تحريك لليسارإيقافتحريك لليمين
نافذة من السماء، العدد السادس والعشرون.
مجلة هدى القرآن العدد الثاني والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد السادس والتسعون
نافذة من السماء، العدد الخامس والعشرون
مجلة هدى القرآن العدد الواحد والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد الخامس والتسعون
مجلة هدى القرآن العدد التاسع عشر
مجلة أريج القرآن، العدد الواحد والتسعون
مجلة أريج القرآن، العدد التسعون
 
التصنيفات
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة
مجلة هدى القرآن العدد السابع عشر

العدد السابع عشر ـ السنة السادسة

 

العدد السابع عشر ـ السنة السادسة ـ لشهر محرم إلى ربيع الثاني 1437هـ، كانون الثاني 2015 م
مجلة داخلية تصدر عن جمعية القرآن الكريم، تُعنى بالثقافة القرآنية

لسحب العدد بصيغة PDF اضغط هنا

 

 

- الافتتاحية : سبيل رقي الأمّة هو القرآن.

- القرآن والقادة: القرآن في نظر الإمام الخميني (قدس سره) .

- وعد القرآنُ الكريم بالحياة الطيبة.

- كربلاء مِفصلاً تاريخياً هاماً في تاريخ الإسلام.

- التفسير والبيان: نعمة الهداية والقيادة المعصومة من أهم النعم.

- مفردات قرآنية: الآيات من سورة الإسراء((105) إلى (111)) .

- الأمثال في القرآن: تمثيل الإنفاق في سبيل الله بالسنبلة.

- مناهج التفسير: تفسير القرآن بالقرآن.

- علوم قرآنيَّة: القُرّاء السبعة.

- استفتاءات قرآنية: لسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله) .

- قصص قرآنيَّة: قصَّة النبي صالح (عليه السلام) في القرآن.

- القرآن في نهج البلاغة: زَمَانٌ لاَ يَبْقَى مِنَ اَلْقُرْآنِ إِلاَّ رَسْمُهُ.

- الأخلاق في القرآن: أركان التّوبة.

- الجهاد في القرآن الكريم: مفهوم وفلسفة الجهاد في القرآن.

- المرأة في القرآن: المقام السامي للمرأة في القرآن.

- العقيدة في القرآن: الإمامة في القرآن الكريم.

- حوارات قرآنية: مع ريّان جمال رضا حافظة لكامل القرآن الكريم.

- أشهر القرّاء المبدعين: القارىء السيد مهدي سيف (من الجمهورية الإسلامية الإيرانية)

- مقابلة العدد: مع القارىء منصور جمعة منصور، من جمهورية مصر العربية.

- حفظ القرآن: كيف نساعد أطفالنا على حفظ القرآن الكريم؟.

- دروس في علم التجويد: كيفية الوقف على أواخر الكلمات وأنواعه (2) .

- كلام أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن.

- نباتات ذكرت في القرآن.

- حيوانات ذكرت في القرآن.

- أنشطة الجمعية.

- مسابقة العدد .

 

 كلمة العدد 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 

يقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ . صدق الله العلي العظيم.

يلازم الضيق لمن أعرض عن ذكر الله، فالإعراض يبعد القلب عن الهدوء، والنفس عن الطمأنينة، ويجعل الإنسان يعيش الانفلات من الرقابة الذاتية فلا كابح لشهواته ورغباته ونزواته، فيكون همّه اشباعها بأيّ طريق أمكن دون النظر إلى الآثار الوخيمة المترتبة على ذلك. فالمجالس وحلقات الذكر بيئة اجتماعية متكاملة تترك آثارها الملموسة على الإنسان تأثراً بالجماعة التي تتألف منها المجالس وحلقات الذكر ؛ حيث تخلق أجواءً تربوية فكرية وسلوكية تؤثّر تدريجياً على المشاركين فيها، وقد أطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مجالس الذكر وحلقات الذكر مصطلح «رياض الجنّة». قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «بادروا إلى رياض الجنّة»، قالوا: يارسول الله، وما رياض الجنّة ؟ قال: «حَلَق الذِّكر». وتتنوع مجالس وحلقات الذكر بتنوّع الظروف والأوضاع، كمجالس العلماء، ومجالس الصالحين، وجلسات حفظ القرآن الكريم وتلاوته، ومجالس العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، ويلحق بها الاحتفالات والمهرجانات التي تُقام على مدار السنة في شهر رمضان والأعياد ومناسبات ولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام)، ويوم المبعث، ويوم الغدير وغير ذلك. ومجالس الصالحين لها أثر كبير في الاصلاح والتغيير، وكما ورد عن الامام زين العابدين (عليه السلام): «مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح». ومن مجالس الصالحين مجالس الذكر وتلاوة القرآن، قد حثّ أهل البيت (عليهم السلام) عليها لدورها في التربية والاصلاح. ونحن في جمعية القرآن الكريم نسأله تعالى الوصول إلى الصلاح بالتربية القرآنيَّة وذكر الله، إنه سميع مجيب.
 

جمعية القرآن الكريم
للتوجيه والإرشاد

 

    الافتتاحية



اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالِميْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ
عَلى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّد وآلِهِ الطَّيِبيْنَ الطّاهِرِيْنَ.

قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ .

بين سبحانه فضل هذه الأمة على سائر الأمم وأخبر عزَّ اسمه أنه جعل أمة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عدلاً وواسطة بين الرسول والناس وفي كل عصر لا يخلو من جماعة هذه صفتهم، عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه. وفي رواية أخرى، قال: إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصر. وعن علي (عليه السلام): أن الله تعالى إيانا عنى بقوله ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾ فرسول الله شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه ونحن الذين قال الله تعالى: ﴿ لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ . لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا وفي الآخرة فالأشهاد أربعة الملائكة والأنبياء وأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والجوارح كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ وأنهم يشهدون للأنبياء على أممهم المكذبين لهم بأنهم قد بلغوا، وعلى من يؤمن بالرسول ويتبعه في أقواله وأفعاله وعلى من يرتد عن الإسلام، وما كان الله ليضيع إيمانكم الذي استحققتم، والله رؤوف بالناس لا يضيع عنده عمل عامل منهم.
لقد جمعت رسالة الإسلام شتات أمة، فصنعت منها الحضارة الأقوى في العالم. فقد كان العرب قبل الإسلام يعيشون في مناطق متناثرة من أرض الجزيرة العربية وأطرافها، فحوّلهم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في مدة قياسية جداً إلى أمّة شاهدة على الناس بالقسط والعدل.
فالقرآن الكريم يفجر في الإنسان طاقاته، ويلملم شتات البشرية تحت راية واحدة، لاسيما وأنه كتاب حيٌّ ينبض بالفاعلية والروح إلى يوم القيامة.

فالله سبحانه وتعالى وعد الإنسان بالثواب وتوعّده بالعقاب ؛ بمعنى أن الخالق المتعال لم يخلق الإنسان ليفنى، وأنه لم يجعل حدوده في الدنيا، إذ هذه الأخيرة ليست إلاّ وسيلة من وسائل بني البشر، ليرقوا بها إلى ما هو أعلى وأرقى.
وحينما يفتح القرآن مثل هذا الأفق الواسع أمام الإنسان، فإنه يبعث فيه الروح والعزم والإرادة، ثم إنه يدعوه إلى الجهاد، هذه الفريضة المقدسة التي لا تعني القتال فقط، بل هي تعني بذل المزيد من الجهد في كافة مناحي الحياة؛ فهي تعني الإنفاق والإحسان والعطاء والتغلب على هوى النفس ووساوس الشيطان، لغرض التحرر من الهوى الشرير وقيود الباطل.
إن المؤمنين -وعبر هذه البصيرة الإلهية- سيعلمون أن أمامهم آفاقاً واسعة وأن عليهم أن يبلغوها، ويعلمون أيضاً أن أجلهم محدود في هذه الدنيا، وبالتالي فإنهم سيضغطون على أنفسهم ما استطاعوا حتى يفجروا طاقاتهم المودعة فيهم من قبل الله فيصلوا إلى معدن الحكمة والتطور ورضا خالقهم عنهم.

إن الصفة الأساسية لاتباع القرآن تكمن في أنهم لا يسمحون لأن تكون أعمارهم ضحية أو هباءً، فتراهم لا يستسلمون للهواجس والوساوس واللهو واللعب وتفاهات الأُمور، وهم في تطلع دائم إلى الأسمى والأرقى والأحسن من الوجود سواء على صعيد الدنيا أو الآخرة.
إن من الفلاسفة من دعا إلى أن يصنع الإنسان الطبيعة، ولكن كتاب الله دعا إلى أن يصوغ الإنسان نفسه صياغة جديدة، وإلى أن يصنع الطبيعة من حوله، وبهذه الدعوة فقد سبق القرآن جميع المذاهب الفلسفية والفكرية والاجتماعية.

أما سبيل العودة إلى التاريخ الناصع والمنقذ والمخلّص، فليس ثم خيار سوى العودة إلى سبب التقدم والعظمة، وهو القرآن الكريم وما يحوية من بصائر نورانية، فنتفتّح عليها ونستفيد منها ونصوغ أنفسنا كأفراد وشعوب ضمن ما رسمته لنا لكي نكون خير أُمة أُخرجت للناس، ولكي نكون شاهدين عليهم ؛ أي لنكون المقياس الذي تقاس به الأمم من حولنا كما كان الرسول شهيداً علينا وقدوة ومقياساً لنا.
في الختام أشير إلى سجايا سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) الذي نعيش ذكرى شهادته قمّة الرقي التزاماً بالقرآن الكريم فهي: تتضمن الأوصاف والألقاب منها الشاهد التي نُعِت بها سيد الشهداء ـ وخاصة في كتب الزيارة ـ آفاقا وأبعادا شتى، تعكس بأجمعها مقامه الرفيع، ومنزلته العالية عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) .
إليكم فيما يلي جملة من هذه الصفات التي يمكن استخلاصها من خلال نظرة إجمالية إلى ما ورد في زيارات «مفاتيح الجنان» منها: الإمام، الشهيد، الرشيد، المظلوم، المقتول، المخذول، المهتضم، المجاهد، العابد، قتيل العبرات، أسير الكربات، صريع العبرة الساكبة، قتيل الكَفَرة، طريح الفَجَرة، قتيل الله، ثار الله، حجة الله، باب الله، خالصة الله، ولي الله، صفي الله، حبيب الله، سفير الله، أمين الله، عبدالله، وتر الله، الدليل على الله، الداعي إلى الله، عيبة علم الله، موضع سر الله، النور، الثائر، الطيب، الصدّيق، الطُهر، الطاهر، المطهّر، عمود الدين، دليل العالِم، شريك القرآن، الوصي المبلّغ، السبط المنتجب، سفينة النجاة، خامس أصحاب الكساء، سبط الرسول، سيد شباب أهل الجنة، قتيل الظمأ، غريب الغرباء، باب المقام، باب حكمة رب العالمين، الشاهد، الوارث، الوتر الموتور، خازن الكتاب المسطور، وارث التوراة والإنجيل والزبور، سيد الشهداء و… الكثير من الألقاب والصفات الأخرى التي هي مظهر الرقي الصافي.

السَّلام عليكَ يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك عليك منِّي سلامُ الله أبداً ما بقيتُ وبقيَ اللّيلُ والنهارُ ولا جعلهُ الله آخرَ العهدِ منِّي لزيارتكم السَّلام على الحُسين وعلى عليٍّ بن الحُسين وعلى أولاد الحُسين وعلى أصحاب الحُسين.

رئيس التحرير

 

  القرآن والقادة



القرآن في نظر الإمام الخميني (قدس سره)
 

من المفردات المهمة التي أولاها الإمام الخميني (قدس سره) العناية والرعاية هي «القرآن الكريم» الدستور الأساس للشريعة الإلهية الخاتمة، حيث إن هذا الكتاب كان قد تحول في حياة الأمة الإسلامية إلى مجرد طقوس ومظاهر خالية من القدرة على الفهم والاستيعاب لمعاني ذلك الكتاب الخالد، وصار جزءاً من التقاليد التي لا حياة فيها كالقراءة على الأموات وفي المناسبات الحزينة، أو يوضع للتبرك في البيوت كجزء من عادات المسلم لا أكثر ولا أقل، أو يتغنون به في حفلات التجويد لمجرد الاستمتاع بالنغم الجميل للمقرئ الذي يستعمل أساليب ترديد الصوت وترجيعه.
هذه الطريقة من التعامل مع القرآن التي يرى الإمام (قدس سره) أنها لعبت دوراً سلبياً في حياة الأمة، نظراً لما يحتويه هذا الكتاب المقدس من خلاصة التجارب الاجتماعية للشعوب عبر العصور، وعن أسباب اندحارها وسقوطها، وتوضيح أن السبب الأساس لكل ذلك الانحراف هو الابتعاد عن الصراط المستقيم الذي اختاره الله للإنسانية.

ولهذا كان يرى الإمام (قدس سره) أن هجر الأمة للقرآن هو السبب في إذلالها واستعبادها، لأنها بتركه لن تكون بمنأى عن السقوط أمام الأعداء، كما حصل فعلاً في العصر الذي سبق انتصار الثورة منذ أول هذا القرن عندما وقف ذلك القائد الإنكليزي عند أبواب القدس وقال (الآن انتهت الحروب الصليبية) أو ذاك الأجنبي الذي قال (بأنه ما دام المسلمون متمسكين بالقرآن فلن نستطيع أن نهزمهم) .

من هنا نرى الإمام (قدس سره) يقول (القرآن للجميع، ويُؤمّن سعادة الجميع، في ظل القرآن استطاع الإسلام في نصف قرن أن ينتصر على امبراطوريات زمانه، ونحن، ما دمنا في ظل القرآن فإننا سوف نغلب أعداءنا، وإذا أبعدنا أعداؤنا لا سمح الله عن الإسلام والقرآن فإننا سوف نجلس ونرى أننا نعيش في الذلة والعبودية. إن الاستقلال والحرية إنما هما في الاقتداء بالقرآن الكريم والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

من هنا نرى أن الإمام (قدس سره) يرى أن القرآن الكريم بما يحتويه بين دفتيه منبع عظيم للمعارف الإنسانية في شتى المجالات، ويقول (... فإن على كل طائفة من العلماء... أن يصرفوا الوقت للخوض في الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والحرب والصلح حتى يعلم أن هذا الكتاب هو منبع كل شيء، من العرفان والفلسفة إلى الأدب والسياسة حتى لا يقول الجهلة إن العرفان والفلسفة أوهام وتخيلات أو أن يقولوا ما للإسلام والسياسة والحكومة وإدارة البلاد، فهذا عمل السلاطين ورؤساء الجمهورية وأهل الدنيا... أو أنه الإسلام دين الصلح بل هو بريء من الحرب والمنازعة مع الظالمين، فسبَّبوا للقرآن ما سببته الكنائس الجاهلية والسياسيون المخادعون للدين المسيحي) .
ولهذا يطلق الإمام (قدس سره) ضد كل هؤلاء الذين يتلاعبون بالقرآن ويُحرِّفون آياته ويشترون بها ثمناً قليلاً صرخة براءة منهم، ويطلب من الحوزات العلمية وأهل التحقيق والجامعات أن تعمل على إنقاذ القرآن من شر جهل هؤلاء، أي من (الجهلاء المتنسكين والعلماء المتهتكين الذين يشنون الغارات عن علم وعمد...) .

فالإمام (قدس سره) ينظر إلى القرآن على أنه قابل لتزويد الإنسانية بكل ما تحتاجه من القواعد العامة التي تعالج كليات القضايا التي تهم الإنسان في حياته ومصيره، وأن الإنسان لن يستطيع بسهولة فَهْمَ أبعاد ذلك الكتاب الإلهي الخالد ويقول (... مع أن ليس بمقدور البشر العاديين أن يفهموا أبعاده المختلفة،... ولكن بمقدار علم ومعرفة واستعداد أهل المعرفة والتحقيق في الفروع المختلفة، وببيانات ولغات متفاوتة وقريبة من الفهم عليهم أن يستفيدوا ويفيدوا الآخرين من هذه الخزينة اللامتناهية من العرفان الإلهي وهذا البحر المتلاطم للكشف المحمدي) .

لكل ما سبق نرى أن الإمام (قدس سره) يعطي النموذج عن القدرة التي يمكن أن تنتج عن الشعب المتمسك بالقرآن والمطبق لكل تعاليمه وإرشاداته، والمستفيد منه في واقع حركته لأنه يختزن عصارة التجارب الإنسانية عبر التاريخ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾، ومن هنا يقول (قدس سره) (نحن نفخر ويفخر شعبنا المتمسك بالقرآن من رأسه وحتى أخمص قدميه بأننا أتباع مذهب يهدف إلى إنقاذ القرآن من المقابر، هذا القرآن الذي تدعو حقائقه إلى الوحدة بين المسلمين، بل وبين عموم بني الإنسان، والذي يعتبر أعظم كتاب منقذٍ للإنسان من القيود المكبلة لرجليه ويديه وقلبه وعقله والتي تجره نحو الفناء والعدم والرق والعبودية للطواغيت) .

ولا شك أن إلفات الإمام لأنظار المسلمين إلى أهمية القرآن نابعة مما استفاده هذا القائد العظيم الملهم من ذلك الكتاب الخالد، فأدّب به نفسه أولاً وهذّبها، ثم انطلق يعلّم الأمة كيف تتعامل مع ذلك القرآن بما يحويه في سوره وآياته من الدلائل الباهرة والآيات الظاهرة التي تجلي البصر والبصيرة وتزيل عن العقول غشاوات الأوهام التي تروجها أبواق الدعاية للإعلام الاستكباري الذي يسعى لتحطيم معنويات الشعوب وهزم قناعاتها واعتقاداتها لتعيش الفراغ في هذا الجانب المهم والخطير معاً، وليكون هذا الصراع وسيلة لترويج عقائدهم وأفكارهم المنحرفة التي لا تنتج إلا عبثية واستهتاراً وركضاً خلف المغريات الدنيوية الرخيصة (1) .

الإمام الخميني (قدس سره) كان يدعوا المسلمين دائماً إلى التمسك والعمل بالقرآن الكريم ومما يشير إلى ذلك قوله: على المسلمين أن لا يغفلوا عن الأنس بالقرآن الكريم، هذه الصحيفة الإلهية، وكتاب الهداية، فكـلّ ما كان لدى المسلمين وما سيكون ليس سوى غيض من البركات الفياضة لهذا الكتاب المقدّس.
المهم هو أن يعمل المسلمون بالإسلام والقرآن، فالإسلام ينطوي على كلّ المسائل المرتبطة بحياة البشر في الدنيا والآخرة، وفيه كلّ ما يرتبط بتكامل الإنسان وتربيته وقيمه.
إنّ مشكلة المسلمين الكبرى تتمثل في هجرهم القرآن، والانضواء تحت لواء الآخرين.

اللهم اجعلنا من المتمسكين بالقرآن والعالمين به والعاملين به والمنقذين لأنفسنا بواسطته من كل ما يحرف مسيرتنا وأعمالنا عن ساحة الرحمة الإلهية اللامتناهية، وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
والحمد لله رب العالمين


(1) - كتاب: من أنوار العشق الخميني.

 

 القرآن والقادة



كلمة الإمام الخامنئي (دام ظله) في قرّاء القرآن الكريم (1)
وعد القرآنُ الكريم بالحياة الطيبة

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كانت هذه الجلسة اليوم جيدة جداً، وقد استمتعنا حقاً بالاستماع لآيات القرآن الكريمة من حناجر هؤلاء البلابل في رياض القرآن، وأتقدم بالشكر الجزيل لمقيمي هذه المراسم الحافلة القيّمة، و أتمنى أن نوفق للاقتراب من القرآن الكريم أكثر فأكثر.
الحقيقة أننا لا نزال بعيدين جداً عن القرآن وتفصلنا عنه مسافات كبيرة. يجب أن تكون قلوبنا قرآنية. وأرواحنا يجب أن تستأنس بالقرآن. إذا استطعنا أن نستأنس بالقرآن وأن نستوعب معارفه في قلوبنا وأرواحنا فسوف تكون حياتنا ومجتمعنا قرآنياً، وليس الأمر بحاجة إلى أنشطة وضغوط ورسم سياسات. أصل المسألة هو أن تكون قلوبنا وأرواحنا ومعارفنا قرآنية حقاً.

أقول لكم إنه جرت مساع طوال أعوام متمادية لخلق بون شاسع بين المعارف القرآنية وقلوب أبناء المجتمع والأمة الإسلامية. وتجري هذه المحاولات الآن أيضاً. في بعض البلدان الإسلامية الآن، يبدي بعض الرؤساء المسلمين استعداداً لحذف فصل الجهاد من التعليمات الإسلامية رعايةً لإرادة أعداء الإسلام. هم على استعداد لإقصاء المعارف القرآنية من التعاليم العامة في مدارسهم وبين شبابهم حينما تتعارض مع مصالح الأعداء. وتجري مثل هذه المساعي اليوم أيضاً.
وعدنا القرآنُ الكريم بالحياة الطيبة: ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ (2) . ما معنى الحياة الطيبة؟ ما معنى الحياة الطاهرة؟ معناها الحياة التي يجري فيها تأمين روح الإنسان وجسمه ودنياه وآخرته. الحياة الفردية فيها مؤمَّنة، وتسودها السكينة الروحية والطمأنينة والراحة الجسمية، ويتمّ فيها تأمين الفوائد الاجتماعية والسعادة الاجتماعية والعزة الاجتماعية والاستقلال والحرية العامة. هذا ما يعدنا به القرآن الكريم. حينما يقول القرآن: ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ فالمراد بها كل هذه الأمور، أي الحياة التي تتوفر فيها العزة والأمن والرفاه والاستقلال والعلم والتقدم والأخلاق والحلم والتجاوز عن الإساءة. تفصلنا مسافات عن هذه الأمور، وعلينا الوصول إليها.

الأنس بالقرآن ومعرفته يقرّبنا من هذه الظواهر، وهذا هو مردّ جلسات القرآن هذه، وهذه الدورات القرآنية، والمسابقات القرآنية، واندفاعنا لإعداد القرّاء والحفاظ وتربيتهم. كل هذه مقدمات لكنها مقدمات لازمة.
إننا نعاود توصية شبابنا الأعزاء بأن يستأنسوا بالقرآن ويجالسوه. وما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى أو نقصان في عمى (3) . في كل مرة تجلسون فيها مع القرآن يرتفع حجاب من حجب جهلكم، وتتفجر عين من عيون النور في قلوبكم وتجري. الأنس بالقرآن ومجالسته وتفهمه والتدبر فيه، هذه كلها ممارسات لازمة.

ومقدمة هذا العمل هي أن نستطيع قراءة القرآن وحفظه. حفظ القرآن مؤثر جداً. ليعرف الشباب قدرة فترة الشباب والقدرة على الحفظ، ولتشجّع العوائل أطفالها على حفظ القرآن، وتفرض ذلك عليهم. حفظ القرآن له قيمة كبيرة. حفظ القرآن يمنح الحافظ فرصة القدرة على التدبر في القرآن الكريم عن طريق تكرار الآيات. هذه فرصة وتوفيق فلا نضيّعه ولا نهدره. والحفّاظ يجب عليهم معرفة قدر هذه النعمة الإلهية الكبيرة، فلا يدعوا حفظهم للقرآن يضعف أو يزول لا سمح الله.
قراءة القرآن من بدايته إلى نهايته أمر لازم. ينبغي قراءة القرآن من أوله إلى آخره، وإعادة قراءته من أوله إلى آخره، ليتعرف ذهن الإنسان مرة واحدة على جميع معارف القرآن الكريم. طبعاً، لا بد من معلمين وأساتذة يفسرون لنا ويبينون لنا المشكل من الآيات، ويشرحون لنا معارف الآيات وبطونها. هذه كلها أمور لازمة. إذا كانت هذه الأمور تقدمنا إلى الأمام كلما تقدم الزمن، ولن نعود نعرف التوقف والمراوحة.

وأقول لكم إنه كانت لدينا طوال هذه الأعوام الواحدة والثلاثين مثل هذه المسيرة نحو الأمام. لم يكن ثمة ذكر للقرآن في بلادنا قبل الثورة. يظهر هنا وهناك عاشق للقرآن يقيم جلسة يجتمع فيها عشرة أو خمسة عشر أو عشرون من طلاب القرآن. شهدنا ذلك وقد كانت مثل هذه الجلسات في جميع المدن، في طهران، وعندنا في مشهد، ولكن لم تكن هذه الحركة الشبابية الهائلة نحو القرآن، ولم يكن هذا الشوق لقراءة القرآن وتلاوته وتربية هذه الأعداد الكبيرة من القراء المتبحرين في تلاوة القرآن.. لم يكن كل هذا. لم يكن ثمة حفظ للقرآن. حينما يأتي هؤلاء الشباب من حفظة القرآن ويقرأون القرآن حفظاً أشكر الله من أعماق قلبي. هذا ببركة الثورة والإمام، فاعرفوا قدره.

كلما اقتربنا من القرآن أكثر حدث شيئان أكثر: أحدهما: أننا سنقوى أكثر. والحدث الثاني: هو تكالب أعدائنا الدوليين علينا أكثر، فليتكالبوا. كلما سرنا نحو القرآن واقتربنا منه كلما غضب أعداء البشرية أكثر، وكالوا لنا التهم والأكاذيب، وبثوا عنا الإشاعات، ومارسوا ضدنا الضغوط الاقتصادية والسياسية وشتى صنوف الخبث والمكائد - ونرى أنهم يفعلون ذلك - ولكن في مقابل ذلك، تتضاعف قدراتنا وصبرنا وإمكانيات تأثيرنا يوماً بعد يوم، وتلاحظون أن هذا يحدث.
لاحظوا الجبهة التي تخاصم الجمهورية الإسلامية اليوم.. إنها جبهة طويلة وعريضة وقد تجمع فيها كل شياطين العالم وأشراره، من الصهاينة إلى الأمريكان، إلى أخبث الحكومات الغربية إلى أكثر الحكومات غير الغربية عمالة وحقارة - ولا نضيّق الدائرة أكثر - كلهم منخرطون في هذه الجبهة، وهم يفعلون كل ما يستطيعون. لا تظنوا أن ثمة شيء بوسع أعدائنا أن يفعلوه ضد الجمهورية الإسلامية ولم يفعلوه، لا، لقد فعلوا لحد الآن كل ما استطاعوه، ويفعلون كل ما يستطيعون فعله الآن. وأي شيء لا يفعلونه فلأنهم عاجزون عن فعله. لكن شعب إيران يقف باقتدار وعزة وشموخ أمام كل هذا.
يقول: «حبل ممدود من السماء» (4) .. هذا القرآن حبل إلهي متين إذا اعتصمنا به أمنّا من الزلل والسقوط والضياع وما إلى ذلك.

ربنا، أحينا بالقرآن وأمتنا بالقرآن واحشرنا مع القرآن. ربنا أرض عنا القرآن. ربنا لا تفصلنا لحظةً عن القرآن وأهل البيت. ربنا احشر شهداءنا الكرام والروح الطاهرة لإمامنا الجليل مع أوليائك.
ونشكر جميع الضيوف الأعزاء، خصوصاً هذين القارئين المحترمين الذين تليا القرآن الكريم، الشيخ نعينع، والشيخ شاذلي. كانت تلاوة كلٍّ منهما جيدة جداً. نسال الله أن يوفقهم ويؤيدهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


(1) - تاريخ الكلمة في: 15 /07 / 2010م.
(2) - سورة النحل، الآية: 97.
(3) - نهج البلاغة: الخطبة 176.
(4) - إرشاد القلوب: ج 2، ص 306.

