{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم
مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (113)
اللغة والبيان
الركون الى الشيء: هو السكون اليه بالمحبة له والإنصات اليه ونقيضه النفور عنه.
التفسير
- حرمة الركون الى الظالم:
أي لا تميلوا الى المشركين في شيء من دينكم فيصبكم عذاب النار وما لكم سواه سبحانه
من انصار يدفعون عنكم عذابه تعالى ولا تنصرون في الدنيا على أعدائكم لأن نصر الله
نوع من الثواب فيكون للمطيعين.
{وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ
هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (12)
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ
الظَّالِمِينَ} (13)
{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ
خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (14)
{وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} (15)
اللغة والبيان
ملتنا: الملة الدين.
استفتحوا: طلبوا الفتح والنصر على الأعداء
الجبار: اذا وصف به تعالى فمعناه العالي الذي لا يناله شيء وإذا وصف به الانسان
فمعناه المتعالي المتكبر، وقد يطلق على من يصلح الأمور ويجبر كسرها.
العنيد: مبالغة المعاند وهو الذي يخالف الحق مع علمه به.
التفسير
- التوكل على الله وحده:
{وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ
هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (12)
معناه ما الذي نملكه من العذر في ان لا نتوكل على الله والحال أنه تعالى هدانا
سبلنا فلنصبرن على إيذائكم لنا في سبيل الدعوة إليه متوكلين عليه حتى يحكم بما يريد
ويفعل ما يشاء فإنه تعالى يكفينا أمركم وينصرن عليك.
- خطط الجبارين والمعاندين ومصيرهم:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ
الظَّالِمِينَ} (13)
هذا تهديد من الذين كفروا لرسلهم بعدما عجزوا في مناظرتهم وخسروا في محاججتهم
(فأوحى إليهم ربهم) فأوحى الله سبحانه الى رسله لما ضاقت صدورهم بما لقوا من قومهم
انا نهلك هؤلاء الظالمين الكافرين.
{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي
وَخَافَ وَعِيدِ} (14)
أي لنسكننكم أرضهم التي هددوكم بالاخراج منها ونورّثكم إيّاها ذلك الفوز لمن خاف
وقوفه للحساب والجزاء بين يدي ولمن خاف عقابي.
{وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} (15)
أي طلبت الرسل الفتح والنصر من قبل الله تعالى على الكفار وخسر كل متكبر معاند
للحق.
{وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ
فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}
(41)
{الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (42)
{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (١٠٥)
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ
غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (١٠٦)
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ
اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (١٠٧)
{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ
وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (١٠٨)
{لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (١٠٩)
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ
جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (١١٠)
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ
عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (١٢٥)
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ
صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (١٢٦)
{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ
فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} (١٢٧)
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (١٢٨)
اللغة والبيان
لنبوئنهم: بوأ المكان حل فيه، وبوأ له المكان هيأه له وأنزله فيه.
شرح بالكفر صدراً: أي اعتقده عن طيب نفس.
استحبوا الحياة الدنيا: أي آثروها وقدموه.
لا جرم: لا شك.
فتنوا: المراد بها هنا ابتلوا.
تجادل عن نفسها: تدفع عنها وتسعى في خلاصها.
التفسير
- الهجرة لحفظ الدين:
{وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ
فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}
(41)
معناه والذين فارقوا أوطانهم وديارهم وأهليهم فراراً بدينهم واتباعاً لنبيهم في
سبيله سبحانه لابتغاء مرضاته من بعدما ظلمهم المشركون وعذبوهم بمكة لنعطينهم بلدة
حسنة بدل أوطانهم أو حالة حسنة وهي النصر (ولأجر الآخرة أكبر) مما أعطيناهم في
الدنيا لو كان الكفار يعلمون ذلك.
- الصبر والتوكل:
{الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (42)
هذا لهؤلاء المهاجرين أي صبروا في طاعة الله على أذى المشركين وفوّضوا أمورهم الى
الله تعالى ثقة به.
- السّرية المطلوبة:
{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُه
مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ
غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (106)
معناه كفر بالله بأن يرتد عن الاسلام وشرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم
عذاب عظيم (إلا من أكره) فتكلم بكلمة الكفر على وجه التقية مكرهاً (وقلبه) ساكن
(بالايمان) ثابت عليه فلا حرج عليه، ولكن من اتسع قلبه للكفر وطابت نفسه به (فعلهيم
غضب من الله) وله العذاب في الآخرة.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ
اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (107)
بيان لسبب حلول غضب الله بهم وثبوت العذاب العظيم عليهم وهو أنهم اختاروا الحياة
الدنيا على الآخرة.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ
وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (108)
أي أنهم مطبوع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فلا تنال قلوبهم ولا سمعهم وابصارهم ما
يدلهم على الآخرة، وهم غافلون عنها لا يتنبهون لشيء من أمرها.
{لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ} (109)
لأنهم ضيعوا رأس ما لهم في الدنيا فبقوا لا زاد له يعيشون به في أخراهم.
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ
جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (110)
وعد جميل للمهاجرين من بعد ما فتنوا، بالمغفرة والرحمة يوم القيامة في مقابل ما
أوعد غيرهم بالخسران التام يومئذٍ، وقد قيد ذلك بالجهاد والصبر بعد المهاجرة.
- عشرة قواعد أخلاقية.. سلاح داعية الحق:
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125)
لا شك في أنه يستفاد من الآية ان هذه الثلاثة: الحكمة والموعظة والمجادلة، من طرق
التكليم والمفاوضة، فقد أمر بالدعوة بأحد هذه الامور فهي من أنصار الدعوة وطرقها.
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ
لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} (126)
معناه وإن اردتم معاقبة غيركم على وجه المجازاة والمكافأة فعاقبوا بقدر ما عوقبتم
به ولا تزيدوا عليه ولئن تركتم المكافأة والقصاص وجرعتم مرارته لهو خير وانفع
للصابرين.
{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ
فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} (127)
هذا أمر للنبي (ص) بالصبر وبشرى له أن الله قواه على الصبر وعلى مر ما يلقاه في
سبيله فإنه تعالى يذكر ان صبره انما بحول وقوة من ربّه.
{وإِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (128)
(ان
الله مع الذين اتقوا) الشرك والفواحش والكبائر بالنصرة والحفظ (والذين هم محسنون)
أي اتقوا ما حرم عليهم واحسنوا فيما فرض عليهم.
