إن جزاء الصادقين يشجع الآخرين على الصدق، ﴿ لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴾.

3- النجاة تكون في الصدق ﴿ لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴾.

4- الحصول على الجزاء يكون على أساس الصدق في العمل ﴿ بِصِدْقِهِمْ ﴾.

5- البشارة قبل الإنذار ﴿ لِّيَجْزِيَ - وَيُعَذِّبَ ﴾.

6- لا يوجد عمل من غير جزاء (لا صدق الصادقين ولا نفاق المنافقين) ﴿ لِّيَجْزِيَ - وَيُعَذِّبَ ﴾.

7- إن لطف الله سبحانه ليس بعيداً، حتى من المنافقين، إن شاء ذلك ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾.

8- قبول التوبة مرافق مع لطفه سبحانه ﴿ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾.


 


الآية (25)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25)

 

 

نقاط وتأملات:
• عندما قتل الإمام علي (عليه السلام) (عمر بن عبد ود) في معركة الخندق، كفى الله المؤمنين القتال وانهزم الأحزاب.
 

 

 

1- لا يجب أن نخاف من الأعداء ولو اتحدوا ضدنا، ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ففي معركة الأحزاب اتحد المشركون واليهود والمنافقون ضد المسلمين، لكنهم هزموا ولم يتمكنوا من إحراز أي نصر أو غنيمة.

2- إن مجريات الحرب لا تخرج عن إرادة الله سبحانه ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ - وَكَفَى اللَّهُ ﴾.

3- في معركة الخندق (الأحزاب) ظهرت الإمدادات الغيبية ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ - وَكَفَى اللَّهُ ﴾.

4- أحياناً يجب أن نتحدث من المنظار المخالف ﴿ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً ﴾، فالانتصار على المسلمين وأخذ غنائمهم من منظار الكفار أمر جيد ومطلوب.

5- إن هدف حروب الأعداء هو الانتصار وأخذ الغنائم وفتح البلدان، وحفظ المصالح، ﴿ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً ﴾ لكنّ هدف حرب المسلمين إحدى الحسنيين؛ إما النصر وأداء الوظيفة الدينية والدعوة الى الله ورفع موانع نشر الحق، أو الشهادة ولقاء الحق.

6- إن منبع عزة المسلمين وقدرتهم هو المولى عز وجل ﴿ وَكَفَى اللَّهُ - وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ﴾.


 


الآيتان (26) و (27)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27)

 

 

• «الصياصي» جمع (صيصيّة)، أي: القلعة المحكمة، ثم أطلقت على وسيلة دفاعية كقرون البقر، ومخالب الديك، ويتضح من هذا أن اليهود كانوا قد بنوا قلاعهم وحصونهم إلى جانب المدينة على مكان مرتفع.

• هذه الآية تشير إلى غزوة بني قريظة، فيهود بني قريظة - في معركة الأحزاب - انحازوا إلى المشركين على شكل طابور خاص، ظناً منهم أن المشركين سينتصرون في المعركة، لذلك نقضوا العهد مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين، ومالوا مع المشركين يساعدونهم في الحرب، غير أن المعركة لم تكن لصالح المشركين فانهزموا، وفضح أمر اليهود واستسلموا.

• كان في المدينة ثلاث طوائف من اليهود، وهم: بنو قريظة، وبنو النضير، وبنو قينقاع، وكانت هذه الطوائف قد عاهدت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن لا تعين عدواً له ولا تتجسّس، وأن تعيش مع المسلمين بسلام، إلا أن «بني قينقاع» نقضوا عهدهم في السنة الثانية للهجرة، و «بنو النضير» في السنة الرابعة للهجرة بأعذار شتى، وصمّموا على مواجهة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وانهارت مقاومتهم في النهاية، وطردوا إلى خارج المدينة، فذهب بنو قينقاع «إلى اذرعات الشام، وذهب بعض «بني النضير» إلى خيبر، وبعضهم الآخر إلى الشام.

• بناء على هذا فإن «بني قريظة» كانوا آخر من بقي في المدينة إلى السنة الخامسة للهجرة حيث وقعت غزوة الأحزاب، فإنهم نقضوا عهدهم في هذه المعركة، فاتّصلوا بمشركي العرب، وشهروا السيوف بوجه المسلمين. بعد انتهاء غزوة الأحزاب والتراجع المشين والمخزي لقريش وغطفان وسائر قبائل العرب عن المدينة، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - طبقاً للروايات الإسلامية - عاد إلى منزله وخلع لامة الحرب، وذهب يغتسل، فنزل عليه جبرائيل بأمر الله وقال:: «لماذا ألقيت سلاحك، وهذه الملائكة قد استعدت للحرب ؟ عليك أن تسير الآن نحو بني قريظة وتنهي أمرهم».

لم تكن هناك فرصة لتصفية الحساب مع بني قريظة أفضل من هذه الفرصة حيث كان المسلمون في حرارة الانتصار، وبنو قريظة يعيشون لوعة الهزيمة المرّة. وقد سيطر عليهم الرعب الشديد، وكان حلفاؤهم من قبائل العرب متعبين منهكي القوى خائري العزائم، وهم في طريقهم إلى ديارهم يجرّون أذيال الخيبة، ولم يكن هناك من يحميهم ويدافع عنهم.

هنا نادى منادٍ من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن توجّهوا إلى بني قريظة قبل أن تصلّوا العصر، فاستعدّ المسلمون بسرعة وتهيأوا للمسير إلى الحرب، وما كادت الشمس تغرب إلا وكانت حصون بني قريظة المحكمة محاصرة تماماً.
لقد استمرت هذه المحاصرة خمسة وعشرين يوماً، وأخيرا سلّم اليهود جميعا وأصبحت المدينة خالية منهم ومن شرّهم. (13)
 

• كان للمعركة مع بني قريظة بركات كثيرة من جملتها:

1- خروج آخر طائفة يهودية من المدينة.

