تفسير سورتي الإسراء والكهف

 جمعية القرآن الكريم للإرشاد والتوجيه - بيروت - لبنان

الطبعة الأولى، كانون الثاني 2008 - 1429هـ

سورة الإسراء (1)

سورة الإسراء (2)

سورة الكهف (1)

سورة الكهف (2)

اللغة والبيان (3)

74

اللغة والبيان (4)

81

اللغة والبيان (5)

88

اللغة والبيان (6)

96

 


 اللغة والبيان (3)


وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)

 

- تبيد: تفنى

- حُسباناً: الحسبان السهام والحساب والمراد هنا الآفة المهلكة

- زَلَقاً: الزلق: ما تزلق فيه الأقدام ولا تثبت عليه

- غَوْراً: ذهب وغار في الأرض

- أُحيط بثَمَرهِ: حلّ العذاب باشجاره ونخيله فهلكت عن آخرها

- يُقلِّب كفّيْه: تحسّراً وتأسفاً

- عُرُوشِها: جمع عرش وهو السقف / سقوفها

- هَشيماً: كسيراً. مُفتتاً

- عضداً: المراد به هنا النصير والمعين

- مَوْبقاً: مهلكاً

- مُواقِعُوها: داخلون فيها

- مَصْرِفاً: محوّلاً ومكاناً ينصرفون إليه ليتخلصوا منها

 

التفسير:

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} (35)

أي ودخل الكافر بستانه وهو ظالم لنفسه بكفره وعصيانه وقال ما أظن أن تفنى هذه الجنّة وهذه الثمار أبداً.

{وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} (36)

أي وما أحسب القيامة آتية كائنة على ما يقوله الموحدون ولئن كانت القيامة والبعث حقاً كما يقوله الموحدون لأجدن خيراً في هذه الجنة.

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} (37)

أي قال له صاحبه المؤمن واعظاً وزاجراً بالأمس كنت نطفة. ولك اليوم عقل وسمع وبصر. فمن أين هذا ؟ هل هو من صنعك أم من لا شيء ؟ وهل عندك من جواب معقول إلاّ الرجوع الى العلة الأولى لكل موجود.

{لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} (38)

كأنه قال: ولا اشرك به أحداً لأنه ربي ولا يجوز الاشراك به لربوبيته. وهذا بيان حال المؤمن قبال ما ادّعاه الكافر لنفسه.

{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً} (39)

أي هلاّ إذ اعجبتك حديقتك قلت: الحمد لله على فضله ونعمته. ما شاء الله استعينه على شكره وطاعته كي يدوم لك هذا الرخاء والهناء. وما يدريك أيها الجهول أني عند الله أغنى منك وأكرم. وأنه ادّخر لي في دار البقاء ما هو خير منك ومن جنّتك.

{فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} (40)

أي ما يدريك أن يجعلني غنياً بعد الفقر. ويجعلك فقيراً بعد الغنى بين عشيّة وضُحاها ؟ والحسبان في السماء: الآفة والصعيد الزلق: أرض ملساء لا تثبت عليه قدم ولا ينبت فيها شيء.

{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً} (41)

أي أو يصبح ماؤها غائراً في الأرض فلن تستطيع أن تطلبه لإمعانه في الغور والذهاب

{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} (42)

أي وأهلكت أنواع ماله أو فسد ثمر جنته. فأصبح نادماً على المال الذي أنفق والجنة خربة ويقول: يا ليتني لم أشرك بربي أحداً. ولم أسكن الى ما سكنت إليه واغتررت به من نفسي وسائر الأسباب التي لم تنفعنِ شيئاً.

{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} (43)

أي لم يكن لهذا الكافر جماعة يدفعون عنه عذاب الله. وما كان ممتنعاً.

{هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً} (44)

لقد اتضح ان جميع النعم منه تعالى وان كل ما يريده يحدث وهو طوع إرادته. وإنه بدون الاعتماد على لطفه لا يمكن انجاز عمل.

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} (45)

شبّه سبحانه الدنيا في نضرتها بماء نزل على الأرض. فأخصبت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج. ولكن ما أسرع أن ذوى وجفّ وصار هشيماً تنثره الرياح.