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ
مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} (٤) {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ
أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا
خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً} (٥)
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} (٦)
{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا
جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ
كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} (٧)
{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ
لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} (٨)
اللغة والبيان
قضينا: للقضاء معانٍ، منها فصل الامر، ومنها الخلق والاحداث كقوله تعالى: فقضاهن
سبع سموات، ومنها الإيجاب كقوله وقضى ربك الاّ تعبدوا إلاّ إياه، ومنها الاخبار
والإعلام وهو المراد بقوله: وقضينا الى بني اسرائيل.
علواً: المراد به هنا الطغيان.
الجوس خلال الديار: وطأها والتردد بينها.
الكرة: العودة والرجعة.
نفيراً: المراد به هنا العدد من الرجال.
التتبير: الإهلاك، والتبار الهلاك.
الحصير: يستعمل في البساط والسجن.
التفسير
تاريخ بني اسرائيل المليء بالافساد:
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ
مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} (٤)
يعني واخبرنا واعلمنا بني اسرائيل إخباراً قاطعاً في التوراة: أقسم وأحق هذا القول
انكم شعب اسرائيل ستفسدون في الأرض، وهي أرض فلسطين، وما يتبعها مرة بعد مرة وتعلون
علواً كبيراً وتطغون طغياناً عظيماً.
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي
بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً} (5)
يعني فإذا جاء الوعد الذي وعدناه على المرة الأولى من إفسادهم مرتين، بعثنا وانهضنا
عليكم من الناس عباداً لنا أولي بأس وشدة شديدة، فدخلوا بالقهر والغلبة أرضكم
وتوسطوا في دياركم فأذلوكم واذهبوا استقلالكم وعلوّكم وسؤددكم، وكان وعداً مفعولاً
لا محيص عنه.
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} (6)
أي رددنا لكم يا بني اسرائيل الدولة وأظهرناكم عليهم وعاد ملككم على ما كان عليه
(وجعلناكم أكثر) عدداً وأنصاراً من أعدائكم.
{إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا
جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ
كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً} (7)
يعني أن كلاً من إحسانكم وإساءتكم يختص بأنفسكم دون أن يلحق غيركم (فإذا جاء وعد
الآخرة) فإذا جاء وعد المرة الآخرة وهي الثانية من الإفسادتين، بعثناهم ليسؤوا
وجوهكم بظهور الحزن والكآبة والذلة والمسكنة عليكم، وليدخلوا المسجد الاقصى كما
دخلوه اول مرة، وليهلكوا الذي غلبوا عليه ويفنوا الذي مرّوا عليه اهلاكاً وإفناءً.
{عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ
لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} (8)
أي يا بني اسرائيل (عسى ربكم أن يرحمكم) ان تبتم ورجعتم الى طاعته وإن عدتم الى
الفساد عدنا بكم الى العقاب (وجعلنا جهنم للكافرين) سجناً ومحبساً.
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ
أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (80)
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (81)
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ
يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (105)
{إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ} (106)
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107)
اللغة والبيان
اللبوسٍ: الدرع.
والعاصفة: الشديدة.
الزبور: الكتاب.
التفسير
- صناعة الأسلحة:
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ
أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (80)
علمناه كيف يصنع لكم الدرع لتحرزكم وتمنعكم شدة وقع السلاح.
- الرياح تحت إمرة سليمان:
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (81)
أي وسخرنا لسليمان الريح شديدة الهبوب تجري بأمره الى الارض التي باركنا فيها وهي
ارض الشام التي كان يأوي فيها سليمان وكنا عالمين بكل شيء.
- سيحكم الصالحون الأرض:
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ
يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (105)
معناه كتبنا في الزبور كتب الأنبياء المنزلة من بعد كتابته في الذكر أي أم الكتاب،
الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ (أن الارض يرثها عبادي الصالحون) يعني المطيعون
يرثها وهم أمة محمد (ص) وذلك بالفتوح بعد إجلاء الكفار عنها.
{إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِين} (106)
معناه ان فيما بيناه في السورة لغاية لقوم عابدين إن اخذوه وعملوا به كفاهم وبلغوا
بذلك بغيتهم.
- النبي رحمة للعالمين:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107)
أي إنك رحمة مرسلة الى الجماعات البشرية كلهم وذلك مقتضى عموم الرسالة.
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ
خَوَّانٍ كَفُورٍ} (38)
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (39)
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا
رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ
لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ
اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ} (40)
{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (41)
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا
لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ
الرَّازِقِينَ} (58)
{لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}
(59)
{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ
لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (60)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ
جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي
هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى
النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ
مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (78)
اللغة والبيان
الصوامع: جمع صومعة بفتح الصاد، وهي في أيام شريعة عيسى.
والبيع: جمع بيعة، وهي في ايام شريعة موسى.
المساجد: في أيام شريعة محمد (ص).
المدخل: بضم الميم من ادخل، وهو إسم مكان، والمراد به هنا الجنة.
إجتباكم: إختاركم.
الحرج: الضيق.
والملة: الدين.
إعتصموا بالله: تمسكوا بدينه.
التفسير
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ
خَوَّانٍ كَفُورٍ} (38)
يدفع سبحانه عنهم المشركين لأنه يحب المؤمنين ولا يحب اولئك لخيانتهم وكفرهم.
- أول حكم بالجهاد:
{أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (39)
معناه أذن للمؤمنين ان يقاتلوا أو بالقتال من أجل أنهم ظلموا بأن اخرجوا من ديارهم
وقصدوا بالإيذاء والإهانة وأنه سبحانه سينصرهم وقد ذكر صاحب مجمع البيان أنها اول
آية نزلت في القتال.
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا
رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ
لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ
اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ} (40)
بيّن سبحانه جهة كونهم مظلومين وهم أنهم أخرجوا من ديارهم، وقد أخرجهم المشركون من
ديارهم بمكة بغير حق يجوّز لهم إخراجهم، وأنهم أخرجوا بسبب أن يقولوا ربنا الله
ولولا دفاع الله بنصر المسلمين على الكفار (لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد) يذكر
فيها اسم الله في المساجد كثيراً وقد وعد سبحانه بأنه سينصر من ينصر دينه وشريعته
(إن الله) قادر قاهر.
