مفاهيم قرآنيّة
جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد
بيروت - لبنان
الطّبعة
الأولى، صفر 1432هـ // 2012م |
|
بسم
الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف خلق الله
محمّد
وعلى آله الطّاهرين وأصحابه المنتجبين.
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ
وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي
الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
(1) .
فكّرت في آية تكون مقدّمة لهذه البحوث فوقع اختياري على هذه الآية
الّتي تتضمّن كلّ أسس العقيدة وهي الإيمان بالمبدأ والمعاد،
والملائكة المأمورين من قبل الله، والمنهج الإلهيّ، والنّبيّين الدّعاة
إلى هذا المنهج. والإيمان بهذه الأمور يعطي الإنسان الدّافع للحركة
على طريق بناء النّفس وممارسة الأعمال الصّالحة. وأشارت إلى الإنفاق
والصّلاة والزّكاة من بين المنهج العمليّ، وهي أساس ارتباط المخلوق
بالخالق، والمخلوق بالمخلوق. وفي الحقل الأخلاقيّ ركّزت الآية على
الوفاء بالعهد والصّبر والاستقامة والثّبات، واعلم أنّ أبرز مصاديق
هذه الآية بعد الأنبياء المعصومين (عليهم السّلام) أهل بيت العصمة
(عليهم السّلام) وعلى رأسهم
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام).
لا
أريد الإطالة فقط أريد أن أشير إلى أنّ هذا الكتاب يتحدّث عن أصول
الدّين في القرآن الكريم وهي على الشّكل التّالي:
1 -
التّوحيد في القرآن الكريم.
2 -
العدل في القرآن الكريم.
3 -
النّبوّة في القرآن الكريم.
4 -
أهل البيت (عليهم السّلام) في القرآن الكريم أيْ الإمامة.
5
- المعاد في القرآن الكريم.
بالإضافة إلى هذه العناوين هناك موضوعات أخرى في هذا الكتاب
الكتاب جعلناها تحت عنوان « مفاهيم قرآنيّة »، يقول الإمام الخامنئيّ (دام
ظلّه): « إنّ العودة إلى مفاهيم القرآن اليوم هو أمر ضروريّ ».
نسأل الله سبحانه أن يوفّق القارىء والمستمع ويوفّقني للاعتقاد
الجازم والعمل الصّالح والاقتداء بأهل بيت العصمة (عليهم السّلام) وفّقنا يا ربّ
العالمين.
جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾
(2)
.
لقد بُعث نبيّ الرّحمة
محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنّبوّة والرّسالة من قبل الله سبحانه
فكانت أوّل خطوة، وأهمّ عملٍ قام به، هو مكافحته للشّرك والوثنيّة، لقد
قال للنّاس في بداية دعوته ليرسم لهم طريق السّعادة: « قولوا لا إله
إلا الله تفلحوا ».
يعني آمنوا بالله تعالى وحده ولا تعبدوا أحدًا سواه لتنالوا الفلاح
وقد عنى بذلك: أن اتركوا الأصنام العمياء والصّمّاء وهذه الآلهة
المصطنعة المزعومة وانبذوها، وأطيعوا خالق الكون واعبدوه دون
سواه. أخرجوا من ولاية الظَّلَمة الجبّارين، واقبلوا بولاية رسول
الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقيادته حتّى تتحرّروا وتسعدوا وتصيروا سادة أعزّاء، كان
النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لهم: أيّها النّاس إنّ خالق هذا العالم ومدبّره هو الله
سبحانه دون سواه. إنّه أقام في العالم القوانين والسّنن وهو الّذي
يدير الكون ويدبّره. فبتدبيره وتنظيمه وإرادته يأتي
الّليل والنّهار
ثمّ يذهبان وينزل الماء والثّلج من السّماء إلى الأرض، وتثمر الأشجار
والنّباتات، وتتفتّح الأزاهير والورود وتحصل الحيوانات والبشر على
أقواتها. وسنبيِّن آيات تدلّ على وجود الخالق المدبّر الحكيم.
هو
الإيمان بالله وحده لا شريك له، والله الواحد الأحد: ذو الوحدانيّة
والتّوحّد، والأحد: من صفات الله تعالى، معناه أنّه لا ثاني له، ويجوز
أن يُنعَت الشّيء بأنّه واحد، فأمّا أحد فلا يُنعَت به غير الله تعالى
لِخلوص هذا الاسم الشّريف له جلّ ثناؤه: وتقول:
أحّدتُّ الله تعالى
ووحّدتّه وهو الواحد الأحد، علّة العلل وموجِد الممكنات المحسوسة
وغيرها.
اعلم
أنّ في الآفاق والأنفس وما خلق الله عزّ وجلّ من شيء لآيات
مبيّنات، ودلائل واضحات على وجوده سبحانه ووحدانيّته وإلهيّته وسائر
صفاته من وجوه مختلفة وطرق شتّى وأشير إلى بعض هذه الآيات القرآنيّة
المجيدة للتّنبيه والإرشاد إلى ذلك. قال الله عزّ وجلّ حكاية عن
الرّسل صلوات الله عليهم ﴿
أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
﴾
(3) .
القرآن الكريم هنا - كما في أغلب الموارد الأخرى - يستند لإثبات
وجود الخالق وصفاته إلى نظام الوجود وخلق السّماوات والأرض ونحن
نعلم أنّه ليس هناك أوضح من هذا الدّليل لمعرفة الله، لأنّ هذا
النّظام العجيب مليء بالأسرار في كلّ زواياه وينادي بلسان حاله:
ليس هناك من له القدرة على هذه الهندسة إلا القادر الحكيم والعالم المطلق،
ولهذا السّبب فكلّما تقدّمت العلوم ظهرت أسرار تدلّ على الخالق أكثر من
السّابق وتقرّبنا من الله كلّ لحظة.
وقال سبحانه: ﴿
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن
مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا
مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ
الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ ﴾
(4) .
هذه
الآية تقدّم الدّليل على وجود الله تعالى ووحدانيّته.
إعلم
أنّه حيثما كان « النّظم والانسجام » فهو دليل على وجود العلم
والمعرفة، وأينما كان « التّنسيق » فهو دليل على الوحدة، من هنا،
حينما نشاهد ظاهر النّظم والانسجام في الكون من جهة والتّنسيق
ووحدة العمل فيه من جهة أخرى، نفهم وجود مبدأ واحد للعالَم والقدرة
صدرت منه، بل كلّ هذه المظاهر، وحينما نمعن النّظر في الأغشية
السّتّة لِلعَيْن الباصرة ونرى جهازها البديع نفهم أنّ الطّبيعة
العمياء الصّمّاء لا يمكن إطلاقًا أن تكون
مبدأ مثل هذا الأثر البديع، ثمّ حينما ندقّق في
التّعاون والتّنسيق بين هذه الأغشية والتّنسيق بين العَيْن بكلّ أجزائها
وبين جسم الإنسان والتّنسيق الفطريّ الموجود بين الإنسان وبين سائر
البشر والتّنسيق بين بني البشر وبين كلّ مجموعة نظام الكون، نعلم بأنّ
كلّ ذلك صادر من مبدأ واحد، وكلّ ذلك من آثار قدرة ذات مقدّسة
واحدة.
-
ما أكثر العبر وأقلّ الاعتبار: الله سبحانه احتجّ على المشركين
بعجائب الصّنع ولطائف التّدبير وهو يدلّ على وحدانيّته وعظمة قدرته
وصفاته. قال عزّ وجلّ: ﴿
إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ
ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
(95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ
اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ
تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
(96)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ
لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ
فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
(97) وَهُوَ الَّذِي
أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ
قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)
وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا
مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ
النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ
أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ
مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ
إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
﴾
(5) .
لقد
خصّ الله سبحانه بالحجّة والعبرة الّذين يعلمون ويفقهون ويؤمنون
لأنّهم المنتفعون بها كما قال ﴿
هُدًى
لِّلْمُتَّقِينَ ﴾
وكرّر قوله
﴿ قَدْ
فَصَّلْنَا
الْآيَاتِ ﴾
حثًّا على النّظر وتنبيهًا على أنّ كلاًّ ممّا ذكر آية ودلالة
تدلّ على توحيده وصفاته عزّ وجلّ.
فالله عزّ وجلّ: ﴿
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً
وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ
يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
﴾
(6) .
فليست السّماء والأرض بذاتهما من آيات الله تعالى وحسب بل إنّ كلّ
واحدة من الموجودات الّتي توجد فيهما تعتبر آية بحدّ ذاتها.
ومن
آيات التّوحيد الّتي تشير إلى خالق الكون أي الأرض والجبال والأنهار
وأنواع الثّمار وشروق الشّمس وغروبها قوله تعالى: ﴿
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ
وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ
مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ
صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ
بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
(7) .
أليست هذه الأسرار تدلّ على وجود من يقود هذا النّظام بالعلم
والحكمة. فالبحار والأنهار واللّيل والنّهار والفلك وكلّ واحدة هي في
خدمة الإنسان ومصالحه والدّقة في هذا التّسخير والنّظام دليل واضح على
عظمة وقدرة وحكمة الخالق المتعال.
يعود القرآن الكريم مرّة أخرى بعرض جملة أخرى من النّعم الإلهيّة كدرسٍ
في التّوحيد ومعرفة الله فيقول جلّ جلاله: ﴿
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم
مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً
سَائِغاً لِّلشَّارِبِينَ (66) وَمِن
ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً
وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
(67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ
أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ
وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي
مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً
يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ
شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ ﴾
(8) .
وهنا أيضًا يستعرض القرآن الكريم النّعم والعطايا الإلهيّة الكثيرة
تأكيدًا لمسألة التّوحيد ومعرفة الله تعالى وإشارة إلى مسألة المعاد
وتحريكًا لِحِسِّ الشّكر لدى العباد وليتقرّبوا إليه سبحانه أكثر، هذا
التّعبير في نسبة الأسباب والعلل إلى الله عزّ وجلّ كثيرة في القرآن
الكريم.
وقال جلّ ثناؤه: ﴿
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا
أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (22)
وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ
خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي
بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ
السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً
مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ
﴾
(9).
وقال عزّ وجلّ: ﴿
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً (6) وَالْجِبَالَ
أَوْتَاداً (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً (8) وَجَعَلْنَا
نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (10)
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ
سَبْعاً شِدَاداً (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً (13)
وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً (14)
لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً
﴾
(10) .
إلى
غير ذلك من العبر لأولي الألباب وهي أكثر من أن تحصى، ولا يخفى على
من له أدنى تفكير إذا تأمّل في مضمون هذه الآيات، ونظر في عجائب
خلق الله تعالى في الأرض والسّماوات علم أنّ هذا الأمر العجيب
والتّرتيب المحكم والمنظّم لا يستغني عن صانع مدبّر وحكيم.
وقد
سُئِل أعرابيّ: بِمَ عرفت ربّك؟ فقال: البعرة تدلّ على البعير وأثر الأقدام
تدلّ على المسير، أفَسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، أما تدلان على
الّلطيف الخبير؟
إنّ
التّصديق بوجوده تعالى أمر فطريّ ولذا ترى النّاس عند الوقوع في
الأهوال وصعاب الأحوال يتوكّلون بحسب الجِبِلّة على الله سبحانه
ويتوجّهون توجّهًا غريزيًّا إلى مسبّب الأسباب ومسهّل الأمور الصّعاب،
وإن لم يتفطّنوا ذلك ويشهد لهذا قول الله عزّ وجلّ: ﴿
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾
(11) .
وقال سبحانه: ﴿ قُلْ
أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ
السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
(40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ
إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
﴾
(12) .
وقد
سُئِل أحد الأولياء عن الله سبحانه، فقال للسّائل: يا عبد الله هل
ركبت سفينة قطّ؟ قال: بلى، قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا
سباحة تغنيك؟ قال: بلى، قال: فهل تعلّق قلبك هناك أنّ شيئًا من
الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال: بلى، قال: فذلك الشّيء هو
الله القادر على الإنجاء حين لا منجي وعلى الإغاثة حين لا مغيث.
وفي
الحديث المشهور « كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبوَاه يهوّدانه
وينصّرانه ويمجّسانه »
(13) .
إنّ الله
سبحانه واحد لا شريك ولا نظير له إذ لو كان﴿
مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ
وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا
يَصِفُونَ ﴾ كما قال
الله عزّ وجلّ في سورة المؤمنون آية 91: ﴿
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ
إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾.
يعني لو تعدّد لتميّز صنع بعضهم عن بعض فيستبدّ كلّ بملكه ولَوَقَع بينهما
التّحارب والتّغالب كما هو حال ملوك الدّنيا وكما قال سبحانه: ﴿
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾
(14) .
روى
أحد العلماء حكاية بعض الموحّدين وواحدًا من الملاحدة في مجلس حسن
بن سهل الوزير، قال: دخل عالم إلى مجلس الحسن بن سهل وإلى جانبه ملحد
قد أعظم النّاس حوله، فقال له: لقد رأيت عجبًا، قال: وما هو؟ قال: رأيت
سفينة تنقل النّاس من جانب إلى جانب بغير ملاح ولا ناصر، قال: فقال
له الملحد: إنّ هذا أصلحك الله لمجنون، قال: كيف؟ قال: لأنّه يذكر
سفينة من خشب جماد لا حيلة ولا قوّة ولا حياة فيه ولا عقل، إنّه يعبر
النّاس ويفعل فعل الإنسان، كيف يصحّ هذا؟ فقال له العالم: فأيّهما أعجب
هذا أو هذا الماء الّذي على وجه الأرض يُمنة ويُسرة بلا روح ولا حيلة
ولا قوّة، وهذا النّبات الّذي يخرج من الأرض والمطر الّذي ينزل من
السّماء؟ كيف يصحّ ما تزعمه من أن لا مدبّر له كلّه؟ وأنت تنكر أن تكون
سفينة تتحرّك بلا مدبّر، وتعبر النّاس بلا ملاح؟ قال: فبهت الملحد.
أيضًا قصّة إبراهيم الخليل الّتي تحكيها آيات قرآنيّة:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ
وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي
إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ
مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى
كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ
الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا
رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي
لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى
الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا
أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
(78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
(15) .
نسأل الله عزّ وجلّ أن يعيننا على توحيده وتنزيهه وطاعته، إنّه سميع
مجيب.
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن
كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
(16) .
اعلم أنّه
يجب على كلّ مسلم أن يعتقد اعتقادًا جازمًا بأنّ الله عادل ويطمئنّ
إلى عدله، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يظلم أحدًا، وقد أعطى كلّ مخلوق ما
يحتاجه، وعندما نقول إنّ خالق هذا الكون عادل، فإنّ كلامنا يعني
أنّ الله تعالى أقام في هذا الكون قوانين وسننًا، ومنح لكلّ ظاهرة
قابليّة خاصّة - كالإحراق بالنّسبة للنّار - فإذا تعاملنا مع هذه
القوانين، ومع خصوصيّات عالم الخلق بصورة صحيحة استمتعنا بفيضه
تعالى ورحمته، ووصلنا - في ظلّ عدله وفضله - إلى النّتيجة المنشودة،
وإذا لم نكترث لقوانين عالم الخلق الّتي هي مظاهر لإرادة الله
تعالى، ظلمنا في الحقيقة أنفسنا، وسنرى نتيجة عدم اكتراثنا حتمًا
ويقينًا أنّ عدل الله سبحانه في عالم الآخرة يعني أيضًا أنّ الله
بصَّرَ النّاس عن طريق رسله بالخير والشّر وعرّفهم بهما وعيّن لقاء
الأعمال الحسنة الثّواب المناسب ولقاء الأعمال السّيّئة العقوبة
المناسبة، وإنّ الله لا يظلم أحدًا
في الآخرة، بل يعطي للجميع الثّواب أو العقاب المناسب، فإذا كانوا
قد سلكوا طريق الحقّ والإحسان، وعبادة الله سبحانه، حظوا بالنّعم
الإلهيّة وإذا كانوا قد سلكوا طريق الباطل والماديّة، وظلموا أنفسهم
- كما عبّرت الآية وآيات كثيرة على نفس السّياق - أصابهم في عالم
الآخرة عذاب شديد ورأوا نتيجة أعمالهم السّيّئة ...
إذًا الآيات القرآنيّة الصّريحة الّتي لا تقبل التّأويل تثبت العدل
الإلهيّ وتنفي كلّ لون من ألوان الظّلم عن حريم الله المقدّس، فمن خلال
مصادر الشّريعة يمكن أن ندرك ونتوصّل إلى ضوابط للأفعال، وخاصّة
الأفعال الإلهيّة، ويحكم على أساسها بلزوم القيام بهذا الفعل وترك
الفعل الآخر، فمثلاً يحكم - على ضوء القرآن - أنّ الله تعالى يدخل
المؤمنين الجنّة والكفّار النّار فمن خلال الوحي الإلهيّ ندرك هذا
الأمر. وسنشير إلى طائفة من الآيات القرآنيّة الّتي تنفي الظّلم عن
الله سبحانه وتثبت الحكمة والعدل له تعالى ولكن بعد بيان مفهوم
العدل الإلهيّ.
العدل في اللّغة بمعنى السّويّة والتّسوية، وفي العرف العامّ استعمل
بمعنى رعاية حقوق الآخرين « إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه » ولكن أحيانًا هكذا
يُعرّف « وضع الشّيء في موضعه » وعلى وفق هذا التّعريف، يكون العدل
مرادفًا للحكمة، والفعل العادل مساويًا للفعل الحكيم، إذًا فيمكن
أن يُتَصَوّر للعدل مفهومان، خاصّ وعامّ.
أحدهما: رعاية حقوق الآخرين.
والثّاني: إصدار الفعل على وجه الحكمة، بحيث تعتبر رعاية حقوق
الآخرين من مصاديقه.
وعلى ضوء ذلك، فلا يلازم العدل القول بالتّسوية بين البشر جميعًا
وبين الأشياء كلّها، وكذلك، فإنّ مقتضى الحكمة والعدل الإلهيّ لا يعني
خلق المخلوقات بصورة متساوية، فيخلق - مثلاً - للإنسان القرون، أو
الأجنحة أو غيرها بل إنّ مقتضى حكمة الخالق وعدله أن يخلق العالم
بصورة تترتّب عليها أكثر ما يمكن تحقّقه من الخير والكمال. وكذلك
مقتضى الحكمة والعدل الإلهيّ أن يكلّف كلّ إنسان بمقدار استعداده
وقابليّته يقول سبحانه ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ
وُسْعَهَا ﴾
(17) وأن يقضي
﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
﴾
(18) ويحكم فيه على حسب قدرته
وجهده، وأن يجازيَه ثوابًا أو عقابًا بما يتلاءم وأفعاله.
﴿ فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ
مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
(19)
.
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى
جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
(20) .
الآية تشير إلى أنّ من صفة أولي الألباب أن يتفكّروا في خلق السّماوات
والأرض ويتدبّروا في ذلك ليستدلّوا به على وحدانيّة الله تعالى وكمال
قدرته وعلمه وحكمته وعدله ثمّ يقولون ما خلقت هذا الخلق عبثًا
وباطلاً بل خلقته لغرض صحيح وحكمة ومصلحة ليكون دليلاً على
وحدانيّتك وحجّة على كمال حكمتك ثمّ ينزّهونه عن كلّ ما لا يليق بصفاته
أو يلحق نقصًا بذاته فيقولون (سبحانك) يعني تنزيهًا لك عمّا لا يجوز
عليك فلم تخلقهما عبثًا ولا لعبًا بل تعريضًا للثّواب والأمن من
العقاب.
وفي
هذا السّياق يقول تعالى: ﴿
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
(21) .
معناه وما خلقناهما عبثًا بل لما اقتضته الحكمة وهي أنّا قد تعبّدنا
أهلها ثمّ نجازيهم بما عملوا يوم القيامة.
يقول الله سبحانه: ﴿
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾
(22) .
يعني كلّ شيء خلقناه مقدّرًا بمقدار توجبه الحكمة لم يخلقه
جذافًا
ولا عبثًا، فخلقنا العذاب أيضًا على قدر الاستحقاق، وكذلك كلّ شيء
في الدّنيا والآخرة خلقناه مقدّرًا بمقدار معلوم وعلى قدر معلوم
فخلقنا اللّسان للكلام واليد للبطش والرّجل للمشي والعَيْن للنّظر
والأذن للسّماع والمعدة للطّعام ولو زاد أو نقص عمّا قدّرناه لما تمّ
الغرض.
يقول الله سبحانه: ﴿
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
﴾
(23) .
يعني أنّه أحسن خلقه من جهة الحكمة لكلّ شيء خلقه وأوجد فيه وجهًا من
وجوه الحكمة تحسّنه.
يقول الله تعالى: ﴿
رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ
هَدَى ﴾
(24) .
يقول القرآن الكريم على لسان موسى (عليه السّلام) أنّه (عليه
السّلام) يصوّر لفرعون بهذه
الجملة القصيرة كيفيّة خلق العالم الفيّاض باللّطف والجمال والنّظام
التّام الّذي هو من آيات الله سبحانه وتعالى ويبيّن له ذلك ﴿
لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ أو يدرك ذلك
النّظام العادل والدّقيق في
جميع أجزاء الوجود.
إنّ
النّظام والاعتدال من السّنن الحاكمة على الطّبيعة بصورة قسريّة وكلّ
شيء من أجزاء الطّبيعة يتحرّك في إطار السّنن والقوانين الطّبيعيّة نحو
كماله ومسيرته الخاصّة، وإنّ أيّ انحراف عن النّظام العامّ والعلاقات
السّائدة عليه يؤدّي إلى الاضطراب والاختلال في نظام الكون.
يقول الله تعالى: ﴿
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ
﴾
(25) فالآية تشير إلى أنَّ
الله عادل وأنّه قائم بالعدل على أساس أنّ العدل صفة إيجابيّة لذات
الله سبحانه فالقرآن إذن لم يكتفِ بتنزيه الله عن الظّلم ﴿
وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾
(26)
، وإنّما أثبت لله سبحانه صفة العدالة بصورة إيجابيّة.
ويقول الله سبحانه: ﴿
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ
هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ
﴾
(27) .
يعني وما كان الله ليحكم بضلالة قوم
بعدما حكم بهدايتهم
﴿
حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُون
﴾ وحتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه
من الأمر بالطّاعة والنّهي عن المعصية فلا يتّقون فعند ذلك يحكم
بضلالتهم.
وفي
هذا السّياق يقول سبحانه: ﴿
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً
﴾
(28) .
معناه لا يعذّب سبحانه في الدّنيا والآخرة إلا بعد البعثة.
ويقول أيضًا :﴿
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ
الرُّسُلِ ﴾
(29) .
فيقولون لم ترسل إلينا رسولاً ولو أرسلت لآمنّا بك.
ويقول سبحانه: ﴿
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
(30) .
بيّن
لها ما تأتي وما تترك.
وقال تعالى: ﴿
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا
وَإِمَّا كَفُورًا ﴾
(31) .
عرّفناه إمّا آخذًا وإمّا تاركًا.
وقال أيضًا عزّ وجلّ: ﴿
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾
(32) . طريقَيْ الخير والشّرّ.
يقول الله عزّ وجلّ :﴿
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ
تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
﴾
(33)
يعني أعطنا ما وعدتّنا على لسان رسلك من الثّواب ولا تفضحنا ولا
تهلكنا يوم القيامة :﴿
إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾.
﴿
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ
مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ﴾
(34)
يعني لا أبطل ولا أضيع عمل واحد منكم لاتّفاقكم في صفة الإيمان وفي
هذا السّياق يقول سبحانه: ﴿
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
﴾
(35) .
وقوله سبحانه: ﴿
مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ
فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾
(36) .
إذن
هناك علاقة العلّيّة بين الأعمال الحسنة والقبيحة وبين الثّواب
والعقاب الأخرويَّيْن، وقد كشف عنها الوحي الإلهيّ، ونبّه النّاس عليها،
وكما أنّنا نلاحظ في عالم الدّنيا، أنّ هناك بعض الجرائم الّتي تعقبها
آثار سيّئة تمتدّ إلى مدّة طويلة، رغم قصر مدّة الجريمة فمثلاً لو فقأ
الإنسان عَيْنه هو، أو عيون الآخرين فأعماها، فإنّ هذا الفعل يتمّ في
مدّة قصيرة جدًّا ولكن نتيجته - وهي العمى - تمتدّ إلى نهاية العمر
- وكذلك الذّنوب الكبيرة لها آثارها الأخرويّة الأبديّة، وإذا لم
يوفّر الإنسان في هذه الدّنيا مستلزمات جبرانها كالتّوبة مثلاً
فإنّه سوف يعيش آثارها السّيّئة وإلى الأبد فكما أنّ بقاء عمى
الإنسان إلى نهاية العمر بجريمة لم تستغرق إلا لحظة واحدة لا ينافي العدل الإلهيّ،
فكذلك الابتلاء بالعذاب الأبديّ نتيجة لارتكاب الذّنوب الكبيرة لا
ينافي العدل الإلهيّ، وذلك لأنّه نتيجة الذّنب الّذي ارتكب عن سابق وعي
وإصرار.
يقول الله سبحانه: ﴿
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
﴾
(37) .
إذن
كيف يمكن أن يدعو الله النّاس إلى إقامة العدل وينهى عن الفحشاء
والمنكر والبغي ثمّ هو يرتكب الظّلم ويتجاوز العدل.
إنّ
القرآن الكريم يعطي العدل أهميّة خاصّة ويرفع من مقام العدل ويجعله
هدف بعث الأنبياء ويقول سبحانه: ﴿
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
﴾
(38)
.
فالقرآن الكريم يبيّن لنا أنّ العدل بمفهومه الاجتماعيّ هدف « للنّبوّة ».
ومن
شؤون العدل الإلهيّ، العدل في أعمال وأفعال العباد الّتي كان الحساب
عليها وفق نظام دقيق سواء أعلمنا أو لم نعلم، كما أشرنا إليه.
عندما تخرج من المنزل في الصّباح فإنّ كلّ حركة تصدر منك فإنّ العدل
الإلهيّ يحصيها، فالصّدقة الّتي نعطيها للفقير تؤدّي إلى إنقاذك من
حفرة في جهنّم، وقد يتفّق عند رجوعك إلى البيت أن يقال لك إنّ ولدك
كاد أن يسقط من سطح الدّار إلا أنّه لم يسقط والحمد لله.
ومن
أجل الاعتبار ننقل لكم هذه القصّة: يروى أنّ امرأة كانت من بني
إسرائيل ولم يكن لها سوى رغيف واحد، فجاء سائل يشكو إليها الجوع
فأعطته ذلك الرّغيف ورجعت إلى الحقل ووضعت ابنها جانبًا وذهبت لتعمل
فجاء ذئب وأخذ طفلها بأسنانه ليأكله، فظهر ملك بصورة إنسان وأخذ
الطّفل من فم الذّئب وأعطاه إلى أمّه وقال: لقمة بلقمة، أي أنّ لقمة
الذّئب هذه عوضًا عن الرّغيف الّذي أعطيته لذلك السّائل، نستنتج ممّا
سبق أنّ العدل الإلهيّ حقيقة بذاتها من وجهة نظر القرآن وأنّ العدالة
من الصّفات الّتي لا بد أن تتّصف بها ذات العليّ العظيم.
نسأل الله عزّ وجلّ أن يشملنا بلطفه ورحمته إنّه غفور رحيم، والسّلام
عليكم ورحمة الله.
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ
أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً
بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ
فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ
إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
(39)
.
لقد
كانت البشريّة في مطلع حياتها تعيش حياة اجتماعيّة بسيطة، وبازدياد
أفراد المجتمع البشريّ ظهر التّضاد بين المصالح ومن ثمّ الاختلاف،
ووجدت الحاجة إلى التّوجيه والقانون.
وكان من
الضّروريّ أن يعمل رسل ربّ العالمين في الوهلة الأولى على توعية النّاس
على الحياة الأخرى باعتبارها آخر مرحلة للمسيرة التّكامليّة وعلى ما
سيواجهه الإنسان في تلك الحياة من نعيم أو جحيم. فجاؤوا مبشّرين بما
سينعم الله تعالى به على المحسنين من ثواب، ومنذرين بما سيجازي به
الله عزّ وجلّ المجرمين من عقاب ﴿
فَبَعَثَ
اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ
﴾ وبعد هذا الانشداد إلى العالم الآخر
تتوفّر الأرضيّة لتطبيق الأحكام الإلهيّة الّتي تضمن سعادة البشر،
ثمّ تتوالى هذه الأحكام على الأنبياء لابلاغها إلى النّاس. لقد بعث الله
سبحانه الكثير من الأنبياء لهداية النّاس وإرشادهم. وكان آدم (عليه
السّلام)
أوّل أولئك الأنبياء والنّبيّ محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) آخرهم وخاتمهم، إنّ
عدد الأنبياء غير معلوم لنا على وجه التّحديد واليقين ولكن جاء في
بعض الرّوايات أنّ عددهم هو مئة وأربعة وعشرون ألفًا (124000).
عن
أبي ذرّ رحمه الله قال: قلت: يا رسول الله كم النّبيّون؟ «
قال: مئة
ألف وأربعة وعشرون ألف نبيّ، قلت: كم المرسلون منهم؟ قال: ثلاث مئة
وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا، قلت: من كان أوّل الأنبياء؟ قال: آدم، قلت:
وكان من الأنبياء مرسلاً؟ قال: نعم ... »
(40) لقد كان بعض أولئك الأنبياء أصحاب ديانات وشرائع
خاصّة، ولم يكن بعضهم الآخر أصحاب شريعة خاصّة، بل كانوا يروّجون
لشريعة من سبقهم من الأنبياء ويدعون إليها.
كما
كان بعضهم أصحاب كتب وبعضهم الآخر لم يكونوا أصحاب كتب وربّما كان
في زمن واحد أنبياء متعدّدون يقومون بمهامّهم ومسؤوليّاتهم الإلهيّة
في البلدان والمدن المختلفة.
لقد
ذكر في القرآن الكريم أسماء (26) منهم وهم: آدم، نوح، إدريس، هود،
صالح، إبراهيم، لوط، إسماعيل، اليسع، ذو الكفل، إلياس، أيّوب، يونس،
إسحاق، يعقوب، يوسف، شعيب، موسى، هارون، داوود، سليمان، زكريّا،
يحيى، إسماعيل صادق الوعد، عيسى، محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.
النّبوّة حالة إلهيّة يدرك الإنسان من خلالها المعارف الّتي بها يرتفع
الاختلاف والتّناقض في حياة الإنسان، وهذا الإدراك والتّلقّي من الغيب
هو المسمّى في لسان القرآن بالوحي، والحالة الّتي يتّخذها الإنسان منه
لنفسه بالنّبوّة.
والنّبيّ: العَلَمُ من أعلام الأرض الّتي يُهتدى بها، قال بعضهم: ومنه
اشتقاق النّبيّ لأنّه أرفع خلق الله، وذلك لأنّه يُهتدى به والنّبيّ على
وزن فعيل مأخوذ من النّبأ، سُمّي به النّبيّ لأنّه عنده نبأ الغيب بوحي
من الله.
وقيل هو مأخوذ من النّبوّة بمعنى الرّفعة سُمّي به لرفعة قدره ولأنّه
شُرِّف على سائر الخلق. والنّبيّ هو الّذي أنبأ عن الله.
والنّبيّ الطّريق، والأنبياء طُرق الهُدى، قال أبو معاذ
النّحويّ: سمعت
أعرابيًّا يقول: من يدلّني على النّبيّ؟ أي على الطّريق.
الفرق بين النّبيّ والرّسول هو:
الرّسول هو الّذي يبعث فيؤمر بالتّبليغ ويحمل الرّسالة والنّبيّ هو
الّذي
يبعث سواء أمر بالتّبليغ أو لم يؤمر.
يقول الله سبحانه: ﴿ فَاصْبِرْ
كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا
تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ
لَمْ يَلْبَثُواْ إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ
يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ
﴾
(41) .
قال
الإمام زين العابدين (عليه السّلام): لبعض أصحابه: منهم خمسة
أولو العزم من
الرّسل، وقلنا: من هم؟ قال: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ومحمّد صلوات
الله عليهم أجمعين، قلنا له: ما معنى أولو العزم؟ قال: بعثوا إلى
شرق الأرض وغربها، جِنِّها وإنسها
(42)
.
هناك عدّة أهداف للأنبياء جاءت الإشارة إليها في الآيات القرآنيّة،
والأحاديث الشّريفة نذكر منها:
1 -
الدّعوة إلى معرفة الخالق والإيمان به وحده وهذه هي الأساس في دعوة
الأنبياء والرّسل جميعًا يقول الله عزّ وجلّ:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ
عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
(43) .
2 ـ
إلفات النّظر إلى مسألة المعاد وحياة ما بعد الموت والإيمان بها،
وبالجنّة ونِعَمِها وجهنّم وعذابها يقول الله سبحانه:
﴿
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
﴾
(44) .
وقوله سبحانه: ﴿ مَّثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى
الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ
﴾
(45) .
3 -
الدّعوة إلى الإيمان بالنّبوّة وبارتباط الأنبياء والرّسل بالله تعالى،
عبر الوحي، وتصديق الأنبياء السّابقين من دون تفريق يقول الله عزّ
وجلّ: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا
أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ
وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
(46) .
هذه
الأمور الثّلاثة كانت تشكّل الأساس في دعوة الأنبياء. ولقد قال رسول
الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند دعوته عشيرته وقومه:
الحمد لله، أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكّل عليه وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، ثمّ قال: إنّ الرّائد لا يكذب أهله، والله
الّذي لا إله إلا هو إنّي رسول الله إليكم خاصّة وإلى النّاس عامّة
والله لتموتنّ كما تنامون ولتبعثنّ كما تستيقظون ولتحاسبنّ بما
تعملون، وإنّها الجنّة أبدًا والنّار أبدًا »
(47) .
4 -
الدّعوة إلى تزكية النّفس:
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
﴾
(48)
.
فقد
دعى الأنبياء إلى مكارم الأخلاق وفضائلها وحذّروا من ذمائم الأخلاق
ورذائلها وبيّنوا الآثار الدّنيويّة والأخرويّة الطّيّبة لمكارم
الأخلاق، والتّبعات السّيّئة للأخلاق الذّميمة لكي يجتنبها النّاس. وفي
هذا السّياق يقول سبحانه: ﴿ لَقَدْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً
مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن
قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾
(49) .
قال
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ».
5 -
دعوة النّاس إلى عبادة الله الواحد والتّسليم لأوامره سبحانه:
يقول عزّ وجلّ: ﴿ وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ
وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾
(50) .
وقال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾.
6 -
قيام النّاس بالقسط:
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ
الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ
بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌٌ
﴾
(51) .
هذا
ولقد اعتنى الأنبياء بإصلاح أمور النّاس الاجتماعيّة والاقتصاديّة
عنايةً كاملةً فدعوا النّاس إلى اكتساب العلم والمعرفة والاستفادة
من المصادر الطّبيعيّة والعمل والسّعي وكانوا يرغبون في رعاية العدل
والحقّ ويحذّرون من الظّلم والعدوان حفاظًا على سلامة المجتمع وأمنه.
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ قَالَ إِن
كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
(106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
﴾
(52) .
وقال سبحانه: ﴿ فَأَوْحَيْنَا
إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ
كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ
الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ
(65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً
وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
(53)
.
وقال عزّ وجلّ أيضًا: ﴿ قَالُواْ
حَرِّقُوهُ وَانصُرُواْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ
﴾
(54)
.
وقال تعالى: ﴿ قُل لَّئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ
هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾
(55) .
إعلم إنّ الأنبياء يدّعون بأنّهم على ارتباط بالله سبحانه وبعالم
الغيب، وأنّهم قد كلّفوا من جانب الله تعالى بأن يتلقّوا رسالاته،
ثمّ يبلّغوها إلى النّاس، وعليهم أن يجتهدوا في إرشادهم وهدايتهم.
إنّه
ادّعاء كبير لا يقبله النّاس من دون شاهد قويّ، ودليل معتبر، ولهذا
يجب أن يمتلك الأنبياء دليلاً وشاهدًا لإثبات صحّة دعواهم. إنّ أكبر
دليل للأنبياء هو المعجزة، وهي العمل الخارق للعادة الّذي يعجز عن
إتيانه النّاس العاديّون.
إنّ وجود المعجزة عند رسل الله سبحانه أمر ضروريّ في نظر القرآن
الكريم وقد أشير إليها بصراحة في عشرات الآيات. اكتفينا هنا بما
ذكرنا، ثمّ إنّ القرآن الكريم هو معجزة النّبيّ محمّد (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) الخالدة والّتي كانت تتناسب مع عصره كما هو حال من سبقه من الأنبياء.
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن
وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا
يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾
(56) .
الوحي هو الطّريق الّذي تحصل بواسطته علوم الأنبياء فهم يتلقّون
رسالتهم عن طريق الوحي ويبلّغوها إلى البشر.
يقول الله سبحانه: ﴿
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى
غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ
فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً
(27) لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ
وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً
﴾
(57) .
تظهر الآية أنّه تعالى شأنه يختصّ رسله بالوحي فيظهرهم ويؤيّدهم على
الغيب بمراقبة ما بين أيديهم وما خلفهم والإحاطة بما لديهم لحفظ
الوحي عن الزّوال والتّغيّر بتغيّر الشّياطين وكلّ مغيّر غيرهم، ليتحقّق
إبلاغهم رسالات ربّهم.
وقال سبحانه: ﴿ مَن يَهْدِ
اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ﴾
(58) .
فنفى عن المهتدين بهدايته كلّ مضلّ يؤثّر فيهم بضلال فلا يوجد فيهم
ضلال، وكلّ معصية ضلال.
ونعني بالعصمة وجود أمر في الإنسان المعصوم يصونه عن الوقوع فيما
لا يجوز من الخطأ أو المعصية.
والعصمة على ثلاثة أقسام:
1 -
العصمة عن الخطأ في تلقّي الوحي.
2 -
العصمة عن الخطأ في التّبليغ والرّسالة.
3 -
العصمة عن المعصية وهي ما فيه هتك حرمة العبوديّة ومخالفة مولويّة
ويرجع بالآخرة إلى قول أو فعل ينافي العبوديّة منافاة ما، وممّا يدلّ
على عصمتهم (عليهم السّلام) قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ
لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
(59) .
فلو
تحقّق من الرّسول خطأ في فهم الوحي أو في التّبليغ كان ذلك إرادة منه
تعالى للباطل والله سبحانه لا يريد إلا الحقّ.
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ قُل لَّا
أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ
وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ
وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
(60) .
ويقول سبحانه: ﴿ عَالِمُ
الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ
ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ
وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾
(61) .
وقوله سبحانه: ﴿ ذَلِكَ مِنْ
أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾
(62) .
يستفاد من هذه الآيات أنّ العلم بالغيب وإن كان أوّلاً وبالذّات
مختصًّا بالله تعالى، وأنّ باب الاطّلاع على ذلك العالم موصد في وجه
البشر ولكنّه تعالى يُطلع أنبياءه على عالم الغيب عن طريق الوحي
ويوقفهم إذا شاء ومتى شاء على الحقائق والأمور الغيبيّة.
عالم الغيب يقابل عالم الشّهادة، فإنّ جميع الموجودات الّتي تكون أسمى
وأعلى من المادّة والمادّيّات تعدّ من عالم الغيب مثل « الله » سبحانه
وتعالى وأسمائه وصفاته والملائكة وعالم البرزخ والموجودات
البرزخيّة، والقيامة وأحوالها وأوضاعها والجنّة والنّار ونِعَم الجنّة
والعذاب الأخرويّ.
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ مَّا كَانَ
مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيماً ﴾
(63) .
عن
الإمام الصّادق (عليه السّلام): جاء محمّد (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه
فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة
(64) .
يقول الله سبحانه: ﴿ وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
(65) .
لمّا أكمل
النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأربعين من عمره الشّريف، نزل عليه جبرئيل ليبشّره بالبعثة
النّبويّة لإرشاد وهداية النّاس، وبدون أدنى تردّد قام النّبيّ
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمر
التّبليغ على أحسن وجه، بكلّ صبر ومقاومة واستقامة ضدّ الجاهليّة
والوثنيّة العمياء، ويومًا بعد يوم كان الدّين الإسلاميّ يجد له محلاًّ
في قلوب النّاس عبر كلمات التّوحيد ودعوات الإخاء، والصّداقة،
والمحبّة، والعدل، والمساواة، الّتي كان رسول الله (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) يصوغها
ببلاغته الرّائعة، وكلماته الدّافئة، وسلوكه الطّاهر، فكان (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) يستغلّ
مناسبات قدوم النّاس إلى مكّة في الأشهر الحرم فيقابلهم ويدعوهم إلى
الإسلام، وكان هؤلاء النّاس ينقلون كلمات النّبيّ (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) وعقائد الدّين
الجديد إلى أهاليهم وأقوامهم عندما يعودون، وهكذا اتّسع الإسلام
بسرعة فائقة، ممّا أثار حفيظة فراعنة قريش، والمنتفعين من عبادة
الأصنام فقاموا بصدّ ومنع النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومقاومته وإبعاد النّاس عنه
وتحذيرهم منه، وكانوا يشْكُون أمره
إلى أبي طالب (عليه السّلام) عمّه ويطلبون منه أن يمنع محمّدًا
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الدّعوة إلى
الإسلام.
فيقولون له: يا أبا طالب: إنّ ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي كعبتنا
وفي ديارنا ويسمعنا ما نَكْرَه، فإن رأيت أن تكُفَّه عنّا وأنت كبيرنا
وسيّدنا. ورأى أبو طالب (عليه السّلام) أنّ من المناسب أن يمتصّ غضبهم ويجاريَهم
ويُهَدّئ فورتهم، وهو المحامي العاقل، والمدافع المتّزن الكامل، فقال
لهم سوف أتكلّم مع ابن أخي، وهو يعلم رفض ابن أخيه لمطالب القوم،
ولكن أراد بحكمته أن يهدّئ الأوضاع، فذهب أبو طالب (عليه السّلام) وقال
للنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا ابن أخي إنّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا وكذا، فأجابه
النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بجواب خلّده التّاريخ برمّته وهو يحكي صمود وصبر واستقامة
النّبيّ: يا عمّ والله لو وضعوا الشّمس في يميني والقمر في يساري على
أن أترك هذا الأمر حتّى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته، ثمّ استعبر
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فبكى، ثمّ قام فلمّا ولّى ناداه أبو طالب
(عليه السّلام) فقال: أقبل يا ابن أخي وقل ما أحببت فوالله لا
أسلّمك لشيء أبدًا
(66) .
نسأل الله عزّ وجلّ أن يعرّف بيننا وبين رسوله (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) يوم القيامة وأن
يحشرنا إلى جواره، والسّلام عليكم ورحمة الله.
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾
(67) .
إعلم
أنّ الأئمّة كما قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): هم عيش العلم وموت الجهل
يخبركم حلمهم عن عملهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم
لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وهم دعائم الإسلام، وولائج
الاعتصام، بهم عاد الحقّ إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مُقامه وانقطع
لسانه عن منبته، عقلوا الدّين عقل وِعاية ورعاية لا عقل سماعٍ
ورواية، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل
(68) . واعلموا أيضًا
أيّها الإخوة أنّ وظائف الأئمّة (عليهم السّلام) هي نفسها الّتي كانت لرسول الله
(صلّى الله عليه وآله وسلّم)
- ما عدا تلقّي الوحي والإتيان بالشّريعة - ومن الأدوار الّتي يقوم بها
الأئمّة من بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هي: تبيين مفاهيم القرآن الكريم وحلّ
معضلاته، وبيان مقاصده وهذا يعدّ من أبرز وظائف النّبيّ (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) يقول الله
سبحانه: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾
(69) .
أيضًا بيان الأحكام الشّرعيّة والإجابة عن الأسئلة الدّينيّة
والاعتقاديّة وإقامة القسط والعدل والأمن العامّ الشّامل في المجتمع
الإسلاميّ، وحفظ الثّغور والحدود، والثّروة الإسلاميّة من هجمات
الأعداء.
كلّ
هذه تعدّ من وظائف النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والقيام بها يحتاج إلى قائد واعٍ خبير،
يكون موضع عناية الله الخاصّة. كما يكون في علمه صنو النّبيّ ونظيره،
أي أن يكون حاملاً للعلوم النّبويّة ومصونًا من كلّ خطأ وزلل،
ومعصومًا من كلّ ذنب وخطلٍ، ليستطيع القيام بالوظائف الجسيمة
المذكورة وليملأ الفراغ الّذي أحدثه غياب النّبيّ (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) بسبب وفاته. إنّ من
البديهيّ أنّ تشخيص مثل هذا الشّخص والمعرفة به لإيكال منصب القيادة
إليه خارج عن حدود علم الأمّة ونطاق معرفتها، ولا يمكن أن يتمّ بغير
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأمر الإلهيّ.
ونحن إذا دقّقنا بآية التّطهير الآنفة الذّكر يظهر لنا أمور عدّة حول
الإمامة:
1 -
أنّ الامامة لمجعولة.
2 -
أنّ الإمام يجب أن يكون معصومًا بعصمة إلهيّة.
3 -
أنّ الأرض لا تخلو من إمام حقّ.
4 -
أنّ الإمام يجب أن يكون مؤيّدًا من عند الله تعالى.
5 -
أنّ أعمال العباد غير محجوبة عن علم الإمام.
6 -
أنّه يجب أن يكون عالمًا بجميع ما يحتاج إليه النّاس في أمور معاشهم
ومعادهم.
7 -
أنّه يستحيل أن يوجد فيهم من يفوقه في فضائل النّفس.
فهذه سبعة مسائل هي أمّهات مسائل الإمامة تعطيها الآية الشّريفة بما
ينضمّ إليها من الآيات والله الهادي.
وقد
روي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في بيان شرائط الإمامة قال:
كبارُ حدود
ولاية الإمام المفروض الطّاعة أن يعلم أنّه معصوم من الخطأ والزّلل
والعمد، ومن الذّنوب كلّها صغيرها وكبيرها، لا يزلّ ولا يخطىء، ولا
يلهو بشيء من الأمور الموبقة للدّين، ولا بشيء من الملاهي، وأنّه
أعلم النّاس بحلال الله وحرامه، وفرائضه وسننه وأحكامه مستغنٍ عن
جميع العالم، وغيره محتاج إليه وأنّه أسخى النّاس وأشجع النّاس
(70) .
أهل
البيت في الآية: (البيت) التّعريف فيه للعهد والمراد به النّبوّة
والرّسالة والعرب تسمّي ما يلتجئ إليه بيتًا ولهذا سمّوا الأنساب
بيوتًا وقالوا بيوتات العرب يريدون النّسب قال:
ألا
يا بيتُ بالعلياءِ بيـتُ
ولولا حبُّ أهلك ما أتيتُ
ألا
يا بيت أهلُك أوعدوني
كأنّي كلّ ذنبهم جنيـت
يريد بيت النّسب وبيت النّبوّة والرّسالة كبيت النّسب قال الفرزدق:
بيتُ زُرارةُ محتبٍ بفنائه
ومُجاشع وأبوا الفوارس نهتل
لا
يحتبي بفناء بيتك مثلهم
أبدًا إذا عُدّ الفعال الأكمـل
وقيل البيت بيت الحرام وأهله هم المتّقون على الإطلاق لقوله
﴿ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا
الْمُتَّقُونَ
﴾ وقيل البيت مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو أهله من
مكّنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه ولم يخرجه ولم يسدّ بابه وقد اتّفقت الأمّة
بأجمعها على أنّ المراد بأهل البيت في الآية أهل بيت نبيّنا (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) ثمّ اختلفوا فقال عكرمة أراد أزواج النّبيّ لأنّ أوّل الآية متوجّه إليهنّ
وقال أبو سعيد الخدريّ وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وعائشة وأمّ
سلمة أنّ الآية مختصّة برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين
(عليهم السّلام)،
ذكر أبو حمزة الثّماليّ في تفسيره حدّثني شهر بن حوشب عن أمّ سلمة قالت:
جاءت فاطمة إلى النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحمل حريرة لها فقال: ادعي زوجك وابنَيْكِ
فجاءت بهم فطعموا ثمّ ألقى عليهم كساءً له خيبريًّا، فقال: اللّهم هؤلاء
أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرًا، فقلت: يا رسول
الله وأنا معهم؟ قال: أنت إلى خير.
وروى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
قال: لمّا نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الرّحمة هابطة، قال: ادعوا
لي ادعوا لي، فقالت صفيّة: مَنْ يا رسول الله؟ قال: أهل بيتي عليًّا
وفاطمة والحسن والحسين، فجيء بهم فألقى عليهم النّبيّ (صلّى الله
عليه وآله وسلّم) كساءه ثمّ
رفع يدَيْه ثمّ قال: اللّهم هؤلاء آلي فصلِّ على محمّد وآل محمّد وأنزل
الله عزّ وجلّ
﴿
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
﴾
(71) .
فبعد مضيّ ثلاث سنوات على اليوم الّذي بعث فيه رسول الله (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) كلّفه
الله تعالى بأن يبلّغ رسالته لأبناء قبيلته، وذلك عندما نزل قوله
عزّ وجلّ: ﴿ وَأَنذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
(72) . فجمع
النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رؤوس بني هاشم، وقال: يا بني عبد المطلّب إنّي والله ما أعلم
شابًّا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير
الدّنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني
على هذا الأمر؟ على أن يكون أخي ووصيّي ووزيري وخليفتي فيكم، ولقد
كرّر النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) العبارة الأخيرة ثلاث مرّات ولم يقم في تلك المرّات إلا
الإمام عليّ (عليه السّلام) الّذي أعلن عن استعداده في كلّ مرّة لمؤازرة النّبيّ
(صلّى الله عليه وآله وسلّم)
ونصرته وفي المرّة الثّالثة، قال النّبيّ (صلّى الله عليه وآله
وسلّم): « إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي
فيكم فاسمعوا له وأطيعوا »
(73) .
فقد
اعتبر النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منزلة « عليّ » (عليه
السّلام) منه على غرار منزلة هارون من
موسى (عليه السّلام) ولم يستثني من منازل ومراتب هارون من موسى إلا النّبوّة حيث
قال: « يا عليّ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا
أنّه
لا نبيّ بعدي »
(74) .
أنقل
إليكم أيّها الأعزاء مجموعة كبيرة من آيات الله الباهرة نزلت في
العترة الطّاهرة:
أليسوا (عليهم السّلام) حبل الله سبحانه الّذي قال:
﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ ﴾
والصّادقين الّذين قال: ﴿ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ وصراط
الله الّذي قال: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ ﴾ وسبيله الّذي قال: ﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ وأولي الأمر
الّذي قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي
الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ وأهل الذّكر الّذين قال:
﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ
إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
والمؤمنين الّذين قال: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ﴾
والهداة الّذين قال: ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ
هَادٍ ﴾ أليسوا من الّذين أنعم الله عليهم، وأشار في
السّبع المثاني
والقرآن العظيم إليهم؟ فقال: ﴿
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ ﴾ وقال ﴿
وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴾ ألم يجعل لهم الولاية العامّة؟ ألم يقصرها بعد
الرّسول عليهم؟ فاقرأ: ﴿ إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
(55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ألم يجعل المغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحًا مشروطة
بالاهتداء إلى ولايتهم؟ إذ يقول ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ ألم تكن ولايتهم من
الأمانة الّتي قال الله تعالى: ﴿
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ ألم تكن من
السّلم
الّذي أمر
الله بالدّخول فيه؟ فقال: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً
وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾
أليست هي النّعيم الّذي قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ
يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ ألم يؤمر رسول الله
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتبليغها؟
ألم يضيق عليه في ذلك بما يشبه التّهديد من الله عزّ وجلّ حيث يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
﴾ ألم يصدع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتبليغها عن الله يوم الغدير حيث خطب
خطابه، وعبّ عبابه فأنزل الله يومئذ: ﴿
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾ ألم تر كيف فعل ربّك
يومئذ بمن جحد ولايتهم علانية، وصادر بها رسول الله جهرة؟ قال:
﴿
اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ
عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ ﴾ فرماه الله بحجر من سجّيل كما فعل من قبل بأصحاب
الفيل وأنزل في تلك الحال: ﴿
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ
دَافِعٌ ﴾ وسيسأل النّاس عن ولايتهم يوم يبعثون كما جاء في تفسير قوله
تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم
مَّسْؤُولُونَ ﴾ ولا غرو فإنّ ولايتهم ممّا بعث الله به
الأنبياء وأقام عليه الحجج والأوصياء كما جاء في تفسير قوله تعالى:
﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن
قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ﴾ بل هي ممّا أخذ الله به العهد
من عهد، ألست بربّكم كما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ﴾ وتلقّى آدم من ربّه كلمات
التّوسّل بهم فتاب عليه
وما كان الله ليعذبّهم وهم أمان أهل الأرض ووسيلتهم إليه فهم النّاس
المحسودون الّذين قال الله فيهم: ﴿ أَمْ
يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾،
وهم الرّاسخون في العلم الّذين قال: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ
فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ﴾ وهم رجال
الأعراف الّذين قال: ﴿ وَعَلى الْأَعْرَافِ
رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ﴾ ورجال
الصّدق
الّذين قال: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن
يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾.
ورجال التّسبيح الّذين قال الله تعالى: ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا
بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
﴾ ﴿
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ
اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ وبيوتهم هي
الّتي ذكرها الله عزّ وجلّ فقال: ﴿ فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾
وقد جعل الله مشكاتهم في آية النّور مثلاً لنوره ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ
الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ ﴾ وهم ﴿
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ وهم الصّدّيقون والشّهداء والصّالحون، وفيهم وفي
أوليائهم قال الله تعالى: ﴿ وَمِمَنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ
بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ وقال في حزبهم وحزب أعدائهم:
﴿ لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ وقال في الحزبَيْن أيضًا:
﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ
كَالْفُجَّارِ ﴾ وقال فيهما أيضًا: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ
اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ
مَا يَحْكُمُونَ ﴾ وقال فيهم وفي شيعتهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ
الْبَرِيَّةِ ﴾ وقال فيهم وفي خصومهم: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ
ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾
وفيهم وفي عدوّهم نزل: ﴿ أَفَمَن
كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ (18)
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ
جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (19)
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النّارُ كُلَّمَا
أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ
لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ
تُكَذِّبُونَ ﴾ وفيهم وفيمن فاخرهم بسقاية الحاجّ وعمارة المسجد
الحرام أنزل الله تعالى : ﴿
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾.
وفي
جميل بلائهم وجلال عنائهم قال الله تعالى: ﴿
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ
اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ وقال ﴿
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ وقد صدّقوا بالصّدق فشهد لهم الحقّ تبارك اسمه فقال:
﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ ﴾ فهم رهط رسول الله المخلصون، وعشيرته الأقربون
الّذين اختصّهم الله تعالى بجميل رعايته وجليل عنايته فقال:
﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾ (وقد تقدّم) وهم
أولو
الأرحام ﴿ وَأُوْلُواْ
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ وهم المرتقون يوم القيامة إلى درجته، الملتحقون
به في دار جنّات النّعيم بدليل قوله تعالى ﴿
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ
أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ
عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾
وهم ذوو الحقّ الّذي صدع القرآن بإيتائه: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ ﴾ وذوو الخمس الّذي لا تبرَأ الذّمة إلا بأدائه: ﴿
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ
خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾
وأولو الفيء: ﴿
مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾ وهم أهل البيت المخاطبون بقوله
تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ آل ياسين
الّذين
حيّاهم الله سبحانه في الذّكر الحكيم فقال:﴿ سَلاَمٌ عَلَى إِلْ
يَاسِينَ ﴾ وآل محمّد الّذين فرض الله تعالى على عباده
الصّلاة
والسّلام عليهم فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ
وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ﴾ فقالوا: يا رسول الله أمّا
السّلام عليك
فقد عرفناه، فكيف الصّلاة عليك؟ قال: « اللّهم صلِّ على محمّد وآل
محمّد » .. الحديث، فعلم بذلك أنّ الصّلاة عليهم جزء من الصّلاة المأمور
بها في هذه الآية، ولذا أعدّها العلماء من الآيات النّازلة فيهم
حتّى
عدّها ابن حجر في الباب 11 من صواعقه في آياتهم (عليهم السّلام) فـ ﴿ طُوبَى
لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ
الأَبْوَابُ ﴾.
من
يباريهم وفي الشّمس معنى
مجهد متعب لمن باراها
فهم
المصطفون من عباد الله، السّابقون بالخيرات بإذن الله تعالى،
الوارثون كتاب الله الّذين قال فيهم: ﴿
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ
عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ وهو
الّذي لا يعرف الأئمّة، ﴿
وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌٌ ﴾
وهو الموالي للأئمّة، ﴿
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ وهو الإمام ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾،
وفي هذا القدر من آيات فضلهم كفاية وقد قال ابن عبّاس: نزل في عليّ وحده ثلاثمئة آية، وقال غيره نزل فيهم ربع القرآن ولا
غَرْوَ فإنّهم
وإيّاه الشّقيقان لا يفترقان
(75) .
بالإضافة إلى آية التّطهير في سورة الأحزاب /33 والّتي علّقت إرادة
الله تعالى الخاصّة بطهارة أهل البيت (عليه السّلام) من أيّ نوع من أنواع الرّجس
يلازم عصمتهم من الذّنوب والمعاصي، لأنّ المقصود من تطهيرهم من
﴿ الرِّجْسَ ﴾ في الآية هو تطهيرهم من
أيّ نوع من أنواع القذارة
الفكريّة والرّوحيّة والعمليّة الّتي من أبرزها المعاصي والذّنوب.
أيضًا حديث الثّقلَيْن يدلّ على عصمتهم (عليهم السّلام) وهو متواتر عند السّنة
والشّيعة فقد خاطب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأمّة الإسلاميّة قائلاً: « إنّي تارك
فيكم الثّقلَيْن كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن
تضلّوا أبدًا وإنّهما لن يفترقا حتّى يَرِدا علَيّ الحوض »
(76) .
فالحديث يعتبر أهل البيت (عليهم السّلام) عدل القرآن الكريم يعني كما يكون
القرآن الكريم مصونًا من أيّ لون من ألوان الخطأ والاشتباه كذلك
يكون أئمّة أهل البيت مصونين من أيّ لون من ألوان الخطأ والاشتباه
الفكريّ والعمليّ ومعصومين من أيّ نوع من أنواع الزّلل والخطل.
أيضًا يدلّ على ذلك ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) من أنّ أهل بيته كسفينة
نوح الّتي ينجو من الغرق من ركبها ويغرق في الأمواج من تخلّف عنها.
إذ
قال: أنّما مثل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق
(77) .
الأئمّة (عليهم السّلام)
اثنا عشر إمامًا نصّ عليهم بالتّفصيل والإجمال
فبالاضافة إلى أنّ كلّ
إمام كان يعيّن من بعده نذكر لكم بعض الرّوايات في ذلك. في تفسير
البرهان عن ابن بابويه بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ: لمّا
أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن
أولو
الأمر الّذين قرن الله تعالى طاعتهم بطاعتك؟ فقال (صلّى الله عليه
وآله وسلّم): هم خلفائي يا
جابر وأئمّة المسلمين من بعدي: أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن
ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التّوراة
بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السّلام، ثمّ الصّادق
جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ
ثمّ عليّ بن محمّد ثمّ الحسن بن علي، ثمّ سميّي محمّد وكنيّي حجّة الله في أرضه
وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ذاك الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يدَيْه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك
الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته
إلا من امتحن الله قلبه للإيمان. قال جابر: فقلت يا رسول الله فهل
يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إي والّذي بعثني بالنّبوّة
إنّهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاس
بالشّمس وإن تجلاّها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علم
الله فاكتمه إلا عن أهله.
وعن
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لا يزال أمر النّاس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً
كلّهم من قريش
(78) .
وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ عدّة الخلفاء بعدي
عدّة نقباء موسى
(79) .
قصّة
هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد وإقناعه بضرورة الإمامة:
عن
يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله (عليه السّلام) جماعة من أصحابه منهم
حمران بن أعين، ومحمّد بن النّعمان، وهشام بن سالم، والطّيّار، وجماعة
فيهم هشام بن الحكم، وهو شابّ فقال أبو عبد الله (عليه السّلام): يا
هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟ فقال هشام: يا
ابن رسول الله إنّي أجلّك واستحييك ولا يعمل لساني بين يدَيْك، فقال
أبو عبد الله: إذا أمرتكم بشيء فافعلوا.
قال
هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم
ذلك عليّ، فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة
فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متّزرٌ
بها من صوف وشملة مرتدٍ بها والنّاس يسألونه، فاستفرجت النّاس
فأفرَجوا لي، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي ثمّ قلت: أيّها العالم
إنّي رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم، فقلت له: ألك عَيْن؟
فقال: يا بني أيّ شيء من هذا السّؤال؟ وشيء تراه كيف تسأل عنه؟ فقلت:
هكذا مسألتي، فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء، قلت: أجبني
فيها، قال لي: سل.
قلت: ألك عَيْن؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان
والأشخاص، قلت: فلك أنف؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أشمّ به
الرّائحة، قلت: ألك فم؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به
الطّعم، قلت: فلك أذن؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها
الصّوت، قلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أميّز به
كلّما ورَدَ على هذه الجوارح والحواسّ، قلت: أوليس في هذه الجوارح غنى
عن القلب؟ فقال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال: يا بنيّ، إنّ
الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ردّته إلى
القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشّك، قال هشام: فقلت له: فإنّما أقام
الله القلب لشكّ الجوارح؟ قال: نعم، قلت: لا بدّ من القلب وإلا لم
تستيقن الجوارح؟ قال: نعم، فقلت له: يا أبا مروان فالله تبارك
وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إمامًا يصحّح لها الصّحيح ويتيقّن
به ما شكّ فيه ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم، لا
يقيم لهم إمامًا يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ويقيم لك إمامًا لجوارحك
تردّ إليه حيرتك وشكّك؟! قال: فسكت ولم يقل لي شيئًا. ثمّ التفت إليّ فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا، قال: أَمِن جلسائه؟ قلت: لا،
قال: فمن أين أنت؟ قال: قلت: من أهل الكوفة، قال: فأنت إذًا هو، ثمّ ضمّني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق
حتّى قمت، قال:
فضحك أبو عبد الله (عليه السّلام) وقال: يا هشام من علّمك هذا؟ قلت: شيء أخذته
منك وألّفته، فقال: هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى
(80) .
وفي
نهاية هذا الموضوع ندعو الله سبحانه بما
ندعو في غيبة الإمام
(عجّل الله تعالى فرجه الشّريف):
اللّهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهمّ عرّفني رسولك فإنّك إن لم
تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللّهمّ عرّفني حجّتك فإنّك
إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني.
(1)
سورة البقرة، الآية: 177.
(2)
سورة فصّلت، الآية: 53.
(3)
سورة إبراهيم، الآية: 10.
(4)
سورة البقرة، الآية: 164.
(5)
سورة الأنعام، الآيات: 95 - 99.
(6)
سورة يونس، الآيتان: 5 - 6.
(7)
سورة الرّعد، الآيتان 3 - 4.
(8)
سورة النّحل، الآيات: 66 - 69.
(9)
سورة الرّوم، الآيات: 20 - 25.
(10) سورة
النّبأ، الآيات: 6
- 16.
(11) سورة لقمان، الآية: 25.
(12) سورة الأنعام، الآيتان: 40
- 41.
(13) عوالي اللآلي: ج1، ص20.
(14) سورة الأنبياء، الآية: 22.
(15) سورة الأنعام، الآيات: 74
- 79.
(16) سورة العنكبوت، الآية: 40.
(17) سورة البقرة، الآية: 286.
(18) سورة يونس، الآية: 54.
(19) سورة يس، الآية: 54.
(20) سورة آل عمران، الآية: 192.
(21) سورة الحجر، الآية: 85.
(22) سورة القمر، الآية: 49.
(23) سورة
السّجدة، الآية: 7.
(24) سورة طه، الآية: 53.
(25) سورة آل عمران، الآية: 18.
(26) سورة فصّلت، الآية: 46.
(27) سورة
التّوبة، الآية: 115.
(28) سورة الاسراء، الآية: 15.
(29) سورة
النّساء، الآية: 165.
(30) سورة
الشّمس، الآية: 8.
(31) سورة
الدّهر، الآية: 3.
(32) سورة البلد، الآية: 10.
(33) سورة آل عمران، الآية: 194.
(34) سورة آل عمران، الآية: 195.
(35) سورة
النّحل، الآية: 97.
(36) سورة فصّلت، الآية: 46.
(37) سورة
النّحل، الآية: 90.
(38) سورة الحديد، الآية: 25.
(39) سورة البقرة، الآية: 213.
(40) بحار الأنوار: ج11، ص32.
(41) سورة الأحقاف، الآية: 35.
(42) بحار
الأنوار: ج11، ص33 و 52.
(43) سورة الأعراف، الآية: 59.
(44) سورة آل عمران، الآية: 194.
(45) سورة
الرّعد، الآية: 35.
(46) سورة آل عمران، الآيتان: 84
- 85.
(47) الكامل في
التّاريخ: ج 2، ص 61.
(48) سورة الجمعة، الآية: 2.
(49) سورة آل عمران، الآية: 64.
(50) سورة
النّحل، الآية: 36.
(51) سورة الحديد، الآية: 25.
(52) سورة الأعراف الآيات: 106
- 108.
(53) سورة
الشّعراء، الآيات: 63
- 67.
(54) سورة الأنبياء، الآيتان: 68
- 69.
(55) سورة الإسراء، الآية: 58.
(56) سورة
الشّورى، الآية: 51.
(57) سورة الجنّ الآيات: 26
- 28.
(58) سورة الكهف، الآية: 17.
(59) سورة
النّساء، الآية: 64.
(60) سورة الأعراف، الآية: 188.
(61) سورة الجنّ، الآيتان: 26
- 27.
(62) سورة آل عمران، الآية: 44.
(63) سورة الأحزاب، الآية: 40.
(64) الكافي
:ج 2، ص 17/ح 2.
(65) سورة سبأ، الآية: 28.
(66) مناقب ابن شهر آشوب: ج1، ص 58، الغدير: ج 7، ص 359.
(67) سورة الأحزاب، الآية: 33.
(68)
نهج البلاغة - الخطبة 237 - 239.
(69) سورة
النّحل، الآية: 44.
(70) البحار: ج 40، ص 336/ح 27.
(71) مستدرك
الصّحيحَيْن: ج 3، ص 147.
(72) سورة
الشّعراء، الآية: 214.
(73) مسند أحمد:
ج 1،159، تفسير الطّبريّ: ج 2، 406 وغيرهما.
(74) صحيح البخاريّ: 6/3 بع 12 13 هـ باب
غزوة تبوك.
صحيح مسلم: 7/120 باب فضائل الإمام عليّ (عليه السّلام).
سنن
ابن ماجة: 1/55 باب فضائل أصحاب النّبيّ (صلّى الله عليه وآله
وسلّم).
مستند الإمام أحمد: 1/173.. وغيرهم.
(75) كتاب المراجعات: ص 39 إلى 51.
(76) صحيح مسلم: 7/122، سنن
التّرمذيّ: 2/307، سنن الدّراميّ 2/432،
مسند أحمد: 3/14، 17... وغيرهم.
(77) مستدرك الحاكم: 2/151 والخصائص الكبرى للسّيوطيّ 2/266.
(78) صحيح مسلم: 1821.
(79) كنز العمّال: 497.
(80) الكافي: ج 1، ص 169
- 171.