تعلُّم المقامات أصبح ضرورة ملحّة في هذا العصر، ويحتاج إليه المنشد كما أنَّ القارىء - تالي القرآن الكريم - يحتاج إلى التّثقُّف وتعلُّم كيفيّة أداء النّغمات والانتقال من نغمة إلى أخرى لأنّ لكلّ فنّ مقوّماته وأسلوبه وقواعده.
والسّؤال الّذي يطرح نفسه: كيف نشأت المقامات والنّغمات؟
الجواب: المقامات اسم
أُطلق على أصول النّغمات، في القديم كان الإنسان لا يعرف شيئًا عن هذه المقامات والنّغمات والسّلّم الموسيقيّ والإيقاعات، فكان الإنسان يردّد بعض الأصوات من حنجرته أصواتًا منسجمةً، ومع مرور الزّمان استطاع أن يختار من هذه الأصوات أكثرها ائتلافًا وانسجامًا فنشأت النّغمات، وتحوّلت النّغمات إلى علم له أصوله بعد أن كان التّطريب يؤدَّى بطريقة بسيطة وبدائيّة.
هذه الأصول سميّت فيما بعد بالمقامات، لأنَّ كلّ مقام له طبقة صوتيّة، أو مقام صوتيّ تناسبه أكثر من غيرها تسمّى درجة استقرار المقام.
كذلك الأصوات كانت موجودة في الطّبيعة كصوت الرّياح وحفيف الأشجار وصوت الرّعد وزقزقة العصافير والطّيور وأصوات الحيوانات.
وكان الهواء عندما يمرّ على أشجار القصب الفارغ يصدر عنها صفيرًا نتيجة مرور الهواء على هذه القصبة فصار الإنسان ينفخ فيها، يغلق بعض الثّقوب ويترك البعض الآخر مفتوحًا، ويغيّر أصابعه على هذه الثّقوب، فتعطيه أصواتًا مختلفة بين الحدّة والغلظة، ومع مرور الزّمن وبواسطة الحاسّة السّمعيّة لدى الإنسان والطّرب لهذه الأصوات استطاع أن يختار الأصوات المنسجمة أكثر مع بعضها البعض.
إنَّ هذه العمليّة أخذت آلافًا من السّنين حتّى استطاع الإنسان أن يتوصّلَ إلى ابتكار هذه الآلات الموسيقيّة، فمن هنا نشأت فكرة استخدام الآلات الموسيقيّة.
أمّا بالنّسبة للإيقاعات ونشأتها: كان الإنسان يضرب على الخشب فيحدث هذا الصّوت إيقاعًا لذيذًا، فصار الإنسان يضرب على الخشب بشكل عشوائيّ في البداية، ثمّ استطاع أن ينظّم هذه الضّربات والسّكتات وإعادة المحاولة مرّات ومرّات حتّى يعطي للأذن طربًا ونشوى، فمن هنا نشأت فكرة: الإيقاعات.
أمّا نشأة الأصوات: كان بسيطًا في البداية وبدائيًّا لا تعقيد فيه، ولكنّ الإنسان استطاع أن يأخذ من هذه الأصوات المنسجمة والمتآلفة وتجميع عدّة أصوات مع بعضها البعض فتشكّلت لديه نغمات، كلّ نغمة نتيجة عدّة أصوات متآلفة مع بعضها البعض الّتي تحدث نغمًا.
مثال على ذلك: مثل الأطعمة تمامًا، فسابقًا كان الإنسان لا يستطيع تحضير الطّعام الموجود في هذا العصر، وكان الطّعام بسيطًا من ثمار الأشجار والخضار والتّمر ومع مرور الزّمن صار ينتقي الإنسان ممّا تحت يدًيْه من فواكه وخضار وحبوب ولحوم ويؤلّف بينها ويطبخها على النّار فتكوّنت الأطعمة المتنوّعة.
كذلك النّغمات فهي مجموعة أصوات متآلفة مع بعضها البعض تشكلّ مقامات أو أنغامًا.
إنَّ ممّا يجدر بكلّ قارىء للقرآن الكريم أن تكون قراءته للقرآن الكريم أشبه ما تكون بقراءة النّبيّ وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فهم قدوتنا في كلّ العبادات، وقد تلقَّى النّبيّ
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جميع كلمات القرآن الكريم وآياته وسوره عن جبريل (عليه
السّلام) عن الباري عزَّ وجلَّ، قال تعالى:
﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ
(193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194)
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾
(35).
وكان للنّبيّ (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) حزب من القرآن يقرؤه، وكانت قراءته ترتيلاً، وكان
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعطي الحروف حقّها على الأصول الصّحيحة، فلم تكن قراءته سريعة ولا بطيئة جدًّا، بل كانت معتدلة كأفضل ما تكون القراءة. كانت قراءته
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مفسّرة حرفًا حرفًا، وروي ذلك أيضًا عن أمّ سلمة (رضوان
الله عليها) كما كان يُقَطِّع القراءة ويقف عند كلّ آية فيقول مثلاً:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ ﴾ ويقف، ثمّ يقول:﴿ الْحَمْدُ
لِهَِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ويقف، ثمّ يقول:
﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ويقف، ثمّ يقول:﴿مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ﴾ ويقف، ثمّ يقول: ﴿إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إلى آخر ما كان يقرأ عليه الصّلاة والسّلام.
وقد روى الزّهريّ أنَّ
قراءة النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانت آية آية، وروى ذلك أيضًا البيهقيّ في (شعب الإيمان) وروى غيره كثيرون ممّن رجّحوا الوقف على رؤوس الآيات ما أمكن إلا أن يختلّ المعنى أو ينقلب فعندها لا يجوز الوقوف كما في قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ
لِّلْمُصَلِّينَ﴾ لأنَّ الوقوف عند هذه الآية يُشَوِّه المعنى ويقلِبُه، بل يجب عليه أن يكمله بالآية الّتي بعدها وهي: ﴿فَوَيْلٌ
لِّلْمُصَلِّينَ﴾ ﴿الَّذِينَ
هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾
(36) ليتمّ المعنى.
وكما كان النّبيّ (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) يقرأ القرآن كان يحبّ أن يسمعه من غيره، وفي
كلّ من قراءته واستماعه كان أحيانًا يذرف الدّمع من عينَيْه
إجلالاً لربّه واستشعارًا لعظمته، وإشفاقًا على أمّته، وقد طلب
النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ابن مسعود (رضوان الله
عليه) أن يقرأ عليه شيئًا من القرآن، فقال: أأقرأُ عليك وعليك أُنزل؟ فقال
(صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» فقرأ عليه سورة النّساء حتّى إذا بلغ قول الله تعالى: ﴿فَكَيْفَ
إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى
هَؤُلَاءِ شَهِيداً﴾
(37)، بكى
النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتّى ذرفت عيناه الدّموع وقال: «حسبك الآن»
(38).
وكان رسولنا الكريم
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذكر الله تعالى ويقرأ القرآن في جميع
أحيانه وأحواله، فكان يقرأ القرآن قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا
ومتوضّئًا ومحدثًا، ولم يكن يمنعه شيء من قراءة القرآن إلا
الجنابة، وقد سئل أنس بن مالك كيف كانت قراءة النّبيّ (صلّى الله
عليه وآله وسلّم)؟، قال: كان يمدُّ مَدًّا، أي: يطيل الحروف الصّالحة للإطالة ليستعين بها على التّدبّر والتّذكّر وتذكير من يتذكّر
(39).
ويقول بعض الرّواة: كانت تلاوته
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مدًّا يقرأ بتأنٍّ ويُفهم المستمع ما يقول كأنّه يخاطبك بالقرآن، وفي رواية تصفُ عائشة تلاوته في قيام الّليل بأنّها كانت تستطيع أن تعدّ الحروف من شدّة التّأنّي في تلاوته، وسئلت أيضًا عن قراءة الرّسول
(صلّى الله عليه وآله وسلّم): أكان يُسِرُّ أو يجهرُ؟ فقالت: كان كلّ ذلك يفعل.
أمّا المقام الّذي كان
يقرأ عليه النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا نستطيع أن نجزم بمقام معيّن.
وعن
البراء بن عازب أنّه سمع النّبيّ
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقرأ في المغرب ﴿وَالتِّينِ
وَالزَّيْتُونِ﴾ فما رأيت إنسانًا أحسن قراءة منه
(40).
ذكرنا في مقدّمة الكتاب أنَّ أوّل شخص قرأ القرآن الكريم بالمقامات والألحان الّتي نتداولها اليوم هو: عبيد الله بن أبي بكرة الثّقفيّ
(41) - المكنّى بأبي حاتم - وكان يعيش في القرن الأوّل من الهجرة النّبويّة، وكان يقوم بمهمّة القضاء بالبصرة.
أمّا بداية دراسة المقامات العربيّة بالصّورة الموسيقيّة التّحليليّة لكلّ مقام فقد كانت منذ بداية العصر العبّاسيّ، وتطوّرت شيئًا فشيئًا على مرّ التّاريخ وتعدّد الشّعوب والّلهجات إلى أن ترتّبت بشكلها المنسجم والواضح الفعليّ.
هل هناك علاقة بين تلاوة القرآن الكريم والمقامات؟
بعد هذه المقدّمة وقبل أن أشرع بشرح المقامات، أودّ أن أشرح وأوضح باختصار - في تكميل مقدّمَتَي السّابقة - لِلّذين يتوجّسون ريبة من المقامات والنّغمات ويعتقدون بأنّها جاءت من أهل الغناء والّلهو وتختصّ بهم، نقول لهم أنَّ هذا ليس صحيحًا.