2- ربح المسلمون غنائم وافرة من أعدائهم اليهود.

3- تثبيت قوة المسلمين ومكانتهم، بحيث إن أي طائفة ستنقض العهد معهم ستنال أسوأ الحساب.

 

 

1- لا يجب أن نغفل عن القوى النفوذية والطابور الخامس من الأعداء ﴿ وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم ﴾.

2- التعايش السلمي مع أهل الكتاب أمرٌ جيّد ما داموا لم يساندوا المخالفين والأعداء ﴿ وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ

3- إنما النصر من عند الله تعالى ﴿ وَأَنزَلَ ﴾.

4- إن قلاع العدو القوية والمحكمة قابلة للفتح أو ﴿ وَأَنزَلَ ... مِن صَيَاصِيهِمْ ﴾.

5- أهل الكتاب من اليهود مع اشتراكهم مع المسلمين في عبودية الله والإيمان بالمعاد، إلاّ أنهم نهضوا لدعم المشركين ومساندتهم ﴿ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾.

6- يجب أن لا نفكر في العدو المباشر الذي يواجهنا فقط، بل علينا أن نتوجه إلى من يحميه ويسانده ﴿ ظَاهَرُوهُم ﴾.

7- من المدد الإلهي الغيبي في الحرب، إيجاد الرعب في قلب العدو ﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾.

8- إن لروحية المقاتل ومعنوياته في الهزيمة والانتصار في الحرب، دوراً أساسيّاً ﴿ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ .. تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ ﴾.


 


الآية (28)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28)

 

 
• بعدما انتصر المسلمون في الحرب وكسبوا الغنائم، التفتت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى البحبوحة والعيش الرغيد، فطلبن منه وسائل الراحة والرفاهية، لكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اعترض على نسائه ولم يوافقهنّ الرأي، وانفصل عنهن لمدة شهر بانتظار الوحي الالهي.

 


1- يجب أن تكون حياة قائد المسلمين بسيطة (فالموقع الديني والاجتماعي يحتم على الإنسان وظيفة خاصة) ﴿
إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ... وَأُسَرِّحْكُنَّ ﴾.

2- يجب على قائد المسلمين أن لا يرضخ لمتطلبات زوجاته التي ليست في مكانها، ولا يقع تحت تأثيرهنّ ﴿ قُل لِّأَزْوَاجِكَ ﴾.

3- إنّ وجود بيت المال في يد شخص ما، لا يستدعي أن يوحي إلى من حوله برفع توقعاتهم ﴿ قُل لِّأَزْوَاجِكَ ﴾.

4- عادة ما يكون قائد المسلمين وأقرباؤه أيضاً في متناول نظر ومراقبة الناس ﴿ قُل لِّأَزْوَاجِكَ ﴾.

5- المسؤولية الإلهية فوق مسؤولية العائلة والأقرباء، فأحياناً يجب التراخي عن المسائل العاطفية والعائلية بسبب قدسية القائد ﴿ قُل لِّأَزْوَاجِكَ ﴾.

6- المرأة حرّة فهي تستطيع أن تبقى إلى جانب زوجها وتشاركه حياة بسيطة مترافقة مع السعادة، ويمكنها أيضاً اختيار طريق آخر ﴿ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ﴾.

7- يجب أن تظهر رأيك بوضوح وصراحة، وبصورة قطعية في مقابل طلبات الزوجة التي ليست في مكانها، ﴿ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ﴾ بوضوح وصراحة لكن مع العطف والعدالة يمكن تخطي المتطلبات التي ليست في مكانها.

8- عندما يكون بيت المال في متناول أيدينا يجب أن نقف بوجه التوقعات الواهية للأقرباء والزوجات وبشكل صادم ﴿ إِن كُنتُنَّ .. فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ﴾.

9- إذا لم تتحمل المرأة الحياة البسيطة المتواضعة والسليمة، فيمكن طلاقها مع رعاية العدالة والإنصاف، فلا نجبرها على متابعة الحياة الزوجية ﴿ إِن كُنتُنَّ .. فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ ﴾.

10- إنّ خطر الميل إلى الدنيا يهدد حتى عوائل الأنبياء ﴿ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ﴾.

11- إن امتلاك مقومات الحياة الرغيدة ليس حراماً، لكنّ هذا ليس من شأن عوائل الأنبياء وأسرهم ﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ﴾.

12- إذا كنت مُجبراً على الطلاق، فعليك أن تفعل ذلك بالحسنى والعدالة ﴿ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾.


 


الآية (29)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)

 


1- لا يمكن الجمع بين طلب الدنيا وطلب الآخرة ﴿
تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ... تُرِدْنَ اللَّهَ .. ﴾، طبعاً لا يتنافى طلب الحلال والتمتع بالنعم الإلهية مع طلب الآخرة.

2- على الإنسان أن يختار ما بين التعلق بالدنيا الفانية أو طلب الآخرة الباقية ﴿ وَإِن كُنتُنَّ ... ﴾.

3- القناعة والزهد في الحياة والعيش ببساطة ليست وحدها عامل النجاة، بل يجب أن تترافق مع العمل الصالح ﴿ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ﴾.

4- وعد الله تعالى قطعي ﴿ أَعَدَّ ﴾.

5- الله تعالى جعل نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متساويات ﴿ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ ﴾.

6- من قنع بالقليل في الدنيا فله أجر عظيم في الآخرة ﴿ أَجْراً عَظِيماً ﴾.


