الميسّر في علوم القرآن


 أول من جمع القرآن

 

 عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال سمعت سلمان الفارسي لما أن قبض النبي وصنع الناس ما صنعوا جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ابن الجراح فخاصموا الأنصار فخصموهم... إلى أن يقول سليمان: فلمّا رأى علي - عذرهم وقلّه: وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلّفه ويجمعه فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع ملمّا جمعه وكتبه بيده تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ بعث إليه أبو بكر أخرج فبايع فبعث إليه علي إني لمشغول، وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي رداءً ألاّ لصلاة حتى أولف القرآن وأجمعه فسكتوا عنه أيّاماً فجمعه في ثوب واحدٍ وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله فنادى علي بأعلى صوته: أيّها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله..ز مشغولاً بغسله ثم بالقرآن حتى جمعه كلّه في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسول الله آية إلاّ وقد جمعتها وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول الله وعلّمني تأويلها، ثم قال لهم عليّ لئلا تقولوا غداً، إنّا كنّا عن هذا غافلين ثم قال لهم علي لا تقولوا يوم القيامة إني لم أعدكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي ولم أعدكم إلي، كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته، فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه ثم دخل علي بيته [1].

 

أبان عن سليم قال رأيت علياً في مسجد رسول الله في خلافة عثمان وعدة جماعة يتحدثون ويتذاكرون الفقه والعلم، وفيهم طلحة، والخبر طويل نقتطف منه موطن الشاهد؟ قال طلحة يا أبا الحسن شيء أريد أن أسألك عنه رأيتك خرجت بثوب مختوم فقلت أيها الناس إني لم أزل مشغولاً برسول الله بغسله وتكفينه ودفنه ثم شغلت بكتاب الله حتى جمعته لم يسقط منه حرف، فلم أر ذلك الذي كتبت وألّفت، ورأيت عمر بعث إليك حين استخلف (2) أن ابعث به إلي فأبيت أن تفعل فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية القرآن كتبها وما لم يشهد عليه غير رجلٍ واحد رماه ولم يكتبه، وقد قال عمر وأنا أسمع قد قتل يوم اليمامة رجال كانوا يقرؤون قرآناً لا يقرأه غيرهم فذهب وقد جاءت شاة إلى صحيفة وكتَّاب عمر يكتبون فأكلتها وذهب ما فيها والكاتب يومئذٍ عثمان فما تقولون وسمعت عمر يقول وأصحابه الذين ألّفوا وكتبوا على عهد عمر وعلى عهد عثمان:

إن الأحزاب تعدل سورة البقرة والنور ستون ومائة آية والحجرات ستون كتاب السقفية لسليم بن قيس ص 81 ط دار الفنون – بيروت 1980.

آية والحجر تسعون ومائة آية فما هذا، وما يمنعك يرعك الله أن تخرج ما ألّفت للناس وقد شهدت عثمان حين أخذ ما ألّف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة وفرّق مصحف أُبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار فما هذا؟ فقال أمير المؤمنين عندي بإملاء رسول الله وكل حلال أو حرام أوحدّ أو حكم أو شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش قال طلحة كل شيء من صغير أو كبير أو خاص أو عام أو يكون إلى يوم القيامة فهو مكتوب عندك قال نعم وسوى ذلك أن رسول الله أسرّ إليّ في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يا طلحة ألست قد شهدت رسول الله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلّ الأمة وتختلف فقال صاحبك ما قال أن نبي الله يهجر فغضب رسول الله قال بلى قد شهدت، قال فإنكم لمّا خرجتم أخبرني بالذي أراد أن يكتب فيها ويشهد عليها العامّة فأخبره جبرائيل إن الله عزّ وجلّ قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة. ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد عليّ ثلاثة رهط سلمان وأبا ذر والمقداد وسمّى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة فسمّاني أوّلهم ثم ابني الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا يعني الحسين كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد قلا نشهد بذلك على رسول الله فقال طلحة والله لقد سمعت رسول الله يقول لأبي ذر ما أظلّت الخضراء ولا ألّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر وأنا أشهد انهما لم يشهدا إلاّ بالحق ولأنت أصدق عندي منهما، ثم قال على طلحة فقال اتق الله وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يابن عوف اتّقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تخافوا في الله لومة لائم، قال طلحة ما أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك عنه من القرآن ألا تظهروه للناس، قال يا طلحة عمداً كففت عن جوابك قال فأخبرني عمّا كتب عمر وعثمان أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال طلحة: بل قرآن كله. قال إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة فإن فيه حجَّتنا وبيان حقّنا وفرض طاعتنا، فقال طلحة حسبي أما إذا هو قرآن فحسبي ثم قال طلحة فأخبرني عمّا في يدك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك قال إلى الذي أمرني رسول الله أن أدفعه إليه قال من هو؟ قال وصيّيي وأولى الناس بالناس بعدي ابني هذا الحسن ثم يدفعه ابني الحسن عند موته إلى ابني هذا الحسين ثم يصير إلى واحد واحد من ولد الحسين حتى يرد آخرهم على رسول الله حوضه هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم [1]. رواه الطبرسي في الاحتجاج الجزء الأول ص 145 – 155 فراجع تفصيله.

 

في تفسير القمي عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله قال: إن رسول الله قال لعلي يا علي القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة, فأنطلق عليّ فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم عليه في بيته وقال: لا أرتدي حتى اجمعه وإن كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه قال: قال الرسول لو أنّ الناس قرأوا القرآن كما أُنزل ما اختلف اثنان [2].

وفيه عن الثمالي عن أبي جعفر قال: ما أحد من هذه الأمّة جمع القرآن إلاّ وصيّ محمد [3] وفي الاحتجاج عن أبي ذر أنّه لمّا توفّى رسول الله جمع عليّ القرآن جاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليكم كما قد أوصاه بذلك رسول الله فلّما فتحه أبو بكر خرج في أوّل صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال يا علي أردده فلا حاجة لنا فيه. فأخذه عليّ وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قارئاً للقرآن, فقال له عمر: أن علياً جاءنا بالقرآن, وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد رأينا أن نؤلِّف القرآن ونسقط ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار, فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر عليّ القرآن الذي ألّفه أليس قد بطل ما قد علمتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه فدبّر في قتله على يد خالد بن الوليد, فلم يقدر على ذلك فلمّا أستخلف عمر سأل علياً أن يدفع إليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم. فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال علي هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنّما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجّة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئنا به, إن القرآن الذي عندي لا يمسّه إلاّ المطهرون والأوصياء من ولدي, فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال عليّ: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنّة عليه [1].

 

وفي احتجاج الحسن بن علي على معاوية... نحن نقول أهل البيت أنّ الأئمة منّا وإنّ الخلافة لا تصلح إلاّ فينا وإنَّ الله جعلنا أهلها في كتابه وسنّة نبيّه, وإنّ العلم فينا ونحن أهله وهو عندنا مجموع كله بحذافيره, وإنّه لا يحدث شيء إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش إلاّ وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله وبخط علي بيده.

وزعم قوم: أنهم أولى بذلك منّا حتى أنت يابن هند تدعي ذلك وتزعم: إنَّ عمر أرسل إلى أبي إني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إليّ بما كتبت من القرآن فأتاه فقال تضرب والله عنقي قبل أن يصل إليك. قال: ولم؟ قال: لأنّ الله تعالى قال: والراسخون في العلم إياي عني ولم يعنك ولا أصحابك فغضب عمر ثم قال:

يابن أبي طالب تحسب أن أحداً ليس عنده علم غيرك من كان يقرأ من القرآن شيئاً فليأتني به, إذا جاء رجل فقرأ شيئاً معه يوافقه فيه آخر كتبه وإلاّ لم يكتبه. ثم قالوا: قد ضاع منه قرآن كثير, بل كذبوا والله بل هو مجموع محفوظ عند أهله... الخ [1].

 

وفي المناقب لابن شهر آشوب عن ابن عباس قال: ضمن الله محمداً أن يجمع القرآن بعد رسول الله علي بن أبي طالب قال ابن عباس: فجمع الله القرآن في قلب علي وجمعه علي بعد موت رسول الله بستة أشهر. وفيه عن أبي رافع أن النبي قال في مرضه – الذي توفّي فيه لعلي يا عليّ هذا كتاب الله خذه إليك فجمعه علي في ثوب فمضى إلى منزله فلمّا قبض النبي جلس عليّ فألّفه كما أنزله الله وكان به عالماً.

وفيه عن أبي العلاء العطّار والموفق خطيب خوارزم في كتابهما بالإسناد عن علي بن رباح أن النبي أمر علياً بتأليف القرآن فألّفه وكتبه.

وقال أبو نعيم في الحلية والخطيب في الأربعين بالإسناد عن السدي عن عبد خير, عن علي قال لمّا قبض رسول الله أقسمت أو حلفت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى اجمع ما بين اللوحين فما وضعت رداي حتى جمعت القرآن.

 

وفي جواب المسألة التاسعة من المائل السروية قال الشيخ المفيد (رض):

لا شكّ أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله وليس فيه شيء من كلام البشر وهو جمهور المنزل. والباقي ممّا أنزله الله تعالى عند المستحفظ للشريعة, المستودع للأحكام لم يضع منه شيء. وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع لأسباب دعته إلى ذلك منها: قصورُهُ عن معرفة بعضه, ومنها شكُّه فيه وعدم تيقّنه, ومنها: ما تعمّد إخراجه منه. وقد جمع أمير المؤمنين القرآن المنزّل من أوّله إلى آخره. وألّفه بحسب ما وجب من تأليفه فقدّم المكيّ على المدني والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شيءٍ منه في محلّه [1].

وفي تفسير العياشي قال علي: إن رسول الله أوصاني إذا واريته في حفرته أن لا أخرج من بيتي حتى أولّف كتاب الله فإنه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل.

قال الحارث المحاسبي في (فهم السنن) كتابة القرآن ليست بمحدثة, فإنه كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرّقاً في الرقاع والأكتاف والعسب والقرطاس ووردت روايات في أن وضع الآيات في مواضعها في القرآن بأمره وأنها توقيفيّه [1].

ومن العجيب جداً أن يتجاهل محمد أبو زهرة مصطف أمير المؤمنين الذي جمعه أولاً زمن الرسول, وبُعيد وفاته ثانياً.

وقد علم أبو زهرة وأحزابه من المعاصرين بل وحتى المتقدّمين علموا أن جمع القرآن بعدّ من أكبر الفضائل وأجلّ الأعمال, لذا نسبوا هذا العمل مرّة للخليفة الأول وثانية للخليفة عمر وثالثة لعثمان وتجاهلوا عمّا فعله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب, والسبب غير خفي لذي عينين...

 

وهناك روايات ذكرها السيوطي في الاتقان 1/ 58 والعياشي في تفسيره وذكرها الزنجاني في تاريخ القرآن والشيخ الكليني في الكافي, ومحمد بن سيرين ينقل ابن كثير في فضائل القرآن ص 14. بعد كل هذا يأتي الدكتور عبد الصبور شاهين ليقف على رواية واحدة في هذا الباب ثم يردّها لا لشيء, وإنّما لذكر كلمة (مصحف) في الرواية التي يرويها السجستاني عن أشعث عن محمد بن سيرين. ثم يقول: وهو – أشعث – لين الحديث. بعد هذا أردف قائلاً: وإنّما رووا: حتى جمع القرآن. يعني أُتِمَّ حفظه فإنه يقال للذي يحفظ القرآن. قد جمع القرآن. أقول قد ثبت بطلان هذا التأويل. وفيما سبق اتّضح لك أن كلمة جمع يراد بها جمع ما هو مكتوب كما أن العرف يفهم من الكلمة هذا الاستعمال دون غيره, أضف إلى أن سياق العبارة يساعد ذلك. ثم نوجّه الكلام إلى الدكتور شاهين فنقول: لماذا أغمضت عن ذكر الطرق الأخرى والتي نصّت على أن علي بن أبي طالب هو أول من جمع القرآن وبإشارة من النبي؟! فلو سلّمنا أن أشعث ليّن الحديث, فهل الروايات الأخرى والتي جاءت بطرق معتبرة ترفضها؟ فهناك رواية عن أب ذر وأخرى عن سلمان وثالثة عن علي بن رباح ورابعة عن عبد خير عن علي وخامسة عن أبي رافع وسادسة عن ابن عباس وسابعة عن الامام الحسن بن علي وثامنة عن أبي جعفر الباقر وتاسعة عن أبي عبد الله الصادق وعاشرة عن سليم بن قيس و...

فهل من الإنصاف أن نردّ هذه الروايات, وأخرى قد بلغت حدّ التواتر؟ أم ماذا؟ نترك الجواب للدكتور شاهين, عسى أن يذعن للحق.

 


  جمع القرآن في زمن أبي بكر

 

توجد بأيدينا عدة روايات تنص على أن القرآن جمع زمن أبي بكر، والذي باشر في جمعه زيد بن ثابت، وأغلب الروايات أن زيد كان المباشر الأوّل، وربّما استعان ببعض الصحابة أخرج السجستاني في كتاب المصاحف عن علي قال رحم الله أبا بكر هو أوّل من جمع بين اللوحين. وهناك عدّة روايات نقلها السجستاني بطرق أخرى غير أن تلك الروايات فيها من الضعف ما لا يخفى، سنداً ومتناً.

السجستاني بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما استحر القتل بالقرّاء يومئذٍ فرقّ أبو بكر على القرآن أن يضيع فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت اقعدوا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. (المصاحف ص 6).

 

أقول: انفرد أبو بكر السجستاني في كتابه المصاحف برواية أسند فيها الجمع إلى أبي بكر الخليفة فقال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن سالم وخارجه أن أبا بكر الصديق كان جمع القرآن في قراطيس وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فاتى حتى استعان عليه بعمر ففعل، وكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم كانت عند حفصة زوج النبي (كتاب المصاحف ص 9).

تؤكّد الروايات من طرق إخواننا السنّة على أن جمع القرآن كانت خطوته الأولى من أبي بكر، وفي عهده، وبعد مقتل جملة من الصحابة في حروب اليمامة حتى قيل أن (400) قارئاً للقرآن قد استشهد في ذلك اليوم بين (1000) شهيد [1] وهو رقم كبير، حيث أن العدد (400) يمثّل الطبقة الواعية المثقفة باصطلاح اليوم وقارئ القرآن كانت له منزلة كبيرة ومحترمة بين المسلمين آنذاك وذهابه يعني ذهاب الطبقة العلمية التي أخذت على عاتقها تعليم المسلمين وتفقيههم في الدين.

وروايات أخرى تقول كان جمعه بمشورة من عمر. ثم هناك رواية؟ تقدّمت عن أبان عن سليم بن قيس. أن عمر لمّا استخلف أراد أن يجمع القرآن فطلب من الإمام أمير المؤمنين أن ياتي بالمصحف الذي كتبه... الخ.

 

عن عبيد بن السبّاق أن زيد بن ثابت قال أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر (رضي) أن عمر أتاني فقال أنّ القتل قد استحرّ [2] يوم القيامة بقرّاء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر.كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله قال عمر هذا والله خيرٌ فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيدٌ قال أبو بكر إنك رجلٌ شابٌ عاقل لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلّفوني نقل جبل ما كان أثقل عليّ ممّا أمرتني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال هو والله خيرٌ فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب [1] واللخاف [2] وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحدٍ غيره لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم سورة التوبة آية 128 حتى خاتمه براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفّاه الله، ثم عند عمرحياته، ثم عند حفصة بنت عمر [3].

 

البخاري بسنده عن ابن االسباق قال أن زيد بن ثابت قال أرسل إليّ أبو بكر، قال إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله فاتبع القرآن، فتتبّعتُ حتى وجدت آخر سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع أحدٍ غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم إلى آخرها [4].

قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه سورة الأحزاب آية 23 فالحقناها في سورتها في المصحف [1].

وأخرج ابن أبي داود من طريق هشام بن عروة عن أبيه: أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه [2] قال ابن حجر: وكأنّ المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب.

وقال السخاوي في كتاب جمال القرّاء: المراد أنّهما يشهدان على أنّ ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله. أو المراد أنّهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن.

وقال أبو شامه: وكان غرضهم ألاّ يكتب إلاّ من عين ما كُتب بين يدي النبي لا مجرّد الحفظ. قال: ولذلك قال في آخر سورة التوبة: لم أجدها مع غيره. أي لم أجدها مكتوبة مع غيره، لأنه كان يكتفي بالحفظ دون الكتابة [3].