{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (41)
توصيف آخر للذين آمنوا بقوله تعالى: إن من صفتهم أنهم إن تمكنوا في الأرض وأعطوا
الحرية في إختيار ما يستحبونه من نحو الحياة، عقدوا مجتمعاً صالحاً تقام فيه الصلاة
وتؤتى فيه الزكاة ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، والى الله ترجع الأمور
فتصير الامور اليه بلا مانع ولا منازع.
- المهاجرون المضحون:
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا
لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ
الرَّازِقِينَ} (58)
معناه الذين فارقوا أوطانهم وخرجوا من مكة الى المدينة وقتلوا في الجهاد والغربة،
وعدهم سبحانه بأن يرزقهم الجنة.
{لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}
(59)
معناه هذا المكان الذي أعده سبحانه لهم فيه ما تشتهي الانفس وتلذ الأعين والله عليم
بأحوالهم (حليم) لا يعجل العقوبة.
{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ
لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (60)
المعنى ومن عامل خصمه ومن عاقبه بغياً عليه بمثل ما عاقب، نصره الله بإذنه فيه ولم
يمنعه عن المعاملة بالمثل لأن الله عفوٌّ غفور يمحو ما تستوجبه هذه المعاملة
والانتقام من المساءة والتبعية.
- (الجهاد الاكبر) (الجهاد الأصغر):
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (77)
أمر سبحانه بجملة من العبادات وفعل الخيرات من صلة رحم الى مكارم الأخلاق الى غير
ذلك لكي تفلحوا وتسعدوا.
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ
النَّصِيرُ} (78)
الجهاد: بذل الجهد واستفراغ الوسع في مدافعة العدو، ويطلق في الأكثر على المدافعة
بالقتال وهو الجهاد الأصغر، لكن ربما يتوسع في معنى العدو حتى يشمل كل ما يتوقع منه
الشر، كالشيطان الذي يضل الانسان والنفس الأمّارة بالسوء وغير ذلك، وقد سمى النبي
(ص) مخالفة النفس جهاداً أكبر والظاهر أن المراد بالجهاد في الآية هو المعنى الأعم.
هو سبحانه اختاركم واصطفاكم (وما جعل عليكم في الدين) من ضيق لا مخرج منه ولا مخلص
من عقابه بل جعل التوبة والكفارات ورد المظالم مخلصاً من الذنوب (ملة ابيكم ابراهيم)
أي دينه لان ملة ابراهيم داخلة في ملة محمد (ص) وإنما سماه أباً للجميع لأن حرمته
على المسلمين كحرمة الوالد على الولد، الله سبحانه سماكم المسلمين من قبل إنزال
القرآن، وفي هذا القرآن ليكون محمد (ص) شهيداً عليكم بالطاعة والقبول فإذا شهد لكم
به صرتم عدولاً تشهدون على الامم الماضية بأن الرسل قد بلّغوهم رسالة ربهم وأنهم لم
يقبلوا فيوجب لكافرهم النار ولمؤمنهم الجنّة ثم امرهم سبحانه بجملة من الواجبات وان
يتمسكوا بدين الله تعالى فهو وليكم وناصركم وهو سبحانه نعم المولى لمن تولاه ونعم
النصير لمن استنصره.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا
مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ
مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (62)
{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ
يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63)
اللغة والبيان
الامر الجامع: هو الأمر الهام يستدعي ان يجتمع الكل للتعاون عليه.
يتسللون: الخروج في خفية هذا المراد من التسلل هنا.
لواذاً: يلوذ بعضهم ببعض ويستتر به مخافة أن يراه الرسول (ص).
يخالفون: يعرضون او يخرجون.
التفسير
- لا تتركوا النبي وحده:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا
مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ
مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (62)
المعنى ليس المؤمنون على الحقيقة الاّ الذين صدقوا بتوحيد الله وأقرّوا بصدق رسوله
(وإذا كانوا معه) أي مع الرسول (ص) على أمر يقتضي الإجماع عليه والتعاون فيه من
حضور حرب او مشورة او صلاة جمعة وما شاكل، لم ينصرفوا عن الرسول (ص) او عن ذلك
الامر الا بعد ان يطلبوا الإذن منه (ص) فهم الذين يصدقون بالله ورسوله على الحقيقة
دون الذين ينصرفون بلا إستئذان ومتى ما إستأذنك هؤلاء لبعض مهماتهم وحاجاتهم فلك
الخيار في الإذن لهم وعدمه واطلب المغفرة لهم من الله بخروجهم من جملة من معك ان
الله ساتر لذنوبهم.
{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ
يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63)
المعنى ليس الذي يأمركم به الرسول ويدعوكم اليه كما يدعو بعضكم بعضاً لان في القعود
عن أمره قعوداً عن أمر الله تعالى وقد ذكر أنهم كانوا يتسللون في الجهاد رجوعاً عنه
فحذرهم سبحانه عن مخالفة نبيه (ص) ان تصيبهم بلية تظهر ما في قلوبهم (أو يصيبهم
عذاب اليم) في الاخرة.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا
وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ
مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (227)
اللغة والبيان
المنقلب: المرجع والمنصرف.
التفسير
- الإنتصار للحق:
استثنى سبحانه – من الذين يتكلمون في اللغو ويحثون على أشياء لا يفعلونها وينهون عن
اشياء يرتكبونها- الشعراء المؤمنين مثل عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن
ثابت وغيرهم من الذين مدحوا رسول الله (ص) وردّوا هجاء من هجاه ونصروه ولم يشغلهم
الشعر عن ذكر الله (وانتصروا) من المشركين للرسول والمؤمنين (من بعد ما ظلموا) وسوف
يعلم أي مرجع يرجعون واي منصرف ينصرفون لان منصرفهم الى النار نعوذ بالله منها.
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (5)
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا
مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (6)
اللغة والبيان
نمكّن لهم: التمكين تكميل ما يتم به الفعل.
التفسير
- إنتصار المستضعفين:
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (5)
أي نريد ان ننعم على هؤلاء الذين استضعفوا من قبل فرعون وجنوده وذلك بأن نجعلهم
أئمة يقتدى بهم فيكونوا متبوعين بعدما كانوا تابعين، ونجعلهم الوارثين لها بعدما
كانت بيد غيرهم.
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا
مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (6)
أي نجعل لهم مكاناً يستقرون فيه ويملكونه، ونري فرعون وهو ملك مصر وهامان وهو وزيره
وجنودهما منهم، أي من هؤلاء الذين استضعفوا ما كانوا يحذرون، وهو أن يظهروا عليهم
فيذهبوا بملكهم ومالهم وسنتهم.
{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ} (٦)
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ
جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ
لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي
صُدُورِ الْعَالَمِينَ} (10)
{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (11)
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ} (69)
اللغة والبيان
فتنة الناس: أذاهم.
التفسير
- الإمتحان الإلهي في الجهاد:
{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ} (٦)
أي ومن جاهد الشيطان بدفع وسوسته وإغوائه وجاهد اعداء الدين لإحيائه وجاهد نفسه
التي هي أعدى اعدائه فإنما يجاهد لنفسه لان ثواب ذلك عائد عليه والله سبحانه غير
محتاج الى طاعته فلا يأمره ولا ينهاه لمنفعة ترجع اليه.
- هم شركاء في الإنتصار أما في الشدة فلا:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ
جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ
لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي
صُدُورِ الْعَالَمِينَ} (10)
أي (من الناس من يقول) بلسانه فإذا أوذي بسبب دين الله رجع عن الدين مخافة عذاب
الناس ولئن جاء نصر من الله للمؤمنين ليقولنّ هؤلاء المنافقون للمؤمنين إنا كنا
معكم على عدوكم طمعاً في الغنيمة والله لا يخفى عليه كذبهم فيما قالوا.
{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (11)
معناه ليميزنّ الله المؤمن من المنافق فيجازيهم بحسب أعمالهم.
- سبل جهاد النفس والاعداء:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ} (69)
أي الذين جاهدوا الكفار إبتغاء مرضاته وطاعة لنا وجاهدوا انفسهم في هواها خوفاً منا
لنهدينهم السبل الموصلة الى ثوابنا (وإن الله لمع المحسنين) بالنصر والمعونة في
دنياهم والثواب والمغفرة في عقباهم.
{غُلِبَتِ الرُّومُ} (2) {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ
سَيَغْلِبُونَ} (3)
{فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} (4)
{بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (5)
{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ} (6)
اللغة والبيان
أدنى الارض: أقربها الى العرب.
البضع: العدد ما بين الثلاثة والعشرة.
التفسير
الروم والفرس:
{غُلِبَتِ الرُّومُ} (2)
الرّوم جيل من الناس على ساحل البحر الأبيض وقعت بينهم وبين الفرس حرب فغلبت الفرس
وانهزمت الروم.
{فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (3)
أي الرّوم من بعد غلبة الفرس سيغلبون.
{فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} (4)
أي من قبل أن غلبت الروم ومن بعد ان غلبت فإن شاء جعل الغلبة لاحد الفريقين على
الآخر ويوم يغلب الروم فارساًَ يفرح المؤمنون بدفع الروم فارساً عن بيت المقدس لا
بغلبة الروم.
{بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (5)
والله سبحانه عزيز يعزّ بنصره من يشاء، رحيم يخصّ برحمته من يشاء.
{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ} (6)
تأكيد وتقرير للوعد السابق من قبل الله سبحانه وهو لا يخلف وعده ولكن الكفار أكثرهم
لا يعلمون صحة ما أحبرنا به لجهلهم بالله تعالى.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا
وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} (9)
{إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ
الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونا} (10)
{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} (11)
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا
وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} (12)
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ
مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ
فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ
بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} (13)
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ
لَأَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً} (14)
{وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ
وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً} (15)
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ
وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً} (16)
{قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ
أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا
نَصِيراً} (17)
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ
هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} (18)
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ
تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ
الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ
لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيراً} (19)
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا
لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ
كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً} (20)
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (21)
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا
وَتَسْلِيماً} (22)
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم
مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (23)
{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن
شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيماً} (24)
{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً} (25)
{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً}
(26)
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ
تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} (27)
{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا
يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً} (60)
{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} (61)
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلاً} (62)
اللغة والبيان
زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر: كناية عن شدة الخوف.
إبتلي المؤمنون: اختبروا وامتحنوا.
زلزلوا: اضطربوا من الفزع.
الذين في قلوبهم مرض: ضعفاء العقل والإيمان الذين ينعقون مع كل ناعق.
يثرب: من أسماء المدينة ومن أسمائها أيضاً طيبة.
بيوتنا عورة: أي منكشفة للعدو والسارق.
المعوقين: المثبطين.
البأس: هنا القتال والجهاد.
اشحة: جمع شحيح والمراد به من يبخل بالتضحية بالنفس والمال لنصرة الحق.
سلقوكم: آذوكم.
السنة حداد: قادرة على الكلام.
لو أنهم بادون: أي لو أنهم من اهل البادية.
الأعراب: هم أهل البادية من العرب.
ظاهروهم: عاونوهم.
الصياصي: كل ما يمتنع به الحصن ونحوه.
المرجفون: الذين يلفقون الأكاذيب وينشرون الأباطيل ويعرفون اليوم بالذين يثيرون
الحرب النفسية.
ثقفوا: وجدوا.
خلوا: مضوا.
التفسير
- مواجهة الأحزاب إمتحان إلهي عظيم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا
وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} (9)
معناه ذكّرهم سبحانه بنعمته عليهم في دفع الأحزاب عنهم عندما تحزبوا على رسول الله
(ص) أيام الخندق فأرسل سبحانه عليهم ريح الصبا حتى اكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم
وأرسل الملائكة لم يقاتلوا يومئذ ولكن كانوا يشجعون المؤمنين والله عالم بما يعمله
الكفار.
{إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ
الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونا} (10)
أي واذكروا حين جاءكم جنود المشركين من فوق الوادي قبل المشرق قريظة والنضير وغطفان
ومن قبل المغرب من ناحية مكة ابو سفيان في قريش وإذا مالت الأبصار عن كل شيء فلم
تنظر الا الى عدّوها مقبلاً من كل جانب وقد شخصت القلوب من مكانها واختلفت الظنون
فظن بعضكم بالله النصر وبعضكم غير ذلك وقنط.
{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} (11)
أي في ذلك الزمان الشديد امتحن المؤمنون واضطربوا خوفاً، اضطراباً شديداً.
- المنافقون وضعفاء الإيمان في عرصة الأحزاب:
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا
وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} (12)
معناه (وإذ يقول المنافقون..) الذين في قلوبهم مرض: هم ضعفاء الإيمان من المؤمنين
وهم غير المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، والوعد الذي يعدونه غروراً
من الله ورسوله بقرينة المقام: هو وعد الفتح وظهور الأسلام على الدين كله، وقد تكرر
في كلامه تعالى كما ورد أن المنافقين قالوا: يعدنا محمد أن يفتح مدائن كسرى وقيصر
ونحن لا نأمن أن نذهب الى الخلاء.
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ
فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ
بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} (13)
معناه قال عبد الله بن أبي واصحابه (يا أهل يثرب) لا إقامة لكم ها هنا او لا مكان
لكم تقومون فيه للقتال فارجعوا الى منازلكم بالمدينة وأرادوا الهرب من عسكر الرسول
(ص) (ويستأذن) في الرجوع الى المدينة بنو حارثة وبنو سلمة (يقولون ان بيوتنا)
مكشوفة ليست محصنة وما هي رفيعة السمك حصينة ما يريدون الاّ هرباً من القتال ونصرة
المؤمنين.
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ
لَأَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً} (14)
أي لو دخل جنود المشركين بيوتهم من جوانبها وهم فيها، ثم طلبوا منهم ان يرتدوا عن
الدين، لأعطوهم سؤولهم وما تأخروا بالردة الا يسيراً من الزمان بمقدار الطلب.
{وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ
وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا} (15)
معناه بايعوا النبي (ص) وحلفوا له انهم ينصرونه ويدفعون عنه كما يدفعون عن نفوسهم
ولا يرجعون عن مقاتلة العدو ولا ينهزمون وعهدهم هذا يسألون عنه في الآخرة.
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ
وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً} (16)
معناه (قل) يا محمد للذين إستأذنوك في الرجوع واعتلّوا بان بيوتهم يخاف عليها لا
ينفعكم الفرار إن حضرت آجالكم وإن هربتم فالهرب لا يزيد في آجالكم، وإن لم تحضر
آجالكم وسلمتم من الموت او القتل في هذه الواقعة لم تمتعوا في الدنيا إلا أياماً
قلائل.
{قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ
أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا
نَصِيراً} (17)
معناه (قل) يا محمد من يدفع عنكم قضاء الله ويمنعكم من الله سبحانه إن اراد ان
يعذبكم او يعاقبكم أو اراد ان ينصركم ويعزكم لا يقدر على ذلك احد ولا يجدون أحداً
يلي امورهم وينصرهم ويدفع عنهم.
فئة المعوقين:
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ
هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} (18)
يعني يعلم سبحانه الذين يعوّقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله (ص) ويثبطونهم
ويشغلونهم لينصرفوا عنه وقال اليهود لإخوانهم المنافقين تعالوا وأقبلوا الينا ودعوا
محمداً، ولا يحضرون القتال في سبيل الله (الا قليلاً) يخرجون رياء وسمعة ولا يحضرون
القتال إلا كارهين تكون قلوبهم مع المشركين.
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ
تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ
الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ
لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيراً} (19)
معناه بخلاء عليكم بنفوسهم فإذا جاء الخوف بظهور مخائل القتال، تراهم ينظرون اليك
من الخوف نظراً لا إرادة لهم فيه ولا إستقرار فيه لأعينهم تدور كالمغشي عليه من
الموت، فإذا ذهب الخوف ضربوكم وطعنوكم بألسنة حداد قاطعة، حال كونهم بخلاء على
الخير الذي نلتموه، اولئك لم يؤمنوا ولم يستقر الإيمان في قلوبهم وإن أظهروه في
السنتهم فأبطل الله أعمالهم وأحبطها وكان ذلك على الله يسيراً.
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا
لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ
كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً} (20)
أي يظنون ان الجماعات من قريش وغطفان وأسد واليهود الذين تحزّبوا على رسول الله (ص)
لم ينصرفوا وقد انصرفوا وإنما ظنوا ذلك لجبنهم وحبّهم قهر المسلمين وإن يرجع
الاحزاب مرة ثانية للقتال يود هؤلاء المنافقون ان يكونوا في البادية مع الأعراب
يسألون اخباركم ولا يكونوا معكم حذراً من القتل وتربصاً للدوائر، ولو كان هؤلاء
المنافقون معكم وفيكم لم يقاتلوا معكم الا قدراً يسيراً ليوهموا أنهم في جملتكم لا
لينصروكم ويجاهدوا معكم.
- دور المؤمنين المخلصين في معركة الأحزاب:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (21)
أي ومن حكم رسالة الرسول وأيمانكم به، أن تتأسوا به في قوله وفعله، وأنتم ترون ما
يقاسيه في جنب الله وحضوره في القتال وجهاده في الله حق جهاده، هذا لمن يرجو ما عند
الله من الثواب والنعم.
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا
وَتَسْلِيماً} (22)
معناه لمّا عاين المصدّقون بالله ورسوله الجماعة التي تحزّّبت على قتال النبي (ص)
مع كثرتهم تبين لهم مصداق قوله (ص) وكان ذلك معجزاً له (وما زادهم) مشاهدة عدوهم
الا تصديقاً بالله ورسوله (ص) (وتسليماً) لأمره.
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم
مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (23)
معناه أنهم بايعوا أن لا يفروا فصدقوا في لقائهم العدو فمنهم من مات أو قتل في سبيل
الله فأدرك ما تمنى ومنهم من ينتظر ما وعد الله من نصرة أو شهادة وما غيّروا العهد
الذي عاهدوا ربهم كما غيّر المنافقون.
{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن
شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيماً} (24)
أي ليجزي المؤمنين الذين صدقوا عهدهم بسبب صدقهم، وليعذب المنافقين إن شاء تعذيبهم
وذلك فيما لو لم يتوبوا، أو يتوب عليهم إن تابوا أن الله كان غفوراً رحيماً.
{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} (25)
معناه (وردّ الله الذين كفروا) مع غمّهم وحنقهم، والحال أنهم لم ينالوا ما كانوا
يتمنونه، (وكفى الله المؤمنين القتال)، فلم يقاتلوا وكان الله قوياً على ما يريد
عزيزاً لا يغلب.
