الكتاب  تفسير سورتي الكوثر والقدر
 تأليف  الشيخ محسن قراءتي
 ترجمة  الأستاذ أحمد عودة
 إعداد ونشر  جمعية القرآن الكريم
 الطبعة  الأولى - 1434 هـ - 2013 م - لبنان - بيروت
موقع جمعية القرآن الكريم www.qurankarim.org
بريد جمعية القرآن الكريم info@qurankarim.org

 

لتحميل الكتاب كاملاً بصيغة HTML

 

 مقدمة الجمعية

مقدمة المؤلف

سورة الكوثر

 ملامح سورة الكوثر
التفسير
 معنى الكوثر
 ما معنى الكوثر؟
 عطاء استثنائي في سورة استثنائية بألفاظ استثنائية

 دروس وبصائر

 سورة القدر

 ملامح سورة القدر

 التفسير
 الآية 1
 نقاط وتأملات
 دروس وبصائر
 الآيتان 2 - 3
 نقاط وتأملات
 إشارة إلى مكانة الليل المعنوية
 دروس وبصائر
 الآية 4
 نقاط وتأملات
 نظرة إلى الملائكة في القرآن
 دروس وبصائر
 الآية 5
 نقاط وتأملات
 دروس وبصائر

 

 

 
 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسَّلام على أشرف خلق الله محمَّد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

يقول سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾.

لا ينبغي الارتياب في أنّ القرآن إنّما أُنزل على النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليفهم الناس معانيه، ويجعلوا أعمالهم مطابقة لأوامره ونواهيه، وعقائدهم موافقة للعقائد الصحيحة التي يدلّ عليها، ولم ينزله ليقبِّلوه ويضعوه فوق الرفوف، بل أرسله تعالى مع رسول الرحمة ليبلِّغه إلى الناس ويبين لهم ويهديهم ويعظهم من خلاله، ليفكروا به ويتدبّروا آياته، فالاستعداد للتدبر والتفكر، وكشف غوامض القرآن، موجود دائما، وهذه نقطة وضحها النبي والأئمة (عليهم السلام)، سئل الإمام الصادق(عليه السلام): ما هو السر في بقاء القرآن على طراوته كلما يتلى أكثر، وكلما يمضي عليه الزمان زمنا أطول؟ فأجاب الإمام: «لأن القرآن لم ينزل لزمان دون زمان ولناس دون ناس».

لقد أوجده الله، ليسبق الأفكار والأزمنة في أي زمان، وقد ضرب فيه للناس من كلّ مثل لعلّهم يتذكّرون.

القرآن الكريم كتاب مبارك مثمر يدعو المؤمنين، بل وحتى المخالفين للتفكير في آياته، كما ويدعوهم بأن يتأملوا فيها بدلا عن صدها وإنكارها. ونحن في جمعية القرآن نقدم لكم تفسير سورتي الكوثر والقدر للإطلاع عليهما كما وندعو كافة الناس للتأمل والتدبر والعمل بالقرآن. والحمد لله ربّ العالمين.

 

جمعية القرآن الكريم

للتوجيه والإرشاد


 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين».

لقد جاء التفسير- بشكل عام - في كتاب تفسير النور المجلد 12، بصورة مختصرة لكن بما أن الكوثر تعني الخير الكثير، فلقد وجدت أن لا أحرم القرّاء الأعزاء من هذا الخير الكثير الذي جاء في هذه السورة، والذي منّه المولى تعالى علينا، لذلك جهدت أن أفسر هذه السورة بشيء من التفصيل، وذلك خلافاً للأسلوب الذي اعتمده في تفسير النور، وذلك لكي يعلم القارىء أن القرآن الكريم عميق جداً، بحيث أن الانسان كلما تعمق وتدبر فيه أكثر، بانت له لطائف ونقاط ودروس أكثر، وليعلموا أن لا أحد يستطيع الادعاء أن تفسيره كامل وشامل وهو الحرف الأول والأخير، لأن القرآن الكريم شجرة مباركة، وكل من يهز إليه غصناً مباركاً منها، سوف يجني ثمراً جديداً وفائدة عظيمة.

الإسلام - منذ البداية - كان ولم يزل نصير العلم والعدالة والحقيقة ومخالف للجهل والشرك والظلم، وقد واجه المخالفين القدامى من أمثال أبي جهل وأبي لهب، والجدد من أمثال القوى العظمى المستكبرة، وسيبقى في مواجهة أمثال هؤلاء إلى يوم القيامة، لكن على الرغم من كل هذه العداوات والأحقاد والمؤامرات، فإن عظمة القرآن وتجلياته النورانية كل يوم في ازدياد، وأهم حربة دفاعية للاسلام في مقابل هؤلاء المخالفين في الماضي والحاضر، هو التحدي القرآني للجميع أن يأتوا بمثله ﴿ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ ﴾ ثم في مرحلة ثانية: ﴿ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ ﴾ ثم ﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ ﴾. وهذا تعجيز لهؤلاء المخالفين المعاندين، على أن يأتوا بسورة واحدة من مثل القرآن الكريم، سورة صغيرة، كسورة الكوثر التي هي أصغر السور القرآنية بحيث لا يتعدى عدد كلماتها العشرة فالقرآن الكريم يتحدى المخالفين الذين أقسموا على مدى أربعة عشر قرناً وجهدوا في التعدي على الاسلام ولم يألوا جهداً في مواجهة المسلمين وخصصوا لذلك كل الامكانيات، من أموال وتبليغات، يخاطبهم إن كان بإمكانهم أن يأتوا بسورة واحدة صغيرة من مثل سورة الكوثر، وجزم أنهم لم ولن يقدروا على ذلك.