 

  القرآن والقادة



كربلاء مِفصلاً تاريخياً هاماً في تاريخ الإسلام
من كلمة لسماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

من الأمور التي أكّد عليها الإسلام ونبيه وقرآنه الاهتمام بأحداث التاريخ وما جرى على الماضين ومتابعة قصصهم وأحوالهم. وليس ذلك فقط لمجرّد الاطّلاع، بل لفائدةٍ عظيمةٍ وجليلة. فليست مهمة القرآن الكريم كتابة التاريخ، وهو كتاب هداية وإرشاد، ولكنّ للتاريخ وأحداثه دوراً مؤثراً وبارزاً في الهداية والإرشاد والتّربية والتعليم، ولذلك نجد حضوره قوياً في القرآن الكريم وكذلك في مواعظ وكلمات وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) .
وكل ذلك لأجل الاستفادة واستخلاص العبر والدروس من تلك الأحداث ومن تجارب البشر طوال التاريخ، فيأخذ الإنسان بنقاط القوة، يتمسك بها، ويبني عليها، وينتبه لنقاط الضعف وللأخطاء فيجتنبها: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ (1) . وقد أراد القرآن من هذه القصص أن تشكّل باباً من أبواب الهداية والرّحمة الإلهية.

التاريخ أحداث وعِبَر:
إنّ حديثنا، ومن خلال ذلك، يتمحور حول أمرين: الأول: التوقف أمام أحداث التاريخ والاستفادة منها، والثاني: إمكانية تطبيق هذه الأحداث على واقعنا ثم معرفة العوامل المؤثرة والمساعدة في الثبات على طريق الحق.
إن الناس الموجودين في عصرنا لا يختلفون عن الناس الذين سبقوهم قبل مئات أو آلاف السنين، والذي يختلف من جيل إلى جيل هو المفردات والمصاديق والأدوات والوسائل والأساليب؛ نتيجة تطور العلوم والخبرات والتجارب. فالناس هم الناس.

سنن إلهية ثابتة:
ثم إنَّ الحياة البشرية، والمجتمعات البشرية، محكومة لقوانين وسنن إلهية ثابتة لا تتغيّر ولا تتبدّل بتغيّر وتبدّل الناس والمجتمعات ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ ﴾ (2) . فلذلك كانت دعوة الله لنا لنهتدي ونتّعظ بما قام به الماضون والسابقون ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾ (3)، فلننظر ونتأمّل ﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾ (4) .
ولتوضيح الفكرة، نذكر سنة تاريخية اجتماعية تَسَالَم عليها البشر جميعاً ونزلت في القرآن الكريم ﴿ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ (5) . فإذا وجدت جماعة بشرية موحّدة ومنسجمة فيما بينها ونظّمت شؤونها وأطاعت قيادتها فإنها تستطيع أن تصمد وأن تستمرّ وأن تتطوّر. وفي المقابل، فإن وجود جماعة متفرقة متنازعة تتقاذفها الأهواء غير مطيعة لقيادتها فإنها سوف تنهزم ولن تستمر ولن تتطوّر.

أسباب القوة والغلبة في التاريخ:
إذاً، التوحّد والتعاون والتكافل وطاعة القيادة ووحدة الكلمة هي من أسباب القوة والغلبة والنصر والاستمرار، أما الفرقة والاختلاف والصراعات الداخلية، فهي سبب للفشل وللهزيمة وللتراجع. ولذلك حينما نتحدّث عن معركة أُحُد وعن سبب تراجع المسلمين فيها، نجد أن السبب الرئيس يكمن في عدم طاعة الأشخاص الموكلين بحماية الجبهة الخلفية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وطمعهم في الحصول على الغنائم؛ ما أدى إلى تغيير مسار المعركة، وكادت الأمور أن تودي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قيل في تلك المعركة: قُتل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) . لذلك نجد أنّ القرآن الكريم تحدث عن مجريات هذه المعركة لتبقى عبرةً لنا إلى يوم القيامة.

كربلاء... ثورة عظيمة:
نعم، توجد دعوة إسلامية وقرآنية لفهم سنن التاريخ وقراءة أحداثه وأخذ العبر والدروس منه لصالح الحاضر والمستقبل. وفي هذا السياق نحن نتحدّث عن كربلاء وأحداث كربلاء التي كانت مِفصلاً تاريخياً هاماً جداً بالنسبة لتاريخ الإسلام والمسلمين؛ إذ وجدت هذه الثورة العظيمة لاستمرار الإسلام وبقاء هُوية الإسلام والأمة الإسلامية.
إنها أعظم تجربة تاريخية في حياة أمتنا، إنها منشأ للكثير من البركات والخيرات طوال تاريخ هذه الأمّة. وأختم هذه النقطة بنصٍ من وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الإمام الحسن (عليه السلام) يقول فيه: «أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، إلى أن يقول: « وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ اَلدُّنْيَا وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ اَلدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اَللَّيَالِي وَاَلْأَيَّامِ وَاِعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ اَلْمَاضِينَ وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ اَلْأَوَّلِينَ وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وَعَمَّا اِنْتَقَلُوا وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُو» (6) .


وصيته خلاصة تاريخ البشرية:
وفي مكان آخر، يؤكِّد الإمام (عليه السلام) على أهميّة مراجعة التّاريخ والعودة والسير فيه، إذ يقول (عليه السلام): « أَيْ بُنَيَّ إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ» أي كأنّي عشت معهم وخضت تجاربهم، « بَلْ كَأَنِّي بِمَا اِنْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ». فكأنه (عليه السلام) رافقهم من أولهم إلى آخرهم. وهذه عظمة قراءة التاريخ «فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَهُ وَتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ» فالإمام (عليه السلام) يقدّم لولده من وصيته هذه خلاصة تاريخ البشرية، وفيها ما ينفعه في دنياه وآخرته.

الثبات في طريق الحق:
والمسألة الأخرى المهمة، والمرتبطة بفوائد المراجعة التاريخية، والتوقف أمام أحداث التاريخ، وخصوصاً ما جرى مع الأنبياء والأولياء والمؤمنين من مواجهات وتحدّيات وأخطار هي مسألة الثبات في طريق الحق وفي جبهة الحق.
إنّ الأنبياء (عليهم السلام) وأتباعهم كانوا دائماً يُواجِهون بتحدّيات وأخطار وتهديدات كبيرة جداً ما يؤدي إلى تّزلزلهم وضعفهم وتراجعهم وتخليهم عن طريق الحق، بل إلى الكفر بالحق، بل إلى أسوأ من ذلك؛ إذ يصبح بعضهم عدواً للحق ومناصراً للباطل.
وبالتالي، فإنّ الناس المؤمنين بالحق نتيجة المحنة والبلاء والتحدي، يتفرقون ويُفرزون إلى أصناف متعددة، صنف منهم يثبت مهما كانت التحديات والأخطار...
وللكلام تتمّة تأتي في العدد القادم


(1) - سورة يوسف، الآية: 11.
(2) - سورة آل عمران، الآية: 137.
(3) - سورة الأحزاب، الآية: 62.
(4) - سورة فاطر، الآية: 43.
(5) - سورة الأنفال، الآية: 46.
(6) - نهج البلاغة: ج3، ص39، خ31.
(7) - سورة هود، الآية: 120.
(8) - من المحاضرة التي ألقاها سماحة السيد حسن نصرالله (حفظه الله) في: 28/ 11/ 2011م.

 

   التفسير والبيان

 


يقول سبحانه: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ (1) .

نقاط وتأمُّلات:
كان بعض المسلمين مثل طائفة بني أسد يمنّون بإسلامهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقولون: نحن آمنّا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من دون قتال وسفك دماء، وعليك أن تعرف قدرنا إذاً يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنزلت هذه الآية تنهاهم عن هذا العمل.
لقد نوّه الله تعالى بنعمة الإيمان في هذه الآية، وفي الآية 164 من سورة آل عمران، والآية 5 من سورة القصص، منّ الله سبحانه على الناس بأن جعل المستضعفين ورثة الأرض، وهذا يدل على أن أهم النعم هي نعمة الهداية ونعمة القيادة المعصومة، ونعمة الحكومة الحقة (2) .

«المنَّة» من مادة «المن» ومعناه الوزن الخاص الذي يوزن به، ثمّ استُعمل هذا اللفظ على كلّ نعمة غالية وثمينة، والمنّة على نوعين: فإذا كان فيها جانب عملي كعطاء النعمة والهبة فهي ممدوحة، ومنن الله من هذا القبيل، وإذا كان فيها جانب لفظي، كمنّ كثير من الناس بالقول بعد العمل، فهي قبيحة وغير محبوبة!
الطريف أن صدر الآية يقول: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾ وهذا تأكيد آخر على أنّهم غير صادقين في إيمانهم.
وفي ذيل الآية يأتي التعبير قائلاً: ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ .
وعلى كلّ حال فهذه مسألة مهمّة أن يتصوّر قاصرو التفكير غالباً أنّهم بقبول الإيمان وأداء العبادات والطاعات يقدّمون خدمةً لساحة قدس الله أو للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وأوصيائه، ولذلك فهم ينتظرون الثواب والأجر.

في حين ؛نّه لو أشرق نور الإيمان في قلب أحد، ونال هذا التوفيق بأن كان في زمرة المؤمنين، فقد شمله لطف عظيم من الله عزَّ وجلّ.
فالإيمان وقبل كلّ شيء يمنح الإنسان إدراكاً جديداً عن عالم الوجود، ويكشف عنه حجب الأنانية والغرور، ويوسع عليه أفق نظرته، ويجسّد له عظمة خلقه في نظره!
إنّه يلقي على عواطفه النور والضياء ويُربّيها ويُحيي في نفسه القيم الإنسانية، وينمّي استعداداته العالية فيه، ويمنحه العلم والقوة والشهامة والإيثار والتضحية والعفو والتسامح والإخلاص، ويجعل منه انساناً قوياً ذا عطاء وثمر بعد أن كان موجوداً ضعيفاً.

إنّه يأخذ بيده ويصعد به في مدارج الكمال إلى قمة الفخر، ويجعله منسجماً مع عالم الوجود، ويسخّر عالم الوجود طوع أمره!
أهذه النعمة التي أنعمها الله على الإنسان ذات قيمة، أم ما يمنّه الإنسان على النبي؟!!
كذلك كلّ عبادة وطاعة هي خطوة نحو التكامل، إذ تمنح القلب صفاءً وتسيطر على الشهوات، وتقوّي فيه روح الإخلاص، وتمنح المجتمع الإسلامي الوحدة والقوّة والعظمة فكأنّه نسيج واحد!
فكل واحدة منها درس كبير في التربية، ومرحلة من المراحل التكاملية!

ومن هنا كان على الإنسان أن يؤدّي شكر نعمة الله صباح مساء، وأن يهوي إلى السجود بعد كلّ صلاة وعبادة، وأن يشكر الله على جميع هذه الأُمور!
فإذا كانت نظرة الإنسان ـ في هذا المستوى ـ من الإيمان والطاعة فإنّه لا يرى نفسه متفضلاً، بل يجد نفسه مديناً لله ولنبيّه وغريق إحسانه، ويؤدّي عبادته بلهفة، ويسعى في سبيل طاعته على الرأس لا على القدم، وإذا ما أثابه الله أجراً فهو تفضّل آخر منه ولطف، وإلاّ فإنّ أداء الأعمال الصالحة يكون بنفع الإنسان، والحقيقة أنّه بهذا التوفيق يضاف على ميزانه عند الله.
فهداية الله لطف، ودعوة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لطف آخر، والتوفيق للطاعة مضاعف، والثواب لطف فوق لطف! (3) .


دروسٌ وبصائر:
1 - إنَّ الاهتداء إلى الإسلام نعمة إلهيّة كبرى، وإنَّ قبول إسلام الناس منّة من جانب الله تعالى: ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ ﴾ .
2 - إنَّ الله تعالى لا يحتاج إلى إسلامنا ولا إلى إيماننا ولا إلى عباداتنا: ﴿ لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ... ﴾ .
3 - إنَّ علامة الإيمان الصادق هو أن نرى أن المنّة لله سبحانه علينا، لا أن نمنّ نحن على الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ... لَّا تَمُنُّواْ ... بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ ﴾، أجل المسلم الواقعي يعتبر نفسه مديناً لله لا دائناً.
4 - إنَّ المنَّ على النّبي هو في الحقيقة منٌّ على الله تعالى، إنَّ الله سبحانه يرد على المنّ على النبي بنحو كأنه من يمنّ على الله تعالى: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ ... بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ ﴾ .
أجل إنَّ الله تعالى يدافع عن نبيّه، ولا يرضى أن يمنَّ أحد من الناس عليه، ولا يرضى أن يكون (صلى الله عليه وآله وسلم) مديناً لأحدٍ.
5 - أنتم تمنّون على الله سبحانه بمرحلة الإسلام ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾ ولكن الله تعالى يمنُّ عليكم بما هو أعلى وأغلى وهي مرحلة الهداية والاهتداء: ﴿ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾، مع أنَّ مرحلة الإيمان أعلى درجة من مرحلة الإسلام.
6 - المقصد النهائي والغاية القصوى للتكامل الإنساني هو الإيمان الواقعي ﴿ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾ لا التظاهر بالإسلام، لأن المنافقين كانوا مسلمين في الظاهر (4) .


(1) - سورة الحجرات، الآية: 17.
(2) - تفسير سورة الحجرات: لسماحة الشيخ قراءتي، ص196.
(3) - الأمثل: ج14، ص383.
(4) - تفسير سورة الحجرات: ص196.

 

   مفردات قرآنية  



سورة الإسراء مكية وعدد آياتها إحدى عشرة ومئة (111)

فضل السورة:
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين أعطي في الجنة قنطارين من الأجر والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية والأوقية منها خير من الدنيا وما فيها. وروى الحسن بن أبي العلاء عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم ويكون من أصحابه.

الآيات من (105) إلى (111):
يقول سبحانه: ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾ .

اللغة والبيان:
يشير القرآن العظيم إِلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويُجيب على بعض ذرائع المعارضين بقوله تعالى ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ ﴾ معناه وبالحق أنزلنا القرآن عليك ﴿ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾ القرآن وتأويله أردنا بإنزال القرآن الحق والصواب وهو أن يؤمن به ويعمل بما فيه ونزل بالحق لأنه يتضمن الحق ويدعو إلى الحق ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾ مبشراً بالجنة لمن أطاع ومنذرا بالنار لمن عصى .

﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ ﴾ أي وأنزلنا عليك يا محمد قرآناً فصلناه سوراً وآيات وفرقنا به الحق عن الباطل وجعلنا بعضه خبراً وبعضه أمراً وبعضه نهياً وبعضه وعداً وبعضه وعيداً وأنزلناه متفرقاً لم ننزله جميعاً إذ كان بين أوله وآخره نيف وعشرين سنة ﴿ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ أي على تثبت وتؤدة فترتله ليكون أمكن في قلوبهم ويكونوا أقدر على التأمل والتفكر فيه ولا تعجل في تلاوته فلا يفهم عنك ﴿ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ﴾ على حسب الحاجة ووقوع الحوادث، وروي عن ابن عباس أنه قال : لئن أقرأ سورة البقرة وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذا . وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : لا تقرأوا القرآن في أقل من ثلاث واقرؤوا في سبع ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين ﴿ آمِنُواْ بِهِ ﴾ أي بالقرآن ﴿ أَوْ لَا تُؤْمِنُواْ ﴾ فإن إيمانكم ينفعكم ولا ينفع غيركم وترككم الإيمان يضركم ولا يضر غيركم وهذا تهديد لهم وهو جواب لقولهم ﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا ﴾ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ ﴾ أي أعطوا علم التوراة من قبل نزول القرآن كعبد الله بن سلام وغيره فعلموا صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مبعثه، وقيل أنهم أهل العلم من أهل الكتاب وغيرهم، وقيل أنهم أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ القرآن ﴿ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً ﴾ أي يسقطون على الوجوه ساجدين، عن ابن عباس وقتادة : وإنما خص الذقن لأن من سجد كان أقرب شيء منه إلى الأرض ذقنه والذقن مجمع اللحيين ﴿ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا ﴾ أي تنزيهاً لربنا عزَّ اسمه عمَّا يضيف إليه المشركون ﴿ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ﴾ إنه كان وعد ربنا مفعولاً حقاً يقيناً ولم يكن وعد ربنا إلا كائنا ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ ﴾ أي ويسجدون باكين إشفاقا من التقصير في العبادة وشوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب ﴿ وَيَزِيدُهُمْ ﴾ ما في القرآن من المواعظ ﴿ خُشُوعاً ﴾ أي تواضعا لله تعالى واستسلاماً لأمر الله وطاعته ثم قال سبحانه ﴿ قُلِ ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين نبوتك ﴿ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ ﴾ وذكر في سببه أقوال (أحدها) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ساجداً ذات ليلة بمكة يدعو يا رحمن يا رحيم فقال المشركون: هذا يزعم أن له إلهاً واحداً وهو يدعو مثنى (وثانيها) أن المشركين قالوا: أما الرحيم فنعرفه وأما الرحمن فلا نعرفه (وثالثها) أن اليهود قالوا : إنَّ ذكر الرحمن في القرآن قليل وهو في التوراة كثير ﴿ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ وتقديره أي شيء من أسمائه تدعونه به كان جائزاً فإن معنى أو في قوله ﴿ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ ﴾ الإباحة أي إن دعوتم بأحدهما كان جائزاً وإن دعوتم بهما كان جائزاً فله الأسماء الحسنى فإنَّ أسماءه تنبىء عن صفات حسنة وأفعال حسنة، فأما أسماؤه المنبئة عن صفات ذاته فهو القادر العالم الحي السميع البصير القديم، وأما أسماؤه المنبئة عن صفات أفعاله الحسنة فنحو الخالق والرازق والعدل والمحسن والمجمل والمنعم والرحمن والرحيم، وأما ما أنبأ عن المعاني الحسنة فنحو الصمد فإنه يرجع إلى أفعال عباده وهو أنهم يصمدونه في الحوائج ونحو المعبود والمشكور بين سبحانه في هذه الآية أنه شيء واحد وإن اختلفت أسماؤه وصفاته، وفي الآية دلالة على أنَّ الاسم عين المسمى وعلى أن تقديم أسمائه الحسنى قبل الدعاء، وهو مندوب إليه مستحب، وفيها أيضا دلالة على أنه سبحانه لا يفعل القبائح مثل الظلم وغيره لأن أسماءه حينئذ لا تكون حسنة فإن الأسماء قد تكون مشتقة من الأفعال فلو فعل الظلم لاشتق منه اسم الظالم كما اشتق من العدل العادل وقوله ﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا ﴾ اختلف في معناه على أقوال (أحدها) أن معناه لا تجهر بإشاعة صلاتك عند من يؤذيك ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك، وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا صلى فجهر في صلاته تسمع له المشركون فشتموه وآذوه فأمره سبحانه بترك الجهر وكان ذلك بمكة في أول الأمر، روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) (وثانيها) أن معناه لا تجهر بدعائك ولا تخافت بها ولكن بين ذلك فالمراد بالصلاة الدعاء عن مجاهد ونحوه روي عن ابن عباس (وثالثها) أن معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها ﴿ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ﴾ بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار (ورابعها) لا تجهر جهراً يشغل به من يصلي بقربك ولا تخافت بها حتى لا تسمع نفسك وقريب منه ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : الجهر بها رفع الصوت شديداً والمخافتة مالم تسمع أذنيك واقرأ قراءة وسطاً ما بين ذلك وابتغ بين ذلك سبيلاً، أي بين الجهر والمخافتة ولم يقل بين ذينك لأنه أراد به الفعل فهو مثل قوله : ﴿ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ . ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾ فيكون مربوباً لا رباً لأن ربّ الأرباب لا يجوز أن يكون له ولد ﴿ وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ فيكون عاجزاً محتاجاً إلى غيره ليعينه ولا يجوز أن يكون الإله بهذه الصفة ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ﴾ أي لم يكن له حليف حالفه لينصره على من يناوئه لأن ذلك من صفة الضعيف العاجز ولا يجوز أن يكون الإله بهذه الصفة قال مجاهد : لم يذل فيحتاج إلى من يتعزز به يعني أنه القادر بنفسه وكل ما عبد من دونه فهو ذليل مقهور ﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾ أي عظمه تعظيماً لا يساويه تعظيماً ولا يقاربه، وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلّم أهله هذه الآية وما قبلها، وقيل إن في هذه الآية رداً على اليهود والنصارى حين قالوا : اتخذ الله الولد . وعلى مشركي العرب حيث قالوا : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك . وعلى الصابئين والمجوس حين قالوا : لولا أولياء الله لذل الله .

سبب النّزول :
وردت آراء مُتعدِّدة في سبب نزول هاتين الآيتين (110) و (111) مِنها ما نقلهُ صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال : كانَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساجداً ذات ليلة بمكّة يدعو: يا رحمن يا رحيم، فقال المشركون مُتهمين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إنَّهُ يدعونا إِلى إِله واحد، بينما يدعو هو مثنى مثنى. يقصدون بذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه (1) .


(1) - يُراجع مجمع البيان : موضع تفسير الآية.

 

  الأمثال في القرآن

 
قال تعالى:
﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواْ مَنّاً وَلَا أَذىً لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ (1) .

تصوير التمثيل وتوضيح الآيات:
تحدثت الآية الكريمة عن (الإنفاق) وذكرت مثالا رائعاً للإنفاق في سبيل الله تعالى.
إنَّ الفقر معضلة، والبشر لا زال يعاني منها في مختلف مجتمعاته، وهي مشكلة ترجع في الحقيقة إلى عدم التوزيع العادل للثروة، الأمر الذي يؤدي إلى تقسيم البشر إلى فقير وغني.
التاريخ يشهد بأنَّه كانت هناك شخصيات مثل قارون تمتلك ثروات عظيمة، بحيث حمل مفتاح مخازن ثروته يحتاج إلى طاقة عدة أشخاص أقوياء، قال سبحانه: ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ ﴾ (2) وفي مقابل هؤلاء كان هناك اشخاص بحاجة إلى فُتات من الخبز والطعام يقضوا بها ليلتهم. إنَّ هذه المشكلة اشتدت في عصرنا الحاضر.
كمثال على ما نقول: إن بعض الاحصائيات حكت عن أن نسبة 80% من ثروة الكرة الأرضية يمتلكها نسبة 20% من الناس فاذا كان مجموع البشر في الكرة الأرضية عبارة عن خمس مليارات؛ فإن 80% من الثروة تحت تصرف مليار من البشر و20% من الثروة العالمية يتقاسمها أربعة مليارات.

وبعبارة أخرى: إذا كان مجموع شعوب الدول الصناعية يقدر بمليار فهذا المليار يملك أربعة أخماس من ثروة الكرة الأرضية وما تبقى من البشر فلهم خمس تلك الثروة.
والمدهش هنا أنّ هذه النسبة وتلك المفارقات تزداد يوماً بعد آخر ولصالح الأغنياء.
وعلينا أن نعلم بأنَّ المجتمع الذي يضمُّ فُقَرَاء، لا يكون الفقراء المتضرّرين الوحيدين من هذا المجتمع، بل أضرار الفقر تعم جميع المجتمع، فإنَّ الفقر منشأ كثير من الذنوب منها: السرقة والاعمال المنافية للعفة وغير ذلك.
وقد جاء في رواية للإمام الصادق(عليه السلام): «ولو أنَّ الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً لاستغنى بما فرض الله وأنَّ الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء» (3) .

إنَّ القرآن المجيد أكَّد كثيراً على موضوع الانفاق وقد كان هذا الأمر موضوعاً لكثير من آياته، والآيات التي تضمنت مادة الإنفاق تقدر بسبعين آية، وإذا أضفنا إليها الآيات التي أشارت لهذا الموضوع من دون أنْ تأتي بمادة الانفاق، فالعدد يتجاوز عن هذا الحد بكثير.
الآية المتقدمة تشير إلى التضاعف التصاعدي للثواب المترتب على الإنفاق، وفي غير واحد من الآيات وعد سبحانه بالجزاء المضاعف، مثل قوله تعالى: ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (4) .
ولأجل تقريب هذا الأمر أتى بالتمثيل الآتي وهو: أنّ مثل الإنفاق في سبيل الله كمثل حبة أنبتت ساقاً انشعب سبعة شعب خرج من كلّ شعبة سنبلة فيها مئة حبة فصارت الحبة سبعمائة حبة، بمضاعفة الله تعالى لها، ولا يخفى أنّ هذا التمثيل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعة، فإنّ في هذه إشارة إلى أنّ الأعمال الصالحة يمليها الله عزّ وجلّ لأَصحابها كما يملي لمن بذر في الأرض الطيبة.
وظاهر الآية أنَّ المشبه هو المنفق، والمشبه به هو الحبة المتبدلة إلى سبعمائة حبة، ولكن التنزيل في الواقع بين أحد الأمرين:
أ: تشبيه المنفق بزارع الحبة.
ب: تشبيه الإنفاق بالحبة المزروعة.
ففي الآية أحد التقديرين.
ثمّ إنّ ما ذكره القرآن من التمثيل ليس أمراً وهمياً وفرضاً خيالياً بل هو أمر ممكن واقع، بل ربما يتجاوز هذا العدد، فقد حكى لي بعض الزُّرّاع أنّه جنى من ساق واحد ذات سنابل متعددة تسعمائة حبة، ولا غرو في ذلك فانّه سبحانه هو القابض والباسط.

ثمّ إنّه سبحانه فرض على المنفق في سبيل الله الطالب رضاه ومغفرته أن لا يتبع ما أنفقه بالمنّ والأذى.
أمّا المنُّ، فهو أن يتطاول المعطي على من أعطاه بأن يقول: (ألم أعطك) (ألم أحسن إليك) كلّ ذلك استطالة عليه، وأمّا الأذى فهو واضح.
هؤلاء ـ أي المنفقون ـ غير المتبعين إنفاقهم بالمنّ والأذى ﴿ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ .
ثمّ إنّه سبحانه يرشد المنفقين والمتصدقين والأغنياء بأن يردّوا الفقراء إذا سألوهم بأحد نحوين:
أ: ﴿ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ﴾ كلام حسن جميل لا وجه فيه من وجوه القبح يرد به السائل،كأن يتلطف بالكلام في ردّ السائلين والاعتذار منهم والدعاء لهم.
ب: ﴿ وَمَغْفِرَةٌ ﴾ بمعنى العفو بإزاء خشونة المحتاجين لما يصدر منهم من إلحاف أو إزعاج في المسألة، أُولئك الذين طفح كيل صبرهم بسبب تراكم الإبتلاءات عليهم، فتزلّ ألسنتهم أحياناً بالخشن من القول ممّا لا يودُونه قلبياً، والمعنى الأصلي للمغفرة: هو الستر والإخفاء، أي ستر أسرار المحتاجين الذين لهم كرامتهم مثل غيرهم.

فالمواجهة بهاتين الصورتين ﴿ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً ﴾، جاء في تفسير «مجمع البيان» عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتّى يفرغ منها، ثمّ ردّوا عليه بوقار ولين إمّا ببذل يسير أو ردّ جميل، فإنّه قد يأتيكم من ليس بإنس ولا جان ينظرونكم كيف صنيعكم فيما خوّلكم الله تعالى» (5) .
وعلى كلّ حال فالمغني هو الله سبحانه، كما يقول: ﴿ وَاللَّهُ غَنِيٌّ ﴾، أي يغني السائل من سعته، ولكنّه لأجل مصالحكم في الدنيا والآخرة استقرضكم في الصدقة وإعطاء السائل، ﴿ حَلِيمٌ ﴾ لا يتعجل في المؤاخذة على السيئة، ولا يغضب عند كل جهالة، فعليكم يا عباد الله بالحلم والغفران لما يبدر من السائل (6) .

اللهمَّ اَغْنِ كُلَّ فَقير، اللهمَّ اَشْبِعْ كُلَّ جائِع، اللهمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيان، اللهمَّ اقْضِ دَيْنَ كُلِّ مَدين، اللهمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَكْرُوب... اللهمَّ سُدَّ فَقْرَنا بِغِناكَ، اللهمَّ غَيِّر سُوءَ حالِنا بِحُسْنِ حالِكَ، اللهمَّ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاَغْنِنا مِنَ الْفَقْرِ، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ.


(1) - سورة البقرة، الآيات: 261-263.
(2) - سورة القصص، الآية: 76،
(3) - وسائل الشيعة: ج6 أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب الأول، الرواية السادسة.
(4) - سورة البقرة، الآية: 245.
(5) - مجمع البيان: ج1، ص375.
(6) - أهم المصادر: مجمع البيان، الأمثل، الأمثال في القرآن.