- غزوة بني قريظة انتصار عظيم آخر:
{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً}
(26)
يبين سبحانه ما فعل باليهود من بني قريظة أنه أنزلهم لانهم عاونوا المشركين من
الأحزاب ونقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله (ص) أن لا ينصروا عليه عدواً من
أهل الكتاب يعني من اليهود فأنزلهم من حصونهم والقى في قلوبهم الخوف من النبي (ص)
واصحابه المؤمنين (فريقاً تقتلون) منهم يعني الرجال و (تأسرون فريقاً) يعني الذراري
والنساء.
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ
تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} (27)
أي وأعطاكم ارضهم وأورثكم ارضاً لم تطؤوها بأقدامكم بعد وسيفتحها الله عليكم وهي
خيبر فتحها الله عليهم بعد بني قريضة والله سبحانه قادرُ على كل شيء.
- تحذير شديد لمختلقي الإشاعات:
{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا
يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً} (60)
أقسم لئن لم يكف المنافقون والذين في قلوبهم مرض، عن الإفساد، والذين يشيعون
الأخبار الكاذبة في المدينة، لإلقاء الإضطراب بين المسلمين، لنحرضّنك عليهم ثم لا
يجاورونك في المدينة بسبب نفيهم عنها الاّ زماناً قليلاً، وهو ما بين صدور الأمر
وفعلية إجرائه.
{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} (61)
أي حال كونهم مطرودين منفيين عن المدينة مبعدين عن الرحمة أينما وجدوا وظفربهم
اخذوا وقتلوا أبلغ القتل.
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلاً} (62)
المعنى سنّ الله في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم ان يقتلوا حيثما ثقفوا (ولن
تجد لسنّة الله) تحويلاً وتغييراًَ.
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ
السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)
اللغة والبيان
يبور: من البوار وهو الهلاك.
التفسير
- إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه:
المعنى من كان يريد علم العزة وهو القدرة على القهر والغلبة لمن هي فإنها لله
جميعاً واليه يصعد الإعتقاد الحق فيقبله من صاحبه ويثيبه عليه والعمل الصالح يرفع
الكلم الطيب الى الله سبحانه، والذين يعملون السيئات (لهم عذاب شديد) ومكر اولئك
الماكرين يهلك فلا يستعقب أثراً حياً فيه سعادتهم وعزتهم.
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا
أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ
مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} (4)
{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} (5)
{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} (6)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ} (7)
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ
مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى
لَهُمْ} (20) {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ
صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} (21)
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (31)
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ
اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن
يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} (32)
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ
مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (٣٥)
اللغة والبيان
الإثخان: إكثار القتل وغلبة العدو وقهرهم.
الوثاق: اسم من الإيثاق ويقال أوثقه إيثاقاً ووثاقاً إذا اشتد اسره كيلا يفك.
الأوزار: السلاح وأصل الوزر ما يحمله الإنسان فسمى السلاح أوزاراً لأنه يحمل.
يتركم: يقال وتره يتره وتراً إذا نقصه ومنه الحديث فكأنه وتر أهله وماله وأصله
القطع ومنه الترة القطع بالقتل ومنه الوتر المنقطع بإنفراده عن غيره.
التفسير
- يجب الحزم في ساحة الحرب:
{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} (5)
أي سيهديهم الله الى منازل السعادة والكرامة، ويصلح حالهم بالمغفرة والعفو عن
سيئاتهم.
{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} (6)
سيدخلهم الجنّة والحال أنه عرفها لهم إما بالبيان الدنيوي من طريق الوحي والنبوّة،
وإما بالبشرى عند القبض أو في القبر أو في القيامة او في جميع هذه المواقف.
- إن تنصروا الله ينصركم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ
يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7)
هذا تحضيض لهم على الجهاد ووعد لهم بالنصر إن تنصروا الله تعالى.
- يخافون حتى من اسم الجهاد:
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا
أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ
مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} (4)
أمر سبحانه بقتال الكفار إذا لقيهم معاشر المؤمنين فاضربوا رقابهم اقتلوهم حتى اذا
اثقلتموهم بالجراح وظفرتم بهم، فإما أن تمنّوا عليهم منّاً بعد أن تأسروهم فتطلقوهم
بغير عوض وإما أن تفدوهم فداء حتى يضع أهل الحرب اسلحتهم فلا يقاتلوا ذلك الامر
الذي ذكرنا ولو شاء الله سبحانه لأهلك الكفار وعذبهم بما شاء (ولكن) بأمركم بالحرب
وبذل الأرواح في إحياء الدين يمتحن بعضكم ببعض فيظهر المطيع من العاصي. وجاهدوا
سواء قتلتم أو لم تقتلوا لن يضيع الله اعمالكم ولن يهلكها بل يقبلها ويجازيهم عليها
ثواباً دائماً.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ
مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى
لَهُمْ} (20)
المعنى: (يقول الذين آمنوا) هلاّ أنزلت سورة، فإذا أنزلت سورة محكمة بوضوح الفاظها
لا تشابه فيها وأمروا فيها بالقتال والجهاد، رأيت ضعفاء الايمان منهم ينظرون إليك
من شدة الخشية نظر المحتضر، فأولى لهم ذاك.
{طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ
لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} (21)
أي إيمانهم بنا طاعة، فإذا جدّ الأمر ولزم فرض القتال نكلوا وكذبوا فيما وعدوا من
أنفسهم فلو صدقوا الله فيما أمرهم به من الجهاد وامتثلوا أمره لكان خيراً لهم في
دينهم ودنياهم من نفاقهم.
- ميدان الجهاد ساحة إختبار:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (31)
أي سوف نعاملهم معاملة المختبر حتى يتميز المجاهدون في سبيل الله من جملتهم
الصابرون على الجهاد ونختبر أسراركم بما تستقبلونه من أفعالكم.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ
مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا
وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} (32)
أي إن الذين امتنعوا عن اتباع دين الله ومنعوا غيرهم عن اتباعه، وعاندوا الرسول
وعادوه من بعد ما ظهر لهم أنه الحق وعرفوا أنه رسول الله (ص)
إنما يضرون أنفسهم (وسيحبط) الله (أعمالهم) فلا يرون لها في الآخرة ثواباً.