والحقيقة أنَّ المقامات هي نغمات لَحْنيّة اشتهرت عند أهل الأمصار والأصقاع الإسلاميّة خاصّة، فاشتهر كلّ مِصر وقِطر بنغمته المشهورة وصارت تعرف لهم، مثلا: «مقام الحجاز» اشتهر عند أهل الحجاز وهذه هي نغمتهم المعروفة فأنت لو أعجبتك هذه النّغمة وأردت تقليدهم بعد الاستماع والتّمارين الخاصّة تستطيع أن تتقن هذا المقام ففي هذه الحالة نقول: أنت الآن تعلّمت مقام الحجاز.
نغمة البيات اشتهرت في العراق، وهناك عائلة من عوائل العراق المعروفة كانت
أفضل من يجيد هذا المقام هناك واسمها عائلة البياتيّ، ونسب هذا المقام إليها، وهي إلى الآن موجودة وتفتخر بانتساب هذا المقام إليها.
ومقام النّهاوند نسب إلى بلدة نهاوند في إيران، ونسب هذا المقام إليها، وهكذا.
يعني أنَّ هذه النّغمات اشتهرت في هذه الأمصار، وكان الطّابع العامّ لألحانهم على هذا المقام، فيقرأون القرآن بهذه النّغمات وينشدون النّشيد بها أيضًا. وفي الحقيقة أنّه ما من تلاوة من التّلاوات - مهما تغيّرت - إلا وهي على مقام معيّن، سواء كان التّالي للقرآن عالمًا بذلك أم لا، وغالبًا ما نجد الأطفال يقرأون عند دراستهم للقرآن على مقام البيات أو
السّيكاه دون معرفتهم بها، وما أجمل أن يكون الشّخص إمامًا يصلّي بالنّاس وهو عالم بالمقامات فتجده يختار المقام المناسب للآيات والأوقات المناسبة، ويجيد التّلاوة للسّور والأذكار في الصّلاة وفي الأدعية، وهذا ممّا يزيد في حالة الخشوع والتّوجّه الصّحيح في الصّلاة ويجلب انتباه المصلّين وتركيزهم.
أوّلاً: ليس للمقامات علاقة بالحالة النّفسيّة، إلاّ إذا كانت مصحوبة بالآيات القرآنيّة.
ثانيًا: لا بدّ أن توظّف المقامات توظيفًا جيّدًا مع المعاني الّتي تشتمل عليها هذه الآيات فالسّيكاه مثلاً لآيات الانتباه والإنذار، والصّبا مثلاً لآيات العذاب والوعيد، وقِسْ على ذلك.
وهذا التّناسق بين معاني الآيات والمقامات، لا يعرف صياغته والرّبط بينه إلا أصحاب الخبرة والاختصاص وأعني بذلك القرَّاء الكبار الأكارم أصحاب الفضيلة، فالشّيخ مصطفى إسماعيل مثلاً ومحمّد رفعت وغيرهم من القرّاء القدامى رحمهم الله تعالى كانوا بارعين في مثل هذه الأمور الدّقيقة الحسّاسة الّتي هي ناتجة عن الموهبة أوّلاً، وعن الاكتساب بالتّدرّب والمثابرة ثانيًا، ولهذا فإنّ للمقامات علاقة كبيرة وتأثير عميق على الحالات النّفسيّة، ولكنّ ذلك كلّه ناتج عن هذه الحيثيّاث الّتي ذكرت وإلا فإنّ المقامات بلا كلام يشتمل على معان جليلة وعظيمة، لا تؤثّر إطلاقًا على الحالة النّفسيّة الهابطة بل إنّها لا تساوي شيئًا في اعتقادي ونظري، لأنَّ المسلم المؤمن العاقل الّذي رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، لا بدّ له من الاعتقاد الجازم، أنّ التّأثير كلّ التّأثير، يشتمل على المعاني العظيمة والجليلة، الّتي جاءتنا عن ربّ العالمين مسطّرة في كتابه المبين، القرآن الحكيم، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يدَيْه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، قال تعالى: ﴿اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ
تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ
فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾
(42).
وقال أيضًا:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا
هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً﴾
(43).
ثالثًا: المقامات بأسلوبها الخاصّ تعطي المفهوم وتوصل المعلومة للمتلقّي، إذا كان بأسلوب فرح أو بأسلوب حزن أو بأسلوب ترهيب أو ترغيب أو شيء عامّ، فالمقامات جدًّا ضروريّة للمنشد أو قارىء القرآن حتّى يميّز النّغمة المطلوبة، مثلاً القصيدة الإرشاديّة لها نغماتها الخاصّة، قصيدة الفرح أيضًا لها نغماتها الخاصّة وهكذا قصيدة الحزن لها نغماتها الخاصّة لإيصال المعلومة للمتلقّي بأسلوب فرح أو بأسلوب ترهيب أو ترغيب، فهذا كلام عامّ، ولنلاحظ - كما أسلفنا - أنَّ هذه المقامات لا بدّ أن توظّف في مكانها المناسب، فلا يصلح أن نلحّن أنشودة رثاء بمقام الرّست مثلاً أو مقام
السّيكاه، فالمقام المناسب لها هو مقام الصّبا، وكذلك قصيدة الحزن أيّام المراثي في عاشوراء لها أنغامها الخاصّة، والقرآن له بحوث خاصّة ومتعدّدة، مثلاً يوجد في القرآن الكريم بحث إرشاديّ ويطرح موضوعًا معيّنًا، وبحث آخر في التّرغيب والتّرهيب، فعلى القارىء أن يتمكّن من استخدام النّغمة، ليخرج من نغمة ترهيب ويدخل بنغمة التّرغيب.
وبالتّالي إنّنا نتعلّم هذه المقامات لنطبّقها على الآيات المناسبة لها ولمفاهيم الفرح والحزن والشّوق والمحبّة وغيرها.
فالمقامات بكلّ بساطة هي الحالة الموسيقيّة المتنوّعة في التّعبير عن الحالة المزاجيّة للإنسان أيًّا كانت، ولا تقتصر أهمّيّة تعلُّم المقامات على المنشدين، بل هي أيضًا تهمّ قرَّاء القرآن الكريم والمؤذّنين والمدّاحين والرّاثين.
يقول الكاتب حسن شكري «إنّ صوت المقرىء قادر بطبقاته المتعدّدة على إيصال الحالة الّتي يريد القرآن أن يوصلها إلى قرّائه أو مستمعيه. ولهذا يشعر الجالسون في سرادق أو مسجد يستمعون
إلى القرآن الكريم أنَّ القارئ يعيد رسم الحياة من حولهم. حيث تختفي الماديّات ويشعر هؤلاء أنَّهم يسافرون في رحلة حقيقيّة إلى العالم الآخر. وهي الرّحلة الّتي يمكن تلخيصها في أنَّها رحلة النّعيم والجحيم».
ويقول الشّيخ علي السّويسيّ «القراءة (بالنّغم) أشبه بتقديم تفسير، وأنَّ الّذي يقرأ بنغم سليم وعنده فكرة أساسيّة عن الفنّ، يجعل المستمع أقرب إلى القرآن».
كما ذهب الشّيخ محمد الطّبلاويّ إلى أنَّ أساس استخدام القارئ للنّغم هو المعنى، وليس العرف أو الذّوق. إنَّه يستخرج المعنى للنّاس حسب فهمه.
أمّا الشّيخ الحصريّ فقد أكّد أنَّ القارىء يحتاج إلى موهبة وصوت، ليأتي بألوان مختلفة للمعاني المختلفة. وليس بوسع كلّ إنسان أن يفعل هذا.
ووصف الشّيخ إبراهيم الشّعشاعيّ قراءة والده بقوله: الآية الّتي لها معنى التّرهيب تأخذ نغمة خاصّة، والآية الّتي تبشّر بالخير تكون لها نغمة أخرى. ووصف الشّيخ رشاد كيف تأخذ الإشارة إلى جهنّم صوتًا غليظًا ضخمًا، ويكون الصّوت عند الإشارة إلى الجنّة مشرقًا، وأكثر حدّة، وقد اتّفق القرَّاء بوجه عامّ في تحديد حالة نفسيّة معيّنة لمقام معيّن. وهكذا، فإنَّ مقام
السّيكاه يستحضر (الفرح والوعيد)، ومقام الجهاركاه (الرّهبة)، ومقام الّصبا (الشّجى المشوب بالعاطفة).
ويصف كاتب آخر قراءة الشّيخ المنشاويّ:
سمعت ذات يوم لصوت الشّيخ المنشاويّ يستحضر الحزن والرّهبة في قراءته، وسمعت نغمة الصّبا المعروفة بين الأساليب العربيّة بالحزن آتية من حنجرته كما لو كانت غارقة في دموعه.