 


الآية (30)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)

 

 

• إن الآيات التي تتحدث حول نساء النبي تتحدث عن طريق مقام الرسالة، لا تخاطبهن مباشرة أو توحي إليهنّ كما حصل مع السيدة مريم (عليها السلام)، حيث كان الخطاب إليها مباشرة ﴿ يَا مَرْيَمُ (14) .

• الذنوب على نوعين: كبيرة وصغيرة، ومنبع هذا التقسيم هي الآتية التالية: ﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (15) ، لكن في بعض الموارد يكون للذنوب الصغيرة حكم الذنوب الكبيرة، مثلاً: الذنوب في زمان خاص كشهر رمضان المبارك، حيث الجرم أكبر، أو الذنب في مكان خاص، أو تكاثر الذنب والإصرار عليه، أو تعمد الذنب والسرور بذلك، ومن ذلك أيضاً ذنوب الأشخاص البارزين الذين يُحسبون نماذج وقدوة للآخرين، كنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

• جاء في الروايات أن ذنوب الأشخاص البارزين الكبار لها حساب آخر، حتى إن الأنبياء يلامون على «ترك الأولى» جاء في الحديث الشريف: «يغفر للجاهل سبعين ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنبٌ واحد» (16)
 

 


1- ليس للحسب والنسب أثر في الثواب والعقاب، فكل مذنب وعاص يجب أن ينال جزاءه ﴿
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ .. ﴾

2- الانتساب إلى النبي الأكرم بالزواج لا يستلزم العصمة ﴿ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ ﴾ إن التواجد في بيت الرسول لا يعطي الأمان وليس ضامناً،الضمان هو اتباع مدرسة الوحي.

3- إنّ حساب المعصية العلنية يختلف عن المعصية بالسر ﴿ مُّبَيِّنَةٍ ﴾.

4- العمل السيّىء يستتبع بذاته العقاب، إذ قال المولى تعالى ﴿ يُضَاعَفْ ﴾ ولم يقل (نضاعف).

5- إنّ شدة وضعف الثواب والعقاب يكون على أساس الآثار الفردية والاجتماعية للعمل ﴿ نِسَاءَ النَّبِيِّ ... ضِعْفَيْنِ ﴾.

6- إن الأفراد الذين يحملون شخصية دينية واجتماعية، ويعد عملهم قدوة ومثالاً للآخرين -إن أذنبوا وعصوا- فإنّ عقابهم أكبر من عقاب الآخرين ﴿ نِسَاءَ النَّبِيِّ ... ضِعْفَيْنِ ﴾.

7- يجب على عوائل وأفراد المسؤولين في النظام الاسلإمي أن يعلموا أنهم إذا ارتكبوا المخالفات فجزاؤهم أكبر من غيرهم ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ .. ضِعْفَيْنِ ﴾.

8- إذا كان عقاب تخلف أفراد المسؤول ﴿ ضعفين) فما بالك بالمسؤول نفسه؟ ﴿ نِسَاءَ النَّبِيِّ ... الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾. القرآن الكريم يحدثنا عن ذلك في قوله للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ... ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ﴾.

9- إن عقاب المتخلّفين يسير على الله ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾.


 


الآية (31)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31)

 

 

• القنوت: يعني الطاعة المترافقة مع الخضوع والأدب والتذلل لله تعالى.

• جاء شخص إلى الإمام السجاد (عليه السلام) فقال له: «إنكم أهل بيت مغفور لكم» فغضب الإمام (عليه السلام) وتلا عليه هذه الآيات نفسها التي وردت ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾.
• من هذا القبيل ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الخندق (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين) (17) .
 

 

 

1- التشويق إلى جانب التهديد مؤثر جداً ﴿ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ - وَمَن يَقْنُتْ ﴾.

2- الطاعة لها قيمة عندما تكون مبنية على أساس المعرفة والحب، ومترافقة مع التواضع ﴿ يَقْنُتْ ... لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾.

3- يجب إطاعة الأوامر الإلهية وكذلك أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ يَقْنُتْ ... لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾.

4- إن القيام بعمل صالح ليس كافياً، بل يجب الاستمرار بالعمل ﴿ وَتَعْمَلْ صَالِحاً ﴾.

5- لا يكفي أن تكون زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بل يجب أن تعمل صالحاً ﴿ وَتَعْمَلْ صَالِحاً ﴾.

6- حجم العمل (كبره وصغره) ليس مهماً، الشرط هو صلاح العمل ﴿ صَالِحاً ﴾ جاء على صيغة النكرة.

7- عندما يريد الله تعالى أن يشوقنا ويشجعنا، فإنه ينسب الجزاء والثواب إلى نفسه ﴿ نُّؤْتِهَا - وَأَعْتَدْنَا ﴾.

8- الأجر والثواب يختلف باختلاف الموقع للشخص والآثار الفردية والاجتماعية للعمل ﴿ نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ ﴾.


 


الآية (32)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (32)

 

 

1- إنّ حساب نساء القائد الديني منفصل عن حساب الآخرين، لذلك يجب عليهنّ أن يراقبن سلوكهن ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ﴾ نعم إن الموقع الاجتماعي يستدعي حدوداً معينة.

2- عندما يتوجه الوحي إلى لهجة التهديد لنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأكثرهنّ متقدمات في السن ويعشن حياة بسيطة، عندئذ يلزم على النساء الشابات أن يحذرن ويحسبن لعملهن حساباً ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ ... فَلَا تَخْضَعْنَ ﴾.

3- الخضوع بالقول للنساء ليس من التقوى ﴿ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾.