{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} (46)

أي يتفاخر بهما ويتزين بهما في الدنيا ولا ينتفع بهما في الآخرة وإنما سمّاهما زينة لأن في المال جمالاً، وفي البنين قوة، فصارا زينة الحياة الدنيا وكلاهما لا يبقى والطاعات وجميع الحسنات أفضل ثواباً وأصدق املاً من المال والبنين وسائر زهرات الدنيا.

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} (47)

يُشير سبحانه بهذا الى أهوال يوم القيامة وإنه يقتلع الجبال من أماكنها. ويسيرها في الجو كالسّحاب. وترى الأرض بادية ظاهرة لا حجر ولا شجر ولا بناء وخباء يحجب الأبصار. ولم نترك منهما أحداً. فالحشر عام للجميع.

{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} (48)

أي المحشورون يوم القيامة يُعرضون على الله تعالى بشكل صفوف. كل زمرة وأمة صفّاً. لقد جئتمونا ضعفاء فقراء عاجزين في الموضع الذي لا يملك فيه الحكم غيرنا كما كنتم في ابتداء الخلق. لا تملكون شيئاً ويقال لهم أيضاً بل زعمتم في دار الدنيا أن الله لا يجعل لكم موعداً للبعث والجزاء والحساب يوم القيامة.

{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (49)

أي ووضعت صحائف بني آدم في أيديهم فترى المجرمين خائفين مما فيه من الأعمال السيّئة. فيدعو الانسان على نفسه بالويل والثبور. أي ُّ شيء لهذا الكتاب لا يترك صغيرة من الذنوب ولا كبيرة إلاّ عدّها وأثبتها وحواها. ولا ينقص ربك ثواب محسنٍ ولا يزيد في عقاب مسيء.

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} (50)

أي واذكر "يا محمد" هذه الواقعة حتى يظهر لهم أن إبليس "وهو من الجن" وذريته عدوّ لهم لا يريدون الخير. فلا ينبغي لهم أن يفتتنوا بما يُزَينه لهم، هو وذريته من ملاذ الدنيا وشهواتها، والاعراض عن ذكر الله. ولا أن يطيعوهم فيما يدعونهم إليه من الباطل وقد ختم الآية بتقبيح اتخاذهم إياهم أولياء من دون الله الذي معناه اتخاذهم إبليس بدلاً منه سبحانه فقال: {بئس للظالمين بدلا}.

{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} (51)

أي ما أحضرتُ ابليس وذريته، خلق السماوات والأرض، ولا خلق أنفسهم ولا استعنت فيهم على خلق بعضهم، وهذا إخبار عن كمال قدرته واستغنائه عن الانصار والاعوان من الشياطين الذين يضلون الناس. وما كنت متخذهم أعواناً يعضدونني عليه.

{وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً} (52)

أي يوم القيامة يقول الله تعالى للمشركين وعبدة الأصنام نادوا من زعمتم في الدنيا أنهم شركائي ليدفعوا عنكم العذاب فيدعوهم فلا يستجيبون لهم ولا ينفعونهم شيئاً. وجعلنا بين المؤمنين والكافرين وادياً عميقاً فرّق الله به بين اهل الهدى واهل الضلالة.

{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً} (53)

أي رأى المشركون النار وهي تتلظى حنقاً عليهم وعلموا أنهم داخلون فيها وواقعون في عذابها فلا يجدون موضعاً ينصرفون إليه ليتخلصوا منها.

 


 اللغة والبيان (4)


وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا (59) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)

 

- صرّفنا: بيّنا

- قُبُلاً: عياناً

- لُيدحِضوا: ليبطلوا

- أكنّةً: أغطيةً

- مَوْئلاً: الموئل الملجأ

- حُقُباً: زماناً طويلاً

- سَرَباً: مسلكاً يذهب فيه

- نَصباً: تعباً

- فارتدّا على آثارهما قصصاً: أي رجعا على طريقهما الذي جاءا منه

- خُبراً: علماً ومعرفة

- إِمراً: مُنكراً. فظيعاً

 

- التفسير:

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (54)

أي بيّنا نماذج من تاريخ الماضين المليء بالاثارة. وقد أوضحنا للناس الحوادث المرة واللحظات الحلوة في التاريخ. لنكمل الحجة على الآخرين ولا يبقى ثمة مجال للشك ولكن الكافر اكثر شيء خصومة بالباطل.