هناك بعض المصطلحات نتعرّف إليها قبل الشّروع والبدء في دراسة المقامات، ويكفينا تطبيق ما يهمّنا خاصّة في التّلاوة والتّمرين، وما يسهّل الأمر لنا في هذا المجال من أسهل وأبسط الشّروح والتّوضيحات الّتي تناسب وتلائم موضوع التّلاوة وقداستها، ومن أشهرها ما يلي:
هو عبارة عن مجموعة من نغمات (أصوات) مرتّبة مبنيّة بعضها فوق بعض، أساسه (أوكتاف) كامل ذو ثمانية أصوات، فالمقام الصّوتيّ هو الطّابع الموسيقيّ الّذي يمتاز به صوت معيّن وهو الأساس الّذي تُبنى عليه الألحان، ويتكوّن من تتابع سبع أصوات موسيقيّة وبشكل متسلسل، يضاف إليها صوت ثامن (وهو تكرار الصّوت الأوّل) ويكون جوابًا له، وتسمّى هذه الدّرجات الثّماني بـ (الدّيوان).
ولكلّ مقام ترتيبٌ خاصٌّ به يميّزه عن المقامات الأخرى، وذلك من حيث البناء في المسافات الواقعة بين أصوات ديوانه، وكذلك درجة استقراره، وشخصيّته والأجناس الّتي تَكَوَّن منها.
وقد تمَّ تحديد المقامات الأساسيّة وهي سبع يضاف إليها مقام فرعيّ لأسباب تميّز بها فتصبح ثمانية، مجموعة في حروف كلمة (صنع بسحر) وهي كالتّالي:
الصّاد: رمز لمقام الصّبا، النّون: النّهاوند، العين: العجم، الباء: البيات، السّين:
السّيكاه، الحاء: الحجاز، الرّاء: الرّست. وعند إضافة مقام الكورد تصبح الكلمة (صنع بسحرك).
كلّ الألحان مبنيّة على أحد المقامات أو أكثر من مقام، سواء المقامات الأساسيّة أم الفرعيّة، ولكلّ مقام منها ما يميّزه عن المقامات الأخرى، ونحن نقول عن ذلك (شخصيّة المقام) مثل الألوان تمامًا، فكلّ لون متميّز عن الآخر يوحي بإحساس وجوّ معيّن فكذلك المقامات، وكما أنَّ الألوان تدرك بالنّظر والأطعمة تدرك بالتّذوّق، كذلك المقامات والنّغمات تدرك وتميّز بالسّماع، فلكلّ مقام من المقامات طبيعته الخاصّة، فمقام الصّبا مثلاً يعبّر عن الحزن والأسى خلاف مقام الكورد الّذي يعبّر عن الانطلاق والحريّة.
ومقام الحجاز مقام رصين ووقور لذا فإنَّ معظم المؤذّنين يرفعون الأذان به، ومقام البيات يعبّر عن
السّلطنة وحالات الحبّ، لذا فإنَّ معظم المنشدين والمواويل تقال منه، وهكذا
(44).
السّلّم الموسيقيّ: يعني درجات ارتفاع الصّوت أو انخفاضه بشكل منسّق متدرّج، وهو الأحرف والنّغمات الّتي ترتكز عليها الموسيقى بأنواعها المختلفة، ويتكوّن من سبعة أحرف موسيقيّة هي:
(Do-Re-Me-Fa-Sol-La-Si): ونقرأها من اليسار إلى اليمين: وهي تبدأ من الـ Do ثمَّ ترتفع إلى الـ
Re وهكذا حتّى تصل إلى الـ Do الثّانية وتكون جوابًا للـ Do الأولى، وعندما نقرأ هذه الأحرف نبدأ بالدّرجة المنخفضة ونختمها بالنّغمة المرتفعة.
السّلّم الموسيقيّ: هو الأساس الموسيقيّ، وعليه ابتكر العلماء هذه الأحرف لتكون أحرف موسيقيّة معتمدة لجميع الشّعوب، ويقول عنها الكثير: إنّها هي الّلغة العالميّة الوحيدة الّتي تتقنها الشّعوب ولا تختلف عليها هذه النّغمات السّبعة المحصورة على نظام صوتيّ واحد (الأوكتاف)، وإذا زادت طبقة الصّوت تزداد الأوكتافات.
إنَّ الأوكتاف (الدّيوان) يؤلَّف من ثمانية أصوات وهذا الصّوت الثّامن المضاف يكون جوابًا للصّوت الأوّل الّذي هو القرار.
(Do-Re-Me-Fa-Sol-La-Si) والـ (دو-ري-مي-فا-سول-لا-سي) تسمّى عند العرب (ديوانًا كاملاً) وعند الغرب (أوكتات
أو أوكتاف)، والبعد بين الدّرجة والدّرجة تسمّى (تون كامل).
فنحن في دراستنا سنضطرّ لاستخدام معرفة هذه الأسماء الأوروبيّة الغربيّة لأنَّها تسهّل عمليّة التّعاون مع الأنغام.
إنَّ المقام يمتلك مستقرًّا له يعرف به ويدلّ به وينتهي به، ومثال ذلك مقام الرّست الدّرجة الأولى من سلّمه وهي نغمة صوت (Do) الّتي تميّزه عن المقامات الأخرى. وإليكم عرض درجات المقامات المعروفة مع بعض فروعها واستقرارها على السّلّم الموسيقيّ:
المقامات الّتي تستقرّ على درجة الـ Do أو الرّست:
الرّست |
النّهاوند |
الحجاز كار |
الحجاز كار كرد |
النّكريز |
النّوا أثر |
الزّنجران |
السّوزناك |
أثر كرد |
المقامات الّتي تستقرّ على درجة الـ
Re أو الدّوكاه:
البيات |
الصّبا |
الحجاز
|
الشّوري |
النّكريز |
الكرد |
المقامات الّتي تستقرّ على درجة الـ Me أو بُوسَلك:
المقامات الّتي تستقرّ على درجة الـ Fa أو الجهاركاه:
المقامات الّتي تستقرّ على درجة السّي بيمول أو العشيران:
المقامات الّتي تستقرّ على درجات مختلفة:
الهزام |
العراق |
البستنيكار |
المايه |
اللامي |
العشّاق المصريّ |
الحسينيّ |
الشّوق أفزا |
النوا |
عند القفز من درجة إلى درجة بطريقة غير صحيحة وغير منظّمة تصبح (نشازًا)، والنّشاز: هو الخروج من مقام إلى آخر غير متناسق مع المقام الأصليّ، هو غير مريح للأذن المستمعة.
النّشاز: هو الخروج عن المألوف أو الخروج عن القاعدة، ولذلك يقولون: إنَّ لكل قاعدة نشازًا، والنّشاز في الموسيقى هو الخروج عن المقام الّذي تنشد منه دون داعٍ أي بطريقة غير طبيعيّة.
المعروف أنَّ لكلّ مقام أبعادًا معيّنة، أي مسارًا محدّدًا، فإذا خرجت عن هذا المسار اعتبر هذا نشازًا.
ولقد ظهرت في الدّول الغربيّة بعض الفرق الّتي تعزف النّشاز، وتعتبره تجديدًا في الشّكل الّلحنيّ، ولكن هذا لا يعتبر تجديدًا بالمعنى المفهوم، ولكنّه مجرّد تقاليع للشّهرة وحبّ الظّهور.
فأُذُن الإنسان الطّبيعيّ تكتشف النّشاز ولا تستسيغه ولا تقبله، وأحيانًا تجد المنشد قد ينشد على مقام معين، ويخرج إلى آخر دون نشاز ثمَّ يعود للمقام الأصليّ، فهكذا أصبح الشّخص أو المؤدّي يسير على ضوابط معيّنة دون علمه! فقط لمجرّد حساسيّة أو موسيقيّة أُذُنه للنّشاز، وأنَّ لديه الإمكانيّة لمعرفته وتصنيفه.
لكيلا ينشّز القارىء للقرآن فعليه بما يلي:
1- الحفاظ على وحدة الإيقاع الصّوتيّ.
2- أن لا يرفع صوته أكثر ممّا ينبغي.
3- أن تكون سرعته ثابتة.
القرار: هو انخفاض نسبيّ في عدد النّبرات الصّوتيّة، وقد يعني عُرفًا الجواب الموسيقيّ، وهو يبدو واضحًا في بداية القراءة عند القرَّاء.
الجواب: هو ازدياد نسبيّ في عدد النّبرات الصّوتيّة، وقد يعني صوتًا يوحي بعدم اكتمال الحدث أو القصص، ولنفرض أنَّ الـ DO هو 500 اهتزازة في الثّانية، فإنّ مضاعفة هذا الاهتزاز إلى 1000 اهتزازة يصبح الصّوت جوابًا، فإذا زادت أو قلّت أصبحت نشازًا،
والجواب قد يعني عرفًا السّؤال الموسيقيّ.
جواب الجواب: هو أعلى طبقة صوتيّة قد يصل إليها القارىء بعد الجواب.
وهي ثلاث مراحل كما وضّحناها:
1- القرار (وبه تبدأ التّلاوة).
2- الجواب (ونصعد إليه في أواسط التّلاوة).
3- جواب الجواب (ويتمّ الصعود إليه ثمّ العودة للجواب ثمَّ الانتهاء بالعودة للقرار وبه تختتم التّلاوة)
وتسمّى القراءة بالطّبقات الثّلاث قراءة المقام كاملاً.
ملاحظة مهمّة: ينبغي أن يكون الانتقال من مرحلة إلى أخرى عند المدود، وأحكام التّلاوة كالإدغام والإخفاء.
هو لحن ابتدائيّ لكلّ نغمة ومقام، ويمهّد لنا الطّريق للقراءة بالمقام كاملاً وبواسطته نشرع بقراءة المقام بمراحله الثّلاث.
في الحقيقة لقد وضعت هذه الدّروس والقواعد المهمّة لكي يتسنّى لعشّاق القرآن خاصّة المبتدئين تعلُّم وإتقان علم المقامات الّتي يقرأ بها القرآن، وذلك عن طريق الاستماع إلى دروس الأساتذة المختصّين وكذلك الاستماع المكرّر إلى مقاطع من آيات الذّكر الحكيم المقروءة بمقامات مختلفة، وبعون الله سنبدأ بتعليم المقامات والنّغمات الرّئيسيّة المشهورة لدى القرَّاء.
والجمعيّة وضعت ملفَّات صوتيّة في قرص مدمج سمّته «نغمات السّماء» فهذه الملفَّات في الحقيقة هي مقاطع مختارة، وكلّ مقطع منها يعتبر مفتاحًا أو
معرّفًا لكلّ مقام، بمعنى أنَّك حينما تستمع للأمثلة تستمع للمفتاح، فإذا وافق هذا المفتاح مسار وطريقة لحن المقام المختار للتّمرين فهو من نفس المقام، وهكذا اجعله مرجعًا لك وحينما تستمع لمقطع من تلاوة أو موشّح ردّد معه كثيرًا، وأثناء ترديدك للمقطع حاول أن تدّخره كملّف صوتيّ في ذهنك ليكون مفتاحًا لمقام معيّن ويدلّ على جميع جوانبه مع اختصاره، فستجد أنَّه يوافق نفس المقام وهو الّذي يدلّك على المقام الّذي تريد تعلُّمه وإتقانه.
أمّا المبتدؤون: فيجب على كلّ مبتدىء أوّلاً أن يتقن أحكام التّجويد، ومن ثمَّ يتعلّم المقامات، وقبل أن يتعلّمها عليه بتقليد أحد القرَّاء عبر سماع صوته
(45) فهم يحتاجون إلى التّعرّف على الأمثلة من خلال الدّروس المتعلّقة بمن يريد التّعرّف على المقامات وإلى تمارين مكثّفة لتدريب أصواتهم ليحصلوا من بعدها على أرضيّة خصبة ومناسبة لتعليم المقامات وتطبيقها.
لكن أهمّ شيء للمبتدئين ولسائر القرَّاء حتَّى العارفين بالمقامات وأصولها في بداية الأمر تقليد كبار القرَّاء للحصول على نهج معيّن وأسلوب رائع في التّلاوة، وطريقة استخدام المقامات بجميع جوانبها وأصولها في التّلاوة، فلقد ذكرنا بعد أن يجد الطّالب مقرئًا يناسب صوته، ينبغي أن يستمع إلى ترتيله أوّلاً، ويدمن الاستماع إليه حتّى يتمكّن الطّالب من تقليد ترتيله، ولكن هذه لا تُعَدُّ من الشّروط اللازمة للتّقليد لكن بداية التّلاوة بطريقة التّدوير تسهّل الأمور للطّالب المجدّ لأنّه يتقن من خلال سماعه لتلاوة التّدوير قواعد التّجويد والوقف والابتداء وحسن الأداء بالطّريقة العمليّة بعد اجتياز المرحلة النّظريّة لعلمه أنَّ هذه المرتبة من التّلاوة لا تشغل ذهنه وتوجّهه إلى المقامات والألحان كثيرًا، ولا يشترط على الطّالب أيضًا اختيار قارىء يشابه صوته تمامًا، بل المفروض هو تناسب الصّوت من ناحية خصائصه المهمّة
(46).
بعدها، يبتدىء بالاستماع إلى تحقيق مقرئه، وبعد أن تترسّخ قراءات التّحقيق في ذهن الطّالب يتدخّل المعلّم ويعطي الطّالب تلاوات ميسّرة لذلك المقرىء مقروءة بمقامات مختلفة، فعلى الطّالب أن يحاول جاهدًا تقليد المقرىء بطرق شتّى مع التّكرار حتّى يتقن طريقة التّحقيق وقواعدها مع المقامات بقرارها وجوابها وفروعها المهمّة.
وعلى الطّالب أن يسجّل قراءته بين الحين والآخر، ويستمع إليها ويقيسها بقراءة مقرئه حتّى يعلم إن كان هناك تقدّمًا في أدائه أو إن كان هناك نشازًا في صوته، فيجب على الطّالب أن يقوّي أذنه للاستماع والتّركيز الصّحيح، والمطلوب للتّقليد حتّى ينمّيها مع الاستماع المكرّر والمبرمج، وبالتّالي يتّبع أذنه لقراءة المقامات حسب التّرتيب والدّرجات الصّوتيّة، فإنّ استساغت أذنه أيًّا من المقامات فعليه أن يبدأ به ويكمله مع مراحله وهكذا، حتّى ينهي المقامات السّبعة، عند ذلك إذا استمع الطّالب إلى آية من مقرئه سيعرف في الحال على
أيّ مقام قرئت.
وهذه المرحلة من التّدريب تأخذ وقتًا طويلاً قد يعدّ بالسّنوات، وبعد اجتياز هذه المرحلة ستتكوّن لدى الطّالب نظرة أكثر وضوحًا.
إذن، فلنعلم ما هي الطّريقة المفضّلة للتّقليد لنبدأ بها لعلّنا نختصر هذه المرحلة الّتي تعدّ بالسّنوات لنجرّبها ونحكم !
1- نختار قسمًا معيّنًا من تلاوة رائعة لمقرىءٍ يطابق صوتنا، الأفضل أن لا يجاوز مقدار هذا القسم من التّكليف المعيّن خمسة أسطر من المصحف لكلّ مرّة.
2- بعد اختيارنا لهذا التّلاوة المعيّنة، نسمعها بصورة كاملة مع الانتباه والتّركيز في مكان هادىء.
3- نردّد هذا المقطع مرّة ثانية مع القارىء وبصوت
منخفض.
4- نردّد هذا المقطع مرّة أخرى لكن بنفس الصّوت والمستوى.
5- نردّده أيضًا لمرّة ثالثة، وبعد انتهائه نوقف الجهاز - المسجّل أو الكمبيوتر - ونبدأ بالقراءة لهذا المقطع عن حفظ.
هذه الطّريقة البسيطة مجرّبة من قبل كثير من القرَّاء والمبتدئين الّذين من خلال ممارسة هذا الأسلوب المفضّل لتقليد القرَّاء أصبحوا من القرَّاء المسيطرين على المقامات والمتفوّقين على أمثالهم، ونالوا درجات ومراتب نفيسة في المسابقات القرآنيّة بمراحل مختلفة
(47)، وفيها فوائد جمّة لكلّ من يتابعها يوميًّا، ومن جملة هذه الفوائد حفظ الآيات القرآنيّة بتأنٍّ وتمعّن مع حصول السّيطرة على طريقة المقرىء المعنيّ، وأسلوبه في حسن الأداء والقواعد العلميّة.
لتعلُّم المقامات لا بدّ أن تأخذ بعين الاعتبار بهذه الخطوات الّتي نذكرها. فقضيّة حفظ نغمة أو مقام معيّن تعتمد بالدّرجة الأولى على السّماع لفهم شخصيّة وطبيعة المقام، ويمكنني أن أُجمل لكم خطوات تعلُّم المقامات فيما يلي:
أوّلاً: مرّة أخرى ومن أجل التّأكيد أقول: احفظ مقطعًا من تلاوة لأحد القرّاء الكبار، أو مقطعًا توشيحيًّا ومدائح على نفس المقام بحيث تذكّرك دائمًا بالمقام وهذا هو ما نسمّيه: مفتاح المقام أو
المعرّف، وابدأ بسماع المقاطع المذكورة في نفس القرص المدمج (CD) لتتعرّف على المفاتيح وتحفظها لأنّها بسيطة وجميلة جدًّا، وبعد حفظ مفتاح المقام المعنيّ حدّد مقامًا معيّنًا، ولا تخلط بالمقامات ولا تستعجل في تعلّمها، وبعد حفظ المفتاح على نفس المقام اجعل هذا المقام يسيطر على كيانك ثمَّ بعد ذلك إذا قرأت القرآن فتجد نفسك
لاشعوريًّا تقرأ على نفس المقام.
ثانيًا: ابدأ بترديد المفتاح، ثمَّ تنغّم به، ثمَّ ادخل مباشرة بترديد (آهات) أو (لاآت) على نفس لحن ونغمة المفتاح، وكذلك السّلّم الموسيقيّ للمقام.
ثالثًا: ابدأ بالتّلاوة على نفس المقام والأذان بعد ذلك، وعندما يتّضح لك المقام اقرأ به القرآن لعدّة أيّام حتَّى يستقرّ في ذهنك وتصبح متقنًا له.
رابعًا: ابحث عن الأناشيد والموشّحات والتّلاوات الّتي على نفس النّغمة (المقام) وسجّلها عندك في دفتر ثمَّ أعرضها على من يتقن المقامات لتتأكّد من أنَّها على المقام الّذي تتعلّمه.
خامسًا: خذ أبياتًا من الشّعر وابدأ بالتّنغّم بها في هيئة مديح أو موّال على نفس المقام.
سادسًا: ابدأ بالمقامات الأساسيّة، ثمَّ انتقل إلى الفرعيّة.
سابعًا: هناك قواعد ينبغي تطبيقها:
1- ربَّما تخطىء فلا تتفاجأ بأخطائك ولا تيأس.
2- دراسة المقامات تحتاج إلى بذل جهد منك وبحث هنا وهناك ومراجعة
لما تعرفه.
3- لا تتردّد في السّؤال عمَّا لا تعرفه.
4- من يريد تعلُّم المقامات بحاجة إلى شخص متقن يعلّمه ويرجع إليه حتَّى يكون على بصيرة في ذلك.
فكثيرًا ما نكتشف أنّنا كنّا على خطأ عندما نرجع للمتعلّمين في كثير من الأشياء.
-
بعدما تُكْمل تعلّم المقامات وفي مرحلة إتقانها وفي تمارينك النّغميّة وفي تلاوتك ابتعد عن التّرجيف بصوتك أو التّرقيص أو التّرعيد دائمًا، ولا تموّج بصوتك فهذا يعتبر
خللاً كبيراً في التّلاوة وليس من شأن قرَّاء القرآن أن يقرأوا بهذه الكيفيّة، وانتبه دائمًا لسرعة التّلاوة وإيقاعها الخاصّ
بحسب الفقرة المعيّنة للقراءة (التّدوير، التّحقيق أو الحدر)، وحافظ على وحدة الإيقاع فلا تسرع تارة وتبطىء أخرى، ولا ترفع صوتك أو تخفضه بشكل مفاجىء، بل عليك بالتّدرّج في ذلك.
-
عند سماعك لقراءة القرّاء عليك باستحضار الجمل الّلحنيّة لتطبيقها على آيات أخرى.
-
على القارىء أن يبدأ قراءته بطبقة صوتيّة منخفضة لا عالية، وهذا ممّا يزيد تلاوة القرآن بهاءً، ويسبّب ارتياح القارىء عندما يتلو ويأتي بمقامات متنوّعة ولو بمدّة طويلة، ثمَّ إذا بدأنا بطبقة صوتيّة منخفضة علينا أن نختم بها، وكذلك لو كانت عالية فعلينا أن نختم بطبقة عالية.
-
يختلف القرَّاء في قراءتهم للمقامات، فهم وإن اتّفقوا عليها وعلى مسمّياتها إلا أنَّ لكلّ قارىء طريقته الخاصّة به عند الصّعود والنّزول، وله نمط وترتيب خاصّ لقراءة المقامات بمراحلها المتعدّدة.
-
عند قراءتنا لأيّة نغمة من النّغمات يجب علينا أن نريح الصّوت عند قراءتها وذلك بخفض الطّبقات الصّوتيّة، هذا الهبوط الّذي سيكون ذا جاذبيّة لدى المستمع كما كان يفعل الشّيخ المنشاويّ والشّيخ كامل يوسف البهتيميّ رحمهما الله.
-
يختلف المهتمّون بعلم المقامات في تسمية بعض الألحان ولكنّهم متّفقون من ناحية التّطبيق، فمثلاً مقام (الجهاركاه) يراه البعض مقامًا أصليًّا بينما البعض يراه مقامًا فرعيًّا من العجم، والبعض يرى أنَّ مقام (الماهور) فرعيٌّ من الجهاركاه، ونحن نقول إنّه الطّبقة العالية من مقام الرّست.
-
يقول بعض قرّاء القرآن الكريم، إنَّ التّلاوة يجب أن تأخذ سيرًا معكوسًا في الألحان أي أنّنا إذا قرأنا البيات ثمَّ الصّبا ثمَّ الحجاز، يجب علينا أن نعود بعد الحجاز إلى الصّبا ومن ثمَّ نختم بالبيات وهذا غير صحيح وليس هناك من قاعدة تجبر القارىء على أن يتّخذ نمطًا أو أسلوبًا معيّنًا في أدائه للنّغمات
الـ«تون» هناك مواضيع قرآنيّة متعدّدة نختار
النّغمات بما يناسبها.
من المشاكل الموجودة في محافل تعليم الّلحن، عدم وجود خط سير يسير عليه الأستاذ في التّعليم، فعندما يكون عندنا هذا السّير المعيّن نستطيع أن نتعلّم بشكل أفضل وهكذا نستطيع الاستفادة منه في مسابقات القرآن الكريم في تحكيم مقطع الصّوت والّلحن عندما تكون هناك قوانين معيّنة يستطيع القارئ أن يعرف معدّل صحّة قراءته، والفائدة الأخرى في هذا الموضوع هي المساعدة في تلاوة القرآن الكريم بحيث تكون مطابقة لمعنى ومفهوم الآيات الشّريفة، عندما نعرف نغمة من النّغمات ونتطلّع لما فيها من أحاسيس فنستطيع تطبيق هذه النّغمة على الآيات ومعانيها وهكذا تعلُّم المقامات يساعدنا على تعلُّم هذا الفنّ وعدم دخول ألحان ومقامات غير قرآنيّة لتلاوة القرآن الكريم، عندما لا تكون عندنا معرفة بالمقامات القرآنيّة، وجهلنا بها
ستدخل في مرور الزّمن ألحان ونغمات علينا أن نتجنّبها.
ولمزيد من الإيضاح أضرب مثالاً على ذلك: عندما تكون لدينا مكتبة غير مرتّبة وغير مفهرسة فعندما نريد موضوعًا أو كتابًا معيّنًا سوف نتعب في البحث عنه، بينما لو كانت مفهرسة لساعدتنا على اختصار الوقت والجهد.
المقامات الرّئيسيّة سبعة وقد ذكرنا سابقًا بأنَّها مجموعة في هذه الجملة (صُنع بسحر)، وهذه هي المقامات الرّئيسيّة، وتتفرّع منها نغمات فرعيّة، ونحن نتكلّم هنا عن المقامات الرّئيسيّة.
هو مقام سهل ممتنع، هادئ كالبحر العميق، يمتاز بالخشوع والرّهبانيّة وبه تبدأ القراءة وبه تنتهي. وهو ذلك المقام الّذي يجلب القلب ويجعله يتفكّر في آيات الله البيّنات ومعانيها، ويسمّی هذا المقام بأمّ النّغمات لاتّساعه ووفرة فروعه المعروفة لدی القرّاء والمنشدين والمبتهلين ـ (بيات اللامي والحسينيّ والشّوري والمحيّر وبيات النّوا).
البيات نغمة نستخدمها للأمر الطّبيعيّ، (في الحقيقة لا هي حزن ولا هي فرح)، تستخدم في أكثر المواضيع، كأحكام الحجّ والصّلاة والصّوم والجهاد في القرآن، والبيات هو المبدأ فدائمًا قرَّاء القرآن يبدأون به، لأنَّه يحتوي على حلقة مناسبة ودائمًا بأسلوب الإلقاء لأيّ قارئ يبدأ بالقرار،
وأحلى شيء في القرار في البداية البيات، حتّى يتسلّط على جميع البحوث، مثلاً إذا واجه حزنًا أو فرحًا.
وأحلى شيء أن ينتهي القارىء بالقرار، وليس بالجواب في مقام البيات لأنَّه جميل جدًّا.
ولقد وضعَت لكم الجمعية كما ذكرنا سابقًا أمثلة صوتيّة لمشاهير القرّاء في هذا المقام ولسائر المقامات من خلال (CD) فتابعوها لأجل التّعرّف على هذه المقامات، والتّمارين الخاصّة الّتي وضّحناها لكم في فصل: تعلّم المقامات، ينبغي متابعتها.
لعلّ مقام الصّبا يكون من أكثر المقامات على الإطلاق شرقيّة، وهو مقام عاطفة وروحانيّة، فهو ينضح بالحزن والعاطفة ويغوص بك أيُّها السّامع إلى عالم آخر من المشاعر الجيّاشة يأخذك إلى حيث النّغم الحزين.
وحيث تقف مع ذاتك ولا يسعك أحيانًا إلا أن تشعر بأنَّك ملزم أن تهمر تلك العبرات وتأخذ بنفسك الى مكان ناءٍ لا يراك فيه أحد وتجهش بالبكاء.
نعم هذا هو مقام الصّبا الّذي لا يكاد يكون له مثيل في المقامات الغربيّة، فهو مقام شرقيّ بل عربيّ، وهو مقام يمتاز بالرّوحانيّة الجيّاشة والعاطفة والحنان، وهو أفضل مقام صوتيّ يستطيع المقرئ أن يعبّر من خلاله عن تفاعله مع الآيات عن طريق استخدام الجواب والقرار لذلك يحبّذ للمقرئ أن يقرأ الآيات الرّوحانيّة والآيات الّتي تتحدّث عن أهوال يوم القيامة وآيات العذاب وغيرها بهذا المقام.
إنَّ مقام الصّبا مقام يحمل الشّكوى، ويأتي به المنشدون كثيرًا في أناشيد العزاء والرّثاء ومآسي المسلمين
وغيره، خاصّة في أيّام عاشوراء وذكرى فاجعة الطّف الدّامية، وكان الصّبا في زمان العبّاسيّين يسمّى (بكّاء الرّجال)، فكانوا عندما يدخلون على الحكماء يوصون المتكلّمين بالمراثي أو المنشدين أن يعطوهم نغمة (بكّاء الرّجال) إذا كانوا يريدون البكاء يسمعون الصّبا فهو يكرب القلب، كما يقول العراقيّون، لأنَّ الصّبا - كما قلنا
- نغمة حزينة تستخدم للمواضيع الحزينة، نعطيك مثالاً من القرآن الكريم بصوت الشّيخ المبدع محمّد عبد العزيز حصّان من سورة ق:
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ
وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾
(48) وبعده خذ من الأمثلة ما شئت من كبار القرَّاء والنّظر إلى تفاعلهم مع هذه النّغمة الحزينة لا سيّما الشّيخ محمّد صدّيق المنشاويّ والشّيخ كامل يوسف البهتيميّ والشّيخ محمود علي البنّا.
لاحظتم أنّ هذه النّغمة حزينة تستخدم لقضيّة معيّنة تذكّر المستمع الغافل عن ذكر الله
مثلاً، وفي القصيدة الحسينية كذلك تأخذ مجالها في المراثي تأثيرها.
هذا المقام الشّهير يمتاز بالعاطفة والحنان والرّقة و«نهاوند» مدينة إيرانيّة نسب إليها هذا المقام، وهو أقوى مقام يبعث
على الخشوع والتّفكّر ويبثّ الفرح والسّرور المعنويّ.
إنَّ نغمة النّهاوند نغمة وجدانيّة تخاطب الوجدان، وهي تخرج من القلب وتصل للقلب وتستخدم عند تلاوة آيات الجنّة وآلائها، وذكر نعم الله وحبّه وثنائه والقصص القرآنيّة، وبالنّسبة لنغمة النّهاوند عند قرّاء القرآن الشّيخ مصطفی إسماعيل هو أشهر من يستخدمها، وهو المبدع بهذه النّغمة والمسيطر علی فروعها، ثمّ الشّيخ المنشّاوي الّذي أجاد هذه النّغمة بكثير من تلاواته، وتألّق بها في كثير من حفلاته المعروفة وأيضًا الشّيخ أبو العينَيْن الشّعيشع.
كان المسيحيّون يستخدمون مقام النّهاوند قبل الدّعوة الإسلاميّة في الكنائس لتعويذاتهم وأناشيدهم الدّينيّة، وفي زمن الإسلام عرفت هذه النّغمة بعد البيات في مجال الإنشاد والموشّحات الدّينيّة أكثر من سائر النّغمات لرقّتها وجمالها وخاصّة تأكيدها علی حالات الفرح والسّرور، وهي نغمة جميلة جدًّا، بل من أجمل الأنغام، ولكم مثال من القرآن بالنّهاوند للشّيخ مصطفی إسماعيل وهو مقطع رائع في غاية الرّوعة والجمال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ
وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً
وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾...إلی آخر آية 252 من سورة البقرة.
وكثير من قرَّاء تلاوات التّرتيل (التّدوير) يأتون به ومن أشهرهم الشّيخ محمود خليل الحصريّ، والشّيخ سعد الغامديّ، لكلّ قارئ من مصر طابعه الخاصّ مع هذا المقام وذلك يرجع لقوّة العاطفة والإحساس العميق، ولكن لو
استمعت لطريقة الشّيخ محمّد صدّيق المنشاويّ لشعرت بقوّة إحساس الشّيخ وعاطفته الجيّاشة مع هذا المقام، وسرّ محبّة النّاس لصوت المنشاويّ هو تفاعلهم وحبّهم لتلاوة الشّيخ على هذا المقام الّذي يكاد الشّيخ يجهش بالبكاء حينما يقرأ به.
ويستعمل هذا المقام
بالأناشيد والتّواشيح بمستوى متوسّط أو ربّما أقلّ من المتوسّط وذلك لقوّة عاطفته وإحساسه المرهف، وهذا صعب على كثير من المنشدين الّذين غزوا السّاحة الإنشاديّة وهم لا يعرفون أبسط المبادئ في معاني المقامات وفنّ التّعامل معها.
هذا المقام من أحزن وأخشع المقامات، وهو مقام الشّوق والحنين، وقد نُسِبَ إلى بلاد الحجاز العربيّة الأصيلة، ولذلك نرى أغلب الأذان في الحرمَيْن بهذا المقام، وهو مقام من أصل عربيّ، وهو من أكثر المقامات روحانيّة وخشوعًا في القرآن ويستحبّ قراءة الآيات الحزينة به أو الآيات الّتي تتعلّق بمشاهد يوم القيامة وآيات الخلق والكون والاعجاز (مثل ما ذكرناه لنغمة الصّبا).
وهذا المقام يُعَدُّ الثّاني بعد مقام الصّبا بالنّسبة للحزن، فالتّلاوات الحزينة تكون بهذَيْن المقامَيْن، وهو أيضًا مقام رهبة وخشوع وتأنيب.
ولهذا المقام فروع كثيرة، وكثيرًا ما يدخل إلى فروع المقامات الأخرى، وهو مقام جميل جدًّا، والكلّ يشتاق ويرتاح إليه وتخنقه العبرات حينما يتلو وينشد بهذا المقام، ولكلّ بلد طابع في تلاوة المقام فأهل العراق متميّزون فيه وأهل الحجاز لهم طابعهم الخاصّ وقرّاء مصر كذلك وغيرهم، ويستعمله قرّاء التّحقيق بكثرة ويبدعون فيه، ومن أجمل من تلاه ويتلونه بالحزن هو الشّيخ عبد الباسط عبد الصّمد، ولكنّه لا يطيل فيه ويكتفي بقراره. ولكنّ الشّيخ مصطفى إسماعيل يتقنه وينوّع تلاوته بهذا المقام وفروعه ويستخدمه بشكل رائع في آيات العذاب والوعيد والّتي فيها طابع التّرهيب والتّخويف كما في سورة الحجّ الّتي هي من أشهر تلاواته وقد تألّق بشكل عجيب ومدهش فی مقاطع من هذه السّورة (وهی آيات العذاب) بهذه النّغمة حيث لم يسبقه سابق من كبار القرَّاء، وهذا يدلّ علی حسن معرفة الشّيخ ومهارته بكيفيّة استخدام النّغمات بما يناسبها من مواضيع قرآنيّة مختلفة.
والآن نتحدّث قليلاً عن مقام الحجاز. وفي موضوع مدرسة الشّيخ عبد الباسط:
هناك نقطة مهمّة وهي أنّ الشّيخ لم يقرأ هذا المقام بشكل كامل، ما عدا قراره (أي الحجاز الأصليّ). وما أجمل هذا القرار بصوت الشّيخ عبد الباسط.
وهناك نقطة أخرى يجب أن تُذْكَر، فقد استمعت
إلى كلّ مقاطع مقام الحجاز للشّيخ عبد الباسط من تلاواته (عبر الأستوديو والمحافل)، ولي تفسيري على استخدامه من خلال كلّ ما سمعته وكلّ تجاربي مع أسلوب الشّيخ، فقد وجدت الشّيخ عبد الباسط لا يقرأ هذا المقام في أيّ محل أو في أيّ آية، بل
يقرأه في آيات فيها ملامة وندامة واستفهام، ولتتأكّدوا من ذلك اسمعوه في هذه المقاطع التّالية سترون أنّ كلامي
صحيحًا.
-
﴿قَالُواْ
لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ
الْمِسْكِينَ ...﴾ إلخ. (المدثّر والقيامة)
-
﴿لَوْ
أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ ...﴾ (الحشر وقصار السّور)
-
﴿أَلَمْ
نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ...﴾
إلخ. (البلد).
-
﴿أَفَلَا
يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ...﴾ (الغاشية من تلاواته المشهورة)
-
﴿أَفَلَمْ
يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ ...﴾ الخ. (أغلب تلاواته من سورة ق)
-
﴿قَالَ
لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي
خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ...﴾الخ. (الكهف) وهكذا.
وهو المقام الأساسيّ في المقامات كما يسمّى أبو المقامات ومن أشهر المقامات الشّرقيّة.
الرّست: كلمة فارسيّة تعني الاستقامة. لذلك يمتاز هذا المقام بالأبّهة والفخامة والاستقامة، ويعبّر بلحنه عن القدرة والاستقامة والهيمنة والصّلابة، فعلی هذا الأساس يرتبط بكلّ آية تناسبه في هذا المعنی والمفهوم، معظم القرّاء الكبار في مصر يستخدمون هذه النّغمة العربيّة الأصيلة في تلاوتهم سواء كانت مجوّدة أم مرتّلة فكلّهم يقرأون بمقام الرّست، وبعضهم ينتقلون من البيات البداية للرّست مباشرة كالقارئ الشّيخ المنشاويّ والشّحّات محمّد أنور والشّيخ غلوش ويتّخذونه كمقام فنّيّ واسع ثمَّ ينتقلون
إلی العجم أو السّيكاه، ويستعمله أهل النّشيد ويحبّونه لما فيه من الاستعراض، لأنّ مجاله واسع، ويفضّل استخدام هذا المقام عند تلاوة الآيات ذات الطّابع القصصيّ أو التّشريعيّ، فهو من أفضل المقامات وأجملها - يسمّی هذا المقام أيضًا بملك المقامات - ولهذا يقرأ بعد مقام البيات وهو أيضًا مقام واسع وكبير من ناحية الفروع المتعدّدة، وهو من أكثر المقامات الّتي تتلى في التّرتيل وأكثر قرّاء العالم الإسلاميّ يقرأون به مثل الشّيخ محمّد جبريل الّذي أجاد هذا المقام وأبدع فيه ما لم نسمعه من قبل لأيّ مرتّل قرأ الرّست بقرار وجواب وحتّی بجواب الجواب بمثل ما قرأه الشّيخ جبريل، فأنا أوصي إخوتي الأعزّاء وجميع محبّي قراءات التّرتيل أن يلتزموا بطريقة الشّيخ محمود خليل الحصريّ بدايةً (مع العلم أنّ طريقته الهادئة في التّرتيل تؤدّي
إلی تعلُّم قواعد التّجويد بشكل عمليّ كامل ورائع) ومن ثمّ يواصلوا الطّريقة بسماع قراءة الشّيخ محمّد جبريل لكي يتعلّموا نغمة الرّست بكاملها كما أوصي بسماع تلاوات الشّيخ راغب مصطفی غلوش المعروفة وحفلاته الخالدة بنغمة الرّست، لأنّه أفضل من قرأ الرّست وسيطر علی جميع جوانبها وفروعها مع العلم أنّه كان متأثّرًا بطريقة ملك القرّاء الشّيخ مصطفی إسماعيل وأخذ أسلوبه في البداية لكن بالتّالي تمكّن من وضع أسلوب خاصّ له اشتهر به فيما بعد وذاع صيته كعملاق تفرّد بنغمة الرّست بصوته الرّخيم حتّی عرف بها وصار يركّز في جميع تلاواته علی هذه النّغمة ويعطيها حقّها ومن أجمل ما قرأ، سورتَيْ الرّحمن والحاقّة.
هو مقام الملوك والعظماء وهو نغمة تدلّ على التّعظيم والقوّة والرّفع من قدر الشّيء. وهو نمط الأعاجم ويسمّى عند الغربيّين (الماجير أو
الماجور Majeur) وهو أساسيّ في النّغمات العربيّة وقد استعمله أهل المشرق كالعرب والفرس والهنود والتّرك وأبدعوا فيه أيّما إبداع، ولكلّ
قطر من المشرق له طابعه الخاصّ.
إنَّ نغمة العجم نغمة فرحة فيها استبشار وتهنئة واضحة، وهي من أجمل المقامات ولها مكانة واسعة في القراءة والموشّحات الدّينيّة والأناشيد الإسلاميّة وتستخدم في الآيات القرآنيّة الّتي يعدكم الله سبحانه وتعالى فيها بالجنّات والنّعم والعطاء والرّحمة والمغفرة وتتناسب مع آيات الدّعاء والابتهال
أيضًا، هذه النّغمة تندمج مع نغمة الصّبا في الجواب وأعلی منه (جواب الجواب) ومعظم قرَّاء القرآن يجيدونها بهذا التّركيب المتلائم وعلی رأسهم الشّيخ مصطفی إسماعيل والشّيخ محمود علي البنّا وكامل يوسف البهتيميّ.
وكما أسلفنا، فهذا المقام يؤتى به للتّعظيم وللرّفع من قدر الشّيء، ولذلك يُستخدم في أناشيد الأطفال لكي يرفع من شأنهم ويقوّيهم ويبعث فيهم النّشاط والقوّة، فنستطيع أن نقول هو مقام الملوك والأطفال!!
ويستخدمه القرّاء في تلاوات التّحقيق (التّجويد) ويبدعون فيه ومن أشهرهم الشّيخ مصطفى إسماعيل كما ذكرنا ونلاحظ أنّه يمزجه بشيء من النّهاوند لا سيّما في الآية الأخيرة وهذا يدلّ على تمكُّن الشّيخ وسيطرته الكاملة علی المقامات والنّغمات.
ولهذا المقام نغمات وفروع متعدّدة ومن أهمّها (الجهاركاه) وهو الّذي يستخدمه القرّاء في الغالب بل إنّهم قد يستعملونه أكثر من مقام العجم الأصليّ، والجهاركاه عبارة عن مقامَيْن، مقام رست، ومقام عجم، وكأنَّك دمجت
بعضهما
إلى البعض الآخر.
والقرَّاء نادرًا ما يأتون بنمط العجم أثناء التّرتيل وتلاوات الحدر مع أنّ طريقته سهلة وجميلة، أمّا المنشدون فهم أكثر من يأتي بمقام العجم، وأغلب الأناشيد قبل عشر سنوات أنشدت بمقام العجم، حينما كانت الأناشيد الجهاديّة والبطوليّة منتشرة تلك الأيام، أمّا في التّواشيح الدّينيّة والأناشيد الّتي يُعظّم فيها الله فهي تأتي كثيرًا على هذا المقام، ونكتفي بالتّعرّف للعملاق الشّيخ طه الفشنيّ مع مناجاته الشّهيرة وهي على مقام العجم، ففيها تعظيم للباري سبحانه وتعالی، وأيضًا الشّيخ محمّد النّقشبنديّ، والمبتهل
الفنّان الكبير الشّيخ محمّد عمران.
مقام
السّيكاه أو السّيجاه من المقامات المشهورة وهو مقام العشّاق، والسّيكاه جملة مركّبة من كلمتَيْن
فارسيّتَيْن، الأولى (سه) بمعنى ثلاثة والثّانية (كاه) ومعناها مقام، وهو في الأصل مقام عربيّ ويرجع إلى العراق، وسمّاه المسلمون الفرس بهذه التّسمية فهو مقام يمتاز بالبطء والتّرسّل ويدخل في عمق القلب ليفتح آفاقه للنّظر في أحكام الآيات القرآنيّة. ويملك نوعًا من الإثارة والشّوق والتّطريب.
يستخدم
السّيكاه في الموضوع الّذي يطرح بقوّة وبأمر، وهو لتوجيه النّصائح والانتباه والإنذار، وأحلى من قرأ
السّيكاه بنظري هو الشّيخ الشّحّات محمّد أنور وأحمد شبيب ومتولّي عبد العال، وفي ذروة
السّيكاه يتّضح تحرّكه وجماله عندما يتطابق مع المواضيع المختلفة الّتي تمتلك نوعًا من الإثارة والدّهشة والهيجان كما أشرنا سابقًا، ويستخدمه كثير من القرّاء بكلّ براعة، ومن أشهرهم الشّيخ مصطفى إسماعيل والشّيخ محمّد صدّيق المنشاويّ. وهو أيضًا مشهور في التّرتيل وأغلب القرّاء الكبار ينتقلون بعد الرّست إليه، ثمَّ إلی العجم وبالعكس. وفي التّواشيح والإنشاد يستخدم كثيرًا، خاصّة في أناشيد الأفراح والأعراس كما عبّرنا عنه «بمقام العشّاق» ومنشدو الشّام يبدعون فيه وبالتّحديد في التّواشيح وأناشيد الأفراح.
أُقدّم هذه المعلومات النّافعة حول طرق تلاوة القرآن الكريم من ناحية المقامات والّذي عنونته بـ (طرق تلاوة القرآن الكريم بالمقامات).
أحبّ التّنويه إلى أنّني لن أضع أمثلة صوتيّة، لأنّ مجال الأمثلة الصّوتيّة ليس هنا، والسّبب في ذلك أنَّ هذه المعلومات مقدّمة للإخوة الّذين لديهم معرفة سابقة بالمقامات وشخصيّاتها، أمّا المبتدئون فهم يحتاجون أوّلاً إلى التّعرّف على الأمثلة من خلال الدّروس المتعلّقة بمن يريد التّعرُّف على المقامات، ومجالها ليس هنا.
أمّا طرق تلاوة القرآن الكريم من ناحية المقامات تقسّم إلى
أربع طرق:
أوّلاً: القراءة الموسّعة.
ثانيًا: القراءة التّركيزيّة.
ثالثًا: القراءة المتنوّعة.
رابعًا: القراءة التّركيبيّة.
وتقسّم القراءة التّركيبيّة إلى:
1-
متجانسة.
2-
متماثلة.
3-
متباعدة.
هي القراءة الّتي تكون على مقام واحد، وتسمّى هذه القراءة بالمبسوطة، وتقرأ بمقام واحد من بدء التّلاوة وحتّى الختام.
مثلاً: نبدأ بالبيات ويكون الصّعود في أواسط التّلاوة بجواب المقام، وعند ختام التّلاوة نصعد لجواب الجواب، ثمَّ نعود إلى الطّبقة الّتي بدأنا بها ونختم التّلاوة.
هي التّلاوة الّتي نقرأ فيها على مقامٍ واحدٍ بحيث نجعله أساسًا لقراءتنا، ونخرج منه حسب الضّرورة ثمَّ نعود إليه مرَّة أخرى وهكذا يتكرّر الخروج حسب ما تقتضيه المعاني والألحان وطرق تطبيقها.
مثال: نقرأ على مقام البيات، ثمَّ نمرّ بآيات تتحدّث عن العذاب والظلم، فنخرج إلى مقام «الصّبا»، وبعد هذا الخروج نعود إلى البيات، وعند بعض الآيات نخرج مثلاً إلى العجم، ثمَّ نعود للبيات، في هذه الحالة نقول: إنَّ المقرىء يركّز على مقام واحد في تلاوته، هو مقام البيات، وباقي المقامات تكون فرعيّة.
وعلى سبيل المثال نجد الشّيخ الطّبلاويّ من الّذين يتلون القرآن بطريقة التّلاوة التّركيزيّة، وأساس تلاوته هو مقام الرّست، ومن القرَّاء الّذين يجعلون الرّست هو المقام المركزيّ عند التّلاوة بطريقة الشّيخ راغب مصطفى غلوش والشّيخ سيّد متولّي عبد العال.
القرَّاء الّذين يتلون بطريقة التّلاوة التّركيزيّة يكون الأساس لديهم عادة هو
مقامَيْ الرّست والبيات، وذلك لاتّساعهما، كما أنّ الرّست عادة يقرأ بعد البيات عندما تكون الطّبقة الصّوتيّة منخفضة، ويقرأ الصّبا بعد البيات عندما تكون الطّبقة الصّوتيّة مرتفعة.
هي القراءة الّتي يُقرأ فيها أكثر من مقام واحد بحيث يُقرأ بمراحله الثّلاث وبعد إتمامها ينتقل للمقام الآخر.
فمثلاً نقرأ على مقام البيات، ثمَّ ننتقل إلى الصّبا، ونقرأ على مقام الصّبا قراءة كاملة أي بمراحله الثّلاثة: (القرار، الجواب، جواب الجواب) ثمَّ ننتقل بعدها
إلى مقام آخر، مثلاً: الحجاز ثمَّ إلى النّهاوند ثمَّ إلى
السّيكاه.
هي القراءة الّتي تشمل ثلاث حالات: قراءة تركيبيّة متجانسة، قراءة تركيبيّة متماثلة وقراءة تركيبيّة متباعدة.
وهي الّتي تشكّل عدّة
مقامات إلا أنَّ هذه المقامات لا تقرأ بصورة كاملة بحيث نقرأ مقامًا معيّنًا، ثمَّ نخرج منه إلى مقام آخر قبل أن نأتي به بصورة كاملة، ونقصد بالصّورة الكاملة (القرار، الجواب، جواب الجواب) كما وضّحنا سابقًا، فهذه القراءة تسمّى بالتّركيبيّة.
1- القراءة التّركيبيّة المتجانسة: |
يمكن أن نوضّحها بما يلي: في فروع كلّ مقام هناك اتّصالات لا إراديّة ببعض المقامات، أي أنّنا أحيانًا نقرأ على مقامٍ ما، ولكي نُشبع المعنى والنّغمة يتطلّب ذلك الخروج إلى نغمة أخرى لكي نعطي الّلحن حقّه، مثل (الصّبا) عندما نخرج منه إلى العجم، هذا التّرابط غير الإراديّ هو الحالة الأولى من القراءة التّركيبيّة المتجانسة.
تنبيه: عندما نقول: انتقال لا إراديّ فلا نقصد بذلك أنّ القارىء ينتقل بدون إرادته، وإنّما نقصد أنّ التّناسق الّلحني يجعله يشعر أنّ الأفضل أن ينتقل إلى المقام الّذي سينتقل إليه.
أمّا الحالة الثّانية: عند القراءة على مقام معيّن فعند الرّغبة في الخروج منه إلى مقام آخر يجب القراءة على لحن يسمّى بـ (الرّابط)، وهذا الرّابط الّلحني يربط بين المقام الأوّل والمقام الثّاني المراد قراءته فعلى سبيل المثال مقام الصّبا لا أستطيع ربطه مع السّيـﮕـا إلا إذا كان هناك رابط لحنيّ يربط بين المقامَيْن يسمّى «الرّمل».
وهنا ملاحظة، وهي أنَّه لا يشترط وجود الرّابط الّلحني بين جميع المقامات، فهناك مقامات يمكن الانتقال من أحدها إلى الآخر بدون هذا الرّابط بسبب التّقارب بينهما كالبيات والرّست.
2- القراءة التّركيبيّة المتماثلة: |
هي ختام مرحلة من مقام عندما تكون مماثلة لبدء مرحلة لتلاوة جديدة على مقام آخر ناتجة عن التّقارب الشّديد بين المقامَيْن، مثلاً: عندما نبدأ التّلاوة على مقام البيات نبدأ بالقرار ثمَّ ننتقل إلى الجواب، ونستمرّ بتلاوة مقام البيات حتّى نصل إلى مرحلة ننتقل فيها لا إراديًّا إلى مقام شبيه جدًّا بمقام البيات، لنفترض مثلاً أنّنا انتقلنا إلى الرّست وهو مقام يرتبط وحده بالبيات.
3- القراءة التّركيبيّة المتباعدة: |
وهذه القراءة يبدو أنَّ معناها أصبح واضحًا لكنّني لا زلت أبحث فيه وسوف أضيفه لاحقًا إن شاء الله تعالى.
ترتيب النّغمات لبعض تلاوات ملك القرّاء الشّيخ مصطفى إسماعيل:
ترتيب النّغمات الّتي قرأها الأستاذ مصطفى إسماعيل في تلاوته المعروفة لسورة البقرة والطّارق والانشراح.
هذه التّلاوة الرّائعة التي
لم تُنس من هذا الأستاذ، ولها بين القرّاء محبّون ومستمعون كثر، وتعتبر من أهمّ تلاواته المجلسيّة.
وهذه التّلاوة المعروفة الّتي أدّاها الأستاذ في إحدى حفلاته في سوريا سنة 1957 م، وهي من أبرز وأحسن التّلاوات الّتي تستخدم في الصّفوف والجلسات القرآنيّة خاصّة في صفوف تعليم الأصوات والمقامات القرآنيّة.
أمّا من جهة ترتيب النّغمات فبدأ الأستاذ تلاوة الآية 238 من سورة البقرة إلى الآية 248 أي صفحتَيْن كاملتَيْن، بنغمة البيات بمراحل متعدّدة ومتنوّعة لهذا المقام، لكنّه يبدأ من الآية 247 بنغمة الصّبا، الّتي هي ثاني نغمة من هذه التّلاوة، ويستمّر الأستاذ تلاوته ويكمل الآية 249 في هذه النّغمة الحزينة حتّى يصل إلى قوله تعالى:
﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ ....
مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، فيتنقّل من نغمة الصّبا إلى البيات، وفي النّهاية يعطيها حالة النّزول ثمَّ يستمرّ على هذا الأساس إلى أن يصل إلى نغمة النّهاوند.
ومقام النّهاوند المنعش في هذه التّلاوة يعتبر أجمل مقطع بين مقاطع هذه التّلاوة الخالدة حيث يبدأ بتلاوته الآيات الثّلاث
أي ما تبقّى من الجزء الثّاني من الآية 250 إلى 252 ويمرّ باستدراج مراحل القرار ثمَّ الجواب وجواب الجواب في هذه النّغمة.
ثمّ ينتقل إلى سورة الطّارق ويبدأ قراءتها بنغمة جميلة جدًّا وجذّابة ألا وهي (الرّست) حيث يقرأ سورة الطّارق كاملة بهذا المقام ثمَّ يرجع من الآية 11 إلى آخر السّورة بمقام آخر ألا وهو (السّيكاه).
ويستمرّ القارىء مصطفى إسماعيل بهذا المقام حتّى يبدأ بسورة الانشراح ولكن بنغمة (الرّست) ثمَّ في نهايتها يرجع إلى نغمة (البيات) ليختم التّلاوة.
إنَّ أداء الأستاذ في هذه التّلاوة المباركة لهذه السّور يشتمل على خمس نغمات فقط، لا يأتي بالحجاز والعجم في هذه الحفلة في ترتيبه المعروف وهو: البيات، الصّبا، النّهاوند، الرّست،
السّيكاه، واستخدام نغمة البيات أكثر من باقي النّغمات في هذه التّلاوة.
ترتيب النّغمات الّتي قرأها الشّيخ مصطفى إسماعيل في تلاوته المعروفة لسورة الحجرات وق والانشراح والتّوحيد:
في ابتداء التّلاوة كما هو المعروف من تلاوته يبدأ بنغمة البيات، ويستمرّ بهذه النّغمة إلى حدّ الإكمال والإشباع في المقام، ثمّ بعد ذلك يؤدّي الأستاذ مصطفى إسماعيل الآية 13 من سورة الحجرات إلى الآية 7 من سورة ق بمدّة 22 دقيقة بنغمة (البيات) بفروعها المتعدّدة ومراحلها المختلفة من الصّوت والّلحن (قرار والجواب وجواب الجواب).
بعد ذلك يدخل في الآية الثّامنة من سورة ق إلى نغمة (الصّبا) ويستمرّ في هذه النغمة إلى الآية 16 من نفس السّورة ولكن يستعمل نغمة (البيات) في تركيبه مع (الصّبا) في الآيتَيْن 15 و 16 من سورة ق.
وبعد ذلك يدخل في الآية 18 في نغمة (الحجاز)، ويكمل مراحلها المتنوّعة من الصّوت والّلحن بالتّدرّج وإشباع هذه النّغمة الجميلة، ويكمل الأستاذ هذه النّغمة حتّى الآية 27 فيدخل نغمة (السّيكاه) في قوله تعالى:
﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ
يَوْمُ الْخُلُودِ﴾ والمطلب المهمّ في هذا المقطع من التّلاوة يكون الإجراء الجميل في (الرّمل) من نغمة (السّيكاه) في الآية 29 من نفس السّورة.
بعدها يؤدّي الأستاذ هذه النّغمة مع حفظ التّناسب في طبقات نغمة الجهاركاه (عجم) من الآية 13 إلى الآية 44، بعدما يؤدّي سبع نغمات في هذه التّلاوة الّتي تبهر الأسماع، يستمرّ في نغمة (الرّست) إلى نهاية هذه السّورة وسورة الانشراح والتّوحيد بالمراحل المختلفة في الصّوت المميّز لكن يقرأ في المرحلة الأولى من سورة التّوحيد بنغمة (الجهاركاه) ويكمّلها بالمرحلة الثاّنية بنغمة (الرّست) ويتدرّج إلى نهاية السّورة بهذه النّغمة.
نسأله سبحانه أن يوفّقنا لإتقان هذا الفنّ من أجل خدمة القرآن الكريم وطاعة لله جلّ جلاله.
والحمد لله ربّ العالمين.