من هنا كان التوجه إلى هذه السورة الصغيرة في عدد كلماتها الكبيرة في معانيها ومفاهيمها ورموزها الخفية، فلنتوجه معاً لنرى أسرار هذه السورة العظيمة.

بعد المطالعة الدقيقة والمعمقة لهذه السورة، استطعت - وبما أملك من رأسمال علمي متواضع - أن أكشف بعض النقاط الهامة في هذه السورة المباركة، وآمل أن يتمكن القرّاء الأعزاء الاستفادة من هذه النقاط بمطالعتهم لهذا التفسير، كما وأشير أني قد استفدت بالاضافة إلى التفاسير التي كُتبت في تفسير النور من تفسير هذه السورة على يد العالم اللبناني السيد جعفر مرتضى، كذلك من كاتبين فاضلين آخرين هما السيد دهثيري وجعفري، وإني أسأل المولى تعالى لهم جميعاً التوفيق والسداد.

محسن قراءتي


 


سورة الكوثر


 

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)

 

 

ملامح سورة الكوثر

 

نزلت هذه السورة المباركة في مكة وهي تتألف من ثلاث آيات، بالاضافة إلى أنها أصغر سور القرآن، وقد اشتق اسمها من الآية الأولى وهو يعني الخير الكثير.

بناءً على روايات الفريقين من السنة والشيعة فإن العاص بن وائل السهمي (والد عمرو بن العاص)، وكان من أكابر مشركي مكة، كان يعيّر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه (أبتر)، وذلك بعد أن توفي ابنه عبد الله وهو من خديجة (عليها السلام)، وكانوا يسمون من ليس له ابن أبتر فسمته قريش عند موت ابنه عبد الله بالأبتر.

لكن المولى تعالى أجاب هؤلاء فأنزل على رسوله سورة الكوثر وذلك تسلية لقلبه الطاهر، وأخبره أن نسله باقٍ ونسل غيره سوف ينقطع، وقد ورد في الروايات عن أبي عبد الله (عليه السلام): من كانت قراءته ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ في فرائضه ونوافله سقاه الله تعالى من الكوثر يوم القيامة، وكان محدثه عند رسول ال له(صلى الله عليه وآله وسلم) في أصل طوبى» [1].

 

 

التفسير

 

بداية لا بد من التوجه إلى المسألة التالية، وهو أن القرآن عندما استخدم ضمير المتكلم وهو المولى تعالى، فإذا كان في مقام الدعوة إلى التوحيد فإنه يتسخدم ضمير المتكلم المفرد (أنا)، مثل ﴿ وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾، ﴿ وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾، ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ ﴾ أو عندما يتعلق الأمر بانجاز المولى تعالى لأمر ما من دون واسطة أو عند الحديث عن علاقة الله تعالى مع العبد أي العلاقة بين الخالق والمخلوق، فإنه يستعمل الضمير المفرد أيضاً (أنا) كقوله تعالى: ﴿ أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾، ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾.

أما عندما يتعلق الأمر ببيان عظمة المولى سبحانه أو تشريف النعمة فإن المولى عزَّ وجلَّ يستخدم ضمير المتكلم الجمع (إنا) كقوله سبحانه ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ لأن العطاء في هذه الآية هو لأفضل الخلق قاطبة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو عطاء الكوثر، بحيث يلزم بيان عظمة هذا العطاء الالهي الكبير.

كذلك عند بيان الأعمال التي يريدها الله تعالى وذلك بالواسطة، كإنزال المطر من السحاب: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ فإنه يستعمل الضمير «إنّا».

وقد بدأ بكلمة «إنّا» في أربع سور من مجموع سور القرآن 114 سورة، هي سورة نوح، القدر، الفتح والكوثر:

  • ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا ﴾ سورة نوح.

  • ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ سورة القدر.

  • ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴾ سورة الفتح.

  • ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ .

ففي بداية السورة الأولى (نوح) يتحدث القرآن عن بعثة نوح (عليه السلام) وهو أول أنبياء أولي العزم ويعدّ (أبو البشر) بعد نبي الله آدم (عليه السلام).

وفي السور التالية يتحدث عن النعم العظيمة، نزول القرآن والفتح «النصر العظيم» وإعطاء الكوثر، ولعل بين هذه المواضيع الأربعة رابطة فهي تبين رسالة أولى نبي من أولي العزم، والثانية نزول الكتاب السماوي، والثالثة انتصار المدرسة الالهية والاسلام المحمدي، والرابعة استمرار خط الرسالة عبر الأئمة الأطهار من ولد فاطمة (عليها السلام) وهو ما عبرت عنه السورة بأن الرسول ليس بأبتر.

 

معنى الكوثر

 

الكوثر مأخوذ من «الكثرة» وهي تعني الخير الكثير، ومن الواضح أن هذا المعنى له مصاديق متعددة مثل: الوحي والنبوة والقرآن ومقام الشفاعة والعلم الكثير والأخلاق الحسنة، غير أن نهاية السورة شاهد واضح على أن المراد من الكوثر هو نسل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الطيب الطاهر فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأولادها (عليهم السلام). وقد أجمع المفسرون على أن المخالفين والحاقدين على رسول ال له(صلى الله عليه وآله وسلم) قد نعتوه بالأبتر، أي الذي لا ولد له ولا عقب له. والمولى تعالى قد دافع عن رسوله فوصفهم: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾. وإذا لم يكن معنى الكوثر هو نسل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعندها يجب توجيه وتبرير معنى علاقة الآية الأولى ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ بالآية التالية: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾.

إن كلمة «أبتر» في الأصل تعني الحيوان المقطوع الذنب، وفي الاصطلاح تطلق على الشخص المقطوع النسل، فالمشركون وصفوا الرسول بهذه الصفة لأنه فقد ابناءه الذكور في صغرهم فلم يبق له عقب، ولأن ثقافة الجاهلية كانت تقول أن البنت لا تليق أن تحمل اسم أبيها وأن تبقيه حياً، لذلك فإن تعبير ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ دليل على أن المراد من الكوثر هو نسل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومما لا شك فيه أن هذا النسل هو من فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهذا النسل المبارك الذي أعطاه الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من طريق الصديقة خديجة (عليها السلام) زوجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، التي منحت مالها الكثير في سبيل الله وسبيل الدعوة فأعطيت الكوثر، وهذا يدفعنا إلى القول أن المؤمن لا يصل الى الكوثر ما لم يمنح الكثير.

وهذا الفخر الرازي في تفسيره الكبير يقول: «القول الثالث «الكوثر» أولاده: أي أولاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، قالوا لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه (عليه السلام) بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرَّ الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت في زمن بني أمية والحكم العباسي، ثم العالم ممتلىء منهم ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) والنفس الزكية وأمثالهم» [2].

في الزمن الذي كان فيه الوالد يغضب ويسوّد وجهه عندما كان يرزق بطفلة أنثى، وكان يهرب من القوم ويتوارى عنهم، أو يدفن طفلته في التراب وهي حية ﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [3] في هذا الزمن يطلق القرآن الكريم لقب الكوثر على طفلة أنثى ويبدل الثقافة الجاهلية العمياء التي كانت تطغى على ذلك المجتمع.

بناء لبعض الروايات، فإن الكوثر اسم لنهر وحوض في الجنة، يشرب منه المؤمنون ويرتوون، كما جاء في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المتواتر والمعروف بحديث الثقلين « إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»، فالكتاب والعترة الطاهرة لا ينفصلان عن بعضهما البعض ولا يفترقان إلى يوم القيامة والكوثر الإلهي لا يميز بين الجنسين - الذكر والأنثى - ففاطمة (عليها السلام) كانت أنثى وأصبحت كوثراً، وليس الأمر يرتبط بالعدد والكثرة، ففاطمة كانت «واحد» وغدت الكوثر، فالمولى تعالى قادر على أن يجعل القليل كثيراً وكوثراً ويمحو الكثير.

 

ما معنى الكوثر؟

 

يستفاد من الآية المباركة ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ أن المراد من الكوثر ما هو ضد الأبتر، فلقد كان العرب يطلقون تعبير الأبتر على كل من ليس له ولد ذكر وعقب يحمل اسمه، فهو يمحو الأثر، وأفضل مصداق للكوثر ذرية الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وهم الأئمة المعصومون من نسل فاطمة (عليها السلام) وللكوثر معنى عام وشامل فهو كل خير كثير.

فإن كان المراد من الكوثر هو العلم، فهو شيء أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بطلبه: ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا [4].

وإن كان المراد من الكوثر الأخلاق الحسنة، فالرسول كان يتمتع بأخلاق عظيمة: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [5].

وإذا كان المقصود من الكوثر العبادة، فإن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتعبد حتى نزل فيه قوله تعالى: ﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [6].

وإذا كان المقصود من الكوثر الأمة الكثيرة، فإنه طبقاً للوعد الإلهي، الإسلام سيعم المعمورة وينتشر في جميع أنحاء الأرض: ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [7].

وأما إذا كان المراد هو الشفاعة، فإن الله تعالى سيعطي رسوله حتى يرضى: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [8].

إن الكوثر ليس أمراً دنيوياً بل هو شيء أكثر وأهم وأعلى مقاماً من الطعام والمقام والمظاهر الدنيوية، لأن القرآن لا يعد الدنيا شيئاً وهي في نظر المولى تعالى وضيعة وزائلة، وليس كل كثير يعني الكوثر، فالقرآن يصرح: ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [9].