- الصلح في غير محله مذلة:
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ
مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (35)
أي فلا تتوانوا ولا تضعفوا عن القتال ولا تدعوا الكفار الى المسالمة والمصالحة
وأنتم القاهرون الغالبون (والله معكم) بالنصرة على عدوّكم ولن ينقص من ثواب أعمالهم
شيئاً.
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِيناً} (1)
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} (2)
{وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزاً} (3)
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا
إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ
اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيماً} (4)
{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ
ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً} (5)
{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ
بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} (6)
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}
(7)
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} (8)
{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (9)
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ
فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ
أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (10)
{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا
وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ
ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيراً} (11)
{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا
ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن
تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ
تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً} (15)
{قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي
بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ
اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ
يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيماً} (16) {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا
عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن
يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} (17)
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} (18)
{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (19)
{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ
وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ
وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} (20)
{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} (21)
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا
يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيراً} (22)
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلاً} (23)
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ
مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيراً} (24)
{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء
مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم
مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ
تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيماً} (25)
{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا
تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا
قَرِيباً} (27)
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (28)
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ
اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ
شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (29)
اللغة والبيان
الفتح: هنا النصر.
المخلّف: هو المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد.
الأعراب: الجماعة من عرب البادية.
البور: الفاسد الهالك.
التبديل: رفع احد الشيئين وجعل الآخر مكانه.
المعكوف: الممنوع من الذهاب في جهة بالاقامة في مكانه.
المعرّة: الأمر القبيح المكروه.
الحمية: الأنفة والانكار.
الكفار: هنا الزراع لأن الزارع يغطي البذر وكل شيء قد غطيته فقد كفرته ومنه يقال
للّيل كافر لأنه يستر بظلمته كل شيء.
التفسير
- الفتح المبين:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِيناً} (1)
المراد بهذا الفتح على ما تؤيده قرائن الكلام: هو ما رزق الله نبيّه (ص) من الفتح في
صلح الحديبية.
- نتائج الفتح المبين:
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} (2)
المراد بالذنب – والله اعلم – التبعة السيئة التي لدعوته (ص) عند الكفار والمشركين،
وهو ذنب لهم عليه كما في قول موسى (ع) لربه: (ولهم عليّ ذنب فأخاف ان يقتلون)
الشعراء: 14، وما تقدم من ذنبه هو ما كان منه (ص) بمكة قبل الهجرة، وما تأخّر من
ذنبه هو ما كان منه بعد الهجرة، ومغفرته تعالى لذنبه، هي ستره عليه بإبطال تبعته
بإذهاب شوكتهم وهدم بنيتهم.
{وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} (3)
النصر العزيز: هو ما يمتنع به من كل جبّار عنيد وعاتٍ مريد، وقد فعل بنبيّه (ص) ذلك
إذ جعل دينه أعزّ الأديان وسلطانه أعظم السلطان.
- نزول السكينة في قلوب المؤمنين:
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا
إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ
اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (4)
الله سبحانه الذي امد الثبات والإطمئنان في قلوب المؤمنين ليزدادوا يقيناً الى
يقينهم بما يرون من الفتوح وعلوّ كلمة الإسلام (ولله جنود) من الملائكة والجن
والإنس والشياطين وأعلم أن كل أفعاله تكون على أساس الحكمة والصواب.
- نتيجة اخرى من الفتح المبين:
{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ
ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً} (5)
بيان لكون ذلك سعادة حقيقية لا ريب فيها لكونه عند الله كذلك وهو يقول الحق.
{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ
بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} (6)
يتوعد سبحانه الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الشرك والذين يعبدون مع الله غيره الذين
يظنون أن الله ينصرهم على رسوله وذلك سوء سيقع عليهم العذاب والهلاك وغضب الله
عليهم وأبعدهم من رحمته (وأعدّ لهم جهنم) يجعلهم فيها (وساءت) مآلاً ومرجعاً.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}
(7)
اي له سبحانه الجنود التي يقدر أن يعنكم بها (وكان الله) في قهره وانتقامه (حكيماً)
في فعله وقضائه.
- بيان مكانة النبي ووظائف الناس بالنسبة اليه:
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} (8)
المراد بشهادته (ص) شهادته على الأعمال من إيمان وكفر وعمل صالح أو طالح (ومبشراً)
بالجنّة لمن اطاعه ومحذراً من النار لمن عصاه.
{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (9)
أي ليؤمن هؤلاء الكفار بالله ورسوله وتنصروه بالسيف واللسان وتعظموه وتبجلوه وتصلوا
بالغداة والعشي.
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ
فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ
أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (10)
المراد بالبيعة بيعة الحديبية وهي بيعة الرضوان بايعوا رسول الله (ص) على الموت
والمبايعة معك تكون مبايعة مع الله لأن طاعتك هي طاعة الله، وعقد الله في هذه
البيعة فوق عقدهم لانهم بايعوا الله ببيعة نبيه (ص) فكأنهم بايعوه من غير واسطة فمن
نقض ما عقد من البيعة يرجع ضرر ذلك النقض عليه وليس له الجنّة ومن ثبت على الوفاء
بالبيعة (فسيؤتيه) أجراً جزيلا.
- إعتذار المخالفين:
{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا
وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ
ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيراً} (11)
أخبر سبحانه عمن تخلف عن نيبه (ص) خوفاً (قل) يا محمد فمن يمنعكم من عذاب الله إن
أراد بكم سؤءاً أو نفعاً (وكان الله) عالماً بما كنتم تعملون في تخلفكم.
- المخلّفون المهيأون عند الطلب:
{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا
ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن
تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ
تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً} (15)
أي (سيقول المخلفون اذا..) إنكم ستنطلقون الى غزوة فيها مغانم تأخذونها، فيقول
هؤلاء المخلفون: إتركونا نتبعكم. (قل لن تتبعونا كذلكم..) أمر منه تعالى للنبي (ص)
أن يمنعهم عن إتباعهم، إستناداً الى قوله تعالى من قبل أن يسألوهم الإتباع.
(فسيقولون بل تحسدوننا) سيقول المخلفون بعدما منعوا عمّا سألوه من الإتباع: (بل
تحسدوننا) (بل كانوا لا يفقهون) جواب عن قولهم (بل تحسدوننا).
{قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي
بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ
اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ
يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (16)
ظاهر قوله: (ستدعون) أنهم بعض الأقوام الذين قاتلهم النبي (ص) بعد فتح خيبر من
هوازن وثقيف والروم في مؤتة (تقاتلونهم او يسلمون) إما تقاتلون أو يسلمون، أي انهم
مشركون لا تقبل منهم جزية كما تقبل من أهل الكتاب، بل إما ان يقاتلوا أو يسلموا.
- جماعة معذورة من الاشتراك في ميادين الجهاد:
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى
الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} (17)
هنا رفع للحكم بوجوب الجهاد على ذوي العاهة الذين يشق عليهم الجهاد، برفع لازمه وهو
الحرج.
- رضى الله عن المشتركين في بيعة الرضوان:
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} (18)
يعني بيعة الحديبية وتسمى بيعة الرضوان هذا إخبار منه سبحانه أنه رضي عن المؤمنين
إذ بايعوا النبي (ص) في الحديبية تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السمرة، (فعلم ما في
قلوبهم) من صدق النية في القتال فأنزل عليهم اللطف والطمأنينة (وأثابهم فتحاً
قريباً) يعني فتح خيبر.
{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} (19)
يعني غنائم خيبر فإنها كانت مشهورة بكثرة الأموال والعقار (وكان الله) غالباً فيما
أراد متقناً لفعله غير مجازف فيه.
- من بركات صلح الحديبية مرة أخرى:
{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ
وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ
وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} (20)
يعني (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) مع النبي (ص)ومن بعده الى يوم القيامة
(فجعل لكم هذه) يعني غنيمة خيبر (وكفّ أيدي الناس عنكم) وذلك أن النبي (ص) لما قصد
خيبر وحاصر أهلها همت قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على أموال المسلمين وعيالهم
بالمدينة فكف الله أيديهم عنهم بالقاء الرعب في قلوبهم (ولتكون) الغنيمة التي عجلها
لهم (آية للمؤمنين) على صدقك ويزيدكم هدى بالتصديق بمحمد (ص) وما جاء به مما ترون
من عدة الله في القرآن بالفتح والغنيمة.
{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} (21)
معناه ووعدكم الله مغانم أخرى لم تقدروا عليها بعد، قدر الله عليها وأحاط علماً بها
(وكان الله على كل شيء قدير) في فتح القرى وغير ذلك.
- لو حدثت الحرب في الحديبية:
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا
يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيراً} (22)
ينبئهم الله سبحانه ضعف الكفار عن قتال المؤمنين بأنفسهم، وأن ليس لهم ولي يتولى
أمرهم ولا نصير ينصرهم.
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلاً} (23)
هذه سنتي في أهل طاعتي وأهل معصيتي انصر أوليائي وأخذل اعدائي (ولن تجد لسنة الله)
في نصرة رسله تغييراً
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ
مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيراً} (24)
الظاهر ان المراد بكفّ أيدي كل من الفئتين عن الأخرى، ما وقع من الصلح بين الفئتين
بالحديبية.
{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء
مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم
مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ
تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (25)
يعني مشركو مكة هم الذين كفروا ومنعوكم عن المسجد الحرام ومنعوا الهدى - الذي
سقتموه- حال كونه محبوساً من أن يبلغ محله، أي الموضع الذي ينحر أو يذبح فيه، وقد
كان النبي (ص) ومن معه من المؤمنين محرومين للعمرة ساقوا هدياً لذلك، ولولا أن
تدوسوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات بمكة وأنتم جاهلون بهم لا تعلمونهم، فيصيبكم من
قتلهم وإهلاكهم مكروه، لما كف الله أيديكم عنهم، وذلك الكف ليدخل في رحمته اولئك
المؤمنين والمؤمنات، ولو تفرقوا بأن يمتاز المؤمنون من الكفار، لعذبنا الذين كفروا
من أهل مكة عذاباً أليماً، لكن لم نعذبهم لحرمة من أختلط بهم من المؤمنين.
- التعصب وحميّة الجاهلية هما أكبر سد في طريق الكفار:
{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ
الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا
وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (٢٦)
(إذ
جعل الذين كفروا) وصدوكم، إذ القوا في قلوبهم الحمية حمية الملة الجاهلية فقابلهم
الله سبحانه بإنزال السكينة على رسوله وعلى المؤمنين، فاطمأنت قلوبهم ولم يستخفهم
الطيش، وأظهروا السكينة والوقار من غير ان تستفزهم الجهالة (والزمهم كلمة التقوى)
جعلها معهم لا تنفك عنهم.
- رؤية النبي (ص) الصادقة:
{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا
تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً
قَرِيباً} (27)
المراد بالفتح القريب في هذه الآية: فتح الحديبية، فهو الذي سوى للمؤمنين الطريق
لدخول المسجد الحرام آمنين، ويسّر له ذلك، ولولا ذلك لم يكن لهم الدخول فيه الا
بالقتال.
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (28)
يعني انه سبحانه ارسل محمداً بالدليل الواضح والحجة الساطعة والقرآن والاسلام ليظهر
دين الاسلام بالحجج والبراهين على جميع الأديان (وكفى بالله) شاهداً على صدق نبوّته
والوعد ان دينه سيظهر على الدين كله، أو على أن رؤياه صادقة.
- (أشداء على الكفار رحماءُ بينهم):
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ
اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ
شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (29)
وصف سبحانه رسوله والمؤمنين بالشدة على الأعداء والرحمة فيما بينهم وكثرة صلاتهم
ومداومته عليها، وعلامتهم يوم القيام ان تكون مواضع سجودهم أشد بياضاً، هذا الوصف
هو ما وصفوا به في التوراة والإنجيل مثلهم كمثل زرع أخرج فراخه فشده وأعانه وقواه،
فغلظ ذلك الزرع فقام على قصبه وأصوله يروع ذلك الزرع الزراع وإنما كثرهم الله
سبحانه وقواهم ليكونوا غيظاً للكافرين بتوافرهم وتظاهرهم واتفاقهم على الطاعة، وقد
وعد من أقام على الإيمان والطاعة ستراً على ذنوبهم الماضية وثواباً جزيلاً دائماً.
|