التحريف موضوع مهم، تناوله بعض الباحثين
بصورة مستقلة عن بحث علوم القرآن، وقد برزت في هذا المضمار كتابات عديدة غير أن
روايات التحريف تجدها في كتب القوم أكثر من غيرهم فالمتتّبع لكتبهم يجد الآلاف منها
ويجمعها عنصر ما من عناصر التحريف والتي يمكن أن نجملها بما يلي:
أولاً: التحريف اللفظي
وهذا يشمل
1
- الزيادة وهذا فيه:
زيادة الكلمة، زيادة الآية، زيادة السورة.
2 - النقيصة وهذا فيه:
نقص الحرف، نقص الكلمة، نقص الآية، نقص
السورة.
3 - التبديل والتغيير وهذا يشمل:
تبديل حرف بحرف، وتبديل كلمة بكلمة،
وتبديل حركة بحركة.
4 - النسخ وهذا يشمل فقط:
نسخ الحكم والتلاوة، ونسخ التلاوة دون
الحكم.
ثانياً: التحريف
المعنوي
وهو يشمل كل من فسّر القرآن بغير حقيقته
وحمله على غير معناه فقد حرّفه. وهذا ينطبق على الكثير من أهل البدع وأصحاب
المقولات الفاسدة، إذ حرّفوا القرآن بتأويلهم وفق عقائده الباطلة وآرائهم وأهوائهم.
التحريف في اللغة
والاصطلاح
التحريف لغة
ا - هو التغيير والتبديل.
2 - نقل الشيء عن موضه وتحويله إلى غيره.
3 - قال الراغب الأصبهاني: وتحريف الكلام
أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين قال عزّ وجلّ:
يحرّفون الكلم من موا ضعه [1]
وقال عزّ وجلّ:
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرّفونه من بعد ما
عقلوه وهم يعلمون [2].
التحريف اصطلاحاً
هو التصُّرف في النص المنّزل على النبي
سواء كان هذا التصصُّف إدخال زيادة أم إسقاط جزء منه ولو كان جزء كلمة، كالحرف
الواحد. أو التغيير والتبديل بالحركات أو الحروف.
الشيعة الإمامية تنكر التحريف بكل أقسامه؟
من زيادة أو نقيصة أو تغيير في آياته أو تبديل، وقد أجمع علماء الإمامية؛ مفسّريهم
وأهل الأصول، وفقهاؤهم على عدم التحريف، وقد شذّ من أهل الحديث بعض قدمائهم وهؤلاء
تابعوا في مقولتهم علماء السنّة والحشوية منهم.
وإليك التفصيل فيما يرويه أهل السنّة
من موارد التحريف نقص حرف من الكلمة، وهذا
يظهر في القراء ات السبعة لما فيها من زيادة أو نقيصة عند الأداء.
ذكر أبو بكر السجستاني موارد كثيرة في هذا
الباب ونحن نذكر بعضها حتى يقف القارىء على هذا التحريف في الرسم وهو إسقاط حرف..
قال وذكر بعض أصحابنا عن محمد بن عيسى
الأصفهاني قال هذا ما اجتمع عليه كتّاب المصاحف المدنيّة والكوفيّة والبصرية وما
يكتب بالشام وما يكتب بمدينة السلام ولم يختلف في كتابه شيء من مصاحفهم.
قال محمد أخبرني بهذا الباب نصير بن يوسف
النحوي قرأت عليه من فاتحة الكتاب كتبوا:
ا - "بسم" الله الرحمن الرحيم بغير ألف.
1-
"مَلِكِ يومِ الدين" بغير ألف (الفاتحة)
[1]
3 - "فباؤ بغضبٍ" بغير ألف (البقرة/90).
4 - "أولياؤهم
الطّغوت" بغير ألف (البقرة(257).
5 - "وما آتيتم من ربا" بدون واو (الروم
/ 39).
6 - "يُخدعون الله" بغير ألف (البقرة /
9).
7 - "فادرءْتُم" بغير ألف (البقرة/72).
8 - "قتلوهم" بغير ألف (البقرة/ 184).
9 - "ومن
اتّبعنِ" بغير ياء (آل عمران/20).
10 -
"والأُميين" بياء واحدة (آل عمران 21).
11 - "والنبيّن" بياء واحدة (آل عمران 31).
12 -
"والزانِ"، بلاواحدة (النساء/16).
13 - "إلى
الحواريِّن" بياء واحدة (المائدة/ 111).
14 -
"إنّ الذين فرّقوا دينهم" بغير ألف (الأنعام / 159).
15 - "فَنُجيَّ
من نساء" بنون واحدة (يوسف/110).
16 - "جزءٌ
مقسوم" بغير واو (الحجر/ 44).
17 - "ثلث"
بدون ألف وفي جميع القرآن.
18 - "حَرمٌ
على قرية" بغير ألف (الأنبياء95).
19 - "وكذلك نُجي المؤمنين" بنون واحدة
(الأنبياء 88).
20 - "الذين هم في صلاتهم خاشعون"، بدون
واو (المؤمنون / 2) وفي الآية - 9 - من نفس السورة قد
ثبّتت.
21 - "وعَتَو عُتوّاً كبيراً" بغير ألف
في الأولى (الفرقان / 21).
22 - "عَلم الغيب"، بغير ألف (سبأ/ 3).
23 - "وأنَ اعبدونِ" بغير ياء (يس / 61).
24 - "لئَيكةِ" بغير ألف (ص / 13).
25 - "ويعف عن كثير" بغير واو (عسق / 34).
26 - "ويمحُ الله الباطلَ"، بغير وار (عسق
/ 24).
27 - "أيُّهَ الساحر" بدون ألف (الزخرف /
49).
28 - "وجعلوا
الملائكة الذين هم عِبد الرحمن" بدون ألف (الزخرف/19).
29 - "فما
تُغنِ النذر" بدون ياء (القمر/ 5).
30 - "أيّه
الثقلان" بدون ألف (الرحمن / 31).
31 - "والذين تَبَوَّءُو" بواوين بغير ألف
(الحشر/ 9)
32 - "لفي علّينّ وما أدراك ما عليّون"
بياء واحدة (المطففين /18 و 19).
33 - "اِلفهِمِ" بغير ياء وألف (لأيلاف
قريش 2).
من موارد التحريف زيادة حرف، وهذا كسابقه
يظهر في القراءات السبعة - غالباً - لما فيها من زيادة أو نقيصه عند الأداء.
1
- "إنِ امرؤا هلك" بزيادة ألف (النساء/ 176).
2 -
"من تِلقاءي نفسي" بزيادة ياء (يونس / 15).
3 -
"لا تايئَسُوا من رَوحِ الله إنه لا يايئسْ من روح
الله" بزيادة الألف في الموضعين (يوسف / 87).
4 - "أفلم يايئس الذين آمنوا" بزيادة
الألف (الرعد)/ 31).
5 - "والذين هم
على صلواتِهِم" بإثبات الواو (المؤمنون / 9) أما في الاية
الثانية من نفس السورة - المؤمنون - فقد
حذفت.
6 - "قال الملؤا" بالواو والألف
(المؤمنون / 24).
7 - "قل يا أيّها الملؤا" بالواو والألف
(النمل / 9 2) و 36.
8 - "إن هذا لهُوَ البلَؤُ المبين"
بزيادة الواو (الصافات / 106).
9 - "فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن
كثيرٍ"بزيادة الواو والألف(عسق/30).
10 - "أومِن وراءِي حجابٍ" بزيادة الياء (عسق /
51).
11 -
"ما فيه بَلَؤُا" بزيادة الواو والألف (الدخان / 33).
12 - "والسماءَ
بنيناها بأييدٍ" بزيادة ياء (الذاريات / 47).
13 - "والذين
تَبَوَّءُو" بواوين بدون ألف (الحشر/ 9).
14 - "بأيّيكم
المفتون" بيائين (ن / 6).
15 - "قراريرا"
و"سلاسلا" بالألف (هل أتى / 15 و 4).
16 - "فأريه
الآية الكبرى" زيادة الياء (النازعات / 20).
17 - "يطهُرن"
قرأت بتشديد الطاء والهاء "يطهّرن" البقرة/ 22" فالأولى قراءة نافع وأبي عمرو وابن
كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه. والثانية قراءة حمزة الكسائي وعاصم. تفسير
القرطبي 3/ 88.
18 - "قلوبنا
غلف" قرأ ابن عباس بتشديد اللام من "غلف " مجمع الزواند 7/ 154.
19 - "ولكن
الشياطين" بتشديد "لكن" ونصب "الشياطين".
20 - "تلقونه" بفتح اللام مع تشديد
القاف وقراءة أخرى بسكون اللام وتخفيف القاف مع فتجها.
راجع فيما ذكرناه كل من البرهان للزركشي
ا/334 النشر ني القراء ات العشر 1 / 26، الاتقان للسيرطي 1 / 46، مناهل (لعرفان ا
/148).
أقول: التحريف
بهذا المعنى - قطعاً - حاصل في القرآن، وهو مسلك علماء ومصنّفي السنّة، وعذرهم في
ذلك أنها من القراءات.
وسوف تعلم أن القراءات غير متواترة، وأن
القرآن المنزل إنّما هو مطابق لإحدى القراءات، وعداها زيادة في القرآن أو نقيصه
فيه.
ويمكن الاستدلال بذلك ما جاء في كتاب
المصاحف لابن أبي داود وابن آشتة، ثم إحراق عثمان المصاحف التي كانت عند بعض
الصحابة وما كان في الأمصار لخير دليل على أنه في تلك المصاحف من الزيادة أو
النقيصة ما هو واضح للجميع.