 أقول لا يخفى من خلال هذه الأقوال أن القرآن كان مجموعاً بصورة كاملة في زمن النبي. وقد بيّنّا ذلك فيما سبق ثم نؤكّد الأمر ما ذكره الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن، قال: كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنّه كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرّقاً في الرقاع والأكتاف والعسب فإنّما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعاً، وكان ذلك بمنزلة أوراقٍ وُجدت في بيت رسول الله فيها القرآن منتشراً فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء [1].

 

لا يخفى أن الذي جمعها - كما تقدّم - وربطها بخيط هو الإمام علي بن أبي طالب.

أمّا ما ورد من أن القرآن جمعه عمر بن الخطاب فلم توجد فيه رواية - صريحة [2]، بل نقل ابن أبي داود في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قدم عمر فقال: من كان تلقى من رسول الله شيئاً من القرآن فليأت به. وكانوا يكتبون ذلك في المصحف والألواح والعُسُب، وكان لا يقبل من أحدٍ شيئاً حتى يشهد شهيدان [3].

أكثر من هذا لا يوجد، وأنت خبير أن الرواية لا تدل على أن عمر خط القرآن بيده، بل عقب السيوطي على الخبر فقال: وهذا يدلّ على أن زيداً لا يكتفي لمجرد وجدانه مكتوباً حتى يشهد به من تلقّاه سماعاً مع كون زيد كان يحفظ، فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط.

فالعبارة صريحة أن زيد هو الذي تولى هذا الجمع، نعم نستطيع القول بأن جمع زيد كان بإشارة عمر، وقد ذكرنا قبل هذا أن عمر هو الذي أشار إلى أبي بكر في جمع القرآن، وربّما كان الخبرين متّحدان، وبالنتيجة يكون الجمع - لو سلّمنا بهذا الخبر - بامر أبي بكر. وهذا هو الجمع الثاني الذي تأخّر عن جمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

قال ابن حجر: ووقع في رواية عمارة بن غزية: أن زيد بن ثابت قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأديم والعُسب فلمّا هلك: أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده [1].

 

 

[1] مصادر الجمهور تذكر أن أبا بكر أمر زيد بن ثابت وعمر أن يجلسا بباب المسجد وقال لهما فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه.

[1] كتاب السقيفة لسلم قيس ص 132 ط دار الفنون 1980 بيروت. وتفسير الصافي ج 1/ ص26 ط حجري.

[2] تفسير الصافي ج1/ ص24 للمولى محسن يدعو بالفيض الكاشاني.

[3] المصدر السابق.

[1] الاحتجاج 1/ 155 ط2 1983 مؤسسة الأعلمي بيروت. وتفسير الصافي ط حجريه ح 1/ 27.

[1] الاحتجاج 2/ 288 ط2 بيروت 1983.

[1] تفسير العياشي 1/ 13, المسائل السروية ص 79 من الجلد السابع تحقيق صائب عبد الحميد ط1 – 1413.

[1] تاريخ القرآن – الزنجاني ص 23.

[1] تاريخ الطبري حوادث سنة 11 و 12 للجهرة.

[2] إستحرّ: إشتّد.

[1] العسب: جمع عسيب وهو جريد النخل، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض والذي يكتب عليه الخوص وهو السعف.

[2] اللخاف: جمع لخفة الحجر الأبيض الرقيق.

[3] صحيح البخاري 6/ 98.

[4] صحيح البخاري 6/ 899

[1] صحيح البخاري 6/ 99 يبدو من هذا الخبر أن زيد بن ثابت كان واحداً من بين عدّة من الصحابة الذين كلّفوا بجمع القرآن.

[2] وفي موطأ ابن وهب: عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ابن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك [ف]بى حتى استعان بعمر ففعل.

[3] الإتقان ا/ 184.

[1] الإتقان 1/ 185.

[2] ذكر العلامة صبحي الصالح: امّا عمر فقد سجّل له التاريخ انه صاحب فكرة. انتهى، وهذا يعني ان عمر بن الخطاب لم يباشر بجمعه ولا اشترك مع غيره، فافهم.

[3] الإتقان ا/ 184.

[1] المصدر السابق ا/ 186.