 

  مناهج التفسير

تفسير القرآن بالقرآن

 

إنّ هذا المنهج من أسمى المناهج الصحيحة الكافلة لتبيين المقصود من الآية كيف وقد قال سبحانه: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً ﴾ (1) .
فإذا كان القرآن موضحاً لكل شيء، فهو موضح لنفسه أيضاً، كيف والقرآن كلّه «هدى» و «بيّنة» و «فرقان» و «نور» كما في قوله سبحانه: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ (2) . وقال سبحانه: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ﴾ (3) .
وعن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ القرآن يصدّق بعضه بعضاً».
وقال علي (عليه السلام) في كلام له يصف فيه القرآن: «كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، ولا يختلف في الله ولا يخالف بصاحبه عن الله” (4) .
وهذا نظير تفسير المطر الوارد في قوله سبحانه: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ﴾ (5)، بالحجارة الواردة في آية أُخرى في هذا الشأن قال: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ﴾ (6) .
وفي الروايات المأثورة عن أهل البيت نماذج كثيرة من هذا المنهج يقف عليها المتتبع في الآثار الواردة عنهم عند الاستدلال بالآيات على كثير من الأحكام الشرعية الفرعية وغيرها.
وقد قام أحد الفضلاء باستقصاء جميع هذا النوع من الأحاديث المتضمّنة لهذا النمط من التفسير.
بعض النماذج من هذا المنهج.
1- سأل زرارة ومحمد بن مسلم أبا جعفر (عليه السلام) عن وجوب القصر في الصلاة في السفر مع أنّه سبحانه يقول: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ (7) ولم يقل افعلوا ؟ فأجاب الإمام (عليه السلام) بقوله: «أو ليس قد قال الله عزّ وجلّ في الصفا والمروة: ﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ (8)، ألا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض»(9) .

2- روى المفيد في إرشاده أنَّ عمر أُتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمَّ برجمها فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إنّ الله تعالى يقول: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً ﴾ (10) . ويقول: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ (11) . فإذا تم، أتمّت المرأة الرضاع لسنتين، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً كان الحمل منها ستة أشهر»، فخلّى عمر سبيل المرأة (12) .

3- يقول سبحانه: ﴿ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ (13) .
فالآية تدل على أنّ القرآن نزل في ليلة مباركة، وأمّا أيّة ليلة تلك، وفي أي شهر، فيستفاد من ضم آيتين أُخريين، يقول سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ (14)، وقوله سبحانه: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ (15)، فمن ضم هذه الآيات الثلاث يستفاد أنَّ القرآن في ليلة مباركة هي ليلة القدر من شهر رمضان.

4- يقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ (16) .
غير أنَّ حيلولته سبحانه بين المرء وقلبه يعلوه إبهام يفسره، قوله سبحانه: ﴿ وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ (17) .
فإنساء الذات الذي هو فعله تعالى عبارة عن حيلولته بين المرء وقلبه، ومن نسي ذاته فقد أهلك نفسه.

5- يقول سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ (18)، ولا شكّ أنَّ الأرض لا تنقص بل ربما تزيد كالسماء في قوله سبحانه: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ (19)، ولكن يرتفع الإبهام بآية أُخرى حيث أطلق وأُريد منها البلد العامر، يقول: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ (20) فإنَّ المراد من الأرض هو البلد العامر الذي يقطن فيها المحارب فينفى منها ليعيش بين البراري والقفار.
وأمّا النقص فتفسره السنّة، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: «فقد العلماء، وموت علمائها» (21) .

6- يقول سبحانه: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ .
فقد أطلق اليد وأبهم المراد منه حيث إنّها تطلق على خصوص الأصابع، على خصوص الكف وعليه إلى المرافق، وإلى الكتف، فيرفع الإبهام بقوله سبحانه: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾ (22) حيث إنّ المستفاد منه على أنّ مواضع السجود لله، وراحة الكف من مواضع السجود، وما كان لله لا يقطع.

7- يقول سبحانه: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ (23)، فالآية تدلّ على كرامة الإنسان، بحيث أُهل لحمل الأمانة.
وأمّا ما هو المراد من تلك الأمانة فيفسرها قوله سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ (24)، فخلافة الإنسان عن الله سبحانه هي الأمانة التي وصفها الله سبحانه على عاتق الإنسان، فبما أنَّه خليفة لله سبحانه يجب أن يكون بصفاته وأفعاله مظهراً لصفات الله وأسمائه وأفعاله.
إلى غير ذلك من الآيات التي يفسر بعضها بعضاً من دون رأي مسبق.

أقول: هذا النمط من التفسير كما يتحقّق بالتفسير الموضوعي، أي تفسير القرآن حسب الموضوعات، يتحقّق بالتفسير التجزيئي، أي حسب السور، سورة بعد سورة، وهذا هو تفسير «الميزان» كتب على نمط تفسير القرآن بالقرآن، لكن على حسب السور، دون الموضوعات، فبيّن إبهام الآية بآية أُختها.
ولكن الصورة الكاملة لهذا النمط من التفسير يستدعي الإحاطة بالقرآن الكريم، وجمع الآيات الواردة في موضوع واحد، حتى تتجلّـى الحقيقة من ضمِّ بعضها إلى بعض، واستنطاق بعضها ببعض، فيجب على القائم بهذا النمط، تفسير القرآن على حسب الموضوعات، وهو نمط جليل يحتاج إلى عناء كثير، وقد قام العلامة المجلسي برفع بعض مشاكل هذا النمط فجمع الآيات الواردة في كل موضوع حسب الأبواب.
ولو انتشر هذا القسم من البحار في جزء مستقل ربّما يكون مفتاحاً للتفسير الموضوعي فهو (قدس سره) قد استخرج الآيات حسب الموضوعات، وشرحها بوجه إجمالي.
ولكن النمط الأوسط منه هو قراءة القرآن من أوّله إلى آخره، والدقة في مقاصد الآيات، ثم تصنيف الآيات حسب ما ورد فيها من الأبحاث والموضوعات، ففي هذا النوع من التفسير تستخرج الموضوعات من الآيات ثم تصنّف الآيات حسب الموضوعات المستخرجة، وهذا بخلاف ما قام به العلامة المجلسي، فهو صنّف الآيات حسب الموضوعات على ضوء ما جادت بها فكرته، أو جاءت في كتب الأحاديث والأخبار.
وهذا النمط من التفسير لا يعني قول القائل: «حسبنا كتاب الله» المجمع على بطلانه عند عامة المسلمين، لاهتمامهم بالسنّة مثل اهتمامهم بالقرآن، وإنّما يعني أنّ مشاكل القرآن ومبهماته ترتفع من ذلك الجانب.
وأمّا أنّه كاف لرفع جميع المبهمات حتى مجملات الآية ومطلقاتها فلا، إذ لا شك أنّ المجملات كالصلاة والزكاة تبيّن بالسنّة والعمومات تخصّص بها، والمطلقات تقيّد بالأخبار، إلى غير ذلك من موارد الحاجة إلى السنّة.
هذا بعض الكلام في هذا المنهج، وقد وقع مورد العناية في هذا العصر.

وإنّ تفسير ابن كثير يستمد من هذا النمط أي تفسير الآيات بالآيات بين الحين والآخر، كما أنّ الشيخ محمد عبده في تفسيره الذي حرر بقلم تلميذه اتّبع هذا المنهج في بعض الأحايين.
والأكمل من التفسيرين في اتّباع هذا المنهج هو تفسير السيد العلامة الطباطبائي (قدس سره) فقد بنى تفسيره «الميزان» على تفسير الآية بالآية.
غير أنّ هذه التفاسير الثلاثة كما عرفت كتبت على نحو التفسير التجزيئي، أي تفسير القرآن سورة بعد سورة لا على تفسيره حسب الموضوعات.
وعلى كل تقدير فتفسير القرآن بالقرآن يتحقّق على النمط الموضوعي كما يتحقّق على النمط التجزيئي غير أنّ الأكمل هو اقتفاء النمط الأوّل.

الخلاصة:
الصورة الأولى من المناهج التفسيرية النقلية: تفسير القرآن بالقرآن.
هذا المنهج من أسمى المناهج الصحيحة الكافلة لتبيين المقصود من الآية كيف وقد قال سبحانه: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾ (25)، فإذا كان القرآن موضحاً لكل شيء فهو موضع لنفسه أيضاً، كيف والقرآن كله «هدى» و «بينة» و «فرقان» و «نور» ورد في القرآن الكريم وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ القرآن يصدّق بعضه بعضاً».
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام يصف فيه القرآن: «كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، ولا يختلف في الله ولا يخالف بصاحبه عن الله».

وهذا نظير تفسير المطر الوارد في قوله سبحانه: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ﴾ (26)، بالحجارة الواردة في آية أخرى في هذا الشأن قال: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ﴾ (27)، وفي الروايات المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) نماذج كثيرة في هذا المنهج.
هذا النمط من التفسير كما يتحقق بالتفسير الموضوعي، أي تفسير القرآن حسب الموضوعات، يتحقق بالتفسير التجزيئي، أي حسب السور، سورة بعد سورة، وهذا هو تفسير «الميزان» كتب على نمط تفسير القرآن بالقرآن، ولكن على حسب السور، دون الموضوعات، فبيّن إبهام الآية بآية أختها.
وعلى كل تقدير فتفسير القرآن بالقرآن يتحقق على النمط الموضوعي كما يتحقق على النمط التجزيئي غير أن الأكمل هو اقتفاء النمط الأول (28) .


(1) - سورة النحل، الآية: 89.
(2) - سورة البقرة، الآية: 185.
(3) - سورة النساء، الآية: 174.
(4) - نهج البلاغة: الخطبة 129.
(5) - سورة الشعراء، الآية: 173.
(6) - سورة الحجر، الآية: 74.
(7) - سورة الاحزاب، الآية: 5.
(8) - سورة البقرة، الآية: 158.
(9) - الوسائل: الباب 22 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 2.
(10) - سورة الأحقاف، الآية: 15.
(11) - سورة البقرة، الآية: 233.
(12) - نور الثقلين: 5/14 ؛ الدر المنثور للسيوطي: 7/441، طبع دار الفكر بيروت.
(13) - سورة الدخان، الآيات: 3-1.
(14) - سورة القدر، الآية: 1.
(15) - سورة البقرة، الآية: 185.
(16) - سورة الأنفال، الآية: 24.
(17) - سورة الحشر، الآية: 19.
(18) - سورة الرعد، الآية: 41.
(19) - سورة الذاريات، الآية: 47.
(20) - سورة المائدة، الآية: 33.
(21) - البرهان: 2/302، رقم الحديث: .
(22) - سورة الجن، الآية: 18.
(23) - سورة الأحزاب، الآية: 72.
(24) - سورة البقرة، الآية: 30.
(25) - سورة النحل، الآية: 89.
(26) - سورة الشعراء، الآية: 173.
(27) - سورة الحجر، الآية: 74.
(28) - المصدر: دروس في مناهج التفسير (جمعية القرآن الكريم) .

 

   معجم المفسرين

الصافي في تفسير القرآن

التفسير: الصافي في تفسير القرآن، أو تفسير الصافي، أو الصافي في تفسير كلام الله.


المؤلف: هو الشيخ الفقيه المحدِّث، والفيلسوف المتبحر المولى، ملا محسن محمد بن المرتضى الملقب بـ «الفيض الكاشاني».
تاريخ التأليف: 1075 هـ. 
عدد المجلدات: 5 مجلدات.

حياة المؤلف: ولد في سنة 1007هـ في كاشان من أسرة اهتمت بالعلم والعلماء، ونشأ في بلدة قم المقدسة، فانتقل إلى كاشان، ثمَّ نزل شيراز بعد سماعه بورود العلامة السيد ماجد البحراني هناك، وأخذ العلم منه ومن المولى صدر الدين الشيرازي المعروف بـ «صدر المتألهين»، وتزوج ابنة المولى صدر الدين في شيراز، وغادرها إلى كاشان وبقي هناك، وألف كتباً كثيرة في العلوم المختلفة: التفسير والأخلاق والمعارف والفقه وغير ذلك، مما يقارب مائتي كتاب، ثم صار مرجعاً دينياً. توفي في مدينة كاشان بإيران سنة 1091هـ، ودفن هناك، وقبره مشهور اليوم ويزار.
منهجه وطريقته في التفسير: يبدأ باسم السورة ومكيَّها ومدنيَّها وعدد آياتها ثمَّ يشرع في تفسيرها.
وأمَّا منهجه في التفسير، فهو أوَّل ما يرجع في تفسيره إلى محكمات القرآن، فإنَّ القرآن يفسر بعضه بعضاً، وإلاّ فحديث معتبر من أهل البيت (عليهم السلام) في الكتب المعتبرة عنده، وما لم يظفر فيه بحديث عنهم، فهو يورد ما وصل إليه من غيرهم من علماء التفسير اذا وافق القرآن وفحواه...

 

   علوم قرآنية

القُرّاء السبعة
 


سبق أن ذكرنا بأن ابن مجاهد اختار من المدينة ومكّة والبصرة والشام أربعة قُرّاء، واختار من الكوفة ثلاثة، وكان كل القراء الذين اختارهم من قرّاء القرن الثاني، وآخرهم، وهو الكسائي توفي عام 189هـ وعلى هذا الاساس فان ما شاع من قراءاتهم كان برواية تلاميذهم (مباشرة أو بالواسطة) . والفكرة الثانية التي أبدعها ابن مجاهد هو أنه اختار راويين فقط من بين تلاميذ ورواة من اختارهم من القُرّاء، وذكر في كتابه روايتهما عن استاذهما وقد أدّى هذا العمل إلى أن تُنسى رواية التلاميذ الآخرين تدريجياً، والذين جاؤوا بعد ابن مجاهد واضافوا ثلاثة قُرّاء آخرين إلى القرّاء السبعة وجعلوا عددهم عشرة، ساروا كلّهم على خُطا ابن مجاهد واكتفوا براويين لكل قارىء.

القرّاء السبعة ورواتهم:
1. عبدالله بن عامر الدمشقي، ولد عام 8 من الهجرة، وتوفّي سنة 118هـ (1) . وله راويان وهما: هشام وابن ذكوان.
2. ابن كثير المكي: هو عبد الله بن كثير بن عمرو المكي الداري، فارسي الأصل، ولد عام 195هـ، توفّي عام 291هـ (2)، وله راويان هما: البزّي وقُنبل.
3. عاصم بن بهدلة الكوفي: ابن أبي النجود أبو بكر الأسدي، مولاهم، الكوفي، توفّي عام 128هـ أو 127هـ (3)، تنتهي قراءته إلى عليّ (عليه السلام) (4)، وله راويان هما: حفص وشُعبة.
4. أبو عمرو البصري: هو زبان بن العلاء بن عمار المازني البصري، ولد عام 68هـ، وتوفّي 154هـ (5)، وله راويان هما: الدوري والسوسي.
5. حمزة الكوفي: ابن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي التميمي، ولد عام 8 هـ، توفّي عام 56هـ (6)، وله راويان هما: خلف بن هشام وخلاد بن خالد.
6. نافع المدني: هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، قال ابن الجزري: أحد القُرّاء السبعة والأعلام، ثقة صالح، أصله من إصفهان، توفّي عام 169هـ (7) وله راويان هما: قالون وورش.
7. الكسائي الكوفي: علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي، مولاهم، من أولاد الفرس.
قال ابن الجزري: الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيّات. توفّي سنة 189هـ (8)، وله راويان هما: الليث بن خالد وحفص بن عمرو.
هؤلاء هم القرّاء السبعة، ويليهم ثلاثة من القرّاء وهم:
8. خلف بن هشام البزار: هو خلف بن هشام البزار، وهو أبو محمد الأسدي البغدادي أحد القُرّاء العشرة، كان يأخذ بمذهب حمزة إلاّ أنّه خالفه في مائة وعشرين حرفاً، ولد سنة 150هـ ، وتوفّي عام 229هـ (9)، وله راويان هما: إسحاق وإدريس.
9. يعقوب بن إسحاق: هو يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي، مولاهم، البصري.
قال ابن الجزري: أحد القرّاء العشرة، مات في ذي الحجة سنة 205هـ وله ثمان وثمانون سنة (10)، وليعقوب راويان هما: رويس وروح.
10. يزيد بن القعقاع: أبو جعفر المخزومي المدني، قال ابن الجزري: أحد القرّاء العشرة، مات بالمدينة عام 130هـ (11)، وله راويان هما: عيسى وابن جماز.
هؤلاء هم القرّاء العشرة، ذكرنا أسماءهم ومواليدهم ووفياتهم وأسماء الراوين عنهم على وجه موجز، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى طبقات القرّاء (12) .

للمطالعة:
عاصم: أبو بكر، عاصم بن ابي النجود الاسدي (90 - 127هـ)، أشهر القراءة السبعة كان آية في اتقان القراءة، وكان معروفاً بالفصاحة، وأديباً ونحوياً، وإليه انتهت الإمامة في القراءة في الكوفة بَعدَ شيخه السُلَمي.
اعتبره عبد الجليل الرازي إمام الشيعة في القراءة على غرار سائر القرّاء الكوفيين (13) .
قال فيه الخونساري في روضات الجنّات: أصوب القرّاء رأياً، وأجملهم سعياً ورعياً وأحسنهم استنباطاً لسياق القرآن.
كان للكوفة وقرّائها السهم الأوفر في نقل القراءة إلى الأجيال اللاحقة، وكان اختيار ابن مجاهد لثلاثة قرّاء من الكوفة من مجموع القرّاء السبعة يكشف بكل جلاء عن أهمية الكوفة وكونها مدينة ذات مكانة عسكريّة وسياسية وعلميّة، ومن بين ذلك أنَّ قراءة عاصم فاقت قراءة القرّاء الكوفيين الآخرين، وكانت لقراءة عاصم مزايا جعلتها اليوم هي القراءة الرسميّة والمداولة للقرآن بين المسلمين، ويمكن اعتبار الميزة الأساسية لقراءته هي الصلة الوثيقة بينها وبين قراءة أكبر وأفضل أساتذة القراءة.
عَرضَ عاصم القراءة على أبي عبد الرحمن السُلَمي، والميزة العلميّة لأبي عبد الرحمن السُلَمي كونه واسطة في نقل القراءة من علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى قرّاء الكوفة ومنهم عاصم بن أبي النجود، ولم يتعلم القراءة إلّا من علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولم يذكروا له استاذاً آخر من الصحابة، أما شيوخ أبي عبد الرحمن في القراءة فقد ذكروا له ثلاثة شيوخ وهم علي (عليه السلام)، وعثمان، وزيد بن ثابت.

وأكّدوا خاصّة على اسم علي (عليه السلام) حتى ادعوا أنه لم يتخلّف في قراءته حرفاً واحداً عن قراءة علي، حتى جاء في الرواية أنه كان يقول أنه ما رأى قرشياً أقرأ لكتاب الله من علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان لأبي عبد الرحمن تأثير واسع في كل قراءات الكوفة ومنها القراءات الثلاث التي دخلت ضمن القراءات السبع ؛ لأن قراءة عاصم كانت عنه مباشرة وقراءة حمزة والكسائي عنه بالواسطة (14) وهذه السلسلة في سند القراءة سلسلة ذهبية لا نظير لها في القراءات الأخرى.

مشايخ عاصم هم مرة أخرى:
عاصم - أبو عبد الرحمن السُلَمي - علي بن أبي طالب (عليه السلام) - رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . كان لعاصم راويان بلا واسطة هما: شعبة (أبو بكر بن عياش)، وحفص بن سليمان، وذكر البعضُ إضافة إلى أبي عبد الرحمن، زَرّ بن حُبيش من مشايخ عاصم في القراءة أيضاً.
عاصم - زَرّ بن حُبيش - عبد الله بن مسعود - رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال أبو بكر بن عياش، وهو أحد الشخصين اللذين رويا عن عاصم: قال لي عاصم: ما أقرأني أحدٌ حرفاً إلّا أبو عبد الرحمن السُلَمي، وكنت أرجع من عنده فأعرض على زر (15) . وتفيد هذه الرواية أنَّ عاصماً كان يعتمد على أبي عبد الرحمن أكثر من اعتماده على زر.
ورغم ما قيل في حفص بن سليمان (أحد الراويين عن عاصم) من أقوال متضاربة، غير أنَّ الباحثين في علوم القرآن يرجّحون روايته على رواية شعبة، وذلك لأنه ربيب عاصم وتربّى في حجره وقرأ عليه، وتعلّم منه كما يتعلّم الصبي من معلّمه، فلا جرم كان أدق اتقاناً من شعبة (16) .

ملاحظات حول القرّاء السبعة:
1- ليس في هؤلاء القرّاء السبعة من العرب إلّا ابن عامر وأبو عمرو (17) .
2- كلّهم عاشوا في القرن الثاني.
3- طيلة القرن الثالث تمسّك أهل البصرة بقراءة أبي عمرو ويعقوب بن إسحاق وأهل الكوفة بقراءة حمزة وعاصم، وفي بداية القرن الرابع أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب (18) .
4- كان للكوفة وقرّائها سهم أوفر من بقية الولايات وقرائها في القراءات فقراءة أُبي بن كعب الذي تولى إمامة القراءة في الكوفة بعد ابن مسعود، تركت تأثيراً على قراءات الكوفة.
5- كان قرّاء الكوفة الثلاثة (عاصم، وحمزة، والكسائي) من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) (19) .


(1) - طبقات القراء: 1/404.
(2) - طبقات القراء: 2/205.
(3) - تهذيب التهذيب: 5/39.
(4) - البرهان في علوم القرآن: 1/338.
(5) - طبقات القرّاء: 1/288.
(6) - طبقات القرّاء: 1/261.
(7) - طبقات القرّاء: 2/330.
(8) - طبقات القرّاء: 1/535.
(9) - طبقات القرّاء: 1/272.
(10) - طبقات القرّاء: 2/38.
(11) - طبقات القرّاء: 2/382.
(12) - المناهج التفسيرية في علوم القرآن: ص185.
(13) - التمهيد في علوم القرآن: ج2، ص194.
(14) - دائرة المعارف الاسلاميّة الكبيرة: ج5، ص678 و679.
(15) - البيان: ص130؛ التمهيد: ج2، ص245.
(16) - مناهل العرفن: ج1، ص459.
(17) - الحجّة في القراءات السبع: ح61 ؛ البرهان: النوع 22.
(18) - الإتقان: ج1.
(19) - دروس في علوم القرآن الكريم: ص163، (إصدارات جمعية القرآن الكريم) .

 


استفتاءات قرآنية
لسماحة المرجع آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله)

 


سؤال: نحن نعلم أنّ الركعة الواحدة من الصلاة تتكوّن من النيّة، وتكبيرة الإحرام، والحمد، والسورة، والركوع، والسجود، ومن جانب آخر فإنّه يجب الإخفات في صلاة الظهر والعصر، والركعة الثالثة من صلاة المغرب، والركعتين الأخيرتين من صلاة العشاء، ولكن في الإذاعة والتلفزيون يأتون بذكر ركوع وسجود الركعة الثالثة جهراً، علماً بأنّ الركوع والسجود هما جزءان من الركعة التي يجب فيها الإخفات، فما الحكم في هذه المسألة؟
الجواب: وجوب الجهر في صلاة المغرب والعشاء والصبح، ووجوب الإخفات في صلاتي الظهر والعصر إنّما هو في خصوص قراءة الحمد والسورة، كما أنّ وجوب الإخفات فيما سوى الأوليين من ركعات صلاتي المغرب والعشاء إنّما هو في خصوص قراءة الحمد أو التسبيحات فيها، وأمّا في ذكر الركوع والسجود، وكذا في التشهّد والتسليم، وفي سائر الأذكار الواجبة في الصلوات الخمس فالمكلّف مخيّر فيها بين الجهر والإخفات.

سؤال: لو أراد شخص أن يأتي - بالإضافة إلى الركعات اليوميّة السبع عشرة - بسبع عشرة ركعة قضاء احتياطيّة، فهل تجب عليه القراءة جهراً أو إخفاتاً في الركعتين الأوليين من صلاة الصبح والمغرب والعشاء؟
الجواب: في وجوب الجهر والإخفات في الصلوات اليوميّة لا يوجد فرق بين صلاة الأداء وصلاة القضاء ولو كانت احتياطيّة.

سؤال: مع ملاحظة رأي سماحة الإمام (قدس سره) في تفسير سورة الحمد المباركة بأرجحيّة لفظ «مَلِك» على «مالك» فهل تصحّ القراءة على كلا الطريقتين عند قراءة هذه السورة المباركة في الفرائض وغير الفرائض؟
الجواب: الاحتياط في هذا المورد لا إشكال فيه.

سؤال: هل يصحّ للمصلّي أن يتوقّف بدون العطف الفوري عند قراءة «غير المغضوب عليهم..» ثمّ يأتي بـ «ولا الضالين»، وهل يصحّ الوقوف في التشهّد عند كلمة «محمّد» (صلى الله عليه وآله وسلم) في قولنا «اللهمّ صلّ على محمّد»، ثمّ التلفّظ بمقطع «وآل محمّد»؟
الجواب: لا يضرّ ما لم يصل الى حدّ يخلّ بوحدة الجملة.

سؤال: وُجّه استفتاء لسماحة الإمام (دام ظله) بالصورة التالية:
بالنظر إلى تعدّد الأقوال في تلفّظ حرف «الضاد» في التجويد، فبأيّ قول تعملون أنتم؟ فكتب الإمام (قدس سره) جواباً على ذلك: «لا يجب معرفة مخارج الحروف طبقاً لقول علماء التجويد، ويجب أن يكون تلفّظ كلّ حرف على نحو يصدق عند عرف العرب بأنّه أدّى ذلك الحرف» والسؤال هو:
أولاً: كيف تفسّر عبارة «في عرف العرب يصدق أنّه أدّى ذلك الحرف»؟
ثانياً: ألم تستخرج قواعد علم التجويد - كما استخرجت قواعد الصرف والنحو - من عرف العرب ولغتهم؟ إذن كيف يمكن القول في إنفصالهما عن بعضهما؟
ثالثاً: إذا حصل لأحد - وبطريق معتبر - علم بأنّه لا يؤدّي الحروف من مخارجها الصحيحة أثناء القراءة، أو بشكل عام لا يتلفّظ بالحروف والكلمات بصورة صحيحة، وقد كانت هناك أرضيّة مناسبة لتعلّمه من جميع الجوانب، كأن تكون قابليّته جيّدة على التعلّم، أولديه الفرصة المناسبة لدراسة ذلك العلم و... فهل يجب عليه، - وفي حدود قابلياته - السعي الى تعلّم القراءة الصحيحة، أو القراءة القريبة من الصحّة أم لا؟
الجواب: الميزان في صحّة القراءة هو الموافقة لكيفيّة القراءة عند أهل اللغة الذين تمّ اقتباس واستخراج ضوابط وقواعد التجويد منهم، وعلى هذا فاختلاف أقوال علماء التجويد في كيفيّة تلفّظ حرفٍ من الحروف إذا كان ناشئاً من الاختلاف في الفهم لكيفيّة تلفّظ أهل اللغة فالأصل والمرجع يكون نفس عرف أهل اللغة، ولكن إذا كان إختلاف الأقوال ناشئاً من إختلاف أهل اللغة أنفسهم في كيفيّة التلفّظ، فالمكلّف مخيّر في انتخاب أيّ واحد من تلك الأقوال شاء، ويجب على من لا يقرأ صحيحاً تعلم القراءة الصحيحة مع التمكّن.

سؤال: من كانت نيّته من البداية، أو عادته قراءة الفاتحة والإخلاص، وأتى بالبسملة ساهياً عن التعيين، هل يجب عليه الرجوع فيعيّن ثمّ يأتي بالبسملة؟
الجواب: لا يجب عليه إعادة البسملة، بل له الاكتفاء بما أتى به من البسملة لأيّة سورة أراد أن يقرأها بعد ذلك (1) .


(1) - استفتاءات قرآنيَّة: اصدار جمعية القرآن الكريم، ص 43.

 

 

   قصص قرآنية



يقول سبحانه:
﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61) قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلَا بُعْداً لِّثَمُودَ ﴾ (1) .