أما الزيادة: قرأ ابن شنبوذ وهو محمد بن
أحمد قوله تعالى: تبّت يدا أبي لهب وتب بإضافة
كلمة قد قبل تب - (تبّت يدا أبي لهب وقد تب) وزاد ابن شنبوذ كلمة صالحة في قوله
(وكان إمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصْباً).
وقرأ أيضاً (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض
وفساد عريض) بزيادة عريض. وقرأ أيضاً (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر
والأنثى) بزيادة (والذكر والأنثى). وفي مصحف عبد الله بن مسعود أن عبد قرأ: "إن
الله لا يظلم مثقال نملة" 4/ 40 المصاحف ص 54. وكان يقرأ: (واركعي واسجدي في
الساجدين) 3/ 43. وعن ميمون بن مهران قالى في قراءة عبد الله بن مسعود: (والعصر
إن الإنسان لفي خسر وإنّه فيه إلى آخر الدهر. إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات
وتواصوا بالصبر، المصاحف ص 54.
عن يوسف بن موسى قال سمعت جريراً يقول
سألت منصوراً عن قوله تعالى ولكلِّ وجهة هو مولّيها" فقال نحن نقرأ ولكلٍ جعلنا
قبلة يرضونها" البقرة/ 148 انظر المصاحف ص 55.
والتحريف في هذا القسم واقع في صدر
الإسلام أو في زمن الصحابة أمّا من عثمان أو من كتّاب المصاحف، ولا يخفى عليك أن
المصاحف التي كانت بحوزة ابن مسعود، وأُبي، وأبي موسى الأشعري، وابن عباس كلّها
لا تنتظم في سلك واحد ونظام واحد بل أن التفاوت فيها ملحوظ.
عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال أمرتني
عانشة أن أكتب لها مصحفاً ثم قالت إذا بلغت هذه الآية "حافظوا على الصلوات والصلوة
الوسطى" فأذني فلمّا بلغتها آذنتها فأملت عليّ "حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى
وصلوة العصر وقوموا لله قانتين".
ثم قالت سمعتها من رسول الله.
ذكر هذه الرواية مع سبع روايات أخرى - عن
عائشة - أبو بكر السجستاني في كتابه المصاحف ص 84 ثم ذكر أبو بكر روايات أخرى بهذا
المضمون عن حفصة وأم سلمة انظر المصاحف ص 83 – 88.
من ذلك حذف البسملة في القراءة من كل
سورة، وقد أجمع الأوائل أن النبي كان يقرأها قبل كل سورة عدا التوبة، وأكثر
من ذلك أن المالكية ذهبت إلى كراهة الإتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة
المفروضة. انظر الكشاف 1/ 1 وأحكام القرآن 1/ 93 - 96.
أما الشيعة فقد اجتمعت أقوال علمائهم على جزئية البسملة من كل سورة غير التوبة.
أخرج الطبراني بسند موثّق عن عمر بن الخطاب مرفوعاً قال. القرآن ألف ألف وسبعة
وعشرون ألف حرف. الاتقان 1/ 70، البرهان للزركشي 1/
249، وكنز العمال 1/ 460 و 481 والقرآن الذي بأيدينا هو
ثلث ما ذكروه سابقاً. وفي صحيح البخاري نقل. أن ابن مسعود كان يرى أن المعوذتين
ليستا من القرآن وكان يحكهما من المصحف. صحيح البخاري 3/ 144، ومسند أحمد 5/ 129، وتفسير الفخر الرازي 1/ 213، وفتح الباري 8/ 570،
والاتقان 1/ 65 و 79 ومناهل العرفان
1 / 268 والفهرست لابن النديم 29.
ولا أظن أحداً كابن مسعود ينكر المعوذتين
أو ينفيهما من القرآن أصلاً بل ربّما لم يكتبهما لعذرٍ ما كما رووا عنه أنّه لم
يكتب الفاتحة في مصحفه. فعدم كتابة هذه السور الثلاثة - إن صح في النقل - فهو
لطارىء قد شغله وإلاّ فقد أنكر ابن حزم نسبة ذلك إليه، بل استدل على أنّ ابن
مسعود قائل بقرآنية هذه السور من قراءة عاصم عليه. انظر المحتف 1/13. قال
السجستاني. حدّثنا أبو الربيع قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال
بلغنا أنه كان أنزل قرآن كثير فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا وعوه فلم يعلم
بعدهم ولم يكتب.. المصاحف ص 23. أقول لو سلّمنا بهذه الروايات - وما أكثرها -
والتي هي مبثوثة في مصادر القوم، فلا مناص من القول بتحريف القرآن. إلاّ أننا لا
نقول بمقولة إخواننا السنّة ونختلف معهم، وأن البون بيننا وبينهم شاسع جداً.
[1]
سورة النساء, الآية 46. أنظر المفردات للراغب الأصبهاني 114.
[2]
سورة البقرة, الآية 75.
[1]
وفي قراءة شاذه مَلَكَ يِومَ
تردين بصيفة الفعل الماضي ونصب يوم.