في القرآن يوجد سورة باسم الكوثر وسورة أخرى باسم التكاثر، لكن الكوثر قيمة، والتكاثر مخالف للقيمة، فالأولى عطية وهبة إلهية يتبعها ذكر الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ﴾ أما الثانية فهي تنافس سلبي ويتبعه الغفلة من الله سبحانه: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾.

والكوثر يأخذنا إلى المسجد لأجل الصلاة: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ ﴾ أما التكاثر فيأخذنا الى القبور لتعداد الأموات: ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾.

وفي عطاء الكوثر بشارة: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ لكن في التكاثر تهديد يتلو بعضاً ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ والكوثر عامل للاتصال مع الخالق ﴿ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ غير أن التكاثر وسيلة للتسلية واللهو مع المخلوق ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾.

الكوثر أكبر هبة إلهية في أصغر سورة قرآنية، والهدية من أشرف معبود إلى أشرف مخلوق لا يمكن أن تكون غير الكوثر ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ عندما فتح الله مكة على يدي رسوله وبدأ الناس يدخلون في دينه أفواجاً، عندها أصدر المولى تعالى أمر التسبيح فقط: ﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ ﴾ لكن عندما أعطى الكوثر قال ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ ﴾ وكأن أهمية الكوثر أكبر من دخول المشركين في الإسلام.

 

 

 

إن العطاء الذي ليس له نظير كعطاء الكوثر، والسورة التي لا نظير لها كأصغر سورة في القرآن، والألفاظ الاستثنائية التي لا نظير لها من مثل: «أعطيناك، الكوثر، فصل، انحر، شانئك، وأبتر»، كل ذلك جاء في سورة واحدة واستخدم في سورة واحدة هي سورة الكوثر بحيث لا يوجد لذلك شبيه في كل القرآن الكريم.

إن كل الكلام الجارح والقدح والذم بحق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والاهانات بحق أصحابه، من مثل: مجنون، شاعر، كاهن، ساحر، كذاب، وغير ذلك حتى وصل الأمر إلى أن قالوا له أبعد أولئك الوضيعين من حولك حتى نؤيدك، كل ذلك لم ينزل في سورة مستقلة وخاصة، أما بالنسبة إلى تعبير «أبتر» فقد نزلت سورة تقول إنا أعطيناك الخير الكثير وإنما عدوك هو الأبتر، وسبب ذلك أن التجرؤ والتطاول على الشخص والأصحاب يمكن تحمله، لكن التجرؤ على المسيرة الإلهية والخط الإلهي والمدرسة الإسلامية فإنه لا يقبل التحمل، لأنهم أرادوا بذلك انتهاء هذه المدرسة، سينتهي عند رحيل الرسول الذي ليس له ولد يعقبه، نعم أحياناً يكون التطاول منطلق من اللغو عندها يمكن غض الطرف: ﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَامًا ﴾. وأحياناً يكون بسبب الجو الفاسد والأصحاب غير المخلصين، كذلك يمكن المرور والاعراض عن ذلك: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [10].

أما عندما يتعلق الأمر بالمدرسة الإلهية والقيادة الإلهية، وعندما تأتي الطعنة من الأشراف وأصحاب المقامات السياسية والاجتماعية، عند ذلك يجب الرد بحزم وإعطاء الجواب اللائق وبشدة: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾، ومثال ذلك عندما قال المنافقون من باب الغرور: ﴿ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ﴾، يجيب القرآن هؤلاء فيقول لهم: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لَّا يَعْلَمُونَ [11].

وطبقاً للروايات فإن من تجاسر على رسول الله ووصمه بالأبتر هو والد عمرو بن العاص، وكان مشركاً وحاقداً على رسول الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

نعم إن الله تعالى هو المُعِزّ والمُذِلّ والمعطي الذي إذا أراد جعل من الكوثر خيراً كثيراً وزاد، وإذا أراد أباد ذرية كاملة وجعلها في مهب النسيان فهو يستطيع أن يجعل البحر جامداً بضربة من عصا موسى (عليه السلام): ﴿ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ ويستطيع بضربة واحدة من نفس تلك العصا أن يجري اثنتا عشرة عينا من الماء من الصخر الأصم: ﴿ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ ﴾.

 

 

دروس وبصائر

 

1- الله تعالى ينجز ما وعد به، ففي سورة الضحى وعد المولى سبحانه رسوله بقوله: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ وفي سورة الكوثر ينجز وعده فيقول: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾.

2- الأولاد والنسل هم هبة إلهية: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾.

3- الاهتمام بمن هم تحت اليد شرط من شروط الادارة والقيادة ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾.

4- أعطاء النعم - حتى للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) - تحمل للمسؤولية ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ... (1) فَصَلِّ ﴾.

5- في القرآن توصية مؤكدة بالصلاة وسجدة الشكر: ﴿ فَصَلِّ ﴾.

6- الشكر يجب أن يكون مباشراً وفورياً ﴿ فَصَلِّ ﴾، لأن حرف الفاء يفيد التسريع والمباشرة.

7- يجب تعلم نوع الشكر من الله سبحانه: ﴿ فَصَلِّ ﴾.

8- يجب أن لا ننسى المولى عزَّ وجلَّ في النعم وعند الأفراح والرخاء: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ... (1) فَصَلِّ ﴾.

9- ما يليق بشكر الكوثر هو الصلاة: ﴿ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ ﴾.

إن الصلاة أكمل وأجمع نوع عبادة، حيث يجب حضور القلب في هذا النوع من العبادة بقصد التقرب واللسان للتلاوة والقراءة والجسد للركوع والسجود، ولعل مسح الرأس والقدمين إشارة إلى أن الانسان هو عبد لله تعالى من رأسه حتى قدميه.

إن أعلى نقطة في جسم الانسان هي جبهته، وهذه الجبهة تسجد على الأرض في كل يوم ثلاثة وأربعين مرة حتى لا يبقى في هذا الانسان أي تكبر، والزهراء (عليها السلام) في إحدى خطبها تذكر هذا الأمر حيث تقول: تنزيهاً لكم من الكبر.

10- التعاليم والأوامر الدينية مطابقة للفطرة فالعقل يوجب شكر النعمة، والدين يأمر بذلك: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ ﴾.

11- العطاء هو من الله تعالى لذلك يجب الشكر له: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ ﴾.

12- واحدة من طرق شكر النعم، تقديم الأضاحي ﴿ وَانْحَرْ ﴾.

13- كل بحسب مقامه وهبته فمن يعطى الكوثر يلزم أن يضحي ببعير ويفدي بأكبر حيوان أهلي.

14- العلاقة مع الله سبحانه وتعالى مقدمة على العلاقة مع الخلق: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾.

15- الانفاق قيمة إلى جانب الايمان والعبادة: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾.

16- شكر عطاء الخالق عطاء المخلوق: ﴿ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ... وَانْحَرْ ﴾.

17- الصلاة قيمة عندما تكون خالصة لله تعالى: ﴿ لِرَبِّكَ ﴾ والانفاق قيمة عندما يكون بسخاء: ﴿ وَانْحَرْ ﴾.

18- إن أعداء الرسول والمدرسة الإلهية محبطون ولن يصلوا إلى أهدافهم (كلمة شانىء اسم فاعل وهي تدل على الماضي والحاضر والمستقبل) فلو قال: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ لعنت فقط أعداء الماضي، ولو قال: (من يشونك هو الأبتر) لعنت أعداء المستقبل لكنها تشمل الأعداء في كل حين وعصر.

19- توهين المقدسات جوابه التوبيخ والتهديد الشديد: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾.

20- لا يجب أن نجزع أو نخاف من التوهين لأن الله تعالى هو المدافع والحافظ لعباده وأنصاره: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾.

21- لا يجب التسرع في الحكم، ولا يجب الاعتماد فقط على العدد والحسابات لأن كل شيء بإرادة الله سبحانه (فالأعداء حكموا من خلال موت أبناء الرسول بالمقارنة مع أعداد أبنائهم الكبيرة، فنعتوه بالأبتر، لكن ما حدث هو العكس).

﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ... إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾.


 

 


سورة القدر


 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)

 

 

ملامح سورة القدر

 

نزلت سورة القدر في مكة، وآياتها قصيرة كسائر السور المكية، والسورة تبدأ بالاشارة إلى نزول القرآن الكريم في ليلة القدر وتختم ببيان أهمية وعظمة ليلة القدر عند الله سبحانه وأفضليتها بحيث أنها خير من ألف شهر، كذلك تختم بالسلام الإلهي على هذه الليلة المباركة.

ويوجد روايات كثيرة تتحدث عن فضيلة قراءة هذه السورة بعد سورة الحمد أثناء الصلاة.

عن أبي عبد الله (عليه السلام): «من قرأ ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ في فريضة من فرائض الله نادى مناد: يا عبد الله غفر الله لك ما مضى فاستأنف العمل» [12].

وعن الامام الرضا (عليه السلام) قال: «ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عنده» ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ «سبع مرات إلا غفر الله له ولصاحب القبر» [13].

 

 

التفسير

 

الآية 1

 

﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) ﴾.

 

 

الله تعالى يدبر أمور العالم بواسطة الملائكة، لذلك نرى في كثير من الآيات القرآنية أن الأفعال والضمائر المتعلقة بالمولى سبحانه قد جاءت بصيغة الجمع، كما في بداية هذه السورة: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ﴾.

يقول المفسرون أن للقرآن تنزيلان، تنزيل دفعي أي دفعة واحدة على قلب الرسول في ليلة القدر، وتنزيل تدريجي خلال (23) سنة وهي مدة الوحي، ويذكر أن تعبير الآيات عن نزول القرآن يكون مرة بكلمة «إنزال» بمعنى النزول الدفعي، ومرة أخرى بكلمة « تنزيل» بمعنى النزول التدريجي.

لو جمعنا بين هذه الآية وآية سورة البقرة (185) ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ لاستنتجنا أن ليلة القدر هي إحدى ليالي شهر رمضان، لكن أية ليلة هي؟ القرآن لا يبين لنا ذلك، لكن الروايات تتناول هذا الموضوع، لكنها تتردد بين واحدة من ثلاث ليال، كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنها الليلة الحادية والعشرون أو الثالثة والعشرون، فاطلبها بين ذلك. والمعروف عند أهل السُّنَّة أن ليلة القدر هي الليلة السابعة والعشرون.

 

 

1- ليلة القدر هي ليلة الشكر لله تعالى لأن أهم نعمة إلهية (القرآن) قد نزلت على البشر في هذه الليلة: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾.

2- يجب أن يكون الظرف والمظروف متناسبين، فأفضل كتاب في أفضل ليلة على أفضل بشر: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾.

 

 

الآيتان 2 - 3

 

 

﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) ﴾.

 

 

كلمة «قدر» استخدمت في القرآن بعدة معاني:

أ) المقام والمنزلة كما في قوله: ﴿ وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ [14].

ب) التقدير والمصير كقوله: ﴿ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى [15].

ج) الضيق والتقتير كقوله: ﴿ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [16].

والمعنيان الأول والثاني يناسبان معنى «ليلة القدر» لأن ليلة القدر هي ليلة منزلة وأيضاً ليلة تقدير وتعين المصير. إن عالم الوجود وجد على أساس من الحساب والكتاب والقدر: ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ [17].

فكل شيء قدره معلوم حتى نزول المطر من السماء: ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ [18] وليس المطر فقط بل كل شيء: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ [19] كذلك الشمس والقمر لجهة الحجم والوزن والحركة والمدار... ﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [20].

في ليلة القدر يعين الله تعالى مقدرات العباد لسنة كاملة، ويقدر فيها الأمور، ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [21]. من هنا فإن ليلة القدر لا تنحصر في ليلة نزول القرآن ولا بعصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). بل في كل شهر رمضان ليلة قدر يقدر الله تعالى فيها كل أمر لمدة سنة كاملة. من هنا فإن الرسول وأهل بيته الأطهار أكدوا على إحياء هذه الليلة بالدعاء وقراءة القرآن والصلاة، وأشاروا بالخصوص إلى إحياء الليلة الثالثة والعشرين، كما ورد أن رجلاً سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: «إن منزلي ناء عن المدينة، فمرني بليلة أدخل فيها فأمره بليلة ثلاث وعشرين» [22].

وقد وردت روايات كثيرة حول ليلة القدر منها: أن الإمام الصادق (عليه السلام) طلب أن يحمل إلى المسجد ليلة الثالث والعشرين وهو مريض، كذلك نقرأ أن الزهراء (عليها السلام) كانت تبقي الحسنَيْن (عليهما السلام) يقظين هذه الليلة بأن ترش على وجهيهما الماء حتى لا يناما. وقد ورد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجمع فراشه في العشر الأواخر من شهر رمضان للاحياء...

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: قال موسى: إلهي أريد قربك، قال: قربي لمن استيقظ ليلة القدر، قال: إلهي أريد رحمتك، قال: رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر، قال: إلهي أريد الجواز على الصراط، قال: ذلك لمن تصدق بصدقة ليلة القدر، قال: إلهي أريد من أشجار الجنة وثمارها، قال: ذلك لمن سبح تسبيحة في ليلة القدر، قال: إلهي أريد النجاة من النار، قال: ذلك لمن استغفر في ليلة القدر، قال: إلهي أريد رضاك، قال: رضائي لمن صلى ركعتين في ليلة القدر [23].

من الوقائع التاريخية العجيبة ضربة أشقى الأشقياء ابن ملجم لأمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة القدر وفي المحراب وهو يصلي، نعم أشرف الخلق بعد رسول الله، في أشرف مكان وأشرف زمان وفي أشرف حالة يسقط شهيداً.

 

 

1- الله تعالى عندما أراد إنزال التوراة على نبيّه موسى (عليه السلام) وأعده للمناجاة ليلاً ﴿ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [24].

2- القرآن يعد أنسب وقت للاستغفار هو وقت السحر: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [25].

3- عروج الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ليلاً: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [26].

4- الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مأمور بالعبادة والمناجاة ليلاً: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ [27].

5- المولى تعالى يمدح في كتابه القائمون المتعبدون بالليل: ﴿ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ [28] والتسبيح في الليل: ﴿ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [29].

6- لقد أقسم الله تعالى بالفجر والعصر مرة واحدة في القرآن، لكنه أقسم ثلاث مرات بالسحر: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [30]، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ [31]، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ [32].

إن ليلة القدر هي ليلة كاملة على مساحة الكرة الأرضية، أي إن مدتها (ليلة كاملة) وهي ليست خاصة بمكان معين كمكّة مثلاً، حيث أن مدة ليلها ثمانية ساعات فقط، كما أن المراد من يوم عيد الفطر، هو يوم كامل على طول الكرة الأرضية، والتي تشمل جميع نقاط ومناطق الأرض..

ولعل تقارن ليلة تقدير شؤون البشر مع ليلة نزول القدر وتزامنهما، يرمز إلى أن مصير البشر ومستقبلهم مرتبط بالقرآن الكريم، وهذا يعني أن الاقتداء بالقرآن نتيجته السعادة والفلاح، أما الإبتعاد عنه فيعني الشقاء والخسران.