4- للقرآن آداب خاصة في بيان القول ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾.

5- يكفي أن يكون في القلوب المريضة طمع حتى ولو لم يكن فيها أي تصميم جدّي، لذلك على المرأة أن تكون حذرة ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ ... فَيَطْمَعَ ﴾.

6- الأشخاص الملوثة قلوبهم لا يتورعون حتى عن المقدسات ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ .. فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾.

7- يجب أن يكون سلوك المرأة بعيداً عن التحريك أو الإثارة ﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾.

8- ليس كل أفراد المجتمع سالمين حتى في المجتمع النبوي ﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾.

9- يجب أن نراقب سلوكنا فلا نقدم على فعل يجعل شخصاً واحداً يقدم على الفساد ﴿ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾، ولم يقل (الذين في قلوبهم مرض).

10- إن النظر إلى المحارم بريبة الهوى نوع من المرض الروحي،دلالة على من في قلبه مرضٌ.

11- إذا كان شخص ما في قلبه مرض وعنده مشكلة، فلا يجب أن نقدم على فعل فنحرك هذا المرض ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ ... فَيَطْمَعَ ﴾.

12- يجب أن يكون لحديثنا محتوى جيدٌ ﴿ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ وأسلوبٌ سليمٌ ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾.


بعض الأصول المهمة في النهي عن المنكر:

1- يجب أن نستعين بموقع ومقام عائلة الأشخاص ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ ﴾.

2- يجب أن نستعين بالموقع الاجتماعي للأشخاص ﴿ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ﴾.

3- يجب الاستفادة من الألقاب والألفاظ المحببة للجميع ﴿ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ﴾.

4- البدء بأبسط الأفعال ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾.

5- البدء بالكبار والعظماء والأقرباء ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ ﴾.

6- النهي عن منبع الذنب ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ﴾.

7- أن لا نغفل حتى عن أصغر الانحرافات، والسلوكيات ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾.

8- أن نبين عوارض واستتباعات الفساد والانحرافات ﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾.

9- يجب أن يترافق الأمر بالمعروف مع النهي عن المنكر ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ ... وَقُلْنَ ﴾.

10- يجب العمل على منع منكر واحد ولو من شخص واحد ﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ ولم يقل (الذين).

11- يجب مواجهة الميول والغرائز والهوى، فكيف بالمعصية نفسها ﴿ فَيَطْمَعَ ﴾.


 


الآية (33)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)

 


• «قرن» من مادة «الوقار» أي الثقل وهو كناية عن التزام البيوت.

• «تبرج» يعني الظهور أمام الناس.

• تعبير الجاهلية الأولى يدل على ظهور جاهلية أخرى نعيشها اليوم، فقد ورد في الحديث «ستكون الجاهلية الأخرى» (18) .

إذا كانت البنت تدفن حية في الجاهلية الأولى، فاليوم يتم إسقاط الأجنة من الإناث والذكور.
إذا كان القتل والغزو موجوداً في تلك الجاهلية، فاليوم يقتل ملايين الناس وقد شهدنا المجازر في الحروب المتتالية.
لم يكن في تلك الجاهلية مدارس للتعليم، وكانت الجرائم تحدث في المجتمعات أما اليوم فحقوق الإنسان تسحق تحت الأقدام، ونشهد أبشع الجرائم مع وجود الآف الجامعات والمدارس.
في الجاهلية الأولى كان الفساد والزنا يعد جرماً، أما اليوم فإننا نرى أن الزنا والمثلية تمارس في أرقى الدول المتطورة.

• المراد من (أهل البيت) وكما جاء في الروايات الشيعية والسنية، هم (علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)) وليس جميع أهل الرسول أو زوجاته.

• سؤال: ما هو دليل حصر هذه العبارة بعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ولماذا لا تشمل نساء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو جميع أهل بيته؟
إن التعبير بـ(إنّما) والذي يدلّ على الحصر عادة دليل على أنّ هذه خاصّة بأهل بيت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وجملة (يريد) إشارة إلى إرادة الله التكوينية، وإلّا فإنّ الإرادة التشريعية ـ وبتعبير آخر لزوم تطهير أنفسهم ـ لا تنحصر بأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ كلّ الناس مكلّفون بأن يتطهّروا من كلّ ذنب ومعصية.

من الممكن أن يقال: إنّ الإرادة التكوينية توجب أن يكون ذلك جبراً، إلّا أنّ جواب ذلك يتّضح من ملاحظة البحوث التي أوردناها في مسألة كون الأنبياء والأئمّة معصومين، ويمكن تلخيص ذلك هنا بأنّ للمعصومين أهلية اكتسابية عن طريق أعمالهم، ولهم لياقة ذاتية موهوبة لهم من قبل الله سبحانه، ليستطيعوا أن يكونوا أسوة للناس.

وبتعبير آخر فإنّ المعصومين نتيجة للرعاية الإلهية وأعمالهم الطاهرة، لا يقدمون على المعصية مع امتلاكهم القدرة والاختيار في إتيانها، تماماً كما لا نرى عاقلاً يرفع جمرة من النار ويضعها في فمّه، مع أنّه غير مجبر ولا مكره على الامتناع عن هذا العمل، فهذه الحالة تنبعث من أعماق وجود الإنسان نتيجة المعلومات والاطلاع، والمبادئ الفطرية والطبيعية، من دون أن يكون في الأمر جبر وإكراه.