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً} (55)

 أي ان الناس لا يطلبون إيماناً ينفعهم والذي يريدونه ان يأخذهم عذاب الاستئصال على سنة الأولين فيهلكوا ولا يؤمنوا. أو يقابلهم العذاب عياناً فيؤمنوا اضطراراً فلا ينفعهم الايمان.

{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً} (56)

هذه الآية تعزية للنبي (ص) أن لا يضيق صدره من انكار المنكرين واعراضهم عن ذكر الله. فما كانت وظيفة المرسلين الا التبشير والانذار وليس عليهم وراء ذلك من بأس.

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَداً} (57)

أي ليس أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بآيات القرآن فأعرض عنها جانباً. ونسي المعاصي التي استحق بها العقاب إنا جعلنا على قلوبهم أغطية كراهة أن يفقهوا القرآن. وفي آذانهم صماً أن يسمعونه وأنهم لا يؤمنون به ابداً.

{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} (58)

معناه وربك الساتر على عباده الغافر لذنوب المؤمنين ذو النعمة والأفضال على خلقه لا يؤاخذهم عاجلاً بل يؤخّرهم ليتوبوا. ولهم موعد يوم القيامة والبعث لن يجدوا من دونه ملجأ.

{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} (59)

إشارة الى قرى عاد وثمود وغيرهم. أهلكناهم لتكذيبهم أنبياء الله وجحودهم آياته. وجعلنا لوقت هلاكهم موعداً معلوماً.

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} (60)

واذكر إذ قال موسى لفتاه يوشع بن نون لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين او أمضي دهراً طويلاً.

{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً} (61)

أي فلما بلغا الموضع الذي يجتمع فيه رأس البحرين. تركا حوتهما أو ضلاّ عنهما فاتخذ الحوت في البحر مسلكاً يذهب فيه وذلك أن موسى وفتاه تزوّدا حوتاً مملوحاً.

{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} (62)

أي لما جاوزا مجمع البحرين أمر موسى فتاه أن يأتي بالغداء وهو الحوت الذي حملاه ليتغديا به. ولقد لقيا من سفرهما تعبا.

{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} (63)

معناه أن يوشع تذكر قصة الحوت لما دعا موسى بالطعام فقال له أرأيت حين رجعنا الى الصخرة ونزلنا هناك فإني تركت الحوت وفقدته وقيل نسيته وما أنساني ذكر الحوت لك إلاّ الشيطان. فهو لم ينس نفس الحوت وإنما نسي أن يذكر حاله التي شاهد منه لموسى. واتخذ الحوت طريقه الى البحر وكان أمره عجباً. يتعجب الفتى من أمره لأنه كان حوتاً مشويّاً فدبّت فيه الحياة ودخل البحر.

{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصاً} (64)

أي قال موسى (ع) ذلك ما كنّا نطلب من العلامة. فرجعا وعادا في الطريق الذي جاءا منه يقصّان آثارهما ويتّبعانها ويوشع أمام موسى (ع) حتى انتهيا الى الصخرة التي فُقِد عندها الحوت.

{فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} (65)

أي أدركا عبداً من عبادنا قائماً على الصخرة يصلي وهو الخضر (ع) واسمه بليا بن ملكان وإنما سمي خُضراً لأنه إذا صلى في مكان اخضرّ ما حوله. وعلمناه علماً من علم الغيب ووهبناه نعمةً عظيمةً وفضلاً كبيراً وهي الكرامات التي أظهرها الله على يديه.

{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} (66)

أي قال له موسى (ع) هل أتبعك اتباعاً مبنياً على هذا الأساس وهو أن تعلمني لاقتبس من عملك ما يرشد في حياتي.

{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (67)

إخبار بأنه لا يطيق الطريق الذي يتخذه في تعليمه إن اتبعه لا أنه لم يتحمل العلم.

{وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} (68)

أي كيف تصبر على ما ظاهره عندك منكر وأنت لم تعرف باطنه ولم تعلم حقيقته.

{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} (69)

أي قال موسى ستجدني أصبر على ما أرى منك ولا أخالف امراً تأمرني به.

{قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} (70)

شرطي عليك أن لا تسألني عن شيء مما أفعله حتى أُبيّنه لك بنفسي.

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} (71)

سار موسى والخضر على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينة فحملتهما ولكن الخضر خرق السفينة بلا مبرر ظاهر. فثارت العاطفة الانسانية في نفس موسى وقال للخضر أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً منكراً.

{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (72)

أي قال له الخضر ألم اقل لك حين رغبت في اتباعي إن نفسك لا تطاوعك على الصبر معي فتذكر موسى ما بذل له من الشرط.

{قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} (73)

أي لا تؤاخذني بنسيان الوعد وغفلتي عنه ولا تكلفني عسراً من امري.

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْراً} (74)

معناه فخرجا من السفينة وانطلقا في البر فلقيا غلاماً يلعب مع الصبيان فقتله. قال موسى قتلت نفساً طاهرة لم ترتكب جرماً يستوجب القتل. لقد فعلت شيئاً منكراً عظيماً لا يمكن السكوت عنه.

 


 اللغة والبيان (5)


قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82) وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)

- يريد أن ينقض: اشرف على السقوط

- زكاةً: طهارة

- رُحماً: هنا الرحمة

- يَبلُغا أشدهما: يكبرا ويعقلا

- مَكَّنَّا له: جعلنا له قوة وسلطاناً

- حَمِئةٍ: الحمأ الطين الأسود المنتن

- نُكُراً: فظيعاً، مُنكراً

- خَرْجا: جَعْلاً من المال تستعين به في البناء

- رَدْماً: سداً وحاجزاً

- زُبُرَ الحديد: الحديد: قطع الحديد

- الصدفين: جانبا الجبلين

- قِطْراً: النحاس او الحديد أو الرصاص المذاب

- أَن يظهروه: يعلو على ظهره لارتفاعه

 

التفسير:

{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (75)

مرة ثانية يذكِّره الخضر بالشرط. وأيضاً مرة ثانية يعتذر موسى

{قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} (76)

أي أن سألتك بعد هذه المرة أو هذه المسألة فلا تصاحبني أي يجوز لك أن لا تصاحبني. وقد اعذرت فيما بيني وبينك وقطعت علي كل عذر.

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} (77)

أنطلقا الى انطاكيه أو أيلة هي الناصرة. طلبا منهم طعاماً فلم يضيفهما احد من اهل القرية. فوجدا فيها جداراً مشرفاً على السقوط فسوّاه. قال موسى لو شئت لعملت هذا بأجر تأخذه منهم حتى كنا نسدُّ به جوعتنا.

{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} (78)

معناه هذا الكلام والانكار على ترك الأجر هو المفرق بيننا. وسأخبرك بتفسير الأشياء التي لم تستطع على الامساك عن السؤال عنها صبرا.

{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} (79)

أي أن السفينة كانت لعدة من المساكين يعملون بها في البحر وكان هناك ملك جبّار أمر بغصب السفن. فأردت إعطابها وأن أحدث فيها عيباً لكي لا يطمع فيها الجبار ويدعها لهم.

{وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْراً} (80)

أي أما الغلام فكان كافراً وأبواه مؤمنين. فعلمنا أنه إن بقي يرهق أبويه أي يغشيهما طغياناً وكفراً وإثماً وظلماً.

{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} (81)

أي فرجونا الله سبحانه أن يرزقهما مولوداً مطيعاً لله باراً بأبويه خيراً منه ديناً وطهارة وأرحم بهما.

{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} (82)

أي فإنما اقمت الجدار لأنه كان لغلامين يتيمين. وكان تحته كنز لهما. وإنه سبحانه حفظ الغلامين بصلاح أبيهما. فأراد الله تعالى أن يكبرا ويعقلا ويستخرجا الكنز وهو نعمة من ربك. وما فعلت ذلك من قبل نفسي وإنما بأمر الله تعالى ذلك تفسير ما ثقل عليك مشاهدته ورؤيته واستنكرته.