يقول الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري؛ قال: قلت: يا رسول الله ليلة القدر شيء يكون على عهد الأنبياء ينزل عليهم فيها الأمر، فإذا مضوا رفعت؟ قال: «لا بل هي إلى يوم القيامة» [33].

ولعل سر هذه الليلة قد أخفي عن الناس من أجل أن يتعبدوا عدة ليالي وليس ليلة واحدة، ولا يغترّ أولئك الذين يظفرون بليلة القدر في حين يحرم الآخرون ممن لم يدركوها من الخير الكبير فيصيبهم اليأس.

جاء في الرواية: «العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر» [34].

 

 

1- يجب اختيار الوقت المقدس للأمور المقدسة: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾.

2- الأزمنة ليست واحدة وليست متساوية، فهناك أوقات مفضلة على أوقات أخرى وخير منها: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾.

 

 

الآية 4

 

﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) ﴾.

 

 

عن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)، فذكر شيئاً من أمر الامام إذا ولد، فقال: «استوجب زيادة الروح في ليلة القدر». فقلت له: جعلت فداك، أليس الروح جبرئيل؟ فقال: «جبرئيل من الملائكة، والروح (خلق) أعظم من الملائكة، أليس الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ [35].

إنّ نزول الملائكة على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام المعصوم في ليلة القدر، هو ما يجعل الارتباط بين الأرض والسماء والملك بالملكوت والطبيعة بما وراء الطبيعة.

للروح أنواع:

  • الروح التي هي منشأ الرغبات والشهوات.

  • الروح التي هي منشأ القدرة والحركات، وهذان الروحان مشتركان بين الإنسان والحيوان.

  • الروح التي هي منشأ الاختيار والتفكر، وهذه الروح مختصة بالانسان.

  • الروح التي هي عقل محض وهي التي تشكل جوهر وجود الملائكة.

  • الروح التي هي أفضل من الملائكة وفوقها، وهي الروح التي تنزل مع الملائكة ليلة القدر.

جاء في الروايات: يا معشر الشيعة خاصموا بسورة: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ لأن الملائكة تنزل في كل عام في ليلة القدر، فإذا كانت تنزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته، فعلى من تنزل بعد رحيله؟!

من الواضح أنه ليس أي إنسان يستطيع أن يكون مضيفاً للملائكة ولائقاً بنزولها! بل يجب أن يكون معصوماً كالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويكون لائقاً بولاية البشر، وهذا لا يليق إلا بالامام المعصوم، نعم، إن الملائكة في عصرنا الحاضر تنزل على قلب إمامنا المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

 

 

الملائكة [36] مأمورون من قبل المولى تعالى ليدبروا شؤون عالم الوجود، وقد ورد في القرآن الكريم أن لكل قسم من الملائكة تكليف وعمل خاص يقومون به وقد أطلق عليهم أسماء بحسب نوع العمل والمهمة التي أوكلت إليهم: (النازعات، الصافات، الزاجرات، الناشرات، الفارقات، المدبرات) [37].

  • بعض الملائكة موكولون بالمحافظة: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [38].

  • يعض الملائكة يكلمون أولياء الله تعالى:الملائكة الذين كلموا زكريا وبشروه بولده يحيى (عليه السلام): ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ [39]، والملائكة الذين كلموا مريم (عليها السلام): ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [40].

  • الملائكة الذين يمدون المؤمنين في الحرب، كما حصل في معركة بدر: ﴿ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ [41].

  • بعض الملائكة موكلون بقبض أرواح الناس: ﴿ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ [42].

  • ومجموعة أخرى من الملائكة موكلة بالعرش: ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ [43].

من امتيازات الملائكة أنهم في حالة عبادة وتسبيح دائم، فهم لا يتعبون من العبادة: ﴿ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ [44]. و ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [45].

من وظائف بعض الملائكة الدعاء والاستغفار للمؤمنين: ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ [46]، وكذلك بعضهم موكل بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [47].

والملائكة على درجات وليسوا في مستوى واحد ومقام واحد ﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ [48]، فكما أن المولى تعالى يختار الأنبياء ويجعل لبعضهم مقاماً أعلى من البعض الآخر كذلك بالنسبة إلى الملائكة: ﴿ اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ [49]، كذلك فإن قدرة الملائكة ليست متساوية: ﴿ أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [50]، وجميع الملائكة معصومون وأمناء: ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [51].

يجب أن نؤمن بجميع الملائكة: ﴿ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ [52] وقد ورد إنكار الملائكة إلى جانب إنكار المولى تعالى: ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ [53].

الملائكة هم جنود الله ولا يعلم عددهم سواه عزَّ وجلَّ: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [54] وما جاء من عدد لبعض الملائكة فله دليل آخر، كقوله تعالى: ﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [55] وليس بسبب قلة الملائكة.

الملائكة مطيعون لله تعالى ولا يعصون أوامره مطلقاً: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [56]. وهم لا يسبقونه بالقول بل ينفذون ما يأمرهم: ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [57].

الملائكة لا يفعلون إلا ما يؤمرون به وينجزون أعمالهم بناء على الطاعة والتقوى والعلم الإلهي: ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [58].