ولفظة «الرجس» تعني الشيء القذر، سواء كان نجساً وقذراً من ناحية طبع الإنسان، أم بحكم العقل أو الشرع، أم جميعها. وما ورد في بعض الأحيان من تفسير «الرجس» بالذنب أو الشرك أو البخل والحسد، أو الاعتقاد بالباطل، وأمثال ذلك، فإنّه في الحقيقة بيان لمصاديقه، وإلّا فإنّ مفهوم هذه الكلمة عام وشامل لكلّ أنواع الحماقات بحكم (الألف واللام) التي وردت هنا، والتي تسمّى بألف ولام الجنس.

و«التطهير» الذي يعني إزالة النجس، هو تأكيد على مسألة إذهاب الرجس.
ونفي السيّئات، ويعتبر ذكره هنا بصيغة المفعول المطلق تأكيداً آخر على هذا المعنى.

وأمّا تعبير أهْلَ الْبَيْتِ فإنّه إشارة إلى أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باتّفاق علماء الإسلام والمفسّرين، وهو الشيء الذي يفهم من ظاهر الآية، لأنّ البيت وإن ذكر هنا بصيغة مطلقة، إلّا أنّ المراد منه بيت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقرينة الآيات السابقة واللاحقة.

إلّا أنّ هناك اختلافاً في المقصود بأهل بيت النّبي هنا؟
اعتقد بعضهم أنّ هذا التعبير مختصّ بنساء النّبي، لأنّ الآيات السابقة واللاحقة تتحدّث حول أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاعتبروا ذلك قرينة على مدّعاهم.

غير أنّ الانتباه إلى مسألة في الآية ينفي هذا الادّعاء، وهي: أنّ الضمائر التي وردت في الآيات السابقة واللاحقة، جاءت بصيغة ضمير النسوة، في حين إن ضمائر هذه القطعة من الآية قد وردت بصيغة جمع المذكر، وهذا يوحي بأنّ هناك معنى آخر هو المراد، ولذلك خطا جمع آخر من المفسّرين خطوة أوسع واعتبر الآية شاملة لكلّ أفراد بيت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجالاً ونساءً.

ومن جهة أخرى فإن الرّوايات الكثيرة جدّاً الواردة في كتب الفريقين تنفي شمول الآية لكلّ أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتقول: إنّ المخاطبين في الآية هم خمسة أفراد فقط، وهم: محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ومع وجود النصوص الكثيرة التي تعتبر قرينة على تفسير الآية، فإنّ التّفسير الذي يمكن قبوله هو التفسير الثالث فقط، أي اختصاص الآية بالخمسة الطيّبة.

والسؤال الوحيد الذي يبقى هنا هو: كيف يمكن أن يطرح مطلب في طيّات البحث في واجبات نساء النبي ولا يشملهنّ هذا المطلب؟

وقد أجاب المفسّر الكبير العلامة «الطبرسي» في مجمع البيان عن هذا السؤال فقال: ليست هذه المرة الأولى التي نرى فيها في آيات القرآن أن تتصل مع بعضها وتتحدث عن مواضيع مختلفة، فإنّ القرآن مليء بمثل هذه البحوث، وكذلك توجد شواهد كثيرة على هذا الموضوع في كلام فصحاء العرب وأشعارهم.

وأضاف المفسّر الكبير صاحب الميزان جواباً آخر ملخّصه: لا دليل لدينا على أن جملة: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ ﴾ ... قد نزلتا مع هذه الآيات، بل يستفاد جيّداً من الرّوايات أنّ هذه القطعة قد نزلت منفصلة، وقد وضعها الإمام مع هذه الآيات لدى جمعه آيات في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعده.

والجواب الثالث الذي يمكن أن يجاب به عن هذا السؤال هو: أنّ القرآن يريد أن يقول لزوجات النّبي: إنكنّ بين عائلة بعضها معصومون، والذي يعيش في ظلّ العصمة ومنزل المعصومين فإنّه ينبغي له أن يراقب نفسه أكثر من الآخرين، ولا تنسين أنّ انتسابكنّ إلى بيت فيه خمسة معصومين يلقي على عاتقكنّ مسؤوليات ثقيلة، وينتظر منه الله وعباده انتظارات كثيرة.

وسنبحث في الملاحظات القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ روايات السنّة والشيعة الواردة في تفسير هذه الآية. وبيّنت الآية الأخيرة ـ من الآيات مورد البحث ـ سابع وظيفة وآخرها من وظائف نساء النّبي، ونبّهتهن على ضرورة استغلال أفضل الفرص التي تتاح لهنّ في سبيل الإحاطة بحقائق الإسلام والعلم بها وبأبعادها، فتقول: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾.

فإنكنّ في مهبط الوحي، وفي مركز نور القرآن، فحتّى إذا جلستن في البيوت فأنتنّ قادرات على أن تستفدن جيّداً من الآيات التي تدوّي في فضاء بيتكنّ، ومن تعليمات الإسلام وحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان يتحدّث به، فإنّ كل نفس من أنفاسه درس، وكلّ لفظ من كلامه برنامج حياة! وفيما هو الفرق بين «آيات الله» و«الحكمة»؟ قال بعض المفسّرين: إنّ كليهما - إشارة إلى القرآن - غاية ما في الأمر أنّ التعبير بـ(الآيات) يبيّن الجانب الإعجازي للقرآن، والتعبير بـ(الحكمة) يتحدّث عن المحتوى العميق والعلم المخفي فيه.

وقال بعضٌ الآخر: إنّ «آيات الله» إشارة إلى آيات القرآن، و«الحكمة» إشارة إلى سنّة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مواعظه وإرشاداته الحكيمة.
ومع أنّ كلا التّفسيرين يناسب مقام وألفاظ الآية، إلّا أنّ التفسير الأوّل يبدو أقرب، لأنّ التعبير بالتلاوة يناسب آيات الله أكثر، إضافة إلى أنّ تعبير النّزول قد ورد في آيات متعدّدة من القرآن في مورد الآيات والحكمة، كالآية (231) من سورة البقرة: ﴿ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ ويشبهه ما جاء في الآية (113) من سورة النساء.

وأخيراً تقول الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ﴾ وهي إشارة إلى أنّه سبحانه مطّلع على أدقّ الأعمال وأخفاها، ويعلم نيّاتكم تماماً، وهو خبير بأسراركم الدفينة في صدوركم.
هذا إذا فسّرنا «اللطيف» بالمطّلع على الدقائق والخفيات، وأمّا إذا فسّر بصاحب اللطف، فهو إشارة إلى أنّ الله سبحانه لطيف ورحيم بكنّ يا نساء النّبي، وهو خبير بأعمالكنّ أيضاً.
ويحتمل أيضاً أن يكون التأكيد على «اللطيف» من جانب إعجاز القرآن، وعلى «الخبير» باعتبار محتواه الحكمي. وفي الوقت نفسه لا منافاة بين هذه المعاني ويمكن جمعها.


 


اعتبر بعض المفسّرين «الرجس» في الآية المذكورة إشارة إلى الشرك أو الكبائر ـ كالزنا ـ فقط، في حين لا يوجد دليل على هذا التحديد، بل إنّ إطلاق (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج13، ص241)، الرجس ـ وخاصّة بملاحظة ألفه ولامه، وهي ألف لام الجنس ـ يشمل كلّ أنواع الذنوب والمعاصي، لأنّ كلّ المعاصي رجس، ولذلك فإنّ هذه الكلمة أطلقت في القرآن على الشرك والخمور والقمار والنفاق واللحوم المحرّمة والنجسة وأمثال ذلك.
انظر الآيات: الحجّ 30، المائدة 90، التوبة 125، الأنعام 145.

وبملاحظة أن الإرادة الإلهيّة حتمية التنفيذ والوقوع، وأنّ جملة:
﴿
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ ﴾ دليل على إرادته الحتمية، وخاصّة بوجود كلمة (إنّما) الدالّة على الحصر والتأكيد، سيتّضح أنّ إرادة الله سبحانه قد قطعت بأن يكون أهل البيت منزّهين عن كلّ رجس وخطأ، وهذا هو مقام العصمة.
وثمّة مسألة تستحقّ الانتباه، وهي أنّه ليس المراد من الإرادة الإلهيّة في هذه الآية الأوامر والأحكام الإلهيّة في مسائل الحلال والحرام، لأنّ هذه الأحكام تشمل الجميع، ولا تختّص بأهل البيت، وبناء على هذا فإنها لا تتناسب مع مفهوم (إنّما).

إذاً، فهذه الإرادة المستمرّة نوع من الإمداد الإلهي الذي يعيّن أهل البيت على العصمة والاستمرار فيها، وهي في الوقت نفسه لا تنافي حرية الإرادة والاختيار، كما فصّلنا ذلك سابقاً.
إنّ مفهوم هذه الآية في الحقيقة هو عين ما جاء في الزيارة الجامعة: «عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن، وطهّركم من الدنس وأذهب عنكم الرجس وطهّركم تطهيراً».
وينبغي أن لا نشكّ بعد هذا الإيضاح في دلالة الآية المذكورة على عصمة أهل البيت (عليهم السلام).


 


قلنا: إنّ هذه الآية بالرغم من أنّها وردت ضمن الآيات المتعلّقة بنساء النّبي، إلاّ أنّ تغيير سياقها ـ حيث تبدّل ضمير الجمع المؤنث إلى ضمير الجمع المذكّر ـ دليل على أنّ لهذه الآية معنى ومحتوى مستقلاً عن تلك الآيات، ولهذا فحتّى أولئك الذين لم يعتبروا الآية مختّصة بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فإنّهم اعتقدوا أنّ لها معنى واسعاً يشمل هؤلاء العظام ونساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

إلاّ أنّ الروايات الكثيرة التي بين أيدينا تبيّن أن هذه الآية خاصّة بهؤلاء الأجلاء، ولا تدخل الزوجات ضمن الآية، بالرغم من أنهنّ يتمتّعن باحترام خاصّ، ونضع بين أيديكم بعضاً من هذه الروايات:
أ ـ الروايات التي رويت عن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنفسهنّ، والتي حدثن فيها: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما كان يتحدث عن هذه الآية الشريفة سألناه: أنحن من أصحاب هذه الآية؟ فكان يجيب: بأنكنّ إلى خير، ولكن لستنّ من أصحابها.
ومن جملتها الرواية التي رواها «الثعلبي» عن «أمّ سلمة» في تفسيره، وذلك أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في بيتها إذ أتته فاطمة (عليها السلام) بقطعة حرير، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ادعي لي زوجك وابنيك ـ الحسن والحسين ـ فأتت به فطعموا، ثمّ ألقى عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كساء له خيبرياً وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» فنزلت آية التطهير، فقلت: يا رسول الله وأنا معهم؟ قال: «إنّك إلى خير» ولكنّك لست منهم.

ويروي «الثعلبي» أيضاً عن «عائشة» أنها عندما سئلت عن حرب الجمل وتدخّلها في تلك الحرب المدمّرة الطاحنة، قالت بأسف: كان ذلك قضاء الله.
وعندما سألت عن علي (عليه السلام) قالت: تسأليني عن أحبّ الناس كان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزوج أحبّ الناس كان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام)، وجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بثوب عليهم ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» قالت: فقلت: يا رسول الله، أنا من أهلك! قال: «تنحّي فإنّك إلى خير» - إلا أنّك لست جزءاً منهم-.
إنّ هذه الروايات تصرّح أن زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لسن جزءاً من أهل البيت في هذه الآية.