كلام في قصة النبي صالح (عليه السلام):
تذكر الآيات الكريمة المتقدمة قصة النبي صالح (عليه السلام) وقومه وهم ثمود، وهو ثالث الأنبياء (عليهم السلام) القائمين بدعوة التوحيد الناهضين على الوثنية، دعا (عليه السلام) ثمود إلى التوحيد وتحمل الأذى والمحنة في جنب الله حتى قضي بينه وبين قومه بهلاكهم ونجاته ونجاة من معه من المؤمنين، وهنا أمور.

1 - ثمود قوم صالح (عليه السلام):
ثمود قوم من العرب العاربة كانوا يسكنون وادي القرى بين المدينة والشام، وهم من بشر ما قبل التاريخ لا يضبط التاريخ إلا شيئاً يسيراً من أخبارهم، ولقد عفت الدهور آثارهم فلا اعتماد على ما يذكر من جزئيات قصصهم.

والذي يقصه كتاب الله من أخبارهم أنهم كانوا أمة من العرب على ما يدل عليه اسم نبيهم وقد كان منهم (2) نشأوا بعد قوم عاد ولهم حضارة ومدنية يعمرون الأرض ويتخذون من سهولها قصوراً وينحتون من الجبال بيوتاً آمنين (3) ومن شغلهم الفلاحة بإجراء العيون وإنشاء الجنات والنخيل والحرث (4) .
كانت ثمود تعيش على سنة الشعوب والقبائل يحكم فيهم سادتهم وشيوخهم وقد كانت في المدينة التي بعث فيها صالح تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون(5) فطغوا في الأرض وعبدوا الأصنام وأفرطوا عتواً وظلماً.

2 - بعثة النبي صالح (عليه السلام):
لما نسيت ثمود ربها وأسرفوا في أمرهم أرسل الله إليهم صالحاً النبي (عليه السلام) و كان من بيت الشرف والفخار معروفا بالعقل والكفاية (6) فدعاهم إلى توحيد الله سبحانه وأن يتركوا عبادة الأصنام وأن يسيروا في مجتمعهم بالعدل والإحسان، ولا يعلوا في الأرض ولا يسرفوا ولا يطغوا وأنذرهم بالعذاب” (7) .
فقام (عليه السلام) بالدعوة إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة وصبر على الأذى في جنب الله فلم يؤمن به إلا جماعة قليلة من ضعفائهم (8) وأما الطغاة المستكبرون وعامة من تبعهم فأصروا على كفرهم واستذلوا الذين آمنوا به ورموه بالسفاهة والسحر(9) .

وطلبوا منه البينة على مقاله، وسألوه آية معجزة تدل على صدقه في دعوى الرسالة، واقترحوا له أن يخرج لهم من صخر الجبل ناقة فأتاهم بناقة على ما وصفوها به، وقال لهم: إن الله يأمركم أن تشربوا من عين مائكم يوماً وتكفوا عنها يوماً فتشربها الناقة فلها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم، وأن تذروها تأكل في أرض الله كيف شاءت ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب (10) .
وكان الأمر على ذلك حيناً ثم إنهم طغوا ومكروا وبعثوا أشقاهم لقتل الناقة فعقرها، وقالوا لصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.
قال صالح (عليه السلام): ﴿ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ (11) .
ثم مكرت شعوب المدينة وأرهاطها بصالح وتقاسموا بينهم: ﴿ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ (12)، ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴾ (13)، والرجفة والصيحة: ﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾، ﴿ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾ (14)، وأنجى الله: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ (15)، ونادى بعدهم المنادي الإلهي: ﴿ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلَا بُعْداً لِّثَمُودَ ﴾ .

3 - شخصية النبي صالح (عليه السلام):
لم يرد لهذا النبي الصالح في التوراة الحاضرة ذكر.
كان (عليه السلام) من قوم ثمود ثالث الأنبياء المذكورين في القرآن بالقيام بأمر الله والنهضة للتوحيد على الوثنية يذكره الله تعالى بعد نوح وهود، ويحمده ويثني عليه بما أثنى به على أنبيائه ورسله، وقد اختاره وفضله كسائرهم على العالمين (عليهم السلام) .

4- بحث روائي بخصوص ناقة النبي صالح (عليه السلام):
في الكافي، مسنداً عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُواْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴾ قال: هذا فيما كذبوا صالحاً، وما أهلك الله عزَّ وجل قوماً قط حتى يبعث قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم، فبعث الله إليهم صالحاً فلم يجيبوه وعتوا عليه، وقالوا لن نؤمن لك حتى تخرج إلينا من هذه الصخرة ناقة عشراء وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويجتمعون عندها، فقالوا: إن كنت كما تزعم نبياً رسولاً فادع لنا إلهك حتى يخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء فأخرجها الله كما طلبوا منه، ثم أوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا صالح قل لهم: إن الله قد جعل لهذه الناقة لها شرب يوم ولكم شرب يوم، فكانت الناقة إذا كان يومها شربت الماء ذلك اليوم فيحبسونها فلا يبقى صغير وكبير إلا شرب من لبنها يومهم ذلك فإذا كان الليل وأصبحوا غدواً إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب الناقة ذلك اليوم فمكثوا بذلك ما شاء الله، ثم إنهم عتوا على الله ومشى بعضهم إلى بعض قال: اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم، ثم قالوا: من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلاً ما أحب؟ فجاءهم رجل أحمر أشقر أزرق ولد زنا لا يعرف له أب يقال له: قدار شقي من الأشقياء مشئوم عليهم فجعلوا له جعلا، فلما توجهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده تركها حتى شربت وأقبلت راجعة فقعد لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم يعمل شيئاً فضربها ضربة أخرى فقتلها وخرت على الأرض على جنبها، وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغاً ثلاث مرات إلى السماء، وأقبل قوم صالح فلم يبق منهم أحد إلا شركه في ضربته، واقتسموا لحمها فيما بينهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا أكل منها، فلما رأى ذلك صالح أقبل إليهم وقال: يا قوم ما دعاكم إلى ما صنعتم؟ أعصيتم أمر ربكم؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إلى صالح (عليه السلام): إن قومك قد طغوا وبغوا وقتلوا ناقة بعثها الله إليهم حجة عليهم ولم يكن لهم فيها ضرر وكان لهم أعظم المنفعة فقل لهم: إني مرسل إليهم عذابي إلى ثلاثة أيام فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت إليهم عذابي في اليوم الثالث. فأتاهم صالح وقال: يا قوم إني رسول ربكم إليكم وهو يقول لكم: إن تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم، فلما قال لهم ذلك. قالوا: يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. قال: يا قوم إنكم تصبحون غداً ووجوهكم مصفرة، واليوم الثاني وجوهكم محمرة واليوم الثالث وجوهكم مسودة فلما أن كان أول يوم أصبحوا وجوههم مصفرة فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: قد جاءكم ما قال صالح فقال العتاة منهم: لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله وإن كان عظيما. فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرة فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم لو أهلكنا جميعاً ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها ولم يتوبوا ولم يرجعوا فلما كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودة فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: يا قوم أتاكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح. فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل فصرخ لهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم وقد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم فماتوا جميعاً في طرفة عين: صغيرهم وكبيرهم فلم يبق لهم ناعقة ولا راعية ولا شيء إلا أهلكه الله فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى فأرسل الله إليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقهم أجمعين (16)، وكانت هذه قصتهم.
أقول: واشتمال الحديث على أمور خارقة للعادة كشرب الناس جميعاً من لبن الناقة وكذا تغير ألوان وجوههم يوماً فيوماً لا ضير فيه بعد ما كان أصل وجودها عن إعجاز، وقد نص القرآن الكريم بذلك، وبأنها كانت لها شرب يوم ولأهل المدينة كلهم شرب يوم معلوم.

وأما كون الصيحة من جبرئيل فلا ينافي كونها صاعقة سماوية نازلة عليهم أماتتهم بصوتها وأحرقتهم بنارها إذ لا مانع من نسبة حادث من الحوادث الكونية خارق للعادة أو جار عليها إلى ملك روحاني إذا كان هو في مجرى صدوره كما أن سائر الحوادث الكونية من الموت والحياة والرزق وغيرها منسوبة إلى الملائكة العمالة.

وقوله (عليه السلام): إنهم قد كانوا في الثلاثة الأيام قد تحنطوا وتكفنوا كأنه كناية عن تهيئهم للموت.
وقد وقع في بعض الروايات (17) في وصف الناقة أنه كانت بين جنبيها مسافة ميل وهو مما يوهن الرواية لا لاستحالة وقوعه فإن ذلك ممكن الدفع من جهة أن كينونتها كانت عن إعجاز بل لأن اعتبار النسبة بين أعضائها حينئذ يوجب بلوغ ارتفاع سنامها مما يقرب من ثلاثة أميال ولا يتصور مع ذلك أن يتمكن واحد من الناس من قتله بسيفه ولم يقع ذلك عن إعجاز من عاقر الناقة قطعاً، ومع ذلك لا يخلو قوله تعالى: ﴿ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ من دلالة أو إشعار على كون جثتها عظيمة جداً (18) .


(1) - سورة هود، الآيات: 61-68.
(2) - سورة هود، الآية: 61.
(3) - سورة الأعراف، الآية: 74.
(4) - سورة الشعراء، الآية: 148.
(5) - سورة النمل، الآية: 48.
(6) - سورة هود، الآية: 62. وسورة النمل، الآية: 49.
(7) - هود - الشعراء - الشمس وغيرها.
(8) - سورة الأعراف، الآية: 75.
(9) - سورة الأعراف، الآية: 66. وسورة الشعراء، الآية: 153. وسورة النمل، الآية: 47.
(10) - سورة الأعراف، الآية: 72. وسورة هود، الآية: 64. وسورة الشعراء، الآية: 156.
(11) - سورة هود، الآية: 65.
(12) - سورة النمل، الآيتان: 49-50.
(13) - سورة الذاريات، الآية: 44.
(14) - سورة الأعراف، الآية: 79. وسورة هود، الآية: 67.
(15) - سورة يونس، الآية: 63.
(16) - الكافي: ج8، ص162-163، البرهان: ج2، ص225-226.
(17) - البرهان: ج2، ص225.
(18) - الميزان: ج10، ص468-471.


 

   القرآن في نهج البلاغة

القرآن في نهج البلاغة
زَمَانٌ لاَ يَبْقَى مِنَ اَلْقُرْآنِ إِلاَّ رَسْـــــمـــُهُ

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في حكمة له: «يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ اَلْقُرْآنِ إِلاَّ رَسْمُهُ وَمِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ اِسْمُهُ مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ اَلْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ اَلْهُدَى سُكَّانُهَا وَعُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ اَلْأَرْضِ مِنْهُمْ تَخْرُجُ اَلْفِتْنَةُ وَإِلَيْهِمْ تَأْوِي اَلْخَطِيئَةُ يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ عَنْهَا فِيهَا وَيَسُوقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا إِلَيْهَا يَقُولُ الله سُبْحَانَهُ فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ فِتْنَةً أَتْرُكُ اَلْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ وَقَدْ فَعَلَ وَنَحْنُ نَسْتَقِيلُ الله عَثْرَةَ اَلْغَفْلَةِ».

الشرح:
«يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ اَلْقُرْآنِ إِلاَّ رَسْمُهُ» أي: خطّه وكتابته وتلاوته دون العمل. أما سلامة القلب وصلاح العمل فشيء آخر لا يهمهم أبداً بنظرهم ولا تدعو إليه الحاجة.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): من قرأ القرآن ليأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظم لا لحم فيه (1) .
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتّخذه بضاعة واستدرّ به الملوك، واستطال به على الناس، ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده، وأقامه إقامة القدح فلا كثّر الله هؤلاء من حملة القرآن،ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه فأسهر به ليله، وأظمأ به نهاره، وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه. فبأولئك يدفع الله العزيز الجبّار البلاء، وبأولئك يديل الله تعالى من الأعداء، وبأولئك ينزّل الله تعالى الغيث من السماء، فوالله لهؤلاء في قرّاء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر (2) .

«وَمِنَ اَلْإِسْلاَمِ إِلاَّ اِسْمُهُ» وهو الإقرار باللسان دون العمل بالتعاليم والأركان كالجهاد من أجل الدين والوطن والحرية والكرامة.. إن الإسلام عزّة ومنعة، قال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ (3) . فأي مجتمع يدّعي الإسلام، ثم يعيش في الوهن والتخلف والذل والانحطاط فما هو من الإسلام في شيء. لقد كان المسلمون يبذلون المهج والأرواح في سبيل دينهم وحريتهم، ولا أعرف اليوم مجتمعاً أو بلداً مسلماً يحمل هذه الروح مع أن فيه الكثير من المساجد والمآذن والمراسم و العمائم.

عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أنّ الله تعالى خلق الإسلام. فجعل له عرصة، وجعل له نوراً، وجعل له حصناً، وجعل له ناصراً. فأمّا عرصته فالقرآن، وأمّا نوره فالحكمة، وأمّا حصنه فالمعروف، وأمّا أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا إلى أن قال فلو أنّ الرجل من أمّتي عبد الله تعالى عمره أيّام الدنيا ثمّ لقى الله تعالى مبغضا لأهل بيتي وشيعتي ما فرّج الله صدره إلاّ عن النفاق.
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): الإسلام عريان فلباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروّته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت (4) .
«مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ اَلْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ اَلْهُدَى» عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): يأتي في آخر الزمان ناس من أمّتي يأتون المساجد، فيقعدون حلقا ذكرهم الدنيا وحبّ الدنيا، لا تجالسوهم فليس للّه بهم حاجة. وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): البغي في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش (5) .

«سُكَّانُهَا وَعُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ اَلْأَرْضِ» لأنهم يسيرون من ذل إلى ذل، ومن ضعف إلى ضعف ولا يجاهدون في سبيل الحق وإعلاء كلمته، فالزعماء يتناحرون على الكراسي، ويشترونها بدينهم وأمتهم. والعلماء منهم من يتلهف على الرياسة، وآخر على وظيفة القضاء والإفتاء. وثالث يتلقى الوحي من مكاتب الاستخبارات، ويشتري بعهد الله ثمناً قليلاً. ورابع لا يشعر بالمسؤولية تاركاً جماعة المسلمين جاهلة بأهم أحكام الإسلام، غافلة عما يراد بها وبدينها ووطنها.

«مِنْهُمْ تَخْرُجُ اَلْفِتْنَةُ وَإِلَيْهِمْ تَأْوِي اَلْخَطِيئَةُ» ضمير «منهم وإليهم» يعود إلى قادة السوء من رجال الدين والدنيا، كما هو المفهوم من قرينة السياق وطبيعة الوضع والحال، والمراد بالفتنة هنا ظهور الفساد والضلال في البر والبحر، والمعنى أن قادة السوء هم سبب البلاء، وأصل الداء.
«يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ عَنْهَا فِيهَا» شذّ من باب مدّ وفرّ.أي: يردّون من تفرّق عن الفتنة فيها كما يردّ الراعي شاة تفرّقت عن الأغنام فيها. ينكّلون بمن يأبى السير في ركابهم، ويحملونه بشتى أساليب الضغط على أن يكون لهم من الأذناب والأتباع.

«وَيَسُوقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا» كما يسوق السائق حماراً أو بقراً تأخّر عنهما إليهما، وردّهم كذلك، وسوقهم كذلك لجدّيتهم في رواج الفتنة وصيرورتها معمولا بها.
«يَقُولُ الله سُبْحَانَهُ فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ فِتْنَةً أَتْرُكُ اَلْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ» المراد بالفتنة هنا العذاب، لا يرى وجه خلاص له كلّما فكر. والمعنى أن الله سبحانه كتب على نفسه أن يسوم قادة الضلال والفساد سوء العذاب، ولا يجدون ولياً ولا نصيراً.

عن الإمام الباقر (عليه السلام): أنّ الله تعالى أنزل كتاباً من كتبه على نبي من الأنبياء وفيه أن يكون خلق من خلقي يختتلون (6) الدنيا بالدين. يلبسون مسوك الضأن على قلوب كقلوب الذئاب. أشدّ مرارة من الصبر، وألسنتهم أحلى من العسل، وأعمالهم الباطنة أنتن من الجيف. فبي يغترّون ؟ أم إيّاي يخادعون ؟ أم عليّ يجترئون ؟ فبعزّتي حلفت، لأبعثنّ عليهم فتنة تطأ في خطامها حتّى تبلغ أطراف الأرض، تترك الحكيم منها حيران فيها، رأي ذي الرأي، وحكمة الحكيم ألبسهم شيعاً وأذيق بعضهم بأس بعض أنتقم من أعدائي بأعدائي فلا أبالي (7) .
وعنه (عليه السلام) قال: سئل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيم النجاة غدا ؟ قال: إنّما النجاة في ألاّ تخادعوا الله فيخذعكم، فانه من يخادع الله يخدعه وينزع منكم الإيمان ونفسه يخدع لو يشعر. قيل له: فكيف يخادع الله ؟ قال: يعمل بما أمر الله ثم يريد به غيره فاتقوا الله في الرياء فانه شرك بالله إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك، وبطل أجرك، فلا خلاص لك اليوم، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): سيأتي على أمّتي زمان تخبث فيه سرائرهم، وتحسن علانيتهم طمعاً في الدنيا. لا يريدون به ما عند الله عزّ وجلّ يكون أمرهم رياء لا يخالطه خوف، يعمّهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجاب لهم.

وعنه (عليه السلام) قال عليّ (عليه السلام): إنّ في جهنّم رحى تطحن أفلا تسألوني ما طحنها ؟ فقيل له: وما طحنها يا أمير المؤمنين ؟ فقال: العلماء الفجرة، والقرّاء الفسقة، والجبابرة الظلمة، والوزراء الخونة، والعرفاء الكذبة، وإنّ في النار لمدينة يقال لها: الحصينة. أفلا تسألوني ما فيها ؟ فقيل له: وما فيها يا أمير المؤمنين ؟ قال: فيها أيدي الناكثين (8) .
وعنهم (عليهم السلام) يقول عزّ وجل: «إذا عصاني من خلقي من يعرفني، سلّطت عليه من لا يعرفني» (9) .

«وَقَدْ فَعَلَ» ذلك بالأمم الماضية، وعلينا أن نتخذ منهم العبرة، وأمّا هذا فكلامه (عليه السلام) تصديقا لقوله تعالى، نظير تصديق الله تعالى لقول ملكة سبأ: ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ (في قوله تعالى): ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ (10) .
«وَنَحْنُ نَسْتَقِيلُ الله» أي: نطلب تجاوزه «عَثْرَةَ اَلْغَفْلَةِ» عن طاعته تعالى، لأنها سبب الأسباب لسيطرة الهوى على العقل والقلب، ولكل ضلال وانحطاط (11) .

نسأل الله العصمة من الزيغ، والخروج من الدنيا سالمين، غير ناكثين ولا مارقين، ولا مبدلين، ولا مغضوب علينا ولا ضالّين، آمين رب العالمين، بمحمد وآله الطاهرين (12) .


(1) - عقاب الأعمال: 329، ح1.
(2) - الكافي: ج2، ص627، ح1.
(3) - سورة المنافقون، الآية: 8.
(4) - الكافي: ج2، ص46،ح2 و3.
(5) - جامع الأخبار: 70.
(6) - «يختلون» أي يطلبون الدنيا بعمل الآخرة. يقال: خَتَله يَخْتِله: إذا خَدَعه وراوَغَه، وختل الذئب الصيد: إذا تخفّى له. النهاية، ج٢، ص٦ ( ختل ) .
(7) - عقاب الاعمال: 301،ح 4.
(8) - عقاب الأعمال: 301-304.
(9) - أخرجه الصدوق في اماليه: 190، ح 12، المجلس 40.
(10) - سورة النمل الآية: 34.
(11) - أهم المصادر: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، في ظلال نهج البلاغة، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.
(12) - بقلم: الشيخ فادي الفيتروني.

 

 

   الأخلاق في القرآن



كما نعلم، أنّ حقيقة التّوبة هو الرّجوع إلى ساحة الباري تعالى، والإقلاع عن العِصيان، في ما لو كان ناشئاً من النّدم على ما سبق من الأعمال السّيئة، ولازم النّدم هو العلم بأنّ الذنب يحيل بين المذنب والمحبوب الحقيقي، ويترتب عليه العزم والتّصميم على عَدم العودة، وعلى التّحرك لجبران ما فات، ومحو آثار الذنوب السّابقة من باطن وجوده وخارجه، ويتحرّك كذلك في دائرة إعادة الحقوق الباقية في ذمّته، وأكّد القرآن الكريم، في كثير من الآيات على هذا المعنى، وجعل التّوبة مقارنةً للإصلاح:

1 ـ الآية (160) من سورة البقرة، وبعد الإشارة إلى ذنب كتمان الآيات الإلهيّة والعقاب الذي يترتب على ذلك قالت: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَاْ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ .
2 ـ الآية (89) من سورة آل عمران، وبعد إشارتها لمسألة الإرتداد وعقابها، يقول تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ .
3 ـ الآية (146) من سورة النساء، وبعد إشارتها للمنافقين، وعاقبة أمرهم السّيئة، تذكر: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلَّه ﴾ .
4 ـ وفي الآية (5) من سورة النّور، وبعد ذكرها للعقوبة الشّديدة المترتبّة على القَذف، في الدنيا والآخرة، ذكرت: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ .
5 ـ وبالتالي نرى عنصر التّوبة، بمثابة قانون كلّي يستوعب في نطاقه جميع الذّنوب، فقال تعالى في الآية (119) من سورة النحل: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ .

6 ـ ورد شبيه لهذا المعنى، في الآية (82) من سورة طه: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ .
وأشارت الآية الكريمة هنا، بالإضافة إلى رُكني التّوبة الأساسييّن، وهما: العودة إلى الله، والعمل الصالح، وجُبران الماضي، ذكرت مسألة الإيمان والهداية.
والحقيقة أنّ الذنوب تقلل نور الإيمان في قلب الإنسان، وتحرفه عن الطّريق، وعليه فإنّه بالتّوبة يجدّد إيمانه وهدايته، في نطاق إصلاح الباطن.
7 ـ وورد في سورة الأنعام، الآية (45)، معنى مشابه أيضاً: ﴿ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ .
وممّا ذكر من الآيات الآنفة، تتضح لنا مسألة التّوبة بصورة كاملة، فالتّوبة الحقيقيّةُ ليست بلفظ الإستغفار وحده، والنّدم على ما مضى، والإقلاع عنه في المستقبل، بل تتعدّى إلى دائرة الإنفتاح على العمل، لإصلاح كلّ التّقصيرات والمفاسد الّتي صدرت منه في السّالف، ومحو آثارها من نفسه وروحه ومن المجتمع، لتحصيل الطّهارة الكاملة في واقع الإنسان والحياة، وطبعاً بالقدر الممكن.
فهذه هي التّوبة الحقيقيّة، وليس الإستغفار وحده!.
والجدير بالذّكر أنّ كلمة «الإصلاح»، ورد ذكرها دائماً بعد ذكر التّوبة، كالآيات الآنفة الذّكر، ومعناها واسعٌ يشمل كلّ ما فات، من قصور وتقصيرِ يُبعد الإنسان عن خطّ الإيمان، ومنها:

1 ـ التّائب يجب أن يُؤدّي جميع الحقوق لمُستحقيها، فإنّ كانوا أحياء فَبِها، وإلاّ فلورثتهم.
2 ـ إذا كان قد تعامل مع الآخرين، من موقع الإهانة والغيبة، وغيرها من الاُمور السلبية في دائرة السلوك، فيجب عليه طلب الحلية منهَ ورَدّ إعتباره مادام الآخر يعيش في هذه الدنيا، وإن كان قد وافاه الأجل، فعليه أن يتحرّك على مستوى إرسال الثّواب لروحه، كي ترضى.
3 ـ أن يَقْضي ما فاته من العبادات: كالصّلاة والصّيام ودفع الكفارات.
4 ـ نعلم أنّ ممارسة الخطيئة والوقوع في منحدر الذنوب، يُظلم الرّوح ويسوّد القلب، فعلى التّائب السّعي لتنوير قلبه بالطّاعة والعبادة، لتنفتح روحه على الله تعالى، في أجواء الإيمان.
وأفضل وأكمل تفسير ورد لمعنى الإستغفار، هو ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، في كلماته القصار في نهج البلاغة:
قال(عليه السلام) لقائل قال بحضرته: «أَسْتَغْفِرُ الله» ـ وكان الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) يعرف سوابقه وأعماله ـ «ثَكَلَتْكَ اُمُّكَ أَتِدرِي مَا الاسْتِغْفارُ؟ الإسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ العِلِّيينَ، وَهَوَ اسمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعان». أَوَّلُها: النَّدمُ عَلى مَا مَضى.

والثَّانِي: العَزْمُ عَلَى تَرْكِ العَودِ إِلَيهِ أَبَداً. والثَّالِثُ: أنْ تُؤَدِّي إِلَى الَمخْلُوقِينَ حُقُوقَهُم حَتَّى تَلقَى الله أَمْلَسَ لَيسَ عَلَيكَ تَبِعَةٌ. الرّابِعُ: أنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَة عَلَيكَ ضَيَّعْتَها فَتُؤَدِّيَ حَقَّها. الخَامِسَ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالأحزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ الجِلْدَ بِالعَظمِ، وَيَنْشَأَ بَينَهُما لَحْمٌ جَدِيدٌ. والسَّادِسَ: أَن تُذِيقَ الجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاوَةَ المَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ: «أَسْتَغْفِرُ الله» (1) .
ويمكن أن يقال: إنّ التّوبة إذا كانت كما ذكرها أمير المؤمنين(عليه السلام)، فلن يوجد تائب حقيقي أبداً.
ولكن يجب الّتنبّهُ إلى أنّ بعض الشروط السّتة، هي في الحقيقة من كمال التّوبة، كما في الشّرط الخامس والسّادس، أمّا الشّروط الأربعة الاُخرى، فهي من الشّروط الواجبة واللاّزمة، أو كما يقول بعض المحقّقين: إنّ القسم الأول، والثّاني من أركان التّوبة، والثّالث والرابع هما من الشروط اللاّزمة، والخامس والسّادس من شروط الكمال (2) .
وجاء في حديث آخر عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال: «أمّا عَلامَةُ التَّائِبِ فَأَرْبَعَةٌ: النّصِيحةُ للهِ فِي عَمَلِهِ وَتَركُ الباطِلِ وَلُزُومِ الحَقِّ وَالحِرصُ عَلَى الخَيْرِ» (3) .
ويجب الإنتباه، أنّ الذّنب إذا تسبّب في إضلال الآخرين، مثل الدّعاية المضلّة، والبِدعة في الدّين، سواء كان عن طريق البيان، أو عن طريق الكتابة، فيجب عليه إرشاد الضّالين بالقدر الّذي يستطيع، وإلاّ فلن تُقبل توبته.

ومنه يتّضح صعوبة سلوك طريق التوبة، بالنّسبة إلى المحرّفين للآيات الإلهيّة، والمُبتَدِعين في دين الله تعالى، والذين يتحرّكون على مستوى إضلال الناس، وسوقهم إلى الإنحراف.
فليس من الصحيح، أن يُضلّ شخصٌ عدداً غفيراً من النّاس، في الملأ العام، أو بكتاباته ومقالاته، ثمّ يجلس في زاوية البيت، ويستغفر الله تعالى ليعفو عنه، فمثل هذه التّوبة، لن تُقبلَ أبداً.
وكذلك الذي يهتك حرمة أحد الأشخاص أمام الملأ، ثم يستحلّ منه على إنفراد، أو يتوب في خَلوته، فلن تُقبل مثل هذه التّوبة، ما لم يرد إعتبار ذلك الشخص، أمام الملأ العام.
وبناءً على هذا، فإنّنا نقرأ في الرّوايات عن أشخاص هَتكوا حُرمة الغير، واُجري عليهم الحَد، فإنّ توبتهم لن تقبل، إلاّ إذا رجعوا عن غيّهم وكلامهم.
وقد ورد في حديث مُعتبر، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال الرّاوي: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحدود إذا تاب، أتقبل شهادته؟، فقال: «إذا تابَ وَتَوبَتُهُ أَنْ يَرْجَعَ مِمّا قالَ وَيُكِذِّبَ نَفْسَهُ عِنْدَ الإِمامِ وَعِنْدَ المُسْلِمِينَ، فإذا فَعَلَ فَإِنَّ عَلَى الإِمامِ أَنْ يَقْبَلَ شَهادَتَهُ بَعْدَ ذَلِك” (4) .

وآخر ما يمكن أن يقال في هذا المجال، أنّ من يقنع من الإستغفار بالإسم، مُقابل كثرة الذّنوب والمعاصي، ولا يسعى في تحصيل أركانه وشروطه، فكأنّه قد إستهزأ بنفسه، وبالتّوبة وبالإستغفار.
وفي ذلك يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «التّائِبُ مِنَ الذَّنِبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لِهُ، وَالمُقِيمُ عَلَى الذَّنْبِ وَهُوَ مُسْتَغْفِرٌ مِنْهُ كالمُستَهزِىء» (5) (6) .


(1) - نهج البلاغة: الكلمات القصار، الكلمة 417.
(2) - كتاب «كفتار معنوي»: للمرحوم الشهيد مطهري، ص139.
(3) - تُحف العقول: ص32.
(4) - وسائل الشيعة: ج18، ص283، ج1 باب 37، من أبواب الشّهادات.
(5) - اُصول الكافي: ج 2، ص 435، باب التوبة، ح 10.
(6) - الأخلاق في القرآن: 199.

 

   الجهاد في القرآن الكريم


مفهوم وفلسفة الجهاد في القرآن
 

يقول المولى سبحانه:

﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ (1) .

اللغة:

صَوَامِعُ: الصوامع جمع صومعة وهي بناء في أعلاه حدة كان يتخذ في الجبال والبراري ويسكنه الزهاد والمعتزلون من الناس للعبادة.
وَبِيَعٌ: جمع بيعة بكسر الباء معبد اليهود والنصارى، ويطلق عليها الكنيسة أيضاً.
وَصَلَوَاتٌ : جمع صلاة وهي مصلى اليهود سمي بها تسمية للمحل باسم الحال كما أريد بها المسجد في قوله تعالى: ﴿ لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ﴾ .
وَمَسَاجِدُ: جمع مسجد وهو معبد المسلمين.

الجِهَادِ لغة وشرعاً:

الجِهَادِ: لغة فعال من الجهد، وهو المشقّة البالغة، والجِهاد ـ بكسر الجيم ـ مصدر جاهد يجاهد جهاداً ومجاهدة، وبفتح الجيم الأرض الصلبة، والجَـُهد ـ بفتح الجيم وضمّها ـ الطاقة، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ﴾ (2)، قرئ بهما (3) .
وشرعاً: إن أُخذ من الأوّل، فهو بلوغ المشقّة في النفس والمال. وإن أُخذ من الثاني، فهو بذل الطاقة من النفس والمال. وعلى التقديرين، فهو بذل النفس والمال، لإعلاء كلمة الإسلام، وإقامة شعائر الإيمان، فيدخل في الأوّل قتال الكفّار، وفي الثاني جهاد البغاة.
وهو من أعظم أركان الإسلام، قال النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «فوق كلِّ برّ برٌّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله، فليس فوقه برٌّ» (4) .
وقال علىّ(عليه السلام): «فَإِنَّ اَلْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اَلْجَنَّةِ فَتَحَهُ الله لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ» (5) .
هذا، وهو من فروض الكفايات، لم نسمع وجوبه على الأعيان إلاّ عن سعيد بن المسيّب (6)، وله شروط وأحكام تذكر في كتب الفقه، والمقصود هنا ذكر آيات تتعلّق به وهي أنواع.

أوّل حكم نزل بالجهاد:

ذكرت روايات أنّ المسلمين عندما كانوا في مكّة، كانوا يتعرّضون كثيراً لأذى المشركين، فجاء المسلمون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين مشجوج ومضروب يشكون إليه ما يُعانون من قهر وأذىً، فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لهم: «اصبروا فانّي لم اُؤمر بالقتال» حتّى هاجر، فأنزل الله عليه الآية - أوّل الكلام - بالمدينة، وهي أوّل آية نزلت في القتال (7) .
هناك اختلاف بين المفسّرين في كونها أوّل آية نزلت بالجهاد، فهناك مَن يؤيّد ذلك، وهناك من يرى أنّ أوّل آية نزلت في الجهاد هي آية ﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ .. ﴾ (8) وعدّ البعض آية ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ .. ﴾ (9) هي الأُولى (10) .
إلاّ أنّ اُسلوب الآية يناسب هذا الموضوع بشكل أفضل لأنّ تعبير «إذن» جاء بصراحة واضحة فيها، ولم يرد في الآيتين الأُخريين، وبتعبير آخر: إنّ الإذن بالجهاد منحصر في هذه الآية.
ولمّا وعد الله المؤمنين بالدفاع عنهم في الآية السابقة يتّضح جيداً الإرتباط بين هذه الآيات.. تقول الآية: إنّ الله تعالى أذن لمن يتعرّض لقتال الأعداء وعدوانهم بالجهاد، وذلك بسبب أنّهم ظلموا: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ ﴾ ثمّ أردفت بنصرة الله القادر للمؤمنين: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ .
إنّ وعد الله بالنصر جاء مقروناً بـ «قدرة الله». وهذا قد يكون إشارة إلى القدرة الإلهيّة التي تنجد الناس حينما ينهضون بأنفسهم للدفاع عن الإسلام، لا أن يجلسوا في بيوتهم بأمل مساعدة الله تعالى لهم، أو بتعبير آخر: عليكم بالجدّ والعمل بكلّ ما تستطيعون من قدرة، وعندما تستحقّون النصر بإخلاصكم ينجدكم الله وينصركم على أعدائه، وهذا ما حدث للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع حروبه التي كانت تتكلّل بالنصر.
ثمّ توضّح هذه الآيات للمظلومين ـ الذين أذن لهم بالدفاع عن أنفسهم ـ بواعث هذا الدفاع، ومنطق الإسلام في هذا القسم من الجهاد فتقول: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ وذنبهم الوحيد أنّهم موحّدون: ﴿ إِلَّا أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ .

ومن البديهي أنّ توحيد الله موضع فخر للمرء وليس ذنباً يبيح للمشركين إخراج المسلمين من بيوتهم وإجبارهم على الهجرة من مكّة إلى المدينة، وتعبير الآية جاء لطيفاً ـ يُجلّي إدانة الخصم، فنحن على سبيل المثال نقول لناكر الجميل: لقد أذنبنا عندما خدمناك، وهذه كناية عن جهل المخاطب الذي يجازي الخير شرّاً (11) .
ثمّ تستعرض الآية واحداً من جوانب فلسفة تشريع الجهاد فتقول: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ﴾ .
أي إنّ الله إن لم يدافع عن المؤمنين، ويدفع بعض الناس ببعضهم عن طريق الإذن بالجهاد، لهدّمت أديرة وصوامع ومعابد اليهود والنصارى والمساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيراً.
ولو تكاسل المؤمنون وغضّوا الطرف عن فساد الطواغيت والمستكبرين ومنحوهم الطاعة، لما أبقى هؤلاء أثراً لمراكز عبادة الله، لأنّهم سيجدون الساحة خالية من العوائق، فيعملون على تخريب المعابد، لأنّها تبثّ الوعي في الناس، وتعبّىء طاقتهم في مجابهة الظلم والكفر. وكلّ دعوة لعبادة الله وتوحيده مضادّة للجبابرة الذين يريدون أن يعبدهم الناس تشبّهاً منهم بالله تعالى، لهذا يهدّمون أماكن توحيد الله وعبادته، وهذا من أهداف تشريع الجهاد والإذن بمقاتلة الأعداء.

وعبارة ﴿ ﴿ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ﴾ وصف خاص بمساجد المسلمين حسب الظاهر، لأنّها أكثر ازدحاماً من جميع مراكز العبادة الأُخرى في العالم، حيث تجرى فيها الصلوات الخمس في أيّام السنة كلّها، في وقت نجد فيه المعابد الاُخرى لا تفتح أبوابها للمصلّين إلاّ في يوم واحد من الاسبوع، أو أيّام معدودات في السنة.
وفي الختام أكّدت هذه الآية ثانية وعد الله بالنصر ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ﴾ ولا شكّ في إنجاز هذا الوعد، لأنّه من ربّ العزّة القائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ . من أجل ألاّ يتصوّر المدافعون عن خطّ التوحيد أنّهم وحيدون في ساحة قتال الحقّ للباطل، ومواجهة جموع كثيرة من الأعداء الأقوياء.
وبنور من هذا الوعد الإلهي إنتصر المدافعون عن سبيل الله على أعدائهم في معارك ضارية خاضوها بضآلة عدد وعدّة، ذلك النصر الذي لا يمكن أن يقع إلاّ بإمداد إلهي.
وآخر آية توضح المراد من أنصار الله الذين وعدهم بنصره في الآية السابقة، وتقول: ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ .
إنّهم فئة لا تلهو ولا تلعب كالجبابرة بعد انتصارها، ولا يأخذها الكبر والغرور، إنّما ترى النصر سلّماً لإرتقاء الفرد والجماعة. إنّها لن تتحوّل إلى طاغوت جديد بعد وصولها إلى السلطة، لارتباطها القويّ بالله، والصلاة رمز هذا الإرتباط بالخالق، والزكاة رمز للإلتحام مع الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامتان قويتان لبناء مجتمع سليم. وهذه الصفات الأربع تكفي لتعريف هؤلاء الأفراد، ففي ظلّها تتمّ ممارسة سائر العبادات والأعمال الصالحة، وترسم بذلك خصائص المجتمع المؤمن المتطور.
كلمة «مكّنا» مشتقة من «التمكين» الذي يعني إعداد الأجهزة والمعدّات الخاصّة بالعمل، من عدد وآلات ضرورية وعلم ووعي كاف وقدرة جسمية وذهنية.
وتطلق كلمة «المعروف» على الأعمال الجيدة والحقّة، و «المنكر» يعني العمل القبيح، لأنّ الكلمة الأُولى تطلق على الأعمال المعروفة بالفطرة، والكلمة الثّانية على الأعمال المجهولة والمنكرة. أو بتعبير آخر: الأُولى تعني الإنسجام مع الفطرة الإنسانية، والثّانية تعني عدم الإنسجام.
وتقول الآية في ختامها ﴿ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ وتعني أنّ بداية أي قدرة ونصر من الله تعالى، وتعود كلّها في الأخير إليه ثانية ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ .

هنا ثلاثة مسائل:

1 ـ فلسفة تشريع الجهاد:

مع ملاحظة احتمال أن تكون الآيات ـ موضع البحث ـ أُولى الآيات التي أجازت للمسلمين الجهاد، واحتوت إشارة إلى فلسفة هذا الحكم، وجدنا ضرورة تناولها بإيجاز.
وقد أشارت هذه الآيات إلى أمرين مهمّين في فلسفة الجهاد:
أوّلهما: جهاد المظلوم للظالم، وهو من حقوقه المؤكّدة والطبيعيّة، التي يؤكّدها عقل الإنسان وفطرته، وليس له أن يستسلم للظلم، بل عليه أن ينهض ويصرخ ويتسلّح ليقطع دابر الظالم ويدفعه.
وثانيهما: جهاد الطواغيت الذين ينوون محو ذكر الله من القلوب بتهديم المعابد التي هي مراكز لبثّ الوعي وإيقاظ الناس، فيجب مناهضة هؤلاء لمنعهم من محو ذكر الله بتخديرهم، ثمّ جعلهم عبيداً لها.
وممّا يلفت النظر أنّ تخريب المعابد والمساجد لا يعني تخريبها مادّياً فقط، بل قد يكون بأساليب غير مباشرة كثيرة، كإشاعة برامج التسلية والترفيه المقصودة، وبثّ الدعايات المسمومة، والإعلام المضادّ لحرف الناس عن المساجد، فتحوّل أماكن العبادة إلى خرائب مهجورة.
وفي هذا جواب لمن يسأل: لماذا اُجيز للمسلمين إستخدام القوّة وخوض الحرب لتحقيق أهدافهم؟ ولماذا لا يتمّ تحقيق الأهداف الإسلامية باللجوء إلى التعقّل والمنطق؟
وهل يفيد المنطق ذلك الظالم الذي يهجّر المسلمين من ديارهم لا لذنب إقترفوه سوى إعتقادهم بتوحيد الله. فتراه يستولي على منازلهم وأموالهم، ولا يلتزم بأي قانون ومنطق تجاههم؟!
فهل يمكن ردع هؤلاء المجرمين الظالمين بغير لغة السلاح والقوّة؟!
وهذا ينطبق على من يقول لنا: لماذا لا تساومون الكيان الصهيوني وتفاوضونه؟
الكيان الصهيوني الذي إنتهك جميع القوانين الدولية وقرارات المنظمات الدولية التي أقرّتها شعوب العالم، وسحق ويسحق جميع القوانين البشرية والتعاليم السماوية، هل يعترف بالمنطق؟!
الكيان الصهيوني الذي قصف المدارس والمستشفيات بالقنابل المحرقة، فقتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين الأبرياء وجعلهم إرباً إرباً! كيف يخاطب بالمنطق؟
وهكذا الأمر بالنسبة للذين يرون في المعبد والمسجد الذي يبثّ الوعي بين الناس ويقود حركة الجماهير، منافساً لمصالحه غير المشروعة؟! ويعملون بما لديهم من قوّة لهدمه! فهل يمكن التفاوض سلميّاً معهم؟! وإذا نظرنا إلى المجتمع الإنساني نظرة واقعية ووضعنا القضايا الفكرية جانباً، فلا نجد مفرّاً من اللجوء إلى القوّة والسلاح؟!
وليس هذا عجزاً في منطقنا، بل لعدم استعداد الجبابرة لقبول المنطق السليم، ومتى وجدنا المنطق فاعلا لجأنا إليه.

2 ـ من هم الذين وعدهم الله بالنصر؟

إنّه لمن الخطأ الاعتقاد بأنّ نصر الله المؤمنين ووعدهم بالدفاع عنهم ـ الذي جاء في الآيات السابقة ومن آيات قرآنية أُخرى ـ بعيد عن سنّة الله في خلقه وقوانين الحياة!
ليس الأمر هكذا، فالله يعد بنصرة الذين يعبئون جميع طاقاتهم ليدخلوا ميدان القتال بكلّ قوّة، ولهذا نطالع في الآيات السالفة: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ ﴾ . فلا يدفع الله الظالمين بإمداداته الغيبيّة وبقدرة الصواعق والزلازل التي يبعثها إلاّ في حالات استثنائية، إنّما يدفع شرّهم عن المؤمنين بمن يدافع عنهم، أي المؤمنين الحقيقيين.
وعليه فلا يعني الوعد الإلهي بالنصر رفع المسؤولية والتكاسل والتواكل بالإعتماد على ما وعد الله للمؤمنين، بل يجب التحرّك الواسع لضمان النصر الإلهي وتهيئة مستلزماته.
والجدير بالذكر أنّ هذه المجموعة من المؤمنين لا يتوجّهون إلى الله قبل النصر فقط، بل بعد النصر أيضاً، فهم ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَاةَ ... ﴾ يوطّدون علاقتهم مع الله. والنصر لديهم وسيلة لنشر الحقّ والعدل ومكارم الأخلاق.

وخصّصت بعض الرّوايات الآية السابقة بالمهدي (عجّل الله فرجه) وأصحابه أو بآل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل عامّ، فقد جاء في حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) حين تفسير الآية ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ... ﴾ قال: إنّ هذه الآية ﴿ الَّذِينَ إِن ... ﴾ نزلت في آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) والمهدي | وأصحابه «يملّكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل، كما أمات الشقاة الحقّ، حتّى لا يرى أين الظلم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (12) .
وقد وردت أحاديث أُخرى في هذا المجال، وهي عبارة عن مصاديق بارزة للآية ولا تمنع عموم الآية، ولا يمكنها المنع، فمفهوم الآية الواسع يشمل جميع المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله.
3 ـ «المحسنون»، «المخبتون»، «أنصار الله»

وتأمر الآيات المذكورة أعلاه والتي قبلها أحياناً بتبشير «المحسنين»، ثمّ تعرفّهم أنّهم من المؤمنين، وليسوا من الخونة الكفّار.
وأحياناً أُخرى تتكلّم حول «المخبتين» (المتواضعين) وتصفهم بأنّهم خشّع في الصلاة، صابرون على المصائب منفقون ممّا وهبهم الله.
وتعدّد هذه الآيات كذلك ميزات «أنصار الله» الذين لا يطغون عند إنتصارهم، بل يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وخلاصة هذه الآيات تكشف لنا أنّ المؤمنين الصادقين لهم جميع هذه الخصائص، فهم من جهة أقوياء في عقيدتهم والتزامهم المسؤولية، ومن جهة ثانية برهنوا على أنّهم أقوياء ومستقيمون في علاقتهم مع الخالق والخلق وفي مكافحة الفساد (13) .


(1) - سورة الحج، الآيات: 39 – 41.
(2) - سورة التوبة، الآية: 79.
(3) - الكشاف: ج2، ص294.
(4) - الكافي الفروع 5: 53 / تهذيب الأحكام 6: 122، بأدنى تفاوت.
(5) - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: ج10، ص492.
(6) - الخلاف: ج5، ص517. / حلية العلماء: ج7، ص644.
(7) - تفسير مجمع البيان، وتفسير الفخر الرازي للآية موضع البحث.
(8) - سورة البقرة، الآية: 190.
(9) - سورة التوبة، الآية: 111.
(10) - الميزان: ج14، ص419.
(11) - وبهذا يتّضح أنّ الإستثناء في الآية المذكورة متّصل غاية الأمر إنّه كنائي مع ذكر فرد ادّعائي.فتأمّل) .
(12) - تفسير علي بن إبراهيم (حسبما نقله تفسير نور الثقلين، المجلّد الثّالث، ص506) .
(13) - المصادر الأساسية: الأمثل، مجمع البيان، كنز العرفان.

 

   المرأة في القرآن


قال الله تعالى في محكم كتابه:
﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾ (1) .

تتحدث هذه الآية الكريمة عن الثواب الإلهي وهو عبارة عن «دخول الجنة» والتنعم بما فيها من الخيرات التي أعدها الله للمؤمنين من عباده رجالاً كانوا أم نساءً.
ولا شك أن عمل الصالحات محتاج إلى إدراكها وفهم أبعادها الدنيوية والأخروية، لأن هذا الفهم عامل من عوامل الانجذاب والانشداد نحو فعل مثل هذه الأعمال التي تشكل الرصيد الأساس للرقي الإنساني من جهة ولرفعة الدرجات في الآخرة من جهة المقام المعنويه المطابق للجهد الصالح المبذول في الدنيا.

ومعنى كل هذا أن الإسلام يتعاطى مع المرأة على أنها مخلوق إنساني كامل الاستعدادات واللياقات الإيمانية والروحية للتسامي والارتقاء، وتحمل كامل القدرات العقلية والكفاءات العملية للسعي نحو الأهداف الإلهية على المستوى الفردي والاجتماعي معاً، وهذا ما تشير إليه مجموعة من الآيات القرآنية التي يمكن اعتبارها مكمِّلة أو شارحة ومفسرة لإجمال الآية المتصدرة هنا، ومن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ (2) .

إن هذا النص يوضح بما لا مزيد عليه أن المجتمع الإنساني لا يمكن أن يعيش التكامل المحقق لغايات الوجود إلا إذا كان الطرفان الأساسيان «الرجل والمرأة» متناسبين من الجهات الروحية والإنسانية يستطيع كلٌ منهما من موقعه أن يأخذ دوره وأن يعطي المجتمع ما يساعده على بلوغ مرحلة النضج والوعي العملي، فالإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخضوع والتصدق والصوم وحفظ الفروج وذكر الله، كلها مواصفات تتشبع بها أرواح الرجال والنساء التي يمكن أن تكون خير معين للمرأة على الأدوار الرسالية والاجتماعية والتربوية والروحية في نفوس أبناء المجتمع، وتكون رافداً مهماً للرجل الذي يقوم بدوره أيضاً في هذا المجال. وبالجملة فالجو القرآني يؤكد على أن المساواة حاصلة في الجانب الإنساني وليست المرأة دون الرجل رتبة من هذه الجهة، وتؤكد الآية التالية هذا المعنى فتقول: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (3) .

إذن هذا الجو القرآني الذي يحمل الصورة الأكثر إشراقاً للمجتمع الإنساني لا يتشكل إلا من التكامل الحقيقي للمواقع والأدوار بين الرجل والمرأة، فيلعب كل طرف منهما دوراً في عمليات التربية والتعليم للأجيال، وفي ممارسة التقرب إلى الله بالطاعات والأعمال الصالحات، وفي القيام بأعباء التكليف الإلهي المقدس «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» كلٌ في مجاله الأسروي والاجتماعي وغير ذلك، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى تحصين المجتمع والارتقاء به إلى الحالة التي يصورها القرآن الكريم وهي حالة «المجتمع الإنساني العابد» بكل ما تضج به الحياة الاجتماعية من حركة وجهد ونشاط.

وبهذه النظرة الإنسانية المتسامية للمرأة وفِق التصور الإسلامي يختلف معتقدنا عن معتقدات الآخرين الذين ما زالوا يتعاملون مع المرأة من مواقع الإثارة والشهوة والمتعة واللذة ويريدون لهذا التصور الخاطئ والذي فيه إهانة وتحقير وحطٌّ من الموقع الإنساني والرسالي أن يكون النموذج العام للمرأة اللاهثة وراء المتع الزائلة الرخيصة التي تشيع بها غرائز الرجل وشهواته على حساب وجودها وكرامتها وحقوقها الإنسانية، وأكبر ما يشير إلى هذا التوجه الشيطاني عن المرأة ودورها ما تقوم به اليوم بعض الدول، وعلى رأسها فرنسا من فرض السفور على الفتيات المسلمات لإدخالهن في المدارس وتحصيل حقهن في الثقافة. إن هذا مؤشر واضح وخطير على المقام المتدني وفق نظرات الآخرين لحرية المرأة التي تخالف الشريعة الإسلامية الإلهية الهادفة إلى حفظ الموقف الإنساني للمرأة وعدم الانزلاق إلى منازل الهتك والسفور لما في كل ذلك من الأخطار الواضحة على المرأة بالخصوص والمجتمع الإنساني بالعموم.

يقول الإمام الخميني (قدس سره) عن دور المرأة في المجتمع : (إنّ دور المرأة في المجتمع أهم من دور الرجل، لأن النساء والسيدات ـ وعلاوة على كونهن شريحة فعالة على كل الأصعدة ـ فإنهن يتصدين لتربية الشرائح الفعّالة الأخرى أيضاً) .
وقال أيضاً: (إننا نفخر أن السيدات والنساء صغاراً وكباراً، ناشئات وعجائز، يمارسن دورهن الفاعل في المجالات الثقافية والاقتصادية والعسكرية كالرجال، أو أفضل، سعياً في تحقيق رفعة الإسلام وأهداف القرآن الكريم) .

والحمد لله رب العالمين


(1) - سورة النساء، الآية: 124.
(2) - سورة الأحزاب، الآية: 35.
(3) - سورة التوبة، الآية: 71 – 72.

 

  العقيدة في القرآن الكريم



يقول الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ (1) .

اعلم أنَّ الأئمة كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ﴿ هُمْ عَيْشُ اَلْعِلْمِ وَمَوْتُ اَلْجَهْلِ يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ، لاَ يُخَالِفُونَ اَلْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، هُمْ دَعَائِمُ اَلْإِسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ اَلاِعْتِصَامِ، بِهِمْ عَادَ اَلْحَقُّ فِي نِصَابِهِ، وَاِنْزَاحَ اَلْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ، وَاِنْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ، عَقَلُوا اَلدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَرِعَايَةٍ، لاَ عَقْلَ سَمَاعٍ وَرِوَايَةٍ، فَإِنَّ رُوَاةَ اَلْعِلْمِ كَثِيرٌ وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ ﴾ (2) .
واعلموا أيضاً أيها الإخوة أن وظائف الأئمة (عليهم السلام) هي نفسها التي كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ما عدا تلقي الوحي والإتيان بالشريعة ) ومن بين الأدوار التي يقوم بها الأئمة من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي: تبين مفاهيم القرآن الكريم وحل معضلاته، وبيان مقاصده وهذا يعد من أبرز وظائف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الله سبحانه: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ (3) .

أيضاً بيان الأحكام الشرعية والاجابة عن الأسئلة الدينية والاعتقادية وإقامة القسط والعدل والأمن العام الشامل في المجتمع الإسلامي.. وحفظ الثغور والحدود، والثروة الإسلامية من هجمات الأعداء.
كل هذه تعد من وظائف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقيام بها يحتاج الى قائد واعٍ خبير، يكون موضع عناية الله الخاصة، كما يكون في علمه صنو النبي ونظيره، أي أن يكون حاملاً للعلوم النبوية ومصوناً من كل خطأ وزلل، ومعصوماً من كل ذنب وخطلٍ، ليستطيع القيام بالوظائف الجسيمة المذكورة وليملأ الفراغ الذي أحدثه غياب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بسبب وفاته إن من البديهي أن تشخيص مثل هذا الشخص، والمعرفة به لإيكال منصب القيادة إليه، خارج عن حدود علم الأمة ونطاق معرفتها، ولا يمكن أن يتم بغير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمر الإلهي.
ونحن إذا دققنا بآية التطهير الآنفة الذكر يظهر لنا أمور عدة حول الإمامة.

1- أن الإمامة لمجعولة.
2- أن الإمام يجب أن يكون معصوماً بعصمة إلهية.
3- أن الأرض.. لا تخلو من إمام حق.
4- أن الإمام يجب أن يكون مؤيداً من عند الله تعالى.
5- أن أعمال العباد غير محجوبة عن علم الإمام.
6- أنه يجب أن يكون عالماً بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور معاشهم ومعادهم.
7- أنه يستحيل أن يوجد فيهم من يفوقه في فضائل النفس.
فهذه سبع مسائل هي أمهات مسائل الإمامة تعطيها الآية الشريفة بما ينضم إليها من الآيات والله الهادي.
وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان شرائط الإمامة قال: كبارُ حدود ولاية الإمام المفروض الطاعة أن يعلم أنه معصوم من الخطأ والزلل والعمد، ومن الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، لا يزلّ ولا يخطىء، ولا يلهو بشيء من الأمور الموبقة للدين، ولا بشيء من الملاهي، وأنه أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وفرائضه وسننه وأحكامه مستغنٍ عن جميع العالم، وغيره محتاج إليه وأنه أسخى الناس وأشجع الناس (4) .

أهل البيت (عليهم السلام) في الآية:

قد اتفقت الأمة بأجمعها على أن المراد بأهل البيت في الآية أهل بيت نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم اختلفوا فقال عكرمة أَرادَ أزواج النبي لأنَّ أوّل الآية متوجه إليهنّ وقال أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وعائشة وأم سلمة أن الآية مختصة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت جاءت فاطمة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحمل حريرة لها فقال ادعي زوجك وابنيك فجاءت بهم فطعموا ثم ألقى عليهم كساءً له خيبرياً فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً فقلت يا رسول الله وأنا معهم قال أنت إلى خير.
وروى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمستدرك الصحيحين (ج 3/ 147) قال: «لما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرحمة هابطة، قال: «ادعوا لي ادعوا لي «فقالت صفية: من يا رسول الله ؟ قال: «أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين «فجيء بهم فألقى عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كساءه ثم رفع يديه ثم قال:» اللهم هؤلاء آلي فصلِ على محمد وآل محمد وأنزل الله عزَّ وجل ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ .

معنى الإمامة:

الإمام في اللغة: الإنسان الذي يؤتمّ به ويقتدى بقوله أو فعله محقّاً كان أو مبطلا، وبهذا المعنى جاء في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ (5) .
ومن الثاني ما ورد ذكره في قوله تعالى: ﴿ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ﴾ (6) .
والإمام في الإسلام هو الهادي إلى سبيل الله بأمر من الله إنساناً كان كما ورد ذكره في قوله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ (7) .
وقوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ... ﴾ (8) .
أو كان كتاباً كما ورد ذكره في قوله تعالى: ﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ﴾ (9) .
وندرك من فحوى الآيات المذكورة أعلاه أنّ شرط الإمام في الإسلام إن كان كتاباً أن يكون منزلاً من قبل الله على رُسُله لهداية الناس كما كان شأن كتاب خاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): القرآن الكريم، ومن قبله كتاب موسى (عليه السلام): التوراة، وكذلك شأن كتب سائر الأنبياء(10) . وإن كان إنساناً أن يكون معيّناً من قبل الله لقوله تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ﴾ (11)، و (عَهْدِي ) . وأن يكون غير ظالم لنفسه ولا لغيره أي غير عاص لله لقوله تعالى: ﴿ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ (12) .

وفي ضوء ما سبق يصحّ القول بأنّ الإمام في الاصطلاح الإسلامي هو:

أ ـ الإنسان المعصوم من الذنوب والمعيَّن من قِبَل الله لهداية الناس.
ب ـ الكتاب المنزل من قِبَل الله على رسوله لهداية الناس.
فمعنى الإمامة أشبه بمعنى الرسول، الناطق عن الله تعالى، والمكلف بالهداية والرعاية للناس، وسوقهم إلى العمل بالحق، و.. و.. لكن الفرق بينهما هو أن الإمام لا يوحى إليه من قبل الله مباشرة.. وإن كان الملك يكلمه.
ويمكن إجمال القول في معنى الإمامة بأنها منصب إلهي، هو استمرار لوظائف النبوة والرسالة.. ويكون الحكم والحاكمية من بعض شؤون الإمام ووظائفه، واغتصاب هذا المقام منه، لا يضر بإمامته.

وصيي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

فبعد مضي ثلاث سنوات على اليوم الذي بعث فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلفه الله تعالى بأن يبلغ رسالته لأبناء قبيلته، وذلك عندما نزل قوله عزَّ وجل: ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ (13) . فجمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رؤوس بني هاشم وقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم «ولقد كرر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العبارة الأخيرة ثلاث مرات ولم يقم في تلك المرات إلا الإمام علي (عليه السلام) الذي أعلن عن استعداده في كل مرة لمؤازرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصرته وفي المرة الثالثة قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا» (14) .

- وفي حديث المنزلة:
فقد اعتبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منزلة علي (عليه السلام) منه على غرار منزلة هارون من موسى (عليه السلام) ولم يستثني من منازل ومراتب هارون من موسى إلا النبوة حيث قال: « يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» (15) .

آيات كثيرة بحق أهل البيت (عليهم السلام):
أنقل إليكم أيها الأعزاء مجموعة كبيرة من آيات الله الباهرة نزلت في العترة الطاهرة أليسوا عليهم السلام حبل الله سبحانه الذي قال: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾ والصادقين الذين قال: ﴿ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾، وصراط الله الذي قال: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾ وسبيله الذي قال: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ وأولي الأمر الذي قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ وأهل الذكر الذين قال: ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ والمؤمنين الذين قال: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾ والهداة الذين قال: ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ أليسوا من الذين أنعم الله عليهم، وأشار في السبع المثاني والقرآن العظيم إليهم، فقال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ وقال: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً ﴾ ألم يجعل لهم الولاية العامة ؟ ألم يقصرها بعد الرسول عليهم ؟ فأقرأ: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ألم يجعل المغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحاً مشروطة بالاهتداء إلى ولايتهم إذ يقول: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ ألم تكن ولايتهم من الأمانة التي قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ ألم تكن من السلم الذي أمر الله بالدخول فيه فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ أليست هي النعيم الذي قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ ألم يؤمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغها ؟ ألم يضيق عليه في ذلك بما يشبه التهديد من الله عزَّ وجل حيث يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ ألم يصدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغها عن الله يوم الغدير ؟ حيث خطب خطابه، وعبّ عبابه فأنزل الله يومئذ: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾ ألم تر كيف فعل ربك يومئذ بمن جحد ولايتهم علانية، وصادر بها رسول الله جهرة قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فرماه الله بحجر من سجيل كما فعل من قبل باصحاب الفيل وأنزل في تلك الحال: ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴾ وسيسأل الناس عن ولايتهم يوم يبعثون كما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ﴾ ولا غرو فإن ولايتهم لمما بعث الله به الأنبياء واقام عليه الحجج والأوصياء كما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ﴾ بل هي مما أخذ الله به العهد من عهد، ألست بربكم ؟ كما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ﴾ وتلقى آدم من ربه كلمات التوسل بهم فتاب عليه وما كان الله ليعذبهم وهم أمان أهل الأرض ووسيلتهم إليه فهم الناس المحسودون الذين قال الله فيهم: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾، وهم الراسخون في العلم الذين قال: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ﴾ وهم رجال الأعراف الذين قال: ﴿ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ ﴾ ورجال الصدق الذين قال: ﴿ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ﴾ ورجال التسبيح الذين قال الله تعالى: ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ وبيوتهم هي التي ذكرها الله عزَّ وجل فقال: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ وقد جعل الله مشكاتهم في آية النور مثلاً لنوره: ﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ وهم: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ وهم الصديقون والشهداء والصالحون، وفيهم وفي أوليائهم قال الله تعالى: ﴿ وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ وقال في حزبهم وحزب أعدائهم: ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ وقال في الحزبين أيضا: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ وقال فيهما أيضاً: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ وقال فيهم وفي شيعتهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ وقال فيهم وفي خصومهم: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾ وفيهم وفي عدوهم نزل: ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ وفيهم وفيمن فاخرهم بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أنزل الله تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ وفي جميل بلائهم وجلال عنائهم قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ وقد صدقوا بالصدق فشهد لهم الحق تبارك اسمه فقال: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ فهم رهط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المخلصون، وعشيرته الأقربون الذين اختصهم الله تعالى بجميل رعايته وجليل عنايته فقال: ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ وهم أولوا الأرحام: ﴿ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ وهم المرتقون يوم القيامة إلى درجته، الملتحقون به في دار جنات النعيم بدليل قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ وهم ذوو الحق الذي صدع القرآن بإيتائه: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ وذوو الخمس الذي لا تبرأ الذمة إلا بأدائه: ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾ وأولوا الفيء: ﴿ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾ وهم أهل البيت المخاطبون بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ آل ياسين الذين حياهم الله سبحانه في الذكر الحكيم فقال: ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ﴾ وآل محمد الذين فرض الله تعالى على عباده الصلاة والسلام عليهم فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ فقالوا: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك ؟ قال: « اللهم صلِّ على محمد وآل محمد .. الحديث، فعلم بذلك أن الصلاة عليهم جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية، ولذا أعدّها العلماء من الآيات النازلة فيهم حتى عدّها ابن حجر في الباب 11 من صواعقه في آياتهم عليهم السلام فـ ﴿ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾، ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ ﴾ .

من يباريهم وفي الشمس معنى مجهد متعب لمن باراها
فهم المصطفون من عباد الله، السابقون بالخيرات بإذن الله تعالى، الوارثون كتاب الله الذين قال فيهم: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ (وهو الذي لا يعرف الأئمة) ﴿ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ (وهو الموالي للأئمة) ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ (وهو الامام) ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ وفي هذا القدر من آيات فضلهم كفاية وقد قال ابن عباس: نزل في علي وحده ثلاثمئة آية وقال غيره نزل فيهم ربع القرآن ولا غرو فإنهم وإياه الشقيقان لا يفترقان. (16) .

عصمة أهل البيت (عليهم السلام):

بالاضافة إلى آية التطهير في سورة الأحزاب /33 والتي علقت إرادة الله تعالى الخاصة بطهارة أهل البيت (عليهم السلام) من أي نوع من أنواع الرجس يلازم عصمتهم من الذنوب والمعاصي، لأن المقصود من تطهيرهم من « الرجس» في الآية هو تطهيرهم من أي نوع من أنواع القذارة الفكرية والروحية والعملية التي من أبرزها المعاصي والذنوب.
أيضاً حديث الثقلين يدل على عصمتهم (عليهم السلام) وهو متواتر عند السنة والشيعة فقد خاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمة الاسلامية قائلاً: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (17) .
فالحديث يعتبر أهل البيت (عليهم السلام) عدل القرآن الكريم يعني كما يكون القرآن الكريم مصوناً من أي لون من ألوان الخطأ والاشتباه كذلك يكون أئمة أهل البيت مصونين من أي لون من ألوان الخطأ والاشتباه الفكري والعملي ومعصومين من أي نوع من أنواع الزلل والخطل.
أيضاً يدل على ذلك ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أن أهل بيته كسفينة نوح التي ينجو من الغرق من ركبها ويغرق في الأمواج من تخلف عنها.
إذ قال: «إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق» (18) .

عدد الأئمة (عليهم السلام):

الأئمة (عليهم السلام) اثنا عشر إمام نص عليهم بالتفصيل والإجمال فبالاضافة إلى أنَّ كل إمام كان يعين من بعده نذكر لكم بعض الروايات في ذلك. في تفسير البرهان عن ابن بابويه بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري: لما أنزل الله عزَّ وجل على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولوا الأمر الذين قرن الله تعالى طاعتهم بطاعتك ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي: أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقراه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي، ثم سميي محمد وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان. قال جابر: فقلت يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستطيؤون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً كلهم من قريش (19) .
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): إن عدة الخلفاء بعدي عدة نقباء موسى (20) .

قصة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد وإقناعه بضرورة الإمامة:

عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان، وهشام ابن سالم، والطيار، وجماعة فيهم هشام بن الحكم، وهو شاب فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته ؟ فقال هشام: يا ابن رسول الله إني أجلك واستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد الله: إذا أمرتكم بشيء فافعلوا.
قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متزرٌ بها من صوف، وشملة مرتد بها والناس يسألونه، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم إني رجل غريب تأذن لي في مسألة ؟ فقال لي: نعم، فقلت له ألك عين ؟ فقال: يا بني أي شيء من هذا السؤال ؟ وشيء تراه كيف تسأل عنه ؟ فقلت: هكذا مسألتي فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء قلت: أجبني فيها، قال لي: سل. قلت: ألك عين ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها ؟ قال: أرى بها ألألوان والأشخاص، قلت: فلك أنف ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال: أشم به الرائحة قلت: ألك فم ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال: أذوق به الطعم، قلت: فلك أذن ؟ قال: نعم، قلت فما تصنع بها ؟ قال: اسمع بها الصوت، قلت: ألك قلب ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال أميز به كلما ورد على هذه الجوارح والحواس، قلت: أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟ فقال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة، قال يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك، قال هشام: فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح ؟ قال: نعم، قلت: لا بد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح ؟ قال: نعم، فقلت له: يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكّهم وحيرتهم ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك ؟ ! قال: فسكت ولم يقل لي شيئاً. ثم التفت إلي فقال لي: أنت هشام بن الحكم ؟ فقلت: لا، قال: أمن جلسائه ؟ قلت: لا، قال: فمن أين أنت ؟ قال: قلت: من أهل الكوفة قال: فأنت إذاً هو ثم ضمني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت، قال: فضحك أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: يا هشام من علّمك هذا؟ قلت شيء أخذته منك وألفته، فقال: هذا والله مكتوب في صحف ابراهيم وموسى (21) .
وفي نهاية هذا الموضوع ندعوا الله سبحانه بما ندعوا في غيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف):
«اللهمَّ عرِّفني نفسك فإنّك إن لم تُعرِّفنى نفسك لم أعرف نبيّك، اللهمَّ عرّفني رسولك فإنَّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمَّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفنى حجّتك ضللت عن ديني» (22) .


(1) - سورة لأحزاب، الآية: 33.
(2) - نهج البلاغة:
(3) - سورة النحل: الآية: 44.
(4) - البحار: 40/336/27.
(5) - سورة الإسراء، الآيتان: 71-72.
(6) - سورة التوبة، الآية: 12.
(7) - سورة البقرة، الآية: 124.
(8) - سورة الأنبياء، الآية: 73.
(9) - سورة هود، الآية: 17.
(10) - راجع مادة: ( الكتاب ) في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
(11) - سورة البقرة، الآية: 124.
(12) - سورة البقرة، الآية: 124.
(13) - سورة الشعراء، الآية: 214.
(14) - مسند أحمد 1/159 - تفسير الطبري: 2/406 وغيرهما.
(15) - صحيح البخاري: 6/3 بع 12 13 هـ باب غزة تبوك،صحيح مسلم: 7/120 باب فضائل الامام علي (ع)،سنن ابن ماجة: 1/55 باب فضائل أصحاب النبي (ص)،مستند الامام أحمد: 1/173.. وغيرهم.
(16) - كتاب المراجعات: ص 39 الى 51.
(17) - صحيح مسلم: 7/122، سنن الترمذي: 2/307، سنن الدرامي 2/432، مسند احمد: 3/14، 17... وغيرهم.
(18) - مستدرك الحاكم 2/151 والخصائص الكبرى للسيوطي 2/266.
(19) - صحيح مسلم: 1821.
(20) - كنز العمّال: 497.
(21) - الكافي: ج 1، ص169 – 171.
(22) - مفاهيم قرآنيّة (إعداد جمعية القرآن الكريم) .

 

   حوارات قرآنية

حفظة القرآن الجامعيين
 

الاسم والشهرة: ريان جمال رضا حافظة لكامل القرآن الكريم وهي طالبة جامعيّة في السنة الأولى ومدرّسة قرآن كريم.
بدأت بشق طريق عملها في قناة إسلاميّة. بعد أن فازت بجائزة الشهيد السيد عباس الموسوي (رض) من عام 2015م.

س 1: ماذا تفهمين من قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ ﴾ .
ج: هذه الآية وردت في سورة آل عمران (الجزء الرابع) ومعناها أن نعتصم ونتمسك بالقرآن بهذا الدستور الإلهي المقدّس وأن نبقى سالكين لهذا الصراط المستقيم وأن لا نضل السبيل.

س 2: ماذا تفهمين من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): « إنَّ أهل القرآن (1) في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النّبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإنَّ لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً علياً؟
ج: هنا تبيان للمرتبة والدرجة التي يحظى بها حفّاظ القرآن فلا أحد أعلى وأسمى منهم مقاماً ما عدا الأنبياء والأوصياء والأئمة.

س 3: مروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّ: «الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة (2) الكرام البررة (3)»، هل هذا الحديث يشعرك بالمعنويات والتواضع لله سبحانه وللناس؟ ولماذا؟
ج: نعم هذا الحديث الشريف يعطيني شحنة معنوية عالية ورفيعة لأنه لا يوجد أفضل وأحسن من أن يُحشر أهل القرآن مع ملائكة الله ومع المطيعين لأمره والمنزّهين عن النقائص.

س 4: كيف تقيِّمين مشروع جائزة سيِّد شهداء المقاومة الإسلامية التي قدمتها جمعية القرآن الكريم بالتعاون مع حزب الله؟
ج: إنه لمشروع عظيمٌ ورفيع يحثّ الحفاظ على التّقدم والتّطور والتنمية أكثر فأكثر في المجال القرآني وهو يعطيهم دعم معنوي ومادي للاستمرار والمداومة على مراجعة القرآن وترسيخه وتسبيته.

س 5: ماذا تقولين لطلاب الجامعات لحثهم على حفظ القرآن الكريم والاستفادة منه؟ وبماذا تنصحينهم؟
ج: على طلاب الجامعات أن يعتبروا أن القرآن جزءاً لا يتجزأ من حياتهم وأن يكون أولوية هامة ورئيسية في كل شؤون حياتهم هكذا أقول لهم وهذه نصيحتي المتواضعة لأهل العلم.

س 6: ما هي الكلمة التي توجهينها لسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله (حفظه الله) الداعم لهذا المشروع؟
ج: إني أشكره جزيل الشكر وأنا كثيرة الامتنان لسماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصرالله (حفظه الله) وأتمنى له ولكل المجاهدين وجمهور المقاومة التوفيق والسداد، أدامكم الله لنا ذُخراً وأبقاكم قدوة ومثالاً نقتدي به ونمتثل لأمره وجعلكم نوراً وضياءً لكل المشاريع القرآنيّة.


(1) - أهل القرآن: هم حفظته وحملته والتالين لآياته والعاملين بما فيه.
(2) - السفرة: الملائكة.
(3) - البررة: جمع بار وهو المطيع لله المنزّه عن النقائص.

 

 

  أشهر القراء المبدعين

القارىء والمعلم للقرآن السيد مهدي سيف
(من الجمهورية الإسلامية الإيرانية)

 

منذ بدأ بالمواظبة على حضور الجلسات القرآنية التي كان والده المرحوم السيد محمّد حسن سيف يقيمها ويدرّس فيها وله من العمر 6 سنوات وأتقن فيها تلاوة القرآن وفنونها. والجلسات هذه كان يحيطها رونق خاص وجذاب حيث أنها كانت تقام في سوق طهران (البازار) كل يوم في مسجد سيد عزيز الله وكل ليلة في مسجد الإمام الخميني (قدس سره) وفي أيام العطل كانت تقام في منازل المشتركين فيها أو في أماكن الاصطياف الطهرانية. ولقد أتقن مهدي سيف علوم التجويد وقراءة القرآن وخاصة الخط القرآني من خلال مشاركته في الجلسات التي كان يقيمها والده في سني طفولته وشبابه ومن خلال المباحثة والمطالعة للمواضيع المتعلقة بها.

ويعتبر الأستاذ مهدي سيف من أفضل المعلمين في إيران. بدأ بالتدريس منذ أكثر من عشرين سنة. ولغاية الآن في العديد من المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية وفي بعض الجامعات، ويمتلك موهبة وأسلوباً خاصاً في تعليم قراءة القرآن للمبتدئين.
عُيّن عضواً في مجلس الشورى العلمي لمركز طباعة ونشر المصحف الشريف في الجمهورية الإسلامية وكذلك في الهيئة العلمية التأسيسية لمؤسسة مهد القرآن الكريم.

أهم الامتيازات التي نالها:
- رتبة خادم القرآن.
- التحكيم في المسابقات القرآنية الوطنية والدولية.
- تأليف مناهج تدريس القرآن الكريم ولدورات تعليم قراءة القرآن الكريم.
- إعداد العديد من البرامج القرآنية في الإذاعة والتلفزيون.
- تسجيل تلاوة آخر خمسة أجزاء من القرآن الكريم بصورة تعليمية.

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ سورة النساء / الآية 100

بمزيد من الفخر والاعتزاز والتسليم بقضاء الله سبحانه وتعالى تنعي جمعية القرآن الكريم في لبنان لصاحب العصر والزمان| وللأمة الإسلامية جمعاء استشهاد حجاج بيت الله الحرام في منى، ومنهم كوكبة من قرّاء القرآن الكريم والمبتهلين ومن بينهم الفائز الأول في المسابقة القرآنية في ماليزيا القارئ الحاج محسن حاجي حسني حيث كان من المقرر أن يلبي دعوتنا لإحياء الأمسيات القرآنية في ذكرى مولد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والقارئ حسن دانش الذي أدخل الروح والمحبة والرجاء إلى قلوب المؤمنين والمسلمين من خلال تلاواته لكتاب الله العزيز حيث كان لبلدنا لبنان نصيب من مشاركته في إحياء الأمسيات القرآنية خلال الأعوام السابقة في لبنان، سائلين المولى أن يتغمدهم بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جنانه.

جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - لبنان

القارئ حسن دانش

الحاج محسن حاجي حسني

 

    مقابلة العدد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

القارئ منصور جمعة منصور
جمهورية مصر العربية

 

حمل ليسانس آداب في اللغة العربية، وهو من مواليد قرية النخاس في محافظة الشرقية عام 9 /5/1959م، متزوج وله 3 أولاد، جاء بدعوة من جمعية القرآن الكريم للمشاركة في الأمسيات القرآنيّة وقد أجريت معه هذه المقابلة.

س ـ ما هو الباعث أو المشجّع الأساسيّ لانضمامك إلى مسيرة القرآن المباركة؟
جدي (رحمة الله عليه) لوالدتي ثم والديّ وحبي للغة العربية حببني في القرآن الكريم وحيث حباني الله صوتاً حسناً وأذناً واعية لما تسمع كل ذلك كان الباعث والمشجع.

س ـ ما هي التّخصّصات الّتي حصلت عليها خلال رحلتك مع القرآن الكريم؟
حصلت على إجازة حفص عن عاصم عن شيخي وأستاذي فضيلة الشيخ المرحوم حسين منصور وهو من قرية مجاورة لقريتي تسمى قرية «أم الزين».

س ـ ما هي أهمّ النّشاطات القرآنيّة الّتي تقوم بها خلال الأسبوع؟
قراءة ورد يومي من القرآن الكريم من بعد صلاة الفجر وحتى شروق الشمس بفضل الله وعونه وباقي اليوم إن كان عندي حفلات قرآنية... أذهب لإحيائها في جميع أنحاء محافظات مصر.

س ـ هل شاركت في مسابقات قرآنيّة محلّيّة أو دوليّة، وما هي النّتائج الّتي حقّقتها فيها؟
مشاركة في مسابقات قرآنية محلية ومعتمد كعضو عموم القارئين المصريين وعضو نقابة القرّاء بمصر ولكن لم أشارك في مسابقات دولية.

س ـ ما هو مقدار حفظكم للقرآن الكريم؟
بفضل الله وعونه أحفظ القرآن كاملاً.

س ـ ما هي الطّريقة الّتي اتّبعتها في حفظ كتاب الله عزّ وجلّ؟
طريقة التلقي والتلقين في «الكُتّاب» كما ذكرت آنفاً وهي طريقة معروفة عندنا في مصر وخصوصاً في ريفها ومن خلال أزهرنا الشريف.

س ـ برأيك ما هي مواصفات الحافظ النّموذجيّ؟
1-الذي يراعي الله سبحانه وتعالى في تلاوته.
2- التزام الخشوع وتطبيق ما يحفظ من كتاب الله.
3-التزام ورد يومي للمراجعة اليومية «لأن حياة العلم مذاكرته» حتى لا يتفلت منه القرآن.

س ـ ما هي تجربتك الخاصّة في حفظ أو تعليم أو تلاوة القرآن الكريم وتعتقد أنّها مفيدة للآخرين؟ لو سمحت بشرحها لنا وللقرّاء الأعزّاء.
الطريقة المثلى في الحفظ أن تكون على يد شيخ يلقن الحافظ ويعيد الحافظ تثبيت ما حفظ عليه والمداومة في الحفظ والمراجعة وكثرة الاستذكار.

س ـ ما هو دور المسابقات القرآنيّة في إيجاد روح التّنافس لدى الشّباب في تلاوة القرآن؟
المسابقات القرآنية لها دور كبير في بث روح التنافس لدى الشباب في تلاوة وحفظ كتاب الله: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ .

س ـ برأيك ما هي الأمور الّتي يجب أن يتبّعها القرّاء للوصول إلى القمّة في التّلاوة؟
1- يحترم زملاءه كبيراً وصغيراً.
2- يستمع كثيراً لإخوانه القرّاء.
3-التواضع وعدم الكبرياء.
4-متابعة الحفظ بالورد اليومي.

س ـ برأيك ما هي المميّزات الّتي يجب أن يتحلّى بها معلّم أو مدرّس القرآن؟
1- أن يكون قدوة ومثلاً يحتذى به لطلابه.
2- يتعهدهم بالرعاية والعناية بروح الأبوة الحانية.

س ـ ما هي الأساليب التي يجب إتّباعها مع الأطفال لتنشئتهم تنشئة قرآنيّة؟
نسمعهم الأشرطة القرآنية على الكمبيوتر، حيث أصبح هو الوسيلة المحببة لدى الأطفال وتشجيعهم بالجوائز المادية والمعنوية أن نقرأ أمامهم كثيراً في كتاب الله لنكون لهم قدوة.

س ـ كيف يساعد التّدبّر في القرآن الكريم على تزكية النّفس الإنسانيّة؟
إذا تدبر الإنسان قراءة القرآن فإنه يزكو بنفسه لأن القرآن غذاء الأرواح وبه تسمو النفس الإنسانية وتعرف طريق ربها سبحانه وتعالى.

س ـ ما هي الآية القرآنيّة الشّريفة الّتي كان لها تأثير عليك واستفدت منها عمليًّا في حياتك؟
قوله تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً ﴾ .

س ـ من خلال عملكم القرآنيّ وتجربتكم كيف نفهم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):» خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»؟
هذا الحديث يحثنا على تَعَلُّم القرآن وتعليمه للآخرين لما في ذلك من الفضل والثواب العظيم.

س ـ ما هي الإرشادات لمجاميع القرّاء والمسابقات القرآنيّة الدّوليّة والمحلّيّة؟
الإكثار من إقامة مثل هذه المسابقات القرآنية الدولية والمحلية لتشجيع وتحفيز الطلاب وحفظة كتاب الله على الزيادة في طلب العلم والمحافظة على القرآن الكريم.

س ـ تزورون لبنان بدعوة من جمعيّة القرآن الكريم للمشاركة في الأمسيات القرآنيّة، فحبّذا لو تحدّثنا عن تقييمك لآثار هذه الأمسيات لدى الشّباب والمجتمع الّذي يواجه العدوّ الصّهيونيّ وكيانه؟
في الحقيقة أن مثل هذه الأمسيات تنمي لدى الشباب روح التضحية والفداء من أجل الأوطان، حيث يحث القرآن الكريم على الجهاد في سبيل الله وجزاء المرابطين في سبيله.

س ـ كيف يمكن للبرامج القرآنية أن تساعد على تقديم الصّورة الحقيقيّة للإسلام أمام العالم؟
يمكن للبرامج القرآنية أن تساعد على تقديم الصورة الحقيقية للإسلام أمام العالم بنشر وإذاعة الثقافات الإسلامية والقصص القرآنية لما فيها من العبر والأحكام.

س ـ ما هو واجب ودور النّاشطين القرآنيّين في مواجهة ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلاميّ؟
دور الناشطين القرآنيين في مواجهة ظاهرة الارهاب في العالم الإسلامي أن يوضحوا للأمة الإسلامية ضرورة تمسكهم بالوحدة: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ .

س ـ ما هي نصيحتكم لحفّاظ وقرّاء القرآن الكريم ولمن لديه رغبة في حفظه وتلاوته؟
1-تقوى الله عزَّ وجل. 2- طاعة الوالدين. 3- إحترام أساتذته وشيوخه فليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعلم لعالمنا قدره. 4- المتابعة لكتاب الله قراءةً واستماعاً وعملاً به (1) .


(1) - أجرى الّلقاء مدير قسم العلاقات العامة الحاج عباس عساف.

 

  حفظ القرآن

 
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الهداة الميامين.

لقد خاطب الباري تعالى المؤمنين وقال لهم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (1) .
نقرأ في الحديث عن الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه عندما نزلت هذه الآية الشّريفة، سأله أحد أصحابه، عن كيفيّة الوقاية من النار، له ولعياله، فقال له الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «تَأمُرُهُم بِما أَمَرَ الله وَتَنهاهُم عَمّا نَهاهُم الله إنْ أَطاعُوكَ كنْتَ قَدْ وَقَيتَهُم وَإِنْ عَصَوكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيتَ ما عَلَيكَ» (2) .

وقد سمعنا الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقول فيه: «العِلمُ فِي الصِّغَرِ كالنَّقشِ فِي الحَجَرِ» (3)، والعلم في الكبر كالنقش في الرمال أو على الماء.
التعليم حق للطفل مكمل لحقه في اكتساب الأَدب، فالعلم كما الأَدب وراثة كريمة، يحث أهل البيت (عليهم السلام) الآباء على توريثه لأبنائهم. فالعلم كنز ثمين لا ينفذ. أما المال فمن الممكن أن يتلف أو يسرق، وبالتالي فهو عرضة للضياع، ومن هذا المنطلق، يقول الاِمام علي (عليه السلام): «لا كنز أنفع من العلم» (4) . ثم إنَّ العلم شرف يرفع بصاحبه إلى مقامات سامية ولو كان وضيع النسب، يقول الاِمام علي (عليه السلام): «العلم أشرف الاَحساب» (5) .

فمن حق الولد على الوالد أنْ يسعى لاكتسابه هذا الشرف العظيم منذ نعومة أظفاره، ومن حقه أيضاً على الأب أن يُورِثه هذا الكنز المعنوي الذي لا يُقَدَّر بثمن، والذي هو أصل كل خير.
ولما كان العلم بتلك الأَهمية، يكتسب حق التعليم مكانته الجسيمة، لذلك نجد أن الحكماء يحثون أولادهم على كسب العلم، وفاءً بالحق الملقى على عواتقهم. يقول الاِمام الصادق (عليه السلام): «كان فيما وعظ لقمان ابنه،أنه قال له: يابنيّ اجعل في أيّامك ولياليك نصيباً لك في طلب العلم، فإنك لن تجد تضييعاً مثل تركه» (6) . كما نجد الاَئمة (عليهم السلام)، يعطون هذا الحق ما يستحقه من عناية، لاسيّما وأن الإسلام يعتبر العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، وهذه الفريضة لا تنصبّ على الأب والأم فحسب بل تنسحب إلى أولادهما، لذا نجد الإمام علي (عليه السلام) يؤكد على الآباء بقوله: «مروا أولادكم بطلب العلم» (7) .

ولما كان العلم في الصِّغر كالنقش على الحجر، يتوجب استغلال فترة الطفولة لكسب العلم أفضل استغلال، وفق برامج علمية تتبع مبدأ الأولوية، أو تقديم الأَهم على المهم، خصوصاً ونحن في زمن يشهد ثورة علمية ومعرفية هائلة، وفي عصر هو عصر السرعة والتخصص. ولقد أعطى أهل البيت (عليهم السلام) لتعلم القرآن أولوية خاصة، وكذلك تعلم مسائل الحلال والحرام، ذلك العلم الذي يمكِّنه من أن يكون مسلماً يؤدي فرائض الله المطلوبة منه، وللتدليل على ذلك، نجد أن من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن L: «..وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ وَشَرَائِعِ اَلْإِسْلاَمِ وَأَحْكَامِهِ وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ لاَ أُجَاوِزُ ذَلِكَ بِكَ إِلَى غَيْرِهِ» (8) .

وأيضاً نجد في هذا الصَّدد ما قاله أحدهم للاِمام الصّادق (عليه السلام): (إنّ لي ابناً قد أُحبّ أن يسألك عن حلال وحرام، لا يسألك عما لا يعنيه، فقال (عليه السلام): «وهل يسأل النّاس عن شيءٍ أفضل من الحلال والحرام» (9) ؟! وزيادة على ضرورة تعليم الاطفال العلوم الدينية من قرآن وفقه، تركز السُنّة النبوية المعطرة على أهمية تعلم الطفل لعلوم حياتية معينة كالكتابة والسباحة والرَّمي.
وهناك نقطة جوهرية كانت ثمار اهتمام الأئمة (عليهم السلام) وهي ضرورة تحصين عقول الناشئة من الاتجاهات والتيارات الفكرية المنحرفة من خلال تعليمهم علوم أهل البيت (عليهم السلام) واطلاعهم على أحاديثهم، وما تتضمنه من بحر زاخر بالعلوم والمعارف. اهتم الاَئمة (عليهم السلام) بتحصين فكر النشىء الجديد ضد التيارات الفكرية المنحرفة والوافدة، من خلال الدعوة إلى تعليم الأطفال الأفكار الإسلامية الأصيلة التي تُستقى من منابع صافية وعلى رأسها القرآن الكريم، وقد حثوا على حفظه وفهمه والعمل به.
ولا شكَّ أن هناك طُرقًا عدَّةً ومتنوِّعة لجعْل الأطفال يُقبِلون على حفْظ كتاب الله تعالى، إلا أنه يَجب الإشارة إلى أنَّ عامل الحبِّ والتَّحبيب والترغيب يَبقى العاملَ الأول والأساس الذي يُمكِن اعتِمادُه في هذا الباب، بعد الدعاء والتوكُّلِ على الله والافتِقارِ إليه - سبحانه - إضافةً إلى أنَّ الوالِدَين قُدوةٌ في المقام الأول للوصول إلى هذه الغاية، مع الصبْر والتحمُّل، والتَّكرارِ الرفيق، والمُتابَعةِ الراشِدة الحانِيَة، والأبُ والأمُّ سواء في هذا العمل، وإن كانت السيِّدة الأمُّ هي الأساسَ الأول في هذا العملِ العظيم عِند الله تعالى، وفيما يلي بعض التوجيهات المساعِدة:

1- بركة استماع القرآن للحامِل:
ذكَر عدد مِن العلماء في الولايات المتحدة أنَّ الجنين يتأثَّر بكل الحالات التي تكون عليها الأم مِن فَرَح وغضَبٍ، وسعادةٍ وكآبة، فإن هي كانت تَقرأ بصوت مُرتفِع، تأثَّر الجنين بما تقرأ، فكيف إذا كان الذي تقرؤه هو القرآن الكريم، أو كانت تُكثِر مِن سَماعه؟ فإن الراحة التي تَستشْعِرها الأم تعود على جنينها بالخير الكبير، وما يُحدِثه الله تعالى في غَيبه فهو أعظم وهو القادر على إعانة الأم الحامل التي تقرأ القرآن لكي تَلِد طِفلاً مُتعلِّقًا بالقرآن الكريم.

2- الاستماع للقرآن وقراءته أثناء فترة الرضاعة:
ذكَر العُلماء أنَّ الرضيع يتأثر كثيرًا بالأشياء المحيطة به؛ حيث إنَّ حاسَّة السمْع تكون قد بدأت في استقبال ما يَصدُر نحوها، فيُخزِّن الرضيعُ تلك المفرداتِ، وإنْ لم يَقدِر على توظيفها في هذه الفترة - أيْ فترة الرَّضاعة - فإنه يُوظِّفها فيما بعد، وإذا وفِّقَت المُرضِع إلى الاستماع للقرآن في هذه الفترة، أو تقرؤه بصَوت مسموع، فلا شكَّ أن هذا يؤثِّر على الرَّضيع كثيرًا، ويُسهِّل عليه حفظَ القرآن - بإذن الله تعالى - لذا نرى المولى سبحانه يوصي الأمَّ بأن تُرضِع طِفلَها حولَين كاملَين، ويجعل هذا حقًّا من حقوق الطفل، كما نراه - عزَّ وجل - يَكفُل للأم في هذه الفترةِ الطعامَ والكساء هي ورضيعها، كما جاء في قوله سبحانه: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ (10) .
وسيأتي في عدد جديد توجيهات أخر مساعِدة للأطفال على حفظ القرآن الكريم.


(1) - سورة التحريم، الآية: 6.
(2) - الأخلاق في القرآن: ج1، ص148.
(3) - الأخلاق في القرآن: ج1، ص143.
(4) - بحار الأنوار: ج1، ص165.
(5) - بحار الأنوار: ج1، ص183.
(6) - بحار الانوار: ج16، ص169.
(7) - كنز العمال: ج16، ص584، ح45953.
(8) - نهج البلاغة: كتاب 31.
(9) - بحار الأنوار: ج1، ص294.
(10) - سورة البقرة، الآية: 233.

 

   دروس في تجويد القرآن

 كيفية الوقف على أواخر الكلمات وأنواعه (2)

 

كنا في الحديث في العدد السابق عن كيفية الوقف على أواخر الكلم وقمنا بتعريف ثلاثة أنواع منه. والآن نكمل الكلام عن النوعين الأخيرين من الوقف على أواخر الكلم.

4-النوع الرابع: الوقف بالحذف: وذلك في ثلاثة مواضع:
أ-التنوين من المرفوع والمجرور: نحو قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ﴾، فيحذف التنوين عند الوقف عليه. ويوقف على المرفوع والمجرور بالسكون.
ب-صلة هاء الضمير: نحو قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴾، فيوقف بتسكين الهاء.
ج-الياءات الزوائد: وليس في رواية حفص عن عاصم منها إلا ياء واحدة في قوله تعالى: ﴿ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم ﴾، فله فيها وجهان وقفاً: الحذف والاثبات من طريق الشاطبية، أما وصلاً فقد أثبتها مفتوحة.
5-النوع الخامس: الوقف بالإبدال: وله حالتان:
1) الحالة الأولى : هي إبدال التنوين المنصوب ألفاً عند الوقف نحو: ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾، ﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ﴾، ﴿ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً ﴾، ﴿ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ ﴾، ﴿ إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ ﴾ .
وفي كل هذه الأنواع وما يماثلها ببدل التنوين ألفاً، وهذا من قبيل مد العوض .
2) الحالة الثانية : تاء التأنيث المربوطة التي تقرأ تاءً في الوصل، وتبدل هاءً في الوقف نحو: ﴿ الْحِكْمَةَ ﴾، ﴿ نِّعْمَةً ﴾، ﴿ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾، وفي كل هذه الأنواع أيضاً وما شابهها يوقف عليها بحذف التنوين مع إبدالها هاءً .

ثانياً: الوقف على الكلمة المعتلة الآخر :

أ-إذا كان آخر الكلمة الموقوف عليها واواً أو ياءً مفتوحتين وصلاً وكان قبل الواو ضم: ﴿ هُوَ الَّذِي ﴾، ﴿ نَدْعُواْ ﴾، ﴿ أَتْلُوَاْ ﴾، وقبل الياء كسر نحو: ﴿ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾، ﴿ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾، ﴿ فَنَسِيَ ﴾، فإنهما يتحولان إلى حرف مد وقفاً، ويكون النطق بحرف المد وإثباته دون النظر إلى نوع حركتها .
ب-إذا كان آخر الكلمة الموقوف عليها حرف علة محذوفاً لأي سبب من الأسباب الإعرابية أو لرسم المصحف، نحو : ﴿ لَآتٍ ﴾، ﴿ لَمَّا يَقْضِ ﴾، ﴿ وَأَلْقِ ﴾، ﴿ يُغْنِ اللَّهُ ﴾، ﴿ وَيَدْعُ الْإِنسَانُ ﴾، ﴿ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ ﴾، ﴿ بِهَادِ الْعُمْيِ ﴾، ففي هذه الأمثلة وما شابهها يكون الوقف على الحرف الأخير بالسكون العام (1) .
هذا وبالله التوفيق.


(1) - إعداد: مدير التعليم المركزي الحاج عادل خليل.

 

 

   كلام أهل البيت (عليهم السلام)

القرآن في كلام أهل البيت (عليهم السلام)
 

الإمام الحسين (عليه السلام) والقرآن

 

عاش الأئمّة (عليهم السلام) في بيت الوحي والرسالة، فعايشوا وقائع الإسلام الغيبيّة والشهوديّة، إذْ واكبوا نزول القرآن الكريم بآياته وسوره لحظة بلحظة، وعلموا المُحْكَمات من المتشابِهات فيه، والناسخَ والمنسوخ، والظاهر والباطن، وعرفوا تأويله كما عرفوا تنزيله. وكيف لا ؟ وهم مَن حدّثوا الناس بالقرآن وبالوحي، وفسّروا آيات الكتاب المجيد وكشفوا بيانه وبعض أسراره، بعد أن وَعَوْه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووقفوا على آثاره: عن الحكَم بن عُيَينة قال: لقيَ رجلٌ الحسينَ بن عليّ (عليهما السلام) بالثعلبيّة وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلّم عليه، فقال له الحسين (عليه السلام): مِن أيّ البلدان أنت ؟مِن أهل الكوفة لا. يا أخا أهل الكوفة، أمَا والله لو لقيتُك بالمدينةِ لأريتُك أثرَ جبرئيل من دارنا ونزوله على جدّي بالوحي.. يا أخا الكوفة، مستقى العلم مِن عندنا، أفعَلِمُوا وجَهِلْنا ؟! هذا ما لا يكون (1) .

الإمام الحسين(عليه السلام) الذي يلازم القرآن (المعصوم) في كل شؤونه ولا يفترق عنه أبداً لا بد أن يكون هو معصوماً أيضاً، بل جميع الصفات الكمالية للقرآن الكريم هي ثابتة أيضاً لقرينه الذي لا يفارقه. العلاقة بين العترة الطاهرة والقرآن الكريم علاقة متينة ووطيدة، فكل منهما يرشد الأمة إلى الآخر ويبينّ فضله ويوصي به، لذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إليّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كهاتين - وجمع بين مسبحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين المسبحة والوسطى - فتسبق إحداهما الأخرى، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا) (2) .

إذاً يخطأ من يظن أنه متمسك بالكتاب إذا أهمل العترة، وكذلك يخطأ من يظن أنه متمسك بالعترة إذا أهمل الكتاب، لأنهما لا يفترقان أبداً، فحيث وجدت نفسك مفترقاً عن أحدهما، فاعلم أنك قد افترقت عن الآخر أيضاً، والنجاة لا تكون إلا بالتمسك بهما معاً. ويكفي هذا الحديث الشريف الذي رواه الشيعة والسنة وصححوه في إثبات مكانة الحسين في الدين الإسلامي، وفي إثبات أن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة، إذ مفاد الحديث أن من يتخلى عن الحسين يكون فريسة للضلال والهلاك. ويتضح من خلال حديث الثقلين السابق أن المفسّر الحقيقي للقرآن الكريم ومعانيه وموضح المحكم من المتشابه، والناسخ من المنسوخ، إنما هم العترة. فانظر كيف ترك الكثير من البشر تعلّم معاني القرآن وحقيقته عن طريق قرين القرآن، وذهبوا يبحثون عن معاني القرآن وأحكامه عن طرق أخرى، فضلوا وأضلوا.
ونحن في هذا المقال ولما سيأتي من مناسبات في (محرم وصفر وربيع الأول والثاني) نتوقف عند بعض المواقف والأدلة التي توضح لنا شيئاً من علاقة الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن الكريم:

رجال الأعراف:
عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ ﴾ قال: النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ بن أبي طالبٍ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) على سُورٍ بين الجنّة والنار، يعرفون المحبّين لهم ببياض الوجوه، والمبغضين لهم بسواد الوجوه (3) .
المؤمنون المفلحون:
عن الإمام موسى بن جعفرٍ في قول الله عزّوجلّ: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ ـ إلى قوله: ﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾، قال: نزلت في رسول الله وفي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين (4) .
الشهداء على الناس:
عن أبي جعفرٍ (عليه السلام) في قول الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ قال أبو جعفرٍ (عليه السلام): منّا شهيدٌ على كلّ زمانٍ؛ عليّ بن أبي طالبٍ في زمانه والحسن (عليه السلام) في زمانه، والحسين (عليه السلام) في زمانه، وكلّ من يدعو منّا إلى أمر الله (5) .
هم الفائزون:
عن ابن مسعودٍ في قوله تعالى: ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ يعني: صبر عليّ بن أبي طالبٍ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) في الدنيا على الطاعات وعلى الجوع وعلى الفقر، وصبروا على البلاء لله في الدنيا: ﴿ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ (6) .
يُجزَون الغُرفة بما صبروا:
عن سعيد بن جبيرٍ في قوله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ ﴾؛ يعني: عليّ بن أبي طالبٍ والحسن والحسين (عليهم السلام) وفاطمة: ﴿ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ (7) .
عباد الله المصطفَون:
عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ ؛ قال: هم أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عليّ بن أبي طالبٍ وفاطمة والحسن والحسين وأولادهم إلى يوم القيامة، هم صفوة الله وخيرته من خلقه (8) .
ووالدٍ وما وَلَدٍ:
عن أبي بكرٍ الحضرمي، عن أبي جعفرٍ قال: يا أبا بكرٍ، قول الله عزّوجلّ: ﴿ وَوَالِد ﴾ هو عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السلام): ﴿ وَمَا وَلَدَ ﴾ الحسن والحسين (عليهما السلام) (9) .
فالحسين(عليه السلام) خليفة الله في أرضه كذلك الحسن (عليه السلام)، ويجب التوقف ملياً لندرك ما لخليفة الله من مؤهلات وصفات كمالية ووجودية بحيث يصبح هو الممثل والخليفة عن الله تعالى في الأرض.
الآيات القرآنية كثيرة بحق أهل البيت (عليهم السلام)، فالحسين هو الحبل الذي أمرنا القرآن بالتمسك به، وهو السبيل إلى الله تعالى، والقرآن الكريم يهدي للتي هي أقوم، أي الإمام المعصوم. بل إن سيد الشهداء هو القرآن الناطق، وهو المفسّر للقرآن، وحاميه، وما الثورة الحسينية إلا لاستمرار رسالة القرآن والحفاظ عليه وليحتل القرآن الكريم مكانته الصحيحة في حياة المجتمع البشري، وهو معنى (لطلب الإصلاح في أمة جدي) (10) .
لذا نجد الحسين في منى لم يترك شيئاً مما أنزل الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسّره(11)، بل وقد جسّد معاني القرآن الكريم وأهدافه كما في الزيارة (أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر) ونراه يردد ويستشهد بالآيات القرآنية في العديد من المواقف المصيرية:
1) في خروجه من المدينة يتلو: ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ (12) .
2) عند دخوله مكة يتلو: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ (13) .
3) في المعركة يردد: ﴿ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ﴾ (14) .

ويكفيك شاهداً: عندما أراد معسكر ابن سعد القتال في عصر تاسوعاء، طلب الإمام الحسين تأجيل المعركة إلى الغد، وقال لأخيه أبي الفضل العباس: ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد وتدفعهم عنا العشية، لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار (15) .
بل لم يترك الحسين كتاب الله حتى بعد شهادته، بل وهو رأس على سنان الرمح يكرر قوله تعالى: ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ (16)، ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ (17)، وتلاوة سورة الكهف، لا سيما الآيتين: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ﴾ (18)، ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً ﴾ (19) (20) .
والسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ما بقيت وبقي الليل والنهار.
تأكيد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على دَور العترة في القرآن:
رسمَ رسولُ الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الخطَّ الذي ينبغي أن يسير عليه المسلمون من بعده عندما قال: «إنّي تاركٌ فيكمُ الثَّقلَين: كتابَ الله، وعترتي أهلَ بيتي. ما إن تمسَّكتُم بهما لن تَضلُّوا أبداً، وإنَّهما لن يفترقا حتّى يَرِدا عليَّ الحوضَ» (21) .

وبذلك يتَوجَّب على المسلمين إذا أرادوا أن يبقَوا على هَدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرجعوا إلى هذين المصدرين: القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام)، والاستغناء عن أيّ واحدٍ منهما يعني مخالفة ما أتى به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أوصى به.
من هذا المنطلَق بقي أهلُ البيت (عليهم السلام) يحثُّون المسلمين على فهم القرآن في ضوء تفسير أهلِ البيت وتوضيحاتهم، وعدم الاستقلال بالفهم الشخصي. فعِدْل القرآن (أي العترة) هو المرجع الشرعي النهائي الوحيد ـ بموجب حديث الثَّقلين ـ الذي يؤخذ منه تفسير الكتاب وبيان مقاصده ومراميه وإليكم نماذج من تفسيرهم (عليهم السلام) .

اهتمام الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالقرآن الكريم:

قد شغف الإمام زين العابدين(عليه السلام) كآبائه الكرام ـ بشكل ملفت للنظر ـ بالقرآن الكريم وعلومه، وتمثّل ذلك في سلوكه اليومي وأدعيته واهتماماته، تلاوةً، وتدبّراً، وتفسيراً، وتعليماً، وعملاً، بما لا يدع مجالاً للريب في أنّ الإمام (عليه السلام) كان هو القرآن الناطق والتجسيد الحيّ لكلّ آيات القرآن الباهرة والمعجزة الإلهية الخالدة.

كان الإمام (عليه السلام) من ألمع المفسّرين للقرآن الكريم، وقد استشهد علماء التفسير بالكثير من روائع تفسيره، ويقول المؤرّخون: أنّه كان صاحب مدرسة لتفسير القرآن، وقد أخذ عنه ابنه الشهيد زيد في تفسيره للقرآن، كما أخذ عنه ابنه الإمام أبو جعفر محمّد الباقر (عليه السلام)، الذي رواه عنه زياد بن المنذر ـ الزعيم الروحي للفرقة الجارودية ـ وهذه نماذج من تفسيره (عليه السلام) لكتاب الله العزيز.
1ـ روى الإمام محمّد الباقر عن أبيه L في تفسير الآية الكريمة: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً ﴾، أنّه تعالى جعل الأرض ملائمةً لطباعكم، موافقةً لأجسادكم، ولم يجعلها شديدة الحمأ والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم، ولكنّه عزّ وجلّ جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به، وتتماسكون عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم، فلذلك جعل الأرض فراشاً لكم.

ثمّ قال عزّ وجلّ : ﴿ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾ أي سقفاً من فوقكم، محفوظاً يدير شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم، ثمّ قال عزّ وجلّ : ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ يعني المطر ينزله من عل ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وأوهادكم، ثمّ فرّقه رذاذاً ووابلاً وهطلاً لتنشفه أرضوكم، ولم يجعل ذلك المطر نازلاً عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم .
ثمّ قال عزّ وجلّ : ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ﴾ يعني ممّا يخرجه من الأرض رزقاً لكم : ﴿ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً ﴾ أي أشباهاً وأمثالاً من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شيء: ﴿ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (أنّها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربّكم تبارك وتعالى) .

وحوت هذه القطعة الذهبية من كلام الإمام زين العابدين (عليه السلام) أروع أدلّة التوحيد وأوثقها، فقد أعطت صورة متكاملة مشرقة من خلق الله تعالى للأرض، فقد خلقها بالكيفية الرائعة التي ليست صلبة ولا شديدة ليسهل على الإنسان العيش عليها، والانتفاع بخيراتها وثمراتها التي لا تحصى، فالأرض بما فيها من العجائب كالجبال والأودية والمعادن والبحار والأنهار وغير ذلك من أعظم الأدلّة وأوثقها على وجود الخالق العظيم الحكيم.

كما استدل الإمام (عليه السلام) على عظمة الله تعالى بخلقه السماء وما فيها من الشمس والقمر وسائر الكواكب التي تزوّد هذه الأرض بأشعتها.
إنّ أشعّة الشمس لها الأثر البالغ في تكوين الحياة النباتية، كما أنّ أشعة القمر لها الأثر على البحار في مدّها وجزرها، وكذلك لأشعة سائر الكواكب، فإنّ الأثر التام في منح الحياة العامّة لجميع الموجودات الحيوانية والنباتية في الأرض، وهذه الظواهر الكونية التي لم تكتشف إلاّ في هذه العصور الحديثة، إلاّ أنّ الإمام (عليه السلام) ألمح إليها في كلامه، فكان حقّاً هو وآباؤه وأبناؤه المعصومون الروّاد الأوائل الذين رفعوا راية العلم، وساهموا في تكوين الحضارة الإنسانية.
وأعطى الإمام(عليه السلام) صورة متميّزة عن الأمطار، وأنّها تتساقط بصورة رتيبة وفي أوقات خاصّة، وذلك لإحياء الأرض وإخراج ثمراتها، ولو دام المطر ونزل دفعة واحدة، لأَهلك الحرث والنسل.
وبعدما أقام الإمام (عليه السلام) الأدلّة المحسوسة على وجود الخالق الحكيم، دعا إلى عبادته وتوحيده ونبذ الأصنام والأنداد التي تدعو إلى انحطاط الفكر وجمود الوعي، لأنّها لا تضرّ ولا تنفع ولا تملك أيّ قدرة في إدارة هذا الكون وتصريف شؤونه.

2ـ فسّر (عليه السلام) الآية الكريمة: ﴿ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ بقوله: السلم هو ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا شك أنّ ولاية الإمام أمير المؤمنين وباب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي السلم الحقيقي الذي ينعم الناس في ظلاله بالأمن والرخاء والاستقرار، ولو أنّ المسلمين كانوا قد دانوا بهذه الولاية بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما داهمتهم الأزمات في حياتهم السياسية والاجتماعية.
3ـ روى الإمام الصادق (عليه السلام) عن جدّه الإمام زين العابدين (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ﴾، أنّه قال: (إنّي ضامن على ربّي تعالى أنّ الصدقة لا تقع في يد العبد حتّى تقع في يد الربّ تعالى)، وكان يقول: (ليس من شيء إلاّ وكّل به ملك، إلاّ الصدقة فإنّها تقع في يد الله تعالى) .
4ـ سأل رجل الإمام زين العابدين (عليه السلام) عن الحقّ المعلوم الذي ورد في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾، فقال (عليه السلام): (الحقّ المعلوم الشيء الذي يخرجه من ماله ليس من الزكاة والصدقة المفروضتين) . فقال له الرجل: فما يصنع به ؟ فقال (عليه السلام): (يصل به رحماً، ويقوّي به ضعيفاً، ويحمل له كلّه، أو يصل أخاً له في الله، أو لنائبة تنوبه) وبهر الرجل من علم الإمام وراح يقول له: الله أعلم حيث يجعل رسالته في من يشاء.

مورد من تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) للقرآنَ الكريم:

لقد شغلَتْ الحروفُ المقطَّعة بالَ المفسِّرين، فضرَبوا يميناً وشمالاً، وقد أنهى الرازي أقوالهم فيها في أوائل تفسيره الكبير إلى قرابة عشرين قولاً.
ولكنَّ الإمام (عليه السلام) عالجَ تلك المُعضلة بأحسن الوجوه وأقصرها، إذ قال (عليه السلام): (كَذبَتْ قُريشٌ واليَهودُ بالقرآنِ، وقَالوا سِحْر مبين تقوَّلَه) . فَقَالَ الله: ﴿ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ (22)، أي: يَا مُحمَّد، هَذا الكِتَاب الَّذي نزَّلنَاهُ عَليكَ هُوَ الحُروفُ المقطَّعَة التي منها (أَلِف)، (لام)، (مِيم)، وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأْتُوا بِمِثْلِهِ إنْ كُنتُم صَادِقِين، واسْتَعينُوا عَلَى ذَلِكَ بِسَائِرِ شُهَدَائِكُم.
ثُمَّ بيَّن أنَّهُم لا يَقدرُونَ عَلَيه بِقَولِهِ: ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ (23) .
مورد من تفسير الإمام الصادق (عليه السلام) للقرآنَ الكريم:
عن عبد الأعلى آل سام قال: قلت لأبي عبدالله الصادق (عليه السلام): عَثَرتُ فانقطع ظُفري فجعلتُ على إصبعي مرارةً، فكيف أصنَع بالوضوء ؟ قال (عليه السلام): يُعرف هذا وأشباهُه من كتاب الله عزّوجلّ، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ امسَحْ عليه (24) .

تلاوة القرآن من المروّة:

عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . ستة من المروة ثلاثة منها في الحضر وثلاثه منها في السفر: فأمّا التي في الحضر فتلاوة كتاب الله تعالى، وعمارة مساجد الله، واتخاذ الإخوان في الله عزَّوجل، وأمّا التي في السفر فبذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاج في غير المعاصي (25) .
هذه صور من مكانة القرآن الكريم عند أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا هو موقفهم من هذا الكتاب الإلهي وتعاملهم معه، وما أدرجناه هنا من أحاديث وأخبار لا يعدو أن يكون نماذج وأمثلة لا غير.


(1) - بحار الأنوار: ج26، ص157.
(2) - الكافي: ج2، ص415.
(3) - بحار الأنوار: ج24، ص255.
(4) - بحار الأنوار: ج23، ص383.
(5) - بحار الأنوار: ج23، ص337.
(6) - بحار الأنوار: ج41، ص3.
(7) - بحار الأنوار: ج24، ص133.
(8) - بحار الأنوار: ج43، ص279.
(9) - البرهان في تفسير القرآن: ج4، ص463، ح6.
(10) - العوالم – الإمام الحسين: 179.
(11) - موسوعة كلمات الإمام الحسين: 331.
(12) - سورة القصص، الآية: 21.
(13) - سورة القصص، الآية: 22.
(14) - سورة الأحزاب، الآية: 23.
(15) - العوالم – الإمام الحسين: 243.
(16) - سورة الشعراء، الآية: 227.
(17) - سورة إبراهيم، الآية: 42.
(18) - سورة الكهف، الآية: 9.
(19) - سورة الكهف، الآية: 13.
(20) - موسوعة كلمات الإمام الحسين: 622.
(21) - مسند أحمد وصحيح مسلم.
(22) - سورة البقرة، الآيتان: 1– 2.
(23) - سورة الإسراء، الآية: 88.
(24) - وسائل الشيعة: ج1، ص327.
(25) - عيون أخبار الرضا: ج ٢، ص ٢٧.

 

   نباتات ذكرت في القرآن الكريم

 الشجرة في القرآن الكريم
 

ذكرت الشجرة خمس وعشرين مرة في القرآن الكريم في ثماني عشرة سورة من الآيات التي ذكرت فيها:
قوله تعالى في سورة (النحل): ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾ (1) .
وقوله تعالى في سورة (النحل): ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ (2) .
وقوله تعالى في سورة (الحج): ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ (3) .

شجرة الزيتون المباركة التي ضرب الله بها المثل في صفاء زيتها: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (4) .
وفي سورة (المؤمنون) قال تعالى: ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ﴾ (5) .
وفي سورة (النمل) قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ (6) .
الشجرة التي كلم الله عندها موسى (عليه السلام) وبعثه نبياً كما في سورة القصص قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ (7) .

وفي سورة (يس) قال تعالى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ (8) .
الشجرة التي بايع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحتها أصحابه على الموت وعدم الفرار، وهي الشجرة المذكورة في سورة (الفتح) قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾ (9) .
الشجرة التي أنبتها الله ليونس (عليه السلام) غذاء وعلاجاً كما في قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴾ (10) .
شجرة سدرة المنتهى التي رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندها جبريل لما عرج به إلى السماء قال الله تعالى: ﴿ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ (11) .

فوائد الشجرة:

ذكر القرآن الكريم عدة فوائد للشجرة حيث نأكل ثمارها ونستعمل أغصانها وخشبها في التدفئة وفي عدة منافع حياتية أخرى وهناك فوائد أخرى للشجر ذكرها القرآن الكريم قد لا يعرفها بعض الناس يقول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (12) .

ميزة الشجر:
الشجر أحد أشكال الحياة النباتية، وهو نبات خشبي يزيد طولا على 10 م تنمو بشكل عام على اليابسة وتحتاج إلى كميات متفاوتة من الماء.
تتميز الأشجار بشكل عام عن بقية النباتات بوجود جذور وساق وفروع، وبكبر حجمها النسبي مقارنة مع النباتات الأخرى كالحشائش والطحالب.كما أن الأشجار متعددة الأحجام فمنها الكبيرة والصغيرة.
فالأشجار و(النباتات عموماً) تقوم بأخذ الأكسجين وطرح ثاني أكسيد الكربون ليلاً ونهاراً وفي الوقت نفسه تقوم بعملية البناء الضوئي.

الدور الإيكولوجي (البيئي):

1- تساهم الأشجار في التوازن البيئي.
2- تعمل على تثبيت التربة.
3- تمتص ثنائي أكسيد الكربون من الجو وتطرح (O2) في ضوء النهار.
4- تمتص المياه الزائدة على سطح الأرض للحيلولة دون حدوث انجرافات.
5- هناك أنواع من الأشجار قادرة على االقضاء على الجراثيم والفيروسات بما تفرزه من مواد مثل أشجار الصنوبر والحور والصفصاف والكينا والسنديان والبلوط والسرو واللزاب والموز.
الدور الاقتصادي:
1- إنتاج الخشب من أجل الصناعة.
2- مصدر للعديد من الأدوية.
3- تنتج الثمار والصمغ والفلين.
4- تشكل مصدراً للرعي وإنتاج الحطب.

 

شجرة طوبى في الجنة:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث المتعلّقين بأغصان شجرة طوبى: ومن أصلح بين المرء وزوجه والوالد وولده والقريب وقريبه والجار وجاره والأجنبي والأجنبيّة فقد تعلّق منه بغصن ـ الخبر (13) .
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): طوبى شجرة في الجنّة أصلها في دار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وليس من مؤمن إلاّ وفي داره غصن منها، لاتخطر على قلبه شهوة شيء إلاّ أتاه به ذلك الغصن، ولو أنَّ راكباً مجدّاً سار في ظلها مائة عام ماخرج منها، ولو طار من أسفلها غراب مابلغ أعلاها حتّى يسقط هرماً، ألا ففي هذا فارغبوا (14) .
قال الإمام الصادق(عليه السلام):- عندما سئل عن شجرة طوبى -: شجرة في الجنة، أصلها في دار علي بن أبي طالب(عليه السلام) وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن من أغصانها وذلك قول الله عزَّوجل ﴿ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ .

الروايات التي ذكرت فيها الشجرة أيضاً:

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «خلق الناس من أشجار شتى وخلقت أنا وعلي بن أبي طالب من شجرة واحدة، فما قولكم في شجرة أنا أصلها، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وشيعتنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقه إلى الجنة ومن تركها هوى في النار» (15) .

عن جابر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب على جذع نخلة فقالت امرأة من الأنصار كان لها غلام نجار: يا رسول الله إن لي غلاما نجاراً، أفلا آمره يتخذ لك منبراً تخطب عليه، قال: بلى، قال: فاتخذ له منبراً، فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر، قال: فأن الجذع الذي كان يقوم عليه كأنين الصبي، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): « إن هذا بكى لمافقد من الذكر» (16) .
وروى أسيد بن خضير قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة (17) .

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الرياح تفيؤ، ولا يزال المؤمن يصيبه بلاء، ومثل المنافق مثل الشجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد (18) .
(الأرزة) قال أهل اللغة: شجر معروف يقال له: الأرزن يشبه شجر الصنوبر , بفتح الصاد، والأرز اللبناني نوع شجري يتبع جنس الأرز من الفصيلة الصنوبرية.
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
 


(1) - سورة النحل، الآية: 10.
(2) - سورة النحل، الآية: 68.
(3) - سورة الحج، الآية: 18.
(4) - سورة النور، الآية: 35.
(5) - سورة المؤمنون، الآية: 20.
(6) - سورة النمل، الآية: 60.
(7) - سورة القصص، الآية: 30.
(8) - سورة يس، الآية: 80.
(9) - سورة الفتح، الآية: 18.
(10) - سورة الصافات، الآيتان: 145-146.
(11) - سورة النجم، الآيات: 13-18.
(12) - سورة لقمان، الآية: 27.
(13) - مستدرك سفينة البحار: ج6.
(14) - الكافي: ج2، ص239، ح30.
(15) - بشارة المصطفى ( صلى الله عليه وآله ): 77.
(16) - بحار الأنوار: ج21، ص47.
(17) - بحار عوالي اللآلي: ج1، ص.
(18) - ميزان الحكمة: ج9، ص154.

 

   حيوانات ذكرت في القرآن الكريم

الخنزير في القرآن الكريم
 

ورد ذكر الخنزير في القرآن الكريم في خمسة مواضع أربعة منها صريحة في التحريم والخامسة في التحقير من شأنه وشأن من وصفهم به.

الآيات الصريحة في التحريم:

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (1) .
قال سبحانه: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ (2) .
قال عزَّ وجل: ﴿ قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (3) .
قال جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (4) .
الآية الدالة على التحقير من شأنه:
قال عزَّ شأنه: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ (5) .

من المحرمات المذكورة في الآيات «لحم الخنزير»:

تحريم لحم الخنزير تكرر في أربع سور من القرآن، سورتين مكيتين (الأنعام، 145 والنحل، 115) وسورتين مدنيتين (البقرة، 173 والمائدة،3) .
يبدو أن تحريمه أعلن أولاً في أوائل البعثة، ثم أعلن ثانية في أواخر إقامة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة، وتكرر الإعلان ثالثة في أوائل الهجرة إلى المدينة، ثم أُعيد التأكيد رابعة في أواخر عمر الرّسول في سورة المائدة وهي آخر سور القرآن.

كل هذا التأكيد يعود إلى أهمية الموضوع وإلى ما في هذه المواد من أخطار جسمية وروحية، وإلى اتساع نطاق تلوث النّاس بها آنذاك.
الخنزير ـ حتى عند الأوروبيين المولعين بأكل لحمه ـ رمز التحلل الجنسي. وهو حيوان قذر للغاية، وتأثير تناول لحمه على التحلل الجنسي لدى الإنسان مشهود.
حرمة تناول لحمه صرحت بها شريعة موسى(عليه السلام) أيضاً، وفي الأناجيل شُبّه المذنبون بالخنزير، كما أن هذا الحيوان مظهر الشيطان في القصص (6) .

الأمراض التي ينقلها الخنزير:

لقد حرمت الشريعة الإسلامية لحم الخنزير، ونفذها المتدينون امتثالاً لأمر الله الخالق سبحانه وطاعة له دون أن يناقشوا العلة من التحريم، لكن العلماء المحدثين توصلوا إلى نتائج مدهشة في هذا المجال: أليس من المدهش أن نعلم أن الخنزير مرتع خصب لأكثر من 450 مرضاً وبائياً، وهو يقوم بدور الوسيط لنقل 57 منها إلى الإنسان.

ومن الأمراض التي تنشأ عن أكل لحمه ما يلي:

الأمراض الطفيلية ؛ الأمراض البكتيرية ؛ الأمراض الفيروسية ؛ الأمراض الجرثومية ؛ الأمراض الناشئة عن التركيب البيولوجيّ للحم الخنزير وشحمه.
وهذه الأضرار الناجمة عن أكل لحمه وغيرها دليل على أن الشارع الحكيم ما حرَّم تناول لحم الخنزير إلا لحكمة جليلة، هي الحفاظ على النفس، التي يُعَدُّ الحفاظ عليها من الأهداف والمهام الأساسية في الشريعة الغراء.
الأوبئة يمكن أن تنتقل من الخنزير إلى الإنسان بطرق مختلفة:
الأول: عن طريق مخالطته أثناء تربيته أو التعامل مع منتجاته.
الثاني: عن طريق تلوث الطعام والشراب بفضلاته.
الثالث: عن طريق تناول لحمه ومنتجاته.

ماذا نعرف عن الخنزير ؟

الخنزير حيوان لاحم عشبي تجتمع فيه الصفات السبعية والبهيمية، فهو آكل كل شيء، وهو نهم كانس كنس الحقل والزريبة فيأكل القمامات والفضلات والنجاسات بشراهة ونهم، وهو مفترس يأكل الجرذ والفئران وغيرها كما يأكل الجيف حتى جيف أقرانه.
ومن العجيب أن أُناساً يرون بأعينهم قذارة هذا الحيوان حتى إنه يأكل عذرته، ويعلمون احتواء لحمه على نوعين خطرين من الديدان، ومع ذلك يصرّون على أكله.
دودة «التريشين» التي تعيش في لحم هذا الحيوان تتكاثر بسرعة مدهشة، وتبيض في الشهر الواحد خمسة عشر ألف مرة، وتسبب للإنسان أمراضاً متنوعة كفقر الدم، والغثيان، وحمّى خاصة، والإسهال، وآلام المفاصل، وتوتر الأعصاب، والحكّة، وتجمع الشحوم داخل البدن، والإحساس بالتعب، وصعوبة مضغ الطعام وبلعه، والتنفس و....
وقد يوجد في كيلو واحد من لحم الخنزير (400) مليون دودة من هذه الديدان!! ولذلك أقدمت بعض البلدان الأوروبية في السنوات الماضية على منع تناول لحم هذا الحيوان.
وهكذا تتجلى عظمة الأحكام الإلهية بمرور الأيّام أكثر فأكثر.

يقول البعض أن العلم تطور بحيث استطاع أن يقضي على ديدان هذا الحيوان، ولكن على فرض أننا استطعنا بواسطة العقاقير، أو بالاستفادة من الحرارة الشديدة في طبخه، إلاّ أن أضراره الاُخرى ستبقى. وقد ذكرنا أن للأطعمة تأثيراً على أخلاق الإِنسان عن طريق تأثيرها على الغدد والهورمونات وذلك الأصل علمي مسلّم، وهو أن لحم كل حيوان يحوي صفات ذلك الحيوان أيضاً. من هنا تبقى للحم الخنزير خطورته في التأثير على التحلل الجنسي للآكلين، وهي صفة بارزة في هذا الحيوان.
ولعل تناول لحم هذا الحيوان أحد عوامل التحلّل الجنسي في أوربا (7) .
فليس من الضروري أن تكون للحم آثار صحية حتى تكون محرمة. لأنَّ المحرمات في الإسلام لها أبعاد مختلفة، فتارة بسبب الصحة وحفظ البدن واُخرى يكون للتحريم جانب معنوي وأخلاقي وتربوي.

الحِكَم:

يروى عن بزر جمهر أنه قال: أخذت من كل شيءٍ أحسن ما فيه، حتى انتهيت إلى الكلب والهرة والخنزير والغراب. قيل: وما أخذت من الكلب؟ قال: إلفه لأهله، وذبه عن حريمه. قيل: فمن الغراب؟ قال: شدة حذره. قيل: فمن الخنزير؟ قال: بكوره في إرادته « حاجته». قيل: فمن الهرة؟ قال: حسن رفقها عند المسألة، ولين صياحها.

علة حرمة لحم الخنزير في الروايات:

عن محمد بن عذافر عن أبيه، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):لم حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر ؟ فقال: إن الله لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحل لهم، ولا زهد فيما حرم عليهم ! ولكنه عزَّوجل خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحها فأحله لهم، وأباحه، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه، ثم أحله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به فأحله له بقدر البلغة (قدر الكفاية) لا غير ذلك (8) .
اللهمَّ لا تُطْعِمْنا اِلاّ طَيِّباً غَيْرَ خَبيث وَلا حَرام، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، وَاَكْرَمَ الاَكْرَمينَ.
 


(1) - سورة البقرة، الآية: 173.
(2) - سورة المائدة، الآية: 3.
(3) - سورة الأنعام، الآية: 145.
(4) - سورة النحل، الآية: 115.
(5) - سورة المائدة، الآية: 60.
(6) - ألأمثل: ج1، ص489.
(7) - ألأمثل: ج1، ص489.
(8) - بحار الأنوار: ج59، ص82.

 

    أنشطة الجمعية

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ ﴾ (1) . إن خطاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الآية موجه لأعدائه المنغمسين في الكفر والشرك، ومختلف أنواع الفساد الاخلاقي.

وقد بيّن لهم أنَّ مفتاح نجاتهم من هذا المستنقع الخطر هو التفكّر والتفكير الذي هو طريق وسبيل للمعرفة والعلم.
ولهذا السبب بالضبط ينبغي البحث عن جذور أي ثورة وأي تحول أساسي في المجتمعات البشرية في ثوراتهم الفكرية والثقافية.

فلو كانت المعرفة غير ممكنة فلماذا التفكر؟ الخصوص بعد حصر الموعظة بالتفكر وذلك باستعمال «إنما»، وهنا يثبت أن مفتاح النجاة هو المعرفة فقط!
لكن هذا التفكر ـ جماعياً كان أو فردياً ـ ينبغي أن يكون متزامناً مع القيام لله وفي سبيله، ولهذا يقول: ﴿ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ ﴾ أي بعيداً عن التعصب والعناد، والهوى النفساني.
وقد أكد النبي يوسف (عليه السلام) على هذا الموضوع، وقال عند جلوسه على عرش السلطة في مصر:﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ (2) .

اللطيف هنا هو أن علم تعبير المنام من العلوم قليلة الأهمية، وبالرغم من ذلك فان قصة يوسف (عليه السلام) في القرآن تكشف بوضوح عن أن علمه أدّى إلى إنقاذه من سجن عزيز مصر، كما أدى إلى إنقاذ مصر من القحط الخطر، لأن العزير رأى مناماً عجيباً عجز المفسرون عن تأويله، إلاّ أن أحد السجناء الذين قد أُطلق سراحهم وسبق ليوسف انْ فَسَّرَ رؤياه في السجن كان حاضراً في البلاط آنذاك فقال: إني أعرف من يفسّر الرؤيا جيداً، وعندما فسّر يوسف (عليه السلام) له ما رآهُ في منامه الذي يتعلق بالأمور الاقتصادية لسبع سنوات مقبلة، أطلق سراحه وتهيَّأت مقدمات حكومته من جهة، ومن جهة أخرى استطاع أن يضع برنامجاً دقيقاً بدقة لانقاذ أهل مصر من القحط خلال سنوات القحط المقبلة.

إن الآية السابقة التي تحدثت عن علم تأويل الاحاديث (في المنام) بعد حديثها عن ملك يوسف (حكومته)، يمكن أنها تشير إلى العلاقة بين هذين الاثنين.
وكيفما كان فان هذه الآية توحي بان مفتاح النجاة هو العلم والمعرفة. وحتى ابسط العلوم يمكن أن يكون سبباً لانقاذ دولة. ونحن في جمعية القرآن نسعى من أجل أن نفهِمَ المتعطشين للمعرفة إلى أهمية الاستفادة من العلوم المتصلة بالقرآن وعلومه وضرورة فهمها والعمل بها وإليكم بعض الأنشطة التي تصب في هذا الاتجاه.


سورة سبأ، الآية: 46.
سورة يوسف، الآية: 101.

 

1- نشاط القسم التعليمي وبرامجه:

- يستمر القسم التعليمي في برامجه التعليمية ودوراته في لبنان خلال الأشهر الأربعة (محرم، صفر، ربيع الأول، ربيع الثاني) وفق رؤية البرنامج السنوي الذي يتضمن العناوين التالية:
1 - الحلقات القرآنية في المساجد والحسينيات.
2 - التلاوة والتجويد للمرحلة المتوسطة والتخصصية.
3 - الصوت والنغم للمرحلة المتوسطة والتخصصية.
4 - مجمع قرَّاء القرآن والقارئات.
5 - مناهج التفسير وتفسير الجزء السابع من القرآن الكريم.
6 - تفسير سورة الفرقان والعنكبوت.
7 - العلوم القرآنيَّة، والمفاهيم القرآنية.
8 - علم الوقف والإبتداء.
9 - أساليب تحكيم المسابقات القرآنيَّة.
10 - أساليب تدريس التجويد وحفظ القرآن.
11 - الورش التعليميَّة.
12- الدورات المركزيَّة المغلقة في العناوين التالية:
أ- تأهيل القرَّاء والقارئات.
ب- تأهيل معلمي التجويد والوقف والإبتداء.
ج- تأهيل الحكّام في المسابقات القرآنيَّة.
د- أساليب تدريس حفظ القرآن.

 

2- نشاط قسم التحفيظ للقرآن الكريم:

- دورات حفظ القرآن الصيفية هي مقدمة للدخول في المشروع الرسمي والذي من شرائطه أن يحفظ الطالب جزأين من القرآن الكريم ليحق له الدخول في الدورات الرسمية الأساسية وقد بلغ عدد المشاركين في دورات هذا العام 2015م (500 طالباً) موزعين على كافة المناطق في لبنان ومدة دورات الحفظ الصيفية في كل المناطق شهران وهي ما بين تموز إلى أيلول، فعلى الراغب لمعرفة المزيد عن هذه الدورات الإتصال بمراكز الجمعية في المناطق كافة.

 

 

3- نشاط قسم النشاطات القرآنية:

- أقامت جمعية القرآن الكريم في أيام وليالي شهر رمضان المبارك، وبالتعاون مع وحدة الأنشطة الثقافية في حزب الله، سلسلة من الأمسيات والحفلات القرآنية في كافة المناطق اللبنانية، حيث استضافت عدداً من كبار القرّاء والحفاظ وفرق التواشيح الدينية من لبنان والعالم الإسلامي، بمشاركة المؤمنين والمؤمنات من أجل نشر ثقافة تلاوة القرآن الكريم وحفظه والاستئناس إلى آياته في هذا الشهر المبارك أعاده تعالى علينا باليمن والبركة.
- تعلن جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد عن إطلاقها المسابقة الثامنة عشر في تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتفسيره ورفع الأذان حيث تبدأ المسابقة في كافة المناطق ابتداءً من تاريخ 29/10/2015م. ولغاية 30/11/2015م. والتصفيات المركزية في 4 و6/12/2015م.
على الراغبين بالمشاركة مراجعة مراكز الجمعية في كافّة المناطق.

 

4- نشاط قسم الدراسات القرآنية:

تمكنت جمعية القرآن خلال الأشهر الماضية من طباعة الإصدارات التالية:
- طباعة مجلة هدى القرآن العدد (17) .
- مجلة نافذة من السماء العدد (19) .
- أريج القرآن أصبحنا في العدد (89) .
- أصدرت الجمعية كتابها الجديد «أنواع القلوب ورفع حجب الذنوب - دراسة قرآنيّة موضوعية»، فعلى الراغبين في الحصول على نسخة من مطبوعات الجمعية الإتصال بمراكزها في المناطق كافة.

 

   مسابقة العدد

 

1 - ما هو معنى ﴿ بِيَعٌ ﴾ ؟
أ - معبد اليهود والنصارى.
ب - الكنيسة.
ج - كلاهما صحيح.

2 - تفسير «الميزان» كتب على نمط.
أ - التفسير الفيضي.
ب - تفسير القرآن بالقرآن.
ج - كلاهما صحيح.

3 - من القرّاء السبعة عاصم بن بهدلة:
أ - الدمشقي.
ب - الكوفي.
ج- المكي.

4- أين كان يسكن قوم ثمود ؟
أ - وادي القرى بين المدينة والشام.
ب - وادي حضرموت وراء مدينة اليمن.
ج - وادي السلام في العراق.

5 - هل تجب القراءة جهراً أو إخفاتاً في الركعتين الأوليين من صلاة الصبح والمغرب والعشاء القضائية الإحتياطية؟
أ - لا يوجد فرق بين صلاة الأداء وصلاة القضاء في وجوب الجهر والإخفات.
ب - يوجد فرق بين صلاة الأداء وصلاة القضاء في وجوب الجهر والإخفات.
ج - كلاهما خطأ.

6 - أكمل الحديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ القرآن... بعضه بعضاً».
أ - يصدّق.
ب - يوافق.
ج - يصادق.

7 - ما هو معنى الجِهَادِ لغة ؟
أ - من الجهد.
ب - المشقّة البالغة.
ج - كلاهما صحيح.

8 - التنوين من المرفوع والمجرور من الوقف:
أ - بالحذف.
ب - بالإبدال.
ج - كلاهما خطأ.

9 - من القائل: «في ظل القرآن استطاع الإسلام في نصف قرن أن ينتصر على امبراطوريات زمانه»؟
أ - الامام الخميني (قدِّس سرُّه) .
ب - الامام الخامنئي (دام ظلُّه) .
ج - سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) .

10 - من القائل: «هذا القرآن حبل إلهي متين إذا اعتصمنا به أمنّا من الزلل والسقوط والضياع»؟
أ - الامام الخميني (قدِّس سرُّه) .
ب - الامام الخامنئي (دام ظلُّه) .
ج - سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) .

 

تسلية وفائدة قرآنية


أفقيَّا

1 - ثاني أطول كلمة في القرآن الكريم ؟
2 - سورة يستحب قرائتها في صلاة الجمعة غير المنافقين.
3 - اسم للآية: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ .
4 - نبي ركب غواصة إلهية.
5 - سورة خلت من حرف الفاء.
6 - سورة لم تبدأ بالبسملة.
7 - اسم السورة الأخيرة التي نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
8 - اسم سورة ذمت أبا لهب.
9 - سورة تكررت فيها البسملة مرتين.
10 - شهر من شهور السنة ذكر في القرآن.

عاموديَّاً

1 - معنى كلمة الأسفار من قوله تعالى: ﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾ .
 


قسيمة مسابقة هدى القرآن العدد«17»

الفائزون: الأولـى: أمال المولى.
الثاني: علي المولى.
الثالثة: منى عسّاف.
يمكنكم مراجعة مراكز الجمعية في المناطق لاستلام الجائزة.

الأجوبة الصحيحة لمسابقة هدى القرآن العدد (16)
 

ج1 - معنى ﴿ مُطْمَئِنٌّ ﴾، هو:
أ - ثابت. ب - ساكن.

ج2 - التفسير الفيضي هو:
أ - تأويل الآيات على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات رمزية.
ب - يرتكز على رياضة روحية يأخذ بها الصوفي.

ج3- الذي كتب شرحاً على كتاب القراءات السبع لابن مجاهد، سماه الحجّة في القراءات السبع:
ب - أبو علي الفارسي.

ج4 -كان يسكن قوم ثمود:
أ - وادي القرى بين المدينة والشام.

ج5 - حكم صلاتنا (الصبح) إذا لم تكن القراءة فيها جهراً:
أ - تبطل الصلاة بتعمّد الإخفات.
ب - تصحّ لو كان الإخفات سهواً أو جهلاً.

ج6 - الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنَّ الذي يعالج القرآن ويحفظه بمشقة منه وقلة حفظ .......» تكملته، هي:
أ - له أجران.

ج7 - الرسول، هو:
أ - الذي يبعث فيؤمر بالتبليغ ويحمل الرسالة.

ج8 - تعريف الوقف بالرّوْم، هو:
أ - تبعيض الحركة وخفض الصوت قليلاً عمّن جاوره من الحروف.

ج9 - القائل: «انقذوا القرآن الكريم من شر الجاهلين المتنسكين والعلماء المتهتكين»، هو:
أ - الامام الخميني (قدِّس سرُّه) .

ج10 - القائل: «القرآن بحاجة إلی التدبر والوقوف عند كل كلمة من كلماته»، هو:
ب - الامام الخامنئي (دام ظلُّه) .


أجوبة تسلية وفائدة قرآنية للعدد(16) :

أفقيَّاً

1 - اسم من أسماء آية الكرسي، هو: ذروة القرآن.
2 - قوم اشتهروا بكثرة قتل الأنبياء، هم: بنو إسرائيل.
3 - قوم أبادتهم الطيور، هم: أصحاب الفيل.
4 - شخص سألت عنه أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة الكهف، هو: ذو القرنين.
5 - سورة قرآنيّة أطلق اسم لبعض الحشرات آخرها حرف تاء، هي: العنكبوت.
6 - أصغر آية من سورة الرحمن، هي: مُدْهَامَّتَانِ.
7 - اسم الكتاب السماوي للنبي داود (عليه السلام)، هو: زبور داود.
8 - كلمة تقع وسط القرآن، هي: وَلْيَتَلَطَّفْ.
9 - اسم وصف لكتاب الله آخره (لام)، هو: التنزيل.
10 - سورة سمّيت بأسماء القرآن وسطها (ق)، هي: الفرقان.

عاموديَّاً

1 - نبي أعطاه الله العلم والحكمة ووهب له من الملك، هو: سليمان (عليه السلام) .
2 - أكمل قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾ 

 

 

 

 

 

ملاحظة: إلى القرّاء الكرام:

تحية طيبة إليكم من إدارة المجلة، ونحن نرحب بأي اقتراح من قبلكم لتطوير المجلة ويمكن لكم مراسلتنا من خلال مراكز جمعية القرآن الكريم من كافة المناطق.

عناوين جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد
الإدارة العامة: بيروت - لبنان - حارة حريك - أوتوستراد المطار - سنتر صولي ط2 هاتف: 274721 /01 - تلفاكس: 545723/ 01
بيروت - النويري: 278845/01 - 663914/01 - خلدة: 278845/01
الجنوب : النبطيــة: 764749/07 - مشغــرة - القطراني: 651915/08 - بريقع: 958404/70
صور - شحـور: 675170/03- جويـا: 411355/07 ـ الشعيتية - بنت جبيل: 349292/07
بـعـلبـك - ـ قصرنبا: 373786/08 ـ النبي شيت: 335013/08 - شمسطار: 373786/08
الهرمــل - العين - القصر: 200235/08
 

www.qurankarim.org E-mail: info@qurankarim.org

 

20-10-2015 | 13-41 د | 9576 قراءة


الصفحة الرئيسة
جمعية القرآن الكريم
المكتبة الصوتية والمرئية
معرض الصور
مكتبة الكتب
سؤال وجواب
صفحة البحــــث
القائمة البريـدية
سجـــــــل الزوار
خدمــــــــة RSS
تواصل معنا
 
فلاشات إخبارية
جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - لبنان

2568086 زيارة منذ 18- تموز- 2008

آخر تحديث: 2023-12-07 الساعة: 12:56 بتوقيت بيروت