  • الملائكة وطبقاً لرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مخلوقون من النور: «إن الله عزَّ وجلَّ خلق الملائكة من النور» [59] ولم يخلق الله تعالى خلقاً أكثر من الملائكة: «ما من شيء مما خلق الله اكثر من الملائكة» [60].

  • يقول الامام الصادق (عليه السلام): «إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون» [61].

 

 

1- الملائكة لا يعملون من دون إذن المولى سبحانه: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [62].

2- تقدير الأمور في ليلة القدر، يتم بنزول وحضور الملائكة: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ... مِّن كُلِّ أَمْرٍ [63].

3- تقدير الأمور في ليلة القدر، بإذن من الرب وهو عمل الربوبية الإلهية ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴾.

 

 

الآية 5

 

﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) [64].

 

 

«السلام» من أسماء الله تعالى في القرآن: ﴿ هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ [65] والسلام في هذه الآية يراد منه اللطف والعناية الإلهية الخاصة بعباده في ليلة القدر، بحيث تفتح فيها أبواب السلامة والرحمة والبركة وتغلق أبواب العذاب، لأن وسوسات الشياطين في هذه الليلة لا تؤثر فهي مغلولة [66].

في ليلة القدر تنزل الملائكة فتسلم على كل شخص يكون في حالة العبادة [67].

كما هو الوارد أيضاً في سلام الملائكة على المؤمنين الذين يدخلون الجنة: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [68].

 

 

1- ليلة القدر ليلة سلامة وفكر الانسان المؤمن وروحه وسموه نحو الله السلام: ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾.

2- ليلة القدر ليلة الرحمة، بحيث يمكن للانسان أن يحظى بالألطاف الإلهية وذلك بالتوبة إليه: ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾.

3- إن تقدير الأمور من قبل المولى تعالى بناء لسعادة البشر: ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾.

وهل يريد الإنسان سوى السعادة في الدنيا والآخرة ؟!

والحمد لله رب العالمين


[1] تفسير نور الثقلين، ج5، ص 680.

[2] تفسير فخر الرازي، ج32، ص 124.

[3] سورة النحل، آية 59.

[4] سورة طه، آية 114.

[5] سورة القلم، آية 4.

[6] سورة طه، آية 2.

[7] سورة التوبة، آية 33.

[8] سورة الضحى، آية 5.

[9] سورة التوبة، آية 55.

[10] سورة الأنعام، آية 68.

[11] سورة البقرة، آية 13.

[12] وسائل الشيعة، ج 6، ص 79.

[13] تفسير نور الثقلين، ج5، ص 614.

[14] سورة الانعام، آية 91.

[15] سورة طه، آية 40.

[16] سورة الطلاق، آية 7.

[17] سورة الحجر، آية 21.

[18] سورة المؤمنون، آية 8.

[19] سورة الرعد، آية 8.

[20] سورة الرحمن، آية 5.

[21] سورة الدخان، آية 4.

[22] وسائل الشيعة، ج 3، ص 307.

[23] وسائل الشيعة، ج 8، ص 20.

[24] سورة البقرة، آية 51.

[25] سورة الذاريات، آية 18.

[26] سورة الإسراء، آية 1.

[27] سورة الإسراء، آية 79.

[28] سورة المزمل، آية 2.

[29] سورة الإنسان، آية 6.

[30] سورة التكوير، آية 17.

[31] سورة المدثر، آية 33.

[32] سورة الفجر، آية 4.

[33] تفسير البرهان، ج5، ص 714.

[34] من لا يحضره الفقيه، ج2، ص 158.

[35] تفسير البرهان، ج5، ص 701.

[36] ورد حديث حول الملائكة في خطب أمير المؤمنين: راجع نهج البلاغة، خطبة (1 و 91).

[37] راجع: سور: النازعات، الصافات، المرسلات.

[38] سورة الانفطار، آية 10.

[39] سورة آل عمران، آية 39.

[40] سورة آل عمران، آية 42.

[41] سورة آل عمران، آية 124.

[42] سورة السجدة، آية 11.

[43] سورة الحاقة، آية 17.

[44] سورة السجدة، آية 15.

[45] سورة الأنبياء، آية 20.

[46] سورة الشورى، آية 5.

[47] سورة الأحزاب، آية 56.

[48] سورة الصافات، آية 164.

[49] سورة الحج، آية 75.

[50] سورة فاطر، آية 2.

[51] سورة التكوير، آية 21.

[52] سورة البقرة، آية 285.

[53] سورة النساء، آية 136.

[54] سورة المدثر، آية 31.

[55] سورة المدثر، آية 30.

[56] سورة التحريم، آية 6.

[57] سورة الأنبياء، آية 27.

[58] سورة النحل، آية 50.

[59] الاختصاص، ص 109.

[60] تفسير القمي، ج2، ص 260.

[61] بحار الأنوار، ج56، ص 174.

[62] سورة القدر، آية 4.

[63] تفسير الميزان، تفسير السورة.

[64] سورة القدر، آية 5.

[65] سورة الحشر، آية 23.

[66] تفسير الميزان، تفسير السورة.

[67] تفسير مجمع البيان، تفسير السورة.

[68] سورة الزمر، آية 73.