ب ـ لقد وردت روايات كثيرة جداً بصورة مجملة في شأن حديث الكساء، يستفاد منها جميعاً أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ـ أو أنّهم أتوا إليه ـ فألقى عليهم عباءة وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطيهراً»، فنزلت الآية: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ ﴾ ... وقد روى العالم المعروف «الحاكم الحسكاني النيسابوري» هذه الروايات في (شواهد التنزيل) بطرق مختلفة عن رواة مختلفين.

وهنا سؤال يلفت النظر، وهو: ماذا كان الهدف من جمعهم تحت الكساء؟ كأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يريد أن يحدّد هؤلاء ويعرّفهم تماماً، ويقول: إنّ الآية أعلاه في حقّ هؤلاء خاصّة، لئلا يرى أحد أو يظنّ ظانّ أنّ المخاطب في هذه الآية كلّ من تربطه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرابة، وكلّ من يعدّ جزءاً من أهله، حتّى جاء في بعض الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كرّر هذه الجملة ثلاث مرات:
«اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً».

ج ـ نقرأ في روايات عديدة أخرى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقي ستّة أشهر بعد نزول هذه الآية ينادي عند مروره من جنب بيت فاطمة سلام الله عليها وهو ذاهب إلى صلاة الصبح: «الصلاة يا أهل البيت! إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً». وقد روى الحاكم الحسكاني هذا الحديث عن أنس بن مالك.

وهنا مسألة تستحقّ الانتباه، وهي أنّ تكرار هذه الأمر ستّة أشهر أو ثمانية أو تسعة أشهر بصورة مستمرّة جنب بيت فاطمة إنّما هو لبيان هذه المسألة تماماً لئلا يبقى مجال للشكّ لدى أي شخص بأنّ هذه الآية قد نزلت في شأن هؤلاء النفر فقط، خاصّة وأنّ الدار الوحيدة التي بقي بابها مفتوحاً إلى داخل المسجد بعد أن أمر الله نبيه بأن تغلق جميع أبواب بيوت الآخرين، هي دار فاطمة (عليها السلام)، ولا شكّ أنّ جماعة من الناس كانوا يسمعون ذلك القول من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين الصلاة هناك ـ تأمّلوا ذلك ـ.

ومع ذلك، فإنّ ممّا يثير العجب أنّ بعض المفسّرين يصرّون على أنّ للآية معنى عاماً تدخل فيه أزواج النبي، بالرغم من أنّ أكثر علماء الإسلام، السنّة منهم والشيعة، قد حدّدوها بهؤلاء الخمسة.
ومما يستحقّ الالتفات أنّ عائشة ـ زوجة النبي ـ لم تكن تدع شيئاً في ذكر فضائلها، ودقائق علاقتها بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشهادة الروايات الإسلامية، فإذا كانت هذه الآية تشملها فلا بدّ أنها كانت ستتحدّث بها في المناسبات المختلفة، في حين لم يرو شيء من ذلك عنها مطلقاً.

د ـ رويت روايات عديدة عن الصحابي المعروف «أبي سعيد الخدري» تشهد بصراحة بأنّ هذه الآية قد نزلت في شأن هؤلاء الخمسة الأطهار: «نزلت في خمسة: في رسول الله، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين». وهذه الروايات كثيرة بحيث عدّها بعض المحققين متواترة.
وممّا قلناه نستنتج أنّ المصادر ورواة الأحاديث التي تدلّ على اختصاص الآية بالخمسة المطهّرة وحصرها بهم كثيرة بحيث لا تدع لأحد المجال للشكّ في هذه الدلالة، حتّى إنّه ذكر في شرح (إحقاق الحقّ) أكثر من سبعين مصدراً من مصادر العامّة المعروفة، وأمّا مصادر الشيعة في هذا الباب فتربو على الألف. وقد روى صاحب كتاب (شواهد التنزيل) ـ وهو من علماء الإخوة السنّة المشهورين ـ أكثر من (130) حديثاً في هذا الموضوع.

وبغضّ النظر عن كلّ ذلك، فإنّ بعض أزواج النبي قد قمن بأعمال طوال حياتهنّ تخالف مقام العصمة، ولا تناسب كونهنّ معصومات، كحادثة «حرب الجمل» التي كانت ثورة وخروجاً على إمام الزمان، والتي تسبّبت في إراقة دماء كثيرة، فقد بلغ عدد القتلى في هذه الحرب ـ عند بعض المؤرخيّن ـ سبعة عشر ألف قتيل.
ولا شكّ أنّ هذه المعركة لا يمكن توجيهها، بل إننا نرى أنّ عائشة نفسها قد أظهرت الندم بعدها، وقد مرّ نموذج من هذا الندم في البحوث السابقة.

إنّ انتقاص عائشة من خديجة ـ والتي هي من أعظم نساء المسلمين، وأكثرهنّ تضحية وإيثاراً، وأجلّهنّ فضيلة وقدراً ـ مشهور في تاريخ الإسلام، وقد آلم هذا الكلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ظهرت على وجهه الشريف آثار الغضب وقال: «لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس.


 


الآية (34)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)

 


• الذكر أما بمعنى الحفظ وعدم النسيان، أو الذكر باللسان، والمعنى، يا نساء النبي احفظن ما يتلى في بيوتكنَّ من آيات الله والحكمة، وليكن في بالكن ولا تغفلن عنها.

 


1- مكان المرأة البيت فإذا خرجت لا تتبرج ﴿
وَقَرْنَ - وَلَا تَبَرَّجْنَ ﴾.

2- الرجوع إلى زمن الجاهلية أمر ممنوع ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾.

3- التبرج ليس تمدناً ولا حضارة، بل من علامات الجاهلية ﴿ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾.

4- الصلاة والزكاة عنصران متلازمان ﴿ الصَّلَاةَ ... الزَّكَاةَ ﴾.

5- طاعة الرسول واجبة إلى جانب طاعة المولى تعالى ﴿ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾.

6- المعاصي والذنوب انحطاط ورجس روحي، وأهل البيت منزهون عن ذلك ﴿ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾.

7- تلاوة القرآن في البيت وتكراره من قبل أهل البيت، وصية القرآن ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى ... مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ﴾.

8- يجب أن نتخذ الثقافة الإلهية بدلاً من ثقافة الابتذال ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ ... وَاذْكُرْنَ ﴾.

9- إن استقرار المرأة في البيت، واجتناب الظهور السافر لا يعني أبداّ التخلف عن العلم والحكمة والمعرفة ﴿ وَقَرْنَ ... وَلَا تَبَرَّجْنَ ... وَاذْكُرْنَ ﴾ آيات الله والحكمة.

10- عائلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اولى وأليق بالقيام بالأعمال الحسنة ﴿ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ فالحياة في بيت الوحي تستلزم التكليف.

11- استقرار المرأة في البيت، والنهي عن الظهور والاستعراض وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وذكر الله تعالى ينبع من اللطف الإلهي بالمرأة، والعلم بالمنافع والمفاسد(لطيفاً خبيرا).


 


الآية (35)


 

يقول سبحانه وتعالى:﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)

 

 

• بعد الآيات التي تتحدث عن الأوامر والتعاليم التي تختص بزوجات النبي جاءت هذه الآية لتحدثنا عن عشر كمالات لعموم النساء والرجال في المسائل الاعتقادية والأخلاقية والعملية.

• إن قيمة هذه الآية تتضح جيداً عندما نتأمل كيف كان العرب والعجم يميزون المرأة والرجل، ونطالع التاريخ المؤلم للمرأة.

• ان الاختلاف بين الرجل والمرأة هو اختلاف في الجسد، أما الروح فلا اختلاف فيها، وجميع الكمالات البشرية مرتبطة بالروح وليس الجسد، لذلك نرى أنَّ جميع الكمالات التي وردت في هذه الآية شملت النساء والرجال على سواء ودون تمييز.

 

 

1- الإنسان يصبح كاملاً عندما يمتلك جميع الكمالات وليس بعضها فقط ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ... ﴾

2- علامة شمول الإسلام وجامعيته تكون في طرح الكمال في جميع الأبعاد الاعتقادية والأخلاقية والعملية والفردية والاجتماعية للإنسان ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ﴾.

3- عندما نكرّم ونجلّ المحسنين فإنّ في هذا تشجيعاً وتشويقاً للآخرين ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ .. ﴾

4- إن تكامل الإنسان ورشده يبدأ مرحلة بمرحلة، وخطوة بخطوة بداية الاسلام باللسان، ثم الإيمان بالقلب، ثم الطاعة، ثم الصدق والصبر... ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ... وَالْمُؤْمِنِينَ ... وَالصَّابِرِينَ ... ﴾

5- على الإنسان الكامل أن يراقب و(يحَصِّن) بطنه وشهوته ولسانه بالإضافة إلى الإقرار باللسان (الإسلام) والتصديق القلبي (الإيمان).
• مراقبة وتحصين البطن بالقيام (الصائمين).
• مراقبة وتحصين اللسان بالصدق (الصادقين).
• مراقبة وتحصين الشهوة بتجنب الحرام (والحافظين فروجهم).
• مواجهة الغرور بالتواضع (القانتين).
• مواجهة الغفلة بذكر الله (والذاكرين).
• مواجهة الأهواء بالصبر (والصابرين).
• مواجهة الغفلة عن المحرومين بالإنفاق (والمتصدقين).

6- الإسلام يهتم بالكمية والكيفية، ففي مورد الكمية يقول: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾، أما في مورد الكيفية فيقول: ﴿ وَالْقَانِتِينَ ﴾ لأن الطاعة تترافق مع التواضع.

7- المرأة لها الحق في التملك والتصدق ﴿ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ﴾.

8- إن جميع التوفيقات هي من عند الله تعالى (ذكر الله) جاء في نهاية الكمالات ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾.

9- المرأة والرجل متساويان في ترقي الكمالات المعنوية والإنسانية، وفي الجزاء ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم ﴾.

10- العمل الحسن مفتاح العطاء الإلهي ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً ﴾.

11- في البداية العفو الإلهي ثم يأتي الجزاء ﴿ مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾.


(1) تفسير فخر الرازي.

(2) مجمع البيان، ج 8، ص 529.

(3) مجمع البيان، ج 8، ص 530.

(4) تفسير الأمثل، نقلاً عن: في ظلال القرآن.

(5) الأحزاب: 23.

(6) الحجرات: 15.

(7) التوبة: 119.

(8) تفسير البرهان، ج 4، ص 468.

(9) يقول الإمام الخميني في تحرير خرمشهر: (الله تعالى حرر خرمشهر).

(10) الحجرات: 10.

(11) آية الاسراء: 27.

(12) نهج البلاغة؛ الحكمة: 260.

(13) راجع: تفسير الأمثل.

(14) آل عمران: 42- 43.

(15) النساء: 31.

(16) الكافي: ج 1، ص 47.

(17) الغدير، ج 7، ص 206.

(18) تفسير، نور الثقلين.