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً} (83)

سأل اليهود محمد (ص) عن أخبار ذي القرنين لمجرد الإحراج. وما دروا ان الله يسانده ويمده بالجواب المفعم المخرس. قل يا محمد سأقص عليكم من نبأه وخبره قرآناً ووحيناً. اختلف العلماء والمفسرون في هوية ذي القرنين فعن الإمام علي (ع): كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه فأمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب ثم رجع فدعاهم. فضربوه على قرنه الآخر وقيل إنّه ملك فارس والروم. أوالمشرق والمغرب.

{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} (84)

أي أعطاه سبحانه في الدنيا الملك العظيم. وهيأ له من أسباب القوة كل سبب من العدة والعدد. وفوق ذلك توفيق الله وعنايته.

{فَأَتْبَعَ سَبَباً} (85)

معناه فاتبع طريقا واحداً في سلوكه

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} (86)

أي ذهب ذو القرنين الى بلاد المغرب مجاهداً في سبيل الله حتى انتهى في سيره الى بحر على شاطئه طين اسود بحيث يتراءى للعين أن الشمس تغيب فيه وتختفي. وقلنا تدعو يا ذا القرنين هذه الأمة الضالة الى الايمان وصالح الأعمال فمن استجاب فلا سبيل لك عليه ومن أصرّ على الكفر والضلال فأنت مخيّر بين عقابه وإمهاله عسى أن يتوب ويؤوب الى الرشد.

{قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْراً} (87)

قال ذو القرنين: أما من اشرك فسوف نقتله إذا لم يرجع عن الشرك ثم يرجع الى ربه فيُعذّبه عذاباً منكراً فظيعاً في نار جهنم.

{وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} (88)

أي وأما من آمن وعمل عملاً صالحاً فله المثوبة الحسنى وسنقول له قولاً جميلاً ميسوراً من أمرنا.

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} (89)

أي طريقاً آخر من الأرض ليؤديه الى مطلع الشمس ويوصله الى المشرق.

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً} (90)

أي بلغ بلاد الشرق وجدها لا بيوت تسترهم ولا أشجار تظلهم من الشمس. وكانوا أشبه شيء بوحوش الفلوات.

{كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً} (90)

أي أمر ذي القرنين كما حكينا ولا ريب في أنه تعالى أحاط بكل شيء علماً.

- كيف تمّ بناء سد ذي القرنين ؟

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} (92)

أي ثم رحل ذو القرنين رحلة ثالثة.

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} (93)

ثم أخبر سبحانه عن حال ذي القرنين بعد منصرفه عن المشرق إنه سلك طريقاً الى أن بلغ بين السدّين ووصل الى ما بينهما وهما الجبلان اللذان جعل الردم بينهما وهو الحاجز بين يأجوج ومأجوج ومن وراءهم وجد قوماً لا هم يفهمون لغة ذي القرنين ولا هو يفهم لغتهم ولكنه فهم مطالبهم بالحركات والاشارات أو بواسطة مترجم.

{قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَداًّ} (94)

قالوا له بترجمان إن يأجوج ومأجوج وهما قبيلتان من ولد يافث بن نوح مفسدون في أرضهم وفسادهم إنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم ويأكلون لحومهم ودوابهم فهل نجعل لك بعضاً من أموالنا حتى تجعل بيننا وبينهم حائطاً.

{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} (95)

أي قال ذو القرنين: ما أعطاني ربي من المال ومكّني فيه من الاتساع في الدنيا خير مما عرضتموه عليّ من الأجر. فأعينوني برجالٍ حتى أجعل بينكم وبينهم سداً وحاجزاً.

{آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} (96)

قال ذو القرنين: اعطوني قطع الحديد حتى اعمل الردم. حتى إذا ساوى بين الجبلين جعل الفحم بينهما. قال انفخوا النار على الزبر. حتى إذا جعل الحديد كالنار في منظره من الحمي واللهب فصار قطعة واحدة. قال أعطوني نحاساً مذاباً.

{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} (97)

أي فلمَّا لم يستطع يأجوج ومأجوج أن يعلوه. ولم يستطيعوا أن ينقبوا أسفله لكثافته وصلابته.

 


 اللغة والبيان (6)


قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)

 

- نُزُلاً: مثوى وَمنزلاً.

- الفِردوس: أطيب وأرفع وأفضل موضع في الجنة

- حِوَلاً: متحولاً

- مداداً: المراد بالمداد هنا الحبر

 

التفسير:

{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقاًّ} (98)

قال ذو القرنين: هذا السد نعمة من ربي ووقاية يدفع بها شر يأجوج ومأجوج عن أمم من الناس وتبقى هذه الرحمة الى مجيء وعد ربي فإذا جاء وعد ربي جعله مدكوكاً وسوّى به الأرض.

{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} (99)

أي تركنا يأجوج ومأجوج يوم انقضاء أمر السد يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم {ونفخ في الصور} لأن خروج يأجوج ومأجوج من اشراط الساعة وحشرنا الخلق يوم القيامة كلهم في صعيد واحد.

{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً} (100)

أي تبرز جهنم للمجرمين قبل دخولها ليروا ما فيها من عذاب ونكال. فيكتووا بنارين: نار الرعب ونار الحريق.

{الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} (101)

أي السبب الذي استحقوا به النار إنهم غفلوا عن الاعتبار بقدرتي الموجبة لذكري واعرضوا عن التفكر في آياتي ودلائلي فصاروا بمنزلة من يكون في عينه غطاء يمنعه من الإدراك. وكان يثقل عليهم سماع القرآن وذكر الله تعالى.

{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} (102)

أي أفحسب الذين جحدوا توحيد الله أن يتخذوا من دوني أرباباً ينصرونهم ويدفعون عقابي عنهم. إنا جعلنا جهنّم مهيأة للكافرين عندنا كما يهيأ النزل للضيف.

{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} (103)

قل يا محمد هل نخبركم بأخسر الناس أعمالاً.

{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (104)

بطل عملهم وضاع في هذه الحياة الدنيا لأن الكفر لا تنفع معه طاعة. وهم يظنون أنهم محسنون بأفعالهم.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} (105)

أي جحدوا بحجج الله وبيّناته ولقاء جزائه في الآخرة فبطلت وضاعت أعمالهم التي عملوها لأنهم أوقعوها على خلاف الوجه الذي أمرهم الله به فلا قيمة لهم عندنا ولا كرامة، ولا نعتد بهم بل نستخف بهم ونعاقبهم.

{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً} (106)

معناه الأمر الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وخيبة قدرهم بسبب كفرهم واتخاذهم آياتي أي أدلتي الدالة على توحيدي يعني القرآن ورسلي هزواً أي مهزؤاًَ به.

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} (107)

أي الذين صدّقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات لهم في حكم الله وعلمه بساتين الفردوس وهو أطيب موضع في الجنة وأوسطها وأفضلها وأرفعها منزلاً ومأوى.

{خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} (108)

أي ماكثين فيها أبداً لا يطلبون تحولاً ولا خروجاً عنها ولا تحويلاً.

{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (109)

هذا تمثيل لسعة علم الله والمعنى لو كانت بحار الدنيا حبراً ومداداً وكتبت به كلمات الله وحكمه وعجائبه. لفنى ماء البحر على كثرته وانتهى كلام الله لا ينفد لأنه غير متناهٍ كعلمه جلّت قدرته. وحتى لو أتينا بمثل ماء البحر وزدناه به حتى يزداد فإن كلام الله لا يتناهى.

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (110)

أي قل يا محمد إنك آدمي كغيرك (إلاّ أنك مكرم بالوحي) وإلهكم واحد لا شريك له ولا فضل لي عليكم إلاّ بالدين والنبوة ولا علم لي إلاّ ما علمنيه الله تعالى فمن كان يطمع في لقاء ثواب ربه ويأمل ويقرُّ بالبعث إليه والوقوف بين يديه. فليعمل عملاً خالصاً لله تعالى. ولا يرائي في عبادته أحداً.

- روي أن أبا الحسن الرض (ع) دخل يوماً على المأمون فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء فقال لا تشرك بعبادة ربك أحداً فصرف المأمون الغلام وتولى إتمام وضوئه بنفسه.

- وقال أبو عبد الله (ع) أما مِن أحدٍ يقرأ آخر الكهف عند النوم ألاّ يتيقظ في الساعة التي يريدها.

 

إلهي اجعل نياتنا خالصة لك وحدك. ونجنا مما نخاف ونفزع. وادخلنا الجنة يا ارحم الراحمين.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين